تفسير البيضاوي: أنوار التنزيل و أسرار التأويل أبو سعيد عبد اللّه بن عمر بن محمد بن علي البيضاوي الشيرازي الفارسي، ناصر الدين، القاضي الشافعي (ت ٦٨٥ هـ ١٢٨٦ م) _________________________________ سورة الانفال بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {يسئلونك عن الأنفال} أي الغنائم يعني حكمها وإنما سميت الغنيمة نفلا لأنها عطية من اللّه وفضل كما سمي به ما يشرطه الأمام لمقتحم خطر عطية له وزيادة على سهمه {قل الأنفال للّه والرسول} أي أمرها مختص بهما يقسمها الرسول على ما يأمره اللّه به وسبب نزوله اختلاف المسلمين في غنائم بدر أنها كيف تقسم ومن يقسم المهاجرون منهم أو الأنصار وقيل شرط رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لمن كان له غناء أن ينفله فتسارع شبانهم حتى قتلوا سبعين وأسروا سبعين ثم طلبوا نفلهم وكان المال قليلا فقال الشيوخ والوجوه الذين كانوا عند الرايات كنا ردءا لكم وفئة تنحازون إلينا فنزلت فقسمها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بينهم على السواء ولهذا قيل لا يلزم الأمام أن يفي بما وعد وهو قول الشافعي رضي اللّه عنه وعن سعد بن أبي وقاص رضي اللّه تعالى عنه قال لما كان يوم بدر قتل أخي عمير فقتلت به سعيد بن العاص وأخذت سيفه فأتيت به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واستوهبته منه فقال ليس هذا لي ولا لك اطرحه في القبض فطرحته وبي ما لا يعلمه إلا اللّه من قتل أخي وأخذ سلبي فما جاوزت إلا قليلا حتى نزلت سورة الانفال فقال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سألتني السيف وليس لي وأنه قد صار لي فاذهب فخذه وقرئ ويسألونك علنفال بحذف الهمزة والفاء حركتها على اللام وإدغام نون عن فيها ويسألونك الانفال أي يسألك الشبان ما شرطت لهم {فاتقوا اللّه} في الاختلاف والمشاجرة {وأصلحوا ذات بينكم} الحال التي بينكم بالمواساة والمساعدة فيما رزقكم اللّه وتسليم أمره إلى اللّه والرسول {وأطيعوا اللّه ورسوله} فيه {إن كنتم مؤمنين} فإن الإيمان يقتضي ذلك أو أن كنتم كاملي الإيمان فإن كمال الإيمان بهذه الثلاثة طاعة الأوامر والاتقاء عن المعاصي وإصلاح ذات البين بالعدل والإحسان ٢ {إنما المؤمنون} أي الكاملون في الإيمان {الذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم} فزعت لذكره استعظاما له وتهيبا من جلاله وقيل هو الرجل يهم بمعصية فيقال له اتق اللّه فينزع عنها خوفا من عقابه وقرئ وجلت بالفتح وهي لغة وفرقت أي خافت {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا} لزيادة المؤمن به أو لاطمئنان النفس ورسوخ اليقين بتظاهر الأدلة أو بالعمل بموجبها وهو قول من قال الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية بناء على أن العمل داخل فيه {وعلى ربهم يتوكلون} يفوضون إليه أمورهم ولا يخشون ولا يرجون إلا إياه ٣ {الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} ٤ {أولئك هم المؤمنون حقا} لأنهم حققوا إيمانهم بأن ضموا إليه مكارم أعمال القلوب من الخشية والإخلاص والتوكل ومحاسن أفعال الجوارح التي هي العيار عليها من الصلاة والصدقة و حقا صفة مصدر محذوف أو مصدر مؤكد كقوله وعد اللّه حقا {لهم درجات عند ربهم} كرامة وعلو منزلة وقيل درجات الجنة يرتقونها بأعمالهم {ومغفرة} لما فرط منهم {ورزق كريم} أعد لهم في الجنة لا ينقطع عدده ولا ينتهي أمده ٥ {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق} خبر مبتدأ محذوف تقديره هذه الحال في كراهتهم إياها كحال إخراجك للحرب في كراهتهم له وهي كراهة ما رأيت من تنفيل الغزاة أو صفة مصدر الفعل المقدر في قوله للّه والرسول أي الأنفال ثبتت للّه والرسول صلى اللّه عليه وسلم مع كراهتهم ثباتا مثل ثبات إخراجك ربك من بيتك يعني المدينة لأنها مهاجرة ومسكنه أو بيته فيها مع كراهتهم {وإن فريقا من المؤمنين لكارهون} في موقع الحال أي أخرجك في حال كراهتهم وذلك أن عير قريش أقبلت من الشأم وفيها تجارة عظيمة ومعها أربعون راكبا منهم أبو سفيان وعمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل وعمرو بن هشام فأخبر جبريل عليه السلام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبر المسلمين فأعجبهم تلقيها لكثرة المال وقلة الرجال فلما خرجوا بلغ الخبر أهل مكة فنادى أبو جهل فوق الكعبة يا أهل مكة النجاء النجاء على كل صعب وذلول عيركم أموالكم إن أصابها محمد لن تفلحوا بعدها أبدا وقد رأت قبل ذلك بثلاث عاتكة بنت عبد المطلب أن ملكا نزل من السماء فأخذ صخرة من الجبل ثم حلق بها فلم يبق بيت في مكة إلا أصابه شيء منها فحدثت بها العباس وبلغ ذلك أبا جهل فقال ما نرضى رجالهم أن يتنبؤوا حتى تتنبأ نساؤهم فخرج أبو جهل بجميع أهل مكة ومضى بهم إلى بدر وهو ماء كانت العرب تجتمع عليه لسوقهم يوما في السنة وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بوادي ذفران فنزل عليه جبريل عليه السلام بالوعد بإحدى الطائفتين إما العير وإما قريش فاستشار فيه أصحابه فقال بعضهم هلا ذكرت لنا القتال حتى تتأهب له إنما خرجنا للعير فردد عليهم وقال إن العير قد مضت على ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل فقالوا يا رسول اللّه عليك بالعير ودع العدو فغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقام أبو بكر وعمر رضي اللّه تعالى عنهما وقالا فأحسنا ثم قام سعد بن عبادة فقال انظر أمرك فامض فيه فواللّه لو سرت إلى عدن أبين ما تخلف عنك رجل من الأنصار ثم قال مقداد بن عمرو امض لما أمرك اللّه فأنا معك حيثما أحببت لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا أنا معكما مقاتلون فتبسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم قال اشيرو علي أيها الناس وهو يريد الانصال لأنهم كانوا عددهم وقد شرطوا حين بايعون بالعقبة أنهم براء من ذمامه حتى يصل إلى ديارهم فتخوف أن لا يروا نصرته إلا على عدو دهمه بالمدينة فقام سعد بن معاذ فقال لكأنك تريدنا يا رسول اللّه فقال أجل قال آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول اللّه لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا وإنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء ولعل اللّه يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة اللّه تعالى فنشطه قوله ثم قال سيروا على بركة اللّه تعالى وأبشروا فإن اللّه قد وعدني إحدى الطائفتين واللّه لكأني أنظر إلى مصارع القوم وقيل إنه عليه الصلاة والسلام لما فرغ من بدر قيل له عليك بالعير فناداه العباس وهو في وثاقه لا يصلح فقال له لم فقال لأن وعدك إحدى الطائفتين وقد اعطاك ما وعدك فكره بعضهم قوله ٦ {يجادلونك في الحق} في إيثارك الجهاد بإظهار الحق لإيثارهم تلقي العير عليه {بعد ما تبين} لهم أنهم ينصرون اينما توجهوا بأعلام الرسول عليه الصلاة والسلام {كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} أي يكرهون القتال كراهة من يساق إلى الموت وهو يشاهد أسبابه وكان ذلك لقلة عددهم وعدم تأهبهم إذ روي أنهم كانوا لفرط فزعهم ورعبهم ٧ { وإذ يعدكم اللّه إحدى الطائفتين} على إضمار اذكر واحدى ثاني مفعولي يعدكم وقد أبدل منها {أنها لكم} بدل الاشتمال {وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم} يعني العير فإنه لم يكن فيها إلا أربعون فارسا ولذلك يتمنونها ويكرهون ملاقاة النفير لكثرة عددهم وعددهم والشوكة الحدة مستعارة من واحدة الشوك {ويريد اللّه أن يحق الحق} أي يثبته ويعليه {بكلماته} المومحى بها في هذه الحال أو بأوامره للملائكة بالإمداد وقرئ بكلمته {ويقطع دابر الكافرين} ويستأصلهم والمعنى أنكم تريدون أن تصيبوا مالا ولا تلقوا مكروها واللّه يريد إعلاء الدين وإظهار الحق وما يحصل لكم فوز الدارين ٨ {ليحق الحق ويبطل الباطل} أي فعل ما فعل وليس بتكرير لأن الأول لبيان المراد وما بينه وبين مرادهم من التفاوت والثاني لبيان الداعي إلى حمل الرسول على اختيار ذات الشوكة ونصرة عليها {ولو كره المجرمون} ذلك ٩ {إذ تستغيثون ربكم} بدل من إذ يعدكم أو متعلق بقوله ليحق بقوله ليحق الحق أو على إضمار اذكر واستغاثتهم أنهم لما علموا أن لا محيص عن القتال أخذوا يقولون أي رب انصرنا على عدوك أغثنا يا غياث المستغيثين وعن عمر رضي اللّه تعالى عنه عليه السلام نظر إلى المشركين وهم ألف وإلى أصحابه وهم ثلاثمائة فاستقبل القبلة ومد يديه يدعو اللّهم انجز لي ما وعدتني اللّهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض فما زال كذلك حتى سقط رداؤه فقال أبو بكر يا نبي اللّه كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك {فاستجاب لكم أني ممدكم} بأني ممدكم فحذف الجار وسلط عليه الفعل وقرأ أبو عمرو بالكسر على إرادة القول أو اجراء استجاب مجرى قال لأن الاستجابة من القول {بألف من الملائكة مردفين} متبعين المؤمنين أو بعضهم بعضا من أردفته أنا إذا جئت بعده أو متبعين بعضهم بعض المؤمنين أو أنفسهم المؤمنين من أردفته إياه فردفه وقرأ نافع ويعقوب مردفين بفتح الدال أي متبعين بمعنى انهم كانوا مقدمة الجيش أو ساقتهم وقرئ مردفين بكسر الراء وضمها وأصله مرتدفين بمعنى مترادفين فادغمت التاء في الدال فالتقى ساكنان فحركت الراء بالكسر على الأصل أو بالضم على الاتباع وقرئ بآلاف ليوافق ما في سورة آل عمران ووجه التوفيق بينه وبين المشهور أن المراد بالألف الذين كانوا على المقدمة أو الساقة أو وجوههم وأعيانهم أو من قاتل منهم واختلف في مقاتلتهم وقد روي إخبار تدل عليها ١٠ {وما جعله اللّه} أي الإمداد {إلا بشرى} إلا بشارة لكم بالنصر {ولتطمئن به قلوبكم} فيزول ما بها من الوجل لقلتكم وذلتكم {وما النصر إلا من عند اللّه إن اللّه عزيز حكيم} وإمداد الملائكة وكثرة العدد والأهب ونحوهما وسائط لا تأثير لها فلا تحسبوا النصر منها ولا تيأسوا منه بفقدها ١١ {إذ يغشيكم النعاس} بدل ثان من إذ يعدكم لإظهار نعمة ثالثة أو متعلق بالنصر أو بما في عند اللّه معنى الفعل أو بجعل أو بإضمار اذكر وقرأ نافع بالتخفيف من أغشيته الشيء إذا غشيته إياه والفاعل على القرأءتين هو اللّه تعالى وقرأ ابن كثير وأبو عمر يغشاكم الناس بالرفع {أمنة منه} أمنا من اللّه وهو مفعول له باعتبار المعنى فإن قوله {يغشيكم النعاس} متضمن معنى تنعسون ويغشاكم بمعناه وال أمنة فعل لفاعله ويجوز أن يراد بها الإيمان فيكون فعل المغشي وأن تجعل على القرأءة الاخيرة فعل النعاس على المجاز لأنها لأصحابه أو لأنه كان من حقه أن لا يغشاكم لشدة الخوف فلما غشيهم فكأنه حصلت له أمنة من اللّه لولاها لم يغشهم كقوله يهاب النوم أن يغشى عيونا تهابك فهو نفار شرود وقرئ أمنة كرحمة وهي لغة {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به} من الحدث والجنابة {ويذهب عنكم رجز الشطيان} يعني الجنابة لأنها من تخييله أو وسوسته وتخويفه إياهم من العطش روي أنهم نزلوا في كثيب أغفر تسوخ فيه الأقدام على غير ماء وناموا فاحتلم أكثرهم وقد غلب المشركون على الماء فوسوس إليهم الشيطان وقال كيف تنصرون وقد غلبتم على الماء وانتم تصلون محدثين مجنبين وتزعمون انكم اولياء اللّه وفيكم رسوله فاشفقوا فأنزل اللّه المطر فمطروا ليلا حتى جرى الوادي واتخذوا الحياض على عدوته وسقوا الركاب واغتسلوا وتوضؤوا وتلبد الرمل الذي بينهم وبين العدو حتى ثبتت عليه الأقدام وزالت الوسوسة {وليربط على قلوبكم} بالوثوق على لطف اللّه بهم {ويثبت به الأقدام} أي بالمطر حتى لا تسوخ في الرمل أو بالربط على القلوب حتى تثبت في المعركة ١٢ {إذ يوحي ربك} بدل ثالث أو متعلق بيثبت {إلى الملائكة أني معكم} في إعانتهم وتثبيتهم وهو مفعول يوحي وقرئ بالكسر على إرادة القول أو اجراء الوحي مجراه {فثبتوا الذين آمنوا} بالبشارة أو بتكثير سوادهم أو بمحاربة أعدائهم فيكون قوله {سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب} كالتفسير لقوله {إني معكم فثبتوا} وفيه دليل على أنهم قاتلوا ومن منع ذلك جعل الخطاب فيه مع المؤمنين إما على تغيير الخطاب أو على أن قوله سألقي إلى قوله {كل بنان} تلقين للملائكة ما يثبتون المؤمنين به كأنه قال قولوا لهم قولي هذا {فاضربوا فوق الأعناق} أعاليها التي هي المذابح أو الرؤوس {واضربوا منهم كل بنان} أصابع أي جزوا رقابهم واقطعوا أطرافهم ١٣ {ذلك} إشارة إلى الضرب أو الأمر به والخطاب للرسول أو لكل أحد من المخاطبين قبل {بأنهم شاقوا اللّه ورسوله} بسبب مشاقتهم لهما واشتقاقه من الشق لأن كلا من المتعادين في شق خلاف شق الآخر كالمعاداة من العدوة والمخاصمة من الخصم وهو الجانب {ومن يشاقق اللّه ورسوله فإن اللّه شديد العقاب} تقرير للتعليل أو وعيد بما اعد لهم في الآخرة بعد ما حاق بهم في الدنيا ذلكم الخطاب فيه مع الكفرة على طريقة الالتفات ومحله الرفع أي الأمر ذلكم أو ١٤ {ذلكم} واقع أو نصب بفعل دل عليه {فذوقوه} أو غيره مثل باشروا أو عليكم فتكون الفاء عاطفة {وأن للكافرين عذاب النار} عطف على ذلكم أو نصب على المفعول معه والمعنى ذوقوا ما عجل لكم مع ما أجل لكم في الآخرة ووضع الظاهر فيه موضع الضمير للدلالة على أن الكفر سبب العذاب الآجل أو الجمع بينهما وقرئ وإن بالكسر على الاستئناف ١٥ {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا} كثيرا بحيث يرى لكثرتهم كأنهم يزحفون وهو مصدر زحف الصبي إذا دب على مقعده قليلا قليلا سمي به وجمع على زحوف وانتصابه على الحال {فلا تولوهم الأدبار} بالانهزام فضلا أن يكونوا مثلكم أو أقل منكم والأظهر أنها محكمة مخصوصة بقوله {حرض المؤمنين على القتال} [الأنفال: ٦٥] الآية ويجوز أن ينتصب زحفا حالا من الفاعل والمعفول أي إذا لقيتموهم متزحفين يدبون اليكم وتدبون إليهم فلا تنهزموا أو من الفاعل وحده ويكون إشعارا بما سيكون منهم يوم حنين حين تولوا وهم اثنا عشر ألفا ١٦ {ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال} يريد الكر بعد الفر وتغرير العدو فإنه من مكايد الحرب {أو متحيزا إلى فئة} أو منحازا إلى فئة أخرى من المسلمين على القرب ليستعين بهم ومنهم من لم يعتبر القرب لما روى ابن عمر رضي اللّه عنهما انه كان في سرية بعثهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ففروا إلى المدينة فقلت يا رسول اللّه نحن الفرارون فقال: بل انتم العكارون وأنا فئتكم وانتصاب متحرفا ومتحيزا على الحال وإلا لغو لا عمل لها أو الاستثناء من المولين أي إلا رجلا متحرفا أو ومتحيزا ووزن متحير متفيعل لا متفعل وإلا لكان متحوزا لأنه من حاز يحوز {فقد باء بغضب من اللّه ومأواه جهنم وبئس المصير} هذا إذا لم يزد العدو على الضعف لقوله {الآن خفف اللّه عنكم} [الأنفال: ٦٦] الآية وقيل الآية مخصوصة بأهل بيته والحاضرين معه في الحرب ١٧ {فلم تقتلوهم} بقوتكم {ولكن اللّه قتلهم} بنصركم وتسليطكم عليهم وإلقاء الرعب في قلوبهم روي انه لما طلعت قريش من العقنقل قال صلى اللّه عليه وسلم: هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها يكذبون رسولك اللّهم إني أسألك ما وعدتني فأتاه جبريل عليه السلام وقال له: خذ قبضة من تراب فارمهم بها فلما التقى الجمعان تناول كفا من الحصباء فرمى بها في وجوههم وقال: شاهت الوجوه فلم يبق مشرك إلا شغل بعينيه فانهزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم ثم لما انصرفوا أقبلوا على التفاخر فيقول الرجل قتلت وأسرت فنزلت والفاء جواب شرط محذوف تقديره إن افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم ولكن اللّه قتلهم {وما رميت} يا محمد رميا توصله إلى أعينهم ولم تقدر عليه {إذ رميت} أي إذ أتيت بصورة الرمي {ولكن اللّه رمى} أتى بما هو غاية الرمي فأوصلها إلى أعينهم جميعا حتى انهزموا وتمكنتم من قطع دابرهم وقد عرفت أن اللفظ يطلق على المسمى وعلى ما هو كماله والمقصود منه وقيل انه نزل في طعنة طعن بها أبي بن خلف يوم أحد ولم يخرج منه دم فجعل يخور حتى مات أو رمية سهم رماه يوم خيبر نحو الحصن فأصاب كنانة بن أبي الحقيق على فراشه والجمهور على الأول وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي ولكن بالتخفيف ورفع ما بعده في الموضعين {وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا} ولينعم عليهم نعمة عظيمة بالنصر والغنيمة ومشاهدة الآيات فعل ما فعل {أن اللّه سميع} لاستغاثتهم ودعائهم {عليم} بنياتهم وأحوالهم ذلكم إشارة إلى البلاء الحسن أو القتل أو الرمي ومحله الرفع أي المقصود أو الأمر ١٨ {ذلكم} وقوله {وأن اللّه موهن كيد الكافرين} معطوف عليه أي المقصود ابلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين وإبطال حيلهم وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو موهن بالتشديد وحفص موهن كيد بالإضافة والتخفيف ١٩ {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} خطاب لأهل مكة على سبيل التهكم وذلك أنهم حين أرادوا الخروج تعلقوا بأستار الكعبة وقالوا اللّهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين {وإن تنتهوا} عن الكفر ومعاداة الرسول {فهو خير لكم} لتضمنه سلامة الدارين وخير المنزلين وإن {تعودوا} لمحاربته {نعد} لنصرته عليكم {ولن تغني} ولن تدفع {عنكم فئتكم} جماعتكم شيئا من الاغناء أو المضار لو كثرت فئتكم {وأن اللّه مع المؤمنين} بالنصر والمعونة وقرأ نافع وابن عامر وحفص وأن بالفتح على تقدير ولأن اللّه مع المؤمنين كان ذلك وقيل الآية خطاب للمؤمنين والمعنى أن تستنصروا فقد جاءكم النصر وإن تنتهوا عن التكاسل في القتال والرغبة عما يستأثره الرسول فهو خير لكم وإن تعودوا إليه نعد عليكم بالإنكار أو تهييج العدو ولن تغني حينئذ كثرتكم إذا لم يكن اللّه معكم بالنصر فإنه مع الكاملين في إيمانهم ويؤيد ذلك ٢٠ {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللّه ورسوله ولا تولوا عنه} أي ولا تتولوا عن الرسول فإن المراد من الآية الأمر بطاعته والنهي عن الاعراض عنه وذكر طاعة اللّه للتوطئة والتنبيه على أن طاعة اللّه في طاعة الرسول لقوله تعالى {من يطع الرسول فقد أطاع اللّه} [النساء: ٨٠] وقيل الضمير للجهاد أو للأمر الذي دل عليه الطاعة {وأنتم تسمعون} القرأن والمواعظ سماع فهم وتصديق ٢١ {ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا} كالكفرة والمنافقين الذين ادعوا السماع {وهم لا يسمعون} سماعا ينتفعون به فكأنهم لا يسمعون رأسا ٢٢ {إن شر الدواب عند اللّه} شر ما يدب على الأرض أو شر البهائم الصم عن الحق {البكم الذين لا يعقلون} إياه عدهم من البهائم ثم جعلهم شرها لإبطالهم ما ميزوا به وفضلوا لأجله ٢٣ {ولو علم اللّه فيهم خيرا} سعادة كتبت لهم أو انتفاعا بالآيات لأسمعهم سماع تفهم {ولو أسمعهم} وقد علم أن لا خير فيهم لتولوا ولم ينتفعوا به أو ارتدوا بعد التصديق والقبول {وهم معرضون} لعنادهم وقيل كانوا يقولون للنبي صلى اللّه عليه وسلم أحيي لنا قصيا فإنه كان شيخا مباركا حتى يشهد لك ونؤمن بك والمعنى لأسمعهم كلام قصي ٢٤ {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا للّه وللرسول} بالطاعة {إذا دعاكم} وحد الضمير فيه لما سبق ولان دعوة اللّه تسمع من الرسول وروي أنه عليه الصلاة والسلام مر على أبي وهو يصلي فدعاه فعجل في صلاته ثم جاء فقال: ما منعك عن إجابتي قال: كنت أصلي قال: ألم تخبر فيما أوحي إلي {استجيبوا للّه وللرسول} واختلف فيه فقيل هذا لأن اجابته لا تقطع الصلاة فإن الصلاة أيضا إجابة وقيل لأن دعاءه كان لأمر لا يحتمل التأخير وللمصلي أن يقطع الصلاة لمثله وظاهر الحديث يناسب الأول {لما يحييكم} من العلوم الدينية فإنها حياة القلب والجهل موته قال لا تعجبن الجهول حلته فذاك ميت وثوبه كفن أو مما يورثكم الحياة الابدية في النعيم الدائم من العقائد والأعمال أو من الجهاد فإنه سبب بقائكم إذ لو تركوه لغلبهم العدو وقتلهم أو الشهادة لقوله تعالى {بل أحياء عند ربهم يرزقون} [آل عمران: ١٦٩] {واعلموا أن اللّه يحول بين المرء وقلبه} تمثيل لغاية قربه من العبد كقوله تعالى {ونحن اقرب إليه من حبل الوريد} [ق:١٦] وتنبيه على أنه مطلع على مكنونات القلوب مما عسى يغفل عنه صاحبها أو حث على المبادرة إلى اخلاص القلوب وتصفيتها قبل أن يحول اللّه بينه وبين قلبه بالموت أو غيره أو تصوير وتخييل لتملكه على العبد قلبه فيفسخ عزائمه ويغير مقاصده ويحول بينه وبين الكفر إن أراد سعادته وبينه وبين الإيمان إن قضى شقاوته وقرئ بين المر بالتشديد على حذف الهمزة وإلقاء حركتها على الراء وإجراء الوصل الوقف على لغة من يشدد فيه {وأنه إليه تحشرون} فيجازيكم بأعمالكم ٢٥ {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} اتقوا ذنبا يعمكم اثره كإقرأر المنكر بين أظهركم والمداهنة في الأمر بالمعروف وافتراق الكلمة وظهور البدع والتكاسل في الجهاد على أن قوله لا تصيبن إما جواب الأمر على معنى أن اصابتكم لا تصيب الظالمين منكم خاصة بل تعمكم وفيه أن جواب الشرط متردد فلا يليق به النون المؤكدة لكنه لما تضمن معنى النهي ساغ فيه كقوله تعالى {ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم} [النمل: ١٨] وأما صفة لـ لفتنة ولا للنفي وفيه شذوذ لأن النون لا تدخل المنفي في غير القسم أو لنهي على إرادة القول كقوله حتى إذا جن الظلام واختلط جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط وإما جواب قسم محذوف كقرأءة من قرأ لتصيبن وان اختلفا في المعنى ويحتمل أن يكون نهيا بعد الأمر باتقاء الذنب عن التعرض للظلم لأن وباله يصيب الظالم خاصة ويعود عليه ومن في منكم على الوجوه الأول للتبعيض وعلى الأخريين للتبيين وفائدته التنبيه على أن الظلم منكم اقبح من غيركم {واعلموا أن اللّه شديد العقاب} ٢٦ {واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض} أرض مكة يستضعفكم قريش والخطاب للمهاجرين وقيل للعرب كافة فإنهم كانوا اذلاء في أيدي فارس والروم {تخافون أن يتخطفكم الناس} كفار قريش أو من عداهم فإنهم كانوا جميعا معادين لهم مضادين لهم فآواكم إلى المدينة أو جعل لكم مأوى تتحصنون به عن أعاديكم {وأيدكم بنصره} على الكفار أم بمظاهرة الأنصار أو بإمداد الملائكة يوم بدر {ورزقكم من الطيبات} من الغنائم {لعلكم تشكرون} هذه النعم ٢٧ {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا اللّه والرسول} بتعطيل الفرائض والسنن أو بأن تضمروا خلاف ما تظهرون أو بالغلول في المغانم وروي انه عليه الصلاة والسلام حاصر بني قريظة إحدى وعشرين ليلة فسألوه الصلح كما صالح إخوانهم بني النضير على أن يسيروا إلى إخوانهم بأذرعات وأريحاء بأرض الشام فأبى إلا أن ينزلوا على احكم سعد بن معاذ فأبوا وقالوا أرسل إلينا أبا لبابة وكان مناصحا لهم لأن عياله وماله في أيديهم فبعثه إليهم فقالوا ما ترى هل ننزل على حكم سعد بن معاذ فأشار إلى حلقه أنه الذبح قال أبو لبابة فما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت اللّه ورسوله فنزلت فشد نفسه على سارية في المسجد وقال واللّه لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب اللّه علي فمكث سبعة أيام حتى خر مغشيا عليه ثم تاب اللّه عليه فقيل له قد تيب عليك فحل نفسك فقال لا واللّه لا احلها حتى يكون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هو الذي يحلني فجاءه فحله بيده فقال إن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالي فقال صلى اللّه عليه وسلم: يجيزك الثلث أن تتصدق به وأصل الخوف النقص كما أن أصل الوفاء التمام واستعماله في ضد الأمانة لتضمنه إياه {وتخونوا اماناتكم} فيما بينكم وهو مجزوم بالعطف على الأول أو منصوب على الجواب بالواو {وأنتم تعلمون} أنكم تخونون أو أنتم علماء تميزون الحسن من القبيح ٢٨ {واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة} لأنهم سبب الوقوع في الاثم أو العقاب أو محنة من اللّه تعالى ليبلوكم فيهم فلا يحملنكم حبهم على الخيانة كأبي لبابة {وأن اللّه عنده أجر عظيم} لمن آثر رضا اللّه عليهم وراعى حدوده فيهم فانيطوا هممكم بما يؤديكم إليه ٢٩ {يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا اللّه يجعل لكم فرقانا} هداية في قلوبكم تفرقون بها بين الحق والباطل أو نصرا يفرق بين المحق والمبطل بإعزاز المؤمنين وإذلال الكافرين أو مخرجا من الشبهات أو نجاة عما تحذرون في الدارين أو ظهورا يشهر امركم ويبث صيتكم من قولهم بت أفعل كذا حتى سطع الفرقان أي الصبح {ويكفر عنكم سيئاتكم} ويسترها {ويغفر لكم} بالتجاوز والعفو عنكم وقيل السيئات الصغائر والذنوب الكبائر وقيل المراد ما تقدم وما تأخر لأنها في أهل بدر وقد غفرهما اللّه تعالى لهم {واللّه ذو الفضل العظيم} تنبيه على أن ما وعده لهم على التقوى تفضل منه واحسان وأنه ليس مما يوجب تقواهم عليه كالسيد إذا وعد عبده انعاما على عمل ٣٠ {وإذ يمكر بك الذين كفروا} تذكار لما مكر به حين كان بمكة ليشكر نعمة اللّه في خلاصه من مكرهم واستيلائه عليهم والمعنى واذكر إذ يمكرون بك {ليثبتوك} بالوثاق أو الحبس أو الاثخان بالجرح من قولهم ضربه حتى أثبته لا حراك به ولا براح وقرئ ليثبتوك بالتشديد وليبيتوك من البيات وليقيدوك {أو يقتلوك} بسيوفهم {أو يخرجوك} من مكة وذلك أنهم لما سمعوا بإسلام الأنصار ومبايعتهم فرقوا واجتمعوا في دار الندوة متشاورين في أمره فدخل عليهم إبليس في صورة شيخ وقال أنا من نجد سمعت اجتماعكم فأردت أن احضركم ولن تعدموا مني رأيا ونصحا فقال أبو البحتري رأيي أن تحبسوه في بيت وتسدوا منافذه غير كوة تلقون إليه طعامه وشرابه منها حتى يموت فقال الشيخ بئس الرأي يأتيكم من يقاتلكم من قومه ويخلصه من أيديكم فقال هشام بن عمر ورأيي أن تحملون على جمل فتخرجوه من أرضكم فلا يضركم ما صنع فقال بئس الرأي يفسد قوما غيركم ويقاتلكم بهم فقال أبو جهل أنا أرى أن تأخذوا من كل بطن غلاما وتعطوه سيفا صارما فيضربوه ضربة واحدة فيتفرق دمه في القبائل فلا يقوى بنو هاشم على حرب قريش كلهم فإذا طلبوا العقل عقلناه فقال صدق هذا الفتى فتفرقوا على رأيه فأتى جبريل النبي صلى اللّه عليه وسلم وأخبره الخبر وأمره بالهجرة فبيت عليا رضي اللّه تعالى عنه في مضجعه وخرج مع أبي بكر رضي اللّه تعالى عنه إلى الغار {ويمكرون ويمكر اللّه} برد مكرهم عليهم أو بمجازاتهم عليه أو بمعاملة الماكرين معهم بأن اخرجهم إلى بدر وقلل المسلمين في أعينهم حتى حملوا عليهم فقتلوا {واللّه خير الماكرين} إذ لا يؤبه مكرهم دون مكره وإسناد أمثال هذا ما يحسن للمزاوجة ولا يجوز اطلاقها ابتداء لما فيه من إيهام الذم ٣١ {وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا} هو قول النضر بن الحارث وإسناده إلى الجميع إسناد ما فعله رئيس القوم إليهم فإنه كان قاصهم أو قول الذين ائتمروا في أمره عليه الصلاة والسلام وهذا غاية مكابرتهم وفرط عنادهم إذ لو استطاعوا ذلك فما منعهم أن يشاؤوا وقد تحداهم وقرعهم بالعجز عشر سنين ثم قارعهم بالسيف فلم يعارضوا سورة مع انفتهم وفرط استنكافهم أن يغلبوا خصوصا في باب البيان {إن هذا إلا أساطير الأولين} ما سطره الأولون من القصص ٣٢ {وإذ قالوا اللّهم أن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علنيا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} هذا أيضا من كلام ذلك القائل ابلغ في الجحود روي أنه لما قال النضر أن هذا إلا اساطير الأولين قال له النبي صلى اللّه عليه وسلم ويلك: إنه كلام اللّه فقال: ذلك والمعنى إن كان هذا حقا منزلا فأمطر الحجارة علينا عقوبة على انكاره أو ائتنا بعذاب اليم سواه والمراد منه التهكم واظهار اليقين والجزم التام على كونه باطلا وقرئ احلق بالرفع على أن هو مبتدأ غير فصل وفائدة التعريف فيه الدلالة على أن المعلق به كونه حقا بالوجه الذي يدعيه النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو تنزيله لا الحق مطلقا لتجويزهم أن يكون مطابقا للواقع غير منزل كأساطير الأولين ٣٣ { وما كان اللّه ليعذبهم وأنت فيهم وما كان اللّه معذبهم وهو يستغفرون} بيان لما كان الموجب لإمهالهم والتوقف في إجابة دعائهم واللام لتأكيد النفي والدلالة على أن تعذيبهم عذاب استئصال والنبي صلى اللّه عليه وسلم بين أظهرهم خارج عن عادته غير مستقيم في قضائه والمراد باستغفارهم أما استغفار من بقي فيهم من المؤمنين أو قولهم اللّهم غفرانك أو فرصة على معنى لو استغفروا لم يعذبوا كقوله {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} [هود: ١١٧] ٣٤ {وما لهم ألا يعذبهم اللّه} وما لهم مما يمنع تعذيبهم متى زال ذلك وكيف لا يعذبون {وهم يصدون عن المسجد الحرام} وحالهم ذلك ومن صدهم عنه الجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين إلى الهجرة واحصارهم عام الحديبية {وما كانوا أولياءه} مستحقين ولاية أمره مع شركهم وهو رد لما كانوا يقولون نحن ولاة البيت والحرم فنصد من نشاء وندخل من نشاء {إن أولياؤه إلا المتقون} من الشرك الذين لا يعبدون فيه غيره وقيل الضميران للّه {ولكن أكثرهم لا يعلمون} أن لا ولاية لهم عليه كأنه نبه بالاكثر أن منهم من يعلم ويعاند أو أراد به الكل كما يراد بالقلة العدم ٣٥ {وما كان صلاتهم عند البيت} أي دعاؤهم أو ما يسمونه صلاة أو ما يضعون موضعها {إلا مكاء} صفيرا فعال من مكا يمكو إذا صفر وقرئ بالقصر كالبكا {وتصدية} تصفيقا تفعله من الصدا أو من الصد على إبدال أحد حرفي التضعيف بالياء وقرئ صلاتهم بالنصب على أنه الخبر المقدم ومساق الكلام لتقرير استحقاقهم العذاب أو عدم ولايتهم للمسجد فإنها لا تليق بمن هذه صلاته روي أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة الرجال والنساء مشبكين بين اصابعهم يصفرون فيها ويصفقون وقيل كانوا يفعلون ذلك إذا أراد النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يصلي يخلطون عليه ويرون انهم يصلون أيضا {فذوقوا العذاب} يعني القتل والأسر يوم بدر وقيل عذاب الآخرة واللام يحتمل أن تكون للعهد والمعهود {ائتنا بعذاب} {بما كنتم تكفرون} اعتقادا وعملا ٣٦ {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل اللّه} نزلت في المطعمين يوم بدر وكانوا اثني عشر رجلا من قريش يطعم كل واحد منهم كل يوم عشر جزر أو في أبي سفيان استأجر ليوم أحد ألفين من العرب سوى من استجاش من العرب وانفق عليهم أربعين أوقية أو في أصحاب العير فإنه لما أصيب قريش ببدر قيل لهم أعينوا بهذا المال على حرب محمد لعلنا ندرك منه ثأرنا ففعلوا والمراد ب {سبيل اللّه} دينه واتباع رسوله {فسينفقونها} بتمامها ولعل الأول إخبار عن إنفاقهم في تلك الحال وهو إنفاق بدر والثاني إخبار عن إنفاقهم فيما يستقبل وهو إنفاق حد ويحتمل أن يراد بهما واحد على أن مساق الأول لبيان غرض الانفاق ومساق الثاني لبيان عاقبته وإنه لم يقع بعد {ثم تكون عليهم حسرة} ندما وغما لفواتها من غير مقصود جعل ذاتها تصير حسرة وهي عاقبة إنفاقها مبالغة {ثم يغلبون} آخر الأمر وإن كان الحرب بينهم سجالا قبل ذلك {والذين كفروا} أي الذين ثبتوا على الكفر منهم إذا أسلم بعضهم {إلى جهنم يحشرون} يساقون ٣٧ {ليميز اللّه الخبيث من الطيب} الكافر من المؤمن أو الفساد من الصلاح واللام متعلقة ب يحشرون أو يغلبون أو ما أنفقه المشركون في عداوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مما أنفقه المسلمون في نصرته واللام متعلقة بقوله {ثم تكون عليهم حسرة} وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب ليميز من التمييز وهو أبلغ من الميز {ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا} فيجمعه ويضم بعضه إلى بعض حتى يتراكبوا لفرط ازدحامهم أو يضم إلى الكافر ما أنفقه ليزيد به عذابه كمال الكانزين {فيجعله في جهنم} كله أولئك إشارة إلى الخبيث لأنه مقدر بالفريق الخبيث أو إلى المنفقين {هم الخاسرون} الكاملون في الخسران لأنهم خسروا أنفسهم وأموالهم ٣٨ {قل للذين كفروا} يعني أبا سفيان واصحابه والمعنى قل لأجلهم {إن ينتهوا} عن معاداة الرسول صلى اللّه عليه وسلم بالدخول في الإسلام {يغفر لهم ما قد سلف} من ذنوبهم وقرئ بالتاء والكاف على انه خاطبهم و يغفر على البناء للفاعل وهو اللّه تعالى {وإن يعودوا} إلى قتاله {فقد مضت سنت الأولين} الذين تحزبوا على الأنبياء بالتدمير كما جرى على أهل بدر فليتوقعوا مثل ذلك ٣٩ {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} لا يوجد فيهم شرك {ويكون الدين كله للّه} وتضمحل عنهم الأديان الباطلة {فإن انتهوا} عن الكفر {فإن اللّه بما يعملون بصير} فيجازيهم على انتهائهم عنه واسلامهم وعن يعقوب تعملون بالتاء على معنى فإن اللّه بما تعملون من الجهاد والدعوة إلى الإسلام والاخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان بصير فيجازيكم ويكون تعليقه بانتهائهم دلالة عى أنه كما يستدعي إثابتهم للمباشرة يستدعي اثابة مقاتليهم للتسبب ٤٠ {وإن تولوا} ولم ينتهوا {فاعلموا أن اللّه مولاكم} ناصركم فثقوا به ولا تبالوا بمعاداتهم {نعم المولى} لا يضيع من تولاه {ونعم النصير} لا يغلب من نصره ٤١ {واعلموا أنما غنمتم} أي الذي أخذتموه من الكفار قهرا {من شيء} مما يقع عليه اسم الشيء حتى الخيط {فأن للّه خمسه} مبتدأ خبره محذوف أي فثابت أن للّه خمسه وقرئ فإن بالكسر والجمهور على أن ذكر اللّه للتعظيم كما في قوله {واللّه ورسوله أحق أن يرضوه} [التوبة: ٦٢١] وأن المراد قسم الخمس على الخمسة المعطوفين {وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} فكأنه قال فأن للّه خمسه يصرف إلى هؤلاء الاخصين به وحكمه بعد باق غير أن سهم الرسول صلوات اللّه وسلامه عليه يصرف إلى ما كان يصرفه إليه من مصالح المسلمين كما فعله الشيخان رضي اللّه تعالى عنهما وقيل إلى الأمام وقيل إلى الأصناف الأربعة وقال أبو حنيفة رضي اللّه تعالى عنه سقط سهمه وسهم ذوي القربى بوفاته وصار الكل مصروفا إلى الثلاثة الباقية وعن مالك رضي اللّه تعالى عنه الأمر فيه مفوض إلى رأي الأمام يصرفه إلى ما يراه أهم وذهب أبو العالية إلى ظاهر الآية فقال يقسم ستة أقسام ويصرف سهم اللّه إلى الكعبة لما روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يأخذ قبضة منه فيجعلها للكعبة ثم يقسم ما بقي على خمسة وقيل سهم اللّه لبيت المال وقيل هو مضموم إلى سهم الرسول صلى اللّه عليه وسلم ذووا القربى بنو هاشم وبنو المطلب لما روي انه عليه الصلاة والسلام قسم سهم ذوي القربى عليهما فقال له عثمان وجبير بن مطعم رضي اللّه عنهما هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك اللّه منهم أرأيت اخواننا من بني المطلب اعطيتهم وحرمتنا وإنما نحن وهم بمنزلة واحدة فقال صلى اللّه عليه وسلم: انهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام وشبك بين اصابعه وقيل بنو هاشم وحدهم وقيل جميع قريش الغني والفقير فيه سواء وقيل هو مخصوص بفقرأئهم كسهم ابن السبيل وقيل الخمس كله لهم والمراد باليتامى والمساكين وابن السبيل من كان منهم والعطف للتخصيص والاية نزلت ببدر وقيل الخمس كان في غزوة بني قنيقاع بعد بدر بشهر وثلاثة أيام للنصف من شوال على رأس عشرين شهرا من الهجرة {إن كنتم آمنتم باللّه} متعلق بمحذوف دل عليه واعلموا أي أن كنتم آمنتم باللّه فعلموا أنه جعل الخمس لهؤلاء فسلموه إليهم واقتنعوا بالاخماس الأربعة الباقية فإن العلم العملي إذا أمر به لم يرد منه العلم المجرد لأنه مقصود بالعرض والمقصود بالذات هو العمل {وما أنزلنا على عبدنا} محمد صلى اللّه عليه وسلم من الآيات والملائكة والنصر وقرئ عبدنا بضمتين أي الرسول صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين {يوم الفرقان} يوم بدر فإنه فرق فيه بين الحق والباطل {يوم التقى الجمعان} المسلمون والكافرون {واللّه على كل شيء قدير} فيقدر على نصر القليل على الكثير والإمداد بالملائكة ٤٢ {إذ انتم بالعدوة الدنيا} بدل من يوم الفرقان والعدوة بالحركات الثلاث شط الوادي وقد قرئ بها والمشهور الضم والكسر وهو قرأءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب كالدنيا والعليا تفرقة بين الاسم والصفة فجاء على الأصل كالقود وهو اكثر استعمالا من القصيا {والركب} أي لعير أو قوادها {أسفل منكم} في مكان أسفل من مكانكم يعني الساحل وهو منصوب على الظرف واقع موقع الخبر والجملة حال من الظرف قبله وفائدتها الدلالة على قوة العدو واستظهارهم بالركب وحرصهم على المقاتلة عنها وتوطين نفوسهم على أن لا يخلوا مراكزهم ويبذلوا منتهى جهدهم وضعف شأن المسلمين والتياث أمرهم واستبعاد غلبتهم عادة وكذا ذكر مراكز الفريقين فإن العدوة الدنيا كانت رخوة تسوخ فيها الارجل ولا يمشي فيها إلا بتعب ولم يكن بها ماء بخلاف العدوة القصوى وكذا قوله {ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد} أي لو تواعدتم انتم وهم القتال ثم علمتم حالكم وحالهم لاختلفتم انتم في الميعاد هيبة منهم ويأسا من الظفر عليهم ليتحققوا أن ما اتفق لهم من الفتح ليس إلا صنعا من اللّه تعالى خارقا للعادة فيزدادوا إيمانا وشكرا {ولكن} جميع بينكم على هذه الحال من غير ميعاد {ليقضي اللّه أمرا كان مفعولا} حقيقا بأن يفعل وهو نصر أوليائه وقهر أعدائه وقوله {ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة} بدل منه أو متعلق بقوله مفعولا والمعنى ليموت من يموت عن بينة عاينها ويعيش من يعيش عن حجة شاهدها لئلا يكون له حجة ومعذرة فإن وقعة بدر من الآيات الواضحة أو ليصدر كفر من كفر وايمان من آمن عو وضوح بينة على استعارة الهلاك والحياة للكفر والإسلام والمراد بمن هلك ومن حي المشارف للّهلاك والحياة أو من هذا حاله في علم اللّه وقضائه وقرئ ليهلك بالفتح وقرأ ابن كثير ونافع وأبو بكر ويعقوب من حيي بفك الادغام للحمل على المستقبل {وإن اللّه لسميع عليم} بكفر من كفر وعقابه وايمان من آمن وثوابه ولعل الجمع بين الوصفين لاشتمال الأمرين على القول والاعتقاد ٤٣ {إذ يريكهم اللّه في منامك قليلا} مقدر باذكر أو بدل ثان من يوم الفرقان أو متعلق بعليم أي يعلم المصالح إذ يقللّهم في عينك في رؤياك وهو أن تخبر به أصحابك فيكون تثبيتا لهم وتشجيعا على عدوهم {ولو أراكهم كثيرا لفشلتم} لجبنتم {ولتنازعتم في الأمر في أمر} القتال وتفرقت آراؤكم بين الثبات والفرار {ولكن اللّه سلم} أنعم بالسلامة من الفشل والتنازع {إنه عليم بذات الصدور} يعلم ما سيكون فيها وما يغير أحوالها ٤٤ {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا} الضميران مفعولا يرى و قليلا حال من الثاني وإنما قللّهم في أعين المسلمين حتى قال ابن مسعود رضي اللّه تعالى عنه لمن إلى جنبه أتراهم سبعين فقال اراهم مائة تثبيتا لهم وتصديقا لرؤيا الرسول صلى اللّه عليه وسلم {ويقللكم في أعينهم} حتى قال أبو جهل إن محمدا وأصحابه أكلة جزور وقللّهم في أعينهم قبل التحام القتال ليجترءوا عليهم ولا يستعدوا لهم ثم كثرهم حتى يرونهم مثليهم لتفجأهم الكثرة فتبهتهم وتكسر قلوبهم وهذا من عظائم آيات تلك الواقعة فإن البصر وان كان قد يرى الكثير قليلا والقليل كثيرا لكن لا على هذا الوجه ولا إلى هذا الحد وانما يتصور ذلك بصد اللّه الابصار عن ابصار بعض دون بعض مع التساوي في الشروط {ليقضي اللّه أمرا كان مفعولا} كرره لاختلاف الفعل المعلل به أو لأن المراد بالأمر ثمة الاكتفاء على الوجه المحكي وها هنا اعزاز الإسلام وأهله وإذلال الاشراك وحزبه {وإلى اللّه ترجع الأمور} ٤٥ {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة} حاربتم جماعة ولم يصفها لأن المؤمنين ما كانوا يلقون إلا الكفار واللقاء مما غلب في القتال {فاثبتوا} للقائهم {واذكروا اللّه كثيرا} في مواطن الحرب داعين له مستظهرين بذكره مترقبين لنصره {لعلكم تفلحون} تظهرون بمرادكم من النصرة والمثوبة وفيه تنبيه على أن العبد ينبغي أن لا يشغله شيء عن ذكر اللّه وان يلتجئ إليه عند الشدائد ويقبل عليه بشراشره فارغ البال واثقا بأن لطفه لا ينفك عنه في شيء من الأحوال ٤٦ {وأطيعوا اللّه ورسوله ولا تنازعوا} باختلاف الآراء كما فعلتم ببدر أو أحد {فتفشلوا} جواب النهي وقيل عطف عليه ولذلك قرئ {وتذهب ريحكم} بالجزم والريح مستعارة للدولة من حيث إنها في تمشي أمرها ونفاذه مشبهة بها في هبوبها ونفوذها وقيل المراد بها الحقيقة فإن النصرة لا تكون إلا بريح يبعثها اللّه وفي الحديث نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور {واصبروا إن اللّه مع الصابرين} بالكلاءة والنصرة [الأنفال: ٤٦] ٤٧ {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم} يعني أهل مكة حين خرجوا منها لحماية العير {بطرا} فخرا وأشرا {ورئاء الناس} ليثنوا عليهم بالشجاعة والسماحة وذلك انهم لما بلغوا الجحفة وأفاهم رسول أبي سفيان أن ارجعوا فقد سلمت عيركم فقال أبو جهل لا واللّه حتى نقدم بدرا ونشرب فيها الخمور وتعزف علينا القيان ونطعم بها من حضرنا من العرب فوافوها ولكن سقوا كأس المنايا وناحت عليهم النوائح فنهى المؤمنين أن يكونوا أمثالهم بطرين مرائين وأمرهم بأن يكونوا أهل تقوى واخلاص من حيث أن النهي عن الشيء أمر بضده {ويصدون عن سبيل اللّه} معطوف على بطرا أن جعل مصدرا في موضع الحال وكذا أن جعل مفعولا له لكن على تأويل المصدر {واللّه بما يعملون محيط} فيجازيكم عليه ٤٨ {وإذ زين لهم الشيطان} مقدر باذكر {أعمالهم} في معاداة الرسول صلى اللّه عليه وسلم وغيرها بأن وسوس إليهم {وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم} مقالة نفسانية والمعنى أنه ألقى في روعهم وخيل إليهم أنهم لا يغلبون ولا يطاقون لكثرة عددهم وعددهم وأوهمهم أن اتباعهم إياه فيما يظنون أنها قربات مجير لهم حتى قالوا اللّهم انصر اهدى الفئتين وأفضل الدينين ولكم خبر لا غالب أو صفته وليس صلته وألا لانتصب كقولك لا ضاربا زيدا عندنا {فلما تراءت الفئتان} أي تلاقى الفريقان {نكص على عقبيه} رجع القهقرى أي بطل كيده وعاد ما خيل إليهم انه مجيرهم سبب هلاكهم {وقال إني منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف اللّه} أي تبرأ منهم وخاف عليهم وأيس من حالهم لما رأى امداد اللّه المسلمين بالملائكة وقيل لما أجمعت قريش على المسير ذكرت ما بينهم وبين كنانة من الاحنة وكاد ذلك يثنيهم فتمثل لهم إبليس بصورة سراقة بن مالك الكناني وقال لا غالب لكم اليوم وإني مجيركم من بني كنانة فلما رأى الملائكة تنزل نكص وكان يده في يد الحارث بن هشام فقال له إلى أين اتخذلنا في هذه الحالة فقال إني أرى ما لا ترون ودفع في صدر الحارث وانطلق وانهزموا فلما بلغوا مكة قالوا هزم الناس سراقة فبلغه ذلك فقال واللّه ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم فلما اسلموا علموا انه الشيطان وعلى هذا يحتمل أن يكون معنى قوله إني أخاف اللّه إني أخافه أن يصيبني مكروها من الملائكة أو يهلكني ويكون الوقت هو الوقت الموعود إذ رأى فيه ما لم ير قبله والاول ما قاله الحسن واختاره ابن بحر {واللّه شديد العقاب} يجوز أن يكون من كلامه وان يكون مستأنفا ٤٩ { إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض} والذين لم يطمئنوا إلى الإيمان بعد وبقي في قلوبهم شبهة وقيل هم المشركون وقيل المنافقون والعطف لتغاير الوصفين {غر هؤلاء} يعنون المؤمنين {دينهم} حتى تعرضوا لما لا يدي لهم به فخرجوا وهم ثلاثمائة وبضعة عشرة إلى زهاء ألف {ومن يتوكل على اللّه} جواب لهم {فإن اللّه عزيز} غالب لا يذل من استجار به وإن قل {حكيم} يفعل بحكمته البالغة ما يستبعده العقل ويعجز عن إدراكه ٥٠ {ولو ترى} ولو رأيت فإن لو تجعل المضارع ماضيا عكس إن {إذ يتوفى الذين كفروا والملائكة} ببدر وإذ ظرف ترى والمفعول محذوف أي ولو ترى الكفرة أو حالهم حينئذ والملائكة فاعل يتوفى ويدل عليه قرأءة ابن عامر بالتاء ويجوز أن يكون الفاعل ضمير اللّه عز وجل وهو مبتدأ خبره {يضربون وجوههم} والجملة حال من الذين كفروا واستغني فيه بالضمير عن الواو وهو على الأول حال منهم أو من الملائكة أو منهما لاشتماله على الضميرين {وأدبارهم} ظهورهم أو أستاههم ولعل المراد تعميم الضرب أي يضربون ما أقبل منهم وما أدبر {وذوقوا عذاب الحريق} عطف على يضربون بإضمار القول أي ويقولون ذوقوا بشارة لهم بعذاب الآخرة وقيل كانت معهم مقامع من حديد كلما ضربوا التهبت النار منها وجواب لو محذوف لتقطيع الأمر وتهويله ٥١ {ذلك} الضرب والعذاب {بما قدمت أيديكم} بسبب ما كسبتم من الكفر والمعاصي وهو خبر لذلك {وأن اللّه ليس بظلام للعبيد} عطف على ما للدلالة على أن سببيته بانضمامه إليه إذ لولاه لامكن أن يعذبه مبغير ذنوبهم لا أن لا يعذبهم بذنوبهم فإن ترك التعذيب من مستحقه ليس بظلم شرعا ولا عقلا حتى ينتهض نفي الظلم سببا للتعذيب وظلام التكثير لأجل العبيد ٥٢ {كدأب آل فرعون} أي دأب هؤلاء مثل دأب آل فرعون وهو عملهم وطريقهم الذي دأبوا فيه أي داموا عليه {والذين من قبلهم} من قبل آل فرعون {كفروا بآيات اللّه} تفسير لدأبهم فأخذهم اللّه {بذنوبهم} كما أخذ هؤلاء {إن اللّه قوي شديد العقاب} لا يغلبه في دفعه شيء ٥٣ {ذلك} إشارة إلى ما حل بهم {بأن اللّه} بسبب أن اللّه {لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم} مبدلا إياها بالنقمة {حتى يغيروا ما بأنفسهم} يبدلوا ما بهم من الحال إلى حال أسوأ كتغيير قريش حالهم في صلة الرحم والكف عن تعرض الآيات والرسل بمعاداة الرسول صلى اللّه عليه وسلم ومن تبعه منهم والسعي في إراقة دمائهم والتكذيب بالآيات والاستهزاء بها إلى غير ذلك مما أحدثوه بعد المبعث وليس السبب عدم تغيير اللّه ما أنعم عليهم حتى يغيروا حالهم بل ما هو المفهوم له وهو جري عادته على تغييره متى يغيروا حالهم وأصل يك يكون فحذفت الحركة للجزم ثم الواو لالتقاء الساكنين ثم النون لشبهه بالحروف اللينة تخفيفا {وأن اللّه سميع} لما يقولون {عليم} بما يفعلون ٥٤ {كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم واغرقنا آل فرعون} تكرير للتأكيد ولما نيط به من الدلالة على كفران النعم بقوله بآيات ربهم وبيان ما أخذ به آل فرعون وقيل الأول لتشبيه الكفر والاخذ به والثاني لتشبيه التغيير في النعمة بسبب تغييرهم ما بأنفسهم {وكل} من الفرق المكذبة أو من غرقى القبط وقتلى قريش {كانوا ظالمين} أنفسهم بالكفر والمعاصي ٥٥ {إن شر الدواب عند اللّه الذين كفروا} أصروا على الكفر ورسخوا فيه {فهم لا يؤمنون} فلا يتوقع منهم إيمان ولعله إخبار عن قوم مطبوعين على الكفر بأنهم لا يؤمنون والفاء للعطف والتنبيه على أن تحقق المعطوف عليه يستدعي تحقق المعطوف وقوله ٥٦ {الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة} بدل من الذين كفروا بدل البعض للبيان والتخصيص وهم يهود قريظة عاهدهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن لا يمالثوا عليه فأعانوا المشركين بالسلاح وقالوا نسينا ثم عاهدهم فنكثوا ومالؤوهم عليه يوم الخندق وركب كعب بن الاشرف إلى مكة فحالفهم ومن لتضمين المعاهدة معنى الأخذ والمراد بالمرة مرة المعاهدة أو المحاربة {وهم لا يتقون} سبة الغدر ومغبته أو لا يتقون اللّه فيه أو نصره للمؤمنين وتسليطه إياهم عليهم ٥٧ {فإما تثقفنهم} فإما تصادفنهم وتظفرن بهم {في الحرب فشرد بهم} ففرق عن مناصبتك ونكل عنها بقتلهم والنكاية فيهم {من خلفهم} من وراءهم من الكفرة والتشريد تفريق على اضطراب وقرئ فشرذ بالذال المعجمة وكأنه مقلوب شذر و {من خلفهم} والمعنى واحد فإنه إذا شرد من وراءهم فقد فعل التشريد في الوراء {لعلهم يذكرون} لعل المشردين يتعظون ٥٨ {وإما تخافن من قوم} معاهدين خيانة نقض عهد بأمارات تلوح لك {فانبذ إليهم} فاطرح إليهم عهدهم {على سواء} على عدل وطريق قصد في العداوة ولا تناجزهم الحرب فإنه يكون خيانة منك أو على سواء في الخوف أو العلم بنقض العهد وهو في موضع الحال من النابذ على الوجه الأول أي ثابتا على طريق سوي أو منه أو من المنبوذ إليهم أو منهما على غيره وقوله {إن اللّه لا يحب الخائنين} تعليل للأمر بالنبذ والنهي عن مناجزة القتال المدلول عليه بالحال على طريقة الاستئناف ٥٩ {ولا تحسبن} خطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم وقوله {الذين كفروا سبقوا} مفعولاه وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص بالياء على أن الفاعل ضمير أحد أو {من خلفهم} أو {الذين كفروا} والمفعول الأول أنفسهم فحذف للتكرار أو على تقدير أن سبقوا وهو ضعيف لأن أن المصدرية كالموصول فلا تحذف أو على ايقاع الفعل على {أنهم لا يعجزون} بالفتح على قرأءة ابن عامر وأن لا صلة و سبقوا حال بمعنى سابقين أي مفلتين والاظهر أنه تعليل للنهي أي لا تحسبنهم سبقوا فأفلتوا لأنهم لا يفوتون اللّه أو لا يجدون طالبهم عاجزا عن إدراكهم وكذا أن كسرت إن إلا أنه تعليل على سبيل الاستئناف ولعل الآية ازاحة لما يحذر به من نبذ العهد وإيقاظ العدو وقيل نزلت فيمن افلت من فل المشركين ٦٠ {وأعدوا} أيها المؤمنون {لهم} لناقضي العهد أو الكفار {ما استطعتم من قوة} من كل ما يتقوى به في الحرب وعن عقبة بن عامر سمعته صلى اللّه عليه وسلم يقول على المنبر ألا أن القوة الرمي قالها ثلاثا ولعله صلى اللّه عليه وسلم خصه بالذكر لأنه أقواه {ومن رباط الخيل} اسم للخيل التي تربط في سبيل اللّه فعال بمعنى مفعول أو مصدر سمي به يقال ربط ربطا ورباطا ورابط مرابطة ورباطا أو جمع ربيط كفصيل وفصال وقرئ ربط الخيل بضم الباء وسكونها جمع رباط وعطفها على القوة كعطف جبريل وميكائيل على الملائكة {ترهبون به} تخوفون به وعن يعقوب ترهبون بالتشديد والضمير ل {ما استطعتم} أو للإعداد {عدو اللّه وعدوكم} يعني كفار مكة {وآخرين من دونهم} من غيرهم من الكفرة قيل هم اليهود وقيل المنافقون وقل الفرس لا تعلمونهم لا تعرفونهم بأعيانهم {اللّه يعلمهم} يعرفهم {وما تنفقوا من شيء في سبيل اللّه يوف إليكم} جزاؤه {وأنتم لا تظلمون} بتضييع العمل أو نقص الثواب ٦١ {وإن جنحوا} مالوا ومنه الجناح وقد يعدى باللام وإلى للسلم للصلح أو الاستسلام وقرأ أبو بكر بالكسر {فاجنح لها} وعاهد معهم وتأنيث الضمير لحمل السلم على نقيضها فيه قال السلم تأخذ منها ما رضيت به والحرب يكفيك من أنفاسها جرع وقرئ فاجنح بالضم {وتوكل على اللّه} ولا تخف من إبطانهم خداعا فيه فإن اللّه يعصمك من مكرهم ويحيقه بهم {إنه هو السميع} لأقوالهم {العليم} بنياتهم والاية مخصوصة بأهل الكتاب لاتصالها بقصتهم وقيل عامة نسختها آية السيف ٦٢ {وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك اللّه} فإن محسبك اللّه وكافيك قال جرير إني وجدت من المكارم حسبكم أن تلبسوا حر الثياب وتشبعوا {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين} جميعا ٦٣ {وألف بين قلوبهم} مع ما فيهم من العصبية والضغينة في أدنى شيء والتهالك على الانتقام بحيث لا يكاد يأتلف فيهم قلبان حتى صاروا كنفس واحدة وهذا من معجزاته صلى اللّه عليه وسلم وبيانه {لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم} أي تناهي عداوتهم إلى حد لو انفق منفق في إصلاح ذات بينهم ما في الأرض من الأموال لم يقدر على الألفة والإصلاح {ولكن اللّه ألف بينهم} بقدرته البالغة فإنه المالك للقلوب يقلبها كيف يشاء {إنه عزيز} تام القدرة والغلبة لا يعصى عليه ما يريده {حكيم} يعلم انه كيف ينبغي أن يفعل ما يريده وقيل الآية في الاوس والخزرج كان بينهم محن لا أمد لها ووقائع هلكت فيها ساداتهم فأنساهم اللّه ذلك وألف بينهم بالإسلام حتى تصافوا وصاروا أنصارا ٦٤ {يا أيها النبي حسبك اللّه} كافيك {ومن اتبعك من المؤمنين} أما في محل النصب على المفعول معه كقوله إذا كانت الهيجاء واشتجر القنا فحسبك والضحاك سيف مهند أو الجر عطفا على المكني عند الكوفيين أو الرفع عطفا على اسم اللّه تعالى أي كفاك اللّه والمؤمنون و الآية نزلت بالبيداء في غزوة بدر وقيل أسلم مع النبي صلى اللّه عليه وسلم ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة ثم اسلم عمر رضي اللّه عنه فنزلت ولذلك قال ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما نزلت في إسلامه ٦٥ {يا آيها النبي حرض المؤمنين على القتال} بالغ في حثهم عليه واصله الحرض وهو أن ينهكه المرض حتى يشفى على الموت وقرئ حرص من الحرص {أن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا} شرط في معنى الأمر بمصابرة الواحد للعشرة والوعد بأنهم أن صبروا غلبوا بعون اللّه وتأييده وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر تكن بالتاء في الآيتين ووافقهم البصريان في {وإن يكن منكم مائة} {بأنهم قوم لا يفقهون} بسبب أنهم جهلة باللّه واليوم الآخر لا يثبتون ثبات المؤمنين رجاء الثواب وعوالي الدرجات قتلوا أو قتلوا ولا يستحقون من اللّه إلا الهوان والخذلان ٦٦ {الآن خفف اللّه عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن اللّه} لما أوجب على الواحد مقاومة العشرة والثبات لهم وثقل ذلك عليهم خفف عنهم بمقاومة الواحد الاثنين وقيل كان فيهم قلة فأمروا بذلك ثم لما كثروا خفف عنهم وتكرير المعنى الواحد بذكر الأعداد المتناسبة للدلالة على أن حكم القليل والكثير واحد والضعف ضعف البدن وقيل ضعف البصيرة وكانوا متفاوتين فيها وفيه لغتان الفتح وهو قرأءة عاصم وحمزة والضم وهو قرأءة الباقين {واللّه مع الصابرين} [البقرة: ٢٤٩] بالنصر والمعونة فكيف لا يغلبون ٦٧ {ما كان لنبي} وقرئ للنبي على العهد {أن يكون له أسرى} وقرأ البصريان بالتاء {حتى يثخن في الأرض} يكثر القتل ويبالغ فيه حتى يذل الكفر ويقل حزبه ويعز الإسلام ويستولي أهله من أثخنه المرض إذا أثقله وأصله الثخانة وقرئ يثخن بالتشديد للمبالغة {تريدون عرض الدنيا} حطامها بأخذكم الفداء {واللّه يريد الآخرة} يريد لكم ثواب الآخرة أو سبب نيل ثواب الآخرة من إعزاز دينه وقمع اعدائه وقرئ بجر الآخرة على إضمار المضاف كقوله أكل امرئ تحسبين امرأ ونار توقد بالليل نارا {واللّه عزيز} يغلب أولياءه على أعدائه {حكيم} يعلم ما يليق بكل حال ويخصه بها كما أمر بالإثخان ومنع من الافتداء حين كانت الشوكة للمشركين وخير بينه وبين المن لما تحولت الحال وصارت الغلبة للمؤمنين روي انه عليه السلام أتى يوم بدر بسبعين أسيرا فيهم العباس وعقيل بن أبي طالب فاستشار فيهم فقال أبو بكر رضي اللّه تعالى عنه قومك وأهلك استبقهم لعل اللّه يتوب عليم وخذ منهم فدية تقوي بها أصحابك وقال عمر رضي اللّه تعالى عنه اضرب أعناقهم فإنهم أئمة الكفر وان اللّه أغناك عن الفداء مكني من فلان لنسيب له ومكن عليا وحمزة من أخويهما فنضرب أعناقهم فلم يهو ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال: إن اللّه ليلين قلوب رجال حتى تكون الين من اللين وان اللّه ليشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة وان مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال: فمن تبغني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم [ابراهيم:٣٦] ومثلك يا عمر مثل نوح قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا [الجن:٢٦] فخير أصحابه فأخذوا الفداء فنزلت فدخل عمر رضي اللّه تعالى عنه على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فإذا هو وأبو بكر يبكيان فقال يا رسول اللّه أخبرني فإن أجد بكاء بكيت وإلا تباكيت فقال: ابك على أصحابك في أخذهم الفداء ولقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة والاية دليل على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجتهدون وأنه قد يكون خطأ ولكن لا يقرون عليه ٦٨ {لولا كتاب من اللّه سبق} لولا حكم من اللّه سبق إثباته في اللوح المحفوظ وهو أن لا يعاقب المخطئ في اجتهاده أو أن لا يعذب أهل بدر أو قوما بما لم يصرح لهم بالنهي عنه أو أن الفدية التي أخذوها ستحل لهم {لمسكم} لنالكم {فيما أخذتم} من الفداء {عذاب عظيم} روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: لو نزل العذاب لما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ وذلك لأنه أيضا أشار بالإثخان ٦٩ {فكلوا مما غنمتم} من الفدية فإنها من جملة الغنائم وقيل امسكوا عن الغنائم فنزلت والفاء للتسبب والسبب محذوف تقديره أبحت لكم الغنائم فكلوا وبنحوه تشبث من زعم أن الأمر الوارد بعد الحظر للاباحة حلالا حال من المغنوم أو صفة للمصدر أي أكلا {حلالا} وفائدته ازاحة ما وقع في نفوسهم منه بسبب تلك المعاتبة أو حرمتها على الأولين ولذلك وصفة بقوله {طيبا واتقوا اللّه} في مخالفته {إن اللّه غفور} غفر لكم ذنبكم {رحيم} أباح لكم ما أخذتم ٧٠ {يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى} وقرأ أبو عمرو من {الأسارى إن يعلم اللّه في قلوبكم خيرا} ايمانا وإخلاصا {يؤتكم خيرا مما أخذ منكم} من الفداء روي أنها نزلت في العباس رضي اللّه عنه كلفه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يفدي نفسه وابني اخويه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث فقال يا محمد تركتني اتكفف قريشا ما بقيت فقال أين الذهب الذي دفعته إلى أم الفضل وقت خروجك وقلت لها إني لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا فإن حدث بي حدث فهو لك ولعبد اللّه وعبيد اللّه والفضل وقثم فقال العباس وما يدريك قال اخبرني به ربي تعالى قال فأشهد أنك صادق وأن لا إله إلا اللّه وأنك رسوله واللّه لم يطلع عليه أحد إلا اللّه ولقد دفعته إليها في سواد الليل قال العباس فأبدلني اللّه خيرا من ذلك لي الآن عشرون عبدا إن أدناهم ليضرب في عشرين ألفا وأعطاني زمزم ما أحب أن لي بها جميع أموال أهل مكة وأنا انتظر المغفرة من ربكم يعني الموعود بقوله {ويغفر لكم واللّه غفور رحيم} ٧١ {وإن يريدوا} يعني الاسرى {خيانتك} نقض ما عاهدوك {فقد خانوا اللّه} بالكفر ونقض ميثاقه المأخوذ بالعقل {من قبل فأمكن منهم} أي فأمكنك منهم كما فعل يوم بدر فان اعادوا الخيانة فسيمكنك منهم {واللّه عليم حكيم} [التوبة: ١٥] ٧٢ {إن الذين آمنوا وهاجروا} هم المهاجرون هجروا اوطانهم حبا للّه ولرسوله {وجاهدوا بأموالهم} فصرفوها في الكراع والسلاح وأنفقوها على المحاويج {وأنفسهم في سبيل اللّه} بمباشرة القتال {والذين آووا ونصروا} هم الأنصار آووا المهاجرين إلى ديارهم ونصروهم على أعدائهم {أولئك بعضهم أولياء بعض} في الميراث وكان المهاجرين والانصار يتوارثون بالهجرة والنصرة دون الاقارب حتى نسخ بقوله وأولوا الأرحام بعضهم أولياء ببعض [الانفال:٧٥] أو بالنصرة والمظاهرة {والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا} أي من توليهم في الميراث وقرأ حمزة ولايتهم بالكسر تشبيها لها بالعمل والصناعة كالكتابة والامارة كأنه بتوليه صاحبه يزاول عملا {وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر} فواجب عليكم أن تنصروهم على المشركين {إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق} عهد فإنه لا ينقض عهدهم لنصرهم عليهم {واللّه بما تعملون بصير} ٧٣ {والذين كفروا بعضهم اولياء بعض} في الميراث أو المؤازرة وهو بمفهومه يدل على منع التوارث أو المؤازرة بينهم وبين المسلمين {إلا تفعلوه} إلا تفعلوا ما أمرتم به من التواصل بينكم وتولي بعضكم لبعض حتى في التوارث وقطع العلائق بينكم وبين الكفار {تكن فتنة في الأرض} تحصل فتنة فيها عظيمة وهي ضعف الإيمان وظهور الكفر {وفساد كبير} في الدين وقرئ كثير ٧٤ {والذين آمنوا وجاهدوا في سبيل اللّه والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا} لما قسم المؤمنين ثلاثة أقسام بين أن الكاملين في الإيمان منهم هم الذين حققوا ايمانهم بتحصيل مقتضاه من الهجرة وبذل المال ونصرة الحق ووعد لهم الموعد الكريم فقال {لهم مغفرة ورزق كريم} لا تبعة له ولا منة فيه ثم ألحق بهم في الأمرين من سيلحق بهن ويتسم بسمتهم فقال ٧٥ {والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم} أي من جملتكم أيها المهاجرون والأنصار {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض} في التوارث من الأجانب {في كتاب اللّه} في حكمه أو في اللوح أو في القرأن واستدل به على توريث ذوي الأرحام {إن اللّه بكل شيء عليم} من المواريث والحكمة في إناطتها بنسبة الإسلام والمظاهرة اولا واعتبار القرأبة ثانيا عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: من قرأ سورة الانفال وبراءة فأنا شفيع له يوم القيامة وشاهد انه بريء من النفاق واعطي حسنات بعدد كل منافق ومنافقة وكان العرش وحملته يستغفرون له أيام حياته |
﴿ ٠ ﴾