تفسير البيضاوي: أنوار التنزيل و أسرار التأويل أبو سعيد عبد اللّه بن عمر بن محمد بن علي

البيضاوي الشيرازي الفارسي، ناصر الدين، القاضي الشافعي (ت ٦٨٥ هـ ١٢٨٦ م)

_________________________________

سورة يونس

سورة يونس عليه السلام مكية وهي مائة وتسع آيات بسم اللّه الرحمن الرحيم الر فخمها ابن كثير ونافع برواية قالون وحفص وقرأ ورش بين اللفظين وأمالها الباقون اجراء لالف

_________________________________

{الراء} مجرى المنقلبة من الياء {تلك آيات الكتاب الحكيم} إشارة إلى ما تضمنته السورة أو القرأن من الآي والمراد من الكتاب أحدهما ووصفه بالحكيم لاشتماله عل الحكم أو لأنه كلام حكيم أو محكم آياته لم ينسخ شيء منها

٢

{أكان للناس عجبا} استفهام انكار للتعجب و عجبا خبر كان واسمه

{أن اوحينا} وقرئ بالرفع على أن الأمر بالعكس أو على

{أن كان} تامة و {أن أوحينا} بدل من عجب واللام للدلالة على انهم جعلوه اعجوبة لهم يوجهون نحوه إنكارهم واستهزاءهم

{إلى رجل منهم} من أفناء رجالهم دون عظيم من عظماء من عظمائهم قيل كانوا يقولون العجب أن اللّه تعالى لم يجد رسولا يرسله إلى الناس إلا يتيم أبي طالب وهو من فرط حماقتهم وقصور نظرهم على الأمور العاجلة وجهلهم بحقيقة الوحي والنبوة هذا وأنه صلى اللّه عليه وسلم لم يكن يقصر عن عظمائهم فيما يعتبرونه إلا في المال وخفة الحال اعون شيء في هذا الباب ولذلك كان اكثر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبله كذلك وقل تعجبوا من أنه بعث بشرا رسولا كما سبق ذكره في سورة الأنعام

{أن أنذر الناس} أن هي المفسرة أو المخففة من الثقيل ة فتكون في موقع مفعول اوحينا

{وبشر الذين آمنوا} عمم الانذار إذ قلما من أحد ليس فيه ما ينبغي أن ينذر منه وخصص البشراة بالمؤمنين إذ ليس للكفار ما يصح أن يبشروا به حقيقة

{أن لهم} بأن لهم {قدم صدق عند ربهم} سابقة منزلة رفيعة سميت قدما لأن السبق بها كما سميت النعمة يدا لأنها تعطى باليد وإضافتها إلى الصدق لتحققها والتنبيه على انهم إنما ينالونها بصدق القول والنية

{قال الكافرون إن هذا} يعنون الكتاب وما جاء به الرسول صلى اللّه عليه وسلم

{لسحر مبين} وقرأ ابن كثير والكوفيون لساحر على أن الاشارة إلى الرسول صلى اللّه عليه وسلم فيه اعتراف بأنهم صادفوا من الرسول صلى اللّه عليه وسلم امورا خارقة للعادة معجزة إياهم عن المعارضة وقرئ ما هذا إلا سحر مبين

٣

{أن ربكم اللّه الذي خلق السماوات والأرض} التي هي أصول الممكنات

{في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر} يقدر أمر الكائنات على ما اقتضته حكمته وسبقت به كلمته ويهيئ بتحريكه اسبابها وينزلها منه والتدبير النظر في أدبار الأمور لتجيء محمودة العاقبة

{ما من شفيع إلا من بعد اذنه} تقرير لعظمته وعز جلاله ورد على من زعم أن آلهتهم تشفع لهم عند اللّه وفيه إثبات الشفاعة لمن أذن له

{ذلكم اللّه} أي الموصوف بتلك الصفات المقتضية للألوهية والربوبية ربكم لا غير إذ لا يشاركه أحد في شيء من ذلك فاعبدوه وحدوه بالعبادة

{أفلا تذكرون} تتفكرون أدنى تفكر فينبهكم على انه المستحق للربوبية والعبادة لا ما تعبدونه

٤

{إليه مرجعكم جميعا} بالموت أو النشور لا إلى غيره فاسعدوا للقائه

{وعد اللّه} مصدر مؤكد لنفسه لأن قوله {إليه مرجعكم} وعد من اللّه

{حقا }مصدر آخر مؤكد لغيره وهو ما دل عليه {وعد اللّه}

{إنه يبدأ الخلق ثم يعيده} بعد بدئه وإهلاكه

{ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط} أي بعدله أو بعدالتهم وقيامهم على العدل في امورهم أو بإيمانهم لأنه العدل القويم كما أن الشرك ظلم عظيم وهو الاوجه لمقابلة قوله

{والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب اليم بما كانوا يكفرون} فإن معناه ليجزي الذين كفروا بشراب من حميم وعذاب اليم بسبب كفرهم لكنه غير النظم للمبالغة في استحقاقهم للعقاب والتنبيه على أن المقصود بالذات من الابداء والاعادة هو الاثابة والعقاب واقع بالعرض وأنه تعالى يتولى اثابة المؤمنين بما يليق بلطفه وكرمه ولذلك لم يعينه واما عقاب الكفرة فكأنه داء ساقه إليهم سوء اعتقادهم وشؤم افعالهم والاية كالتعليل لقوله تعالى إليه مرجعكم جميعا فإنه لما كان المقصود من الابداء والاعادة مجازاة اللّه المكلفين على أعمالهم كان مرجع الجميع إليه لا محالة ويؤديه قرأءة من قرأ أنهيبدأ بالفتح أي لأنه ويجوز أن يكون منصوبا أو مرفوعا بما نصب وعد اللّه أو بما نصب حقا

٥

{هو الذي جعل الشمس ضياء} أي ذات ضياء وهو مصدر كقيام أو جمع ضوء كسياط وسوط والياء فيه منقلبة عن الواو وقرأ ابن كثير برواية قنبل هنا وفي الأنبياء وفي القصص ضئاء بهمزتين على القلب بتقديم اللام على العين

{والقمر نورا} أي ذا نورا أو سمي نورا للمبالغة وهو أعم من الضوء كما عرفت وقيل ما بالذات ضوء وما بالعرض نور وقد نبه سبحانه وتعالى بذلك على انه خلق الشمس نيرة في ذاتها والقمر نيرا بعرض مقابلة الشمس والاكتساب منها

{وقدره منازل} الضمير لكل واحد أي قدر مسير كل واحد منهما منازل أو قدره ذا منازل أو للقمر وتخصيصه بالذكر لسرعة سيره ومعاينة منزله واناطة احكام الشرع به ولذلك عللّه بقوله

{لتعلموا عدد السنين والحساب} حساب الاوقات من الاشهر والايام في معاملاتكم وتصرفاتكم

{ما خلق اللّه ذلك إلا بالحق} إلا ملتبسا بالحق مراعيا فيه مقتضى الحكمة البالغة

{يفصل الآيات لقوم يعلمون} فإنهم المنتفعون بالتأمل فيها وقرأ ابن كثير والبصريان وحفص يفصل بالياء

٦

{إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق اللّه في السموات والأرض} من أنواع الكائنات

{لآيات} على وجود الصناع ووحدته وكمال علمه وقدرته

{لقوم يتقون} العواقب فإنه يحملهم على التفكر والتدبر

٧

{إن الذين لا يرجون لقاءنا} لا يتوقعونه لإنكارهم البعث وذهورهم بالمحسوسات عما وراءها

{ورضوا بالحياة الدنيا} من الآخرة لغفلتهم عنها

{واطمأنوا بها} وسكنوا إليها مقصرين هممهم على لذائذها وزخارفها أو سكنوا فيها سكون من لا يزعج عنها

{والذين هم عن آياتنا غافلون} لا يتفكرون فيها لانهماكهم فيما يضادها والعطف إما لتغاير الوصفين والتنبيه على أن الوعيد على الجمع بين الذهول عن الآيات رأسا والانهماك في الشهوات بحيث لا تخطر الآخرة ببالهم اصلا وإما لتغاير الفريقين والمراد بالاولين من انكر البعث ولم ير إلا الحياة الدنيا وبالاخرين من ألهاه حب العاجل عن التأمل في الاجل والاعداد له

٨

{أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون} بما واظبوا عليه وتمرنوا به من المعاصي

٩

{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم} بسبب ايمانهم إلى سلوك سبيل يؤدي إلى الجنة أو لادراك الحقائق كما قال صلى اللّه عليه وسلم: من عمل بما علم ورثه اللّه علم ما لم يعلم

أو لما يريدونه في الجنة ومفهوم الترتيب وإن دل على أن سبب الهداية هو الإيمان والعمل الصالح لكن دل منطوق قوله بإيمانهم على استقلال الإيمان بالسببية وأن العمل الصالح كالتتمة والرديف له

{تجري من تحتهم الأنهار} استئناف أو خبر ثان أو حال من الضمير المنصوب على المعنى الأخير وقوله

{في جنات النعيم} خبر أو حال أخرى منه أو من الأنهار أو متعلق ب تجري أو بيهدي

١٠

{دعواهم فيها} أي دعاؤهم

{سبحانك اللّهم} اللّهم إنا نسبحك تسبيحا وتحيتهم ما يحيى به بعضهم بعضا أو تحية اللائكة إياهم

{فيها سلام وآخر دعواهم} وآخر دعائهم

{أن الحمد للّه رب العالمين} أي أن يقولون ذلك ولعل المعنى انهم إذا دخلوا الجنة وعاينوا عظمة اللّه وكبرياءه مجدوه ونعتوه بنعوت الجلال ثم حياهم الملائكة بالسلامة عن الآفات والفوز بأصناف الكرامات أو اللّه تعال فحمدوه واثنوا عليه بصفات الاكرام و أن هي المخففة من الثقيل ة وقد قرئ بها وبنصب الحمد

١١

{ولو يعجل اللّه للناس الشر} ولو يسرعه إليهم

{استعجالهم بالخير} وضع موضع تعجيله لهم الخير اشعارا بسرعة اجابته لهم في الخير حتى كأن استعجالهم به تعجيل لهم أو بأن المراد شر استعجلوه كقولهم {فأمطر علينا حجارة من السماء} [الأنفال: ٣٢] وتقدير الكلام ولو يعجل اللّه للناس الشر تعجيله للخير حين استعجلوه استعجالا كاستعجالهم بالخير فحذف منه ما حذف لدلالة الباقي عليه

{لقضي إليهم اجلهم} لاميتوا وأهلكوا وقرأ ابن عامر ويعقوب لقضى على البناء للفاعل وهو اللّه تعالى وقرئ لقضينا

{فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون} عطف على فعل محذوف دلت عليه الشرطية كأنه قيل ولكن لا نعجل ولا نقضي فنذرهم امهالا واستدراجا

١٢

{وإذا مس الإنسان الضر دعانا} لإزالته مخلصا فيه لجنبه ملقى لجنبه أي مضجعا

{أو قاعدا أو قائما} وفائدة الترديد تعميم الدعاء لجميع الأحوال أو لأصناف المضار

{فلما كشفنا عنه ضره مر} يعني مضى على طريقته واستمر على كفره أو مر عن موقف الدعاء لا يرجع إليه

{كأن لم يدعنا} كأنه لم يدعنا فخفف وحذف ضمير الشأن كما قال ونحر مشرق اللون كأن ثدياه حقان

{إلى ضر مسه} إلى كشف ضر كذلك مثل ذلك التزيين

{زين للمسرفين ما كانوا يعملون} من الانهماك في الشهوات والأعراض عن العبادات

١٣

 {ولقد اهلكنا القرون من قبلكم} يا أهل مكة

{لما ظلموا} حين ظلموا بالتكذيب واستعمال القوى والجوارح لا على ما ينبغي

{وجاءتهم رسلهم بالبينات} بالحجج الدالة على صدقهم وهو حال من الواو بإضمار قد أو عطف على ظلموا

{ما كانوا ليؤمنوا} وما استقام لهم أن يؤمنوا لفساد استعدادهم وخذلان اللّه لهم وعلمه بأنهم يموتون على كفرهم واللام لتأكيد النفي كذلك مثل ذلك الجزاء وهو اهلاكهم بسبب تكذيبهم للرسل واصرارهم عليه بحيث تحقق انه لا فائدة في امهالهم

{نجزي القوم المجرمين} نجزي كل مجرم أو نجزيكم فوضع المظهر موضع الضمير للدلالة على كمال جرمهم وانهم اعلام فيه

١٤

{ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم} استخلفناكم فيها بعد القرون التي أهلكناها استخلاف من يختبر

{لننظر كيف تعملون} أتعملون خيرا أو شرا فنعاملكم على مقتضى أعمالكم وكيف معمول تعملون فإن معنى الاستفهام يحجب أن يعمل فيه ما قبله وفائدته الدلالة على أن المعتبر في الجزاء جهات الأفعال وكيفياتها لا هي من حيث ذاتها ولذلك يحسن الفعل تارة ويقبح أخرى

١٥

{وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا} يعني المشركين

{ائت بقرأن غير هذا} بكتاب آخر نقرؤه ليس فيه ما نستعبده من البعث والثواب والعقاب بعد الموت أو ما نكرهه من معايب آلهتنا

{أو بدله} بأن تجعل مكان الآية المشتملة على ذلك آية أخرى ولعلهم سألوا ذلك كي يسعفهم إليه فيلزموه

{قل ما يكون لي} ما يصح لي

{أن أبدله من تلقاء نفسي} من قبل نفسي وهو مصدر استعمل ظرفا وإنما اكتفى بالجواب عن التبديل لاستلزام امتناعه الاتيان بقرأن آخر

{إن اتبع إلا ما يوحى الي} تعليل لما يكون فإن المتبع لغيره في أمر لا يستبد بالتصرف فيه بوجه وجواب للنقض بنسخ بعض الآيات ببعض ورد لما عرضوا له بهذا السؤال من أن القرأن كلامه واختراعه ولذلك قيل التدبيل في الجواب وسماه عصيانا فقال

{إني اخاف أن عصيت ربي} أي بالتبديل

{عذاب يوم عظيم} وفيه ايماء بأنهم استوجبوا العذاب بهذا الاقتراح

١٦

{قل لو شاء اللّه} غير ذلك {ما تلوته عليكم ولا أدراكم به} ولا أعلمكم به على لساني وعن ابن كثير ولأدراكم بلام التأكيد أي لو شاء اللّه ما تلوته عليكم ولأعلمكم به على لسان غيري والمعنى انه الحق الذي لا محيص عنه لو لم أرسل به لأرسل به غيري وقرئ {ولا أدرأكم} ولا أدرأتكم بالهمز فيهما على لغة من يقلب الألف المبدلة من الياء همزة أو على انه من الدرء بمعنى الدفع أي ولا جعلتكم بتلاوته خصماء تدرؤنني بالجدال والمعنى أن الأمر بمشيئة اللّه تعالى لا بمشيئتي حتى اجعله على نحو ما تشتهونه ثم قرر ذلك بقوله

{فقد لبثت فيكم عمرا} مقدارا عمر أربعين سنة

{من قبله} من قبل القرأن ولا أتلوه ولا أعلمه فإنه إشارة إلى أن القرأن معجز خارق للعادة فإن من عاش بين اظهرهم أربعين سنة لم يمارس فيها علما ولم يشاهد عالما ولم ينشئ قريضا ولا خطية ثم قرأ عليهم كتابا بزت فصاحته فصاحة كل منطيق وعلا من كل منثور ومنظوم واحتوى على قوماعد علمي الاصول والفروع واعرب عن اقاصيص الأولين واحاديث الآخرين على ما هي عليه علم انه معلوم به من اللّه تعالى

{أفلا تعقلون} أي أفلا تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر فيه لتعلموا أنه ليس إلا من اللّه

١٧

{فمن اظلم ممن افترى على اللّه كذبا} تفاد مما اضافوه إليه كناية أو تظليم للمشركين بافترائهم على اللّه تعلى في قولهم إنه لذو شريك وذو ولد

{أو كذب بآياته} فكفر بها {إنه لا يفلح المجرمون}

١٨

 {ويعبدون من دون اللّه ما لا يضرهم ولا ينفعهم} فإنه جماد لا يقدر على نفع ولا ضر

{ويقولون هؤلاء} الأوثان {شفعاؤنا عند اللّه} تشفع لنا فيما يهمنا من أمور الدنيا أو في الآخرة أن يكن بعث وكأنهم كانوا شاكين فيه وهذا من فرط جهالتهم حيث تركوا عبادة الموجد الضار النافع إلى عبادة ما يعلم قطعا أنه لا يضر ولا ينفع على توهم أنه ربما يشفع لهم عنده

{قل أتنبئون اللّه} أتخبرونه {بما لا يعلم} وهو أن له شريكا أو هؤلاء شفعاء عنده وما لا يعلمه العالم بجميع المعلومات لا يكون له تحقق ما وفيه تقريع وتهكم بهم في السموات ولا في الأرض حال من العائد المحذوف مؤكدة للنفي منبهة على أن ما يعبدون من دون اللّه أما سماوي وإما أرضي ولا شيء من الموجودات فيهما إلا وهو حادث مقهور مثلهم لا يليق أن يشرك به

{سبحانه وتعالى عما يشركون} عن إشراكهم أو عن الشركاء الذين يشركونهم به وقرأ حمزة والكسائي هنا وفي الموضعين في أول النحل والروم بالتاء

١٩

{وما كان الناس إلا أمة واحدة} موحدين على الفطرة أو متفقين على الحق وذلك في عهد آدم عليه السلام إلى أن قتل قابيل هابيل أو بعد الطوفان أو على الضلال في فترة من الرسل فاختلفوا باتباع الهوى والأباطيل أو ببعثه الرسل عليهم الصلاة والسلام فتبعتهم طائفة وأصرت أخرى

{ولولا كلمة سبقت من ربك} بتأخير الحكم بينهم أو العذاب الفاصل بينهم إلى يوم القيامة فإنه يوم الفصل والجزاء

{لقضي بينهم} عاجلا {فيما فيه يختلفون} بإهلاك المبطل وإبقاء المحق

٢٠

{ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه} أي من الآيات التي اقترحوها

{فقل إنما الغيب للّه} هو المختص بعلمه فلعله يعلم في إنزال الآيات المقترحة من مفاسد تصرف عن إنزالها فانتظروا لنزول ما اقترحتموه

{إني معكم من المنتظرين} لما يفعل اللّه بكم بجحودكم ما نزل علي من الآيات العظام واقتراحكم غيره

٢١

{وإذا أذقنا الناس رحمة} صحة وسعة

{من بعد ضراء مستهم} كقحط ومرض

{إذا لهم مكر في آياتنا} بالطعن فيها والاحتيال في دفعها قيل قحط أهل مكة سبع سنين حتى كادوا يهلكون ثم رحمهم اللّه بالحيا فطفقوا يقدحون في آيات اللّه ويكيدون رسوله

{قل اللّه أسرع مكرا} منكم قد دبر عقابكم قبل أن تدبروا كيدهم وإنما دل على سرعتهم المفضل عليها كلمة المفاجأة الواقعة جوابا لإذا الشرطية والمكر إخفاء الكيد وهو من اللّه تعالى أما الاستدراج أو الجزاء على المكر

{إن رسلنا يكتبون ما تمكرون} تحقيق للانتقام وتنبيه على أن ما دبروا في إخفائه لم يخف على الحفظة فضلا أن يخفى على اللّه تعالى وعن يعقوب يمكرون بالياء ليوافق ما قبله

٢٢

{هو الذي يسيركم} يحملكم على السير ويمكنكم منه وقرأ ابن عامر

{ينشركم} بالنون والشين من النشر

{في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك} في السفن

{وجرين بهم} بمن فيها عدل عن الخطاب إلى الغيبة للمبالغة كأنه تذكرة لغيرهم ليتعجب من حالهم وينكر عليهم

{بريح طيبة} لينة الهبوب {وفرحوا بها} بتلك الريح

{جاءتها} جواب إذا والضمير للفلك أو للريح الطيبة بمعنى تلقتها

{ريح عاصف} ذات عصف شديدة الهبوب

{وجاءهم الموج من كل مكان} يجيء الموج منه

{وظنوا أنهم أحيط بهم} اهلكوا وسدت عليهم مسالك الخلاص كمن أحاط به العدو

{دعوا اللّه مخلصين له الدين} من غير إشراك لتراجع الفطرة وزوال المعارض من شدة الخوف وهو بدل من ظنوا بدل اشتمال لأن دعاءهم من لوازم ظنهم

{لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين} على إرادة القول أو مفعول دعوا لأنه من جملة القول

٢٣

{فلما أنجاهم} إجابة لدعائهم

{إذا هم يبغون في الأرض} فاجئوا الفساد فيها وسارعوا إلى ما كانوا عليه

{بغير الحق} مبطلين فيه وهو احتراز عن تخريب المسلمين ديار الكفرة وإحراق زروعهم وقلع أشجارهم فإنها إفساد بحق

{يا أيها الناس إنما بغيكم على انفسكم} فإن وباله عليكم أو أنه على أمثالكم وابناء جنسكم

{متاع الحياة الدنيا} منفعة الحياة الدنيا لا تبقى ويبقى عقابها ورفعه على أنه خبر بغيكم و على انفسكم صلته أو خبر مبتدأ محذوف تقديره ذلك متاع الحياة الدنيا و على أنفسكم خبر بغيكم ونصبه حفص على انه مصدر مؤكد أي تتمتعون متاع الحياة الدنيا أو مفعول البغي لانه بمعنى الطلب فيكون الجار من صلته والخبر محذوف والخبر محذوف تقديره بغيكم متاع الحياة الدنيا محذور أو ضلال أو مفعول فعل دل عليه البغي وعلى أنفسكم خبره

{ثم إلينا مرجعكم} في القيامة {فننبئكم بما كنتم تعملون} بالجزاء عليه

٢٤

{إنما مثل الحياة الدنيا} حالها العجيبة في سرعة تقضيها وذهاب نعيمها بعد إقبالها واغترار الناس بها

{كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض} فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضا

{مما يأكل الناس والأنعام} من الزرع والبقول والحشيش

{حتى إذا أخذت الأرض زخرفها} حسنها وبهجتها {وازينت} تزينت بأصناف النبات وأشكالها وألوانها المختلفة كعروس أخذت من ألوان الثياب والزين فتزينت بها وازينت أصله تزينت فأدغم وقد قرىء على الأصل وازينت على أفعلت من غير اعلال كاغيلت والمعنى صارت ذات زينة وازيانت كابياضت

{وظن أهلها أنهم قادرون عليها} متمكنون من حصدها ورفع غلتها

{أتاها أمرنا} ضرب زرعها ما يحتاجه

{ليلا أو نهارا فجعلناها} فجعلنا زرعها حصيدا شبيها بما حصد من أصله كأن لم تغن

{كأن لم يغن} زرعها أي لم يلبث والمضاف محذوف في الموضعين للمبالغة وقرىء بالياء على الأصل

{بالأمس} فيما قبيله وهو مثل في الوقت القريب والممثل به مضمون الحكاية وهو زوال خضرة النبات فجأة وذهابه حطاما بعدما كان غضا والتف وزين الأرض حتى طمع فيه أهله وظنوا أنه قد سلم من الجوائح لا الماء وإن وليه حرف التشبيه لأنه من التشبيه المركب

{كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون} فإنهم المنتفعون

٢٥

{واللّه يدعو إلى دار السلام دار السلام} من التقضي والآفة أو دار اللّه وتخصيص هذا الاسم أيضا للتنبيه على ذلك أو دار يسلم اللّه والملائكة فيها على من يدخلها والمراد الجنة

{ويهدي من يشاء} بالتوفيق {إلى صراط مستقيم} هو طريقها وذلك الإسلام والتدرع بلباس التقوى وفي تعميم الدعوة وتخصيص الهداية بالمشيئة دليل على أن الأمر غير الإرادة وأن المصر على الضلالة لم يرد اللّه رشده

٢٦

{للذين أحسنوا الحسنى} المثوبة الحسنى

{وزيادة} وما يزيد على المثوبة تفضلا لقوله ويزيدهم من فضله [النور:٣٨] وقيل الحسنى مثل حسناتهم والزيادة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وأكثر وقيل الزيادة مغفرة من اللّه ورضوان وقيل الحسنى الجنة والزيادة هي اللقاء

{ولا يرهق وجوههم} لا يغشاها {قتر} غبرة فيها سواد

{ولا ذلة} هوان والمعنى لا يرهقهم ما يرهق أهل النار أولا يرهقهم ما يوجب ذلك من حزن وسوء حال

{أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} دائمون لا زوال فيها ولا انقرأض لنعيمها بخلاف الدنيا وزخارفها

٢٧

{والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها} عطف على قوله للذين أحسنوا الحسنى [يونس:٢٦] على مذهب من يجوز في الدار زيد والحجرة عمرو أو للذين مبتدأ والخبر جزاء سيئة بمثلها على تقدير وجزاء الذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها أي أن تجازى بسيئة مثلها لا يزاد عليها وفيه تنبيه على أن الزيادة هي الفضل أو التضعيف أو كأنما اغشيت وجوههم أو أولئك أصحاب النار وما بينهما اعتراض ف كأنما أغشيت وجوههم أو أولئك أصحاب النار وما بينهما اعتراض ف جزاء سيئة مبتدأ وخبره محذوف أي فجزاء سيئة بمثلها واقع أو بمثلها على زيادة الباء أو تقدير مقدر بمثلها

{وترهقهم ذلة} وقرئ بالياء {ما لهم من اللّه من عاصم} ما من أحد يعصمهم من سخط اللّه أو من جهة اللّه ومن عنده كما يكون للمؤمنين

{كأنما اغشيت} غطيت {وجوههم قطعا من الليل مظلما} لفرط سوادها وظلمتها ومظلما حال من الليل والعامل فيه أغشيت لأنه العامل في قطعا وهو موصوف بالجار والمجرور والعامل في الموصوف عامل في الصفة أو معنى الفعل في من الليل وقرأ ابن كثير والكسائي ويعقوب قطعا بالسكون فعلى هذا يصح أن يكون مظلما صفة ل أو حالا منه

{أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} مما يحتج به الوعيدية والجواب أن الآية في الكفار لاشتمال السيئات على الكفر والشرك ولأن الذين احسنوا يتناول أصحاب الكبيرة من أهل القبلة فلا يتناولهم قسيمه

٢٨

{ويوم نحشرهم جميعا} يعني افريضين جيمعا

{ثم نقو للذين اشركوا مكانكم} ألزموا مكانكم حتى تنظروا ما يفعل بكم {أنتم} تأكيد للضمير المنتقل إليه من عامله

{وشركاؤكم} عطف علهي وقرئ بالنصب على المفعول معه

{فزيلنا بينهم} ففرقنا بيهم وقطعنا الوصل التي كانت بينهم

{وقال شركاؤهم ما كنتم ايانا تعبدون} مجاز عن براءة ما عبدوه من عبادتهم فإنهم إنما عبدوا في الحقيقة اهواءهم لأنها الآمرة بالاشراك لا ما اشركوا به وقيل ينطق اللّه الاصنام فتشافههم بذلك مكان الشفاعة التي يتوقعون منها وقيل المراد بالشركاء الملائكة والمسيح وقيل الشياطين

٢٩

{ فكفى باللّه شهيدا بيننا وبينكم} فإنه العالم بكنه الحال

{إن كنا عن عبادتكم لغافلين} إن هي المخففة من الثقيل ة واللام هي الفارقة

٣٠

 {هنالك} في ذلك المقام {تبلو كل نفس ما اسلفت} تختبر ما قدمت من عمل فتعاين نفعه وضره وقرأ حمزة والكسائي تتلو من التلاوة أي تقرأ ذكر ما قدمت أو من التلو أي تتبع عملها فيقودها إلى الجنة أو إلى النار وقرئ نبلو بالنون ونصب كل وإبدال ما منه والمعنى نختبرها أي نفعل بها فعل المختبر لحالها المعترف لسعادتها وشقاوتها بتعرف ما أسلفت من أعمالها ويجوز أن يراد به نصيب بالبلاء أي بالعذاب كل نفس عاصية بسبب ما أسلفت من الشر فتكون ما منصوبة بنزع الخافض

{وردوا إلى اللّه} إلى جزائه إياهم بما أسلفوا

{مولاهم الحق} ربهم ومتولي أمرهم على الحقيقة لا ما اتخذوه مولى وقرئ الحق بالنصب على المدح أو المصدر المؤكد

{وضل عنهم} وضاع عنهم

{ما كانوا يفترون} من أن آلهتهم تشفع لهم أو ما كانوا يدعون أنها آلهة

٣١

{قل من يرزقكم من السماء والأرض} أي منهما جميعا فإن الأرزاق تحصل بأسباب سماوية ومواد أرضية أو من كل واحد منهما توسعة عليكم وقيل من لبيان من على حذف المضاف أي من أهل السماء والأرض

{أمن يملك السمع والأبصار} أم من يستطيع خلقهما وتسويتهما أو من يحفظهما من الآفات مع كثرتها وسرعة انفعالها من أدنى شيء

{ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي} ومن يحيي ويميت أو من ينشئ الحيوان من النطفة والنطفة منه

{ومن يدبر الأمر} ومن يلي تدبير أمر العالم وهو تعميم بعد تخصيص

{فسيقولون اللّه} إذ لا يقدرون على المكابرة والعناد في ذلك لفرط وضوحه

{فقل أفلا تتقون} أنفسكم عقابه بإشراككم إياه ما لا يشاركه في شيء من ذلك

٣٢

{فذلكم اللّه ربكم الحق} أي المتولي لهذه الأمور المستحق للعبادة هو ربكم الثابت ربوبيته لأنه الذي أنشأكم وأحياكم ورزقكم ودبر أموركم

{فماذا بعد الحق إلا الضلال} استفهام إنكار أي ليس بعد الحق إلا الضلال فمن تخطى الحق الذي هو عبادة اللّه تعالى وقع في الضلال

{فأنى تصرفون} عن الحق إلى الضلال

٣٣

 {كذلك حقت كلمت ربك} أي كما حقت الربوبية للّه أو أن الحق بعده الضلال أو أنهم مصرفون عن الحق كذلك حقت كلمة اللّه وحكمه وقرأ نافع وابن عامر كلمات هنا وفي آخر السورة وفي غافر

{على الذين فسقوا} تمردوا في كفرهم وخرجوا عن حد الاستصلاح

{أنهم لا يؤمنون} بدل من الكلمة أو تعليل لحقيتها والمراد بها العدة بالعذاب

٣٤

{قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده} جعل الإعادة كالإبداء في الإلزام بها لظهور برهانها وإن لم يساعدوا عليها ولذلك أمر الرسول صلى اللّه عليه وسلم عنهم في الجواب فقال

{قل اللّه يبدأ الخلق ثم يعيده} لأن لجاجهم لا يدعهم أن يعترفوا بها

{فأنى تؤفكون} تصرفون عن قصد السبيل

٣٥

{قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق} بنصب الحجج وإرسال الرسل صلى اللّه عليه وسلم والتوفيق للنظر والتدبر وهدى كما يعدى بإلى لتضمنه معنى الانتهاء يعدى باللام للدلالة على أن المنتهى غاية الهداية وأنها لم تتوجه نحوه على سبيل الاتفاق ولذلك عدي بها ما أسند إلى اللّه تعالى

{قل اللّه يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي} إلى أن يهدى أم الذي لا يهتدي

{إلا أن يهدى} من قولهم هدي بنفسه إذا اهتدى أو لا يهدي غيره إلا أن يهديه اللّه وهذا حال أشراف شركائهم كالملائكة والمسيح وعزير وقرأ ابن كثير وورش عن نافع وابن عامر يهدي بفتح الهاء وتشديد الدال ويعقوب وحفص بالكسر والتشديد والأصل يهتدي فأدغم وفتحت الهاء بحركة التاء أو كسرت لالتقاء الساكنين وروى أبو بكر يهدي باتباع الياء الهاء وقرأ أبو عمرو بالإدغام المجرد ولم يبال بالتقاء الساكنين لأن المدغم في حكم المتحرك وعن نافع برواية قالون مثله وقرئ إلا أن يهدي للمبالغة

{فما لكم كيف تحكمون} بما يقتضي صريح العقل بطلانه

٣٦

{وما يتبع أكثرهم} فيما يعتقدونه {إلا ظنا} مستندا إلى خيالات فارغة وأقيسة فاسدة كقياس الغائب على الشاهد والخالق على المخلوق بأدنى مشاركة موهومة والمراد بالأكثر الجميع أو من ينتمي منهم إلى تمييز ونظر ولا يرضى بالتقليد الصرف

{إن الظن لا يغني من الحق} من العلم والاعتقاد الحق

{شيئا} من الإغناء ويجوز أن يكون مفعولا به و من الحق حالا منه وفيه دليل على أن تحصيل العلم في الأصول واجب والاكتفاء بالتقليد والظن غير جائز

{إن اللّه عليم بما يفعلون} وعيد على اتباعهم للظن وإعراضهم عن البرهان

٣٧

{وما كان هذا القرأن أن يفترى من دون اللّه} افتراء من الخلق

{ولكن تصديق الذي بين يديه} مطابقا لما تقدمه من الكتب الإلهية المشهود على صدقها ولا يكون كذبا كيف وهو لكونه معجزا دونها عيار عليها شاهد على صحتها ونصبه بأنه خبر لكان مقدرا أو علة لفعل محذوف تقديره ولكن أنزله اللّه تصديق الذي وقرئ بالرفع على تقدير ولكن هو تصديق

{وتفصيل الكتاب} وتفصيل ما حقق وأثبت من العقائد والشرائع

{لا ريب فيه} منتفيا عنه الريب وهو خير ثالث داخل في حكم الاستدراك ويجوز أن يكون حالا من الكتاب فإنه مفعول في المعنى وأن يكون استئنافا من رب العالمين خبر آخر تقديره كائنا

{من رب العالمين} أو متعلق بتصديق أو تفصيل و لا ريب فيه اعتراض أو بالفعل المعلل ويهما ويجوز أن يكون حالا من الكتاب أو من الضمير في فيه ومساق الآية بعد المنع عن اتباع الظن لبيان ما يجب اتباعه والبرهان عليه

٣٨

{أم يقولون} بل أيقولون {افتراه} محمد صلى اللّه عليه وسلم ومعنى الهمزة فيه للإنكار قل

{فأتوا بسورة مثله} في البلاغة وحسن النظم وقوة المعنى على وجه الافتراء فإنكم مثلي في العربية والفصاحة وأشد تمرنا في النظم والعبارة

{وادعوا من استطعتم} ومع ذلك فاستعينوا بمن أمكنكم أن تستعينوا به

{من دون اللّه} سوى اللّه تعالى فإنه وحده قادر على ذلك

{إن كنتم صادقين} أنه اختلقه

٣٩

{بل كذبوا} بل سارعوا إلى التكذيب

{بما لم يحيطوا بعلمه} بالقرأن أول ما سمعوه قبل أن يتدبروا آياته ويحيطوا بالعلم بشأنه أو بما جهلوه ولم يحيطوا به علما من ذكر البعث والجزاء وسائر ما يخالف دينهم

{ولما يأتهم تأويله} ولم يقفوا بعد على تأويله ولم تبلغ أذهانهم معانيه أو ولم يأتهم بعد تأويل ما فيه من الإخبار بالغيوب حتى يتبين لهم أنه صدق أم كذب والمعنى أن القرأن معجز من جهة اللفظ والمعنى ثم إنهم فاجئوا تكذيبه قبل أن يتدبروا نظمه ويتفحصوا معناه ومعنى التوقع في لما أنه قد ظهر لهم بالآخرة إعجازه لما كرر عليهم التحدي فزادوا قواهم في معارضته فتضاءلت دونها أو لما شاهدوا وقوع ما أخبر به طبقا لإخباره مرارا فلم يقلعوا عن التكذيب تمردا وعنادا

{كذلك كذب الذين من قبلهم} أنبياءهم

{فانظر كيف كان عاقبة الظالمين} فيه وعيد لهم بمثل ما عوقب به من قبلهم

٤٠

{ومنهم} ومن المكذبين {من يؤمن به} من يصدق به في نفسه ويعلم أنه حق ولكن يعاند أو من سيؤمن به ويتوب عن الكفر

{ومنهم من لا يؤمن به} في نفسه لفرط غباوته وقلة تدبره أو فيما يستقبل بل يموت على الكفر

{وربك أعلم بالمفسدين} بالمعاندين أو المصرين

٤١

{وإن كذبوك} وإن أصروا على تكذيبك بعد إلزام الحجة

{فقل لي عملي ولكم عملكم} فتبرأ منهم فقد أعذرت والمعنى لي جزاء عملي ولكم جزاء عملكم حقا كان أو باطلا

{أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون} لا تؤاخذون بعملي ولا أؤاخذ بعملكم ولما فيه من إيهام الإعراض عنهم وتخلية سبيلهم قيل إنه منسوخ بآية السيف

٤٢

{ومنهم من يستمعون إليك} إذا قرأت القرأن وعلمت الشرائع ولكن لا يقبلون كالأصم الذي لا يسمع أصلا

{أفأنت تسمع الصم} تقدر على إسماعهم

{ولو كانوا لايعقلون} ولو إنضم إلى صممهم عدم تعلهم وفيه تنبيه على أن حقيقة إستماع الكلام فهم المعنى المقصود منه ولذلك لا توصف به البهائم وهو لا يتاتى إلا باستعمال العقل السليم في تدبره وعقولهم لما كانت مؤفه بمعارضة الوهم ومشايعة الإلف والتقليد تعذر إفهامهم الحكم والمعاني الدقيقة فلم ينتفعوا بسرد الألفاظ عليهم غير ما ينتفع به البهائم من كلام الناعق

٤٣

{ ومنهم من ينظر إليك} يعاينون دلائل نبوتك ولكن لا يصدقونك

{أفأنت تهدي العمي} تقدر على هدايتهم

{ولو كانوا لا يبصرون} وإن انضم إلى عدم البصر عدم البصيرة فإن المقصود من الابصار هو الاعتبار والاستبصار والعمدة في ذلك البصرة ولذلك يحدس الأعمى المستبصر ويتفطن لما لا يدركه البصر الاحمق والاية كالتعليل للامر بالتبري والأعراض عنهم

٤٤

{ إن اللّه لا يظلم الناس شيئا} بسلم حواسهم وعقولهم

{ولكن الناس أنفسهم يظلمون} بإفسادها وتفويت منافعها عليهم وفيه دليل على أن للعبد كسبا وأنه ليس بمسلوب الاختيار بالكلية كما زعمت المجبرة ويجوز أن يكون وعيدا لهم بمعنى أن ما يحيق بهم يوم القيامة من العذاب عدل من اللّه لا يلظمهم به ولكنهم ظلموا أنفسهم باقتراف اسبابه وقرأ أبو عمرو والكسائي بالتخفيف ورفع {الناس}

٤٥

{ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار} يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا أو في القبور لهول ما يرون والجملة التشبيهية في موضع الحال أي يحشرهم مشبهين بمن لم يلبث إلا ساعة أو صفة ليوم والعائد محذوف تقديره كأن لم يلبثوا قبله أو لمصدر محذوف أي حشرا كأن لم يلبثوا قبله

{يتعارفون بينهم} يعرف بعضهم بعضا كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلا وهذا أول ما نشروا ثم ينقطع التعارف لشدة الأمر عليهم وهي حال أخرى مقدرة أو بيان لقوله كأن لم يلبثوا أو متعلق الظروف والتقدير يتعارفون يوم يحشرهم

{قد خسر الذين كذبوا بلقاء اللّه} استئناف للشهادة على خسرانهم والتعجب منه ويجوز أن يكون حالا من الضمير في يتعارفون على إرادة القول

{وما كانوا مهتدين} لطرق استعمال ما منحوا من المعاون في تحصيل المعارف فاستكسبوا بها جهالات أدت بهم إلى الردى والعذاب الدائم

٤٦

{وإما نرينك} نبصرنك {بعض الذي نعدهم} من العذاب في حياتك كما أراه يوم بدر

{أو نتوفينك} قبل أن نريك {فإلينا مرجعهم} فنريكه في الآخرة وهو جواب نتوفينك وجواب نرينك محذوف مثل فذاك

{ثم اللّه شهيد على ما يفعلون} مجاز عليه ذكر الشهادة وأراد نتيجتها ومقتضاها ولذلك رتبها على الرجوع ب ثم أو مؤد شهادته على افعالهم يوم القيامة

٤٧

{ولكل أمة} من الأمم الماضية رسول يبعث إليهم ليدعوهم إلى الحق

{فإذا جاء رسولهم} بالبينات فكذبوه

{قضي بينهم} بين الرسول ومكذبيه بالقسط بالعدل فأنجى الرسول وأهلك المكذبون

{وهم لا يظلمون} وقيل معناه لكل أمة يوم القيامة رسول تنسب إليه فإذا جاء رسولهم الموقف ليشهد عليهم بالكفر والأيمان قضى بينهم بإنجاء المؤمنين وعقاب الكفار لقوله {وجيء بالنبيين والشهداء وقضى بينهم} [الزمر: ٦٩]

٤٨

 {ويقولون متى هذا الوعد} استبعادا له واستهزاء به

{إن كنتم صادقين} خطاب منهم للنبي صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين

٤٩

{ قل لا أملك لنفي ضرا ولا نفعا} فكيف املك لكم فاستعجل في جلب العذاب اليكم

{إلا ما شاء اللّه} أن أملكه أو ولكن ما شاء اللّه من ذلك كائن

{لكل أمة أجل} مضروب لهلاكهم

{إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} لا يتأخرون ولا يتقدمون فلا تستعجلون فسيحين وقتكم وينجز وعدكم

٥٠

{قل أرأيتم إنأتاكم عذابه} الذي تستعجلون به

{بياتا} وقت بيات اشتغال بالنوم

{أو نهارا} حين كنتم مشتغلين بطلب معاشكم ما

{يستعجل منه المجرمون} أي شيء من العذاب يستعجلونه وكله مكروه لا يلائم الاستعجال وهو متعلق ب أرأيتم لأنه بمعنى اخبروني والمجرمون وضع موضع الضمير للدلالة على انهم لجرمهم ينبغي أن يفزعوا من مجيؤء العذاب لا أن يستعجلوه وجواب الشرط محذوف وهو تندموا على الاستعجال أو تعرفوا خطأه ويجوز أن يكون الجواب ماذا كقولك أن أتيتك ماذا تعطيني وتكون الجملة متعلقة ب أرأيتم أو بقوله

٥١

 {أثم إذا ما وقع آمنتم به} بمعنى إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان وماذا يستعجل اعتراض ودخول حرف الاستفهام على ثم لانكار التأخير الآن على إرادة القول أي قيل لهم إذا آمنوا بعد وقوع العذاب الآن آمنتم به وعن نافع

{آلان} بحذف الهمزة والقاء حركتها على اللام

{وقد كنتم به تستعجلون} تكذيبا واستهزاء

٥٢

{ثم قيل للذين ظلموا} عطف على قيل المقدر

{ذوقوا عذاب الخلد} المؤملم على الدوام

{هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون} من الكفر والمعاصي

٥٣

{ويستنبئونك} ويستخبرونك

{أحق هو} أحق ما تقول من الوعد أو ادعاء النبوة تقوله بجد أم باطل تهزل به قاله حيي بن اخطب لما قدم مكة والاطهر أن الاستفهام فيه على اصله لقوله ويستنبئونك وقيل إنه للانكار ويؤيده انه قرئ {آلحق هو} فإن فيه تعريضا بأنه باطل وأحق مبتدأ والضمير مرتفع به ساد مسد الخبر أو خبر مقدم والجملة في مومضع النصب يستنبئونك

{قل إي إنه لحق} أن العذاب لكائن أو ما ادعيته لثابت وقيل كلا الضميرين للقرأن وإي بمعنى نعم وهو من لوازم القسم ولذلك يوصل بواوه في التصديق فيقال إي واللّه ولا يقال إي وحده

{وما أنتم بمعجزين} بفائتين العذاب

٥٤

{ولو أن لكل نفس ظلمت} بالشرك أو التعدي على الغير

{ما في الأرض} من خزائنها وأموالها

{لافتدت به} لجعلته فدية لها من العذاب من قولهم افتداه بمعنى فداه

{وأسروا الندامة لما رأوا العذاب} لأنهم بهتوا بما عاينوا مما لم يحتسبوه من فظاعة الأمر وهوله فلم يقدروا أن ينطقوا وقيل أسروا الندامة أخلصوها لأن اخفاءها اخلاصها أو لأنه يقال سر الشيء وأسره إذا اظهره

{وقي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون} ليس تكريرا لأن الأول قضاء بين الأنبياء ومكذبيهم والثاني مجازاة المشركين على الشرك أو الحكومة بين الظالمين والمظلومين والضمير إنما يتناولهم لدلالة الظلم عليهم

٥٥

{ألا إن للّه ما في السماوات والأرض} تقرير لقدرته تعالى على الاثابة والعقاب

{ألا إن وعد اللّه حق} ما وعده من الثواب والعقاب كائن لا خلف فيه

{ولكن أكثرهم لا يعلمون} لأنهم لا يعلمون لقصور عقولهم إلا ظاهرا من الحياة الدنيا

٥٦

{هو يحيى ويميت} في الدنيا فهو يقدر عليهما في العقبى لان القادر لذاته لا تزول قدرته والمادة القابلة بالذات للحياة والموت لهما أبدا

{وإليه ترجعون} بالموت أو النشور

٥٧

{يا آيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمةللمؤمنين} أي قد جاءكم كتاب جامع للحكمة العملية الكاشفة عن محاسن الأعمال ومقابحها المرغبة في المحاسن والزاجرة عن المقابح ولاحكمة النظرية التي هي شفاء لما في الصدور من الشكوك وسوء الاعتقاد وهدى إلى الحق واليقين ورحمة للمؤمنين حيث انزلت عليهم فنجوا بها من ظلمات الضلالة إلى نور الإيمان وتبدلت مقاعدهم من طبقات النيران بمصاعد من درجات الجنان والتنكير فيها للتعظيم

٥٨

 {قل بفضل اللّه وبرحمته} بإنزال القرأن والباء متعلقة بفعل يفسره قوله

{فبذلك فليفرحوا} فإن اسم الاشارة بمنزلة الضمير تقديره بفضل اللّه وبرحمته فليعتنوا أو فليفرحوا فبذلك وفائدة ذلك التكرير التأكيد والبيان بعد الأجمال وايجاب اختصاص الفضل والرحمة بالفرح أو بفعل دل عليه

{قد جاءتكم} وذلك إشارة إلى مصدره أي فبمجيئها فليفرحوا والفاء بمعنى الشرط كأنه قيل إن فرحوا بشيء فيهما فليفرحوا أو للربط بما قبلها والدلالة على أن مجيء الكتاب الجامع بين هذه الصفات موجب للفرح وتكريرها للتأكيد كقوله

وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي

وعن يعقوب فلتفرحوا بالتاء على الأصل المرفوض وقد روي مرفوعا ويؤيده انه قرئ فافرحوا

{هو خير مما يجمعون} من حطام الدنيا فإنها إلى الزوال قريب وهو ضمير ذلك وقرأ ابن عامر تجمعون بالتاء على معنى فبذلك المؤمنون فهو خير مما تجمعونه آيها المخاطبون

٥٩

{قل أرأيتم ما انزل اللّه لكم من رزق} جعل الرزق منزلا لأنه مقدر في السماء محصل باسباب منها وما في موضع النصب ب أنزل أو ب أرأيتم فإنه بمعنى اخبروني ولكم دل على أن المراد منه ما حل ولذلك وبخ على التبعيض فقال

{فجعلتم منه حراما وحلالا} مثل {هذه انعام وحرث حجر} [الانعام:١٣٨] وعند قوله تعالى {ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على ازواجنا} [الانعام:١٣٩]

{قل ءآللّه أذن لكم} في التحريم والتحليل فتقولون ذلك بحكه

{أم على اللّه تفترون} في نسبة ذلك إليه ويجوز أن تكون المنفصلة متصلة ب أرأيتم وقل مكرر للتأكيد وأن يكون الاستفهام للانكزار و أم منقطعة ومعنى الهمزة فيها تقرير لافترائهم على اللّه

٦٠

{وما ظن الذين يفترون على اللّه الكذب} أي شيء ظنهم

{يوم القيامة} ايحسبون أن لا يجازوا عليه وهو منصوب بالظن ويدل عليه انه قرئ بلفظ الماضي لانه كائن وفي ابهام الوعيد تهديد عظيم

{إن اللّه لذو فضل على الناس} حيث أنعم عليهم بالعقل وهداهم إرسال الرسل وإنزال الكتب

{ولكن أكثرهم لا يشكرون} هذه النعمة

٦١

{وما تكون في شأن} ولا تكون في أمر وأصله الهمز من شأنت شأنه إذا قصدت قصده والضمير في

{وما تتلو منه} له لأن تلاوة القرأن معظم شأن الرسول أو لأن القرأءة تكون لشأن فيكون التقدير من أجله ومفعول تتلو

{من قرأن} على أن من تبعيضية أو مزيدة لتأكيد النفي أو لل قرأن واضماره قبل الذكر ثم بيانه تفخيم له أو للّه

{ولا تعملون من عمل} تعميم للخطاب بعد تخصيصه بمن هو رأسهم ولذلك ذكر حيث خص ما فيه فخامة وذكر حيث عم ما يتناول الجليل والحقير

{إلا كنا عليكم شهودا} رقباء مطلعين عليه

{إذ تفيضون فيه} تخوضون فيه وتندفعون

{وما يعزب عن ربك} ولا يبعد عنه ولا يغيب عن علمه وقرأ الكسائي بكسر الزاي هنا وفي سبأ

{من مثقال ذرة} موازن نملة صغيرة أو هباء

{في الأرض ولا في السماء} أي في الوجود والامكان فإن العامة لا تعرف ممكنا غيرهما ليس فيهما ولا متعلقا بهما وتقديم الأرض لأنن الكلام في حال أهلها والمقصود منه البرهان على احاطة علمه بها

{ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين} كلام برأسه مقرر لما قبله لا نافية و أصغر اسمها وفي كتاب خبرها وقرأ حمزة ويعقوب بالرفع على الابتداء والخبر ومن عطف على لفظ

{مثقال ذرة} وجعل الفتح بدل الكسر لامتناع الصرف أو على محله مع الجار جعل الاستثناء منقطعا والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ

٦٢

{ألا إن اولياء اللّه} الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة {لا خوف عليهم} من لحوق مكروه

{ولا هم يحزنون} لفوات مأمول والاية جمجمل فسره قوله

٦٣

{الذين آمنوا وكانوا يتقون} وقيل الذين آمنوا وكانوا يتقون بيان لتوليهم إياه

٦٤

{لهم البشرى في الحياة الدنيا} هو ما بشر به المتقين في كتابه وعلى لسان نبيه صلى اللّه عليه وسلم وما يريهم من الرؤيا الصالحة وما يسنح لهم من المكاشفات وبشرى الملائكة عند النزع

{وفي الآخرة} بتلقي الملائكة اياهم مسلمين مبشرين بالفوز والكرامة بيان لتوليه لهم ومحل {الذين آمنوا} [البقرة: ٩] النصب أو الرفع على المدح أو على وصف الأولياء أو على الابتداء وخبره لهم البشرى

{لا تبديل لكلمات اللّه} أي لا تغيير لأقواله ولا اخلاف لمواعيده ذلك إشارة إلى كونهم مبشرين في الدارين

{هو الفوز العظيم} هذه اجلملة والتي قبلها اعتراض لتحقيق المبشر به وتعظيم شأنه وليس من شرطه أن يقع بعده كلام يتصل بما قبله

٦٥

{ولا يحزنك قولهم} اشراكهم وتكذيبهم وتهديدهم وقرأ نافع يحزنك من أحزنه وكلاهما بمعنى

{إن العزة للّه جميعا} استئناف بمعنى التعليل ويدل عليه القارة بالفتح كأنه قيل لا تحزن بقولهم ولا تبال بهم لأن الغلبة للّه جميعا لا يملك غيره شيئا منها فهو يقهرهم وينصرك عليهم

{هو السميع} لاقوالهم {العليم} بعزماتهم فيكافئهم عليها

٦٦

{ألا إن للّه من في السماوات ومن في الأرض} من الملائكة والثقلين وإذا كان هؤلاء الذين هم اشرف الممكنات عبيدا لا يصلح أحد منهم للربوبية فما لا يعقل منها احق أن لا يكون له ندا أو شريكا فهو كالدليل على قوله

{وما يتبع الذين يدعون من دون اللّه شركاء} أي شركاء على الحقيقة وإن كان يسمونها شركاء ويجوز أن يكون شركاء مفعول يدعون ومفعول يتبع محذوف دل عليه

{إن يتبعون إلا الظن} أي ما يتبعون يقينا وإنما يتبعون ظنهم أنها شركاء ويجوز أن تكون ما استفهامية منصوبة ب يتبع أو موصولة معطوفة على من وقرئ تدعون بالتاء الخاطبية والمعنى أي شيء يتبع الذين تدعونهم شركاء من الملائكة والنبيين أي أنهم لا يتبعون إلا اللّه ولا يعبدون غيره فما لكم لا تتبعونهم فيه كقوله

{أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة} فيكون إلزاما بعد برهان وما بعده مصروف عن خطابهم لبيان سندهم ومنشأ رأيهم

{وإن هم إلا يخرصون} يكذبون فيما ينسبون إلى اللّه أو يحزرون ويقدرون أنها شركاء تقديرا باطلا

٦٧

{هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا} تنبيه على كمال قدرته وعظم نعمته المتوحد هو بهما ليدلهم على تفرده باستحقاق العبادة وإنما قال مبصرا ولم يقل لتبصروا فيه تفرقة بين الظرف المجرد والظرف الذي هو سبب

{إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون} سماع تدبر واعتبار

٦٨

{قالوا اتخذ اللّه ولدا} أي تبناه سبحانه تنزيه له عن التبني فإنه لا يصح إلا ممن يتصور له الولد وتعجب من كلمتهم الحمقاء

{هو الغني} علة لتنزيهه فإن اتخاذ الولد مسبب عن الحاجة له ما في السموات وما في الأرض تقرير لغناه

{إن عندكم من سلطان بهذا} نفي لمعارض ما أقامه من البرهان مبالغة في تجهيلهم وتحقيقا لبطلان قولهم و بهذا متعلق ب سلطان أو نعت له أو ب عندكم كأنه قيل إن عندكم في هذا من سلطان

{أتقولون على اللّه ما لا تعلمون} توبيخ وتقريع على اختلافهم وجهلهم وفيه دليل على أن كل قول لا دليل عليه فهو جهالة وأن العقائد لا بد لها من قاطع وأن التقليد فيها غير سائغ

٦٩

{قل إن الذين يفترون على اللّه الكذب} باتخاذ الولد وإضافة الشريك إليه

{لا يفلحون} لا ينجون من النار ولا يفوزون بالجنة

٧٠

{متاع في الدنيا} خبر مبتدأ محذوف أي افتراؤهم متاع في الدنيا يقيمون به رئاستهم في الكفر أو حياتهم أو تقلبهم متاع مبتدأ خبره محذوف أي لهم تمتع في الدنيا

{ثم إلينا مرجعهم} بالموت فيلقون الشقاء المؤبد

{ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون} بسبب كفرهم

٧١

{واتل عليهم نبأ نوح} خبره مع قومه

{إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم} عظم عليكم وشق مقامي نفسي كقولك فعلت كذا لمكان فلان أو كوني وإقامتي بينكم مدة مديدة أو قيامي على الدعوة وتذكيري إياكم

{بآيات اللّه فعلى اللّه توكلت} وثقت به

{فاجمعوا أمركم} فاعزموا عليه وشركاءكم أي مع شركائكم ويؤيده القرأءة بالرفع عطفا على الضمير المتصل وجاز من غير أن يؤكد للفصل وقيل إنه معطوف على أمركم بحذف المضاف أي وأمر شركائكم وقيل إنه منصوب بفعل محذوف تقديره وادعوا شركاءكم وقد قرئ به وعن نافع فاجمعوا من الجمع والمعنى أمرهم بالعزم أو الاجتماع على قصده والسعي في إهلاكه على أي وجه يمكنهم ثقة باللّه وقلة مبالاة بهم

{ثم لا يكن أمركم} في قصدي {عليكم غمة} مستورا واجعلوه ظاهرا مكشوفا من غمه إذا ستره أو ثم لا يكن حالكم عليكم غما إذا أهلكتموني وتخلصتم من ثقل مقامي وتذكيري

{ثم اقضوا} أدوا إلي ذلك الأمر الذي تريدون بي وقرئ ثم افضوا إلي بالفاء أي انتهوا إلي بشركم أو ابرزوا إلي من أفضى إذا خرج إلى الفضاء

{ولا تنظرون} ولا تمهلوني

٧٢

{فإن توليتم} أعرضتم عن تذكيري

{فما سألتكم من أجر} يوجب توليكم لثقله عليكم واتهامكم إياي لأجله أو يفوتني لتوليكم

{إن أجري} ما ثوابي على الدعوة والتذكير

{إلا على اللّه} لا تعلق له بكم يثيبني به آمنتم أو توليتم

{وأمرت أن أكون من المسلمين} المنقادين لحكمه لا أخالف أمره ولا أرجو غيره

٧٣

{فكذبوه} فأصروا على تكذيبه بعدما ألزمهم الحجة وبين أن توليهم ليس إلا لعنادهم وتمردهم لا جرم حقت عليهم كلمة العذاب

{فنجيناه} من الغرق {ومن معه في الفلك} وكانوا ثمانين وجعلناكم خلائف من الهالكين به

{وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا} بالطوفان

{فانظر كيف كان عاقبة المنذرين} تعظيم لما جرى عليهم وتحذير لمن كذب الرسول صلى اللّه عليه وسلم وتسلية له

٧٤

{ثم بعثنا} أرسلنا {من بعده} من بعد نوح

{رسلا إلى قومهم} كل رسول إلى قومه فجاءوهم بالبينات بالمعجزات الواضحة المثبتة لدعواهم

{فما كانوا ليؤمنوا} فما استقام لهم أن يؤمنوا لشدة شكيمتهم في الكفر وخذلان اللّه إياهم

{بما كذبوا به من قبل} أي بسبب تعودهم تكذيب الحق وتمرنهم عليه قبل بعثه الرسل صلى اللّه عليه وسلم

{كذلك نطبع على قلوب المعتدين} بخذلانهم لانهماكهم في الضلال واتباع المألوف وفي أمثال ذلك دليل على أن الأفعال واقعة بقدرة اللّه تعالى وكسب العبد وقد مر تحقيق ذلك

٧٥

{ثم بعثنا من بعدهم} من بعد هؤلاء الرسل

{موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآياتنا} بالآيات التسع فاستكبروا عن اتباعهما

{وكانوا قوما مجرمين} معتادين الأجرام فلذلك تهاونوا برسالة ربهم واجترؤوا على ردها

٧٦

{فلما جاءهم الحق من عندنا} وعرفوه بتظاهر المعجزات الباهرة المزيلة للشك قالوا من فرط تمردهم

{إن هذا لسحر مبين} ظاهر أنه سحر أو فائق في فنه واضح فيما بين إخوته

٧٧

{قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم} إنه لسحر فحذف المحكي المقول لدلالة ما قبله عليه ولا يجوز أن يكون

{أسحر هذا} لأنهم بتوا القول بل هو استئناف بإنكار ما قالوه اللّهم إلا أن يكون الاستفهام فيه للتقرير والمحكي مفهوم قولهم ويجوز انيكون معنى

{أتقولون للحق} أتعيبونه من قولهم فلان يخاف القالة كقوله تعالى {سمعنا فتى يذكرهم} [الانبياء:٦٠] فيستغني عن المفعول

{ولا يفلح الساحرون} من تمام كلام موسى للدلالة على أنه ليس بسحر فإنه لو كان سحرا لاضمحل ولم يبطل السحرة ولأن العالم بأنه لا يفلح الساحر لا يسحر أو من تمام قولهم إن جعل أسحر هذا محكيا كأنهم قالوا أجئتنا بالسحر تطلب به الفلاح ولا يفلح الساحرون

٧٨

{قالوا أجئتنا لتلفتنا} لتصرفنا واللفت والفتل أخوان

{عما وجدنا عليه آباءنا} من عبادة الأصنام

{وتكون لكما الكبرياء في الأرض} الملك فيها سمي بها لاتصاف الملوك بالكبر أو التكبر على الناس باستتباعهم

{وما نحن لكما بمؤمنين} بمصدقين فيما جئتما به

٧٩

{وقال فرعون ائتوني بكل ساحر} وقرأ حمزة والكسائي {بكل سحار}

{عليم} حاذق فيه

٨٠

{فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون}

٨١

{فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر} أي الذي جئتم به هو السحر لا ما سماه فرعون وقومه سحرا وقرأ أبو عمرو السحر على أن ما استفهامية مرفوعة بالابتداء وجئتم به خبرها و السحر بدل منه أو خبر مبتدأ محذوف تقديره أهو السحر أو مبتدأ خبره محذوف أي السحر هو ويجوز أن ينتصب ما يفعل يفسره ما بعده وتقديره أي شيء أتيتم

{إن اللّه سيبطله} سيمحقه أو سيظهر بطلانه

{إن اللّه لا يصلح عمل المفسدين} لا يثبته ولا يقويه وفيه دليل على أن السحر إفساد وتمويه لا حقيقة له

٨٢

{ويحق اللّه الحق} ويثبته {بكلماته} بأوامره وقضاياه وقرئ بكلمته

{ولو كره المجرمون} ذلك

٨٣

{فما آمن لموسى} أي في مبدأ أمره

{إلا ذرية من قومه} إلا أولاد من أولاد قومه بني إسرائيل دعاهم فلم يجيبوه خوفا من فرعون إلا طائفة من شبانهم وقيل الضمير ل فرعون والذرية طائفة من شبانهم آمنوا به أو مؤمن آل فرعون وامرأته آسية وخازنة وزوجته وماشطته

{على خوف من فرعون وملئهم} أي مع خوف منهم والضمير ل فرعون وجمعه على ما هو المعتاد في ضمير العظماء أو على أن المراد ب فرعون آله كما يقال ربيعة ومضر أو للذرية أو للقوم

{أن يفتنهم} أن يعذبهم فرعون وهو بدل منه أو مفعول خوف وإفراده بالضمير للدلالة على أن الخوف من الملأ كان بسببه

{وإن فرعون لعال في الأرض} لغالب فيها

{وإنه لمن المسرفين} في الكبر والعتو حتى ادعى الربوبية واسترق أسباط الأنبياء

٨٤

{وقال موسى} لما رأى تخوف المؤمنين به

{يا قوم إن كنتم آمنتم باللّه فعليه توكلوا} فثقوا به واعتمدوا عليه

{إن كنتم مسلمين} مستسلمين لقضاء اللّه مخلصين له وليس هذا من تعليق الحكم بشرطين فإن المعلق بالإيمان وجوب التوكل فإنه المقتضي له والمشروط بالإسلام حصوله فإنه لا يوجد مع التخطيط ونظيره إن دعاك زيد فأجبه إن قدرت

٨٥

{فقالوا على اللّه توكلنا} لأنهم كانوا مؤمنين مخلصين ولذلك أجيبت دعوتهم

{ربنا لا تجعلنا فتنة} موضع فتنة {للقوم الظالمين} أي لا تسلطهم علينا فيفتنونا

٨٦

{ونجنا برحمتك من القوم الكافرين} من كيدهم ومن شؤم مشاهدتهم وفي تقديم التوكل على الدعاء تنبيه على أن الداعي ينبغي له أن يتوكل أولا لتجاب دعوته

٨٧

{وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوا} أي اتخذا مباءة

{لقومكما بمصر بيوتا} تسكنون فيها أو ترجعون إليها للعبادة واجعلوا أنتما وقومكما بيوتكم تلك البيوت قبلة مصلى وقيل مساجد متوجهة نحو القبلة يعني الكعبة وكان موسى صلى اللّه عليه وسلم يصلي إليها

{وأقيموا الصلاة} فيها أمروا بذلك أول أمرهم لئلا يظهر عليهم الكفرة فيؤذوهم ويفتنوهم عن دينهم

{وبشر المؤمنين} بالنصرة في الدنيا والجنة في العقبى وإنما ثنى الضمير أولا لأن التبوأ للقوم واتخاذ المعابد مما يتعاطاه رؤوس القوم بتشاور ثم جمع لأن جعل البيوت مساجد والصلاة فيها مما ينبغي أن يفعله كل أحد ثم وحد لأن البشارة في الأصل وظيفة صاحب الشريعة

٨٨

{وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة} ما يتزين به من الملابس والمراكب ونحوهما وأموالا في الحيوة الدنيا وأنواعا من المال

{ربنا ليضلوا عن سبيلك} دعاء عليهم بلفظ الأمر بما علم من ممارسة أحوالهم أنه لا يكون غيره كقولك لعن اللّه إبليس وقيل اللام للعاقبة وهي متعلقة ب آتيت ويحتمل أن تكون للعلة لأن إيتاء النعم على الكفر استدراج وتثبيت على الضلال ولأنهم لما جعلوها سببا للضلال فكأنهم أوتوها ليضلوا فيكون ربنا تكريرا للأول تأكيدا وتنبيها على أن المقصود عرض ضلالهم وكفرانهم تقدمة لقوله

{ربنا اطمس على أموالهم} أي أهلكها والطمس المحق وقرئ اطمس بالضم

{واشدد على قلوبهم} أي وأقسها عليها حتى لا تنشرح للإيمان

{فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم} جواب للدعاء أو دعاء بلفظ النهي أو عطف على ليضلوا وما بينهم دعاء معترض

٨٩

{قال قد أجيبت دعوتكما} يعني موسى وهارون لأنه كان يؤمن

{فاستقيما} فاثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة وإلزام الحجة ولا تستعجلا فإن ما طلبتما كائن ولكن في وقته روي أنه مكث فيهم بعد الدعاء أربعين سنة

{ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون} طريق الجلهة في الاستعجال أو عدم الوثوق والاطمئنان بوعد اللّه تعالى وعن ابن عامر برواية ابن ذكوان ولا تتبعان بالنون الخفيفة وكسرها لالتقاء الساكنين

{ولا تتبعان} من تبع {ولا تتبعان} أيضا

٩٠

{وجاوزنا ببني إسرائيل البحر} أي جوزناهم في البحر حتى بلغوا الشط حافظين لهم وقرئ جوزنا وهو من فعل المرادف لفاعل كضعف وضاعف فأتبعهم فأدركهم يقال تبعته حتى اتبعته

{فرعون وجنوده بغيا وعدوا} باغين وعادين أو للبغي والعدو وقرئ وعدوا

{حتى إذا أدركه الغرق} لحقه {قال آمنت أنه} أي بأنه

{لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين} وقرأ حمزة والكسائي إنه بالكسر على إضمار القوم أو الاستئناف بدلا وتفسيرا ل ءامنت فنكب عن الإيمان أو أن القبول وبالغ فيه حين لا يقبل الآن أتؤمن

٩١

{الآن} وقد أيست من نفسك ولم يبق لك اختيار

{وقد عصيت قبل} قبل ذلك مدة عمرك

{وكنت من المفسدين} الضالين المضلين عن الإيمان

٩٢

{فاليوم ننجيك} ننقذك مما وقع فيه قومك من قعر البحر ونجعلك طافيا أو نلقيك على نجوة من الأرض ليراك بنو إسرائيل وقرأ يعقوب ننجيك من أنجى وقرأ ننحيك بالحاء أي نلقيك بناحية من الساحل

{ببدنك} في موضع الحال أي ببدنك عاريا عن الروح أو كاملا سويا أو عريانا من غير لباس أو بدرعك وكانت له درع من ذهب يعرف بها وقرئ بأبدانك أي بأجزاء البدن كلها كقولهم هوى بإجرامه أو بدرعك كأنه كان مظاهرا بينها

{ولتكون لمن خلفك آية} لمن وراءك علامة وهم بنو إسرائيل إذ كان في نفوسهم من عظمته ما خيل إليهم أنه لا يهلك حتى كذبوا موسى صلى اللّه عليه وسلم حين أخبرهم بغرقه إلى أن عاينوه مطرحا على ممرهم من الساحل أو لمن يأتي بعدك من القرون إذا سمعوا مآل أمرك ممن شاهدك عبرة ونكالا عن الطغيان أو حجة تدلهم على أن الإنسان على ما كان عليه من عظم الشأن وكبرياء الملك مملوك مقهور بعيد عن مظان الربوبية وقرئ لمن خلقك أي لخالقك آية أي كسائر الاياة فإن إفراده إياك بالالقاء إلى الساحل دليل على أنه تعمد منه لكشف تزويرك واماطة الشبهة في أمرك وذلك دليل على كمال قدرته وعلمه وارادته وهذا الوجه أيضا محتمل على المشهور

{وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون} لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها

٩٣

{ولقد بوأنا} أنزلنا {بني إسرائيل مبوأ صدق} منزلا صالحا مرضيا وهو الشأم ومصر

{ورزقناهم من الطيبات} من اللذائذ

{فما اختلفوا حتى جاءهم العلم} فما اختلفوا في أمر دينهم إلا من بعدما قرأوا التوراة وعلموا أحكامها أو في أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم إلا من بعد ما علموا صدقه بنعوته وتظاهر معجزاتهه

{إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} فيميز المحق من المبطل بالانجاء والاهلاك

٩٤

{فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك} من القصص على سبيل الفرض والتقدير

{فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك} فإنه محقق عندهم ثابت في كتبهم على نحو ما القينا إليك والمراد تحقيق ذلك والاستشهاد بما في الكتب المتقدمة وأن القرأن مصدق لما فيها أو وصف أهل الكتاب الرسوخ في العلم بصحة ما أنزل إليه أو تهييج الرسول صلى اللّه عليه وسلم وزيادة تثبيته لا إمكان وقوع الشك له ولذلك قال صلى اللّه عليه وسلم لا اشك ولا اسأل وقيل الخطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم والمراد امته أو لكل من يسمع أي أن كنت آيها السامع في شك مما نزلنا على لسان نبينا إليك وفيه تنبيه على أن كل من خالجته شبهة في الدين ينبغي أن يسارع إلى حلها بالرجوع إلى أهل العلم

{لقد جاءك الحق من ربك} واضحا أنه لا مدخل للمرية فيه بالآيات القاطعة

{فلا تكونن من الممترين} بالتزلزل عما أنت عليه من الحزم واليقين

٩٥

{ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات اللّه فتكون من الخاسرين} أيضا من باب التهييج والتثبيت وقطع الاطماع عنه كقوله {فلا تكونن ظهيرا للكافرين} [القصص: ٨٦]

٩٦

{إن الذين حقت عليهم} ثبتت عليهم

{كلمة ربك} بأنهم يموتون على الكفر ويخلدون في العذاب

{لا يؤمنون} إذ لا يكذب كلامه ولا ينتقض قضاؤه

٩٧

 {ولو جاءتهم كل آية} فإن السبب الاصلي لإيمانهم وهو تعلق إرادة اللّه تعالى به مفقود

{حتى يروا العذاب الاليم} وحينئذ لا ينفعهم كما لا ينفع فرعون

٩٨

{فلولا كانت قرية آمنت} فهلا كانت قرية من القرى التي اهلكناها آمنت قبل معاينة العذاب ولم تؤخر إليها كما أخر فرعون

{فنفعها ايمانها} بأن يقبله اللّه منها ويكشف العذاب عنها

{إلا قوم يونس} لكن قوم يونس عليه السلام

{لما آمنوا} أول ما رأوا امارة العذاب ولم يؤخره إلى حلوله

{كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا} ويجوز أن تكون لاجملة في معنى النفي لتضمن حرف التحضيض معناه فيكون الاستثناء متصلا لأن المراد من القرى اهاليها كأنه قال ما آمن أهل قرية من القرى العاصية فنفعهم ايمانهم إلا قوم يونس ويؤيده قرأءة الرفع على البدل

{ومتعناهم إلى حين} إلى آجالهم روي أن يونس عليه السلام بعث إلى أهل نينوى من الموصل فكذبوه وأصروا عليه فوعدهم بالعذاب إلى ثلاث وقيل إلى ثلاثين وقيل إلى أربعين فلما دنا الموعد اغامت السماء غيما أسود ذا دخان شديد فهبط حتى غشي مدينتهم فهابوا فطلبوا يونس فلم يجدوه فأيقنوا صدقه فلبسوا المسوح وبرزوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم وفرقوما بين كل والدة وولدها فحن بعضها إلى بعض وعلت الاصوات والعجيج وأخلصوا التوبة وأظهروا الإيمان وتضرعوا إلى اللّه تعالى فرحمهم وكشف عنهم وكان يوم عاشوراء يوم الجمعة

٩٩

{ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم} بحيث لا يشذ منهم أحد جميعا مجتمعين على الإيمان لا يختلفون فيه وهو دليل على القدرية في أنه تعالى لم يشأ ايمانهم أجمعين وأن من شاء ايمانه يؤمن لا محالة والتقييد بمشيئة الالجاء خلاف الظاهر

{أفأنت تكره الناس} بما لم يشأ منهم

{حتى يكونوا مؤمنين} وترتيب الاكراه على المشيئة بالفاء وإيلاؤها حرف الاستفهام للانكار وتقديم الضمير على الفعل للدلالة على أن خلاف المشيئة مستحيل فلا يمكن تحصيله بالإكراه عليه فضلا عن الحث والتحريض علهي إذ روي انه كان حريصا على إيمان قومه شديد الاهتمام به فنزلت ولذلك قرره بقوله

١٠٠

{وما كان لنفس أن تؤمن} باللّه

{إلا بإذن اللّه} إلا بإرادته وألطافه وتوفيقه فلا تجهد نفسك في هداها فإنه إلى اللّه يجعل الرجس العذاب أو الخذلان فإن سببه وقرئ بالزاي وقرأ أبو بكر ونجعل بالنون

{على الذين لا يعقلون} لا يستعملون عقولهم بالنظر في الحجج والايات أو لا يعقلون دلائله واحكامه لما على قلوبهم من الطبع ويؤيد الأول قوله

١٠١

 {قل انظروا} أي تفكروا ماذا في السمووات والأرض من عجائب صنعه لتدلكم على وحدته وكمال قدرته و ماذا إن جعلت استفهامية علقت انظروا عن العمل

{وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون} في علم اللّه وحكمته وما نافية أو استفهامية في موضع النصب

١٠٢

{فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم} مثل وقائعهم ونزول بأس اللّه بهم إذ لا يستحقون غيره من قولهم أيام العرب لوقائعها

{قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين} لذلك أو فانتظروا هلاكي إني معكم من المنتظرين هلاككم

١٠٣

{ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا} عطف على محذوف دل عليه

{إلا مثل أيام الذين خلوا} كأنه قيل نهلك الأمم ثم ننجي رسلنا ومن آمن بهم على حكاية الحال الماضية

{كذلك حقا علينا ننج المؤمنين} كذلك الانجاء أو انجاء كذلك ننجي محمدا وصحبه حين نهلك المشركين و

{حقا علينا} اعتراض ونصبه بفعله المقدر وقيل بدل من كذلك وقرأ حفص والكسائي ننجي مخففا

١٠٤

{قل يا أيها الناس} خطاب لأهل مكة

{إن كنتم في شك من ديني} وصحته فا اعبد الذني تعبدون من دون اللّه

{ولكن اعبد اللّه الذي يتوفاكم} فهذا خلاصة ديني اعتقادا وعملا فاعرضوها على العقل الصرف وانظروا فيها بعين الأنصاف لتعلموا صحتها وهو أني لا اعبد ما تخلقونه وتعبدونه ولكن اعبد خالقكم الذي هو يوجدكم ويتوفاكم وإنما خص التوفي بالذكر للتهديد

{وأمرت أن أكون من المؤمنين} بما دل عليه العقل ونطق به الوحي وحذف الجار من أن يجوز أن يكون من المطرد مع أن وأن يكون من غيره كقوله

أمرتك الخير فافعل ما أمرت به فقد تركتك ذا مال وذا نسب

١٠٥

{وأن أقم وجهك للدين} عطف على {أن أكون} [يونس:١٠٤] غير أن صلة أن محكية بصيغة الأمر ولا فرق بينهما في الغرض لأن المقصود وصلها بما يتضمن معنى المصدر لتدل معه عليه وصيغ الأفعال كلها كذلك سواء الخبر منها والطلب ومعنى وأمرت بالاستقامة في الدين والاستبداد فيه بأداء الفرائض والانتهاء عن القبائح أو في الصلاة باستقبال القبلة حنيفا حال من الدين أو الوجه

{ولا تكونن من المشركين}

١٠٦

{ولا تدع من دون اللّه ما لا ينفعك ولا يضرك} بنفسه أن دعوته أو خذلته

{فإن فعلت} فإن دعوته

{فإنك اذا من الظالمين} جزاء للشرك وجواب لسؤال مقدر عن تبعة الدعاء

١٠٧

{وإن يمسسك اللّه بضر} وإن يصبك به

{فلا كاشف له} يرفعه {إلا هو} إلا اللّه

{وإن يردك بخير فلا راد} فلا دافع لفضله الذي أرادك به ولعله ذكر الارادة مع الخير والمس مع الضر مع تلازم الأمرين للتنبيه على أن الخير مراد بالذات وان الضر إنما مسهم لا بالقصد الأول ووضع الفضل موضع الضمير للدلالة على انه متفضل بما يرد بهم من الخير لا استحقاق لهم عليه ولم يستثن لأن مراد اللّه لا يمكن رده

{يصيب به} بالخير {من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم} فتعرضوا لرحمعه بالطاعة ولا تيأسوا من غفرانه بالمعصية

١٠٨

{ قال يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم} رسوله أو القرأن ولم يبق لكم عذر

{فمن اهتدى} بالأيمان والمتابعة

{فإنما يهتدي لنفسه} لأن نفعه لها

{ومن ضل} بالكفر بهما {فإنما يضل عليها} لأن وبال الضلال عليها

{وما أنا عليكم بوكيل} بحفيظ موكول إلى امركم وانما أنا بشير ونذير

١٠٩

{واتبع ما يوحى إليك} بالامتثال والتبليغ واصبر على دعوتهم وتحمل اذيتهم

{حتى يحكم اللّه} بالنصرة أو بالأمر بالقتال

{وهو خير الحاكمين} إذ لا يمكن الخطأ في حكمه لاطلاعه على السرائر اطلاعه على الظواهر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم:

من قرأ سورة يونس أعطي من الاجر عشر حسنات بعدد من صدق بيونس وكذب به وبعدد من غرق مع فرعون

﴿ ٠