تفسير البيضاوي: أنوار التنزيل و أسرار التأويل أبو سعيد عبد اللّه بن عمر بن محمد بن علي

البيضاوي الشيرازي الفارسي، ناصر الدين، القاضي الشافعي (ت ٦٨٥ هـ ١٢٨٦ م)

_________________________________

سورة الحجر

وهي تسع وتسعون آية

بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{آلر تلك آيات الكتاب وقرأن مبين} الإشارة إلى آيات السورة و والكتاب هو السورة وكذا القرأن وتنكيره للتفخيم أي آيات الجامع لكونه كتابا كاملا وقرأنا يبين الرشد من الغي بيانا غريبا

٢

{ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} حين عاينوا حال المسلمين عند نزول النصر أو حلول الموت أو يوم القيامة وقرأ نافع وعاصم ربما بالتخفيف وقرئ ربما بالفتح والتخفيف وفيه ثمان لغات ضم الراء وفتحها مع التشديد والتخفيف وبتاء التأنيث ودونها وما كافة تكفه عن الجر فيجوز دخوله على الفعل وحقه أن يدخل الماضي لكن لما كان المترقب في أخبار اللّه تعالى كالماضي في تحققه أجري مجراه

وقيل ما نكرة موصوفة كقوله:

ربما تكره النفوس من الأم ر له فرجة كحل العقال

ومعنى التقليل فيه الإيذان بأنهم لو كانوا يودون لو كانوا يودون الإسلام مرة فبالحري أن يسارعوا غليه فكيف وهم يودونه كل ساعة وقيل تدهشهم أهوال القيامة فإن حانت منهم إفاقة في ببعض الأوقات تمنوا ذلك والغيبة في حكاية ودادتهم كالغيبة في قولك حلف باله ليفعلن درهم دعهم يأكلونا ويتمتعوا بدنياهم

٣

{ذرهم} دعهم. {يأكلوا ويتمتعوا} بدنياهم.

{ويلههم الأمل} ويشغلهم تووقعهم لطول الأعمار واستقامة الأحوال عن الإستعداد للمعاد

{فسوف يعلمون} سوء صنيعهم إذا عاينوا جزاءه والغرض إقناط الرسول صلى اللّه عليه وسلم من أرعوائهم وإيذانهم بأنهم من أهل الخذلان وإن نصحهم يعد اشتغال بما لا طائل تحته وفيه إلزام للحجة وتحذير عن أيثار التنعم وما يؤدي إليه طول الأمل

٤

{وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم} أجل مقدر كتب في اللوح المحفوظ والمستثنى جملة واقعة صفة لقرية والأصل أن لا يدخلها الواو كقوله {إلا لها منذرون} [الشعراء: ٢٠٨] ولكن لما شبهت صورتها الحال أدخلت تأكيدا للصوقها بالموصوف

٥

{ما تسبق من أمه أجلها وما يستأخرون} أي وما يستأخرون عنه وتذكير ضمير أمه فيه للحمل على المعنى

٦

{وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر} نادوا به النبي صلى اللّه عليه وسلم على التهكم ألا ترى إلى ما نادوه له وهو قولهم

{إنك لمجنون} ونظير ذلك قول فرعون

{إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون} والمعنى إنك لتقول قول المجانين حين تدعي أن اللّه تعالى تزل عليك الذكر أي القرأن

٧

{لو ما تأتينا} ركب لو مع ما كما ركبت مع لا لمعنيين امتناع الشيء لوجود غيره والتحضيض

{بالملائكة} ليصدقوك ويعضدوك على الدعوة كقوله تعالى {لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا} [الفرقان: ٧] أو للعقاب على تكذيبنا لك كما أتت الأمم المكذبة قبل

{إن كنت من الصادقين} في دعواك

٨

{ما ينزل الملائكة} بالياء ونصب الملائكة على أن الضمير للّه تعالى وقرأ حمزة والكسائي وحفص بالنون وأبو بكر بالتاء والبنا للمفعول ورفع الملائكة وقرىء تنزل بمعنى تتنزل

{إلا بالحق} إلا تنزيلا ملتبسا بالحق أي بالوجه الذي قدره واقتضته حكمته ولا حكمه في أن تأتيكم بصور تشهدونها فإنه لا يزيدكم إلا لبسا ولا في معالجتكم بالعقوبة فإن منكم و من ذراريكم من سبقت كلمتنا له بالإيمان وقيل الحق الوحي أو العذاب

{وما كانوا إذا منظرين} إذا جواب لهم و جزاء لشرط مقدر أي و لو نزلنا الملائكة ما كانوا منظرين

٩

{إنا نحن نزلنا الذكر} رد لإنكارهم واستهزائهم ولذلك أكده من وجزه وقرره بقوله {وإنا له لحافظون} [يوسف: ١٢] أي من التحريف والزيادة والنقص بأن جعلناه معجزا مباينا لكلام البشر بحيث لا يخفى تغيير نظمه على أهل اللسان أو نفي تطرق الخلل إليه في الدوام بضمان الحفظ له كما نفى أن يطعن فيه بأن المنزل له وقيل الضمير في له للنبي صلى اللّه عليه وسلم

١٠

{ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين} في فرقهم جمع شيعة وهي الفرقة المتفقة على طريق ومذهب من شاعه إذا تبعه واصله الشياع وهو الحطب الصغار توقد به الكبار والمعنى نبأنا رجالا فيهم وجعلناهم رسلا فيما بينهم

١١

{وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون} كما يفعل هؤلاء وهو تسلية للنبي عليه الصلاة والسلام وما للحال لا يدخل إلا مضارعا بمعنى الحال أو ماضيا قريبا منه وهذا على كحاية الحال الماضية

١٢

{كذلك نسلكه} ندخله {في قلوب المجرمين} والسلك إدخال الشيء في الشيء كالخيط في المخيط والرمح في المطعون والضمير للإستهزاء وفيه دليل على أن اللّه تعالى يوجد الباطل في قلوبهم وقيل ل الذكر فإن الضمير الآخر في قوله

١٣

{لا يؤمنون به} له وهو خال من هذا الضمير والمعنى مثل ذلك السلك نسلك الذكر في قولب المجرمين مكذبا غير مؤمن به أو بيان للجملة المتضمنه له وهذا الإحتجاج ضعيف إذ لا يلزم من تعاقب الضمائر توافقها في المرجوع غليه ولا يتعين أن تكون الجملة حالا من الضمير لجواز أن تكون حالا من المجرمين ولا ينافي كونها مفسرة للمعنى الأول يقويه

{وقد خلت سنة الأولين} أي سنة اللّه فيهم بأن خذلهم وسلك الكفر في قلوبهم أو بإهلاك من كذب الرسل منهم فيكون وعيدا لأهل مكة

١٤

{ولو فتحنا عليهم} أي على هؤلاء المقترحين

{بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون} يصعدون إليها ويرون عجائبها طول نهارهم مستوضحين لما يرون أو تصعد الملائكة وهم يشاهدونهم

١٥

{لقالوا} من غلوهم في العناد وتشكيكهم في الحق

{إنما سكرت أبصارنا} سدت عن الإبصار بالسحر من السكر ويدل عليه قرأءة ابن كثير بالتخفيف أو حيرت من السكر ويدل عليه قرأءة من قرأ سكرت

{بل نحن قوم مسحورون} قد سحرنا محمد بذلك كما قالوه عند ظهور غيره من الآيات وفي كلمتي الحصر والإضراب دلالة على البت بأن ما يرونه لا حقيقة له بل هو باطل خيل إليهم بنوع من السحر

١٦

{ولقد جعلنا في السماء بروجا} اثني عشر مختلفة الهيئات و الخواص على مادل عليه الرصد والتجربة مع بساطة السماء

{وزيناها} بالأشكال والهيئات البهية

{للناظرين} المعتبرين المستدلين بها على قدرة مبدعها وتوحيد صانعها

١٧

{ وحفظناها من كل شيطان رجيم} فلا يقدر أن يصعد إليها ويوسوس إلى أهلها ويتصرف فيأمرها ويطلع علىأحوالها

١٨

{إلا من استرق السمع} بدل من كل شيطان واستراق السمع اختلاس سرا شبه به خطفتهم البسيرة من قطان السموات لما بينهم من المناسبة في الجوهر أو بالإستدلال من أوضاع الكواكب وحركاتها وعن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما أنهم كانوا لا يحجبون عن السموات فلما ولد عيسى عليه الصلاة والسلام منعوا من ثلاث سموات فلما ولد محمد صلى اللّه عليه وسلم منعوا من كلها بالشهب ولا يقدح فيه تكونها قبل المولد لجواز أن يكون لها أسباب أخر وقيل الإستثناء منقطع أي ولكن من استرق السمع

{فأتبعه} فتبعه ولحقه

{شهاب مبين} ظاهر للمبصرين والشهاب شعلة نار ساطعة وقدي طلق للكوكب والسنان لما فيهما من البريق

١٩

{والأرض مددناها} بسطناها

{وألقينا فيها رواسي} جبالا ثوابت

{وأنبتنا فيها} في الأرض أو فيها وفي الجبال

{من كل شيء موزون} مقدر بمقدار معين تقتضيه حكمته أو مستحسن مناسب من قولهم كلام موزون أو ما يوزن ويقدر أو له وزن أبواب النعمة والمنفعة

٢٠

{وجعلنا لكم فيها معايش} تعيشون لها من المطاعم والملابس وقرىء معايش بالهمزة على التشبيه بشمائل

{ومن لستم له برازقين} عطف على معايش أو على محل لكم ويريد به العيال والخدم والمماليك وسائر ما يظنون أنهم يرزقونهم ظنا كاذبا فإن اللّه يرزقهم وإياهم وفذلكة الآية الإستدلال يجعل الأرض ممدودة بمقدار وشكل معينين مختلفة الجزاء في الوضع محدثة فيها أنواع النبات والحيوان المختلفة خلقه وطبيعة مع جواز أن لا تكون كذلك على كمال قدرته وتناهي حكمته والتفرد في الألوهية والإمتنان على العباد بم أنعم عليهم في ذلك ليوحدوه يعبدوه ثم بالغ في ذلك وقال

٢١

{وإن من شيء إلا عندنا خزائنه} أي وما من شيء غلا نحن قادرون علىإيجاده وتكوينه اضعاف ما وجد منه فضرب الخزائن مثلا لا قتداره أو شبه مقدوراته بالأشياء المخزونة التي لا يحوج إخراجها إلى كلفة واجتهاد

{وما ننزله} من بقاع القدرة

{إلا بقدر معلوم} حده الحكة وتعلقت به المشيئة فإن تخصيص بعضها بالإيجاد في بعض الأوقات مشتملا على ببعض الصفات والحالات لا بد له من مخصص حكيم

٢٢

{وأرسلنا الرياح لواقح} حوامل شبه الريح التي جاءت بخير من إنشاء سحاب ماطر بالحامل كما شبه ما لا يكون كذلك بالعقيم أو ملقحات للشجر ونظيره الطوائح بمعنى المطيحات في قوله ومختبط مما تطيح الطوائح وقرىء وأرسلنا الرياح على تأويل الجنس

{فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه} فجعلناه لكم سقيما

{وما أنتم له بخازنين} قادرين متمكنين من خراجه نفى عنهم ما أثبته لنفسه أو حافظين في الغدران والعيون والآباء وذلك أيضا يدل على المدبر الحكيم كما تدل حركة الهواء في بعض الأوقات من بعض الجهات على وجه ينتفع به الناس فإن طبيعة الماء تقتضي الغور فوقوفه دون حد لا بد له منسب مخصص

٢٣

{وإنا لنحن نحيي} بإيجاد الحياة في بعض الجسام القالبة لها

{ونميت} بإزالتها وقد أول الحياة بما يعم الحيوان والنبات وتكرير الضمير لدلالة على الحصر

{ونخن الوارثون} الباقون إذا مات الخلائق كلها

٢٤

{ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين} من استقدم ولادة وموتا ومن استأخر أو من خرج من أصلاب الرجال ومن لم يخرج بعد أو من تقدم في الإسلام والجهاد وسبق إلى الطاعة أو تأخر لا يخفى علينا شيء من أحوالكم وهو بيان لكمال علمه بعد الإحتجاج على كمال قدرته فإن ما يدل على قدرته دليل على علمه وقيل رغب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الصف الأول فازدحموا عليه فنزلت وقيل إن إمرأة حسناء كانت تصلي خلف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فتقدم بعض القوم لئلا ينظر إليها وتأخر بعض ليبصرها فنزلت

٢٥

{وإن ربك هو يحشرهم} لا محالة للجزاء وتوسيط الضمير للدلالة على أنه القادر والتولي لحشرهم لا غير وتصدير الجملة ب إن لتحقيق الوعد والتنبيه على أن ما سبق من الدلالة على كمال قدرته وعلمه بتفاصيل الأشياء يدل على صحة الحكم كما صرح به بقوله

{إنه حكيم} باهر الحكمة متقن في أفعاله

{عليم} وسع علمه كل شيء

٢٦

{ولقد خلقنا الإنسان من صلصال} من طين يابس يصلصل أي يصوت إذا نقر وقيل هو من صلصل إذا أنتن تضعيف صل من حمأ طين تغير واسود من طول مجاورة المساء وهو صفة صلصال أي كائن

{من حمأ مسنون} مصور من سنه الوجه أو منصوب لييبس ويتصور الجواهر المذابة تصب في القوالب من السن وهو الصب كأنه أفرغ الحكمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف فيبس حتى إذا نقر صلصل ثم غير ذلك طورا بعد طور حتى سواه ونفخ فيه من روحه أو منتن من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به فإن ما يسيل بينهما يكون منتنا ويسمى السنين

٢٧

{والجان} أبا الجن وقيل إبليس ويجوز أن يراد به الجنس كما هو الظاهر من الإنسان لأن تشعب الجنس لما كان من شخص واحد خلق من مادة واحدة كان الجنس بأسره مخلوقا منها وانتصابه بفعل يفسره

{خلقناه من قبل} من قبل خلق الإنسان

{من نار السموم} من نار الحر الشديد النافذ في المسام ولا يمتنع خلق الحياة في الأجرام البسيطة كما لا يمتنع خلقها في الجوهر المجردة فضلا عن الأجساد المؤلفة التي الغالب فيها لا جزء الناري فإنها أقبل لها من التي الغالب فيها الجزء الأرضي وقوله من نار باعتبار الغالب كقوله {خلقناكم من تراب} [الحج: ٥] ومساق الآية كما هو للدلالة على كمال قدرة اللّه تعالى وبيان بدء خلق الثقلين فهو للتنبيه على المقدمة الثانية التي يتوقف عليها إمكان الحشر وهو قبول للجمع والإحياء

٢٨

{وإذ قال ربك} واذكر وقت قوله {للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون}

٢٩

{فإذا سويته} عدلت خلقته وهيأته لنفخ الروح فيه

{ونفخت فيه من روحي} حتى جرى آثاره في تجاويف أعضائه فحيي وأصل النفخ إجراء الريح في تجويف جسم آخر ولما كان الروح يتعلق ألا بالبخار اللطيف المنبعث من القلب وتفيض عليه القوة الحيوانية فيسري حاملا لها في تجاويف الشرايين إلى أعماق البدن جعل تعلقه بالبدن نفخا وإضافة الروح إلىنفسه لما مر في النساء

{فقعوا له} فأسقطوا له {ساجدين} أرم من وقع يقع

٣٠

{فسجد الملائكة كلهم أجمعون} أكد بتأكيدين للمبالغة في التعميم ومنع التخصيص وقيل أكد بالكل للإحاطة وبأجمعين للدلالة على أنهم سجدوا مجتمعين دفعة وفيه نظر إذ لو كان المر كذلك كان الثاني حالا لا تأكيدا

٣١

{إلا إبليس} إن جعل منقطعا اتصل به قوله

{أبى أن يكون مع الساجدين} أي ولكن إبليس أبى وأن جعل متصلا كان استئنافا على أنه جواب سائل قال هلا سجد

٣٢

{قال يا إبليس ما لك ألا} تكون أي غرض لك في أن لا

{تكون مع الساجدين} لآدم

٣٣

{قال لم أكن لأسجد} اللام لتأكيد النفي أي لايصح مني وينافي حالي أن أسجد {لبشر} جسماني كثيف وأنا ملك روحاني

{خلقته من صلصال من حما مسنون} وهو أخس العناصر وخلقتني من نار وهي أشرفها استنقص آدم عليه السلام باعتبار النوع الأصل وقد سبق الجواب عنه في سورة الأعراف

٣٤

{قال فاخرج منها} من السماء أو الجنة أو زمر الملائكة

{فإنك رجيم} مطرود من الخير والكرامة فإن من يطرد يرجم بالحجر أو شيطان يرجم بالشهب وهو وعيد يتضمن الجواب عن شبهته

٣٥

{وإن عليك اللعنة} هذا الطرد والإبعاد

{إلى يوم الدين} فإنه منتهى أمد اللعن فإنه يناسب أيام التكليف ومه زمان الجزاء وما في قوله {فأذن مؤذن بينهم أن لعنة اللّه على} [الأعراف: ٤٤] الظالمين معنى آخر ينسى عنده هذه وقيل إنما حد اللعن به لأنه أبعد غاية يضربها الناس أو لأنه يعذب فيه بما ينسى اللعن معه فيصير كالزائل

٣٦

{قال رب فانظرني} فأخرني والفاء متعلقة بمحذوف دل عليه

{فأخرج منها فإنك رجيم} {إلى يوم يبعثون} أراد أن يجد فسحة في الإغواء أو نجاة من الموات إذ لا موت بعد وقت البعث فأجابه إلى الأول دون ا لثاني

٣٧

{قال فإنك من المنظرين}

٣٨

{إلى يوم الوقت المعلوم} المسمى فيه أجلك عند اللّه أو انقرأض الناس كلهم وهو النفخة الأولى عند الجمهور ويجوز أن يكون المراد بالأيام الثلاثة يوم القيامة واختلاف العبارات لاختلاف الاعتبارات فعبر عنه أولا بيوم الجزاء لما عرفته وثانيا بيوم البعث إذ به يحصل العلم بانقطاع التكليف واليأس عن التضليل وثالثا بالمعلوم لوقوعه في الكلامين ولا يلزم من ذلك أن لا يموت فلعله يموت أول اليوم وببعث مع الخلائق في تضاعيفه وهذه الخاطبة وإن لم تكن بواسطة لم تدل على من صب إبليس لأن خطاب اللّه له على سبيل الإهانة والإذلال

٣٩

{قال رب بما أغويتني} الباء للقسم وما مصدرية وجوابه

{لأزينن لهم في الأرض} والمعنى أقسم بإغوائك إياي لأزينن لهم المعاصي في الدنيا التي هي دار الغرور كقوله {أخلد إلى الأرض} [الأعراف: ١٧٦] وفي انعقاد القسم بأفعال اللّه تعالى خلاف وقيل للسببية والمعتزلة أولو الإغواء بالنسبة إلى لغي أو التسبب له بأمره إياه بالسجود لآدم عليه السلام أو بالإضلال عن طريق الجنة واعتذروا عن إمهال اللّه له وهو سبب لزيادة غيه وتسليط له على إغواء بني آدم بأن اللّه تعالى علم منه وممن تبعه أنهم يموتون على الكفر ويصيرون إلى النار أمهل أولم يمهل وأن في إمهاله تعريضا لمن خالفه لاستحقاق مزيد الثواب وضعف ذلك لا يخفى على ذوي الألباب

{ولأغوينهم أجمعين} ولأحملنهم أجمعين على الغواية

٤٠

{إلا عبادك منهم المخلصين} الذين أخلصتهم لطاعتك وطهرتهم من الشوائب ففعلا يعمل فيهم كيدي وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو بالكسر فيكل القرأن أي الذين أخلصوا نفوسهم للّه تعالى

٤١

{قال هذا صراط علي} حق علي أن أراعيه

{مستقيم} لا انحراف عنه والإشارة إلى ما تضمنه الاستثناء وهو تخليص المخلصين من إغوائه أو الإخلاص على معنى أنه طرق علي يؤدي إلى الوصول إلي من غير اعوجاج وقرئ على من علو الشرف

٤٢

{إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاويين} تصديق لإبليس فيما استثناه وتغيير الوضع لتعظيم المخلصين ولأن المقصود بيان عصمتهم وانقطاع مخالب الشيطان عنهم أو تكذيب له فيما أوهم أن له سلطانا على من ليس بمخلص من عباده فإن منتهى تزيينه التحريض والتدليس كما قال وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي وعلى هذا يكون الاستثناء منقطعا وعلى الأول يدفع قول من شرط أن يكون المستثني أقل من الباقي لإفضائه إلى تناقض الاستثناءين

٤٣

{وإن جهنم لموعدهم} لموعد الغاوين أو المتبعين

{أجمعين} تأكيد للضمير أو حال والعامل فيها الموعد إن جعلته مصدرا على تقدير مضاف ومعنى الإضافة إن جعلته اسم مكان فإنه لا يعمل

٤٤

{لها سبعة أبوب} يدخلون منها لكثرتهم أو طبقات ينزلونها بحسب مراتبهم في المتابعة وهي جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية ولعل تخصيص العدد لانحصار مجامع المهلكات في الركون إلى المحسوسات ومتابعة القوة الشهوي والغضبية أو لأن أهلها سبع فرق

{لكل باب منهم} من الأتباع

{جزء مقسوم} أفرز له فأعلاها للموحدين العصاة

والثاني لليهود

والثالث للنصارى

والرابع للصابئين

والخامس للمجوس

والسادس للمشركين والسابع للمنافقين وقرأ أبو بكر جزء بالتثقيل وقرئ جزء على حذف الهمزة وإلقاء حركتها على الزاي ثم الوقف

عليه بالتشديد ثم إجراء الوصل مجرى الوقف ومنهم حال منه أو من المستكن في الظرف لا في مقسوم لأن الصفة لا تعمل فيما تقدم موصوفها

٤٥

{إن المتقين} من اتباعه في الكفر والفواحش فإن غيرها مكفرة

{في جنات وعيون} لكل واحد جنة وعين أو لكل عدة منهما كقوله {ولمن خاف مقام ربه جنتان} [الرحمن: ٤٦] ثم قوله {ومن دونهما جنتان} [الرحمن: ٦٢] وقوله {مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن} [محمد: ١٥] الآية وقرأ نافع وحفص وأبو عمرو وهشام وعيون بضم العين حيث وقع الباقون بكسر العين

٤٦

{ادخلوها} على إرادة القول وقرئ بقطع الهمزة وكسر الخاء على أنه ماض فلا يكسر التنوين

{بسلام} سالمين أو مسلما عليكم

{آمنين} من الآفة والزوال

٤٧

{ونزعنا} في الدنيا بما ألف بين قلوبهم أو في الجنة بتطييب نفوسهم

{ما في صدورهم من غل} من حقد كان في الدنيا وعن علي رضي اللّه تعالى عنه أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم أو من التحاسد على درجات الجنة ومراتب القرب

{إخوانا} حال من الضمير في جنات أو فاعل ادخلوها أو الضمير في آمنين أو الضمير المضاف إليه والعامل فيها معنى الإضافة وكذا قوله

{على سرر متقابلين} ويجوز أن يكون صفتين لإخوانا أو حال من ضميره لأنه بمعنى متصافين وأن يكون متقابلين حالا من

٤٨

{لا يمسهم فيها نصب} استئناف أو حال بعد حال من الضمير في متقابلين

{وما هم منها بمخرجين} فإن تمام النعمة بالخلود

٤٩

{نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم}

٥٠

وأن عذابي هو العذاب الأليم} فذلكه ما سبق من الوعد والوعيد وتقرير له وفي ذكر المغفرة دليل على أنه لم يرد بالمتقين من يتقي الذنوب بأسرها كبيرها وصغيرها وفي توصيف ذاته بالغفران والرحمة دون التعذيب ترجيح الوعد وتأكيده وفي عطف

٥١

{ونبئهم عن ضيف إبراهيم} على نبئ عبادي تحقيق لهما بما يعتبرون به

٥٢

{إذا دخلوا عليه فقالوا سلاما} أي نسلم عليك سلاما أو سلمنا سلاما

{قال إنا منكم وجلون} خائفون وذلك لأنهم دخلوا بغير إذن وبغير وقت ولأنهم امتنعوا من الأكل والوجل اضطراب النفس لتوقع ما تكره

٥٣

{قالوا لا تؤجل} وقرئ لا تأجل و لا تؤجل من أوجله ولا تواجل من واجلة بمعنى أوجله

{إنا نبشرك} استئناف في معنى التعليل للنهي عن الوجل فإن المبشر لا يخاف منه وقرأ حمزة نبشرك بفتح النون والتخفيف من البشر

{بغلام} هو إسحاق عليه السلام لقوله وبشرناه بإسحاق [الصّافّات:١١٢]

{عليم} إذا بلغ

٥٤

{قال أبشرتموني على أن مسني الكبر} تعجب من أن يولد له مع مس الكبر إياه أو إنكار لأن ببشر به في مصل هذه الحالة وكذا وقوله

{فبم تبشرون} أي فبأي أعجوبة تبشرون أو فبأي شيء تبشرون فإن البشارة بمم لا يتصور وقوعه عادة بشرة بغير شيء وقرأ ابن كثير بكسر النون مشددة في كل القرأن على إدغام نون الجمع في نون الوقاية وكسرها وقرأ نافع بكسرها مخففة على حذف نون الجمع استثقلا لاجتماع المثلين ودلالة بإيقاء نون الوقاية وكسرها على الياء

٥٥

{قالوا بشرناك بالحق} بما يكون لا محالة أو باليقين الذي لا لبس فيه أو بطريقة هي حق وهو قول اللّه تعالى وأمره

{فلا تكن من القانطين} من الآيسين من ذلك فإنه تعالى قادر على أن يخلق بشرا من غير أبوين فكيف من شيخ فان وعجوز عاقر وكن استعجاب إبراهيم عليه السلام باعتبار العادة دون القدرة ولذلك

٥٦

{قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون} المخطئون طريق المعرفة فلا يعرفون سعة رحمة اللّه تعالى وكمال علمه وقدرته كما قل تعالى إنه لا ييأس من روح اللّه إلا القوم الكافرون وقرأ أبو عمرو و الكسائي يقنط بالكسر و قرىء بالضم وما ضيهما قنط بالفتح

٥٧

{قال فما خطبكم أيها المرسلون} أي فما شأنكم الذي أرسلتم لأجله سوى البشارة ولعله علم أن كمال المقصود ليس البشارة لأنهم كانوا عددا والبشارة لا تحتاج إلى العدد ولذلك اكتفى بالواحد في بشارة زكريا ومريم عليهما السلام أو لأنهم بشروه في تضاعيف الحال لإزالة الوجل ولو كانت المقصود لابتدؤوا بها

٥٨

{قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين} يعني قوم لوط

٥٩

{ إلا آل لوط} إن كان استثناء من قوم كان منقطعا إذ ال قوم مقيد بالإجراء وإن كان استثناء من الضمير في مجرمين كان متصلا والقوم والإرسال شاملين للمجرمين و آل لوط المؤمنين به وكأن المعنى إنا أرسلنا إلى قوم أجرم كلهم إلا آل لوط منهم لنهلك المجرمين وننجي آل لوط منهم ويدل عليه قوله

{إنا لمنجوهم أجمعين} أي مما يعذب به القوم وهو استئناف إذا اتصل الإستثناء ومتصل بآل لوط جار مجرى خبر لكن إذا انقطع وعلى هذا جاز أن يكون قوله

٦٠

{إلا امرأته} استثناء من آل لوط أو من ضميرهم وعلى الأول لا يكون إلا من ضميرهم لاختلاف الحكمين اللّهم إلا أن يجعل إنا لمنجوهم اعتراضا وقرأ حمزة والكسائي لمنجوهم مخففا

{قدرنا إنها لمن الغابرين} الباقين مع الكفرة لتهلك معهم وقرأ أبو بكر عن عاصم قدرنا هنا وفي النمل بالتخفيف وإنما علق والتعليق من خواص أفعال القلوب لتضمنه معنى العلم ويجوز أني كون قدرنا أجري مجرى قلنا لأن التقدير بمعنى اقضاء قول وأصله جعل الشيء على مقدار غيره وإسنادهم إياه إلى أنفسهم وهو فعل اللّه سبحانه وتعالى لمالهم من القرب والإختصاص به

٦١

{فلما جاء آل لوط المرسلون}

٦٢

{قال إنكم قوم منكرون} تنكركم نفسي وتنفر عنكم مخافة أن تطرقوني بشر

٦٣

{قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون} أي ماجئناك بما تنكرنا لأجله بل بما يسرك ويشفي لك من عدوك وهو العذاب الذي توعدتهم به فيمترون فيه

٦٤

{وآتيناك بالحق} باليقين من عذابهم

{وإنا لصادقون} فيما أخبرناك به

٦٥

{فأسر بأهلك} فاذهب بهم في الليل وقرأ الحجازيان بوصل الهمزة من اسرى وهما بمعنى وقرىء فسر من السير

{بقطع من الليل} في طائفة من الليل وقيل في آخره قال افتحي الباب وانظري فيا لنجوم كم علينا من قطع ليل بهيم

{واتبع أدبارهم} وكن على أثرهم تذودهم وتسرع بهم وتطلع على حالهم

{ولا يلتفت منكم أحد} لينظر ما وراءه فيرى من الهول مالا يطيقه أو فيصيبه ما أصابهم أو لا ينصرف أحدكم ولا يتخلف أمرؤ لغرض فيصيبه العذاب وقيل نهوا عن الإلتفات ليوطئوا نفوسهم على المهاجرة

{وامضوا حيث تؤمرون} إلى حيث أمركم اللّه بالمضي إليه وهو الشام أو مصر فعدي وامضوا إلى حيث وتؤمرون إلى ضمير المحذوف على الإتساع

٦٦

{وقضينا إليه} أي وأوحينا إليه مقضيا ولذلك عدي بإلى

{ذلك الأمر} مبهم يفسره

{أن دابر هؤلاء مقطوع} ومحله النصب على البدل منه وفي ذلك تفخيم للأمر وتعظيم له وقرىء بالكسر علىالإستئناف والمعنى أنهم يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد

{مصبحين} داخلين في الصبح وهو حال من هؤلاء أو من الضمير في مقطوع وجمعه للحمل على المعنى ف

{إن دابر هؤلاء} في معنى مدبري هؤلاء

٦٧

{وجاء أهل المدينة} سدوم {يستبشرون} بأضياف لوط طمعا فيهم

٦٨

{قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون} بفضيحة ضيفي فإن من أسيء إلى ضيفه فقد أسيء غليه

٦٩

{واتقوا اللّه} في ركوب الفاحشة

{ولا تخزون} ولا تذلوني بسببهم من الخزي وهو الهوان أو لا تخجلوني فيهم من الخزاية وهو الحياء

٧٠

{قالوا أولم ننهك عن العالمين} على أن تجير منهم أحدا أو تمنع بينا وبيينهم فإنهم كانوا يتعرضون لكل أحد وكان لوط يمنعهم عنه بقدر وسعه أو عن ضيافة الناس وإنزالهم

٧١

{قال هؤلاء بناتي} يعني نساء القوم فإن نبي كل أمه بمنزلته أبيهم وفيه وجوه ذكرت في سورة هود

{إن كنتم فاعلين} قضاء الوطر أو ما أقول لكم

٧٢

{لعمرك} قسم بحياة المخاطب والمخاطب في هذا القسم هو النبي عليه الصلاة والسلام وقيل لوط عليه السلام قالت الملائكة له ذلك والتقدير لعمرك قسمي وهو للغة في العمر يختص به القسم لإيثار الأخف فيه لأنه كثير الدور على ألسنتهم

{إنهم لفي سكرتهم} لفي غوايتهم أو شدة غلمتهم التي أزالت عقولهم وتمييزهم بين خطئهم والصواب الذي يشار به إليهم

{يعمهون} يتحيرون فكيف يسمعون نصحك وقيل الضمير لقريش والجملة اعتراض

٧٣

{فأخذتهم الصيحة} يعني صيحة هائلة مهلكة وقيل صيحة جبريل عليه السلام

{مشرقين} داخلين في وقت شروق الشمس

٧٤

{فجعلنا عاليها} عالي قرأهم {سافلها} وصارت منقلبة بهم

{وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل} من طين متحجر أو طين عليه كتاب من السجل وقد تقدم مزيد بيان لهذه القصة في سورة هود

٧٥

{إن في ذلك لآيات للمتوشمين} للمتفكرين المتفرسين الذين يتشبثون في نظرهم حتى يعرفوا حقيقة الشيء بسمته

٧٦

{وإنها} وإن المدينة أو القرى

{لسبيل مقيم} ثابت يسلكه الناس ويرون آثارها

٧٧

{إن في ذلك لآية للمؤمنين} باللّه ورسله

٧٨

{وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين} هم قوم شعيب كانوا يسكنون الغيضة فبعثه اللّه إليهم فكذبوه فأهلكوا بالظلة و والأيكة الشجرة المتكاثفة

٧٩

{فانتقمنا منهم} بالإهلاك

{وإنهما} يعني سدوم والأيكة وقيل الأيكة ومدين فإنه كان مبعوثا إليهما فكان ذكر إحداهما منبها على الأخرى

{لبإمام مبين} لبطريق واضح والإمام اسم ما يؤتم به فسمي به الطريق ومطمر البناء واللوح لأنهما مما يؤتم به

٨٠

{ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين} يعني ثمود كذبوا صالحا ومن كذب واحدا من الرسل فكأنما كذب الجميع ويجوز أن يكون المراد بالمرسلين صالحا ومن معه من المؤمنين و الحجر واد بين المدينة والشأم يسكنونه

٨١

{وأتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين} يعني آيات الكتاب المنزل على نبيهم أو معجزاته كالناقة وسقيها وشربها ودرها أو ما نصب لهم من الأدلة

٨٢

{وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين} من الانهدام ونقب اللصوص وتخريب الأعداء لوثاقتها أو من العذاب لفرط غفلتهم أو حسبانهم أن الجبال تحميهم منه

٨٣

{فأخذتهم الصيحة مصبحين

٨٤

فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون} من بناء البيوت الوثيقة واستكثار الأموال والعدد

٨٥

{وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق} إلا خلقا ملتبسا بالحق لا يلائم استمرار الفساد ودوام الشرور فلذلك اقتضت الحكمة إهلاك أمثال هؤلاء وإزاحة فسادهم من الأرض

{وإن الساعة لآتية} فينتقم اللّه لك فيها ممن كذبك

{فاصفح الصفح الجميل} ولا تعجل بانتقام منهم وعاملهم معاملة الصفوح الحليم وقيل هو منسوخ بآية السيف

٨٦

{إن ربك هو الخلاق} الذي خلقك وخلقهم وبيده أمرك وأمرهم

{العليم} بحالك وحالهم فهو حقيق بأن تكل ذلك إليه ليحكم بينكم أو هو الذي خلقكم وعلم الأصلح لكم وقد علم أن الصفح اليوم أصلح وفي مصحف عثمان وأبي رضي اللّه عنهما هو الخالق وهو يصلح للقليل والكثير و الخلاق يختص بالكثير

٨٧

{ولقد آتيناك سبعا} سبعة آيات وهي الفاتحة وقيل سبعة سور وهي الطوال وسابعتها الأنفال و التوبة فإنهما في حكم سورة ولذلك لم يفصل بينهما بالتسمية وقيل التوبة وقيل يونس أو الحواميم السبع وقيل سبع صحائف وه الأسباع

{من المثاني} بيان للسبع والمثاني من التثنية أو الثناء فإن كل ذلك مثنى تكرر قرأءته أو ألفاظه أو قصصه ومواعظة أو مثني عليه يالبلاغة والإعجاز أو مثن على اللّه بما هو أهله من صفاته العظمى وأسمائه الحسنى ويجوز أن يراد ب المثاني القرأن أو كتب اللّه كلها فتكون من للتبعيض

{والقرأن العظيم} إن أريد بالسبع الآيات أو السور فمن عطف الكل على البعض أو العام على الخاص وإن أريد به الأسباع فمن عطف أحد الوصفين على الآخر

٨٨

{لا تمدن عينيك} لا تطمح ببصرك طموح راغب

{إلى ما متعنا به أزواجا منهم} أصنافا من الكفار فإنه مستحقر بالإضافة إلى ما أوتيته فإنه كمال مطلوب بالذات مفض إلى دوام اللذات وفي حديث أبي بكر رضي اللّه تعالى عنه: من أوتي القرأن فرأى أن أحدا أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي فقد صغر عظيما وعظم صغيرا

وروي أنه عليه الصلاة والسلام وافى بأذرعات سبع قوافل ليهود بني قريظة والنضير فيها أنواع البز والطيب والجواهر وسائر الأمتعة فقال المسلمون لو كانت هذه الأموال لنا لتقويتنا بها وأنفقناها في سبيل اللّه فقال لهم: لقد أعطيتم سبع آيات هي خير من هذه القوافل السبع

{ ولا تحزن عليهم} أنهم لم يؤمنوا وقيل إنهم المتمتعون به

{واخفض جناحك للمؤمنين} وتواضع لهم وارفق بهم

٨٩

{وقل إني أنا النذير المبين} أنذركم ببيان وبرهان أن عذاب اللّه نازل بكم إن لم تؤمنوا

٩٠

{كما أنزلنا على المقتسمين} مثل العذاب الذي أنزلناه عليهم فهو وصف لمفعول النذير أقيم مقامه والمقتسمون هم الاثنا عشر الذين اقتسموا مداخل مكة أيام الموسم لينفروا الناس عن الإيمان بالرسول صلى اللّه عليه وسلم فأهلكهم اللّه تعالى يوم بدر أو الرهط الذين اقتسموا على أن يبيتوا صالحا عليه الصلاة والسلام وقيل هو صفة مصدر محذوف يدل عليه {ولقد آتيناك} فإنه بمعنى أنزلنا إليك والمقتسمون هم

٩١

{الذين جعلوا القرأن عضين} حيث قالوا عنادا بعضه حق موافق للتوراة والإنجيل وبعضه باطل مخالف لهما أو قسموه إلى شعر وسحر وكهانة وأساطير الأولين أو أهل الكتاب آمنوا ببعض كتبهم وكفروا ببعض على أن القرأن ما يقرؤون من كتبهم فيكون ذلك تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقوله {لا تمدن عينيك} [الحجر: ٨٨] الخ اعتراضا ممدا لها {الذين جعلوا القرأن عضين} أجزاء جمع عضة وأصلها عضوة من عضى الشاة إذا جعلها أعضاء وقيل فعل من عضهته إذا بهته وفي الحديث لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم العاضهة والمستعضهة

وقيل أسحارا وعن عكرمة العضة السحر وإنما جمع السلامة جبرا لما حذف منه والموصول بصلته صفة للمقتسمين أو مبتدأ خبره

٩٢

{فوربك لنسألنهم أجمعين}

٩٣

{عما كانوا يعلمون} من التقسيم أو النسبة إلى السحر فنجازيهم عليه وقيل هو عام في كل ما فعلوا من الكفر والمعاصي

٩٤

{فاصدع بما تؤمر} فاجهر به من صدع بالحجة إذا تكلم بها جهارا أو فافرق به بين الحق والباطل وأصله الإبانة والتمييز وما مصدرية أو موصولة والراجع محذوف أي بما تؤمر به من الشرائع

{وأعرض عن المشركين} ولا تلتفت إلى ما يقولون

٩٥

{إنا كفيناك المستهزئين} بقمعهم وإهلاكهم قيل كانوا خمسة من أشراف قريش الوليد بن المغيرة و العاص بن وائل وعدي بني قيس والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب يبالغلون في إيذائه النبي صلى اللّه عليه وسلم والاستهزاء به فقال جبريل عليه السلام لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أمرت أن أكفيكهم فأومأ إلى ساق الوليد فمر بنبال فتعلق بثوبه سهم فلم ينعطف تعظما لأخذه فأصاب عرقا فيعقبه فقطعه فمات وأومأ إلى أخمص العاص فدخلت فيه شوكة فانتفخت رجله حتى صارت كالرحى ومات وأشار إلى أنف عدي بن قيس فامتخط قيحا فمات وإلى الأسود بن عبد يغوث وهو قاعد في أصل شجرة فجعل ينطح برأسه الشجرة ويضرب وجهه بالشوك حتى مات وإلى عيني الأسود بن المطلب فعمي

٩٦

{الذين يجعلون مع اللّه إلها آخر فسوف يعلمون} عاقبة أمرهم في الدارين

٩٧

{ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون} من الشرك والطعن في القرأن والإستهزاء بك

٩٨

{فسبح بحمد ربك} فافزع إلى اللّه تعالى فيما نابك بلا تسبيح والتحميد يكفك ويكشف الغم عنك أو فنزهه عما يقولون حامدا له على أن هداك للحق

{وكن من الساجدين} من المصلين وعنه عليه الصلاة والسلام: أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة

٩٩

{واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} أي الموت فإنه متيقن لحاقه كل حي مخلوق والمعنى فاعبده ما دمت حيا ولا تخل بالعبادة لحظة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:

من قرأ سورة الحجر كان له من الأجر عشر حسنات بعدد المهاجرين والأنصار والمستهزئين بمحمد صلى اللّه عليه وسلم واللّه أعلم

﴿ ٠