٥

{أولئك على هدى من ربهم} الجملة في محل الرفع إن جعل أحد الموصولين مفصولا عن المتقين خبر له فكأنه لما قيل {هدى للمتقين} [البقرة: ٢] قيل ما بالهم خصوا بذلك فأجيب بقوله {الذين يؤمنون بالغيب} [البقرة: ٣] إلى آخر الآيات وإلا فاستئناف لا محل لها فكأنه نتيجة الأحكام والصفات المتقدمة أو جواب سائل قال ما للموصوفين بهذه الصفات اختصوا بالهدى ونظيره أحسنت إلى زيد صديقك القديم حقيق بالإحسان فإن اسم الإشارة ههنا كإعادة الموصوف بصفاته المذكورة وهو أبلغ من أن يستأنف بإعادة الاسم وحده لما فيه من بيان المقتضى وتلخيصه فإن ترتب الحكم على الوصف إيذان بأنه الموجب له ومعنى الاستعلاء في {على هدى} تمثيل تمكنهم من الهدى واستقرأرهم عليه بحال من اعتلى الشيء وركبه وقد صرحوا به في قولهم امتطى الجهل وغوى واقتعد غارب الهوى وذلك إنما يحصل باستفراغ الفكر وإدامة النظر فيما نصب من الحجج والمواظبة على محاسبة النفس في العمل ونكر هدى للتعظيم فكأنه أريد به ضرب لا يبالغ كنهه ولا يقادر قدره ونظيره قول الهذلي فلا وأبي الطير المربة بالضحى على خالد لقد وقعت على لحم وأكد تعظيمه بأن اللّه تعالى مانحه والموفق له وقد أدغمت النون في الراء بغنة وبغير غنة.

{وأولئك هم المفلحون} كرر فيه اسم الإشارة تنبيها على أن اتصافهم بتلك الصفات يقتضي كل واحدة من الأثرتين وإن كلا منهما كاف في تمييزهم بها عن غيرهم ووسط العاطف لاختلاف مفهوم الجملتين ههنا بخلاف قوله {أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون} [الأعراف: ١٧٩] فإن التسجيل بالغفلة والتشبيه بالبهائم شيء واحد فكانت الجملة الثانية مقررة للأولى فلا تناسب العطف وهم فصل يفصل الخبر عن الصفة ويؤكد النسبة ويفيد اختصاص المسند إليه أو مبتدأ والمفلحون خبره والجملة خبر أولئك والمفلح بالحاء والجيم الفائز بالمطلوب كأنه الذي انفتحت له وجوه الظفر وهذا التركيب وما يشاركه في الفاء والعين نحو فلق وفلذ وفلي يدل على الشق والفتح وتعريف المفلحين للدلالة على أن المتقين هم الناس الذين بلغك أنهم المفلحون في الآخرة أو الإشارة إلى ما يعرفه كل أحد من حقيقة المفلحين وخصوصياتهم. تنبيه تأمل كيف نبه سبحانه وتعالى على اختصاص المتقين بنيل ما لا يناله كل أحد من وجوه شتى وبناء الكلام على اسم الإشارة للتعليل مع الأيجاز وتكريره وتعريف الخبر وتوسيط الفصل لإظهار قدرهم والترغيب في اقتفاء أثرهم وقد تشبث به الوعيدية في خلود الفساق من أهل القبلة في العذاب ورد بأن المراد بالمفلحين الكاملون في الفلاح ويلزمه عدم كمال الفلاح لمن ليس على صفتهم لا عدم الفلاح له رأسا.

﴿ ٥