تفسير البيضاوي: أنوار التنزيل و أسرار التأويل أبو سعيد عبد اللّه بن عمر بن محمد بن علي البيضاوي الشيرازي الفارسي، ناصر الدين، القاضي الشافعي (ت ٦٨٥ هـ ١٢٨٦ م) _________________________________ سورة هود سورة هود مكية وهي مائة وثلاث وعشرون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {الر كتاب} مبتدأ وخبر أو كتاب خبر مبتدأ محذوف {احكمت آياته} نظمت نظما محكما لا يعتريه إخلال من جهة اللفظ ولامعنى أو منعت من الفساد والنسخ فإن المراد آيات السورة وليس فيها منسوخ أو احكمت بالحجج والدلائل أو جعلت حكمية منقول من حكم بالضم إذا صار حكيما لأنها مشتملة على امهات الحكم النظرية والعملية {ثم فصلت} بالفوائد من العقائد والاحكام والمواعظ والاخبار أو بجعلها سورا أو بالانزال نجما نجما أو فصل فيها ولخص ما يحتاج إليه وقرئ {ثم فصلت} أي فرقت بين الحق والباطل واحكمت آياته {ثم فصلت} على البناء للمتكلم و ثم للتفاوت في الحكم أو للتراخي في الأخبار {من لدن حكيم خبير} صفة أخرى ل كتاب أو خبر بعد خبر أو صلة ل أحكمت أو فصلت وهو تقرير لاحكامها وتفصيلها على اكمل ما ينبغي باعتبار ما ظهر آمره وما خفي ٢ {ألا تعبدوا إلا اللّه} لأن لا تعبدوا وقيل أن مفسرة لان في تفصيل الآيات معنى القول ويجوز أن يكون كلاما مبتدأ للاغراء على التوحيد أو الأمر بالتبري من عبادة الغير كأنه قيل ترك عبادة غير اللّه بمعنى الزموه أو اتركوها تركا {إنني لكم منه} من اللّه {نذير وبشير} بالعقاب على الشرك والثواب على التوحيد ٣ {وأن استغفروا ربكم} عطف على ألا تعبدوا {ثم توبوا إليه} ثم توسلوا إلى مطلوبكم بالتوبة فإن المعرض عن طريق الحق لا بد له من الرجوع وقيل استغفروا من الشرك ثم توبوا إلى اللّه بالطاعة ويجوز أن يكون ثم لتفاوت ما بين الأمرين {يمتعكم متاعا حسنا} يعيشكم في أمن ودعة {إلى اجل مسمى} هو آخر أعماركم المقدرة أو لا يهلككم بعذاب الاستئصال والارزاق والاجال وان كانت متعلقة بالاعمار لكنها مسماة بالاضافة إلى كل أحد فلا تتغير {ويؤت كل ذي فضل فضله} ويعط كل ذي فضل في دينه جزاء فضله في الدنيا والاخرة وهو وعد للمومحد التائب بخير الدارين {وإن تولوا} وإن تتولا {فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير} يوم القيامة وقيل يوم الشدائد وقد ابتلوا بالقحط حتى اكلوا الجيف وقرئ {وإن تولوا} من ولي ٤ {إلى اللّه مرجعكم} رجوعكم في ذلك اليوم وهو شاذ عن القياس {وهو على كل شيء قدير} فيقدر على تعذيبكم اشد عذاب وكأنه تقدير لكبر اليوم ٥ {ألا إنهم يثنون صدورهم} يثنونها عن الحق وينحرفون أو يعطفونها على الكفر وعداوة النبي صلى اللّه عليه وسلم أو يولون ظهورهم وقرئ يثنوني بالياء والتاء من اثنوني وهو بناء مبالغة و تثنون وأصله تثنونن من الثن وهو الكلأ الضعيف أراد به ضعف قلوبهم أو مطاوعة صدورهم للثني وتثنئن من انثأن كابياض بالهمزة وتثنوي {ليستخفوا منه} من اللّه بسرهم فلا يطلع رسوله والمؤمنين عليه قيل إنها نزلت في طائفة من المشركين قالوا إذا ارخينا ستورنا واستغشينا ثيابنا وطوينا صدورنا على عداوة محمد كيف يعلم وقيل نزلت في المنافقين وفيه ظر إذ الآية مكية والنفاق حدث بالمدينة {ألا حين يستغشون ثيابهم} ألا حين يأوون إلى فراشهم ويتغطون بثيابهم {يعلم ما يسرون} في قلوبهم {وما يعلنون} بأفواههم يستوي في علمه سرهم وعلنهم فكيف يخفى عليه ما عسى يظهرونه {إنه عليم بذات الصدور} بالأسرار ذات لاصدور أو بالقلوب وأحوالها ٦ {وما من دابة في الأرض إلا على اللّه رزقها} غذاؤها ومعاشها لتكلفه إياه تفضلا ورحمة وانما أتى بلفظ الوجوب تحقيقا لوصوله وحملا على التوكل فيه {ويعلم مستقرها ومستودعها} اماكنها في الحياة والممات أو الاصلاب والارحام أو مساكنها من الأرض حين وجدت بالفعل ومودعها من المواد والمقار حين كانت بعد بالقوة كل كل واحد من الدواب واحوالها {في كتاب مبين} مذكور في اللوح المحفوظ وكأنه أريد بالآية بيان كونه عالما بالمعلومات كلها وبما بعدها بيان كونه قادرا على الممكنات بأسرها تقريرا للتوحيد ولما سبق من الوعد والوعيد ٧ {وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام} أي خلقهما وما فيهما كما مر بيانه في الاعراف اوما في جهتي العلو والسفل وجمع السموات دون الأرض لاختلاف العلويات بالاصل والذات دون لاسفليات {وكان عرشه على الماء} قبل خلقهما لم يكن حائل بينهما لأنه كان موضوعا على متن الماء واستدل به على إمكان الخلاء وأن الماء أول حادث بعد العرش من أجرام هذا العالم وقيل كان الماء على متن الريح واللّه اعلم بذلك {ليبلوكم ايكم احسن عملا} متعلق ب خلق أي خلق ذلك كخلق من خلق ليعاملكم معاملة المبتلي لأحوالكم كيف تعملون فإن جملة ذلك اسباب ومواد لوجودكم ومعاشكم وما تحتاج إليه أعمالكم ودلائل وامارات تستدلون بها وتستنبطون منها وانما جاز تعليق فعل البلوى لما فيه من معنى العلم من حيث انه طريق إليه كالنظر والاستماع وانما ذكر صيغة التفضيل والاختبار شامل لفرق المكلفين باعتبار الحسن والقبح للتحريض على احاسن المحاسن والتحضيض على الترقي دائما في مراتب العلم والعمل فإن المراد باعلم ما يعم عمل القلب والجوارح ولذلك قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: ايكم احسن عقلا واورع عن محارم اللّه واسرع في طاعة اللّه والمعنى ايكم اكمل علما وعملا {ولئن قلت انكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين} أي ما البعث أو القول به أو القرأن المتضمن لذكره إلا كالسحر في الخديعة أو البطلان وقرأ حمزة والكسائي إلا ساحر على أن الاشارة إلى القائل وقرئ أنكم بالفتح على تضمن قلت معنى ذكرت أو أن يكون أن بمعنى على أي ولئن قلت علكم مبعوثون بمعنى توقعوا بعثكم ولا تبتوا بانكاره لعدوه من قبيل مالا حقيقة له مبالغة في انكاره ٨ {ولئن اخرنا عنهم العذاب} الموعود {إلى أمة معدودة} إلى جماعة من الاوقات قليلة ليقولن استهزاء {ما يحبسه} ما يمنعه من الوقوع {ألا يوم يأتيهم} كيوم بدر {ليس مصروفا عنهم} ليس العذاب مدفوعا عنهم و يوم منصوب بخير ليس مقدم عليه وهو دليل على جواز تقديم خبرها عليها {وحاق بهم} واحاط بهم وضع الماضي موضع المستقبل تحقيقا ومبالغة في التهديد {ما كانوا به يستهزئون} أي العذاب الذي كانوا به يستعجلون فوضع يستهزئون موضع يستعجلون لأن استعجالهم كان استهزاء ٩ {ولئن اذقنا الإنسان منا رحمة} ولئن اعطيناه نعمة بحيث يجد لذتها {ثم نزعناها منه} ثم سلبنا تلك النعمة منه {انه ليؤوس} قطوع رجاءه من فضل اللّه تعالى لقلة صبره وعدم ثقته به {كفور} مبالغ في كفران ما سلف له من النعمة ١٠ {ولئن اذقناه نعماء بعد ضراء مسته} كصحة بعد سقم وغنى بعد عدم وفي اختلاف الفعلين نكتة لا تخفى {ليقولن ذهب السيئات عني} أي المصائب التي ساءتني {إنه لفرح} بطر بالنعم مغتر بها {فخور} على الناس مشغول عن الشكر والقيام بحقها وفي لفظ الاذاقة والمس تنبيه على أن ما يجده الإنسان في الدنيا من النعم والمحن كالانموذج لما يجده في الآخرة وانه يقع في الكفران والبطر بأدنى شيء لأن الذوق إدراك الطعم والمس مبتدأ الوصول ١١ {إلا الذين صبروا} على الضراء إيمانا باللّه تعالى واستسلاما لقضائه وعملوا الصالحات شكرا لآلائه سابقها ولاحقها {أولئك لهم مغفرة} لذنوبهم {وأجر كبير} اقله الجنة والاستثناء من الإنسان لأن المراد به الجنس فإذا كان محلى باللام افاد الاستغراق ومن حمله على الكافر لسبق ذكرهم جعل الاستثناء منقطعا ١٢ {فعلك تارك بعض ما يوحى إليك} تترك تبليغ بعض ما يوحى إليك وهو ما يخالف رأي المشركين مخافة ردهم واستهزائهم به ولا يلزم من توقع الشيء لوجود ما يدعو إليه وقوعه لجواز أن يكون ما يصرف عنه وهو عصمة الرسل عن الخيانة في الوحي والثقة في التبليغ ها هنا {وضائق به صدرك} وعارض لك احيانا ضيق صدرك بأن تتلوه عليهم مخافة أن يقولون لولا انزل عليه كنز ينفقه في الاستتباع كالملوك {أو جاء معه ملك} يصدقه وقيل الضمير في به مبهم يفسره {أن يقولوا} {إنما أنت نذير} ليس عليك إلا الانذار بما اوحي إليك ولا عليك ردوا أو اقترحوا فما بالك يضيق به صدرك {واللّه على كل شيء وكيل} فتوكل عليه فإنه عالم بحالهم وفاعل بهم حزاء اقوالهم وافعالهم ١٣ {أم يقولون افتراه} أم منقطعة والهاء {لما يوحى} {قل فأتوا بعشر سور مثله} في البيان وحسن النظم تحداهم اولا بعشر سور ثم لما عجزوا عنها سهل الأمر عليهم وتحداهم بسورة وتوحيد المثل باعتبار كل واحدة مفتريات مختلقات من عند انفسكم إن صح أني اختلقته نم عند نفسي فإنكم عرب فصحاء مثلي تقدرون على مثل ما اقدر عليه بل أنتم لتعلمكم القصص والاشعار وعودكم القريض والنظم {وادعوا من استطعتم من دون اللّه} إلى المعاونة على المعارضة {إن كنتم صادقين} انه مفترى ١٤ {فإن لم يستجيبوا لكم} بإتيان ما دعوتم إليه وجمع الضمير أما لتعظيم الرسول صلى اللّه عليه وسلم أو لأن المؤمنين كانوا أيضا يتحدونهم وكان أمر الرسول صلى اللّه عليه وسلم متناولا لهم من حيث انه يجب اتباعه عليهم في كل أمر إلا ما خصه الدليل وللتنبيه على أن التحديث مما يوجب رسوخ ايمانهم وقوة يقينهم فلا يغفلون عنه ولذلك رتب عليه قوله {فاعلموا أنما أنزل بعلم اللّه} ملتبسا بما لا يعلمه إلا اللّه ولا يقدر علهي سواه {وأن لا إله إلا هو} واعلموا أن لا اله إلا اللّه لانه العالم القادر بما لا يعلم ولا يقدر عليه غيره ولظهور عجز آهتهم ولتنصيص هذا الكلام الثابت صدقة باعجازه عليه وفيه تهديد واقناط من أن يجيرهم من بأس اللّه آلهتهم {فهل انتم مسلمون} ثابتون على الإسلام راسخون فيه مخلصون إذا تحقق عندكم اعجازه مطلقا ويجوز أن يكون الكل خجطابا للمشركين والضمير في {لم يستجيبوا} لمن استطعتم أي فإن لم يستجيبوا لكم إلى المظاهرة لعجزهم وقد عرفتم من أنفسكم القصور عن المعاوضة فاعلموا انه نظم لا يعلمه إلا اللّه وانه منزل من عنده وان ما دعاكم إليه من التوحيد حق فهل انتم داخلون في الإسلام بعد قيام الحجة القاطعة وفي مثل هذا الاستفهام ايجاب بليغ لما فيه من معنى الطلب والتنبيه على قيام الموجب وزوال العذر ١٥ {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها} بإحسانه وبره {نوف إليهم أعمالهم فيها} نوصل إليهم جزاء أعمالهم في الدنيا من الصحة والرئاسة وسعة الزرق وكثرة الأولاد وقرئ يوف بالياء أي يوف اللّه ونوف على البناء للمعفول ونوف بالتخفيف والرفع لأن الشرط ماض كقوله وإن أتاه كريم يوم مسغبة يقول لا غائب مالي ولا حرم {وهم فيها لا يبخسون} لا ينقصون شيئا من أجورهم والآية في أهل الرياء وقيل في المنافقين وقيل في الكفرة وغرضهم وبرهم ١٦ {أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار} مطلقا في مقابلة ما عملوا لأنهم استوفوا ما تقتضيه صور أعمالهم الحسنة وبقيت لهم أوزار العزائم السيئة {وحبط ما صنعوا فيها} لأنه لم يبق لهم ثواب في الآخرة أو أم يكن لأنهم لم يريدوا به وجه اللّه والعمدة في اقتضاء ثوابها هو الإخلاص ويجوز تعليق الظرف ب صنعوا على أن الضمير ل الدنيا وباطل في نفسه {ما كانوا يعملون} لأنه لم يعمل على ما ينبغي وكأن كل واحدة من الجملتين علة لما قبلها وقرئ باطلا على انه مفعول يعملون و ما ابهامية أو في معنى المصدر كقوله ولا خارجا من في زور كلام و بطل على الفعل ١٧ {أفمن كان على بينة من ربه} برهان من اللّه يدله على الحق والصواب فيما يأتيه ويذره والهمزة لانكار أن يعقب من هذا شأنه هؤلاء المقصرين هممهم وافكارهم على الدنيا وان يقارب بينهم في المنزلة وهو الذي أغنى عن ذكر الخبر وتقديره أفمن كان على بينة كمن كان يريد الحياة الدنيا وهو حكم يعم كل مؤمن مخلص وقيل المراد به النبي صلى اللّه عليه وسلم وقيل مؤمنوا أهل الكتاب ويتلوه ويتبع ذلك البرهان الذي هو دليل العقل {شاهد منه} شاهد من اللّه يشهد بصحته وهو القرأن {ومن قبله} ومن قبل القرأن {كتاب موسى} يعني التوراة فإنها أيضا تتلوه في التصديق أو البينة هو القرأن ويتلوه من التلاوة والشاهد جبريل أو لسان الرسول صلى اللّه عليه وسلم على أن الضمير له أو من التلو والشاهد ملك يحفظه والضمير في يتلوه إما لمن أو للبينة باعتبار المعنى {ومن قبله كتاب موسى} جملة مبتدأة وقرئ كتاب بالنصب عطفا على الضمير في يتلوه أي يتلو القرأن شاهد ممن أن على بينة دالة على أنه حق كقوله {وشهد شاهد من بني إسرائيل} [الأحقاف: ١٠] ويقرأ من قبل القرأن التوراة {إماما} كتابا مؤتما به في الدين {ورحمة} على المنزل عليهم لأنه الوصلة إلى الفوز بخير الدارين {أولئك} إشارة إلى من كان على بينة {يؤمنون به} بالقرأن {ومن يكفر به من الأحزاب} من أهل مكة ومن تحزب معهم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {فالنار موعده} يردها لا محالة {فلا تك في مرية منه} من الموعد أو القرأن وقرئ مرية بالضم وهما الشك {إنه الحق من ربك ولكن اكثر الناس لا يؤمنون} لقلة نظرهم واختلال فكرهم ١٨ {ومن أظلم ممن افترى على اللّه كذبا} كأن أسند إليه ما لم ينزله أو نفى عنه ما أنزله أولئك أي الكاذبون {يعرضون على ربهم} في الموقف بأن يحبسوا وتعرض أعمالهم {ويقول الاشهاد} من الملائكة والنبيين أو من جوارحهم وهو جمع شاهد كأصحاب أو شهيد كأشراف جمع شريف {هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة اللّه على الظالمين} تهويل عظيم مما يحيق بهم حينئذ لظلمهم بالكذب على اللّه ١٩ {الذين يصدون عن سبيل اللّه} عن دينه يبغونها عوجا يصفونها بالانحراف عن الحق والصواب أو يبغون أهلها أن يعوجوا بالردة {وهم بالاخرة هم كافرون} والحال انهم كافرون بالاخرة وتكريرهم لتأكيد كفرهم واختصاصهم به ٢٠ {أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض} أي ما كانوا معجزين اللّه في الدنيا أن يعاقبهم وما كان لهم من دون اللّه من الياء يمنعونهم من العقاب ولكنه أخر عقابهم إلى هذا اليوم ليكون اشد وأدوم {يضاعف لهم العذاب} استئناف وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب يضعف بالتشديد {ما كانوا يستطيعون السمع} لتصامهم عن الحق ويغضهم له {وما كانوا يبصرون} لتعاميهم عن آيات اللّه وكأنه العلة لمضاعفة العذاب وقيل هو بيان ما نفاه من ولاية الالهة بقوله {وما كان لهم من دون اللّه من اولياء} فإن ما لا يسمع ولا يبصر لا يصلح للولاية وقوله يصاعف لهم العذاب اعتراض ٢١ {أولئك الذين خسروا أنفسهم} باشتراء عبادة الالهة بعبادة اللّه تعالى {وضل عنهم ما كانا يفترون} من الالهة وشفاعتها أو خسروا بما بدلوا وضاع عنهم ما حصلوا فلم يبق معهم سوى الحسرة والندامة ٢٢ {لا جرم انهم في الآخرة هم الاخسرون} لا أحد ابين واكثر خسرانا منهم ٢٣ {أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات واخبتوا إلى ربهم} اطمأنوا إليه وخشعوا له من الخبت وهو الأرض المطمئنة {أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} دئمون ٦ ٢٤ {مثل افريقين} الكافر والمؤمن {كالاعمى والاصم والبصير والسميع} يجوز أن يراد به تشبيه الكافر بالاعمى لتعاميه عن آيات اللّه وبالاصم لتصامه عن اسماع كلام اللّه تعالى وتأبيه عن تدبر معانيه وتشبيه المؤمن بالسميع والبصر لأن أمره بالضد فيكون كل واحد منهما مشبها باثنين باعتبار وصفين أو تشبيه الكافر بالجامع بين العمى والصمم والمؤمن بالجامع بين ضديهما والعاطف لعطف الصفة على الصفة كقوله الصابح فالغانم فالايب وهذا من باب اللف والطباق {هل يستويان} هل يستوي الفريقان مثلا أي تمثيلا أو صفة أو حالا {أفلا تذكرون} بضرب الأمثال والتأمل فيها ٢٥ {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه أني لكم} بأني لكم قرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة بالكسر على إرادة أقول {نذير مبين} أبين لكم مومجبات العذاب ووجه الخلاص ٢٦ {ألا تعبدوا إلا اللّه} بدل من {أني لكم} أو مفعول مبين ويجوز أن تكون أن مفسرة متعلقة ب ارسلنا أو ب نذير {إني اخاف عليكم عذاب يوم اليم} مؤلم وهو في الحقيقة صفة المعذب لكن يوصف به العذاب وزمانه على طريقة جد جده وهاره صائم للمبالغة ٢٧ {فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا} لا مزية لك علينا تخصك بالنبوة ووجوب الطاعة وما نلك اتبعك إلا الذين هم اراذلنا اخساؤنا جمع ارذل فإنه بالغلبة صار مثل الاسم كالااكبر أو ارذل جمع رذل {بادي الرأي} ظاهر الرأي من غير تعمق من البدو أو أول الرأي من البدء والباء مبدلة من الهمزة لانكسار ما قبلها وقرأ أبو عمرو بالهمزة وانتصابه بالظرف على حذف المضاف أي وقت حدوث بادي الرأي والعامل فيه اتبعك وانما استرذلوهم لذلك أو لفقرهم فإنهم لما لم يعلموا إلا ظاهرا من الحياة الدنيا كان الاحظ بها اشرف عندهم والمحروم منها ارذل {وما نرى لكم} لك ولمتبعيك {علينا من فضل} يؤهلكم للنبوة واستحقاق المتابعة {بل نظنكم كاذبين} اياي في دعوى النبوة واياهم في دعوى العلم بصدقك فغلب المخاطب على الغائبين ٢٨ {قال يا قوم أرأيتم} أخبروني {إن كنت على بينة من ربي} حجة شاهدة بصحة دعواي {وآتاني رحمة من عنده} بإيتاء البينة أو النبوة {فعميت عليكم} فخفيت عليكم فلم تهدكم وتوحيد الضمير لأن البينة في نفسها هي الرحمة أو لأن خفاءها يوجب خفاء النبوة أو على تقدير فعميت بعد البينة وحذفها للاختصار أو لأنه لكل واحدة منهما وقرأ حمزة والكسائي وحفص فعميت أي أخفيت وقرئ عماها على أن الفعل للّه أنلزمكموها انكرهكم على الاهتداء بها {وأنتم لها كارهون} لا تختارونها ولا تتأملون فيها وحيث اجتمع ضميران وليس أحدهما مرفوعا وقدم الاعرف منهما جاز في الثاني الفصل والوصل ٢٩ {ويا قوم لا أسألكم عليه} على التبليغ وهو إن لم يذكر فمعلوم مما ذكر مالا جعلا {إن أجري إلا على اللّه} فإنه المأمول منه {وما أنا بطارد الذين آمنوا} جواب لهم حين سألوا طردهم إنهم ملاقو ربهم فيخاصمون طاردهم عنده أو أنهم يلاقونه ويفوزون بقربه فكيف أطردهم {ولكني أراكم قوما تجهلون} بلقاء ربكم أو بأقدارهم أو في التماس طردهم أو تتسفهون عليهم بأن تدعوهم اراذل ٣٠ {ويا قوم من ينصرني من اللّه} بدفع انتقامه {إن طردتهم} وهم بتلك الصفة والمثابة {أفلا تذكرون} لتعرفوا أن التماس طردهم وتوقيف الإيمان عليه لس بصواب ٣١ {ولا أقول لكم عندي خزائن اللّه} رزقه وأمواله حتى جحدتم فضلي {ولا أعلم الغيب} عطف على {عندي خزائن اللّه} أي ولا أقول لكم أنا أعلم الغيب حتى تكذبوني استبعادا أو حتى اعلم أن هؤلاء ابتعوني بادي الرأي من غير بصيرة وعقد قلب وعلى الثاني يجوز عطفه على أقول {ولا أقول أني ملك} حتى تقولوا ما أنت إلا بشر مثلنا {ولا أقول للذين تزدري اعينكم} ولا أقول في شأن من استرذلتموهم لفقرهم {لن يؤتيهم اللّه خيرا} فإن ما أعده اللّه لهم في الآخرة خير مما آتاكم في الدنيا {اللّه اعلم بما في أنفسهم أني اذا لمن الظالمين} أن قلت شيئا من ذلك والازدراء به افتعال من زرى عليه إذا عابه قلبت تاؤه دالا لتجانس الراء في الجهر واسناده إلى الاعين للمبالغة والتنبيه على انهم استرذلوهم بادي الرؤية من غير روية بما عاينوا من رثاثة حالهم وقلة منالهم دون تامل في معانيهم وكمالاتهم ٣٢ {قالوا يا نوح قد جادلتنا} خاصمتنا {فأكثرت جدالنا} فأطلته أو أتي بأنواعه {فأتنا بما تعدنا} من العذاب {إن ككنت من الصادقين} في الدعوى والوعيد فإن مناظرتك لا تؤثر فينا ٣٣ {قال إنما يأتيكم به اللّه إن شاء} عاجلا أو آجلاص {وما أنتم بمعجزين} بدفع العذاب أو الهرب منه ٣٤ {ولا ينفعكم نصحي أن أردت أن أنصح لكم} شرط ودليل وجواب والجملة دليل جواب قوله {إن كان اللّه يريد أن يغويكم} وتقدير الكلام أن كان اللّه يريد أن يغويكم فإن اردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي ولذلك تقول لو قال الرجل أنت طالق أن دخلت الدار أن كلمت زيداص فدخلت ثم كلمت لنم تطلق وهو جواب لما اوهموا من أن جداله كلام بلا طائل وهو دليل على أن إرادة اللّه تعالى يصح تعلقها بالاغواء وان خلاف مراده محال وقيل {أن يغويكم} أن يهلككم من غوى الفصيل غوى إذا بشم فهلك {هو ربكم} هو خالقكم والمتصرف فيكم وفق ارادته {واليه ترجعون} فيجازيكم على أعمالكم ٣٥ {أم يقولون افتراه قل أن افتريته فعلي اجرامي} وباله وقرئ اجرامي على الجمع {وأنا بريء مما تجرمون} من اجرامكم في اسناد الافتراء الي ٣٦ { وأوحي إلى نو انه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس} فلا تحزن ولا تتأسف {بما كانوا يفعلون} أقنطه اللّه تعالى من إيمانهم ونهاه أن يغتم بما فعلوه من التكذيب والايذاء ٣٧ {واصنع الفلك بأعيننا} ملتبسا بأعيننا عبر بكثرة آلة الحس الذي يحفظ به الشيء ويراعى عن الاختلال والزيغ عن المبالغة في الحفظ والرعاية على طريق التمثيل {ووحينا} إليك كيف تصنعها {ولا تخاطبني في الذين ظلموا} ولا تراجعني فيهم ولا تدعني باستدفاع العذاب عنهم {إنهم مغرقون} محكوم عليهم بالاغراق فلا سبيل إلى كفه ٣٨ {ويصنع الفلك} حكاية حال ماضية {وكلما مر عليه ملا من قومه سخروا منه} استهزؤوا به لعمله السفينة فإأنه كان يعملها في برية بعيدة من الماء اوان عزته وكانوا يضحكون منه ويقولون له صرت نجارا بعدما كنت نبيا {قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون} إذا أخذكم الغرق في ادلنيا والحرق في الآخرة وقيل المراد بالخسرةي الاستجهال ٣٩ {فسوف تعملون من ي أتيه عذاب} يخزيه يعني به اياهم وبالعذاب الغرق {ويحل عليه} وينزل عليه أو يحل حلول الدين الذي لا انفكاك عنه {عذاب مقيم} دائم وهو عذاب النار ٤٠ {حتى إذا جاء أمرنا} غاية لقوله {ويصنع الفلك} [هود: ٣٨] وما بينهما حال من الضمير فيه أو حتى هي التي يبتدأ بعدها الكلام {وفار التنور} نبع الماء منه وارتفع كالقدر تفور والتنور تنور الخبز ابتدأ منه النبوع على خرق العادة وكان في الكوفة في موضع مسجدها أو ي الهند أو بعين وردة من ارض الجزيرة وقيل التنور وجه الأرض أو اشرف موضع فيها {قلنا احمل فيها} في السينة {من كل} من كل نوع من لاحيوانات المنتفع بها {زوجين اثنين} ذكراص وأنثى هذا على قرأءة حفص والباقون اضافوا على معنى احمل اثنين من كل صنف ذكر وصنف أنثى وأهلك عطف على زوجين أو اثنين والمرا امرأته وبنوه ونساؤهم {إلا من سبق عليه القول} بأنه من المغرقين يريد ابنه كنعان وأمه واعلة فإنهما كانا كافرين {ومن آمن} والمؤمنين من غيرهم {وما آمن معه إلا قليل} قيل كانوا تسعة وسبعين زوجته المسلمة وبنوه الثلاثة سام وحام ويافث ونساؤهم واثنان وسبعون رجلا وامرأة من غيرهم روي انه عليه الصلاة والسلام: اتخذ السفينة في سنتين من الساج وكان طولها ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسين وسمكها ثلاثين وجعل لها ثلاثة بطون فحمل في اسفلها الدواب والوحش وفي اوسطها الأنس وفي اعلاها الطير ٤١ {وقال اركبوا فيها} أي صيروا فيها وجعل ذلك ركوبا لأنها في الماء كالمركوب في الأرض {بسم اللّه مجراها ومرساها} متصل ب اركبوا حال من الواو أي اركبوا فيها مسمين اللّه أو قائلين باسم اللّه وقت اجرائها وارسائها أو مكانهما على أن المجرى والمرسى للوقت أو المكان أو المصدر والمضاف محذوف كقولهم آتيك خفوق النجم وانتصابهما بما قدرناه حالا ويجوز رعفهما ب {بسم اللّه} على أن المراد بهما المصدر أو جملة من مبتدأ وخبر أي إجراؤها {بسم اللّه} على أن {بسم اللّه} خير أو صلة والخبر محذوف وهي أما جملة مقتضية لا تعلق لها بما قبلها أو حال مقدرة من الوار أو الهاء وروي انه كان إذا أراد أن تجري قال بسم اللّه فجرت وإذا أراد أن ترسو قال بسم اللّه فرست ويجوز أن يكون الاسم مقحما كقوله ثم اسم السلام عليكما وقرأ حمزة والكسائي وعاصم برواية حفص مجراها بالفتح من جرى وقرئ مرساها أيضا من رسا وكلاهما يحتمل الثلاثة ومجريها ومرسيها بلفظ الفاعل صفتين للّه {إن ربي لغفور رحيم} أي لولا مغفرته لفرطاتكم ورحمته اياكم لما نجاكم ٤٢ {وهي تجري بهم} متصل بمحذوف دل عليه اركبوا فركبوا مسمين وهي تجري وهم فيها {في موج كالجبال} في مومج من الطوفان وهو ما يرتفع من الماء عند اضطرابه كل موجة منها كجبل في تراكمها وارتفاعها وما قيل من أن الماء طبق ما بين السماء والأرض وكانت السفينة تجري في جوفه ليس بثابت والمشهور انه علا شوامخ الجبال خمسة عشر ذراعا وإن صح فلعل ذلك قبل التطبيق {ونادى نوح ابنه} كنعان وقرئ ابنها و ابنه بحذف الألف على أن الضمير لامرأته وكان ربيبه وقيل كان لغير رشدة لقوله تعالى فخانتاهما [التحريم:١٠] وهو خطأ إذ الأنبياء عصمن من ذلك والمراد بالخيانة الخيانة في الدين وقرئ ابناها على الندبة ولكونها حكاية سوغ حذف الحرف {وكان في معزل} عزل فيه نفسه عن أبيه أو عن دينه مفعل للمكان من عزله عنه إذا أبعده {يا بني اركب معنا} في السفينة والجمهور كسروا الياء ليدل على ياء الاضافة المحذوفة في جميع القرأن غير ابن كثير فإنه وقف عليها في لقمان في الموضع الأول باتفاق الرواة وفي الثالث في رواية قنبل وعاصم فإنه فتح ها هنا اقتصارا على الفتح من الألف المبدلة من ياء الاضافة وختلفت الرواية عنه في سائر المواضع وقد ادغم الباء في المميم أبو عمرو الكسائي وحفص لتقاربهما {ولا تكن مع الكافرين} في الدين والانعزال ٤٣ {قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء} أن يغرقني {قال لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلا من رحم} إلا الراحم وهو اللّه تعالى أو الإمكان من رحمهم اللّه وهم المؤمنون رد بذلك أن يكون اليوم معتصم من جبل ونحوه يعصم اللائذ به إلا معتصم المؤمنين وهو منقطع أي لكن من رحمه اللّه يعصمه {وحال بينهما الموج} بين نوح وابنه أو بين ابنه والجبل {فكان من المغرقين} فصار من المهلكين بالماء ٤٤ {وقيل يا ارض ابلغي ماءك ويا سماء اقلعي} نوديا بما ينادى به اولوا العلم وامرا بما يؤمرون به تمثيلا لكمال قدرته وانقيادهما لما يشاء تكونيه فيهما بالأمر المطاع الذي يأمر المنقاد لحكمه المبادر إلى امتثال آمره مهابة من عظمته وخشية من أليم عقابه والبلغ النشف والاقلاع والامساك {وغيض الماء} نقص {وقضي الأمر} وانجز ما وعد من إهلاكح الكافرين وانجاء المؤمنين واستوت واستقرت السفينة {على الجودي} جبل بالموصل وقيل بالشام وقيل بآمل روي انه ركب السفينة عاشر رجب ونزل عنها عاشر المحرم فصام ذلك اليوم فصار ذلك سنة {وقيل بُعداً للقوم الظالمين} هلاكا لهم يقال بعد بعداص وبعداص إذا ابعد بعدا بعيدا بحيث لا يرجى عوده ثم استعير للّهلاك وخص بدعاء السوء والاية في غاية الفصاحة لفخامة لفظها وحسن نظمها والدلالة على كنه الحال مع الايجاز الخالي عن الاخلال وفي ايراد الأخبار على البناء للمفعول دلالة على تعظيم الفاعل وانه متعين في نفسه مستغن عن ذكره إذ لا يذهب الوهم إلى غيره للعلم بأن مثل هذه الأفعال لا يقدر علهيا سوى الواحد القهار ٤٥ {ونادى نوح ربه} وأراد نداءه بدليل عطف قوله {فقال رب إن ابني من أهلي} فأنه النداء {وإن وعدك الحق} وإن كل وعد تعده حق لا يتطرق إليه الخلف وقد وعدت أن تنجي أهلي فما حاله أو فما له لم ينج ويجوز أن يكون هذا النداء قبل غرقه {وأنت احكم الحاكمين} لأنك اعلمهم وأعدلهم أو لانك اعلمهم وأعدلهم أو لأنك اكثر حكمة من ذوي الحكم على أن الحاكم من الحكمة كالدارع من الدرع ٤٦ {قال يا نوح انه ليس من أهلك} لقطع الولاية بين المؤمن والكافر واشار إليه بقوله {إنه عمل غير صالح} فإنه تعليل لنفي كونه من أهله وأصله إنه ذو عمل فاسد فجعل ذاته ذات العمل لمبالغة كقول الخنساء تصف ناقة ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت فإنما هي اقبال وادبار ثم بدل الفاسد بغير الصالح تصريحا بالمناقضة بين وصفها وانتفاء ما اوجب النجاة لمن نجا من أهله عنه وقرأ الكسائي ويعقوب {إنه عمل غير صالح} أي عمل عملا غير صالح {فلا تسألن ما ليس لك به علم} ما لا تعلم اصواب هو أم ليس كذلك وإنما سمي نداءه سؤالا لتضمن ذكر الوعد بنجاة أهله استنجازه في شأنه ولده أو استفساره المانع للانجاز في حقه وانما سماه جهلا وزجر عنه بقوله {إني اعظك أن تكون من الجاهلين} لأن استثناء من سبق عليه القول من أهله قد دله على الحال واغناه عن السؤال لكن اشغله حب الولد عنه حتى اشتبه عليه الأمر وقرأ ابن كثير بفتح اللام والنون الشديدة وكذلك نافع وانب عامر غير انهما كسرا النون على أن اصله تسألنني فحذفت نون الوقاية لاجتماع النونات وكسرت الشديدة للياء ثم حذفت اكتفاء بالكسرة وعن نافع بروغاية رويس اثباتها في الوصل ٤٧ {قال رب أني أعوذ بك أن أسألك} فيما يستقبل {ما ليس لي به علم} ما لا علم لي بصحته {وإلا تغفر لي} وإن لم تغفر لي ما فرط مني في السؤال وترحمني بالتوبة والتفضل علي {أكن من الخاسرين} اعمالا ٤٨ {قيل يا نوح اهبط بسلام منا} أنزل من السفينة مسلما من المكاره من جهتنا أو مسلما عليك {وبركات عليك} ومباركا عليك أو زيادات في نسلك حتى تصير آدما ثانيا وقرئ اهبط بالضم وبركة على التوحيد وهو الخير النامي وعلى امم من معك وعلى امم هم الذين معك سموا أمما لتحزبهم أو لتشعب الأمم منهم أو وعلى امم ناشئة ممن معك والمراد بهم المؤمنون لقوله {وأمم سنمتعهم} أي وممن معك امم سنمتعهم في الدنيا {ثم يمسهم منا عذاب أليم} في الآخرة والمراد بهم الكفار من ذرية من معه وقيل هم قوم هود وصالح ولوط وشعيب والعذاب ما نزل بهم ٤٩ {تلك} إشارة إلى قصة نوح ومحلها الرفع بالابتداء وخبرها {من انباء الغيب} أي بعضها {نوحيها إليك} خبر ثان والضمير لها أي موحاة إليك أو حال من ال أنباء أو هو الخبر و {من أنباء} متعلق به أو حال من الهاء في نوحيها {ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا} خبر آخر أي مجهولة عندك وعند قومك من قبل ايحائنا إليك أو حال من الهاء في نوحيها أو الكاف في إليك أي جاهلا أنت وقومك بها وفي ذكرهم تنبيه على انه لم يتعلمها إذ لم يخالط غيرهم وأنهم مع كثرتهم لما لم يسمعوها فكيف بواحد منهم {فاصبر} على مشاق الرسالة وأذية القوم كما صبر نوح {إن العاقبة} في الدنيا بالظفر وفي الآخرة بالفوز {للمتقين} عن الشرك والمعاصي ٥٠ {وإلى عاد أخاهم هودا} عطف على قوله {نوحا إلى قومه} و هودا عطف بيان {قال يا قوم اعبدوا اللّه} وحده مالكم من إله غيره وقرئ بالجر حملا على المجرور وحده {إن انتم إلا مفترون} على اللّه باتخاذ الأوثان شركاء وجعلها شفعاء ٥١ {يا قوم لا أسألكم عليه اجرا إن أجري إلا على الذي فطرني} خاطب كل رسول به قومه ازاحة للتهمة وتمحيضا للنصيحة فإنها لا تنجع ما دامت مشوبة بالمطامع {أفلا تعقلون} أفلا تستعملون عقولكم فتعرفوا المحق من المبطل والصواب من الخطأ ٥٢ {ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه} اطلبوا مغفرة اللّه بالأيمان ثم توسلوا إليها بالتوبة وأيضا التبري من الغير إنما يكون بعد الإيمان باللّه والرغبة فيما عنده {يرسل السماء عليكم مدرارا} كثير الدر {ويزدكم قوة إلى قوتكم} ويضاعف قوتكم وانما رغبهم بكثرة المطر وزيادة القوة لأنهم كانوا أصحاب زروع عمارات وقيل حبس اللّه عنهم القطر وأعقم ارحام نسائهم ثلاثين سنة فوعدهم هود عليه السلام على الإيمان والتوبة بكثرة الامطار وتضاعف القوة بالتناسل {ولا تتولوا} ولا تعرضوا عما ادعوكم إليه {مجرمين} مصرين على اجرامكم ٥٣ {قالوا يا هود ما جئتنا ببينة} بحجة تدل على صحة دعواك وهو لفرط عنادهم وعدم اعتدادهم بما جاءهم من المعجزات {وما نحن بتاركي آلهتنا} بتاركي عبادتهم {عن قولك} صادرين عن قولك حال من الضمير في تاركي {وما نحن لك بمؤمنين} اقناط له من الإجابة والتصديق ٥٤ {إن نقول إلا اعتراك} ما نقول إلا قولنا اعتراك أي اصابك من عراه يعروه إذا أصابه {بعض آلهتنا بسوء} بجنون لسبك إياها وصدك عنها ومن ذلك تهذي وتتكلم بالخرافات والجملة مقول القول وألا لغو لأن الاستثناء مفرغ {قال إني أشهد اللّه واشهدوا أني بريء مما تشركون} ٥٥ {من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون} اجاب به عن مقالتهم الحمقاء بأن أشهد اللّه تعالى على براءته من لآآلهتهم وفراغه عن اضرارهم تأكيدا لذلك تثبيتا له وأمرهم بأن يشهدوا علهي استهانة بهم وأن يجتمعوا على الكيد في إهلاكه من غير انظار حتى إذا اجتهدوا فيه ورأوا انهم عجزوا عن آخرهم وهم الاقوياء الاشداء أن يضروه لم يبق لهم شبيهة أن آلهتهم التي هي جماد لا يضر ولا ينفع لا تتمكن من إضراره انتقاما منه وهذا من جملة معزاته فإن مواجهة الواحد الجم الغفير من الجبابرة الفتاك العطاش إلى اراقة دمه بهذا الكلام ليس إلا لثقته باللّه وتثبطهم عن اضراره ليس إلا بعصمته إياه ولذلك عقبه بقوله ٥٦ {إني توكلت على اللّه ربي وربكم} تقريرا له والمعنى انكم وان بذلتم غاية وسعكم لن تضروني فإن متوكل على اللّه واثق بكلاءته وهو مالكي ومالككم لا يحيق بي ما لم يرده ولا يقدرو على ما لم يقدره ثم برهن علهي بوقله {ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها} أي إلا وهو مالك لها قادر عليها يصرفها على ما يريد بها والاخذ بالنواصي تمثيل لذلك {إن ربي على صراط مستقيم} أي انه على الحق والعدل لا يضيع عنده معتصم ولا يفوته ظالم ٥٧ {فإن تولوا} فإن تتولوا {فقد أبلغتكم ما أرسلت به اليكم} فقد أديت ما علي من الابلاغ والزام الحجة فلا تفريط مني ولا عذر لكم فقد أبلغتكم ما أرسلت به اليكم {ويستخلف ربي قوما غيركم} استئناف بالوعيد لهم بأن اللّه يهلكهم ويستخلف قوما آخرين في ديارهم وأموالهم أو عطف على الجواب بالفاء ويؤيده القرأءة بالجزم على الموضع كأنه قيل وإن تتولا يعذرني ربي ويستخلف {ولا تضرونه} لتوليكم شيئا من الضرر ومن جزم يستخلف اسقط النون منه {إن ربي على كل شيء حفيظ} رقيب فلا تخفى علهي أعمالكم ولا يغفل عن مجازاتكم أو حافظ مستول عليه فلا يمكن أن يضره شيء ٥٨ {ولما جاء امرنا} عذابنا أو امرنا العذاب {نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا} وكانوا أربعة آلاف {ونجيناهم من عذاب غليظ} تكرير لبيان ما نجاهم منه وهو السموم كانت تدخل انوف الكفرة وتخرج من ادبارهم فتقطع اعضاءهم أو المراد به تنجيتهم من عذاب الآخرة أيضا والتعريض بأن المهلكين كما عذبوا في الدنيا بالسموم فهم معذبون في الآخرة بالعذاب الغليظ ٥٩ {وتلك عاد} أنت اسم الاشارة باعتبار القبيلة أو لان الاشارة إلى قبورهم وآثارهم {جحدوا بآيات ربهم} كفروا بها {وعصوا رسله} لأنهم عصوا رسولهم ومن عصي رسولا فكأنما عصى الكل لأنهم امروا بطاعة كل رسول {واتبعوا أمر كل جبار عنيد} يعني كبراءهم الطاغين و عنيد من عند عندا وعندا وعنودا إذا طغى والمعنى عصوا من دعاهم إلى الإيمان وما ينجيهم واطاعوا من دعاهم إلى الكفر وما يرديهم ٦٠ {وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة} أي جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين تكبهم في العذاب {ألا إن عادا كفروا ربهم} جحدوه أو كفروا نعمه أو كفروا به فحذف الجار {ألا بعدا لعاد} دعاء عليهم بالهلاك والمراد به الدلالة على انهم كانوا مستوجبين لما نزل عليهم بسبب ما حكي عنهم وانما كرر ألا وأعاد ذكرهم تفظيعا لأمرهم وحثا على الاعتبار بحالهم {قوم هود} عطف بيان لعاد وفائدته تمييزهم عن عاد الثانية عاد إرم والايماء إلى أن استحقاقهم للبعد بما جرى بينهم وبين هود ٦١ {والى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض} هو كونكم منها لا غيره فإنه خلق آدم ومواد النطف التي خلق نسله منها من التراب {واستعمركم فيها} عمركم فيها واستبقاكم من العمر أو اقدركم على عمارتها وأمركم بها وقيل هو من العمرى بمعنى اعمركم فيها دياركم ويرثها منكم بعد انصرام اعماركم أو جعلكم معمرين دياركم تسكنونها مدة عمركم ثم تتركونها لغيركم {فاستغفروه ثم توبوا إليه أن ربي قريب} قريب الرحمة {مجيب} لداعيه ٦٢ {قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا} لما نرى فيك من مخايل الرشد والسداد أن تكون لنا سيدا ومستشارا في الأمور أو أن توافقنا في الدين فلما سمعنا هذا القول منك انقطع رجاؤنا عنك {أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا} على حكاية الحال الماضية {وإننا لفي شك مما تدعونا إليه} من التوحيد والتبري عن الأوثان {مريب} موقع في الريبة من أرابه أو ذي ريبة على الإسناد المجازي من اراب في الأمر ٦٣ {قال يا قوم أرأيتم أن كنت على بينة من ربي} بيان وبصيرة وحرف الشك باعتبار المخاطبين {وآتاني منه رحمة} نبوة {فمن ينصرني من اللّه} فمن يمنعني من عذابه {إن عصيته} في تبليغ رسالته والمنع عن الاشراك به {فما تزيدونني} إذن باستتباعكم اياي {غير تخسير} غير أن تخسروني بإبطال ما منحني اللّه به والتعرض لعذابه أو فما تزيدونني بما تقولون لي غير أن أنسبكم إلى الخسران ٦٤ {ويا قوم هذه ناقة اللّه لكم آية} انتصب آية على الحال وعاملها معنى الاشارة ولكم حال منها تقدمت عليها لتنكيرها {فذروها تأكل في ارض اللّه} ترع نباتها وتشرب ماءها {ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب} عاجل لا يتراخى عن مسكهم لها بالسوء إلا يسيرا وهو ثلاثة أيام ٦٥ {فعقروها فقال تمتعوا في داركم} عيشوا في منازلكم أو في داركم الدنيا {ثلاثة أيام} الأربعاء والخميس والجمعة ثم تهلكون {ذلك وعد غير مكذوب} أي غير مكذوب فيه فاتسع فيه باجرائه مجرى المفعول به كقوله ويوم شهدناه سليما وعامرا أو غير مكذوب على المجاز وكأن الواعد قال له أفي بك فإن وفى به صدقه وإلا كذبه أو وعد غير كذب على انه مصدر كالمجلود والمعقول ٦٦ {فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ} أي ونجيناهم من خزي يومئذ وهو هلاكهم بالصيحة أو ذلهم وفضيحتهم يوم القيامة وعن نافع يومئذ بالفتح على اكتساب المضاف البناء من المضاف إليه هنا وفي المعارج في قوله {من عذاب يومئذ إن ربك هو القوي العزيز} القادر على كل شيء والغالب عليه ٦٧ {وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين} قد سبق تفسير ذلك في سورة الاعراف ٦٨ {كأن لم يغنوا فيها إلا أن ثمود كفروا ربهم} نونه أبو بكر ها هنا وفي النجم والكسائي في جميع القرأن وابن كثير ونافع وابن عامر وأبو عمرو في قوله {ألا بعدا لثمود} ذهابا إلى الحي أو الاب الأكبر ٦٩ {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم} يعني الملائكة قيل كانوا تسعة وقيل ثلاثة جبريل وميكائيل واسرافيل بالبشرى ببشارة الولد وقيل بهلاك قوم لوط {قالوا سلاما} سلمنا عليك سلاما ويجوز نصبه ب قالوا على معنى ذكروا سلاما {قال سلام} أي امركم أو جوابي سلام أو وعليكم سلام رعفه اجابة بأحسن من تحيتهم وقرأ حمزة والكسائي سلم وذلك في الذاريات وهما لغتان كحرم وحرام وقيل المراد به الصلح {فلما لبث أن جاء بعجل حنيذ} فما أبطأ مجيئه به أو فما ابطأ في المجيء به أو فما تأخر عنه والجار في أن مقدر أو محذوف والحنيذ المشوي بالرضف وقيل الذي يفطر ودكه من حنذت الفرس إذا عرقته بالجلال لقوله {بعجل سمين} [الذاريات: ٢٦] ٧٠ {فلما رأى أيديهم لا تصل إليه} لا يمدون إليه أيديهم {نكرهم واوجس منهم خيفة} أنكر ذلك منهم وخاف أن يريدوا به مكروها ونكر وأنكر واستنكر بمعنى والايجاس الادراك وقيل الاضمار قالوا له لما احسوا منه اثر الخوف {لا تخف إنا ارسلنا إلى قوم لوط} أنا ملائكة مرسلة إليهم بالعذاب وانما لم نمد إليه أيدينا لأنا لا نأكل ٧١ {وامرأته قائمة} وراء الستر تسمع محاورتهم أو على رؤوسهم للخدمة {فضحكت} سرورا بزوال الخيفة أو بهلاك أهل الفساد أو بإصابة رأيها فإنها كانت تقول لإبراهيم اضمم إليك لوطا فإني أعلم أن العذاب ينزل بهؤلاء القوم وقيل فضحكت فحاضت قال الشاعر وعهدي بسلمي ضاحكا في لبابة ولم يعد حقا ثديها أن تحلما ومنه ضحكت السمرة إذا سال صمغها وقرئ بفتح الحاء {فبشرناها باسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} نصبه ابن عامر وحمزة وحفص بفعل يفسره ما دل عليه الكلام وتقديره ووهبناها من وراء إسحاق يعقوب وقيل انه معطوف على موضع بإسحاق أو على لفظ إسحاق وفتحته للجر فإنه غير مصروف ورد للفصل بينه وبين ما عطف عليه بالظرف وقرأ الباقون بالرفع على انه مبتدأ وخبره الظرف أي و يعقوب مولود من بعده وقيل الوراء ولد الولد ولعله سمي به لأنه بعد الولد وعلى هذا تكون اضافته إلى إسحاق ليس من حيث أن يعقوب عليه الصلاة والسلام وراءه بل من حيث انه وراء إبراهيم من جهته وفيه نظر والاسمان يحتمل وقوعهما في البشارة كيحيى ويحتمل وقوعهما في الحكاية بعد أن ولدا فسميا به وتوجيه البشارة إليها للدلالة على أن الولد المبشر به يكون منها لا من هاجر ولأنها كانت عقيمة حريصة على الولد ٧٢ {قالت يا ويلتي} يا عجبا وأصله في الشر فأطلق على كل أمر فظيع وقرئ بالياء على الأصل {أألد وأنا عجوز} ابنة تسعين أو تسع وتسعين {وهذا بعلي} زوجي وأصله القائم بالأمر شيخا ابن مائة أو مائة وعشرين ونصبه على الحال والعالم فيها معنى اسم الاشارة وقرئ بالرفع على انه خبر محذوف أي هو شيخ أو خبر بعد خبر أو هو الخبر و بعلي بدل {إن هذا لشيء عجيب} يعني الولد من هرمين وهو استعجاب من حيث العادة دون القدرة ولذلك ٧٣ {قالوا اتعجبين من أمر اللّه رحمة اللّه وبركاته عليكم أهل البيت} منكرين عليها فإن خوارق العادات باعتبار أهل بيت النبوة ومهبط المعجزات وتخصيصهم بمزي النعم والكرامات ليس ببدع ولا حقيق بأن يستغربه عاقل فضلا عمن نشأت وشابت في ملاحظة الآيات أهل البيت نصب على المدح أو النداء لقصد التخصيص كقولهم اللّهم اغفر لنا ايتها العصابة {انه حميد} فاعل ما يستوجب به الحمد {مجيد} كثير الخير والاحسان ٧٤ {فلما ذهب عن إبراهيم الروع} أي ما اوجس م الخيفة واطمأن قلبه بعرفانهم {وجاءته البشرى} بدل الورع {يجادلنا في قوم لوط} يجادل رسلنا في شأنهم ومجادلته اياهم قوله {إن فيها لوطا} [العنكبوت:٣٢] وهو أما جواب لما جيء به مضارعا على حكاية الحال أو لانه في سياق الجواب بمعنى الماضي كجواب لو أو دليل جوابه المحذوف مثل اجترأ على خطابنا أو شرع في جدالنا أو متعلق به أقيم مقامه مثل اخذ أو اقبل يجادلنا ٧٥ {إن إبراهيم لحليم} غير عجول على الانتقام من المسيء إليه {أواه} كثير التأوه من الذنوب والتأسف على الناس {منيب} راجع إلى اللّه والمقصود من ذلك بيان الحامل له على المجادلة وهو رقة قلبه وفرط ترحمه {يا إبراهيم} على إرادة القول أي قالت الملائكة ٧٦ {يا إبراهيم} {أعرض عن هذا} الجدال {إنه قد جاء أمر ربك} قدره بمقتضى قضائه الازلي بعذابهم وهو اعلم بحالهم {وإنهم آتيهم عذاب غير مردود} مصروف بجدال ولا دعاء ولا غير ذلك ٧٧ {ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم} ساءه مجيئهم لانهم جاؤوه في صورة غلمان فظن انهم أناس فخاف عليهم أن يقصدهم قومه فيعجز عن مدافعتهم {وضاق بهم ذرعا} وضاق بمكانهم صدره وهو كناية عن شدة الانقباض للعجز عن مدافعة المكروه والاحتيال فيه {وقال هذا يوم عصيب} شديد من عصبه إذا شده ٧٨ {وجاءه قومه يهرعون إليه} يسرعون إليه كأنهم يدفعون دفعا لطلب الفاحشة من اضيافه {ومن قبل} أي ومن قبل ذلك الوقت {كانوا يعملون السيئات} الفوماحش فتمرونوا بها ولم يستحيوا منها حتى جاؤوا يهرعون لها مجاهرين قال يا قوم هؤلاء بناتي فدى بهن اضيافه كرما وحمية والمعنى هؤلاء بناتي فتزوجوهن وكانوا يطلبونهن قبل فلا يجيبهم لخبثهم وعدم كفاءتهم لا لحرمة المسلمات على الكفار فإنه شرع طارئ أو مبالغة في تناهي خبث ما يرومونه حتى إن ذلك أهون منه أو اظهارا لشدة امتعاضه من ذلك كي يرقوا له وقيل المراد بالبنات نساؤهم فإن كل نبي أبو أمته من حيث الشفقة والتربية وفي حرف ابن مسعود {وازواجه امهاتهم} [الاحزاب:٦] وهو اب لهم {هن اطهر لكم} انظف فعلا وأقل فحشا كقولك الميتة اطيب من المغصوب واحل منه وقرئ أطهر بالنصب على الحال على أن هن خبر بناتي كقولك هذا أخي هو الأفضل فإنه لا يقع بين الحال وصاحبها {فاتقوا اللّه} بترك الفواحش أو بايثارهن عليهم {ولا تخزون} ولا تفضحوني من الخزي أو ولا تخجلوني من الخزاية بمعنى الحياء {في ضيفي} في شأنهم فإن إخزاء ضيف الرجل اخزاؤه {اليس منكم رجل رشيد} يهتدي إلى الحق ويرعوي عن القبيح ٧٩ {قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق} من حاجة {وإنك لتعلم ما نريد} وهو اتيان الذكران ٨٠ {قال لو أن لي بكم قوة} لو قويت بنفسي على دفعكم {أو آوي إلى ركن شديد} إلى قوي ابلغ به عنكم شبهه بركن الجبل في شدته و عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: رحم اللّه أخي لوطا كان يأوي إلى ركن شديد وقرئ {أو آوي} بالنصب بإضمار أن كأنه قال لو أن لي بكم قوة أو أويا وجواب لو محذوف تقديره لدفعتكم روي أنه أغلق بابه دون اضيافه وأخذ يجادلهم من وراء الباب فتسوروا الجدار فلما رأت الملائكة ما على لوط من الكرب ٨١ {قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك} لن يصلوا إلى اضرارك بإضرارنا فهون عليك ودعنا واياهم فخلاهم أن يدخلوا فضرب جبريل عليه السلام بجناحه وجوههم فطمس اعينهم واعماهم فخرجوا يقولون النجاء النجاء فإن في بيت لوط سحرة {فأسر بأهلك} بالقطع من الاسراء وقرأ ابن كثير ونافع بالوصل حيث وقع في القرأن من السري {بقطع من الليل} بطائفة منه {ولا يلتفت منكم أحد} ولا يتخلف أو لا ينظر إلى وراسه والنهي في اللفظ أحد وفي المعنى للوط {إلا امرأتك} ايتثناء من قوله {فأسر بأهلك} ويدل عليه انه قرئ {فأسر بأهلك بقطع من الليل} إلا امرأتك وهذا إنما يصح على تأويل الالتفات بالتخلف فإنه إن فسر بالنظر إلى الوراء في الذهاب ناقض لك قرأءة ابن كثير وأبي عمرو بالرفع على البدل من أحد ولا يجوز حمل القرأءتين على الروايتين في انه خلفها مع قومها أو اخرجها فلما سمعت صوت العذاب التفتت وقالت يا قوماه فأدركها حجر فقتلها لأن القواطع لا يصح حملها على المعاني المتناقضة والأولى جعل الاستثناء في القرأءتين من قوله {ولا يلتفت} مثله في قوله {ما فعلوه إلا قليل} [النساء: ٦٦] ولا يبعد أن يكون أكثر القرأء على غير الافصح ولا يلزم من ذلك أمرها بالالتفات بل عدم نهيها عنه استصلاحا ولذلك علل طريقة الاستئناف بقوله {إنه مصيبها ما أصابهم} ولا يحسن جعل الاستثناء منطقعا على قرأءة الرفع {إن موعدهم الصبح} كأنه علة الأمر بالاسراء {أليس الصبح بقريب} جواب لاستعجال لوط واستبطائه العذاب ٨٢ {فلما جاء امرنا} عذابنا أو أمرنا به ويؤيده الأصل وجعل التعذيب مسببا عنه بقوله {جعلنا عاليها سافلها} فإنه جواب لما وكان حقه جعلوا عاليها سافلها أي الملائكة المأمورون به فأسند إلى نفسه من حيث إنه المسبب تعظيما للامر فإنه روي أن جبريل علهي السلام ادخل جناحه تحت مدائنهم ورفعها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب وصياح الديكة ثم قلبها عليهم {وأمطرنا عليها} على المدن أو على شذاذها {حجارة من سجيل} من طين متحجر لقوله {حجارة من طين} [الذاريات: ٣٣] واصله سنك كل فعرب وقيل إنه من أسجله إذا أ سله أو أدر عطيته والمعنى من مثل الشيء المرسل أو من مثل العطية في الادرار أو من السجل أي مما كتب اللّه أن يعذبهم به وقيل اصله من سجين أي من جهنم فأبدلت نونه لاما {منضود} نضد معدا لعذابهم أو نضد في الارسال بتتابع بعضهم بعضا كقطار الامطار أو نضد بعضه على بعض والصق به ٨٣ {مسومة} معلمة للعذاب وقيل معلمة ببياض وحمرة أو بسيما تتميز به عن حجارة الأرض أو باسم من يرمى بها {عند ربك} في خزائنه {وما هي من الظالمين ببعيد} فإنهم بظلمهم حقيق بأن تمطر عليهم وفيه وعيد لكل ظالم وعنه صلى اللّه عليه وسلم: انه سأل جبريل عليه السلام فقال: يعني ظالمي امتك ما من ظالم منهم إلا وهو بعرض حجر يسقط عليه من ساعة إلى ساعة وقيل الضمير للقرى أي هي قريبة من ظالمي مكة يمرون بها في أسفارهم إلى الشام وتذكير البعيد على تأويل الحجر أو المكان ٨٤ {والى مدين اخاهم شعيبا} أراد أولاد مدين بن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أو أهل مدين وهو بلد بناه فسمي باسمه {قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من اله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان} أمرهم بالتوحيد اولا فإنه ملاك الأمر ثم نهاهم عنما اعتادوه من البخس في المنافي للعدل المخل بحكمة التعاوض {إني اراكم بخير} بسعة تغنيكم عن البخس أو بنعمة حقها أن تتفضلوا على الناس شركا عليها لا أن تنقصوا حقوقهم أو بسعة فلا تزيلوها مما انتم عليه وهو في الجملة علة للنهي {وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط} لا يشذ منه أحد منكم ومقيل عذاب مهلك من قوله وأحيط بثمره والمراد عذاب يوم القيامة أو عذاب الاستئصال ووصف اليوم بالاحاطة وهي صفة العذاب لاشتماله عليه ٨٥ {ويا قوم اوفوا المكيال والميزان} صرح بالأمر بالايفاء بعد النهي عن ضده مبالغة وتنبيها على انه لا يكفيهم الكف عن تعمدهم التطفيف بل يلزمهم السعي في الايفاء ولو بزيادة لا يتأتى بدوها {بالقسط} بالعدل والسوية من غير زيادة ولا نقصان فإن الازدياد ايفاء وهو مندوب غير مأمور به وقد يكون محظورا {ولا تبخسوا الناس اشياءهم} تعميم بعد تخصيص فإنه اعم من أن يكون في المقدار أو في غيره وكذا قوله {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} فإن العثو يعم تنقيص الحقوق وغيره من أنواع الفساد وقيل المراد بالبخس المكس كأخذ العشور في المعاملات والعثو السرعة وقطع الطريق والغارة وفائدة الحال إخراج ما يقصط به الاصلاح كما فعله الخضر عليه الصلاة والسلام قيل معناه ولا تعثوا في الأرض مفسدين في أمر دينكم ومصالح آخرتكم ٨٦ {بقيت اللّه} ما ابقاه لكم من الحلال بعد التنزه عما حرم عليكم {خير لكم} مما تجمعون بالتطفيف {إن كنتم مؤمنين} بشرط أن تؤمنوا فإن خيريتها باستتباع الثواب مع النجاة وذلك مشروط بالأيمان أو إن كنتم مصدقين لي في قولي لكم وقيل البقية الطاعة كقوله والباقيات الصالحات وقرئ تقية اللّه بالتاء وهي تقواه التي تكف عن المعاصي {وما أنا عليكم بحفيظ} احفظكم عن القبائح أو احفظ عليكم أعمالكم فأجازيكم عليها وانما أنا ناصح مبلغ وقد اعذرت حين انذرت أو لست بحافظ عليكم نعم اللّه لو لم تتركوا سوء صنيعكم ٨٧ {قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا} من الاصنام أجابوا به آمرهم بالتوحيد على الاستهزاء به والتهكم بصلواته والاشعار بأن مثله لا يدعو إليه داع عقلي وانما دعاك إليه خطرات ووساوس من جنس ما تواظب عليه وكان شعيب كثير الصلاة فلذلك جمعوا وخصوا الصلاة بالذكر وقرأ حمزة والكسائي وحفص على الأفراد والمعنى اصلواتك تأمرك بتكليف أن نترك فحذف المضاف لأن الرجل لا يؤمر بفعل غيره {أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء} عطف على ما أي وان نترك فعلنا ما نشاء في اموالنا وقرئ بالتاء فيهما على أن العطف على أن نترك وهو جواب النهي عن التطفيف والأمر بالايفاء وقيل كان ينهاهم عن تقطيع الدراهم والدنانير فأرادوا به ذلك {إنك لأنت الحليم الرشيد} تهكموا به وقصدوا وصفه بضد ذلك أو عللوا انكار ما سمعوا منه واستبعاده بأنه موسوم بالحلم والرشد المانعين عن المبادرة إلى امثال ذلك ٨٨ {قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي} إشارة إلى ما آتاه اللّه من العلم والنبوة {ورزقني منه رزقا حسنا} إشارة إلى ما آتاه اللّه من المال الحلال وجواب الشرط محذوف تقديره فهل يسع مع هذا الأنعام الجامع للسعادات الروحانية والجسمانية أن أخون في وحيه وأخالفه في أمره ونهيه وهو اعتذار عما أنكروا عليه من تغيير المألوف والنهي عن دين الاباء والضمير في منه للّه أي من عنده وبإعانته بلا كد مني في تحصيله {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه} أي وما أريد أن آتي ما أنهاكم عنه لأسبتبد به دونكمن فلو كان صوابا لآثرته ولم اعرض عنه فضلا عن أن انهى عنه يقال خالفت زيدا إلى كذا إذا قصدته وهو مول عنه وخالفته عنه إذا كان الأمر بالعكس {أن أريد إلا الاصلاح ما استطعت} ما أريد إلا أن اصلحكم بأمري بالمعروف ونهيي عن المنكر ما دمت اتسطيع الاصلاح فلو وجدت الصلاح فيما انتم عليه لما نهيتكم عنه ولهذه الاجوبة الثلاثة على هذا النسق شأن وهو التنبيه على أن العاقل يجب أن يراعي في كل ما يأتيه ويذره أحد حقوق ثلاثة اهمها واعلاها حق اللّه تعالى وثانيها حق النفس وثالثها حق الناس وكل ذلك يقتضي أن آمركم بما أمرتكم به وانهاكم عما نهيتكم عنه و ما مصدرية واقعة موقع الظروف وقيل خبرية بدل من الاصلاح أي المقدار الذي استطعته أو اصلاح ما استطعته فحذف المضاف {وما توفيقي إلا باللّه} وما توفيقي لاصابة الحق والصواب إلا بهدايته ومعونته {عليه توكلت} فإنه القادر المتمكن من كل شيء وما عداه عاجز في حد ذاته بل معدوم ساقط عن درجة الاعتبار وفيه إشارة إلى محض التوحيد الذي هو أقصى مراتب العلم بالمبدأ {واليه انيب} إشارة إلى معرفة المعاد وهو أيضا يفيد الحصر بتقديم الصلة على الفعل وفي هذه الكلمات طلب التوفيق لاصابة الحق فيما يأتيه ويذره من اللّه تعالى والاستعانة به في مجامع أمره والإقبال عليه بشراشره وحسم اطماع الكفار واظهار الفراغ عنهم وعدم المبالاة بمعاداتهم وتهديدهم بالرجوع إلى اللّه للجزاء ٨٩ {ويا قوم لا يجرمنكم} لا يكسبنكم {شقاقي} معاداتي {أن يصيبكم مثل ما اصاب قوم نوح} من الغرق {أو قوم هود} من الريح {أو قوم صالح} من الرجفة و أن بصلتها ثاني مفعولي جزم فإنه يعدى إلى واحد والاول افصح فإن اجرم اقل دورانا على السنة الفصحاء وقرئ مثل بالفتح لاضافته إلى المبني كقوله لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت حمامة ف يغصون ذات ارقال {وما قوم لوط منكم ببعيد} زمانا أو مكانا فإن لم تعتبروا بمن قبلهم فاعبروا بهم أو ليسوا ببعيد منكم في الكفر والمساوي فلا يبعد عنكم ما اصابهم وافراد البعيد لان المراد وما اهلاكهم أو وما هم بشيء بعيد ولا يبعد أن يسوى في امثاله بين المذكر والمؤنث لأنها على زنة المصادر كالصهيل والشهيق ٩٠ {واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه} عما انتم عليه {إن ربي رحيم} عظيم الرحمة للتائبين {ودود} فاعل بهم من اللطف والاحسان ما يفعل البليغ المودة بمن يوده وهو وعد على التوبة بعد الوعيد على الإصرار ٩١ {قالوا يا شعيب ما نفقه} ما نفهم {كثيرا مما تقول} كوجوب التوحيد وحرمة البخس وما ذكرت دليلا عليهما وذلك لقصور عقولهم وعدم تفكرهم وقيل قالا ذلك استهانة بكلامه أو لأنهم لم يلقوا إليه اذهانهم لشدة نفرتهم عنه {وإنا لنراك فينا ضعيفا} لا قوة لك فتمتنع منا إن أردنا بك سوءا أو مهينا لا عز لك وقيل اعمى بلغة حمير وهو مع عدم مناسبته يرده التقييد بالظرف ومنع بعض المعتزلة استنباء الأعمى قياسا على القضاء والشهادة والفرق بين {ولولا رهطك} قومك وعزتهم عندنا لكونهم على ملتنا لا لخوف من شوكتهم فإن الرهط من الثلاثة إلى العشرة وقيل إلى التسعة {لرجمناك} لقتلناك برمي الاحجار أو بأصعب وجه {وما أنت علينا بعزيز} فتمنعنا عزتك عن الرجم وهذا ديدن السفيه المحجوج يقابل الحجج والايات بالسب والتهديد وفي ايلاء ضميره حرف النفي تنبيه على أن الكلام فيه لا في ثبوت العزة وان المانع لهم عن ايذائه عزة قومه ولذلك ٩٢ {قال يا قوم ارهطي اعز عليكم من اللّه واتخذتموه وراءكم ظهريا} وجعلتموه كالمنسي المنبوذ وراء الظهر بإشراككم به والاهانة بروسله فلا تبقون علي للّه وتبقون علي لرهطي وهو يحتمل الإنكار والتوبيخ والرد والتكذيب و ظهريا منسوب إلى الظهر والكسر من تغييرات النسب {إن ربي بما تعملون} محيط فلا يخفى عليه شيء منها فيجازي عليها ٩٣ {ويا قوم اعملوا على مكانتكم أني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه} سبق مثله في سورة الأنعام والفاء في ف سوف تعلمون ثمة للتصريح بأن الإصرار والتمكن فيما هم عليه سبب لذلك وحذفها ها هنا لأنه جواب سائل قال فماذا يكون بعد ذلك فهو ابلغ في التهويل {ومن هو كاذب} عطف على من يأتيه لا لأنه قسيم له كقولك ستعلم الكاذب والصادق بل لأنهم لما أوعدوه وكذبوه قال سوف تعلمون من المعذب والكاذب مني ومنكم وقيل كان قياسه ومن هو صادق لينصرف الأول إليهم والثاني إليه لكنهم لما كانوا يدعونه كاذبا قال ومن هو كاذب على زعمهم {وارتقبوا} وانتظروا ما أقول لكم {إني معكم رقيب} منتظر فعيل بمعنى الراقب كالصريم أو المراقب كالعشير أو المرتقب كالرفيع ٩٤ {ولما جاء امرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا} إنما ذكره بالواو كما في قصة عاد إذ لم يسبقه ذكر وعد يجري مجرى السبب له بخلاف قصتي صالح ولوط فإنه ذكر بعد الوعد وذلك قوله وعد غير مكذوب [هود:٦٥] وقوله إن موعدهم الصبح [هود:٨١] فلذلك جاء بفاء السببية {وأخذت الذين ظلموا الصيحة} قيل صاح بهم جبريل عليهم السلام فهلكوا {فأصبحوا في ديارهم جاثمين} ميتين واصل الجثوم اللزوم في المكان ٩٥ {كأن لم يغنوا فيها} كأن لم يقيموا فيها {ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود} شبههم بهم لأن عذابهم كان أيضا بالصيحة غير أن صيحتهم كانت من تحتهم وصيحة مدين كانت من فوقهم وقرئ بعدت بالضم على الأصل فإن الكسر تغيير لتخصيص معنى البعد بما يكون بسبب الهلاك والبعد مصدر لهما والبعد مصدر المكسور ٩٦ {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا} بالتوراة أو المعجزات {وسلطان مبين} وهو المعجزات القاهرة أو العصا وإفرادها بالذكر لأنها أبهرها ويجوز أن يراد بهما أحد أي ولقد ارسلناه بالجامع بين كونه آياتنا وسلطانا له على نبوته واضحا في نفسه أو موضحا إياها فإن ابان جاء لازما ومتعديا والفرق بينهما أن الآية تعم الامارة والدليل القاطع والسلطان يخص بالقاطع والمبين يخص بما فيه جلاء ٩٧ {إلى فرعون ومثله فاتبعوا أمر فرعون} فاتبعوا أمره بالكفر بموسى أو فما تبعوا موسى الهادي إلى الحق المؤيد بالمعجزات القاهرة الباهرة واتبعوا طريقة فعرون المنهمك في الضلال والطغيان الداعي إلى ما لا يخفي فساده على من له ادنى مسكة من العقل لفرط جهالتهم وعدم استبصارهم {وما أمر فرعون برشيد} مرشد أو ذي رشد وانما هو غي محض وضلال صريح ٩٨ {يقدم قومه يوم القيامة} إلى النار كما كان يقدمهم في الدنيا إلى الضلال يقال قدم بمعنى تقدم {فأوردهم النار} ذكره بلفظ الماضي مبالغة في تحقيقه ونزل النار لهم منزلة الماء فسمى اتيانا موردا ثم قال {وبئس الورد المورود} أي بئس المورد الذي وردوه فإنه يراد لتبريد الاكباد وتسكين العطش والنار بالضد والاية كالدليل على قوله وما أمر فرعون برشيد [هود:٩٧] فإن من كان هذه عاقبته لم يكن في أمره رشد أو تفسير له على أن المراد بالرشيد ما يكون مأمون العاقبة حميدها ٩٩ {وأتبعوا في هذه} الدنيا {لعنة ويوم القيامة} أي يلعنون في الدنيا والاخرة {بئس الرفد المرفود} بئس العون المعان أو العطاء المعطى واصل الرفد ما يضاف إلى غير ليعمده والمخصوص بالذم حذوف أي رفدهم وهو اللعنة في الدارين ذلك أي ١٠٠ {ذلك} النبأ {من أنباء القرى} المهلكة {نقصه عليك} مقصوص عليك {منها قائم} من تلك القرى باق كالزرع القائم {وحصيد} ومنها عافي الأثر كالزرع المحصود والجملة مستأنفة وقيل حال من الهاء في نقصه وليس بصحيح إذ لا واو ولا ضمير ١٠١ {وما ظلمناهم} بإهلاكنا اياهم {ولكن ظلموا أنفسهم} بأن عرضوها له بارتكاب ما يوجبه {فما أغنت عنهم} فما نفعتهم ولا قدرت أن تدفع عنهم بل ضرتهم {آلهتهم التي يدعون من دون اللّه من شيء لما جاء أمر ربك} حين جاءهم عذابه ونقمته {وما زادوهم غير تتبيب} هلاك أو تخسير ١٠٢ {وكذلك} ومثل ذلك الأخذ اخذ ربك وقرئ {أخذ ربك} بالفعل وعلى هذا يكون محل الكاف النصب على المصدر {إذا أخذ القرى} أي أهلها وقرئ إذ لان المعنى على المضي {وهي ظالمة} حال من القرى وهي في الحقيقة لأهلها لكنها لما اقيمت مقامه اجريت عليها وفائدتها الاشعار بأنهم اخذوا بظلمهم وانذار كل ظالم ظلم نفسه أو غيره من وخامة العاقبة {إن أخذه اليم شديد} وجيع غير مرجو الخلاص منه وهو مبالغة في التهديد والتحذير ١٠٣ {إن في ذلك} أي فيما نزل بالأمم الهالكة أو فيما قصه اللّه تعالى من قصصهم {لآية} لعبرة {لمن خاف عذاب الآخرة} يعتبر به عظمته لعلمه بأن ما حاق بهم أنموذج مما أعد اللّه للمجرمين في الآخرة أو ينزجر به عن موجباته لعلمه بأنها من إله مختار يعذب من يشاء ويرحم من يشاء فإن من أنكر الآخرة وأحال فناء هذا العالم لم يقل بالفاعل المختار وجعل تلك الوقائع لأسباب فلكية اتفقت في تلك الأيام لا لذنوب المهلكين بها وذلك إشارة إلى يوم القيامة وعذاب الآخرة دل عليه {يوم مجموع له الناس} أي يجمع له الناس والتغيير للدلالة على ثبات معنى الجمع لليوم وأنه من شأنه لا محالة وأن الناس لا ينفكون عنه فهو أبلغ من قوله يوم يجمعكم ليوم الجمع [التغابن:٩] ومعنى الجمع له الجمع لما فيه من المحاسبة والمجازاة {وذلك يوم مشهود} أي مشهود فيه أهل السموات والأرضين فاتسع فيه بإجراء الظرف مجرى المفعول به كقوله في محفل من نواصي الناس مشهود أي كثير شاهدوه ولو جعل اليوم مشهودا في نفسه لبطل الغرض من تعظيم اليوم وتمييزه فإن سائر الأيام كذلك ١٠٤ {وما نؤخره} أي اليوم {إلا لأجل معدود} إلا لانتهاء مدة معدودة متناهية على حذف المضاف وإرادة مدة التأجيل كلها بالأجل لا منتهاها فإنه غير معدود يوم يأتي أي الجزاء أو اليوم كقوله أو تأتيهم الساعة [يوسف:١٠٧] على أن ١٠٥ { يوم} بمعنى حين أو اللّه عز وجل كقوله تعالى {هل ينظرون إلا أن يأتيهم اللّه في ظلل} [البقرة:٢١٠] ونحوه وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة {يأت} بحذف الياء اجتراء عنها بالكسرة {لا تكلم نفس} لا تتكلم بما ينفع وينجي من جواب أو شفاعة وهو الناصب للظرف ويحتمل نصبه بإضمار اذكر أو بالانتهاء المحذوف {إلا بإذن اللّه} إلا بإذن اللّه كقوله لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن [النّبأ:٣٨] وهذا في موقف وقوله هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون في موقف آخر أو المأذون فيه هي الجوابات الحقة والممنوع عنه هي الأعذار الباطلة {فمنهم شقي} وجبت له النار بمقتضى الوعيد {وسعيد} وجبت له الجنة بموجب الوعد والضمير لأهل الموقف وإن لم يذكر لأنه معلوم مدلول عليه بقوله لا تكلم نفس أو للناس ١٠٦ {فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق} الزفير إخراج لانفس والشهيق رده واستعمالها في أول النهيق وآخره والمراد بهما الدلالة على شدة كربهم وغمهم وتشبيه حالهم بمن استولت الحرارة على قلبه وانحصر فيه روحه أو تشبيه صراخهم بأصوات لاحمير وقرئ وشقوا بالضم ١٠٧ {خالدين فيها ما دامت السموات والأرض} ليس لارتباط دوامهم في النار بدزامها فإن النصوص دالة على تأبيد دوامهم وانقطاع دوامهما بل التعبير عن التأبيد والمبالغة بما كانت العرب يعبرون به عنه على سبيل التمثيل ولو كان لارتباط لم يلزم أيضا من زوال السموات والأرض زوال عذابهم ولا من دوامه دوامهما إلا من قبيل المفهوم لأن دوامهما كالملزوم لدوامه وقد عرفت أن المفهوم لا يقاوم المنطوق وقيل المراد سموات الآخرة وأرضها ويدل عليه قوله تعالى يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات [إبراهيم: ٤٨] وإن أهل الآخرة لا بد لهم من مظل ومقل وفيه نظر لأنه تشبيه بما لا يعرف أكثر الخلق وجوده ودوامه ومن عرفه فإنما يعرفه بما يدل على دوام الثواب والعقاب فلا يجدي له التشبيه {إلا ما شاء ربك} استثناء من الخلود في النار لأن بعضهم وهم فساق الموحدين يخرجون منها وذلك كاف في صحة الاستثناء لأن زوال الحكم عن الكل يكفيه زواله عن البعض وهم المراد بالاستثناء الثاني فإنهم مفارقون عن الجنة أيام عذابهم فإن التأبيد من مبدأ معين ينتقض باعتبار الابتداء كما ينتقض باعتبار الانتهاء وهؤلاء وإن شقوا بعصيانهم فقد سعدوا بإيمانهم ولا يقال فعلى هذا لم يكن قوله فمنهم شقي وسعيد [هود:١٠٥] تقسيما صحيحا لأن من شرطه أن تكون صفة كل قسم منتفية عن قسيمه لأن ذلك الشرط حيث التقسيم لانفصال حقيقي أو مانع من الجمع وها هنا المراد أن أهل الموقف لا يخرجون عن القسمين وأن حالهم لا يخلو عن السعادة والشقاوة وذلك لا يمنع اجتماع الأمرين في شخص باعتبارين أو لأن أهل النار ينقلون منها إلى الزمهرير وغيره من العذاب أحيانا وكذلك أهل الجنة ينعمون بما هو أعلى من الجنة كالاتصال بجناب القدس والفوز برضوان اللّه ولقائه أو من أصل الحكم والمستثنى زمان توقفهم في الموقف للحساب لأن ظاهره يقتضي أن يكونوا في النار حين يأتي اليوم أو مدة لبثهم في الدنيا والبرزخ إن كان الحكم مطلقا غير مقيد باليوم وعلى هذا التأويل يحتمل أن يكون الاستثناء من الخلود على ما عرفت وقيل هو من قوله {لهم فيها زفير وشهيق} [هود: ١٠٦] وقيل إلا ها هنا بمعنى سوى كقولك على ألف إلا الألفان القديمان والمعنى سوى ما شاء ربك من الزيادة التي لا آخر لها على مدة بقاء لاسموات والأرض {إن ربك فعال لما يريد} من غير اعتراض ١٠٨ {وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ} غير مقطوع وهو تصريح بأن الثواب لا ينقطع وتنبيه على أن المراد من الاستثناء في الثواب ليس الانقطاع ولأجله فرق بين الثواب والعقاب بالتأبيد وقرأ حمزة والكسائي وحفص سعدوا على البناء للمفعول من سعده اللّه بمعنى أسعده و وعطاء نصب على مصدر المؤكد أي أعطوا عطاء أو الحال من الجنة ١٠٩ {فلا تك في مرية} شك بعد ما أنزل عليك من مآل أمر الناس {مما يعبد هؤلاء} من عبادة هؤلاء المشركين في أنها ضلال مؤد إلى مثل ما حل بمن قبلهم ممن قصصت عليك سوء عاقبة عبادتهم أو من حال ما يعبدونه في أنه ما يضر ولا ينفع {ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل} استئناف معناه تعليل عن النهي عن المرية أي هم وآباؤهم سواء في لاشرك أي ما يعبدون عبادة إلا كعبادة آبائهم أو ما يع بدون عبادة إلا كعبادة آبائهم أو ما يعبدون شيئا إلا مثل ما عبدوه من الأوثان وقد بلغك ما لحق آباءهم من ذلك فسيلحقهم مثله لأن التماثل في الأسباب يقتضي التماثل في المسببات ومعنى {كما يعبد} كما كان يعبد فحذف للدلالة من قبل عليه {وإنا لموفوهم نصيبهم} حظهم من العذاب كآبائهم أو من الرزق فيكون عذرا لتأخير العذاب عنهم مع قيام ما يوجبه {غير منقوص} حال من النصيب لتقييد التوفية فإنك تقول وفيته حقه وتريد به وفاء بعضه ولو مجازا ١١٠ {ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه} فآمن به قوم وكفر به قوم كما اختلف هؤلاء في القرأن {ولولا كلمة سبقت من ربك} يعني كلمة الإنظار إلى يوم القيامة {لقضي بينهم} بإنزال ما يستحقه لامبطل ليتميز به عن المحق وإنهم وإن كفار قومك {لفي شك منه} من القرأن {مريب} موقع في الريبة ١١١ {وإن كلا} وإن كل المختلفين المؤمنين منهم والكافرين والتنوين بدل من المضاف إليه وقرأ ابن كثير ونافع وأبو بكر بالتخفيف مع الإعمال اعتبارا للأصل {لما ليوفيهم ربك أعمالهم} اللام الأولى موطئة للقسم والثانية للتأكيد أو بالعكس وما مزيدة بينهما للفصل وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة لما بالتشديد على أن أصله لمن ما فقلبت النون ميما للادغام فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفت أولاهن والمعنى لمن الذين يوفينهم ربك جزاء أعمالهم وقرئ لما بالتنوين أي جميعا كقوله {أكلا لما} [الفجر: ١٩] {وإن كل لما} على أن إن نافية و ولما بمعنى إلا وقد قرئ به {إنه بما يعملون خبير} فلا يفوته شيء منه وإن خفي ١١٢ {فاستقم كما أمرت} لما بين أمر المختلفين في التوحيد والنبوة وأطنب في شرح الوعد والوعيد أمر رسوله صلى اللّه عليه وسلم بالاستقامة مثل ما أمر بها وهي شاملة للاستقامة في العقائد كالتوسط بين التشبيه والتعطيل بحيث يبقى العقل مصونا من الطرفين والأعمال من تبليغ الوحي وبيان الشرائع كما أنزل والقيام بوظائف العبادات من غير تفريط وإفراط مفوت للحقوق ونحوهما وهي في غاية العسر ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: شيبتني هود {ومن تاب معك} أي تاب من الشرك والكفر وآمن معك وهو عطف على المستكن في استقم وإن لم يؤكد بمنفصل لقيام الفاصل مقامه {ولا تطغوا} ولا تخرجوا عما حد لكم {إنه بما تعملون بصير} فهو مجازيكم عليه وهو في معنى التعليل للأمر والنهي وفي الآية دليل على وجوب اتباع النصوص من غير تصرف وانحراف بنحو قياس واستحسان ١١٣ {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا} ولا تميلوا إليهم أدنى ميل فإن الركون هو الميل اليسير كالتزيي بزيهم وتعظيم ذكرهم واستدامه {فتمسكم النار} بركونكم إليهم وإذا كان الركون إلى من وجد منه ما يسمى ظلما كذلك فما ظنك بالركون إلى الظالمين أي الموسومين بالظلم ثم بالميل إليهم كل الميل ثم بالظلم نفسه والانهماك فيه ولعل الآية أبلغ ما يتصور في النهي عن الظلم والتهديد عليه وخطاب الرسول صلى اللّه عليه وسلم ومن معه من المؤمنين بها للتثبيت على الاستقامة التي هي العدل فإن الزوال عنها بالميل غلى أحد طرفي إفراط وتفريط فإنه ظلم على نفسه أو غيره بل ظلم في نفسه وقر تركنوا فتمسكم بكسر التاء على لغة تميم و تركنوا على البناء للمفعول من أركنه {وما لكم من دون اللّه من أولياء} من أنصار يمنعون العذاب عنكم والواو للحال {ثم لا تنصرون} أي ثم لا ينصركم اللّه إذا سبق في حكمه أن يعذبكم ولا يبقي عليكم وثم لاستبعاد نصره إياهم وقد أوعدهم بالعذاب عليه وأوجبه لهم ويجوز أن يكون منزلا منزلة الفاء لمعنى الاستبعاد فإنه لما بين أن اللّه معذبهم وأن غيره لا يقدر على نصرهم أنتج ذلك أنهم لا ينصرون أصلا ١١٤ {وأقم الصلاة طرفي النهار} غدوة وعشية وانتصابه على الظرف لأنه مضاف إليه {وزلفا من الليل} وساعات منه قريبة من النهار فإنه من أزلفه إذا قربه وهو جمع زلفة وصلاة الغداة صلاة الصبح لأنها أقرب الصلاة من أول النهار وصلاة العشي صلاة العصر وقيل الظهر والعصر لأن ما بعد الزوال عشي وصلاة الزلف المغرب والعشاء وقرئ زلفا بضمتين وضمة وسكون كبسر وبسر في بسره و زلفى بمعنى زلفة كقرى وقربة {وإن الحسنات يذهبن السيئات} يكفرنها وفي الحديث إن الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكبائر وفي سبب النزول أن رجلا أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال إني قد أصبت من امرأة غير أني لم آتها فنزلت {ذلك} إشارة إلى قوله فاستقم وما بعده وقيل إلى القرأن {ذكرى للذاكرين} عظة للمتعظين ١١٥ {واصبر} على الطاعات وعن المعاصي {فإن اللّه لا يضيع أجر المحسنين} عدول عن الضمير ليكون كالبرهان على المقصود ودليلا على أن الصلاة والصبر إحسان وإيماء بأنه لا يعتد بهما دون الإخلاص ١١٦ {فلولا كان} فهلا كان {من القرون من قبلكم أولو بقية} من الرأي والعقل أو أولو فضل وإنما سمي بقية لأن الرجل يستبقي أفضل ما يخرجه ومنه يقال فلان من بقية القوم أي من خيارهم ويجوز أن يكون مصدرا كالتقية أي ذوو إبقاء على أنفسهم وصيانة لها من العذاب ويؤيده أنه قرئ بقية وهي المرة من مصدر بقاه يبقيه إذا راقبه {ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم} لكن قليلا منهم أنجيناهم لأنهم كانوا كذلك ولا يصح اتصاله إلا إذا جعل استثناء من النفي اللازم للتحضيض {واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه} ما أنعموا فيه من الشهوات واهتموا بتحصيل أسبابها وأعرضوا عما وراء ذلك {وكانوا مجرمين} كافرين كأنه أراد أن يبين ما كان السبب لاستئصال الأمم السالفة وهو فشو الظلم فيهم واتباعهم للّهوى وترك النهي عن المنكرات مع الكفر وقوله واتبع معطوف مضمر دل عليه الكلام إذ المعنى فلم ينهوا عن الفساد واتبع الذين ظلموا وكانوا مجرمين عطف على اتبع أو اعترض وقرئ و واتبع أي وأتبعوا جزاء ما أترفوا فتكون الواو للحال ويجوز أن تفسر به المشهورة ويعضده تقدم الإنجاء ١١٧ {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم} بشرك {وأهلها مصلحون} فيما بينهم لا يضمون إلى شركهم فسادا وتباغيا وذلك لفرط رحمته ومسامحته في حقوقه ومن ذلك قدم الفقهاء عند تزاحم حقوق العباد وقيل الملك يبقى مع الشرك ولا يبقى مع الظالم ١١٨ {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة} مسلمين كلهم وهو دليل ظاهر على أن الأمر غير الإرادة وأنه تعالى لم يرد الإيمان من كل أحد وأن ما أراده يجب وقوعه {ولا يزالون مختلفين} بعضهم على الحق وبعضهم على الباطل لا تكاد تجد اثنين يتفقان مطلقا ١١٩ {إلا من رحم ربك} إلا ناسا هداهم اللّه فضله فاتفقوا على ما هو اصول دين الحق والعمدة فيه {ولذلك خلقهم} إن كان الضمير ل الناس فلإشارة إلى الإختلاف واللام للعاقبة أو إليه وإلى الحرمة وإن كان لمن فإلى الرحمة {وتمت كلمة ربك} وعيد أو قوله للملائكة {لأملأن جهنم من الجنة والناس} أي من عصاتهما {أجمعين} أو منهما أ جمعين لا من أحدهما ١٢٠ {وكلا} ولك وكل نبأ {نقص عليك من أنباء الرسل} نخبرك به {ما نثبت به فؤادك} بيان لكلا أو بدل منه وفائدته التنبيه على المقصود من الأقتصاص وهو زيادة يقينه وطمأنينة قلبه وثبات نفسه على أداء الرسالة واحتمال أذى الكفار أو مفعول وكلا منصوب على المصدر بمعنى كل نوع من أنواع الإقتصاص نقص عليك ما نثبت به فؤادك من أنباء الرسل {وجاءك في هذه} الشورة أو الأنباء المقتصة عليك الحق ما هو حق {وموعظة وذكرى للمؤمنين} إشارة إلى سائر فوائده العامة ١٢١ {وقل للذين لا يؤمنون اعلموا علىمكانتكم} على حالكم {إنا عاملون} على حالنا ١٢٢ {وانتظروا} بنا الدوائر {إنا منتظرون} أن ينزل بكم نحو ما نزل على أمثالكم ١٢٣ {وللّه غيب السموات والأرض} خاصة لا يخفى عليه خافية مما فيهما {وإليه يرجع الأمر كله} فيرجع لا محالة أمرهم وأمرك إليه وقرأ نافع وحفص و يرجع على البناء للمفعول {فاعبده وتوكل عليه} فإنه كافيك وفي تقديم الأمر بالعباد على التوكل تنبيه على أنه إنما ينفع العابد {وما ربك بغافل عما تعلمون} أنت وهم فيجازي كلا ما يستحقه وقرأ نافع وابن عامر وحفص بالياء هنا وفي آخر النمل عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: من قرأ سورة هود أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بنوح ومن كذب به وهود وصالح وشعيب ولوط وإبراهيم وموسى وكان يوم القيامة من السعداء إن شاء اللّه تعالى |
﴿ ٠ ﴾