تفسير البيضاوي: أنوار التنزيل و أسرار التأويل أبو سعيد عبد اللّه بن عمر بن محمد بن علي البيضاوي الشيرازي الفارسي، ناصر الدين، القاضي الشافعي (ت ٦٨٥ هـ ١٢٨٦ م) _________________________________ سورة الرعد سورة الرعد وقيل مكية إلا قوله ويقول الذين كفروا ... الآية وهي ثلاث وأربعون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {آلمر} قيل معناه أنا اللّه أعلم وأرى {تلك آيات الكتاب} يعني بالكتاب السورة و تلك إشارة إلى آياتها أي تلك الآيات آيات السورة الكاملة أو القرأن {والذي أنزل إليك من ربك} هو القرأن كله ومحله الجر بالعطف على الكتاب عطف العام على الخاص أو إحدى الصفتين على الأخرى أو الرفع يالابتداء وخبره {الحق} والجملة كالحجة على الجملة الأولى وتعريف الخبر وإن دل على اختصاص المنزل بكونه حقا فهم أعم من المنزل صريحا أو ضمنا كالمثبت بالقياس وغيره مما نطق المنزل بحسن اتباعه {ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} لإخلالهم بالنظر والتأمل فيه ٢ {اللّه الذي رفع السموات} مبتدأ وخبر ويجوز أن يكون الموصول صفة والخبر يدبر الأمر {بغير عمد} أساطين جمع عماد كإهاب وأهب أو عمود كأديم وأدم وقرئ عمد كرسل {ترونها} صفة ل عمد أو استئناف للاستشهاد برؤيتهم السموات كذلك وهو دليل على وجود الصانع الحكيم فإن ارتفاعها على سائر الأجسام السماوية لها في حقيقة الجرمية واختصاصها بماا يقتضي ذلك لا بد وأن يكون بمخصص ليس بجسم ولا جسماني يرجح بعض الممكنات على بعض بإرادته وعلى هذا المنهاج سائر ما ذكر من الآيات {ثم استوى على العرش} بالحفظ والتدبير {وسخر الشمس والقمر} ذللّهما لما أراد منهما كالحركة المستمرة على حد من السرعة ينفع في حدوث الكائنات وبقائها {كل يجري لأجل مسمى} لمدة معينة يتم فيها أدواره أو لغاية مضرومة ينقطع دونها سيرة وهي إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت {يدبر الأمر} أمر ملكوته من الإيجاد والإعدام والإحياء والإماتة وغير ذلك {يفصل الآيات} ينزلها ويبينها مفصلة أو يحدث الدلائل واحدا بعد واحد {لعلكم بلقاء ربكم توقنون} لكي تتفكروا فيها وتتحققوا كمال قدرته فتعلموا أن من قدر على خلق هذه الأشياء وتدبيرها قدر على الإعادة والجزاء ٣ {وهو الذي مد الأرض} بسطها طولا وعرضا لتثبت عليها الأقدام وينقلب عليها الحيوان {وجعل فيها رواسي} جبالا ثوابت من رسا الشيء إذا ثبت جمع راسية والتاء للتأنيث على أنها صفة أجبل أو للمبالغة {وأنهارا} ضمها إلى الجبال وعلق بهما فعلا واحدا من حيث إن الجبال أسباب لتولدها {ومن كل الثمرات} متعلق بقوله {جعل فيها زوجين اثنين} أي وجعل فيها من كل أنواع الثمرات صنفين اثنين كالحلو والحامض والأسود والأبيض والصغير والكبير {يغشي الليل النهار} يلبسه مكانه فيصير الجو مظلما بعدما كان مضيئا وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر يغشي بالتشديد {إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} فيها فإن تكونها وتخصصها بوجه دون وجه دليل على وجود صانع حكيم دبر أمرها وهيأ أسبابها ٤ {وفي الأرض قطع متجاورات} بعضها طيبة وبعضها سبخة وبعضها رخوة وبعضها صلبة وبعضها تصلح للزرع دون الشجر وبعضها بالعكس ولولا تخصيص قادر موقع لأفعاله على وجه دون وجه لم تكن كذلك لاشتراك تلك القطع في الطبيعة الأرضية وما يلزمها ويعرض لها بتوسط ما يعرض من الأسباب السماوية من حيث أنها متضامة متشاركة في النسب والأوضاع {وجنات من أعناب وزرع ونخيل} وبساتين فيها أنواع الشجار والزروع وتوحيد الزرع لأنه مصدر في أصله وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وحفص {وزرع ونخيل} بالرفع عطفا على وجنات صنوان نخلات أصلها واحد {وغير صنوان} متفرقات مختلفات الأصول وقرأ حفص بالضم وهو لغة بني تميم ك فنوان في جمع قنو تسقى {بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل} في التمر شكلا وقدرا ورائحة وطعما وذلك أيضا مما يدل على الصانع الحكيم فإن اختلافهما مع اتحاد الأصول والأسباب لا يكون إلا بتخصيص قادر مختار وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب يسقى بالتذكير على تأويل ما ذكر وحمزة والكسائي يفضل بالياء ليطابق قوله يدبر الأمر {إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} يستعملون عقولهم بالتفكير ٥ {وإن تعجب} يامحمد من إنكارهم البعث {فعجب قولهم} حقيق بأن يتعجب بالتفكر وإن تعجب يا محمد من إنكارهم البعث فعجب قولهم حقيق بأن يتعجب منه فإن من قدر على إنشاء ما قص عليك كانت الإعادة أيسر شيء عليه والآيات المعدودة كما هي دالة على وجود المبدأ فهي دالة على إمكان الإعادة من حيث إنها تدل على كمال علمه وقدرته وقبول المواد لأنواع تصرفاته {أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد} بدل من قولهم أو مفعول له والعامل في إذا محذوف دل عليه أئنا لفي خلق جديد {أولئك الذين كفروا بربهم} لأنهم كفروا بقدرته على البعث {وأولئك الأغلال في أعناقهم} مقيدون بالضلال لا يرجى خلاصهم أو يغلون يوم القيامة {وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} لا ينفكون عنها وتوسيط الفصل لتخصيص الخلود بالكفار ٦ {ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة} بالعقوبة قبل العافية وذلك لأنهم استعجلوا ما هددوا به من عذاب الدنيا استهزاء {وقد خلت من قبلهم المثلاث} عقوبات أمثالهم من المكذبين فما لهم لم يعتبروا بهاو لم يجوزوا حلول مثلها عليهم والمثلة بفتح الثاء وضمها كالصدقة والصدقة العقوبة لأنها مثل المعاقب عليه ومنه المثال للقصاص وأمثلت الرجل من صاحبه إذا اقتصصته منه وقرىء المثلاث بالتخفيف و المثلاث بإتباع الفاء العين و المثلاث بالتخفيف بعد الإتباع و المثلاث بفتح الثاء علىأنها جمع مثلة كركبة وركبات {وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم} مع ظلمهم أنفسهم ومحله النصب على الحال والعامل فيه المغفرة والتقييد به دليل على جواز العفو قبل التوبة فإن التائب ليس على ظلمه ومن منع ذلك خص الظلم بالصغائر المكفرة لمجتنب الكبائر أو أول المغفرة بالستر والإمهال {وإن ربك لشديد العقاب} للكفار أو لمن شاء و عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: لولا عفو اللّه وتجاوزه لما هنأ أحد العيش ولولا وعيده وعقابه لا تكل على أحد ٧ {ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه} لعدم اعتدادهم بالآيات المنزلة عليه واقتراحا لنحو ما أوتي موسى عليهما السلام {إنما أنت منذر} مرسل للإنذار كغيرك من الرسل وما عليك إلا الإتيان بما تصح به نبوتك من جنس المعجزات لا بما يقترح عليك {ولكل قوم هاد} نبي مخصوص بمعجزات من جنس ما هو الغالب عليهم يهديهم إلى لاحق ويدعوهم إلى الصواب أو قادر على هدايتهم وهو اللّه تعالى لكن لا يهدي إلا من يشاء هدايته بما ينزل عليك من الآيات ثم أردف ذلك بما يدل على كمال علمه وقدرته وشمول قضائه وقدره تنبيها على أنه تعالى قادر على إنزال ما اقترحوه وإنما لم ينزل لعلمه بأن اقتراخهم للعناد دون الاسترشاد وأنه قادر على هدايتهم وإنما لم يهدهم لسبق قضائه بالكفر فقل ٨ {اللّه يعلم ما تحمل كل أنثى} أي حملها أو ما تحمله على أي حال هو من الأحوال الحاضرة والمترقبة {وما تغيض الأرحام وما تزداد} وما تنقصه وما تزداده في الجنة والمدة والعدد وأقصى مدة الحمل أربع سنين عندنا وخمس عند مالك وسنتان عند أبي حنيفة روي أن الضحاك ولد لسنتين وهرم ابن حيان لأربع سنين وأعلى عدده لا حد له وقيل نهاية ما عرف به أربعة وإليه ذهب أبو حنيفة رضي اللّه عنه وقال الشافعي رحمه اللّه أخبرني شيخ باليمن أن امرأته ولدت بطونا في كل بطن خمسة وقيل المراد نقصان دم الحيض وازدياده وغاض جاء متعديا ولازما وكذا ازداد قال تعالى وازدادوا تسعا [الكهف:٢٥] فإن جعلتهما لازمين تعين إما أن تكون مصدرية وإسنادهم إلى الأرحام على المجازفإنهما للّه تعالى أو لما فيها {وكل شيء عنده بمقدار} بقدر لا يجاوزه ولا ينقص عنه كقوله تعالى إنا كل شيء خلقناه بقدر [الرحمن:٤٩] فإنه تعالى خص كل حادث بوقت وحال معينين وهيأ له أسبابا مسوفة إلي تقتضي ذلك وقرأ ابن كثير هاد ووال و وواق وما عند اللّه باق بالتنوين في الوصل فإذا وقف وقف بالياء في هذه الأحرف الأربعة حيث وقعت لا غير والباقون يصلون ويقفون بغير ياء ٩ {عالم الغيب} الغائب عن الحس {والشهادة} الحاضر له {الكبير} العظيم الشأن الذي لا يخرج عن علمه شيء {المتعال} المستعلي على كل شيء بقدرته أو الذي كبر عن نعت المخلوقين وتعالى عنه ١٠ {سواء منكم من أسر القول} في نفسه {ومن جهر به} لغيره {ومن هو مستخف بالليل} طالب للخفاء في مختبأ بالليل وسارت بارز بالنهار يراه كل أحد من سرب سروبا إذا برز وهو عطف على من أو مستخف على أن من في معنى الاثنين كقوله نكن مثل من يا ذئب يصطحبان كأنه قال سواء منكم اثنين مستخف بالليل {وسارب بالنهار} والآية متصلة بما قبلها مقررة لكمال علمه وشموله ١١ {له} لمن أسر أو جهر أو استخفى أو سرب {معقبات} ملائكة في حفظه جمع معقبة من عقبه إذا جاء على عقبه كأن بعضهم يعقب بعضا أو لأنهم يعقبون أقواله وأفعاله فيكتبونها أو اعتقب فأدغمت التاء في القاف والتاء للمبالغة أو لأن المراد بالمعقبات جماعات وقرئ معاقيب جمع معقب أو معقبة على تعويض الياء من حذف إحدى القافين {من بين يديه ومن خلفه} من جوانبه أو من الأعمال ما قدم وأخر {ويحفظونه من أمر اللّه} من بأسه متى أذنب بالاستمهال أو الاستغفار له أو يحفظونه من المضار أو يراقبون أحواله من أجل أمر اللّه تعالى وقد قرئ به وقيل من بمعنى الباء وقيل من أمر اللّه صفة ثانية ل معقبات وقيل المعقبات الحرس والجلازة حول السلطان يحفظونه في توهمه من قضاء اللّه تعالى {إن اللّه لا يغير ما بقوم} من العافية والنعمة {حتى يغيروا ما بأنفسهم} من الأحوال الجميلة بالأحوال القبيحة {وإذا أراد اللّه بقوم سوءا فلا مرد له} فلا راد له فالعامل في إذا ما دل عليه الجواب {وما لهم من دونه من وال} ممن يلي أمرهم فيدفع عنهم السوء وفيه دليل على أن خلاف مراد اللّه تعالى محال ١٢ {هو الذي يريكم البرق خوفا} من أذاه {وطمعا} في الغيث وانتصابها على العلة بتقدير المضاف أي إرادة خوف وطمع أو التأويل بالإخافة والإطماع أو الحال من البرق أو المخاطبين على إضمار ذو أو إطلاق المصدر بمعنى المفعول أو الفاعل للمبالغة وقيل يخاف المطر من يضره ويطمع فيه من ينفعه {وينشى السحاب} الغيم المنسحب في الهواء {الثقال} وهو جمع ثقيل ة وإنما وصف به السحاب لأنه اسم جنس في معنى الجمع ١٣ {ويسبح الرعد} ويسبح سامعوه {بحمده} ملتبسين به فيضجون بسبحان اللّه والحمد للّه أو يدل الرعد بنفسه على وحدانية اللّه وكمال قدرته ملتبسا بالدلالة على فضله ونزول رحمته وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما سئل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن الرعد فقال ملك موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب {والملائكة من خيفته} من خوف اللّه تعالى وإجلاله وقيل الضمير ل الرعد {ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء} فيهلكه {وهم يجالدون في اللّه} حيث يكذبون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيما يصفه به منه كمال العلم والقدرة والتفرد بالألوهية إعادة الناس ومجازاتهم والجدال التشدد في الخصومة من الجدل وهو الفتل والواو إما لعطف الجملة على الجملة أو للحال فإنه روي أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أخا لبيد وفدا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قاصدين لقتله فأخذه عامر بالمجادلة ودار أربد من خلفه ليضربه بالسيف فتنبه له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال: اللّهم اكفنيهما بما شئت فأرسل اللّه على أربد صاعقة فقتله ورمى عامرا بغدة فمات في بيت سلولية وكان يقول غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية فنزلت {وهو شديد المحال} الممالحة المكايدة لأعدائه من محل فلان بفلان إذا كايده وعرضه للّهلاك ومنه تمحل إذا تكلف استعمال الحيلة ولعل أصله المحل بمعنى القحط وقيل فعال من المحل بمعنى القوة وقيل مفعل من الحول أو الحيلة أعل على غير قياس ويعضده أنه قرىء بفتح الميم على أنه مفعل من حال يحول إذا احتال ويجوز أن يكون بمعنى الفقار فيكون مثلا في القوة والقدرة كقولهم فساعد اللّه أشد و موساه أحد ١٤ {له دعوة الحق} الدعاء الحق فإنه الذي يحق أن يعبد ويدعى إلىعبادته دون غيره أو له الدعوة المجابة فإن من دعاه أجابه ويؤيده ما بعده و الحق على الوجهين ما يناقض الباطل وإضافة ال دعوة إليه لما بينهما من الملابسة أو على تأويل دعوة المدعو الحق وقيل الحق هو اللّه تعالى وكل دعاء إليه دعوة الحق والمراد بالجملتين إن كانت الآية في إربد وعامر أن إهلاكهما من حيث لم يشعرا به محال من اللّه إجابة لدعوة رسوله صلى اللّه عليه وسلم أو دلالة على أنه على الحق وإن كانت عامة فالمراد وعيد الكفرة على مجادلة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بحلول محاله بهم وتهديدهم بإجابة دعاء رسول صلى اللّه عليه وسلم عليهم أو بيان ظلالهم وفساد رأيهم {والذين يدعون} أي الأصنام فحذف المفعول لدلالة {من دونه} عليه {لا يستجيبون لهم بشيء} من الطلبات {إلا كباسط كفيه} إلا استجابة كاستجابة من بسط كفيه {إلى الماء ليبلغ فاه} يطلب منه أن يبلغه {وما هو ببالغه} لأنه جماد لا يشعر بدعائه ولا يقدر على إجابته والإتيان بغير ما جبل عليه وكذلك آلهتهم وقيل شبهوا في قلة جدوى دعائهم لها بمن أراد أن يغترف الماء ليشربه فبسط كفيه ليشربه وقرىء تدعون بالتاء وباسط بالتنوين {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} في ضياع وخسار وباطل ١٥ {وللّه يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها} يحتمل أن يكون السجود على حقيقته فإنه يسجد له الملائكة والمؤمنون من الثقلين طوعا حالتي الشدة والرخاء والكفرة كرها حال الشدة والضرورة {وظلالهم} بالعرض وأن يراد به انقيادهم لإحداث ما أراده منهم شاؤوا أو كرهوا وانقياد ظلالهم لتصريفه إياها بالمد والتقليص وانتصاب {طوعا وكرها} بالحال أو العلة وقوله {بالغدو والآصال} ظرف ل يسجد والمراد بهما الدوام أو حال من الظلال وتخصيص الوقتين لأن الظلال إنما تعظم وتكثر فيهما والغدو جمع غداة كقنى جمع قناة و الآصال جمع أصيل وهو ما بين العصر والمغرب وقيل الغدو مصدر ويؤيده أنه قد قرىء و الإيصال وهو الدخول في الأصيل ١٦ {قل من رب السموات والأرض} خالقهما ومتولي أمرهما {قل اللّه} أجب عنهم بذلك إذ لا جواب لهم سواه ولأنه البين الذي لا يمكن المراء فيه أو لقنهم الجواب به {قل أفاتخذتم من دونه} ثم ألزمهم بذلك لأن اتخاذهم منكر بعيد عن مقتضى العقل {أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا} لا يقدرون على أن يجلبوا إليها نفعا أو يدفعوا عنها ضرا فكيف يستطيعون إنفاع الغير ودفع الضر عنه وهو دليل ثان على ضلالهم وفساد رأيهم في اتخاذهم أولياء رجاء أن يشفعوا لهم {قل هل يستوي الأعمى والبصير} المشرك الجاهل بحقيقة العبادة والموجب لها والموحد العالم بذلك وقيل المعبود الغافل عنكم والمعبود المطلع على أحوالكم {أم هل تستوي الظلمات والنور} الشرك والتوحيد وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر بالياء {أم جعلوا للّه شركاء} بل أجعلوا والهمزة للإنكار وقوله {خلقوا كخلقة} صفة لشركاء داخلة في حكم الإنكار {فتشابه الخلق عليهم} خلق اللّه وخلقهم والمعنى أنهم ما اتخذوا للّه شركاء خالقين مثله حتى يتشابه عليهم الخلق فيقولوا هؤلاء خلقوا كما خلق اللّه فاستحقوا العبادة كما استحقها ولكنهم اتخذوا شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق فضلا عما يقدر عليه الخالق {قل اللّه خالق كل شيء} أي لا خالق غيره فيشاركه في العبادة جعل الخلق موجب العبادة ولازم استحقاقها ثم نفاه عمن سواه ليدل على قوله {وهو الواحد} المتوحد بالألوهية {القهار} الغالب على كل شيء ١٧ {أنزل من السماء ماء} من السحاب أو من جانب السماء أو من السماء نفسها فإن المبادىء منها {فسالت أودية أنهار جمع واد وهو الموضع الذي يسيل الماء فيه بكثرة فاتسع فيه واستعمل للماء الجاري فيه وتنكيرها لأن المطر يأتي على تناوب بين البقاع بقدرها بمقدارها الذي علم اللّه تعالى أنه نافع غير ضار أو بمقدارها في الصغر والكبر {فاحتمل السيل زبدا} رفعه والزبد وضر الغليان رابيا عاليا {ومما يوقدون عليه في النار} يعم الفلزات كالذهب والفضة والحديد والنحاس على وجه التهاون بها إظهارا لكبريائه {ابتغاء حلية} أي طلب حلى {أو متاع} كالأواني وآلات الحرب والحرث والمقصود من ذلك بيان منافعها {زبد مثله} أي ومما يوقدون عليه زبد مثل زبد الماء وهو خبثه و من للابتداء أو للتبعيض وقرأ حمزة والكسائي وحفص بالياء على أن الضمير للناس وإضماره للعمل به {كذلك يضرب اللّه الحق والباطل} مثل الحق والباطل فإنه مثل الحق في إفادته وثباته بالماء الذي ينزل من السماء فتسيل به الأودية على قدر الحاجة والمصلحة فينتفع به أنواع المنافع ويمكث في الأرض بأن يثبت بعضه في منافعه ويسلك بعضه في عروق الأرض إلى العيون والقنى والآبار وبالفلز الذي ينتفع به في صوغ الحلى واتخاذ الأمتعة المختلفة ويدوم ذلك مدة متطاولة والباطل في قلة نفعه وسرعة زواله بزبدهما وبين ذلك بقوله {فأما الزبد فيذهب جفاء} يجفأ به أي يرمي به السيل والفلز المذاب وانتصابه على الحال وقرئ جفالا والمعنى واحد {وأما ما ينفع الناس} كالماء وخلاصة الفلز {فيمكث في الأرض} ينتفع به أهلها {كذلك يضرب اللّه الأمثال} لإيضاح المشتبهات ١٨ {للذين استجابوا} للمؤمنين الذين استجابوا {لربهم الحسنى} الاستجابة الحسنى {والذين لم يستجيبوا له} وهم الكفرة واللام متعلقة بيضرب على أنه جعل ضرب المثل لشأن الفريقين ضرب المثل لهما وقيل للذين استجابوا خبر الحسنى وهي المثوية أو الجنة والذين لم يستجيبوا مبتدأ خبره {لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به} وهو على الأول كلام مبتدأ لبيان مآل غير المستجيبين {أولئك لهم سوء الحساب} وهو المناقشة فيه بأن يحاسب الرجل بذنبه لا يغفر منه شيء {ومأواهم} مرجعهم {جهنم وبئس المهاد} المستقر والمخصوص بالذم محذوف ١٩ {أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق} فيستجيب {كمن هو أعمى} عمى القلب لا يستبصر فيستجيب والهمزة لإنكار أن تقع شبهة في تشابههما بعدما ضرب من المثل {إنما يتذكر أولوا الألباب} ذوو العقول المبرأة عن مشايعة الألف ومعارضة الوهم ٢٠ {الذين يوفون بعهد اللّه} ما عقدوه على أنفسهم من الاعتراف بربوبيته حين قالوا بلى أو عهد عهد اللّه تعالى عليهم في كتبه {ولا ينقضون الميثاق} ما وثقوه من المواثيق بينهم وبين اللّه تعالى وبين العباد وهو تعميم بعد تخصيص ٢١ {والذين يصلون ما أمر اللّه به أن يوصل} من الرحم وموالاة المؤمنين والإيمان بجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ويندرج في ذلك مراعاة جميع حقوق الناس {ويخشون ربهم} وعيده عموما {ويخافون سوء الحساب} خصوصا فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا ٢٢ {والذين صبروا} على ما تكرهه النفس ويخالفه الهوى {ابتغاء وجه ربهم} طلبا لرضاه لا لجزاء وسمعة ونحوهما {وأقاموا الصلاة} المفروضة {وأنفقوا مما رزقناهم} بعضه الذي وجب عليهم إنفاقه سرا لمن لم يعرف بالمال وعلانية لمن عرف به {ويدرؤون بالحسنة السيئة} ويدفعونها بها فيجازون الإساءة بالإحسان أو يتبعون السيئة الحسنة فتمحوها {أولئك لهم عقبى الدار} عاقبة الدنيا وما ينبغي أن يكون مآل أهلها وهي الجنة والجملة خبر الموصولات إن رفعت بالابتداء وإن جعلت صفات لأولي الألباب فاستئناف بذكر ما استوجبوا بتلك الصفات ٢٣ {جنات عدن} بدل من عقبى الدار أو مبتدأ خبر {يدخلونها} والعدن الإقامة أي جنات يقيمون فيها وقيل هو بطنان الجنة {ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم} عطف على المرفوع في يدخلون وإنما ساغ للفصل بالضمير الآخر أو مفعول معه والمعنى أنه يلحق بهم من صلح من أهلهم وإن لم يبلغ مبلغ فضلهم تبعا لهم وتعظيما لشأنهم وهو دليل على أن الدرجة تعلو بالشفاعة أو أن الموصوفين بتلك الصفات يقرن بعضهم ببعض لما بينهم من القرأبة والوصلة في دخول الجنة زيادة في أنسهم وفي التقييد بالصلاح دلالة على أن مجرد الأنساب لا تنفع {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب} من أبواب المنازل أو من أبواب الفتوح والتحف قائلين ٢٤ {سلام عليكم} بشارة بدوام السلامة {بما صبرتم} متعلق ب عليكم أو بمحذوف أي هذا بما صبرتم لا ب سلام فإن الخبر فاصل والباء للسببية أو للبدلية {فنعم عقبى الدار} وقرىء فنعم بفتح النون والأصل نعم فسكن العين بنقل كسرتها إلى الفاء وبغيره ٢٥ {والذين ينقضون عهد اللّه} يعني مقابلي الأولين {من بعد ميثاقه} من بعد ما أوثقوه به من الإقرأر والقبول {ويقطعون ما أمر اللّه به أن يوصل ويفسدون في الأرض} بالظلم وتهييج الفتن {أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار} عذاب جهنم أو سوء عاقبة الدنيا لأنه في مقابلة عقبى الدار ٢٦ {اللّه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} يوسعه ويضيقه {وفرحوا} أي أهل مكة {بالحياة الدنيا} بما بسط لهم في الدنيا {وما الحياة الدنيا في الآخرة} أي في جنب الآخرة {إلا متاع} إلا متعة لا تدوم كعجالة الراكب وزاد الراعي والمعنى أنهم أشروا بما نالوا من الدنيا ولم يصرفوه فيما يستوجبون به نعيم الآخرة واغتروا بما هو في جنبه نزر قليل النفع سريع الزوال ٢٧ {ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن اللّه يضل من يشاء} باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات {ويهدي إليه من أناب} أقبل إلى الحق ورجع عن العناد وهو جواب يجري مجرى التعجب من قولهم كأنه قال قل لهم ما أعظم عنادكم إن اللّه يضل من يشاء ممن كان على صفتكم فلا سبيل إلى اهتدائهم و إن أنزلت كل آية ويهدي إليه من أناب بما جئت به بل بأدنى منه من الآيات ٢٨ { الذين آمنوا} بدل من أو خبر مبتدأ محذوف {وتطمئن قلوبهم بذكر اللّه} أنسا به واعتمادا عليه ورجاء منه أو بذكر رحمته بعد القلق من خشيته أو بذكر دلائله الدالة على وجوده ووحدانيته أو بكلامه يعني القرأن الذي هو أقوى المعجزات {ألا بذكر اللّه تطمئن القلوب} تسكن إليه ٢٩ {الذين آمنوا وعملوا الصالحات} مبتدأ خبره {طوبى لهم} وهو فعلى من الطيب قلبت ياؤه واوا لضمة ما قبلها مصدر لطاب كبشرى وزلفى ويجوز فيه الرفع والنصب ولذلك قرئ {وحسن مآب} بالنصب ٣٠ {كذلك} مثل ذلك يعني إرسال قبلك {أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها} تقدمتها {أمم} أرسلوا إليهم فليس ببدع إرسالك إليهم {لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك} لتقرأ عليهم الكتاب الذي أوحيناه إليك {وهم يكفرون بالرحمن} وحالهم أنهم يكفرون بالبليغ الرحمة الذي أحاطت بهم نعمته ووسعت كل شيء رحمته فلم يشكروا نعمه وخصوصا ما أنعم عليهم بإرسالك إليهم وإنزال القرأن الذي هو مناط المنافع الدينية والدنيوية عليهم وقيل نزلت في مشركي أهل مكة حين قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن {قل هو ربي} أي الرحمن خالقي ومتولي أمري {لا إله إلا هو} لا مستحق للعبادة سواه {عليه توكلت} في نصرتي عليكم {وإليه متاب} مرجعي ومرجعكم ٣١ {ولو أن قرأنا سيرت به الجبال} شرط حذف جوابه والمراد منه تعظيم شأن القرأن أو المبالغة في عناد الكفرة وتصميمهم أي ولو أن كتابا زعزعت به الجبال عن مقارها {أو قطعت به الأرض} تصدعت من خشية اللّه عند قرأءته أو شققت فجعلت أنهارا وعيونا {أو كلم به الموتى} فتسمع فتقرؤه أو فتسمع وتجيب عند قرأءته لكان هذا القرأن لأنه الغاية في الإعجاز والنهاية في التذكير والإنذار أو لما آمنوا به كقوله ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة [الانعام:١١١] الآية وقيل إن قريشا قالوا يا محمد إن سرك أن نتبعك فسير بقرأنك الجبال عن مكة حتى تتسع لنا فنتخذ فيها بساتين وقطائع أو سخر لنا به الريح لنركبها ونتجر إلى الشام أو ابعث لنا فنتخذ فيها بساتين وقطائع أو سخر لنا به الريح لنركبها ونتجر إلى الشام أو ابعث لنا به قصي بن كلاب وغيره من آبائنا ليكلمونا فيك فنزلت وعلى هذا فتقطيع الأرض قطعها بالسير وقيل الجواب مقدم وهو قوله وهم يكفرون بالرحمن وما بينهما اعتراض وتذكير كلم خاصة لاشتمال الموتى على المذكر الحقيقي {بل للّه الأمر جميعا} بل للّه القدرة على كل شيء وهو إضراب عما تضمنته لو من معنى النفي أي بل اللّه قادر على الإتيان بما اقترحوه من الآيات إلا أن إرادته لم تتعلق بذلك لعلمه بأنه لا تلين له شكيمتهم ويؤيد ذلك قوله {أفلم ييأس الذين آمنوا} عن أيمانهم مع ما رأوا من أحوالهم وذهب أكثرهم إلى أن معناه أفلم يعلم لما روي أن علي وابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين رضوان اللّه عليهم أجمعين قرؤوا أفلم يتبين وهو تفسير وإنما استعمل اليأس بمعنى العلم لأنه مسبب عن العلم فإن الميئوس عنه لا يكون إلا معلوما ولذلك علقه بقوله {أن لو يشاء اللّه لهدى الناس جميعا} فإن معناه نفى هدى بعض الناس لعدم تعلق المشيئة باهتدائهم وهو على الأول متعلق بمحذوف تقديره أفلم يأس الذين آمنوا عن إيمانهم علما منهم أن لو يشاء اللّه لهدى الناس جميعا أو بآمنوا {ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا} من الكفر وسوء الأعمال فارعة ذاهبة تقرعهم وتقلقهم أو تحل {قريبا من دارهم} فيفرعون منها ويتطاير إليهم شررها وقيل الآية في كفار مكة فإنهم لا يزالوا مصابين بما صنعوا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فإنه عليه الصلاة والسلام كان لا زال يبعث السرايا عليهم فتغير حواليهم وتختطف مواشيهم وعلى هذا يجوز أن يكون تحل خطابا للرسول عليه الصلاة والسلام فإنه حل بجيشه قريبا من دارهم عام الحديبية {حتى يأتي وعد اللّه} الموت أو القيامة أو فتح مكة {إن اللّه لا يخلف الميعاد} لا متناع الكذب في كلامه ٣٢ {ولقد استهزىء برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا} تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ووعيد للمستهزئين به والمقترحين عليه والإملاء أن يترك ملاوة من الزمان في دعة وأمن {ثم أخذتهم فكيف كان عقاب} أي عقابي إياهم ٣٣ {أفمن هو قائم على كل نفس} رقيب عليها {بما كسبت} من خير أو شر لا يخفى عليه شيء من أعماله مولا يفوت عنده شيء من جزائهم والخبر محذوف تقديره كمن ليس كذلك {وجعلوا للّه شركاء} استئناف أو عطف على كسبت إن جعلت ما مصدرية أو لم يوحدوه وجعلوا لعيه ويكون فيه موضع الضمير للتنبيه على أنه المستحق للعبادة وقوله {قل سموهم} تنبيه على أن هؤلاء الشركاء لا يستحقونها والمعنى صفوهم فانظروا هل لهم ما يستحقون به العبادة ويستأهلون الشركة {أم تنبؤنه} بل أتنبئونه وقرىء تنبئونه بالتخفيف {بما لا يعلم في الأرض} بشركاء يستحقون العبادة لا يعلمهم أو بصفات لهم يستحقونها لأجلها لا يعملها وهو العالم بكل شيء {أم بظاهر من القول} أم تسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير حقيقة واعتبار معنى كتسمية الزنجي كافورا وهذا احتجاج بليغ على أسلوب عجيب ينادي على نفسه بالإعجاز {بل زين للذين كفروا مكرهم} تمويههم فتخيلوا أباطيل ثم خالوها حقا أو كيدهم للإسلام يشركهم {وصدوا عن السبيل} سبيل الحق وقرأ ابن كثير ونافع وأبو بعمرو وابن عامر وصدوا بالفتح أي وصدوا الناس عن الإيمان وقىء بالكسر وصد بالتنوين {ومن يضلل اللّه} يخذله {فماله من هاد} يوفقه للّهدى ٣٤ {لهم عذاب في الحياة الدنيا} بالقتل والأسر وسائر ما يصيبهم من المصائب {ولعذاب الآخرة اشق}لشدته ودوامه {ومالهم من اللّه} من عذابه أو من رحمته {من واق} حافظ ٣٥ {مثل الجنة التي وعد المتقون} صفتها التي هي مثل في الغرابة وهو مبتدأ خبر محذوف عند سيبويه أي فيما قصصنا عليكم مثل الجنة وقيل خبره {تجري من تحتها الأنهار} على طريقة قولك صفة زيد أسمر أو على حذف موصوف أي مثل الجنة جنة تجري من تحتها الأنهار أو على زيادة المثل وهو على قول سيبويه حال من العائد أو المحذوف أو من الصلة {أكلها دائم} لا ينقطع ثمرها وظلها أي وظلها وكذلك لا ينسخ في الدنيا بالشمس تلك أي الجنة الموصوفة {عقبى الذين اتقوا} مآلهم ومنهى أمرهم {وعقبى الكافرين النار} لا غير وفي ترتيب النظمين إطماع للمتقين وإقناط للكافرين ٣٦ {والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك} يعني المسلمين من أهل الكتاب كابن سلام وأصحابه ومن آمن من النصارى وهم ثمانون رجلا أربعون بنجران وثمانية باليمن واثنان وثلاثون بالحبشة أو عامتهم فإنهم كانوا يفرحون بما يوافق كتبهم {ومن الأحزاب} يعني كفرتهم الذين تحزبوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالعداوة ككعب بن الأشرف وأصحابه والسيد والعاقب وأشياعهما {من ينكر بعضه} وهو من يخالف شرائعهم أو ما يوافق ما حرفوه منها {قل إنما أمرت أن أعبد اللّه ولا أشرك به} جواب المنكرين أي قل لهم إني أمرت فيما أنزل إلي بأن أعبد اللّه وأوحده وهو العمدة في الدين ولا سبيل لكم إلى إنكاره وأما ما تنكرونه لما يخالف شرائعكم فليس ببدع مخلفة الشرائع والكتب الإلهية في جزيئات الأحكام وقرىء {ولا أشرك} بالرفع على الإستئناف {إليه أدعو} لا إلى غيره {وإليه مآب} وإليه مرجعي للجزاء لا إلى غيره وهذا هو القدر المتفق عليه بين الأنبياء وأما ماعدا ذلك من التفاريع فمما يختلف بالأعصار والأمم فلا معنى لإنكارهم المخالفة فيه ٣٧ {وكذلك} ومثل ذلك الإنزال المشتمل على أصول الدينات المجمع عليها {أنزلناه حكما} يحكم في القضايا والوقائع بما تقتضيه الحكمة {عربيا} مترجما بلسان العرب ليسهل لهم فهمه وحفظه وانتصابه على الحال {ولئن اتبعت أهواءهم}التي يدعونك إليها كتقرير دينهم والصلاة إلى قبلتهم بعدما حولت عنها {بعد ما جاءك من العلم} بنسخ ذلك {ما لك من اللّه من ولي ولا واق} ينصرك ويمنع العقاب عنك وهو حسم لأطماعهم وتهييج للمؤمنين على الثبات في دينهم ٣٨ {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك} بشرا مثلك {وجعلنا لهم أزوجا وذرية} نساء وأولادا كما هي لك {وما كان لرسول} وما يصح له ولم يكن في وسعه {أن يأتي بآية} تقترح عليه وحكم يلتمس منه {إلا بإذن اللّه} فإنه المليء بذلك لك {لكل أجل كتاب} لك ل وقت وأمد حكم يكتب على العباد على ما يقتضيه استصلاحهم ٣٩ {يمحو اللّه ما يشاء} ينسخ ما يستصوب نسخة {ويثبت} ما تقتضيه حكمته وقيل يمحو سيئات التائب ويثبت الحسنات مكانها وقيل يمحو من كتاب الحفظة مالا يتعلق به جزاء ويترك يغيره مثبتا أو يثبت ما رآه وحده في صميم قلبه وقيل يمحو قرنا و يثبت آخرين وقيل يمحو الفاسدات ويثبت الكائنات وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي ويثبت بالتشديد {وعنده أم الكتاب} أصل الكتاب وهو اللوح المحفوظ إذ ما من كائن إلا وهو مكتوب فيه ٤٠ {وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك} وكيفما دارت الحال أريناك بعض ما أوعدناهم أو توفيناك قبله {فإنما عليك البلاغ} لا غير {وعلينا الحساب} للمجازاة لا عليك فلا تحتفل بإعراضهم ولا تستعجل بعذابهم فإنا فاعلون له و هذا طلائعه ٤١ {أو لم يروا أنا نأتي الأرض} أرض الكفرة {ننقصها من أطرافها} بما نفتحه على المسلمين منها {واللّه يحكم لا معقب لحكمه} لا راد له وحقيقته الذي يعقب الشيء بالإبطال ومنه قيل لصاحب الحق معقب لأنه يقفو غريمه بالإقتضاء والمعنى أنه حكم للأسلام بالإقبال وعلى الكفر بالإدبار وذلك كائن لا يمكن تغييره ومحل لا مع المنفي النصب على الحال اي يحكم نافذا حكمه {وهو سريع الحساب} فيحاسبهم عما قليل في الآخرة بعدما عذبهم بالقتل والإجلاء في الدنيا ٤٢ {وقد مكر الذين من قبلهم} بأنبيائهم والمؤمنين به منهم {فللّه المكر جميعا} إذ لا يؤبه بمكر دون مكره فإنه القادر على ما هو المقصود منه غيره {يعلم ما تكسب كل نفس} فيعد جزاءها {وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار} من الحزبيين حيثما يأتيهم العذاب المعد لهم وهم في غفلة منه وهذا كالتفسير لمكر اللّه تعالى بهم واللام تدل على أن المراد بالعقبى العاقبة المحمودة مع ما في الأضافة إلى الدار كما عرفت وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكافر على إرادة الجنس وقرئ الكافرون والذين كفروا و الكفر أي أهله وسيعلم من أعلمه إذا أخبره ٤٣ {ويقول الذين كفروا لست مرسلا} قيل المراد بهم رؤساء اليهود {قل كفى باللّه شهيدا بيني وبينكم} فإنه أظهر من الأدلة على رسالتي ما يغني عن شاهد يشهد عليها {ومن عنده علم الكتاب} علم القرأن وما ألف عليه من النظم المعجز أو علم التوراة وهو ابن سلام وأضرابه أو علم اللوح المحفوظ وهو اللّه تعالى أي كفى بالذي يستحق العبادة وبالذي لا يعلم ما في اللوح المحفوظ إلا هو شهيدا بيننا فيخزي الكاتب منا ويؤيده قرأءة من قرأ ومن عنده بالكسر و علم الكتاب وعلى الأول مرتفع بالظرف فإنه معتمد على الموصول ويجوز أن يكون مبتدأ والظرف خبره وهو متعين على الثاني وقرئ ومن عنده علم الكتاب على الحرف والبناء للمفعول عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: من قرأ سورة الرعد أعطي من الأجر عشر حسنات بوزن كل سحاب مضى وكل سحاب يكون إلى يوم القيامة من الموفين بعهد اللّه |
﴿ ٠ ﴾