تفسير البيضاوي: أنوار التنزيل و أسرار التأويل أبو سعيد عبد اللّه بن عمر بن محمد بن علي البيضاوي الشيرازي الفارسي، ناصر الدين، القاضي الشافعي (ت ٦٨٥ هـ ١٢٨٦ م) _________________________________ سورة إبراهيم سورة إبراهيم وهي آياتها اثنتان وخمسون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {آلر} كتاب أي هو {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس} بدعائك إياهم إلى ما تضمنه {من الظلمات} من أنواع الضلال {إلى النور} إلى الهدى {بإذن ربهم} بتوفيقه وتسهيله مستعار من الاذن الذي هو تسهيل الحجاب وهو صلة لتخرج أو حال من فاعله أو مفعوله {إلى صراط العزيز الحميد} بدل من قوله إلى النور بتكرير العامل أو استئناف على أنه جواب لمن يسأله عنه وإضافة الصراط إلى ٢ {اللّه} تعالى إما لأنه مقصده أو المظهر له وتخصيص الوصفين للتنبيه على أنه لا يذل سالكه ولا يخيب سابله واللّه {الذي له ما في السموات وما في الأرض} على قرأءة نافع وابن عامر مبتدأ وخبر أو اللّه خبر مبتدأ محذوف والذي صفته وعلى قرأءة الباقين عطف بيان ل العزيز لأنه كالعلم لاختصاصه بالمعبود على الحق {وويل للكافرين من عذاب شديد} وعيد لمن كفر بالكتاب ولم يخرج به من الظلمات إلى النور والويل نقيض الوأل وهو النجاة وأصله النصب لأنه مصدر إلا أنه لم يشتق منه فعل لكنه رفع لإفادة الثبات ٣ {الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة} يختارونها عليها فإن المختار للشيء يطلب من نفسه أن يكون أحب إليها من غيره {ويصدون عن سبيل اللّه} بتعويق الناس عن الإيمان وقرئ ويصدون من أصده وهو منقول من صد صدودا إذا تنكب وليس فصيحا لأن في صده مندوحة عن تكلف التعدية بالهمزة {ويبغونها عوجا} ويبغون لها زيغا ونكوبا عن الحق ليقدحوا فيه فحذف الجار وأوصل الفعل إلى الضمير والموصول بصلته يحتمل الجر صفة للكافرين والنصب على الذم والرفع عليه أو على أنه مبتدأ خبره ل {أولئك في ضلال بعيد} أي ضلوا عن الحق ووقعوا عنه بمراحل والبعد في الحقيقة للضال فوصف به فعله للمبالغة أو للأمر الذي به الضلال فوصف به لملابسته ٤ {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه} إلا بلغة قومه الذي هو منهم وبعث فيهم {ليبين لهم} ما أمروا به فيفقهوه عنه بيسر وسرعة ثم ينقلوه ويترجموه إلى غيرهم فإنهم أولى الناس إليه بأن يدعوهم وأحق بأن ينذرهم ولذلك أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم بإنذار عشيرته أولا ولو نزل على من بعث إلى أمم مختلفة كتب على ألسنتهم استقل ذلك بنوع من الإعجاز لكن أدى إلى اختلاف الكلمة وإضاعة فضل الجهاد في تعلم الألفاظ ومعانيها والعلوم المتشبعة منها وما في أتعاب القرأئح وكد النفوس من القرب المقتضية لجزيل الثواب وقرئ بلسن وهو لغة فيه كريش ورياش ولسن بضمتين وضمة وسكون على الجمع كعمد وعمد وقيل الضمير في قومه لمحمد صلى اللّه عليه وسلم وأن اللّه تعالى أنزل الكتب كلها بالعربية ثم ترجمها جبريل عليه السلام أو كل نبي بلغة المنزل عليهم وذلك ليس بصحيح يرده قوله ليبين لهم فإنه ضمير القوم والتوراة والإنجيل ونحوهما لم تنزل لتبين للعرب {فيفضل اللّه من يشاء} فيخذله عن الإيمان ويهدي من يشاء بالتوفيق له {وهو العزيز} فلا يغلب على مشيئته {الحكيم} الذي لا يضل ولا يهدي إلا لحكمه ٥ {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا} يعني اليد والعصا وسائر معجزاته {أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور} بمعنى أي أخرج لأن في الإرسال معنى القول أو بأن أخرج فإن صيغ الأفعال سواء في الدلالة على المصدر فيصح أن توصل بها أن الناصبة {وذكرهم بأيام اللّه} بوقائعه التي وقعت على الأمم الدارجة وأيام العرب حروبها وقيل بنعمائه وبلائه {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} يصبر على بلائه ويشكر على نعمائه فإنه إذا سمع بما أنزل على من قبل من البلاء وأفيض عليهم من النعماء أعتبر وتنبه لما يجب عليه من الصبر والشكر وقيل المراد لكل مؤمن وإنما عبر عنه بذلك تنبيها على أن الصبر والشكر عنوان المؤمن ٦ {وإذا قال موسى لقومه اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون} أي اذكروا نعمته عليكم وقت إنجائه إياكم ويجوز أن ينتصب ب عليكم إن جعلت مستقرة غير صلة للنعمة وذلك إذا أريد به العطية دون الأنعام ويجوز أن يكون بدلا من نعمة اللّه بدل الاشتمال {يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم} أحوال من آل فوعون أو من ضمير المخاطبين والمراد بالعذاب ها هنا غير المراد به في سورة البقرة والأعراف لأنه مفسر بالتذبيح والقتل ثمة ومعطوف عليه بالتذبيح ها هنا وهو إما جنس العذاب أو ستعبادهم أو استعمالهم بالعمال الشاقة {وفي ذلكم} من حيث إنه بإقدار اللّه إياهم وإمهالهم فيه {بلاء من ربكم عظيم} ابتلاء من هو يجوز أن تكون الإشارة إلى الإنجاء والمراد بالبلاء النعمة ٧ {وإذ تأذن ربكم} أيضا من كلام موسى صلى اللّه عليه وسلم و تأذن بمعنى آذن كتوعد وأوعد غير أنه أبلغ لما في التفعل من معنى التكليف والمبالغة {لئن شكرتم} يا بني إسرائيل ما أنعمت عليكم من الإنجاء وغيره بالإيمان والعمل الصالح {لأزيدكم} نعمة إلى نعمة {ولئن كفرتم} ما أنعمت عليكم {إن عذابي لشديد} فلعلي أعذبكم على الكفران عذابا شديدا و من عادة أكرم الأكرمين أن يصرح بالوعد ويعرض بالوعيد والجملة مقول قول مقدر أو مفعول تأذن على أنه جار مجرى قال لأنه ضرب منه ٨ {وقال موسى إن كفروا أنتم ومن في الأرض جميعا} من الثقلين {فإن اللّه لغني} عن شكركم {حميد} مستحق للحمد في ذاته محمود تحمده الملائكة وتنطق بنعمته ذرات المخلوقات فما ضررتم بالكفر إلا أنفسكم حيث حرمتموها مزيد الأنعام وعرضتموها للعذاب الشديد ٩ { ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود} من كلام موسى عليه الصلاة والسلام أو كلام مبتدأ من اللّه {والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا اللّه} جملة وقعت اعتراضا أو الذين من بعدهم عطف على ما قبله ولا يعلمهم اعتراض والمعنى أنهم لكثرتهم لا يعلم عددهم إلا اللّه ولذلك قال بان مسعود رضي اللّه تعالى عنه كذب النسابون {جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم} فعضوها غيظا مما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام كقوله تعالى {عضوا عليكم الأنامل من الغيظ} [آل عمران: ١١٩] أو وضعوها عليها تعجبا منه أو استهزاء عليه كمن غلبه الضحك أو إسكاتا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأمرا لهم بإطباق الأفواه أو أشاروا بها إلى السنتهم وما نطقت به من قولهم إنا كفرنا تنييها على أن لا جواب لهم سواه أو ردوها في أفواه الأنبياء يمنعونهم من التكلم وعلى هذا يحتمل أن يكون تمثيلا وقيل الأيدي بمعنى الأيادي أيردوا ايادي الأنبياء التي هي مواعظهم وما أوحي إليهم من الحكم والشرائع في أفواههم لأنهم إذا كذبوها ولم يقبلوها فكأنهم ردوها إلىحيث جاءت منه {وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به} على زعمكم {وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه} من الإيمان وقرىء تدعونا بالأدغام {مريب} موقع في الريبة أو ذي ريبة وهي قلق النفس وأن لا تطمئن إلى الشيء ١٠ {قالت رسلهم أفي اللّه شك} أدخلت همزة الإنكار على الظرف لأن الكلام في المشكوك فيه لا في الشك أي إنما ندعوكم إلى اللّه وهو لا يحتمل الشك أي إنما ندعوكم إلى اللّه وهو لا يحتمل الشك لكثرة الأدلة وظهور دلالتها عليه واشاروا إلى ذلك بقولهم {فاطر السموات والأرض} وهو صفة أو بدل و شك مرتفع بالظرف {يدعوكم} إلى الإيمان ببعثه إيانا و {ليغفر لكم} أو يدعوكم إلى المغفرة كقولك دعوته لينصرني على إقامة المفعول له مقام المفعول به {من ذنوبكم} بعض ذنوبكم وهو ما بينكم وبينه تعالى فإن الإسلام يجبه دون المظالم وقيل جيء بمن في خطاب الكفرة دون المؤمنين في جميع القرأن تفرقة بي الخطابين ولعل المعنى فيه أن المغفرة حيث جاءت في خطاب الكفار مرتبة على الإيمان وحيث جاءت في خطاب المؤمنين مشفوعة بالطاعة والتجنب عن المعاصي ونحو ذلك فتناول الخروج عن المظالم ويؤخذ { ويؤخركم إلى أجل مسمى} إلى وقت سماه اللّه تعالى وجعله آخر أعماركم {قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا} لا فضل لكم علينا فلم تخصون بالنبوة دوننا ولو شاء اللّه أن يبعث إلى البشر رسلا لبعث من جنس أفضل تريدون {أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا} بهذه الدعوى {فأتونا بسلطان مبين} يدل على فضلكم واستحقاقكم لهذه المزية أو على صحة ادعائكم النبوة كأنهم لم يعتبروا ما جاءوا به من البينات والحجج واقترحوا عليهم آية أخرى تعنتا ولجاجا ١١ {قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن اللّه يمن على من يشاء من عباده} سلموا مشاركتهم في الجنس وجعلوا الموجب لاختصاصهم بالنبوة فضل اللّه ومنه عليهم وفيه دليل على أن النبوة عطائية وأن ترجيح بعض الجائزات على بعض بمشيئة اللّه تعالى {وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن اللّه} أي ليس إلينا الإتيان بالآيات ولا تستبد به استطاعتنا حتى نأتي بما اقترحتموه وإنما هو أمر يتعلق بمشيئة اللّه تعالى فيخص كل نبي بنوع من الآيات {وعلى اللّه فليتوكل المؤمنون} فلنتوكل عليه في الصبر على معاندتكم ومعاداتكم عمموا الأمر للإشعار بما يوجب التوكل وقصدوا به أنفسهم قصدا أوليا ألا ترى قوله تعالى ١٢ {وما لنا ألا نتوكل على اللّه} أي عذر لنا في أن لا نتوكل عليه {وقد هدانا سبلنا} التي بها نعرفه ونعلم أن الأمور كلها بيده وقرأ أبو عمرو بالتخفيف ههنا وفي العنكبوت {ولنصبرن على ما آذيتمونا} جواب قسم محذوف أكدوا به توكلهم وعدم مبالاتهم بما يجري من الكفار عليهم {وعلى اللّه فليتوكل المتوكلون} فليثبت المتوكلون على ما استحدثوه من توكلهم المسبب عن إيمانهم ١٣ {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا} حلفوا على أن يكون أحد الأمرين إما إخراجهم للرسل أو عودهم إلى ملتهم وهو بمعنى الصيرورة لأنهم لم يكونوا على ملتهم قط ويجوز أن يكون الخطاب لكل رسول ومن آمن معه فغلبوا الجماعة على الواحد {فأوحى إليهم ربهم} أي إلى رسلهم {لنهلكن الظالمين} على إضمار القول أو إجراء الإيحاء مجراه لأنه نوع منه ١٤ {ولنسكننكم الأرض من بعدهم} أي أرضهم وديارهم كقوله تعالى {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها} [الأعراف: ١٣٧] وقرئ ليهلكن وليسكنكم بالياء اعتبارا لأوحى كقولك أقسم زيد ليخرجن {ذلك} إشارة إلى الموحى به وهو إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين {لمن خاف مقامي} موقفي وهو الموقف الذي يقيم فيه العباد للحكومة يوم القيامة أو قيامي عليه لا علمه وقيل المقام مقحم {وخاف وعيد} أي وعيدي بالعذاب أو عذابي الموعود للكفار ١٥ { واستفتحوا} سألوا من اللّه الفتح على أعدائهم أو القضاء بينهم وبين أعدائهم من الفتاحة كقوله ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق [الاعراف:٨٩] وهو معطوف على فاوحى والضمير للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقيل للكفرة وقيل للفريقين فإن كلهم سألوه أن ينصر المحق ويهلك المبطل وقرئ بلفظ الأمر عطفا على ليهلكن {وخاب كل جبار عتيد} أي ففتح لهم فأفلح المؤمنون وخاب كل جبار عات متكبر على اللّه معاند للحق فلم يفلح ومعنى الخيبة إذا كان الاستفتاح من الكفرة أو من القبيلين كان أوقع ١٦ {من ورائه جهنم} أي من بين يديه فإنه مرصد بها واقف على شفيرها في الدنيا مبعوث إليها في الآخرة وقيل من وراء حياته وحقيقته ما توارى عنك {ويسقى من ماء} عطف على محذوف تقديره من ورائه جهنم يلقى فيها ما يلقى ويسقى من ماء {وصديد} عطف بيان ل ماء وهو ما يسيل من جلود أهل النار ١٧ {يتجرعه} يتكلف جرعه وهو صفة لماء أو حال من الضمير في يسقى {ولا يكاد يسيغه} ولا يقارب أن يسيغه فكيف يسيغه بل يغص به فيطول عذابه والسوغ جواز الشراب على الحلق بسهولة وقبول نفس {ويأتيه الموت من كل مكان} أي أسبابه من الشدائد فتحيط به من جميع الجهات وقيل من كل مكان من جسده حتى من أصول شعره وإبهام رجله {وما هو بميت} فيستريح {ومن ورائه} ومن بين يديه {عذاب غليظ} أي يستقبل في كل وقت عذابا أشد مما هو عليه وقيل هو الخلود في النار وقيل حبس الأنفاس وقيل الآية منقطعة عن قصة الرسل نازلة في أهل مكة طلبوا الفتح الذي هو المطر في سنيهم التي أرسل اللّه تعالى عليهم بدعوة رسوله فخيب رجاءهم فلم يسقهم ووعد لهم أن يسقيهم في جهنم بدل سقياهم صديد أهل النار ١٨ {مثل الذين كفروا بربهم} مبتدأ خبره محذوف أي فيما يتلى عليكم صفتهم التي هي مثل في الغرابة أو قوله {أعمالهم كرماد} وهو على الأول جملة مستأنفة لبيان مثلهم وقيل أعمالهم بدل من ال مثل والخبر كرماد {اشتدت به الريح} حملته وأسرعت الذهاب به وقرأ نافع الرياح {في يوم عاصف} العصف اشتداد الريح وصف به زمانه للمبالغة كقولهم نهاره صائم وليله قائم شبه صنائعهم من الصدقة وصلة الرحم وإغاثة الملهوف وعتق الرقاب ونحو ذلك من مكارمهم في حبوطها وذهابها هباء منثورا لبنائها على غير أساس من معرفة اللّه تعالى والتوجه بها إليه أو أعمالهم للأصنام برماد طيرته الريح العاصف فلا يرون له أثرا من الثواب وهو فذلكة التمثيل ذلك إشارة إلى ضلالهم مع حسبانهم أنهم محسنون {هو الضلال البعيد} فإنه الغاية في البعد عن طريق الحق ١٩ {ألم تر} خطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم به أمته وقيل لكل واحد من الكفرة على التلوين {أن اللّه خلق السموات والأرض بالحق} والحكمة والوجه الذي يحق أن تخلق عليه وقرأ حمزة والكسائي خالق السموات {إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد} يعدمكم ويخلق خلقا آخر مكانكم رتب ذلك على كونه خالقا للسموات والأرض استدلال ا به عليه فإن من خلق أصولهم وما يتوقف عليه تخليقهم ثم كونهم بتبديل الصور وتغيير الطبائع قدر أن يبدلهم بخلق آخر ولم يمتنع عليه ذلك كما قال ٢٠ {وما ذلك على اللّه بعزيز} بمعتذر أو متعسر فإنه قادر لذاته لا اختصاص له بمقدور دون مقدور ومن كان هذا شانه كان حقيقا بأن يؤمن به ويعبد رجاء لثوابه وخوفا من عقابه يوم الجزاء ٢١ {وبرزوا للّه جميعا} أي يبرزون من قبورهم يوم القيامة لأمر اللّه تعالى ومحاسبته أو للّه على ظنهم فإنهم كانوا يخفون أرتكاب الفواحش ويظنون أنها تخفى على اللّه تعالى فإذا كان يوم القيامة انكشفوا للّه تعالى عند أنفسهم وإنما ذكر بلفظ لماضي لتحقيق وقوعه {فقال الضعفاء} الإتباع جمع ضعيف يريد به ضعاف الرأي وإنما كتبت بالواو على لفظ من بفخم الألف قبل الهمزة في مليها إلى الواو {للذين استكبروا} لرؤوسائهم الذين استتبعوهم واستغفووهم {إنا كنا لكم تبعا} في تكذيب الرسل والإعراض عن نصائحهم وهو جمع تابع كغائب وغيب أو مصدر نعت به للمبالغة أو على إضمار مضاف {فهل أنتم مغنون عنا} دافعون عنا {من عذاب اللّه من شيء} من الأولى للبيان واقعة موقع الحال والثانية للتبغيض واقعة موقع المفعول أي بعض الشيء الذي هو عذاب اللّه ويجوز أن تكونا للتبعيض أي بعض شيء هو بعض عذاب اللّه والأعراب ما سبق ويحتمل أن تكون الأولى مفعولا والثانية مصدرا أ ي فهل أنتم مغنون بعض العذاب بعض الإغناء قالوا أي الذين استكبروا جوابا عن معاقبة الأتباع واعتذار عما فعلوا بهم {لو هدانا اللّه} للإيمان ووفقنا له لهديناكم ولكن ضللنا فأضللناكم أي اخترنا لكم ما اخترناه لأنفسنا أو لو هدنا اللّه طريق النجاة من العذاب لهديناكم وأغنيناه عنكم كما عرضناكم له لكن سد دوننا طريق الخلاص {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا} مستويان علينا الجزع والصبر {ما لنا من محيص} منجى ومهرب من العذاب من الحيص وهو العدل على جهة الفرار وهو يحتمل أن يكون مكانا كالمبيت ومصدرا كالمغيب ويجوز أن يكو قوله {سواء علينا} من كلام الفريقين ويؤيده ما روي أنهم يقولون تعالوا نجزع فيجزعون خمسمائة عام فلا ينفعهم فيقولون تعالوا نصبر فيصبرون كذلك ثم يقولون {سواء علينا} ٢٢ {وقال الشيطان لما قضي الأمر} أحكم وفرغ منه ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار خطيبا في الأشقياء من الثقلين {إن اللّه وعدكم وعد الحق} وعدا أنجزه وهو الوعد بالبعث والجزاء ووعدتكم وعد الباطل وهو أن لا بعث ولا حساب وإن كانا فالأصنام تشفع لكم فأخلفتكم جعل تبين خلف وعده كالأخلاف منه {وما كان لي عليكم من سلطان} تسلط فألجئكم إلى الكفر والمعاصي {إلا أن دعوتم} إلا دعائي إياكم إليها بتسويلي وهو ليس من جنس السلطان ولكنه على طريقة قولهم تحية بينهم ضرب وجيع ويجوز أن يكون الإستثثناء منقطعا {فاستجبتم لي} أسرعتم إجابتي {فلا تلومني} بوسوستي فإن من صرح العداوة لا يلام بأمثال ذلك {ولوموا أنفسكم} حيث أطعتموني إذ دعوتكم ولم تطيعوا ربكم لما دعاكم واحتجت المعتزلة بأمثال ذلك على استقلال العبد بأفعلاه وليس فيها ما يدل عليه إذ يكفي لصحتها أن يكون لقدرة العبد مدخل ما في فعله وهو الكسب الذي يقوله أصحابنا {ما أنا بمصرخكم} بمغيثكم من العذاب {وما أنتم بمصرخي} بمغيثي وقرأ حمزة بكسر الياء على الأصل في التقاء الساكنين وهو أصل مرفوض في مثله لما فيه من اجتماع ياءين وثلاث كسرات مع أن حركة ياء الإضافة الفتح فإذا لم تكسر وقبلها ألف فبالحري أن لا تكسر وقبلها ياء أو على لغة من يزيد ياء على ياء الإضافة إجراء لها مجرى الهاء والكاف في ضربته وأعطيتكه وحذف الياء اكتفاء بالكسرة {إني كفرت بما أشركتمون من قبل} ما إما مصدرية من متعلقة بأشر كتموني أي كفرت اليوم بإشراككم إياي من قبل هذا اليوم أي في الدنيا بمعنى تبرأت منه واستنكرته كقوله ويوم القيامة يكفرون بشرككم أو موصولة بمعنى من نحو ما في قولهم سبحان ما سخركن لنا و من متعلقة ب كفرت أي كفرت بالذي أشركتمونيه وهو اللّه تعالى بطاعتكم إياي فيما دعوتكم إليه من عبادة الأصنام وغيرها من قبل إشراككم حين رددت أمره بالسجود لآدم عليه الصلاة والسلام وأشرك منقول من شركت زيدا للتعدية إلى مفعول ثان {إن الظالمين لهم عذاب أليم} تتمة كلامه أو ابتداء كلام من اللّه تعالى وفي حكاية أمثال ذلك لطف للسامعين وإيقاظ لهم حتى يحاسبوا أنفسهم ويتدبروا عواقبهم ٢٣ {وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم} بإذن اللّه تعالى وأمره والمدخلون هم الملائكة وقرئ وأدخل على التكلم فيكون قوله {بإذن ربهم} متعلقا بقوله {تحيتهم فيها سلام} أي تحييهم الملائكة فيها بالسلام بإذن ربهم ٢٤ {ألم تر كيف ضرب اللّه مثلا} كيف اعتمده ووضعه {كلمة طيبة كشجرة طيبة} أي جعل كلمة طيبة كشجرة طيبة وهو تفسير لقوله {ضرب اللّه مثلا} ويجوز أن تكون كلمة بدلا من مثلا و شجرة صفتها أو خبر مبتدأ محذوف أي هي كشجرة وإن تكون أول مفعولي ضرب إجراء له مجرى جعل وقد قرئت بالرفع على الابتداء {أصلها ثابت} في الأرض ضارب بعروقه فيها وفروعها وأعلاها {في السماء} ويجوز أن يريد وفروعها أي أفنائها على الاكتفاء بلفظ الجنس لاكتسابه الاستغراق من الإضافة وقرئ ثابت أصلها والأول على أصله ولذلك قيل إنه أقوى ولعل الثاني ٢٥ {تؤتي أكلها} تعطي ثمرها {كل حين} وقته اللّه تعالى لإثمارها {بإذن ربها} بإرادة خالقها وتكوينه {ويضرب اللّه الأمثال للناس لعلهم يتذكرون} لأن في ضربها زيادة إفهام وتذكير، فإنه تصوير للمعاني وإدناء لها من الحس. ٢٦
{ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة} كمثل شجرة خبيثة {اجتثت} استؤصلت وأخذت جثتها بالكلية. {من فوق الأرض} لأن عروقها قريبة منه. {ما لها من قرار} استقرار. واختلف في الكلمة والشجرة ففسرت الكلمة الطيبة: بكلمة التوحيد ودعوة الإسلام والقرآن، والكلمة الخبيثة بالشرك باللّه تعالى والدعاء إلى الكفر وتكذيب الحق، ولعل المراد بهما ما يعم ذلك فالكلمة الطيبة ما أعرب عن حق أو دعا إلى صلاح، والكلمة الخبيثة ما كان على خلاف ذلك وفسرت الشجرة الطيبة بالنخلة. وروي ذلك مرفوعاً وبشجرة في الجنة، والخبيثة بالحنظلة والكشوث، ولعل المراد بهما أيضاً ما يعم ذلك. ٢٧ {يثبت اللّه الذين آمنوا بالقول الثابت} الذي بالحجة عندهم وتمكن في قلوبهم {الحياة الدنيا} فلا يزالون إذا فتنوا في دينهم كزكريا ويحي عليهما السلام وجرجيس وشمعون والذين فتنهم أصحاب الأخدود {وفي الآخرة} فلا يتلعثمون إذا سئلوا عن معتقدهم في الموقف ولا تدهشهم أهوال يوم القيامة وروي أنه صلى اللّه عليه وسلم ذكر قبض روح المؤمن فقال: ثم تعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه في قبره ويقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول ربي اللّه وديني الإسلام ونبي محمد صلى اللّه عليه وسلم فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فذلك قوله {يثبت اللّه الذين آمنوا بالقول الثابت} {ويضل اللّه الظالمين} الذين ظلموا أنفسهم بالاقتصار على التقليد فلا يهتدون إلى الحق ولا يثبتون في مواقف الفتن {ويفعل اللّه ما يشاء} من تثبيت بعض وإضلال آخرين من غير اعتراض عليه ٢٨ { ألم تر إلى الذين بذلوا نعمت اللّه كفرا} أي شكر نعمته كفرا بأن وضعوه مكانه أو بذلوا نفس النعمة كفرا فإنهم لما كفروها سلبت منهم فصاروا تاركين لها محصلين للكفر بدلها كأهل مكة خلقهم اللّه تعالى وأسكنهم حرمه وجعلهم قوام بيته ووسع عليهم أبواب رزقه وشرفهم بمحمد صلى اللّه عليه وسلم فكفروا ذلك فقحطوا سبع سنين وأسروا وقتلوا يوم بدر وصاروا أدلاء فبقوا مسلوبي النعمة وموصوفين بالكفر وعن عمر وعلي رضي اللّه تعالى عنهما هم الأفجران من قريش بنو المغيرة وبنو أمية فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين {وأحلوا قومهم} الذين شايعوهم في الكفر {دار البوار} دار الهلاك بحملهم على الكفر ٢٩ {جهنم} عطف بيان لها {يصلونها} حال منها أو من القوم أي داخلين فيها مقاسين لحرها أو مفسر لفعل مقدر ناصب لجهنم {وبئس القرأر} أي وبئس المقر جهنم ٣٠ {وجعلوا للّه أندادا ليضلوا عن سبيله} الذي هو التوحيد وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ورويس عن يعقوب بفتح الياء وليس الضلال ولا الإضلال غرضهم في اتخاذ الأنداد لكن كان نتيجة جعل كالغرض {قل تمتعوا} بشهواتكم أو بعبادة الأوثان فإنها من قبيل الشهوات التي يتمتع بها وفي التهديد بصيغة الأمر إيذان بأن المهدد عليه كالمطلوب لإفضائه إلى المهدد به وأن الأمرين كائنان لا محالة ولذلك عللّه بقوله فإن مصيركم إلى النار} وأن المخاطب لانهماكه فيه كالمأمور به من أمر مطاع ٣١ {قل لعبادي الذين آمنوا} خصهم بالإضافة تنويها لهم وتنبيها على أنهم المقيمون لحقوق العبودية ومفعول قل محذوف يدل عليه جوابه أي قل لعبادي الذين آمنوا أقيموا الصلاة وأنفقوا {يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم} فيكون إيذانا بأنهم لفرط مطاوعتهم للرسول صلى اللّه عليه وسلم بحيث لا ينفك فعلهم عن أمره وأنه كالسبب الموجب له ويجوز أن يقدرا بلام الأمر ليصح تعلق القول بهما وإنما حسن ذلك ها هنا ولم يحسن في قوله محمد تفد نفسك كل نفس إذا ما خفت من أمر تبالا لدلالة قل عليه وقيل هما جوابا أقيموا وأنفقوا مقامين مقامها وهو ضعيف لأنه لا بد من مخالفة ما بين الشرك وجوابه ولأن أمر المواجهة لا يجاب بلفظ الغيبة إذا كان الفاعل واحدا {سرا وعلانية} منتصبان على المصدر أي إنفاق سر وعلانية أو على الحال أي ذوي سر وعلانية أو على الظرف أي وقتي سر وعلانية والأحب إعلان الواجب وإخفاء المتطوع به {من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه} فيبتاع المقصر ما يتدارك به تقصيره أو يفدي به نفسه {ولا خلال} ولا مخالة فيشفع لك خليل أو من قبل أن يأتي يوم لا انتفاع فيه بمبايعة ولا مخالة وإنما ينتفع فيه بالإنفاق لوجه اللّه تعالى وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بالفتح فيهما على النفي العام ٣٢ {اللّه الذي خلق السموات والأرض} مبتدأ وخبره {وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم} تعيشون به وهو يشمل المطعوم والملبوس مفعول لأخرج و من الثمرات بيان له وحال منه ويحتمل عكس ذلك ويجوز أن يراد به المصدر فينتصب بالعلة أو المصدر لأن أخرج في معنى رزق {وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره} بمشيئته غلى حيث توجهتم {وسخر لكم الأنهار} فجعلها معدة لانتفاعكم وتصرفكم وقيل تسخير هذه الأشياء تعليم كيفية اتخاذها ٣٣ {وسخر لكم الشمس والقمر دائبين} يدأبان في سيرهما وإنارتهما وإصلاح ما يصلحانه من المكونات {وسخر لكم الليل والنهار} يتعاقبان لسباتكم ومعاشكم ٣٤ {وآتاكم من كل ما سألتموه} أي بعض جميع ما سألتموه يعني من كل شيء سألتموه شيئا فإن الموجود من كل صنف بعض ما في قدرة اللّه تعالى ولعل المراد ب ما سألتموه ما كان حقيقيا بأن يسأل لاحتياج الناس إليه سئل أو لم يسأل وما يحتمل أن تكون موصولة وموصوفة ومصدرية ويكون المصدر بمعنى المفعول وقرئ من كل بالتنوين أي وآتاكم من كل شيء ما احتجتم إليه وسألتموه بلسان الحال ويجوز أن تكون ما نافية في موقع الحال أي وآتاكم من كل شيء غير سائليه {وإن تعدوا نعمت اللّه لا تحصوها} لا تحصروها ولا تطيقوا عد أنواعها فضلا عن إفرادها فإنها غير متناهية وفيه دليل على أن المفرد يفيد الاستغراق بالإضافة {إن الإنسان لظلوم} يظلم النعمة بإغفال شكرها أو بظلم نفسه بأن يعرضها للحرمان {كفار} شديد الكفران وقيل ظلوم في الشدة يشكو ويجزع كفار في النعمة يجمع ويمنع ٣٥ {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد} بلدة مكة {آمنا} ذا أمن لمن فيها والفرق بينه وبين قوله اجعل هذا البلد آمنا أن المسؤول في الأول وإزالة الخوف عنه وتصييره آمنا وفي الثاني جعله من البلاد الآمنة {واجنبني وبني} بعدني وإياهم {أن نعبد الأصنام} واجعلنا منها في جانب وقرئ واجنبني وهما على لغة نجد وأما أهل الحجاز فيقولون جنبني شره وفيه دليل على أن عصمة الأنبياء بتوفيق اللّه وحفظه إياهم وهو بظاهره لا يتناول أحفاده وجميع ذريته وزعم ابن عيينة أن أولاد إسماعيل عليه الصلاة والسلام لم يعبدوا الصنم محتجا به وإنما كانت لهم حجارة يدورون بها ويسمونها الدوار ويقولون البيت حجر فحيثما نصبنا حجرا فهو بمنزلته ٣٦ {رب إنهن أضللن كثيرا من الناس} فذلك سألت منك العصمة واستعذت بك من إضلالهن وإسناد الإضلال إليهن باعتبار السببية كقوله تعالى {وغرتهم الحياة الدنيا} [الأنعام: ٧٠] {فمن تبعني} على ديني {فإنه مني} أي بعضي لا ينفك عني في أمر الدين {ومن عصاني فإنك غفور رحيم} تقدر أن تغفر له وترحمه ابتداء أو بعد التوفيق للتوبة وفيه دليل على أن كل ذنب فللّه أن يغفره حتى الشرك إلا أن الوعيد فرق بينه وبين غيره ٣٧ {ربنا إني أسكنت من ذريتي} أي بعض ذريتي أو ذرية من ذريتي فحذف المفعول وهم إسماعيل ومن ولد منه فإن إسكانه متضمن لإسكانهم {بواد غير ذي زرع} يعني وادي مكة فإنها حجرية لا تنبت {عند بيتك المحرم} الذي حرمت التعرض له و التهاون به أو لم يزل معظما ممنعا يهابه الجبابرة أو منع منه الطوفان فلم يستول عليه ولذلك سمي عتيقا أي أعتق منه ولو دعا بهذا الدعاء أول ما قدم فلعله قال ذلك باعتبار ما كان أو ما سيؤول إليه روي أن هاجر كانت لسارة رضي اللّه عنها فوهبتها لإبراهيم عليه السلام فولدت منه إسماعيل عليه السلام فغارت عليها فناشدته أن يخرجهما من عندها فأخرجهما إلى أرض مكة فأظهر اللّه عين زمزم ثم إن جرهم رأوا ثم طيورا فقالوا لا طير إلا على الماء فقصدوه فرأوهما وعندهما عين فقالوا أشركينا في مائك نشركك في ألباننا ففعلت {ربنا ليقيموا الصلاة} اللام لام كي وهي متعلقة ب أسكنت أي ما أسكنتهم بهذا الوادي البلقع من كل مرتفق ومرتزق إلا لإقامة الصلاة عند بيتك المحرم وتكرير النداء وتوسيطه للإشعار بأنها المقصودة بالذات من إسكانهم ثمة والمقصود من الدعاء توفيقهم لها وقيل لام الأمر والمراد هو الدعاء لهم بإقامة الصلاة كأنه طلب منهم الإقامة وسأل من اللّه تعالى أن يوفقهم لها {فاجعل أفئدة من الناس} أي أفئدة من أفئدة الناس و من للتبعيض ولذلك قيل لو قال أفئدة الناس لازدحمت عليهم فارس والروم ولحجت اليهود والنصارى أو للابتداء كقولك القلب مني سقيم أي أفئدة ناس وقرأ هشام أفئيدة يخلف عنه بياء بعد الهمزة وقرئ آفدة وهو يحتمل أن يكون مقلوب أفئدة كآدر في أدؤر وأن يكون اسم فاعل من أفدت الرحلة إذا عجلت أي جماعة يعجلون نحوهم وأفدة بطرح الهمزة للتخفي وإن كان الوجه فيه إخراجهما بين بين ويجوز أن يكون من أفد {تهوي إليهم} تسرع إليهم شوقا وودادا وقرئ تهوى على البناء للمفعول من أهوى إليه غيره و تهوى من هوى يهوي إذا أحب وتعديته بإلى لتضمنه معنى النزوع {وارزقهم من الثمرات} مع سكناهم واديا لا نبات فيه {لعلهم يشكرون} تلك النعمة فأجاب اللّه عز وجل دعوته فجعله حرما آمنا يجيء إليه ثمرات كل شيء حتى توجد فيه الفواكه الربيعية والصيفية والخريفية في يوم واحد ٣٨ {ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن} تعلم سرنا كما تعلم علننا والمعنى إنك أعلم بأحوالنا ومصالحنا وأرحم بنا منا بأنفسنا فلا حاجة لنا إلى الطلب لكنا ندعوك إظهارا لعبوديتك وافتقارا إلى رحمتك واستعجالا لنيل ما عندك وقيل ما نخفي من وجد الفرقة وما نعلن من التضرع إليك والتوكل عليك وتكرير النداء للمبالغة في التضرع واللجأ إلى اللّه تعالى {وما يخفى على اللّه من شيء في الأرض ولا في السماء} لأنه العالم بعلم ذاتي يستوي نسبته إلى كل معلوم ومن للاستغراق ٣٩ {الحمد للّه الذي وهب لي على الكبر} أي وهب لي وأنا كبير آيس من الولد قيد الهبة بحال الكبر استعظاما للنعمة وإظهارا لما فيها من آلائه {إسماعيل وإسحاق} روي أنه ولد له إسماعيل لتسع وتسعين سنة وإسحاق لمائة واثنتي عشرة سنة {إن ربي لسميع الدعاء} أي لمجيبه من قولك سمع الملك كلامي إذا اعتد به وهو من أبنية المبالغة العاملة عمل الفعل أضيف إلى مفعوله أو فاعله على إسناد السماع إلى دعاء اللّه تعالى على المجاز وفيه إشعار بأنه دعا ربه وسأل منه الولد فأجابه ووهب له سؤله حين ما وقع اليأس منه ليكون من أجل النعم وأجلاها ٤٠ {رب اجعلني مقيم الصلاة} معدلا لها مواظبا عليها {ومن ذريتي} عطف على المنصوب في اجعلني والتبعيض لعلمه بإعلام اللّه أو استقرأء عادته في الأمم الماضية أن يكون في ذريته كفار {ربنا وتقبل دعاء} واستجب دعائي أو وتقبل عبادتي ٤١ { ربنا اغفر لي ولوالدي} وقرئ ولأبوي وقد تقدم عذر استغفاره لهما وقيل أراد بهما آدم وحواء {وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} يثبت مستعار من القيام على الرجل كقولهم قامت الحرب على ساق أو يقوم إليه أهله فحذف المضاف أو أسند إليه قيامهم مجازا ٤٢ {ولا تحسبن اللّه غافلا عما يعمل الظالمون} خطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمراد به تثبيته على ما هو عليه من أنه تعالى مطلع على أحوالهم وأفعالهم لا يخفى عليه خافية والوعيد بأنه معاقبهم على قليله وكثيره لا محالة أو لكل من توهم غفلته جهلا بصفاته واغترارا بإمهاله وقيل إنه تسلية للمظلوم وتهديد للظالم {إنما يؤخرهم} يؤخر عذابهم وعن أبي عمرو بالنون {ليوم تشخص فيه الأبصار} أي تشخص فيه أبصارهم فلا تقر في أماكنها من هول ما ترى ٤٣ {مهطعين} أي مسرعين إلى الداعي أو مقبلين بأبصارهم لا يطوفون هيبة وخوفا وأصل الكلمة هو الإقبال على الشيء {مقنعي رؤوسهم} رافعيها {لا يريد إليهم طرفهم} بل تثبت عيونهم شاخصة لا تطرف أو لا يرجع إليهم نظرهم فينظروا إلى أنفسهم {وأفئدتهم هواء} خلاء أي خالية عن الفهم لفرط الحيرة والدهشة ومنه يقال للأحمق وللجبان قلبه هواء أي لا رأي فيه ولا قوة قال زهير من الظلمان جؤجؤه هواء وقيل خالية عن الخير خاوية عن الحق ٤٤ {وأنذر الناس} يا محمد {يوم يأتيهم العذاب} يعني يوم القيامة أو يوم الموت فإنه أول أيام عذابهم وهو مفعول ثان ل أنذر {فيقول الذين ظلموا} بالشرك والتكذيب {ربنا أخرنا إلى أجل قريب} أخر العذاب عنا أو ردنا إلى الدنيا ومهلنا إلى حد من الزمان قريب أو أخر آجالنا وأبقنا مقدار ما نؤمن بك ونحبك ونجيب دعوتك {نجب دعوتك ونتبع الرسل} جواب للأمر ونظيره لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين {أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال} على إرادة القول و ما لكم جواب القسم جاء بلفظ الخطاب على المطابقة دون الحكاية والمعنى أقسمتم أنكم باقون في الدنيا لا تزالون بالموت ولعلهم أقسموا بطرا وغرورا أو دل عليه حالهم حيث بنوا شديدا وأملوا بعيدا وقيل أقسموا أنهم لا ينتقلون إلى دار أخرى وأنهم إذا ماتوا لا يزالون على تلك الحالة إلى حالة أخرى كقوله وأقسموا باللّه جهدا أيمانهم لا يبعث اللّه من يموت ٤٥ {وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم} بالكفر والمعاصي كعاد وثمود وأصل سكن أن يعدى بفي كقر وغني وأقام وقد يستعمل بمعنى التبوء فيجري مجراه كقولك سكنت الدار {وتبين لكم كيف فعلنا بهم} بما تشاهدونه في منازلهم من آثار ما نزل بهم وما تواتر عندكم من أخبارهم {وضربنا لكم الأمثال} من أحوالهم أي بينا لكم أنكم مثلهم في الكفر واستحقاق العذاب أو صفات ما فعلوا وفعل بهم التي هي في الغرابة كالأمثال المضروبة ٤٦ {وقد مكروا مكرهم} المستفرغ فيه جهدهم لإبطال الحق وتقرير الباطل {وعند اللّه مكرهم} ومكتوب عنده فعلهم فهو مجازيهم عليه أو عنده ما يمكرهم به جزاء لمكرهم وإبطالا له {وإن كان مكرهم} في العظم والشدة {لتزول منه الجبال} مسوى لإزالة الجبال وقيل إن نافية واللام مؤكدة لها كقوله {وما كان اللّه ليعذبهم} [الأنفال: ٣٣] على أن الجبال مثل لأمر النبي صلى اللّه عليه وسلم ونحوه وقيل مخففة من الثقيل ة والمعنى أنهم مكروا ليزيلوا ما هو كالجبال الراسية ثباتا وتمكنا من آيات اللّه تعالى وشرائعه وقرأ الكسائي لتزول بالفتح والرفع على أنها المخففة واللام هي الفاصلة ومعناه تعظيم مكرهم وقرئ بالفتح والنصب على لغة من يفتح لام وقرئو إن مكرهم ٤٧ {فلا تحسبن اللّه مخلف وعده رسله} مثل قوله إنا لننصر رسلنا كتب اللّه لأغلبن أنا ورسلي وأصله مخلف رسله وعده فقدم المفعول الثاني إيذانا بأنه لا يخلف الوعد أصلا كقوله إن اللّه لا يخلف الميعاد [آل عمران: ٩] وإذا لم يخلف وعده أحدا فكيف يخلف رسله {إن اللّه عزيز} غالب لا يماكر قادر لا يدافع {ذو انتقام} لأوليائه ٤٨ {يوم تبدل الأرض غير الأرض} بدل من يوم يأتيهم أو ظرف للانتقام أو مقدر باذكر أو لا يخلف وعده ولا يجوز أن ينتصب بمخلف لأن ما قبل أن لا يعمل فيما بعده {والسموات} عطف على الأرض وتقديره والسموات غير السموات والتبديل يكون في الذات كقولك بدلت الدراهم دنانير وعليه قوله بدلنا جلودا غيرها وفي الصفة كقولك بدلت الحلقة خاتما إذا أذبته وغيرت شكلها وعليه قوله يبدل اللّه سيئاتهم حسنات ولآية تحتملهما فعن علي رضي اللّه تعالى عنه تبدل أرضا من فضة وسموات من ذهب وعن ابن مسعود وأنس رضي اللّه تعالى عنهما يحشر الناس على أرض بيضاء لم يخطئ عليها أحد خطيئة وعن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما هي تلك الأرض وإنما تغير صفاتها ويدل عليه ما روى أبو هريرة رضي اللّه تعالى عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: تبدل الأرض غير الأرض فتبسط وتمد مد الأديم العكاظي لا ترى فيها عوجا ولا أمتا [طه:١٠٧] واعلم أنه لا يلزم على الوجه الأول أن يكون الحاصل بالتبديل أرضا وسماء على الحقيقة ولا يبعد على الثاني أن يجعل اللّه الأرض جهنم والسموات الجنة على ما أشعر به قوله تعالى {كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين} [المطففين: ١٨] وقوله {إن كتاب الفجار لفي سجين} [المطففين: ٧] {وبرزوا} من أجداثهم {للّه الواحد القهار} لمحاسبته ومجازاته وتوصيفه بالوصفين للدلالة على أن الأمر في غاية الصعوبة كقوله لمن الملك اليوم للّه الواحد القهار [المؤمن:١٦] فإن الأمر إذا كان لواحد غلاب لا يغالب فلا مستغاث لأحد إلى غيره ولا مستجار ٤٩ {وترى المجرمين يومئذ مقرنين} قرن بعضهم مع بعض بحسب مشاركتهم في العقائد والأعمال كقوله {وإذا النفوس زوجت} [التكوير: ٧] أو قرنوا مع الشياطين أو مع ما اكتسبوا من العقائد الزائغة والملكات الباطلة أو قرنت أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأغلال وهو يحتمل أن يكون تمثيلا لمؤاخذتهم على ما اقترفته أيديهم وأرجلهم {في الأصفاد} متعلق ب مقرنين أو حال من ضميره والصفد القيد وقيل الغل قال سلامة بن جندل وزيد الخيل قد لاقى صفادا يعض بساعد ويعظم ساق وأصله الشد ٥٠ {سرابيلهم} قمصانهم {من قطران} وجاء قطران لغتين فيه وهو ما يتحلب من الأبهل فيطبخ فتهنأ به الإبل الجربى فيحرق الجرب بحدته وهو أسود منتن تشتعل فيه النار بسرعة تطلى به جلود أهل النار حتى يكون طلاؤه لهم كالقمص ليجتمع عليهم لذع القطران ووحشة لونه ونتن ريحه مع إسراع النار في جلودهم على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين ويحتمل أن يكون تمثيلا لما يحيط بجوهر النفس من الملكات الرديئة والهيئات الوحشية فيجلب إليها أنواعا من الغموم والآلام وعن يعقوب قطرآن والقطر النحاس أو الصفر المذاب والآني المتناهي حره والجملة حال ثانية أو حال من الضمير في مقرنين {وتغشى وجوههم النار} وتتغشاها لأنهم لم يتوجهوا بها إلى الحق ولم يستعملوا في تدبره مشاعرهم وحواسهم التي خلقت فيها لأجله كما تطلع على أفئدتهم لأنها فارغة عن المعرفة مملوءة بالجهالات ونظيره قوله تعالى أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة [الزّمر:٢٤] وقوله تعالى يوم يسحبون في النار على وجوههم [القمر:٤٩] ٥١ {ليجزي اللّه كل نفس} أي يفعل بهم ذلك ليجزي كل نفس مجرمة {ما كسبت} أو كل نفس من مجرمة أو مطيعة لأنه بين أن المجرمين يعاقبون لإجرامهم علم أن المطيعين يثابون لطاعتهم ويتعين ذلك أن علق اللام ب برزوا {إن اللّه سريع الحساب} لأنه لا يشغله حساب عن حساب ٥٢ {هذا} إشارة إلى القرأن أو السورة أو ما فيه العظة والتذكير أو ما وصفه من قوله ولا تحسبن اللّه [ابراهيم:٤٢] {بلاغ للناس} كفاية لهم في الموعظة {ولينذروا به} عطف على محذوف أي لينصحوا ولينذروا بهذا البلاغ فتكون اللام متعلقة بالبلاغ ويجوز أن تتعلق بمحذوف تقديره ولينذروا به أنزل أو تلي وقرئ بفتح الياء من نذر به إذا علمه واستعد له {وليعلموا إنما هو إله واحد} بالنظر والتأمل فيما فيه من الآيات الدالة عليه أو المبهمة على ما يدل عليه {وليذكر أولو الألباب} فيرتدعوا عما يرديهم ويتدرعوا بما يحظيهم واعلم أنه سبحانه وتعالى ذكر هذا البلاغ ثلاث فوائد هي الغاية والحكمة في إنزال الكتب تكميل الرسل للناس واستكمال القوة النظرية التي منتهى كمالها التوحيد واستصلاح القوة العملية الذي هو التدرع بلباس التقوى جعلنا اللّه تعالى من الفائزين بهما و عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: من قرأ سورة إبراهيم أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من عبد الأصنام وعدد من يعبدها |
﴿ ٠ ﴾