تفسير البيضاوي: أنوار التنزيل و أسرار التأويل أبو سعيد عبد اللّه بن عمر بن محمد بن علي

البيضاوي الشيرازي الفارسي، ناصر الدين، القاضي الشافعي (ت ٦٨٥ هـ ١٢٨٦ م)

_________________________________

سورة يوسف

سورة يوسف مكية وآيها مائة وإحدى عشرة آية بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{آلر تلك آيات الكتاب المبين} تلك إشارة إلى آيات السورة وهي المراد ب الكتاب أي تلك الآيات آيات السورة الظاهرة أمرها في الأعجاز أو الواضحة معانيها أو المبينة لمن تدبرها أنها من عند اللّه أو لليهود ما سألوا إذ روي أن علماءهم قالوا لكبراء المشركين سلوا محمدا لم أنتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر وعن قصة يوسف عليه السلام فنزلت

٢

{إنا أنزلناه} أي الكتاب {قرأنا عربيا} سمى البعض قرأنا لأنه في الأصل اسم جنس يقع على الكل والبعض وصار علما لكل بالغلبة ونصبه على الحال وهو في نفسه إما توطئه للحال التي هي عربيا أو حال لأنه مصدر بمعنى مفعول و عربيا صفة له أو حال ممن الضمير فيه أو حال بعد حال وفي كل ذلك خلاف

{لعلكم تعقلون} علة لإنزاله بهذه الصفة أي أنزلناه مجموعا أو مقرءا بلغتكم كي تفهموه وتحيطوا بمعانيه أو تستعلموا فيه عقولكم فتعلموا أن اقتصاصه كذلك ممن لم يتعلم القصص معجز لا يتصور إلى بالإيحاء

٣

{نحن نقص عليك أحسن القصص} أحسن الإقتصاص لأن اقتص على أبدع الأساليب أو أحسن ما يقص لاشتماله على العجائب والحكم والآيات والعبر فعل بمعنى مفعول كالنقص والسلب واشتقاقه من قص أثره إذا تبعه

{بما أوحينا إليك} أي بإيحائنا

{هَـٰذَا ٱلْقُرْءانُ} يعني السورة، ويجوز أن يجعل هذا مفعول نقص على أن {أحسن} نصب على المصدر

{وإن كنت من قبله لمن الغافلين} عن هذه القصة لم تخطر ببالك ولم تقرع سمعك قط وهو تعليل لكونه موحى وإن هي المخففة من الثقيل ة واللام هي الفارقة

٤

{إذ قال يوسف} بدل من أحسن القصص إن جعل مفعولا بدل الأشتمال أو منصوب بإضمار اذكر و يوسف عبري ولو كان عربيا لصرف وقرىء بفتح السين وكسرها على التلعب به لا على أنه مضارع بني للمفعول أو الفاعل من آسف لأن المشهورة شهدت بعجمته

{لأبيه} يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام وعنه عليه الصلاة السلام: الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم

{يا أبت} أصله يا أبي فعوض عن الياء التأنيث لتناسبهما في الزيادة ولذلك قلبها هاء في الوقف ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وكسرها لأنها عوض حرف يناسبها وفتحها ابن عامر في كل القرأن لأنها حركة أصلها أو لأنه كان يا أبتا فحذف الألف وبقي الفتحة وإنما جاز يا أبتا ولم يجز ا أبتي لأنه جمع بين العوض والمعوض وقرئ بالضم إجراء لها مجرى الأسماء المؤنثة بالتاء من غير اعتبار التعويض وإنما لم تسكن كأصلها لأنها حرف صحيح منزل منزلة الاسم فيجب تحريكها ككاف الخطاب

{إني رأيت} من الرؤيا لا من الرؤية لقوله لا تقصص رؤياك [يوسف:٥] ولقوله هذا تأويل رؤياي من قبل [يوسف:١٠٠]

{أحد عشر كوكبا والشمس والقمر} روي عن جابر رضي اللّه تعالى عنه أن يهوديا جاء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: أخبرني يا محمد عن النجوم التي رآهن يوسف فسكت فنزل جبريل عليه السلام فأخبره بذلك فقال: إذا أخبرتك هل تسلم قال: نعم قال: جريان والطارق والذيال وقابس وعمودان والفيلق والمصبح والضروح والفرغ ووثاب وذو الكتفين رآها يوسف والشمس والقمر نزلن من السماء وسجدن له فقال اليهودي: إي واللّه إنها لأسماؤها

{رأيتهم لي ساجدين} استئناف لبيان حالهم التي رآهم عليها فلا تكرير وإنما أجريت مجرى العقلاء لوصفها بصفاتهم

٥

{قال يا نبي} تصغير ابن صغره للشفقة أو الصغر السن لأنه كان ابن اثنتي عشرة سنة وقرأ حفص هنا وفي الصافات بفتح الياء

{لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا} فيحتالوا لإهلاكك حيلة فهم يعقوب عليه السلام من رؤياه أن اللّه يصطفيه لرسالته وفوقه على إخوته فخاف عليه حسدهم وبغيهم والرؤيا كالرؤية غير أنها مختصة بما يكو ن في النوم فرق بينهما بحر في التأنيث كالقربة والقربى وهي انطباع الصورة المنحدرة من أفق المتخيلة إلى الحس المشترك والصدقة منها إنما تكون باتصال النفس بالملكوت لما بينهما من ا لتناسب عند فراغها من تدبير البدن أدنى فراغ فتتصور بما فيها مما يليق بها من المعاني الحاصلة هناك ثم إن المتخيلة تحاكيه بصورة تناسبه فترسلها إلى الحس المشترك فصير مشاهدة ثم إن كانت شديدة المناسبة لذلك المعنى بحيث لا يكون التفاوت إلا بالكلية والجزئية استغنت الرؤيا عن التعبير وإلا احتاجت إليه وإنما عدي كاد باللام وهو متعد بنفسه لتضمنه معنى فعل يعدى به أكيدا ولذلك أكد بالمصدر وعله بقوله

{إن الشيطان للإنسان عدو مبين} ظاهر العداوة لما فعل بآدم عليه السلام وحواء فلا يألو جهدا في تسويلهم وإثارة الحسد فيهم حتى يحملهم على الكيد

٦

{وكذلك} أي وكما اجتباك لمثل لهذه الرؤيا الدالة على شرف وعز وكمال نفس

{يجتبيك ربك} للنبوة والملك أو لأمور عظام والاجتباء من جبيت الشيء إذا حصلته لنفسك

{ويعلمك} كلام مبتدأ خارج عن التشبيه كأنه قيل وهو يعلمك

{من تأويل الأحاديث} من تعبير الرؤيا لأنها أحاديث الملك إن كانت صادقة وأحاديث النفس أو الشيطان إن كانت كاذبة أو من تأويل غوامض كتب اللّه تعالى وسنن الأنبياء وكلمات الحكماء وهو اسم جمع للحديث كأباطيل اسم جمع للباطل

{ويتم نعمته عليك} بالنبوة أو بأن يصل نعمة الدنيا بنعمة الآخرة

{وعلى آل يعقوب} يريد به سائر بنيه ولعله استدل على نبوتهم بضوء الكواكب أو نسله

{كما أتمها على أبويك} بالرسالة وقيل على إبراهيم بالخلة والإنجاء من النار وعلى إسحاق بإنقاذه من الذبح وفدائه بذبح عظيم

{من قبل} أي من قبلك أو من قبل هذا الوقت

{إبراهيم وإسحاق} عطف بيان لأبويك

{إن ربك عليم} بمن يستحق الاجتباء

{حكيم} يفعل الأشياء على ما ينبغي

٧

{لقد كان في يوسف وإخوته} أي في قصتهم

{آيات} دلائل قدرة اللّه تعالى وحكمته أو علامات نبوتك وقرأ ابن كثير آية

{للسائلين} لمن سأل عن قصتهم والمراد بإخوته بنو علاته العشرة وهم يهوذا وروبيل وشمعون ولاوي وزبالون ويشخر ودينة من بنت خالته ليا تزوجها يعقوب أولا فلما توفيت تزوج أختها راحيل فولدت له بنيامين ويوسف وقيل جمع بينهما ولم يكن الجمع محرما حينئذ وأربعة آخرون دان ونفتالي وجاد وآشر من سريتين زلفة وبلهة

٨

{إذ قالوا ليوسف وأخوه} بيامين وتخصيصه بالإضافة لاختصاصه بالأخوة من الطرفين

{أحب إلى ابينا منا} وحده لأن أفعل من لا يفرق فيه بين الواحد وما فوقه والمذكر وما يقابله بخلاف أخويه فإن الفرق واجب في المحلى جائز في المضاف

{ونحن عصبة} والحال أنا جماعة أقوياء أحق بالمحبة من صغيرين لا كفاية فيهما والعصبة والعصابة العشرة فصاعدا سموا بذلك لأن الأمور تعصب بهم

{إن أبانا لفي ضلال مبين} لتفضيله المفضول أو لترك التعديل في المحبة روي أنه كان أحب إليه لما يرى فيه من المخايل وكان إخوته يحسدونه فلما رأى الرؤيا ضاعف له المحبة بحيث لم يصبر عنه فتبالغ حسدهم حتى حملهم على التعرض له

٩

{اقتلوا يوسف} من جملة المحكي بعد قوله إذ قالوا [يوسف:٨] كأنهم اتفقوا على ذلك الأمر إلا من قال لاتقتلوا يوسف وقيل إنما قاله شمعون أو دان ورضي به الآخرون

{أو اطرحوه أرضا} منكورة بعيدة من العمران وهو معنى تنكيرها وإبهامها ولذلك نصبت كالظروف المبهمة

{يخل لكم وجه أبيكم} جواب الأمر والمعنى يصف لكم وجه أبيكم فيقبل بكليته عليكم ولا يلتفت عنكم إلى غيركم ولا ينازعكم في محبته أحد

{وتكونوا} جزم بالعطف على يخل أو نصب بإضمار أن

{من بعده} من بعد يوسف أو الفراغ من أمره أو قتله أو طرحه

{قوما صالحين} تائبين إلى اللّه تعالى عما جنيتم أو صالحين مع أبيكم بصلح ما بينكم وبينه بعذر تمهدونه أو صالحين في أمر دنياكم فإنه ينتظم لكم بعده بخلو وجه أبيكم

١٠

{ قال قائل منهم} يعني يهوذا وكان أحسنهم فيه رأيا وقيل روبيل

{لا تقتلوا يوسف} فإن القتل عظيم

{وألقوه في غيابة الجب} في قعره سمي به لغيبوبته عن أعين الناظرين وقرأ نافع في غيابات في الموضعين على الجمع كأنه لتلك الجب غيابات وقرئ غيبة و غيابات بالتشديد

{يلتقطه} يأخذه {بعض السيارة} بعض الذين يسيرون في الأرض

{إن كنتم فاعلين} بمشورتي أو إن كنتم على أن تفعلوا ما يفرق بينه وبين أبيه

١١

{قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف} لم تخافنا عليه

{وإنا له لناصحون} ونحن نشفق عليه ونريد له الخير أرادوا به استنزاله عن رأيه في حفظه منهم لما تنسم من حسدهم والمشهور تأمنا بالادغام باشمام وعن نافع بترك الإشمام ومن الشواذ ترك الإدغام لأنهما من كلمتين وتيمنا بكسر التاء

١٢

{أرسله معنا غدا} إلى الصحراء

{يرتع} نتسع في أكل الفواكه ونحوهما من الرتعة وهي الخصب

{ويلعب} بالاستباق والانتضال وقرأ ابن كثير نرتع بكسر العين على أنه من ارتعى يرتعي ونافع بالكسر والياء فيه وفي يلعب وقرأ الكوفيون ويعقوب بالياء والسكون على إسناد الفعل إلى يوسف وقرئ يرتع من أرتع ماشيته و يرتع بكسر العين و يلعب بالرفع على الابتداء

{وإنا له لحافظون} من أن يناله مكروه

١٣

{قال إني ليحزنني أن تذهبوا به} لشدة مفارقته علي وقلة صبري عنه

{وأخاف أن يأكله الذئب} لأن الأرض كانت مذابة وقيل رأى في المنام أن الذئب قد شد على يوسف وكان يحذره عليه وقد همزها على الأصل ابن كثير ونافع في رواية قالون وفي رواية اليزيدي وأبو عمرو وقفا وعاصم وابن عامر وحمزة درجا واشتقاقه من تذاءبت الريح إذا هبت من كل جهة

{وأنتم عنه غافلون} لاشتغالكم بالرتع واللعب أو لقلة اهتمامكم بحفظه

١٤

{قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة} اللام موطئه للقسم وجوابه

{إنا إذا لخاسرون} ضعفاء مغبونون أو مستحقون لأن يدعى عليهم بالخسار والواو في ونحن عصبة للحال

١٥

{فلما ذهبوا به واجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب} وعزموا على إلقائه فيها والبئر بئر المقدس أو بئر بأرض الأردن أو بين مصر و مدين أو على ثلاثة فراسخ من مقام يعقوب وجواب لما محذوف مثل فعلوا به ما فعلوا من الأذى فقد روي أنهم لما بروزا به إلى الصحراء أخذوا يؤذونه ويضربونه حتى كادوا يقتلونه فجعل يصيح ويستغيث فقال يهوذا أما عاهدتموني أن لا تقتلوه فأتوا به إلى البئر فدلوه فيها فتعلق بشفيرها فربطوا يديه ونزعوا قميصه ليلطخوه بالدم ويحتالوا به إلى أبيهم فقال يا إخوتاه ردوا علي قميصي أتوارى به فقالوا ادع الأحد عشر كوكبا والشمس والقمر يلبسوك ويؤنسوك فلما بلغ نصفها ألقوه وكان فيها ماء فسقط فيه ثم أوى إلى صخرة كانت فيها فقام عليها يبكي فجاءه جبريل بالوحي كما قال

{وأوحينا إليه} وكان ابن سبع عشرة سنة وقيل كان مراهقا أوحي إليه في صغره كما أوحي إلى يحيى وعيسى عليهم الصلاة والسلام وفي القصص أن إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار جرد عن ثيابه فأتاه جبريل عليه السلام بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه فدفعه إبراهيم إلى إسحاق وإسحاق إلى يعقوب فجعله في تميمة علقها بيوسف فأخرجه جبريل عليه السلام وألبسه إياه

{لتنبئنهم بأمرهم هذا} لتحدثنهم بما فعلوا بك

{وهم لا يشعرون} إنك يوسف لعلو شأنك وبعده عن أوهامهم وطول العهد المغير لحلى والهيئات وذلك إشارة إلى ما قال لهم بمصر حيين دخلوا عليه ممتارين

{فعرفهم وهم له منكرون} بشره بما يؤول إليه أمره إيناسا له وتطييبا لقلبه وقيل

{وهم لا يشعرون} متصل ب أوحينا أي آنسناه بالوحي وهم لا يشعرون ذلك

١٦

{وجاؤوا أباهم عشاء} أي آخر النهار وقرىء عشيا وهو تصغير عشي وعشي بالضم والقصر جمع أي عشوا من البكاء

{يبكون} متباكين روي أنه لما سمع بكاءهم فزع وقال مالكم يا بني واين يوسف

١٧

{قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق} نتسابق في العدو أو في الرمي وقد يشترك الإفتعال والتفاعل كالإنتضال والتناضل

{وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا} بمصدق لنا

{ولو كنا صادقين} لسوء ظنك بنا وفرط محبتك ليوسف

١٨

{وجاؤوا على قميصه بدم كذب} أي ذي كذب بمعنى مكذوب فيه ويجوز أن يكون وصفا بالمصدر للمبالغة وقرىء بالنصب على الحال من الواو أي جاؤوا كاذبين و كدب بالدال غير المعجمة أيكدر أو طري وقيل أصله البياض الخارج على أظفار الأحداث فشبه به الدم اللاصق على القميص وعلى قميصه في موضع النصب على الظرف أي فوق قميصه أو على الحال من الدم إن جوز تقديمها على المجرور

روي أنه لما سمع بخبر يوسف صاح وسأل عن قميصه فأخذه وألقاه على و جهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص وقال ما رأيت كاليوم ذئبا أحلم من هذا أكل أبني ولم يمزق عليه قميصه ولذلك

{قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا} أي سهلت لكم أنفسكم وهونت في أعينكم أمرا عظيما من السول وهو الاسترخاء

{فصبر جميل} أي فأمري صبر جميل أو فصبر جميل أجمل و في الحديث الصبر الجميل الذي لا شكوى فيه إلى الخلق

{واللّه المستعان على ما تصفون} على احتمال ما تصفونه من إهلاك يوسف وهذه الجريمة كانت قبل استنبائهم إن صح

١٩

{وجاءت سيارة} رفقة يسيرون من مدين إلى مصر فنزلوا قريبا من الجب وكان ذلك بعد ثلاث من إلقائه فيه

{فأرسلوا واردهم} الذي يرد الماء ويستقي لهم وكان مالك بن ذعر الخزاعي

{فأدلى دلوه} فأرسلها في الجب ليملأها فتدلى بها يوسف فلما رآه

{قال يا بشرى هذا غلام} نادى البشرى بشارة لنفسه أو لقومه كأنه قال تعال فهذا أوانك وقيل هو اسم لصاحب له ناداه ليعينه على إخراجه وقرأ غير الكوفيين يا بشراي بالإضافة وأمال فتحة الراء حمزة والكسائي وقرأ ورش بين اللفظين وقرئ {يا بشرى} بالإدغام وهو له بشراي بالسكون على قصد الوقف وأسروه أي الوارد وأصحابه من سائر الرفقة وقيل اخفوا أمره وقال لهم دفعه إلينا أهل الماء لنبيعه لهم بمصر وقيل الضمير لإخوة يوسف وذلك أن يهوذا كان يأتيه كل يوم بالطعام فأتاه يومئذ فلم يجده فيها فأخبر اخوته فأتوا الرفقة وقالوا هذا غلامنا ابق منا فاشتوه فسكت يوسف مخافة أن يقتلوه بضاعة نصب على الحال أي أخفوه متاعا للتجارة واشتقاقه من البضع فإنه ما بضع من المال للتجارة

{واللّه عليم بما يعملون} لم يخف عليه أسرارهم أو صنيع إخوة يوسف بأبيهم وأخيهم

٢٠

{ وشروه} وباعوه وفي مرجع الضمير الوجهان أو اشتروه من اخوته

{بثمن بخس} مبخوس لزيفه أو نقصانه

{دارهم} بدل من الثمن

{معدودة} قليلة فإنهم يزنون ما بلغ الأوقية ويعدمون ما دونها قيل كان عشرين درهما وقيل كان اثنين وعشرين درهما

{وكانوا فيه} في يوسف

{من الزاهدين} الراغبين عنه والضمير في وكانوا إن كان للإخوة فظاهر وإن كان للرفقة بائعين فزهدهم فيه لأنهم التقطوه والملتقط للشيء متهاون به خائف من انتزاعه مستعجل في بيعه وإن كانوا مبتاعين فلأنهم اعتقدوا أنه آبق وفيه متعلق بالزاهدين إن جعل اللام للتعريف وإن جعل بمعنى الذي فهو متعلق بمحذوف بينه الزاهدين لأن متعلق الصلة لا يتقدم على الموصول

٢١

{وقال الذي اشتراه من مصر} وهو العزيز الذي كان على خزائن مصر واسمه قطفير أو إطفير وكان الملك يومئذ ريان بن الوليد العمليقي وقد آمن بيوسف عليه السلام ومات في حياته وقيل كان فرعون موسى عاش أربعمائة سنة بدليل قوله تعالى

{ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات} والمشهور أنه من أولاد فرعون يوسف والآية من قبيل خطاب الأولاد بأحوال الآباء روي أنه اشتراه العزيز وهو ابن سبع عشرة سنة ولبث في منزلة ثلاث عشرة سنة واستوزره الريان وهو ابن ثلاث وثلاثين وسنة وتوفي وهو ابن مائة وعشرين سنة واختلف فيما اشتراه به من جعل شراءه به غير الأول فقيل عشرون دينارا وزوجا نعل وثوبان أبيضان وقيل ملؤه فضة وقيل ذهبا

{لامرأته} راعيل أو زليخا {أكرمي مثواه} اجعلي مقامه عندنا كريما أي حسنا والمعنى أحسني تعهده

{عسى أن ينفعنا} في ضياعنا وأموالنا نستظهر به في مصالحنا

{أو نتخذه ولدا} نتبناه وكان عقيما لما تفرس فيه من الرشد ولذلك قيل أفرس الناس ثلاثة عزيز مصر وابنه شعيب التي قالت

{يا أبت أستأجره} وأبو بكر حين استخلف عمر رضي اللّه تعالى عنهما

{وكذلك مكنا ليوسف في الأرض} وكما مكنا محبته في قلب العزيز أو كما مكناه في منزله أو كما أنجيناه وعطفنا عليه العزيز مكنا له ففيها

{ولنعلمه من تأويل الأحاديث} عطف على مضمر تقديره ليتصرف فيها بالعدل ولنعلمه أي كان القصد في إنجائه وتمكينه إلى أن يقيم العدل ويدبر أمور الناس ويعلم معاني كتب اللّه تعالى وأحكامه فينفذها أو تعبير المنامات المنبهة على الحوادث الكائنة ليستعد لها ويشتغل بتدبيرها قبل أن تحل كما فعل لسنيه

{واللّه غالب على أمره} لا يرده شيء ولا ينازعه فيما يشاء أو على أمر يوسف إن أراد به إخوته شيئا وأراد اللّه غيره فلم يمكن إلا ما أراده

{ولكن أكثر الناس لا يعلمون} أن الأمر كله بيده أو لطائف صنعه وخفايا لطفه

٢٢

{ولما بلغ أشده} منتهى اشتداد جسمه وقوته وهو سن الوقوف ما بين الثلاثين والأربعين وقيل سن الشباب ومبدؤه بلوغ الحلم

{آتيناه حكما} حكمة وهو العلم المؤيد بالعمل أو حكما بين الناس

{وعلما} يعني علم تأويل الأحاديث

{وكذلك تجري المحسنين} تنبيه على أنه تعالى آتاه ذلك جزاء على إحسانه في عمله واتقانه في عنفوان أمره

٢٣

 {وراودته التي هو في بيتها عن نفسه} طلبت منه وتمحلت أن يواقعها من راد يرود إذا جاء وذهب لطلب شيء ومنه الرائد

{وغلقت الأبواب} قيل كانت سبعة والتشديد للتكثير أو للمباغة في الإيثاق

{وقالت هيت لك} أي أقبل وبادر أو تهيأت والكلمة على الوجهين اسم فعل بني على الفتح كأين واللام للتبيين كالتي في سقيا لك وقرأ ابن كثير بالضم وفتح الهاء تشبيها له بحيث ونافع وابن عامر بالفتح وكسر الهاء كعيط وقرأ هشام كذلك إلا أنه يهمز وقد روي عنه ضم التاء وهو لغة فيه وقرئ هيت كجير و هئت كجئت من هاء يهيء إذا تهيأ وقرئ هيئت وعلى هذا فاللام من صلته

{قال معاذ اللّه} أعوذ باللّه معاذا إنه إن الشأن

{ربي أحسن مثواي} سيدي قطفير أحسن تعهدي إذ قال لك في

{أكرمي مثواه} فما جزاؤه أن أخونه في أهله وقيل الضمير للّه تعالى أي إنه خالقي أحسن منزلتي بأن عطف على قلبه فلا أعصيه

{إنه لا يفلح الظالمون} المجازون الحسن بالسيء وقيل الزناة فإن الزنا ظلم على الزاني المزني بأهله

٢٤

{ولقد همت به وهم بها} وقصدت مخالطته وقصد مخالطتها والهم بالشيء قصده والعزم لعيه ومنه الهمام وهو الذي إذا هم بالشيء أمضاه والمراد بهمه عليه الصلاة والسلام ميل الطبع ومنازعة الشهوة لا القصد الإختياري وذلك مما لا يدخل تحت التكليف بل الحقيق بالمدح والأجر الجزيل من اللّه من يكف نفسه عن الفعل عند قيام هذا الهم أو مشارفة الهم كقولك قتلته لو لم أخف اللّه

{لولا أن رأى برهان ربه} في قبح الزنا وسوء مغبته لخالطها لشبق الغلمة وكثرة المغالبة ولا يجوز أن يجعل

{وهم بها} جواب لولا فإنها في حكم أدوات الشرط فلا يتقدم عليها دوابها بل الجواب محذوف يدل عليه وقيل رأى جبريل عليه الصلاة والسلام وقيل تمثل له يعقوب عاضا على أنامله وقيل قطفير وقيل نودي يا يوسف أنت مكتوب في الأنبياء وتعمل عمل السفهاء

{كذلك} أي مثل ذلك التثبيت ثبتناه أو المر مثل ذلك

{لنصرف عنه السوء} خيانة السيد {والفحشاء} الزنا

{إنه من عبادنا المخلصين} اللذين أخلصهم اللّه لطاعته وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب بالكسر في كل القرأن إذا كان في أوله الألف واللام أي الذين أخلصوا دينهم للّه

٢٥

{وأسبقا الباب} أي تسابقا غلى الباب فحذف الجار أو ضمن الفعل معنى الإبتدار وذلك أن يوسف فر منها ليخرج وأسرعت وراءه لتمنعه الخروج

{وقدت قميصه من دبر} اجتذبته من ورائه فانقذ قميصه والقد الشق طولا والقط الشق عرضا وأفيا سيدها وصادفا زوجها

{لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم} إسهاما بأنها فرت منه تبرئة لساحتها عد زوجها وتغييره على يوسف وإغراءه به انتقاما منه و ما نافيه أو استفهامية بمعنى أي شيء جزاءه إلا السجن

٢٦

{قال هي راودتني عن نفسي} طالبتني بلمؤاتاة وإنما قال ذلك دفعا لما عرضته له من السجن أو العذاب الأليم ولو لم تكذب عليه لما قاله

{وشهد شاهد من أهلها} قيل ابن عم لها وقيل ابن خال لها صبيا في المهد و عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: تكلم أربعة صغارا: ابن ماشطة فرعون وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى أبن مريم عليه الصلاة والسلام وإنما ألقى اللّه الشهادة على لسان أهلها لتكون ألزم عليها

{إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين} لأنه يدل على أنها قدت قميصه من تقدامه بالدفع عن نفسها أو أنه أسرع خلفها فتعثر بذيله فانقذ جيبه

٢٧

{وإن كان قميصه قد دبر فكذبت وهو من الصادقين} لأنه يدل على أنه تعبته فاجتذبت ثوبه فقدته والشرطية محكية على إرادة القول أو على أن فعل الشهادة من القول وتسميتها لأنها أت مؤادها والجمع بين إن وكان على تأويل أن يعلم أنه كان ونحوه ونظيره قولك إن أحسنت إلى اليوم فقد أحسنت إليك من قبل فإن معناه أن تمنن علي بإحسانك أمنن عليك بإحساني لك السابق وقرىء {من قبل} و ومن دبر بالضم لأنهما قطعا عن الإضافة كقبل وبعد وبالفتح كأنهما جعلا علمين للجهتين فمنعا الصرف وبسكون العين

٢٨

{فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه} إن قولك

{ماجزاء من أراد} بأهلك سوءا إن السوء أو إن هذا الأمر

{من كيدكن} من حيلتكن والخطاب لها ولأمثالها أو لسائر النساء

{إن كيدكن عظيم} فإن كيد السناء ألطف وأعلق بالقلب واشد تأثيرا في النفس ولأنهن يواجهن به الرحال والشيطان يوسوس به مارقة

٢٩

{يوسف} حذف منه حرف النداء لقربه وتفطنه للحديث

{أعرض عن هذا} أكتمه ولا تذكره

{واستغفري لذنبك} يا راعيل

{إنك كنت من الخاطئين} من القوم المذنبين من خطى إذا أذنب متعمدا والتذكير للتغليب

٣٠

{وقال نسوة} هي اسم لجمع امرأة وتأنيثه بهذا الإعتبار غير حقيقي ولذلك جرد فعله وضم النون لغة فيها

{في المدينة} ظرف لقال أي أشعن الحاكية فيمصر أو صفة نسوة وكن خمسا زوجة الحاجب والساقي والخباز والسجان وصاحب الدواب

{امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه} تطلب مواقعة غلامها إياها و العزيز بلسان العرب الملك وأصل فتى فتي لقولهم فتيان والفتوة شاذة

{قد شغفها حبا} شق شغاف قلبها وهو حجابه حتى وصل إلى فؤادها حبا ونصبه على التمييز لصرف الفعل عنه وقرىء شعفها من شعف البعير إذا هنأه بالقطران فأحرقه

{إنا لنراها في ضلال مبين} في ضلال عن الرشد وبعد عن الصواب

٣١

{فلما سمعت بمكرهن} باغتيابهن وإنما سماه مكرا لأنهن أخفينه كما يخفي الماكر مكره أو قلن ذلك لتريهن يوسف أو لأنها استكتمتهن سرها فأفشينه عليها

{أرسلت إليهن} تدعوهن قيل دعت أربعين امرأة فيهن الخمس المذكورات

{وأعتدت لهن متكأ} ما يتكن عليه من الوسائد

{وآتت كل واحدة منهن سكينا} حتى يتكئن والسكاكين

بأيدهن فإذا خرج عليهن يبهتن ويشغلن عن نفوسهن فتقع أيديهن على أيدهن فيقطعنها فيبكتن بالحجة أو يهاب يوسف مكرها إذا خرج وحده على أربعين امرأة في ايديهن الخناجر وقيل متكأ طعاما أو مجلس طعام فإنهم كانوا يتكئون للطعام والشراب ترفا ولذلك نهى عنه جميل

فظللنا بنعمة واتكأنا وشربنا الحلال منن قللة

وقيل المتكأ طعام يحز حزا كأن القاطع يتكىء عليه بالسكين وقرىء متكا بحذف الهمزة متكاء بإشباع الفتحة كمنتزاح و متكا وهو الأترج أو ما يقطع من متك الشيء إذا بتكه و متكأ من تكىء يتكأ إذا اتكأ

{وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه} عظمنه وهبن حسنه الفائق و عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: ورأيت يوسف ليلة المعراج كالقمر ليلة البدر

وقيل كان يرى تلألؤ وجهه على الجدران وقيل أكبرن بمعنى حضن من أكبرت المرأة إذا حاضت لأنها تدخل الكبر بالحيض والهاء ضمير للمصدر أو ليوسف عليه الصلاة والسلام على حذف اللام أي حضن له من شدة الشبق كما قال المتنبي خف اللّه واستر ذا الجمال ببرقع فإن لحت حاضت في الخدور العوائق

{وقطعن أيديهن} جرحنها بالسكاكين من فرط الدهشة

{وقلن حاش للّه} تنزيها له من صفات العجز وتعجبا من قدرته على خلق مثله وأصله حاشا كما قرأ أبو عمرو في الدرج فحذفت ألف الأخيرة تخفيفا وهو حرف يفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء فوضع الاستثناء فوضع موضع التنزيه واللام للبيان كما في قولك سقيا لك وقرئ حاشا اللّه بغير لام بمعنى براءة اللّه وحاشا للّه بالتنوين على تنزيله منزلة المصدر وقيل حاشا فاعل من الحشا الذي هو الناحية وفاعله ضمير يوسف أي صار في ناحية للّه مما يتوهم فيه

{ما هذا بشرا} لأن الجمال غير معهود للبشر وهو على لغة الحجاز في إعمال ما عمل ليس لمشاركتها في نفي الحال وقرئ بشر بالرفع على لغة تميم وبشرى أي بعبد مشترى لئيم

{إن هذا إلا ملك كريم} فإن الجمع بين الجمال الرائق والكمال الفائق والعصمة البالغة من خواص الملائكة أو لأن جماله فوق البشر ولا يفوقه فيه إلا الملك

٣٢

{قالت فذلكن} لمتنني فيه أي فهو ذلك العبد الكنعاني الذي لمتنني في الافتنان به قبل أن تتصورنه حق تصوره ولو تصورتنه بما عاينتن لعذرتنني أو فهذا

{الذي لمتنني فيه} فوضع ذلك موضع هذا رفعا لمنزلة المشار إليه

{ولقد راودته عن نفسه فاستعصم} فامتنع طلبا للعصمة أقرت لهن حين عرفت أنهن يعذرنها كي يعاونها على إلانه عريكته

{ولئن لم يفعل ما آمره} أي ما آمر به فحذف الجار أو أمري إياه بمعنى موجب أمري فيكون الضمير ليوسف

{ليسجنن وليكونا من الصاغرين} من الاذلاء وهو من صغر بالكسر يصغر صغرا وصغارا والصغير من صغر بالضم صغرا وقرئ ليكونن وهو يخالف خط المصحف لأن النون كتبت فيه بالألف ك نسفعا على حكم الوقف وذلك في الخفيفة لشبهها بالتنوين

٣٣

{قال رب السجن} وقرأ يعقوب بالفتح على المصدر

{أحب إلي مما يدعونني إليه} أي أثر عندي من مؤاناتها نظرا إلى العاقبة وإن كان هذا مما تشتهيه النفس وذلك مما تكرهه وإسناد الدعوة إليهن جميعا لأنهن خوفنه من مخالفتها وزين لها مطاوعتها أو دعونه إلى أنفسهن وقيل إنما ابتلي بالسجن لقوله هذا وإنما كان الأولى به أن يسأل اللّه العافية ولذلك رد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على من كان يسأل الصبر

{وإلا تصرف عني} وإن لم تصرف عني

{كيدهن} في تحبيب ذلك إلي وتحسينه عندي بالتثبيت على العصمة

{أصب إليهن} أمل إلى جانبهن أو إلى أنفسهن بطبعي ومقتضى شهوتي والصبوة الميل إلى الهوى ومنه الصبا لأن النفوس تستطيبها وتميل إليها وقرئ أصب من الصبابة وهي الشوق

{وأكن من الجاهلين} من السفهاء بارتكاب ما يدعونني إليه فإن الحكيم لا يفعل القبيح أو من الذين لا يعملون بما يعلمون فإنهم والجهال سواء

٣٤

{فاستجاب له ربه} فأجاب اللّه دعاءه الذي تضمنه قوله وإلا تصرف

{فصرف عنه كيدهن} فثبته بالعصمة حتى وطن نفسه على مشقة السجن وآثرها على اللذة المتضمنة للعصيان

{إنه هو السميع} لدعاء الملتجئين إليه

{العليم} بأحوالهم وما يصلحهم

٣٥

{ ثم بدأ لهم من بعد ما رأوا لآيات} ثم ظهر للعزيز وأهله من بعد ما رأوا الشواهد الدالة على براءة يوسف كشهادة الصبي وقد القميص وقطع النساء أيديهن واستعصامه عنهن وفاعل بدا مضمر يفسره

{ليسبحنه حتى حين} وذلك لأنها خدعت زوجها وحملته على سجنه سبع سنين وقرئ بالتاء على أن بعضهم خاطب به العزيز على التعظيم أو العزيز ومن يليه وعتى بلغة هذيل

٣٦

{ودخل معه السجن فتيان} أي أدخل يوسف السجن واتفق أنه أدخل حينئذ أخران من عبيد الملك شرابيه وخبازه للاتهام بأنهما يريدان أن يسماه

{قال أحدهما} يعني الشرابي

{إني أراني} أي في المنام وهي حكاية حال ماضية

{أعصر} خمرا أي عنبا وسماه خمرا باعتبار ما يؤول إليه

{وقال الآخر} أي الخباز

{إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه} تنهش منه

{نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين} من الذين يحسنون تأويل الرؤيا أو من العالمي وإنما قالا ذلك لأنهما رأياه في السجن يذكر الناس ويعبر رؤياهم أو من المحسنين إلى أهل السجن فأحسن إلينا بتأويل ما رأينا إن كنت تعرفه

٣٧

 {قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله } بتأويله أي بتأويل ما قصصتما علي أو بتأويل الطعام يعني بيان ماهيته وكيفيته فإنه يشبه تفسير المشكل كأنه أراد أن يدعوهما إلى التوحيد ويرشدهما إلى الطريق القويم قبل أن يسعف إلى ما سألاه منه كما هو طريقة الأنبياء والنازلين منازلهم من العلماء في الهداية والإرشاد فقدم ما يكون معجزة له من الأخبار بالغيب ليدلهما على صدقه في الدعوة والتعبير

{قبل أن يأتيكما ذلكما} أي ذلك التأويل

{مما علمني ربي} بالإلهام والوحي وليس من قبيل التكهن أو التنجيم.

{إِنّى تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِٱللّه وَهُمْ بِٱلاْخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} تعليل لما قبله أي علمني ذلك لأني تركت ملة أولئك.

٣٨

{واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب} أو كلام مبتدأ لتمهيد الدعوة وإظهار أنه من بيت النبوة لتقوى رغبتهما في الاستماع إليه والوثوق عليه ولذلك جوز للخامل أن يصف نفسه حتى يعرف فيقتبس منه وتكرير الضمير للدلالة على اختصاصهم وتأكيد كفرهم بالآخرة

{ما كان لنا} ما صح لنا معشر الأنبياء

{أن نشرك باللّه من شيء} أي شيء كان ذلك أي التوحيد

{من فضل اللّه علينا} بالوحي

{وعلى الناس} وعلى سائر الناس يبعثنا لإرشادهم وتثبيتهم عليه

{ولكن أكثر الناس} المبعوث إليهم

{لا يشكرون} هذا الفضل فيعرضون عنه ولا ينتبهون أو من فضل اللّه علينا وعليهم بنصب الدلائل وإنزال الآيات ولكن أكثرهم لا ينظرون إليها ولا يستدلون بها فيلغوها كمن يكفر النعمة ولا يشكرها

٣٩

 {يا صاحبي السجن} أي يا ساكنيه أو يا صاحبي فيه فأضافهما إليه على الاتساع كقوله

يا سارق الليلة أهل الدار

{أارباب متفرقون} شتى متعددة متساوية الأقدام

{خير أم اللّه الواحد} المتوحد بالألوهية

{القهار} الغالب الذي لا يعادله ولا يقاومه غيره

٤٠

{ ما تعبدون من دونه} خطاب لهما ولمن على دينهما من أهل مصر

{إلا أسماءسميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل اللّه بها من سلطان} أي إلا الأشياء باعتبار أسام أطلقتم عليها من غير حجة تدل على تحقق مسمياتها فيها فكأنكم لا تعبدون إلا الأسماء المجردة والمعنى أنكم سميتم ما لم يدل على استحقاقه الألوهية عقل ولا نقل آلهة ثم أخذتم تعبدنوها باعتبار ما تطلقون عليها

{إن الحكم} ما الحكم في أمر العبادة

{إلا للّه} لأنه المستحق لها بالذات من حيث إنه الواجب لذاته الموجد للكل والمالك لأمره

{أمر} على لسان أنبيائه

{ألا تعبدوا إلا إياه} الذي دلت عليه الحجج

{ذلك الدين القيم} الحق وأنتم لا تميزون المعوج عن القويم وهذا من التدرج في الدعوة وإلزام الحجة بين لهم أولا رجحان التوحيد على اتخاذ الآلهة على طريق الخطابة ثم برهن على أن ما يسمونها آلهة ويعبدونها لا تستحق الالهية فإن استحقاق العبادة إما بالذات وإما بالغير وكلا القسمين منتف عنها ثم نص على ما هو الحق القويم والدين المستقيم الذي لا يقتضي العقل غيره ولا يرتضي العلم دونه

{ولكن أكثر الناس لا يعلمون} فيخبطون في جهالاتهم

٤١

{ يا صاحبي السجن أما أحدكما} يعني الشرابي

{فيسقي ربه خمرا} كما كان يسقيه قبل ويعود إلى ما كان عليه

{وأما الآخر} يريد به الخباز

{فيصلب فتأكل الطير من رأسه} فقالا كذبنا فقال

{قضي الأمر الذي تستفتيان} أي قطع الأمر الذي تستفتيان فيه وهو ما يؤول إليه أمركما ولذلك وحده فإنهما وإن استفتيا في أمرين لكنهما أرادا استبانة عاقبة ما نزل بهما

٤٢

{وقال للذي ظن أنه ناج منهما} الظان يوسف إن ذكر ذلك عن اجتهاد وإن ذكره عن وحي فهو الناجي إلا أن يؤول الظن باليقين

{اذكرني عند ربك} اذكر حالي عند الملك كي يخلصني

{فأنساه الشيطان ذكر ربه} فأنسى الشرابي أن يذكره لربه فأضاف إليه المصدر لملابسته له أو على تقدير ذكر أخبار ربه أو أنسي يوسف ذكر اللّه حتى استعان بغيره ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام: رحم اللّه أخي يوسف لو لم يقل

{اذكرني عند ربك} لما لبث في السجن سبعا بعد الخمس والاستعانة بالعباد في كشف الشدائد وإن كانت محمودة في الجملة لكنها لا تليق بمنصب الأنبياء وهو القطع المصدر لملابسته له أو على تقدير ذكر أخبار أو أنسي يوسف ذكر اللّه حتى استعان بغيره ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام: رحم اللّه أخي يوسف لو لم يقل اذكرني عند ربك لما لبث في السجن سبعا بعد الخمس والاستعانة بالعباد في ككشف الشدائد وإن كانت محمودة في الجملة لكنها لا تليق بمنصب الأنبياء

{فلبث في السجن بضع سنين} البضع ما بين الثلاث إلى التسع من البضع وهو القطع

٤٣

{وقال الملك إني أرى سبع بقرأت سمان يأكلهن سبع عجاف} لما دنا فرجه رأى الملك سبع بقرأت سمان خرجن من نهر يابس وسبع بقرأت مهازيل فابتلعت المهازيل السمان

{وسبع سبلات خضر} قد انعقد حبها

{وأخر يابسات} وسبعا آخر يابسات قد أدركت فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبت عليها وإنما استغنى عن بيان حالها بم قص من حال البقرأت وأجرى السمان على المميز دون المميز لأن التمييز بها ووصف السبع الثاني بالعجاف لتعذر التمييز بها مجردأ عن الموصوف فإنه لبيان الجنس وقياسه عجف لأنه جمع عجفا عجفاء لكنه حمل على سمان لأنه نقيضه

{يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي} عبروها

{إن كنتم للرؤيا تعبرون} إن كنتم عالمين بعبارة الرؤيا وهي الإنتقال من الصور الخيالية إلى المعاني النفسانية التي هي مثالها من العبور وهي المجاوزة وعبرت الرؤيا عبارة أثبت من عبرتها تعبيرا واللام للبيان أو لتقوية العامل فإن الفعل لما أخر عن مفعول ضعف فقوي باللام كاسم الفاعل أو لتضمن تعبرون معنى فعل يعدى باللام كأنه قيل إن كنتم تنتدبون لعبارة الرؤيا

٤٤

{قالوا أضغاث أحلام} أي هذه أضغاث أحلام وهي تخاليطها جمع ضغث واصله ما جمع من أخلاط النبات وحزم فاستعير للرؤيا الكاذبة وإنما جمعوا للمبالغة في وصف الحلم بالبطلان كقولهم فلان يركب الخيل أو لتضمنه أشياء مختلفة

{وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين} يريدون بالأحلام المنامات الباطلة خاصة أي ليس لا تأويل عندنا وإنما التأويل للمنامات الصادقة فهو كنه مقدمة للعذر في جهلهم بتأويله

٤٥

{وقال الذي نجا منهما} من صاحبي السجن وهو الشرابي

{واذكر بعد أمة} وتذكر يوسف بعد جماعة من الزمان مجتمعة أي مدة طويلة وقرىء أمة بكسر الهمزة وهي النعمة أي بعدما أنعم عليه بالنجاة وأمه أي نسيان يقال أمه يأمه أمها إذا نسي والجملة اعتراض ومقول القول

{أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون} أي إلى من عنده علمه أو إلى السجن

٤٦

{يوسف أيها الصديق} أي فأرسل إلى يوسف فجاءه فقال يا يوسف وإنما وصفه بالصديق وهو المبالغ في الصدق لأنه جرب أحواله وعرف صدقه في تأويل رؤياه ورؤيا صاحبه

{أفتنا في سبع بقرأت سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات} أي في رؤيا ذلك

{لعلي ارجع إلى الناس} أعود إلى الملك ومن عنده أو إلى أهل البلد إذ قيل إن السجن لم يكن فيه

{لعلهم يعلمون} تأويلها أو فضلك ومكانك وإنما لم يبت الكلام فيهما لأنه لم يكن جازما بالرجوع فربما اخترم دونه ولا يعلمهم

٤٧

 {قال تزرعون سبع سنين دأبا} أي على الحال بمعنى دائبين أو المصدر بإضمار فعله أي تدأبون دأبا وتكون الجملة حالا وقرأ حفص دأبا بفتح الهمزة وكلاهما مصدر دأب في العمل وقيل تزرعون أمر أخرجه في صورة الخبر مبالغة لقوله

{فما حصدتم فذروه في سنبله} لئلا يأكله السوس وهو على الأول نصيحة خارجة عن العبارة

{إلا قليلا مما تأكلون} في تلك السنين

٤٨

{ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن} أي يأكل أهلهن ما ادخرتم لأجلهن فأسند إليهن على المجاز تطبيقا بين المعبر والمعبر به

{إلا قليلا مما تحصنون} تحرزون لبذور الزراعة

٤٩

{ ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس} يمطرون من الغيث أو يغاثون من القحط من الغوث

{وفيه يعصرون} ما يعصر كالعنب والزيتون لكثرة الثمار وقيل يحلبون الضروع وقرأ حمزة والكسائي بالتاء على تغليب المستفتي وقرئ على بناء المفعول من عصره إذا أنجاه ويحتمل أن يكون المبني للفاعل منه أي يغيثهم اللّه ويغيث بعضهم بعضا أو من أعصرت السحابة عليهم فعدي بنزع الخافض أو بتضمينه معنى المطر وهذه بشارة بشرهم بها بعد أن أول البقرأت السمان والسنبلات الخضر بسنين مخصبة والعجاف واليابسات بسنين مجدبة وابتلاع العجاف السمان يأكل ما جمع في السنين المخصبة في السنين المجدبة ولعله علم ذلك بالوحي أو بأن انتهاء الجدب بالخصب أو بأن السنة الآلهية على أن يوسع على عباده بعد ما ضيق عليهم

٥٠

{وقال الملك ائتوني به} بعد ما جاءه الرسول بالتعبير

{فلما جاءه الرسول} ليخرجه

{قال ارجع إلى ربك فأسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن} إنما تأنى في الخروج وقدم سؤال النسوة وفحص حالهن لتظهر براءة ساحته ويعلم أنه سجن ظلما فلا يقدر الحاسد أن يتوسل به إلى تقبيح أمره وفيه دليل على أنه ينبغي أن يجتهد في نفي التهم ويتقي مواقعها و عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: لو كنت مكانه ولبثت في السجن ما لبثت لأسرعت الإجابة وإنما قال فأسأله ما بال النسوة ولم يقل فاسأله أن يفتش عن حالهن تهييجا له على البحث وتحقيق الحال وغنما لم يتعرض لسيدته مع ما صنعت به كرما ومراعاة للأدب وقرئ النسوة بضم النون

{إن ربي بكيدهن عليم} حين قلن لي أطع مولاتك وفيه تعظيم كيدهن والاستشهاد بعلم اللّه عليه وعلى أنه بريء مما قذف به والوعيد لهن على كيدهن

٥١

{قال ما خطبكن} قال الملك لهن ما شأنكن والخطب أمر يحق أن يخاطب فيه صاحبه

{إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش للّه} تنزيه له وتعجب من قدرته على خلق عفيف مثله

{ما علمنا عليه من سوء} من ذنب

{قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق} ثبت واستقر من حصحص البعير إذا ألقى مباركة ليناخ قال فحصحص في صم الصفا ثفنانته وناء بسلمى نوأة ثم صمما أو ظهر من حص شعره إذا استأصله بحيث ظهرت بشرة رأسه وقرئ على البناء للمفعول

{أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين} في قوله {هي راودتني عن نفسي} [يوسف: ٢٦]

٥٢

{ذلك ليعلم} قاله يوسف لما عاد إليه الرسول وأخبره بكلامهن أي ذلك التثبت ليعلم العزيز

{أني لم أخنه بالغيب} بظهر الغيب وهو حال من الفاعل أو المفعول أي لم أخنه وأنا غائب عنه أو وهو غائب عني أو ظرف أي بمكان الغيب وراء الأستار والأبواب المغلقة

{وأن اللّه لا يهدي كد الخائنين} لا ينفذه ولا يسدده أو لا يهدي الخائنين بكيدهم فأوقع الفعل على الكيد مبالغة وفيه تعريض براعيل في خيانتها زوجها وتوكيد لأمانته ولذلك عقبه بقوله

٥٣

{وما ابريء نفسي} أي لا أنزهها تنبيها على أنه لم يرد بذلك تزكية نفسه والعجب بحاله بل إظهار ما أنعم اللّه عليه من العصمة والتوفيق وعن ابن عباس أنه لما قال ليعلم أني لم أخنه بالغيب قال له جبريل ولا حين هممت فقال ذلك

{إن النفس لأمارة بالسوء} من حيث إنها بالطبع مائلة إلى الشهوات فتهتم بها وتستعمل القوى والجوارح في أثرها كل الأوقات

{إلا ما رحم ربي} إلا وقت رحمة ربي أو إلا ما رحمه اللّه من النفوس فعصمه من ذلك وقيل الاستثناء منقطع أي ولكن رحمة ربي هي التي تصرف الإساءة وقيل الآية حكاية قول راعيل والمستثنى نفس يوسف وأضرابه وعن ابن كثير ونافع بالسو على قلب الهمزة واوا ثم الادغام

{إن ربي غفور رحيم} يغفر هم النفس ويرحم من يشاء بالعصمة أو يغفر للمستغفر لذنبه المعترف على نفسه ويرحمه ما استغفره واسترحمه مما ارتكبه

٥٤

{وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي} أجعله خالصا لنفسي

{فلما كلمه} أي فلما أتو به فكلمه وشاهد من الرشد والدهاء

{قال إنك اليوم لدينا مكين} ذو مكانة ومنزلة {أمين} مؤتمن على كل شيء روي أنه لما خرج من السجن اغتسل وتنظف ولبس ثيابا جددا فلما دخل على الملك قال اللّهم أني أسألك من خيره وأعوذ بعزتك وقدرتك من شره ثم سلم عليه ودعا له بالعبرية فقال الملك ما هذا اللسان قال لسان آبائي وكان الملك يعرف سبعين لسانا فكلمه بها فأجابه بجميعهما فتعجب منه فقال أحب أن أسمع رؤياي منك فحكاها ونعت له بالبقرأت والسنابل وأمكانها على ما رآها فأجلسه على السرير وفوض إليه أمره وقيل توفي قطفير في تلك الليالي فنصبه منصبه وزوج منه راعيل فوجدها عذراء وولد له منها أفرائيم وميشا

٥٥

 {قال اجعلني على خزائن الأرض} ولني أمرها والأرض أرض مصر

{إني حفيظ} لها ممن لا يستحقها

{عليم} بوجوه التصرف فيه ولعله عليه السلام لما رأى أنه يستعمله في أمره لا محالة آثر ما تعم فوائده وتجل عوائده وفيه دليل على جواز طلب التولية وإظهار أنه مستعد لها والتولي من يد الكافر إذا علم أنه لا سبيل إلى إقامة الحق وسياسة الخلق إلا بالاستظهار به وعن مجاهد أن الملك أسلم على يده

٥٦

{وكذلك مكنا ليوسف في الأرض} في أرض مصر

{يتبوأ منها حيث يشاء} ينزل من بلادها حيث يهوى وقرأ ابن كثير نشاء بالنون

{نصيب برحمتنا من نشاء} في الدنيا والآخرة

{ولا نضيع أجر المحسنين} بل نوفي أجورهم عاجلا وآجلا

٥٧

{ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون} الشرك والفواحش لعظمه ودوامه

٥٨

{وجاء إخوة يوسف} روي أنه لما استوزره الملك أقام العدل واجتهد في تكثير الزراعات وضبط الغلات حتى دخلت السنون المجدبة وعم القحط مصر والشأم ونواحيهما وتوجه إليه الناس فباعها أولا بالدراهم والدنانير حتى لم يبق معهم شيء منها ثم بالحلي والجواهر ثم بالدواب ثم بالضياع والعقار ثم برقابهم حتى استرقهم جميعا ثم عرض الأمر على الملك فقال الرأي رايك فأعتقهم ورد عليهم أموالهم وكان قد أصاب كنعان ما أصاب سائر البلاد فأرسل يعقوب بنيه غير بنيامين إليه للميرة

{فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون} اي عرفهم يوسف ولم يعرفوه لطول العهد ومفارقتهم إياه في سن الحداثة ونسيانهم إياه وتوهمهم أنه هلك وبعد حاله التي رأوه عليها من حاله حين فارقوه وقلة تأملهم في حلاه من التهيب والاستعظام

٥٩

{ولما جهزهم بجهازهم} أصلحهم بعدتهم وأوقر ركائبهم بما جاؤوا لأجله والجهاز ما يعد من الأمتعة للنقلة كعدد السفر وما يحمل من بلدة إلى أخرى وما تزف به المرأة إلى زوجها وقرئ بجهازهم بالكسر

{قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم} روي أنهم لما دخلوا عليه قال من أنتم وما أمركم لعلكم عيون قالوا معاذ اللّه إنما نحن بنو أب واحد وهو شيخ كبير صديق نبي من الأنبياء اسمه يعقوب قال كم أنتم قالوا كنا اثني عشر فذهب أحدنا إلى البرية فهلك قال فكم أنتم ها هنا قالوا عشرة قال فأين الحادي عشر قالوا عند أبينا يتسلى به عن الهالك قال فمن يشهد لكم قالوا لا يعرفنا أحد ها هنا فيشهد لنا قال فدعو بعضكم عندي رهينة وائتوني بأخيكم من أبيكم حتى أصدقكم فاقترعوا فأصابت شمعون

وقيل كان يوسف يعطي لكل نفر حملا فسألوه حملا زائدا لأخ لهم من أبيهم فأعطاهم وشرط عليهم أن يأتوه به ليعلم صدقهم

{ألا ترون أني أوفي الكيل} أتمه {وأنا خير المنزلين} للضيف والمضيفين لهم وكان أحسن إنزالهم وضيافتهم

٦٠

{فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون} ولا تدخلوا دياري وهو إما نهي أو نفي معطوف على الجزاء

٦١

{قالوا سنزاود عنه أباه} سنجتهد في طلبه من أبيه

{وإنا لفاعلون} ذلك لا نتوانى فيه

٦٢

{وقال لفتيانه} لغلمانه الكيالين جمع فتى وقرأ حمزة والكسائي وحفص لفتيانه على أنه جمع الكثرة ليوافق قوله

{اجعلوا بضاعتهم في رحالهم} فإنه وكل بكل رحل واحدا يعني فيه بضاعتهم التي شروا بها الطعام وكانت نعالا وأدما وإنما فعل ذلك توسيعا وتفضلا عليهم وترفعا من أن يأخذ ثمن الطعام منهم وخوفا من أن لا يكون عند أبيه ما يرجعون به

{لعلهم يعرفونها} لعلهم يعرفون حق ردها أو لكي يعرفوها

{إذا انقلبوا} انصرفوا ورجعوا

{إلى أهلهم} وفتحوا أوعيتهم

{لعلهم يرجعون} لعل معرفتهم ذلك تدعوهم إلى الرجوع

٦٣

{فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل} حكم بمنعه هذا إن لم نذهب ببنيامين

{فأرسل معنا أخانا نكتل} نرفع المانع من الكيل ونكتل ما نحتاج إليه وقرأ حمزة والكسائي بالياء على إسناده إلى الأخ أي يكتل لنفسه فينضم اكتياله إلى اكتيالنا

{وإنا له لحافظون} من أن يناله مكروه

٦٤

{قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل} وقد قلتم في يوسف وإنا له لحافظون

{فاللّه خير حافظا} فأتوكل عليه وأفوض أمري إليه وانتصاب حفظا على التمييز و حافظا على قرأءة حمزة والكسائي وحفص يحتمله والحال كقوله للّه دره فارسا وقرئ خير حافظ و خير الحافظين

{وهو أرحم الراحمين} فارجوا أن يرحمني بحفظه ولا يجمع على مصيبتين

٦٥

 {ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم} وقرئ ردت بنقل كسرة الدال المدغمة إلى الراء نقلها في بيع وقيل

{قالوا يا أبانا ما نبغي} ماذا نطلب هل من مزيد على ذلك أكرمنا وأحسن مثوانا وباع منا ورد علينا متاعنا أو لا نطلب وراء ذلك إحسانا أو لا نبغي في القول ولا نزيد فيما حكينا لك من إحسانه وقرئ ما تبغي على الخطاب أي شيء تطلب وراء هذا الإحسان أو من الدليل على صدقنا

{هذه بضاعتنا ردت إلينا} استئناف موضح لقوله {ما نبغي}

{ونمير أهلنا} معطوف على محذوف أي ردت إلينا فنستظهر بها ونمير أهلنا بالرجوع إلى الملك

{ونحفظ أخانا} عن المخاوف في ذهابنا وإيابنا

{ونزداد كيل بعير} وسق بعير باستصحاب أخينا هذا إذا كانت ما استفهامية فأما إذا كانت نافية احتمل ذلك واحتمل أن تكون الجمل معطوفة على {ما نبغي} أي لا نبغي فيما نقول {ونمير أهلنا ونحفظ أخانا}

{ذلك كيل يسير} أي مكيل قليل لا يكفينا استقلوا ما كيل لهم فأرادوا أن يضاعفوه بالرجوع إلى الملك ويزدادوا إليه ما يكال لأخيهم ويجوز أن تكون الإشارة إلى كيل بعير أي ذلك شيء قليل لا يضايقنا فيه الملك ولا يتعاظمه وقيل إنه من كلام يعقوب ومعناه إن حمل بعير شيء يسير لا يخاطر لمثله بالولد

٦٦

{قال لن أرسله معكم} إذ رأيت منكم ما رأيت

{حتى تؤتون موثقا من اللّه} حتى تعطوني ما أتوثق به من عند اللّه أي عهدا مؤكدا بذكر اللّه

{لتأتنني به} جواب القسم إذ المعنى حتى تحلفوا باللّه لتأتيني به

{إلا أن يحاط بكم} إلا أن تغلبوا فلا تطيقوا ذلك أو إلا أن تهلكوا جميعا وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال والتقدير لتأتنني به على كل حال إلا حال الإحاطة بكم أو من أعم العلل على أن قوله لتأتنني به على كل حال إلا حال الإحاطة بكم أو من أعم العلل على أن قوله لتأتنني به في تأويل النفي أي لا تمتنعون من الإتيان به إلا للإحاطة بكم كقولهم أقسمت باللّه إلا فعلت أي ما أطلب إلا فعلك

{فلما أتوه موثقهم} عهدهم

{قال اللّه على ما نقول} من طلب الموثق وإتيانه

{وكيل} رقيب مطلع

٦٧

{وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من ابواب متفرقة} لأنهم كانوا ذوي جمال وأبهة مشتهرين في مصر بالقربة والكرامة عند الملك فخاف عليهم أن يدخلوا كوكبة واحدة فيعانوا ولعله لم يوصهم بذلك في الكرة الأولى لأنهم كانوا مجهولين حينئذ أو كان الداعي إليها خوفه على بنيامين وللنفس آثار منها العين والذي يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام في عوذته: اللّهم إني أعوذ بكلمات اللّه التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة

{وما أغني عنكم من اللّه من شيء} مما قضي عليكم بما أشرت به إليكم فإن الحذر لا يمنع القدر

{إن الحكم إلا للّه} يصيبكم لا محالة إن قضي عليكم سوء ولا ينفعكم ذلك

{عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون} جمع بين الحرفين في عطف الجملة على الجملة لتقدم الصلة للاختصاص كأن الواو للعطف والفاء لإفادة التسبب فإن فعل الأنبياء سبب لأن يقتدي بهم

٦٨

{ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم} أي من أبواب متفرقة في البلد

{ما كان يغني عنهم} رأي يعقوب واتباعهم له

{من اللّه من شيء} مما قضاه عليهم كما قال يعقوب عليه السلام فسرقوا وأخذ بنيامين بوجدان الصواع في رحله وتضاعف المصيبة على يعقوب

{إلا حاجة في نفس يعقوب} استثناء منقطع أي ولكن حاجة في نفسه يعني شفقته عليهم وحرازته من أن يعانوا قضاها أظهرها ووصى بها

{وإنه لذو علم لما علمناه} بالوحي ونصب الحجج ولذلك ولذلك قال

{وما أغنى عنكم من اللّه من شيء} ولم يغتر بتدبيره

{ولكن أكثر الناس لا يعلمون} سر القدر وأنه لا يغني عنه الحذر

٦٩

{ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه} ضم إليه بنيامين على الطعام أو في المنزل روي أنه أضافه فأجلسهم مثنى فبقي بنيامين وحيدا فبكى وقال لو كان أخي يوسف حيا لجلس معي فأجلسه معه على مائدته ثم قال لينزل كل اثنين منكم بيتا وهذا لا ثاني له فيكون معي فبات عنده وقال له أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك قال من يجد أخا مثلك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل فبكى يوسف وقام إليه وعانقه و

{قال إني أنا أخوك فلا تبتئس} فلا تحزن افتعال من البؤس

{بما كانوا يعملون} في حقنا فيما مضى

٧٠

{فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية} المشربة

{في رحل أخيه} قيل كانت مشربة جعلت صاعا يكال به وقيل كانت تسقى الدواب بها ويكال بها وكانت من فضة وقيل من ذهب صاعا وقرئ و جعل على حذف جواب فلما تقديره أمهلهم حتى انطلقوا

{ثم أذن مؤذن} نادى مناد

{أيتها العير إنكم لسارقون} لعله لم يقله بأمر يوسف عليه الصلاة والسلام أو كان تعبية السقاية والنداء عليها برضا بنيامين وقيل معناه إنكم لسارقون يوسف من أبيه أو أئنكم لسارقون والعير القافلة وهو اسم الإبل التي عليها الأحمال لأنها تعير أي تتردد فقيل لأصحابها كقوله عليه الصلاة والسلام: يا خيل اللّه اركبي

وقيل جمع عير وأصله فعل كسقف فعل به ما فعل ببيض تجوز به لقافلة الحمير ثم استعير لكل قافلة

٧١

{قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون} أي شيء ضاع منكم والفقد غيبة الشيء عن الحس بحيث لا يعرف مكانه وقرئ تفقدون من أفقدته إذا وجدته فقيدا

٧٢

{قالوا نفقد صواع الملك} وقرئ صاع و صوع بالفتح والضم والعين والغين و صواغ من الصياغة

{ولمن جاء به حمل بعير} من الطعام جعلا له

{وأنا به زعيم} كفيل أؤديه إلى من رده وفيه دليل على جواز الجعالة وضمان الجعل قبل تمام العمل

٧٣

{قالوا تاللّه} قسم فيه معنى التعجب التاء بد من الباء مختصة باسم اللّه تعالى

{لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين} استشهدوا بعلمهم على براءة أنفسهم لما عرفوا منهم في كرتي مجيئهم ومداخلتهم للملك مما يدل على فرط أمانتهم كرد البضاعة التي جعلت في رحالهم وكعم الدواب لئلا تتناول زرعا أو طعاما لأحد

٧٤

{قالوا فما جزاؤه} فما جزاء السارق أو السرق أو ال صواع على حذف المضاف

{إن كنتم كاذبين} في ادعاء البراءة

٧٥

{قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه} أي جزاء سرقته أخذ من وجد في رحله واسترقاقه هكذا كان شرع يعقوب عليه الصلاة والسلام وقوله

{فهو جزاؤه} تقرير للحكم وإلزام له أو خبر من والفاء لتضمنها معنى الشرط أو جواب لها على أنها شرطية والجملة كما هي خبر جزاؤه على إقامة الظاهر فيها مقام الضمير كأنه قيل جزاؤه من وجد في رحله فهو هو

{كذلك نجزي الظالمين} بالسرقة

٧٦

{فبدأ بأوعيتهم} فبدأ المؤذن وقيل يوسف لأنهم ردوا إلى مصر

{قبل وعاء أخيه} بنيامين نفيا للتهمة

{ثم استخرجها} أي السقاية أو الصواع لأنه يذكر ويؤنث

{من وعاء أخيه} وقرئ بضم الواو وبقلبها همزة كذلك مثل ذلك الكيد

{كدنا ليوسف} بأن علمناه إياه وأوحينا به إليه

{ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك} ملك مصر لأن دينه الضرب وتغريم ضعف ما أخذ دون الاسترقاق وهو بيان للكيد

{إلا أن يشاء اللّه} أن يجعل ذلك الحكم حكم الملك فالاستثناء من أعم الأحوال ويجوز أن يكون منقطعا أي لكن أخذه بمشيئة اللّه تعالى وإذنه

{نرفع درجات من نشاء} بالعلم كما رفعنا درجته

{وفوق كل ذي علم عليم} أرفع درجة منه واحتج به من زعم أنه تعالى عالم بذاته إذ لو كان ذا علم لكان فوقه من هو أعلم منه والجواب أن المراد كل ذي علم من الخلق لأن الكلام فيهم ولأن العليم هو اللّه سبحانه وتعالى ومعناه الذي له العلم البالغ لغة ولأنه لا فرق بينه وبين قولنا فوق كل العلماء عليم وهو مخصوص

٧٧

 {قالوا إن يسرق} بنيامين {فقد سرق أخ له من قبل} يعنون يوسف قيل ورثت عمته من أبيها منطقة إبراهيم عليه السلام وكانت تحضن يوسف وتحبه فلما شب أراد يعقوب انتزاعه منها فشدت المنطقة على وسطه ثم أظهرت ضياعها فتفحص عنها فوجدت محزومة عليه فصارت أحق به في حكمهم وقيل كان لأبي أنه صنم فسرقه وكسره وألقاه في الجيف وقيل كان في البيت عناق أو دجاجة فأعطاها السائل وقيل دخل كنيسة وأخذ تمثيلا صغيرا من الذهب

{فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم} أكنها ولم يظهرها لهم والضمير للإجابة أو المقالة أو نسبة السرقة وقيل أنها كناية بشريطة التفسير يفسرها قوله

{قال أنتم شر مكانا} فإنه بدل من أسرها والمعنى قال في نفسه أنتم شر مكانا أي منزلة في السرقة لسرقتكم أخاكم أو في سوء الصنيع مما كنتم عليه وتأنيثها باعتبار الكلمة أو الجملة وفيه نظر إذ المفسر بالجملة لا يكون إلا ضمير الشأن

{واللّه أعلم بما تصفون} وهو يعلم أن الأمر ليس كما تصفون

٧٨

{قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا} أي في السن أو القدرة ذكروا له حاله استعطافا له عليه

{فخذ أحدنا مكانه} بدله فإن أباه ثكلان على أخيه الهالك مستأنس به

{إنا نراك من المحسنين} إلينا فأتمم إحسانك أو من المتعودين بالإحسان فلا تغير عاداتك

٧٩

{قال معاذ اللّه أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده} فإن أخذ ظلم على فتواكم فلو أخذنا أحدكم مكانه

{إنأ إذا لظالمون} في مذهبكم هذا وإن مراده إن اله أذن في أخذ من وجدنا الصاع في رحله لمصلحته ورضاه عليه فلون أخذت غيره كنت ظالما

٨٠

{فلما استيأسوا منه} يئسوا من يوسف وإجابته إياهم زيادة السين والتاء للمبالغة خلطوا انفردوا واعتزلوا

{نجيا} متناجين وإنما وحده لأنه مصدر أو بزنته كما قيل هم صديق وجمعه أنجية كندية وأندية ككبيرهم في السن وهو روبيل أو في الرأي وهو شمعون وقيل يهوذا

{ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من اللّه} عهدا وثيقا وأنما جعل لفهم باللّه مووثقا منه لأنه بإذن منه وتأكيد من جهته

{ومن قبل} ومن قبل هذا

{ما فرطتم في يوسف} قصرتم في شأنه و ما مزيدة ويجوز أن تكون مصدرية في موضع النصب بالعطف على مفعول تعلموا ولا بأس بالفصل بي العاطف والمعطوف بالظرف أو على اسم أن وخبره في يوسف أو من قبل أو الرفع بالإبتداء والخبر من قبل وفيه نظر لأن قبل إذا كان خبرا أو صلة لا يقطع عن الإضافة حتى لا ينقص وأن تكون موصولة أي ما فرطتموه بمعنى ما قدمتوه في حقه من الجناية ومحله ما تقدم

{فلن أبرح الأرض} فلن أفارق أرض مصر

{حتى يأذن لي أبي} في الرجوع

{أو يحكم اللّه لي} أويقضي لي بالخروج منها أو بخلاص أخي منهم أو بالمقابلة معهم لتخليصه وروي أنهم كلموا العزيز في إطلاقه فقال روبيل أيها الملك واللّه لتتركنا أو لأصيحن صيحة تضع منها الحوامل ووقفت شعور جسده فخرجت من ثيابه فقال يوسف عليه السلام لابنه قم إلى جنبه فسمه وكان بنو يعقوب عليه السلام إذا غضب أحدهم فمسه الآخر ذهب غضبه فقال روبيل من هذا إن في هذا البلد لبزرا من برز يعقوب

{وهو خير الحاكمين} لأن حكمه لا يكون إلا بالحق

٨١

{ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق} على ما شاهدناه من ظاهر الأمر وقرىء سرق أي نسب إلى السرقة

{وما شهدنا} عليه {إلا بما علمنا} بان رأينا أن الصواع استخرج من وعائه

{وما كنا للغيب} لباطن الحال

{حافظين} فلا ندري أنه سرق الصواع في رحله أو وما كنا للعواقب عالمين فلم ندر حين أعطيناك الموثق أنه سيسرق أو أنك تصاب به كما أصبت بيوسف

٨٢

 {واسأل القرية أتي كنا فيها} يعنون مصر أو قرية بقربها لحقهم المنادي فيها و ا لمعنى أرسل إلى اهلها واسألهم عنا لقصة

{والعير التي أقبلنا فيها} وأصحاب العير التي توجهنا فيهم وكنا معهم

{وإنا لصادقون} تأكيد في محل القسم

٨٣

{قال بل سولت} أي فلما رجعوا إلى أبيهم وقالوا له ما قال لهم أخووهم قال ل سولت أي زينت وسهلت

{لكم أنفسكم أمرا} أردتموه فقد رتموه وإلا فما أدرى الملك أن السرق يؤخذ بسرقته

{فصبر جميل} أي فأمري صبر جميل أو فصبر جميل أجمل

{عسى اللّه أن يأتيني بهم جميعا} بيوسف وبنيامين وأخيهما الذي توقف بمصر

{إنه هو العليم} بحالي وحالهم

{الحكيم} في تدبيرهما

٨٤

{وتولى عنهم} وأعرض عنهم كراهة لما صادف منهم

{وقال يا أ سفا على يوسف} أي يا اسفا تعال فهذا أوانك والأسف اشد الحزن والحسرة والألف بدل من ياء المتكلم وإنما تاسف على يوسف دون أخويه والحادث رزؤهما لأن رزأه كان قاعدة المصيبات وكان غبضا آخذا بمجامع قلبه ولأنه كان واثقا بحياتهما دون حياته وفي الحديث لم تعط أمة من الأمم {إنا للّه وإنا إليه راجعون} [البقرة: ١٥٦] عند المصيبة إلا أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم ألا ترى إلى يعقوب عليه الصلاة والسلام حين أصابه ما أصابه لم يسترجع وقال: يا أسفا

{وابيضت عيناه من الحزن} لكثرة بكائه من الحزن كأن العبرة محقت سوادهما وقيل ضعف بصره وقيل عمي وقرىء من الحزن وفيه دليل على جواز التأسف والبكاء عند التفجع ولعل أمثال ذلك لا تدخل تحت التكليف فإنه قل من يملك نفسه عند الشدائد ولقد بكى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على ولده إبراهيم وقال: القلب يجزع والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون

{فهو كظيم} مملوء من الغيظ على أولاده ممسك له في قلبه لا يظهره فعيل بمعنى مفعول كقوله تعالى {وهو مكظوم} [القلم: ٤٨] من كظم السقاء إذا شده على ملئه أو بمعنى مفعول كقوله {والكاظمين الغيظ} [آل عمران: ١٣٤] من كظم الغيظ إذا اجترعه واصله كظم البعير جرته إذا ردها في جوفه

٨٥

{ قالوا تاللّه تفتؤ تذكر يوسف} أي لا تفتأ ولا تزال تذكرة تفجعا عليه فحذف لا كما قوله

فقلت يمين اللّه أبرح قاعدا

لأنه لا يلتبس بالإثبات فإن القسم إذا لم يكن معه علامات الإثبات كان على النفي

{حتى تكون حرضا} مريضا مشفيا على الهلاك وقيل الحرض الذي أذابه هم أو مرض وهو في الأصل مصدر ولذلك لا يؤنث ولا يجمع والنعت بالكسر كدنف ودنف وقد قرىء به وبضمتين كجنب

{أو تكون من الهالكين} من الميتين

٨٦

{قال إنما اشكوبثي وحزني} همي الذي لا أقدر الصبر عليه من البث بمعنى النشر

{إلى اللّه} لا إلى أحد منكم ومن غيركم فخلوني وشكايتي

{وأعلم من اللّه} من صنعه ورحمته فإنه لا يخيب داعيه ولا يدع المتجىء إليه أو من اللّه بنوع من الإلهام

{ما لا تعلمون} من حياة يوسف قيل رأى ملك الموت في المنام فسأله عنه فقال هو حي وقيل علم من رؤيا يوسف أنه لا يموت حتى يخر له إخوته سجدا

٨٧

{يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه} فتعرفوا منهما وتفحصوا عن حالهما والتحسس تطلب الإحساس

{ولا تيأسوا من روح اللّه} ولا تقنطوا من فرجه وتنفيسه وقرىء من روح اللّه أي من رحمته التي يحيا بها العباد

{إنه لا ييأس من روح اللّه إلا القوم الكافرون} باللّه وصفاته فإن العارف المؤمن لا يقنط من رحمته في شيء من الأحوال

٨٨

{فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز} بعدما رجعوا إلى مصر رجعة ثانية

{مسنا وأهلنا الضر} شدة الجوع

{وجئنا ببضاعة مزجاة} رديئة أو قليلة ترد وتدفع رغبة عنها من أزجيته إذا دفعته ومنه تزجية الزمان قيل كانت دراهم زيوفا وقيل صوفا وسمنا وقيل الصنوبر والحبة الخضراء وقيل الأقط وسويق المقل

{فأوف لنا الكيل} فأتم لنا الكيل

{وتصدق علينا} برد أخينا أو بالمسامحة وقبول المزجاة أو بالزيادة على ما يساويها واختلف في أن حرمة الصدقة تعم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو تختص بنبينا صلى اللّه عليه وسلم

{إن اللّه يجزي المتصدقين} أحسن الجزاء والتصدق التفضل مطلقا ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في القصر: هذه صدقة تصدق اللّه بها عليكم فاقبلوا صدقته لكنه اختص عرفا بما يبتغي به ثواب من اللّه تعالى

٨٩

{قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه} أي هل علمتم قبحه فتبتم عنه وفعلهم بأخيه إفراده عن يوسف وإذلاله حتى لا يستطيع أن يكلمهم إلا بعجز وذلة

{إذ أنتم جاهلون} قبحه فلذلك أقدمتم عليه أو عاقبته وإنما قال ذلك تنصيحا لهم وتحريضا على التوبة وشفقة عليهم لما رأى من عجزهم وتمسكنهم لا معاقبة وتثريبا وقيل أعطوه كتاب يعقوب في تخليص بنيامين وذكروا له ما هو في من الحزن على فقد يوسف وأخيه فقال لهم ذلك وإنما جلهم لأن فعلهم كان فعل الجهال أو لأنهم كانوا حينئذ صبيانا شياطين

٩٠

{قالوا أئنك لأنت يوسف} استفهام تقرير ولذلك حقق بأن ودخول اللام عليه وقرأ ابن كثير على الإيجاب قيل عرفوه بروائه وشمائله حين كلمهم به وقيل تبسم فعرفوه ببثناياه وقيل رفع التاج عن رأسه فرأوا علامة بقرنه تشبه الشامة البيضاء وكانت لسارة ويعقوب مثلها

{قال أنا يوسف وهذا أخي} من أبي وأمي ذكره تعريفا لنفسه به وتفحيما لشأنه وإدخالا له في قوله

{قد مَنّ اللّه علينا} أي بالسلامة والكرامة

{إنه من يثق} أي يتق اله

{ويصبر} على البليات أو على الطاعات وعن المعاصي

{فإن اللّه لا يضيع اجر المحسنين} وضع المحسنين موضع الضمير للتنبيه على أن المحسن من جمع بين التقوى والصبر

٩١

{قالوا تاللّه لقد آثرك اللّه علينا} اختارك علينا بحسن الصورة وكمال السيرة

{وإن كنا لخاطئين} والحال أن شأننا أنا كنا مذنبين بما فعلنا معك

٩٢

{قال لا تثريب عليكم} لا تأنيب عليكم تفعيل من الثرب وهو الشحم الذي يغشى الكرش للإزالة كالتجليد فاستعير للتقريع الذي يمزق العرض ويذهب ما ء الوجه

{اليوم} متعلق بال تثريب أو بالمقدر للجار الواقع خبرا لل لا تثريب والمعنى لا أثربكم اليوم الذي هو مظنته فما ظنكم بسائر الأيام أو بقبوله

{يغفر اللّه لكم} لأنه صفح عن جريمتهم حينئذ واعترفوا بها

{وهو أرحم الراحمين} فإنه يغفر الصغائر والكبائر ويتفضل على التائب ومن كرم يوسف عليه الصلاة والسلام أنهم لما عرفوه أرسلوا إليه وقالوا إنك تدعونا بالبكرة والعشي إلى الطعام ونحن نستحي منك لما فرط منا فيك فقال درهما ما بلغ ولد شرفت بكم وعظمت فيعيونهم حيث علموا أنكم اخوتي وأني من حفدة إبراهيم عليه الصلاة والسلام

٩٣

{اذهبوا بقميصي هذا} القميص الذي كان عليه وقيل القميص المتوارث الذي كان في التعويذ

{فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا} أي يرجع بصيرا أي ذا بصر

{وائتوني} أنتم وأبي

{بأهلكم أجمعين} بنسائكم وذرايكم ومواليكم

٩٤

{ولما فصلت العير} من مصر وخرجت من عمرانها

{قال أبوهم} لمن حضره

{إني لأجد ريح يوسف} أوجده اللّه ريح ما عبق بقميصه من ريحه حيين أقبل به غليه يهوذا من ثمانين فرسخا

{لولا أن تفندون} تنسبوني إلى الفند وهو نقصان عقل يحدث من هرم ولذلك لا يقال عجوز مفندة ن نقصان عقلها ذاتي وجواب لولا محذوف بقديره لصدقتموني أو لقلت إنه قريب

٩٥

 {قالوا} أي الحاضرون

{تاللّه إنك لفي ضلالك القديم} لفي ذهابك عن الصواب قدما بالإفراط في محبة يوسف وإكثار ذكره والتوقع للقائه

٩٦

{فلما أن جاء البشير} يهوذا روي أنه قال كما أحزنته بحمل قميصه الملطخ بالدم إليه فأفرحه بحمل هذا غليه

{ألقاه على وجهه} طرح البشير القميص على وجه يعقوب عليه السلام أو يعقوب نفسه

{فارتد بصيرا} عاد بصيرا لما انتعش فيه من القوة

{قال ألم أقل لكم إني أعلم من اللّه ما لا تعلمون} من حياة يوسف عليه الصلاة والسلام وإنزال الفرح وقيل إني أعلم كلام مبتدأ والمقول لا تيأسوا من روح اللّه أو أني لأجد ريح يوسف

٩٧

{قالوا يا أبنا استغفره لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين} ومن حق المعترف بذنبه أن يصفح عنه ويسأله المغفرة

٩٨

{قال سوف استغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم} اخره إلى السحر أو إلى صلاة الليل أو إلى ليلة الجمعة تحريا لوقت الإجابة أو إلى أن يستحل لهم من يوسف أو يعلم أنه عفا عنهم فإن عفو المظلوم شرط المغفرة ويؤيده ما روي أنه استقبل القبلة قائما يدعو وقام يوسف خلفه يؤمن وقاموا خلفهما أذلة خاشعين حتى نزل جبريل وقال إن اللّه قد أجاب دعوتك في ولدك وعقد مواثيقهم بعدك على النبوة وهو إن صح فدليل على نبوتهم وأن ما صادر عنهم كان قبل استنبائهم

٩٩

{فلما دخلوا على يوسف} روي أنه وجه إليه رواحل وأموالا ليتجهز إليه بمن معه استقبله يوسف والملك بأهل مصر وكان أولاده الذين دخلوا معه مصر اثنين وسبعين رجلا وامرأة وكانوا حين خرجوا مع موسى عليه الصلاة والسلام ستمائة ألف وخمسمائة وبضعة سبعين رجلا سوى الذرية والهرمى

{أوى إليه أبويه} ضم إليه أباه وخالته واعتنقهما نزلها منزلة الأم تنزيل العم منزلة الأب في قوله تعالى وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق [البقرة:١٣٣] أو لأن يعقوب عليه الصلاة والسلام تزوجها بعد أمه والربة تدعى أما

{وقال ادخلوا مصر إن شكاء اللّه آمنين} من القحط وأصناف المكاره والمشيئة متعلقة بالدخول المكيف بالمن والدخول الأول كان في موضع خارج البلد حين استقبلهم

١٠٠

{ ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا} تحية وتكرمة له فإن السجود كان عندهم يجري مجراها وقيل معناه خروا لأجله سجدا للّه شكرا وقيل الضمير للّه تعالى والواو لأبويه وإخوته والرفع مؤخر عن الخرور وإن قدم لفظا للإهتمام بتعظيمه لهما

{وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل} التي رأيتها أيام الصبا

{قد جعلها ربي حقا} صدقا {وقد أحسن بي إذا أخرجني من السجن} ولم يذكر الجب لئلا يكون تثريا عليهم

{وجاء بكم من البدو} من البادية لأنهم كانوا أصحاب المواشي وأهل البدو

{من بعد أن نزع الشيطان بيني وبين إخوتي} أفسد بيننا وحرش من نزع الرائض الدابة إذا نخسها وحملها على الجري

{إن ربي لطيف لما يشاء} لطيف التدبير له إذا ما من صعب إلا وتنفذ فيه مشيئته ويتسهل دونها

{إنه هو العليم} بوجود المصالح والتدابير

{الحكيم} الذي يفعل كل شيء في وقته وعلى و جه يقتضي الحكمة روي أن يوسف طاف بأبيه عليهما الصلاة والسلام في خزائنه فلما أدخله خزانة القرأطيس قال يا بني ما اعقك عندك هذه القرأطيس وما كتبت إلى على ثمان مراحل قال أمرني جبريل عليه السلام قال أو ما تسأله قال أنت أبسط مني غليه فاسأله فقال جبريل اللّه أمرني بذلك لقولك وأخاف أن يأكله الذئب قال فهلا خفتني

١٠١

{ رب قد آتيتني من الملك} بعض الملك وهو ملك

{وعلمتني من تأويل الأحاديث} الكتب أو الرؤيا ومن أيضا للبغيض لأنه لم يؤت كل التأويل

{فاطر السموات والأرض} مبدعهما وانتصابه على أنه صفة المنادى أو منادى برأسه

{أنت وليي} ناصري ومتولي أمري

{في الدنيا والآخرة} أو الذي يتولاني بالنعمة فيهما

{توفني مسلما} اقبضني

{وألحقني بالصاحلين} من آبائي أو بعامة الصاحلين في الرتبة والكرامة روي أن يعقوب عليه السلام أقام معه أربعا وعشرين سنة ثم توفي وأوصى أن يدفن بالشام إلى جنب أبيه فذهب به ودفنه ثمة ثم عاد وعاش بعده ثلاثا وعشرين سنة ثم تاقت نفسه إلىالمك المخلد فتمنى الموت فتوفاه اللّه طيبا طارا فتخاصم أهل مصر في مدفنه حتى هموا بالقتال فرأوا أن يجعلوه في صندوق من مرمر ويدفنوه في النيل بحيث يمر عليه الماء ثم يصل إلى مصر ليكونوا شرعا فيه ثم نقله موسى عليها الصلاة والسلام إلى مدفن آبائه وكان عمره مائة وعشرين سنة وقد ولد له من راعيل افراثم وميشا وهو جد يوشع بن نون ورحمة امرأة أيوب عليها لصلاة والسلام

١٠٢

{ذلك} إشارة إلى ما ذكر من نبأ يوسف عليها لصلاة والسلام والخاب فيه للرسول صلى اللّه عليه وسلم وهو مبتدأ

{من أنباء الغيب نوحيه إليك} خبران له

{وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون} كالدليل عليهما والمعنى أن هذا النبأ غيب لم تعرفه غلا بالوحي لأنك لمتحضر إخوة يوسف حين عزموا على ما هم به من أن يجعلوه في غيابة الجب وهم يمكرون به وبأبيه ليرسله معهم ومن المعلوم الذي لا يخفى على مكذبيك أن ما لقيت أحدا سمع ذلك فتعلمت منه وإنما حذف هذا الشق استغناء بذكره في غير هذه القصة كقوله {تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا} [هود: ٤٩]

١٠٣

{وما أكثر الناس ولو حرصت} على إيمانهم وبالغت في إظهار الآيات عليهم

{بمؤمنين} لعنادهم وتصميمهم على الكفر

١٠٤

{وما تسألهم عليه} على الإنباء أو القرأن

{من أجر} من جعل كما يفعله حملة الأخبار

{إن هو إلا ذكر} عظة من اللّه تعالى {للعالمين} عامة

١٠٥

{وكأين من آية} وكم من آية والمعنى وكأي عدد شئت من الدلائل الدالة على وجود الصانع وحكمته وكمال قدرته وتوحيده

{في السموات والأرض يمرون عليها} على الآيات ويشاهدونها

{وهم عنها معرضون} لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها وقرئ والأرض بالرفع على أنه مبتدأ خبره يمرون فيكون لها الضمير في عليها وبالنصب على ويطئون الأرض وقرئ والأرض يمشون عليها أي يترددون فيها فيرون آثار الأمم الهالكة

١٠٦

{وما يؤمن أكثرهم باللّه} في إقرأراهم بوجوده وخالقيته

{إلا وهم مشركون} بعبادة غيره أو باتخاذ الأحبار أربابا ونسبة التبني إليه تعالى أو لاقول بالنور والظلمة أو النظر إلى الأسباب ونحو ذلك وقيل الآية في مشركي مكة وقيل في المنافقين وقيل في أهل الكتاب

١٠٧

{أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب اللّه} عقوبة تغشاهم وتشملهم

{أو تأتيهم الساعة بغتة} فجأة من غير سابقة علامة

{وهم لا يشعرون} بإتيانها غير مستعدين لها

١٠٨

{قل هذه سبيلي} يعني الدعوة إلى التوحيد والإعداد للمعاد ولذلك فسر السبيل بقوله

{أدعو إلى اللّه} وقيل هو حال الياء على بصيرة بيان وحجة واضحة غير عمياء أن تأكيد للمستتر في ادعو أو

{على بصيرة أنا ومن اتبعني} عطف عليه

{وسبحان اللّه وما أنا من المشركين} وأنزهه تنزيها من الشركاء

١٠٩

{وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا} رد لقولهم لو شاء ربنا لأنزل ملائكة وقيل معناه نفي استنباء النساء

{يوحي إليهم} كما يوحي إليك ويميزون بذلك عن غيرهم وقرأ حفص نوحي في كل القرأن ووافقه حمزة والكسائي في سورة الأنبياء

{من أهل القرى} لأن أهلها أعلم وأحلم من أهل البدو

{أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم} من المكذبين بالرسل والآيات فيحذروا تكذيبك أو من المشغوفين بالدنيا المتهالكين عليها فيقلعوا عن حبها

{ولدار الآخرة} ولدار الحال أو الساعة أو الحياة الآخرة

{خير للذين اتقوا} الشرك والمعاصي

{أفلا تعقلون} يستعملون عقولهم ليعرفوا أنها خير وقرأ نافع وابن عامر وعاصم ويعقوب بالتاء حملا على قوله قل هذا سبيلي أي قل لهم أفلا تعقلون

١١٠

{حتى إذا استيأس الرسل} غاية محذوف دل عليه الكلام أي لا يغررهم تماد أيامهم فإن من قبلهم أمهلوا حتى آيس الرسل عن النصر عليهم في الدنيا أو عن إيمانهم لانهماكهم في الكفر مترفهين متمادين فيه من غير وازع

{وظنوا أنهم قد كذبوا} أي كذبتم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون أو كذبهم القوم بوعد الإيمان وقيل الضمير للمرسل أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون أو كذبهم القوم بوعد الإيمان

وقيل الضمير للمرسل إليهم أي وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم بالدعوة والوعيد وقيل الأول للمرسل إليهم والثاني للرسل أي وظنوا أن الرسل قد كذبوا وأخلفوا فيما وعد لهم من النصر وخلط الأمر عليهم وما روي عن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما أن الرسل ظنوا أنهم أخلفوا ما وعدهم اللّه من النصر إن صح فقد أراد بالظن ما يهجس في القلب عن طريق الوسوسة هذا وأن المراد به المبالغة في التراخي والإمهال على سبيل التمثيل وقرأ غير الكوفيين بالتشديد أي وظن الرسل أن القوم قد كذبوا فيما حدثوا به عند قومهم لما تراخى عنهم ولم يروا له أثرا

{جاءهم نصرنا فننجي من نشاء} النبي والمؤمنين وإنما لم يعينهم للدلالة على أنهم الذين يستأهلون أن يشاء نجاتهم لا يشركهم فيه غيرهم وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب على لفظ الماضي المبني للمفعول وقرىء فنجا

{ولا يرد باسنا عن القوم المجرمين} إذا نزل بهم وفيه بيان للمشيئين

١١١

{ لقد كان في قصصهم} في قصص الأنبياء وأممهم أو في قصة يوسف وإخوته

{عبرة لأولي الألباب} لذوي العقول المبرأة من شوائب الإلف والركون إلى الحس

{ما كان حديثا يفترى} ما كانا لقرأن حديثا يفترى

{ولكن تصديق الذي بين يديه} من الكتب الإلهية

{وتفصيل كل شيء} يحتاج إليه في الدين إذ ما من أمر ديني إلا وله سند من القرأن بوسط أو بغير وسط

{وهدى} من الضلال {ورحمة} ينال بها خير الدارين

{لقوم يؤمنون} يصدقونه و عن النبي صلى اللّه عليه وسلم:

علموا أرقاءكم سورة يوسف فإنه أيما مسلم تلاها وعلمها أهله وما ملكت يمينه هون اللّه عليه سكرات الموت وأعطاه القوة أن لا يحسد مسلما

﴿ ٠