تفسير البيضاوي: أنوار التنزيل و أسرار التأويل أبو سعيد عبد اللّه بن عمر بن محمد بن علي البيضاوي الشيرازي الفارسي، ناصر الدين، القاضي الشافعي (ت ٦٨٥ هـ ١٢٨٦ م) _________________________________ سورة الإسراء سورة الإسراء وقيل إلا قوله تعالى {وإن كادوا ليفتنونك} [الإسراء: ٧٣] إلى آخر ثمان آيات وهي مائة وإحدى عشرة آية بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا} سبحان اسم بمعنى التسبيح الذي هو التنزيه يستعمل علما له فيقطع عن الإضافة ويمنع عن الصرف قال قد قلت لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاخر وانتصابه بفعل متروك إظهاره وتصدير الكلام به للتنزيه عن العجز عما ذكر بعد و أسرى وسرى بمعنى و ليلا نصب على الظرف وفائدته الدلالة بتنكيره على تقليل مدة الإسراء ولذلك قرئ من الليل أي بعضه كقوله {ومن الليل فتهجد به} [الإسراء: ٧٩] {من المسجد الحرام} بعينه لما روي أنه صلى اللّه عليه وسلم قال: بينا أنا في المسجد الحرام في الحجر عند البيت بين النائم واليقظان إذ أتاني جبريل بالبراق أو من الحرم وسماه المسجد الحرام لأنه كله مسجد أو لأنه محيط به أو ليطابق المبدأ المنتهى لما روي أنه صلى اللّه عليه وسلم كان نائما في بيت أم هانئ بعد صلاة العشاء فأسري به ورجع من ليلته وقص القصة عليها وقال مثل لي الأنبياء صلى اللّه عليه وسلم فصليت بهم ثم خرج إلى المسجد الحرام وأخبر به قريشا فتعجبوا منه استحالة وارتد ناس ممن آمن به وسعى رجال إلى أبي بكر رضي اللّه تعالى عنه فقال إن كان قال لقد صدق فقالوا أتصدقه على ذلك قال إني لأصدقه على أبعد من ذلك فسمي الصديق واستنعته طائفة سافروا إلى بيت المقدس فجلى له فطفق ينظر إليه وينعته لهم فقالوا أما النعت فقد أصاب فقالوا أخبرنا عن عيرنا فأخبرهم بعدد جمالها وأحوالها وقال تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق فخرجوا يشتدون إلى الثنية فصادفوا العير كما أخبر ثم لم يؤمنوا وقالوا ما هذا إلا سحر مبين وكان ذلك قبل الهجرة بسنة واختلف في أنه كان في المنام أو في اليقظة بروحه أو بجسده والأكثر على أنه أسري بجسده إلى بيت المقدس ثم عرج به إلى السموات حتى انتهى إلى سدرة المنتهى ولذلك تعجب قريش واستحالوه والاستحالة مدفوعة بما ثبت في الهندسة أن ما بين طرفي قرص الشمس ضعف ما بين طرفي كرة الأرض مائة ونيفا وستين مرة ثم إن طرفها الأسفل يصل موضع طرفها الأعلى في أقل من ثانية وقد برهن في الكلام أن الأجسام متساوية في قبول الأعراض وأن اللّه قادر على كل الممكنات فيقدر أن يخلق مثل هذه الحركة السريعة في بدن النبي صلى اللّه عليه وسلم أو فيما يحمله والتعجب من لوازم المعجزات {إلى المسجد الأقصى} بيت المقدس لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد {الذي باركنا حوله} ببركات الدين والدنيا لأنه مهبط الوحي ومتعبد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من لدن موسى عليه الصلاة والسلام ومحفوف بالانهار والاشجار {لنريه من آياتنا} كذهابه في برهة من الليل مسيرة شهر ومشاهدته بيت المقدس وتمثل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام له ووقوفه على مقاماتهم وصرف الكلام من الغيبة إلى التكلم لتعظيم تلك البركات والايات وقرئ ليريه بالياء {انه هو السميع} لأقوال محمد صلى اللّه عليه وسلم {البصير} بأفعاله فيكرمه ويقربه على حسب ذلك ٢ {وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدا لبني إسرائيل ألا تتخذوا} على أن لا تتخذوا كقولك كتبت إليك أن افعل كذا وقرأ أبو عمرو بالياء على أن لا يتخذوا {من دوني وكيلا} ربا تكلون إليه اموركم غيري ٣ {ذرية من حملنا مع نوح} نصب على الاختصاص أو النداء أن قرى أن لا تتخذوا بالتاء على النهي يعني قلنا لهم لا تتخذوا من دوني وكيلا أو على انه أحد مفعولي {لا تتخذوا} و {من دوني} [الاسراء:٢] حال من وكيلا فيكون كقوله {ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين اربابا} [آل عمران: ٨٠] وقرئ بالرفع على انه خبر مبتدأ محذوف أو بدل من واو تتخذوا و ذرية بكسر الذال وفيه تذكير بأنعام اللّه تعالى عليهم في انجاء آبائهم من الغرق بحملهم مع نوح عليه السلام في السفينة {إنه} إن نوحا عليه السلام {كان عبدا شكورا} يحمد اللّه تعالى على مجامع حالاته وفيه ايماء بأن انجاءه ومن معه كان ببركة شكره وحث للذرية على الاقتداء به وقيل الضمير لموسى عليه الصلاة والسلام ٤ {وقضينا إلى بني إسرائيل} واوحينا إليهم وحيا مقضيا مبتوتا {في الكتاب} في التوراة {لتفسدن في الأرض} جواب قسم محذوف أو قضينا على اجراء القضاء المبتوت مجرى القسم {مرتين} افسادتين اولاهما مخالفة احكام التوراة وقتل شيعاء وقيل ارمياء وثانيهما قتل زكريا ويحيى وقصد قتل عيسى عليه السلام {ولتعلن علوا كبيرا} ولتستكبرن عن طاعة اللّه تعالى أو لتظلمن الناس ٥ {فإذا جاء وعد اولاهما} وعد عقاب اولاهما {بعثنا عليكم عبادا لنا} بختنصر عامل لهراسف على بابل وجنوده وقيل جالوت الجزري وقيل سنحاريب من أهل نينوى {أولي بأس شديد} ذوي قوة وبطش في الحرب شديد {فجاسوا} فترددوا لطلبكم وقرئ بالحاء المهملة وهما أخوان {خلال الديار} وسطها للقتل والغارة فقتلوا كبارهم وسبوا صغارهم وحرقوا التوراة وخربوا المسجد والمعتزلة لما منعوا تسليط اللّه الكافر على ذلك اولوا البعث بالتخلية وعدم المنع {وكان وعدا مفعولا} وكان وعد عقابهم لا بد أن يفعل ٦ {ثم رددنا لكم الكرة} أي الدولة والغلبة {عليهم} على الذين بعثوا عليكم وذلك بأن القى اللّه في قلوب بهمن بن اسفنديار لما ورث الملك من جده كشتاسف بن لهراسف شفقة عليهم فرد اسراهم إلى الشام وملك دانيا عليهم فاستولوا على من كان فيها من اتباع بختنصر أو بأن سلط اللّه داود عليه الصلاة والسلام على جالوت فقتله {وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم اكثر نفيرا} مما كنتم والنفير من ينفر مع الرجل من قومه وقيل جمع نفر وهم المجتمعون للذهاب إلى العدو ٧ {إن احسنتم لانفسكم} لان ثوابه لها {وإن أسأتم فلها} فإن وباله عليها وإنما ذكرها باللازم ازدواجا {فإذا جاء وعد الآخرة} وعد عقوبة المرة الآخرة ليسوءوا ومجوهكم أي بعثناهم {وليسوءوا وجوهكم} أي يجعلوها بادية آثار المساءة فيها فحذف لدلالة ذكره اولا عليه وقرأ ابن عامر وحمزة أبو بكر ليسوء على التوحيد والضمير فيه للوعد أو للعبث أو للّه ويعقضده قرأءة الكسائي بالنون وقرئ لنسوأن بالنون والياء والنون المخففة والمثقلة و لنسوأن بفتح اللام على الاوجه الأربعة على انه جواب إذا واللام في قوله {وليدخلوا المسجد} متعلق بمحذوف هو بعثناهم {كما دخلوه أول مرة وليتبرو} ما ليهلكوا {ما علوا} ما غلبوه واستولوا عليه أو مدة علوهم {تتبيرا} ذلك بأن سلط اللّه عليهم الفرس مرة أخرى فغزاهم ملك بابل من ملوك الطائف اسمه جودرز وقيل حردوس قيل دخل صاحب الجيش مذبح قرأبينهم فوجد فيه دما يغلي فسألهم عنه فقالوا دم قربان لم يقبل منا فقال ما صدقوني فقتل عليه الوفا منهم فلم يهدأ الدم ثم قافل أن لم تصدقوني ما تركت منكم احدا فقالوا إنه دم يحيى فقال لمثل هذا ينتقم ربكم منكم ثم قال يا يحيى قد علم ربي وربك ما اصاب قومك من اجلك فاهدأ بإذن اللّه تعالى قبل أن لا ابقي احدا منهم فهدأ ٨ {عسى ربكم أن يرحمكم} بعد المرة الآخرة {وإن عدتم} نوبة أخرى {عدنا} مرة ثالثة إلى عقوبتكم وقد عادوا بتكذيب محمد صلى اللّه عليه وسلم وقصد قتله فعاد اللّه تعالى بتسليطه عليهم فقتل قريظة واجلى بني النضير وضرب الجزية على الباقين هذا لهم في الدنيا {وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا} محبسا لا يقدرون على الخروج منها ابد الآباد وقيل بساطا كما يبسط الحصير ٩ {إن هذا القرأن يهدي للتي هي أقوم} للحالة أو الطريقة التي هي أقوم الحالات أو الطلاق {ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم اجرا كبيرا} وقرأ حمزة والكسائي ويبشر بالتخفيف ١٠ {وان الذين لا يؤمنون بالاخرة اعتدنا لهم عذابا اليما} عطف على أن لهم اجرا كبيرا والمعنى انه يبشر المؤمنين ببشارتين ثوابهم وعقاب أعدائهم أو على يبشر بإضمار يخبر ١١ {ويدع الإنسان بالشر} ويدعو اللّه تعالى عند غضبه بالشر على نفسه وأهله وماله أو يدعوه بما حسبه خيرا وهو شر {دعاءه بالخير} مثل دعائه بالخير {وكان الإنسان عجولا} يسارع إلى كل ما يخطر بباله لا ينظر عاقبته وقيل المراد آدم عليه الصلاة والسلام فإنه لما انتهى الروح إلى سرته ذهب لينهض فسقط روي انه عليه السلام دفع اسيرا إلى سودة بنت زمعة فحرمته لانينه فأخرت كتافه فهرب فدعا عليها بقطع اليد ثم ندم فقال عليه السلام اللّهم إنما أنا بشر فمن دعوت عليه فاجعل دعائي رحمة له فنزلت ويجوز أن يريد بالانسان الكافر وبالدعاء استعجاله بالعذاب استهزاء كقول النضر بن الحارث اللّهم انصر خير الحزبين اللّهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية فاجيب له فضرب عنقه صبرا يوم بدر ١٢ {وجعلنا الليل والنهار آيتين} تدلان على القادر الحكيم بتعاقبهما على نسق واحد بإمكان غيره {فمحونا آية الليل} أي الآية التي هي الليل بالاشراق والاضافة فيهما للتبيين كإضافة العدد إلى المعدود {وجعلنا آية النهار مبصرة} مضيئة أو مبصرة للناس من ابصره فبصر أو مبصرا أهله كقولهم اجبن الرجل إذا كان أهله جبناء وقيل الايتان القمر والشمس وتقدير الكلام وجعلنا نيري الليل والنهار آيتين أو جعلنا الليل والنهار ذوي آيتين ومحو آية الليل التي هي القمر جعلها مظلمة في نفسها مطموسة النور أو نقص نورها شيئا فشيئا إلى المحاق وجعل آية النهار التي هي الشمس مبصرة جعلها ذات شعاع تبصر الاشياء بضوئها {لتبتغوا فضلا من ربكم} لتطلبوا في بياض النهار اسباب معاشكم وتتوصلوا به إلى استبانة أعمالكم {ولتعلموا} باختلافهما أو بحركاتهما {عدد السنين والحساب} وجنس الحساب {وكل شيء} تفتقرون إليه في أمر الدين والدنيا {فصلناه تفصيلا} بيناه بيانا غير ملتبس ١٣ {وكل إنسان الزمناه طائره} عمله وما قدر له كأنه طير إليه من عش الغيب ووكر القدر لما كانوا يتيمنون ويتشاءمون بسنوح الطار وبروحه استعير لما هو سبب الخير والشر من قدر اللّه تعالى وعمل العبد {في عنقه} لزوم الطوق في عنقه {ونخرج له يوم القيامة كتابا} هي صحيفة عمله أو نفسه المنتقشة بآثار اعماله فإن الأعمال الاختيارية تحدث في النفس احوالا ولذلك يفيد تكريرها لها ملكات ونصبه بأنه مفعول أو حال من مفعول محذوف وهو ضمير الطائر ويعضده قرأءة يعقوب و يخرج من خرج يخرج وقرئ و يخرج أي اللّه عز وجل {يلقاه منشورا} لكشف الغطاء وهما صفتان للكتاب أو يلقاه صفة و منشورا حال من مفعوله وقرأ ابن عامر يلقاه على البناء للمفعول من لقيته كذا ١٤ {اقرأ كتابك} على إرادة القول {كفى بنفسك اليوم عليك حسبيا} أي كفى نفسك والباء مزيدة و حسيبا تمييز وعلى صلته لانه أما بمعنى الحاسب كالصريم بمعنى الصارم وضريب القداح بمعنى ضاربها من حسب عليه كذا أو بمعنى الكافي فوضع موضع الشهيد لأنه يكفي المدعي ما أهمه وتذكيره على أن الحساب والشهادة مما يتولاه الرجال أو على تأويل النفس بالشخص ١٥ {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها} لا ينجي اهتداؤه غيره ولا يردي ضلاله سواه {ولا تزر وازرة وزر أخرى} ولا تحمل نفس حاملة وزرا وزر نفس أخرى بل إنما تحمل وزرها {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} يبين الحجج ويمهد الشرائع فيلزمهم الحجة وفيه دليل على أن لا وجوب قبل الشرع ١٦ {وإذا أردنا أن نهلك قرية} وإذا تعلقت ارادتنا بإهلاك قوم لانفاذ قضائنا السابق أو دنا وقته المقدر كقولهم إذا أراد المريض أن يموت ازداد مرضه شدة {امرنا مترفيها} متنعميها بالطاعة على لسان رسول بعثناه إليهم ويدل على ذلك ما قبله وما بعده فإن الفسق هو الخروج عن الطاعة والتمرد في العصيان فيدل على الطاعة من طريق المقابلة وقيل امرناهم بالفسق لقوله {ففسقوا فيها} كقولك امرته فقرأ فإنه لا يفهم منه إلا الأمر بالقرأءة على أن الأمر مجاز من الحمل عليه أو التسبب له بأن صب عليهم من النعم ما ابطرهم وافضى بهم إلى الفسوق ويحتمل أن لا يكون له مفعول منوي كقولهم امرته فعصاني وقيل معناه كثرنا يقال امرت الشيء وآمرته فأمر إذا كثرته وفي الحديث خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة أي كثيرة النتاج وهو أيضا مجاز من معنى الطلب ويؤيده قرأءة يعقوب آمرنا ورواية امرنا عن أبي عمرو ويحتمل أن يكون منقولا من أمر بالضم امارة أي جعلناهم امراء وتخصيص المترفين لأن غيرهم يتبعهم ولانهم أسرع إلى الحماقة واقدر على الفجور {فحق عليها القول} يعني كلمة العذاب السابقة بحلوله أو بظهور معاصيهم أو بانهماكهم في المعاصي {فدمرناها تدميرا} اهلكناها بإهلاك أهلها وتهريب ديارهم ١٧ {وكم أهلكنا} وكثيرا أهلكنا {من القرون} بيان لكم وتمييز له {من بعد نوح} كعاذ وثمود {وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا} يدرك بواطنها وظواهرها فيعاقب عليها وقديم الخبير لتقدم متعلقه ١٨ {من كان يريد العجلة} مقصورا عليها همه {عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد} قيد المعجل والمعجل له بالمشيئة والارادة لأنه لا يجد كل متمن ما يتمناه ولا كل واجد جميع ما يهواه وليعلم أن الأمر بالمشيئة والهم فضل ولمن نريد بدل من له بدل البعض وقرئ ما يشاء والضمير فيه للّه تعالى حتى يطابق المشهورة وقيل لمن فيكون مخصوصا بمن أراد اللّه تعالى به ذلك وقيل الآية في المنافقين كانوا يراءون المسلمين ويغزون معهم ولم يكن غرضهم إلا مساهمتهم في الغنائم ونحوها {ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا} مطرودا من رحمة اللّه تعالى ١٩ { ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها} حقها من السعي وهو الاتيان بما أمر به والانتهاء عما نهى عنه لا التقرب بما يخترعون بآرائهم وفائدة اللام اعتبار النية والاخلاص {وهو مؤمن} ايمانا صحيحا لا شرك معه ولا تكذيب فإنه العمدة {فأولئك} الجامعون للشروط الثلاثة {كان سعيهم مشكورا} من اللّه تعالى أي مقبولا عنده مثابا عليه فإن شكر اللّه الثواب على الطاعة ٢٠ {كلا} كل واحد من الفريقين والتنوين بدل من المضاف إليه {نمد} بالعطاء مرة بعد أخرى ونجعل آنفه مدادا لسالفه {هؤلاء وهؤلاء} بدل من كلا {من عطاء ربك} من معطاه متعلق ب نمد {وما كان عطاء ربك محظورا} ممنوعا لا يمنعه في الدنيا من مؤمن ولا كافر تفضلا ٢١ {انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض} في الرزق وانتصاب كيف ب فضلنا على الحال {وللاخرة اكبر درجات واكبر تفضيلا} أي التفاوت في الآخرة اكبر لأن التفاوت فيها بالجنة ودرجاتها والنار ودركاتها ٢٢ {لا تجعل مع اللّه إلها أخر} الخطاب لرسول صلى اللّه عليه وسلم والمراد به أمته أو لكل أحد {فتقعد} فتصير من قولهم شحذ الشفرة حتى قعدت كأنها حربة أو فتعجز من قولهم قعد عن الشيء إذا عجز عنه {مذموما مخذولا} جامعا على نفسك الذم من الملائكة والمؤمنين والخذلان من اللّه تعالى ومفهومه أن الموحد يكون ممدوحا منصورا ٢٣ {وقضى ربك} أمر أمرا مقطوعا به أن لا تعبدوا بأن {لا تعبدوا إلا إياه} لأن غاية التعظيم لا تحق إلا لمن له غاية العظمة ونهاية الأنعام وهو كالتفصيل لسعي الآخرة ويجوز أن تكون أن مفسرة و لا ناهية {وبالوالدين إحسانا} وبأن تحسنوا أو واحسنوا بالوالدين احسانا لانهما السبب الظاهر للوجود والتعيش ولا يجوز أن تتعلق الباء بالاحسان لأن صلته لا تتقدم عليه {إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما} إما لا هي أن الشرطية زيدت عليها ما تأكيدا ولذلك صح لحوق النون المؤكدة للفعل واحدهما فاعل يبلغن ويدل على قرأءة حمزة والكسائي من ألف يبلغان الراجع إلى الوالدين وكعطف على أحدهما فاعلا أو لبدلا ولذلك لم يجز أن يكون تأكيدا للالف ومعنى عندك أن يكونا في كنفك وكفالتك {فلا تقل لهما أف} فلا تتضجر مما يستقذر منهما وتستثقل من مؤنتهما وهو صوت يدل على تضجر وقيل هو اسم الفعل الذي هو اتضجر وهو مبني على الكسر لالتقاء الساكنين وتنوينه في قرأءة نافع وحفص للتنكير وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب بالفتح على التخفيف وقرئ به منونا وبالضم للاتباع كمنذ منونا وغير منون والنهي عن ذلك يدل على المنع من سائر أنواع الايذاء قياسا بطريق الأولى وقيل عرفا كقولك فلان لا يملك النقير والقطمير ولذلك منع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حذيفة من قتل أبيه وهو في صف المشركين نهى عما يؤذيهما بعد الأمر بالاحسان بهما {ولا تنهرهما} ولا تزجرهما عما لا يعجبك بإغلاظ وقيل النهي والنهر والنهم اخوات {وقل لهما} بدل التأفيف والنهر {قولا كريما} جميلا لا شراسة فيه ٢٤ {واخفض لهما جناح الذل} تذلل لهما وتواضع فيهما وجعل للذل جناحا كما جعل لبيد في قوله وغداة ريح قد كشفت وقرة إذ أصبحت بيد الشمال زمامها للشمال يدا أو اللقرة زماما وأمره بخفضه مبالغة أو أراد جناحه كقوله تعالى {واخفض جناحك للمؤمنين} [الحجر: ٨٨] واضافته إلى الذل للبيان والمبالغة كما اضيفت حاتم إلى الجود والمعنى واخفض لهما جناحك الذليل وقرئ الذل بالكسر وهو الانقياد والنعت منه ذلول {من الرحمة} من فرط رحمتك عليهما لافتقارهما إلى من كان افقر خلق اللّه تعالى إليهما بالامس {وقل رب ارحمهما} وادع اللّه تعالى أن يرحمهما برحمته الباقية ولا تكتف برحمتك الفانية وان كانا كافرين لان من الرحمة أن يديهما {كما ربياني صغيرا} رحمة مثل رحمتهما علي وتربيتهما وارشادهما لي في صغري وفاء بوعدك للراحمين روي أن رجلا قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إن أبوي بلغا من الكبر أني ألأي منهما ما وليا مني في الصغر فهل قضيتهما حقهما قال: لا فإنهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبان بقاءك وأنت تفعل ذلك وتريد موتهما ٢٥ {ربكم اعلم بما في نفوسكم} من قصد البر أليهما واعتقاد ما يجب لهما من التوقير وكأنه تهديد على أن يضمر لهما كراهة واستثقالا {إن تكونوا صالحين} قاصدين لللاح {فإنه كان للاوابين} للتوابين {غفورا} ما فطر منهم عند حرج الصدر من اذية أو تقصر وفيه تشديد عظيم ويجوز أن يكون عاما لكل تائب ويندرج فيه الجاني على ابويه التائب من جنايته لوروده على اثره ٢٦ {وآت ذا القربى حقه} من صلة الرحم وحسن المعاشرة والبرعليهم وقال أبو حنيفة حقهم إذا كانوا محارم فقرأء أن ينفق عليهم وقيل المراد بذي القربى اقارب الرسول صلى اللّه عليه وسلم {والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا} بصرف المال فيما لا ينبغي وانفاقه على وجه الاسراف واصل التبذير التفريق و عن النبي صلى اللّه عليه وسلم انه قال لسعد وهو يتوضأ ما هذا السرف قال أو في الوضوء سرف قال: نعم وإن كنت على نهر جار ٢٧ {إن المبذرين كانوا أخوان الشياطين} امثالهم في الشرارة فإن التضييع والاتلاف شر أو اصدقاءهم واتباعهم لأنهم يطيعونهم في الاسراف والصرف في المعاصي روي أنهم كانوا ينحرون الإبل ويتياسرون عليها ويبذرون اموالهم في السمعة فنهاهم اللّه عن ذلك وامرهم بالانفاق في القربات {وكان الشيطان لربه كفورا} مبالغا في الكفر به فينبغي أن لا يطاع ٢٨ {وإما تعرضن عنهم} وإن أعرضت عن ذي القربى والمسكن وابن السبيل حياء من الرد ويجوز أن يراد بالاعراض عنهم أن لا ينفعهم على سبيل الكناية {ابتغاء رحمة من ربك ترجوها} لانتظار رزق من اللّه ترجوه أن يأتيك فتعطيه أو منتظرين له وقيل معناه لفقد رزق من ربك ترجوه أن يفتح لك فوضع الابتغاء موضعه لأنه مسبب عنه ويجوز أن يتعلق بالجواب الذي هو قوله {فقل لهم قولا ميسورا} أي فقل لهم قولا لينا ابتغاء رحمة اللّه برحمتك عليهم باجمال القول لهم والميسور من يسر الأمر مثل سعد الرجل ونحس وقيل القول الميسور الدعاء لهم بالميسور وهو اليسر مثل اغناكم اللّه تعالى ورزقنا اللّه واياكم ٢٩ {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط} تمثيلان لمنع الشحيح واسراف المبذر نهى عنهما آمرا بالاقتصاد بينهما الذي هو الكرم {فتقعد ملوما} فتصير ملوما عند اللّه وعند الناس بالاسراف وسوء التدبير {محسورا} نادما أو منقطعا بك لا شيء عندك من حسرة السفر إذا بلغ منه وعن جابر بينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالس أتاه صبي فقل إن أمي تستكسيك درعا فقال صلى اللّه عليه وسلم: من ساعة إلى ساعة فعد إلينا فذهب إلى أمه فقالت قل له إن أمي تستكسيك الدرع الذي عليك فدخل صلى اللّه عليه وسلم داره ونزع قميصه واعطاه وقعد عريانا وأذن بلال وانتظروه للصلاة فلم يخرج فأنزل اللّه ذلك ثم سلاه بقوله ٣٠ {إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} يوسعه ويضيقه بمشيئته التابعة للحكمة البالغة فليس ما يرهقك من الاضافة إلا لمصلحتك {انه كان بعباده خبيرا بصيرا} يعلم سرهم وعلنهم فيعلم من مصالحهم ما يخفى عليهم ويجوز أن يراد أن البسط والقبض من أمر اللّه تعالى العالم بالسرائر والظواهر فأما العباد فعليهم أن يقتصدوا أو انه تعالى يبسط تارة ويقبض أخرى فاستنوا بسنته ولا تقبضوا كل القبض ولا تبسطوا كل البسط وان يكون تمهيدا لقوله تعالى ٣١ {ولا تقتلوا اولادكم خشية املاق} مخافة الفاقة وقتلهم أولادهم هو وأدهم بناتهم مخافة الفقر فنهاهم عنه وضمر لهم ارزاقهم فقال {نحن نرزقهم واياكم أن قتلهم كان خطأ كبيرا} ذنبا كبيرا لما فيه من قطع التناسل وانقطاع النوع وال خطأ الاثم يقال خطئ خطأ كأثم اثما وقرأ ابن عامر خطأ وهو اسم من أخطأ يضاد الصواب وقيل لغة فيه كمثل ومثل وحذر وحذر وقرأ ابن كثير خطاء بالمد والكسر وهو أما لغة فيه أو مصدر خطاء بالمد والكسر وهو وإن لم يسمع لكنه جاء تخاطأ في قوله تخاطأه القاص حتى وجدته وخرطومه في منقع الماء راسب وهو مبني عليه وقرئ خطاء بالفتح والمد وخطا بحذف الهمزة مفتوحا ومكسورا ٣٢ {ولا تقربوا الزنا} بالعزم والاتيان بالمقدمات فضلا عن أن تباشروه {إنه كان فاحشة} فعلة ظاهرة القبح زائدته {وساء سبيلا} وبئس طريقا طريقه هو الغصب على الابضاع المؤدي إلى قطع الأنساب وهيج الفتن ٣٣ {ولا تقتلوا النفس التي حرم اللّه إلا بالحق} إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان وزنا بعد احصان وقتل مؤمن معصوم عمدا {ومن قتل مظلوما} غير مستوجب للقتل {فقد جعلنا لوليه} للذي يلي أمره بعد وفاته وهو الوارث {سلطانا} تسلطا بالمؤاخذة بمقتضى القتل على من عليه أو بالقصاص على القاتل فإن قوله تعالى مظلوما بدل على أن القتل عمدا عدوان فإن الخطأ لا يسمى ظلما {فلا يسرف} أي القاتل {في القتل} بأن يقتل من لا يستحق قتله فإن العاقل لا يفعل ما يعود عليه بالهلاك أو الولي بالمثلة أو قتل غير لا يستحق قتله فإن العاقل لا يفعل ما يعود عليه بالهلاك أو الولي بالمثلة أو قتل غير القاتل ويؤيد الأول قرأءة أبي فلا تسرفوا وقرأ حمزة والكسائي فلا تسرف على خطاب أحدهما {إنه كان منصورا} علة النهي على الاستئناف والضمير أما للمقتول فإنه منصور في الدنيا بثبوت القصاص بقتله وفي الآخرة بالثواب واما لوليه فإن اللّه تعالى نصره حيث اوجب القصاص له أمر الولاة بمعونته واما للذي يقتله الولي اسرافا بإيجاب القصاص أو التعزيز والوزر على المسرف ٣٤ {ولا تقربوا مال اليتيم} فضلا أن تتصرفوا فيه {إلا بالتي هي احسن} إلا بالطريقة التي هي احسن {حتى يبلغ اشده} غاية لجواز التصرف الذي دل عليه الاستثناء {وأوفوا بالعهد} بما عاهدكم اللّه من تكاليفه أو ما عاهدتموه وغيره {إن العهد كان مسئولا} مطلوبا يطلب من المعاهد أن لا يضيعه ويفي به أو مسؤولا عنه يسأل الناكث ويعاتب عليه لم نكثت أو يسأل العهد تبكيتا للناكث كما يقال للموءودة بأي ذنب قتلت فيكون تخييلا ويجوز أن يراد أن صاحب العهد كان مسؤولا ٣٥ {واوفوا الكيل إذا كلتم} ولا تبخسوا فيه {وزنوا بالقسطاس المستقيم} بالميزان السوي وهو رومي عرب ولا يقدح ذلك في عربية القرأن لأن العجمي إذا استعملته العرب وأجرته مجرى كلامهم في الاعراب والتعريف والتنكير ونحوها صار عربيا وقرأ حمزة والكسائي وحفص بكسر القاف هنا في الشعراء {ذلك خير وأحسن تأويلا} واحسن عاقبة تفعيل من آل إذا رجع ٣٦ {ولا تقف} ولا تتبع وقرئ ولا تقف من قاف اثره إذا قفاه ومنه القافة {ما ليس لك به علم} ما لم يتعلق به علمك تقليدا أو رجما بالغيب واحتج به من منع اتباع الظن وجوابه ان المراد بالعلم هو الاعتقاد الراجح المستفاد من سند سواء كان قطعا أو ظنا واستعماله بهذا المعنى سائغ شائع وقيل انه مخصوص بالعقائد وقيل بالرمي وشهادة الزور ويؤيده قوله صلى اللّه عليه وسلم: من قفا مؤمنا بما ليس فيه حبسه اللّه في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج وقول الكميت ولا ارمي البريء بغير ذنب ولا اقو الحواصن أن قفينا {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك} أي كل هذه الاعضاء فأجراها مجرى العقلاء لما كانت مسؤولة عن احوالها شاهدة على صاحبها هذا وإن أولاء وإن غلب في العقلاء لكنه من حيث إنه اسم جمع لذا وهو يعم القبيلين جاء لغيرهم كقوله والعيش بعد أولئك الأيام {كان عنه مسئولا} في ثلاثتها ضمير كل أي كان كل واحد منها مسؤولا عن نفسه يعني عما فعل به صاحبه ويجوز أن يكون الضمير في عنه لمصدر لا تقف أو لصاحب السمع والبصر وقيل مسؤولا مسند إلى عنه كقوله تعالى غير المغضوب عليهم [الفاتحة: ٧] والمعنى يسأل صاحبه عنه وهو خطأ لأن الفاعل وما يقوم مقامه لا يتقدم وفيه دليل على أن العبد مؤاخذ بعزمه على المعصية وقرئ والفؤاد بقلب الهمزة واوا بعد الضمة ثم ابدالها بالفتح ٣٧ {ولا تمش في الأرض مرحا} أي ذا مرح وهو الاختيال وقرئ مرحا وهو باعتبار الحكم ابلغ وإن كان المصدر آكد من صريح النعت {إنك لن تخرق الأرض} لن تجعل فيها خرقا بشدة وطأتك {ولن تبلغ الجبال طولا} بتطاولك وهو تهكم بالمختال وتعليل للنهي بأن الاختيال حماقة مجردة لا تعود بجدوى ليس في التذلل ٣٨ {كل ذلك} إشارة إلى الخصال الخمس والعشرين المذكورة من قوله تعالى لا تجعل مع اللّه إلها آخر [الاسراء:٢٢] وعن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما إنها المكتوبة في الواح موسى عليه السلام {كان سيئه} يعني المنهي عنه فإن المذكورات مأمورات ومناه وقرأ الحجازيان والبصريان سيئه على أنها خبر كان والاسم ضمير كل و ذلك إشارة إلى ما نهى عنه خاصة وعلى هذا قوله {عند ربك مكروها} بدل من سيئه أو صفة لها محمولة على المعنى فإنه بمعنى سيئا وقد قرئ به ويجوز أن ينتصب مكروها على الحال من المستكن في كان أو في الظرف على انه صفة سيئه والمراد به المبغوض المقابل للمرضى لا ما يقابل المراد لقيام القاطع على أن الحوادث كلها واقعة بإرادته تعالى ٣٩ {ذلك} إشارة إلى الأحكام المتقدمة {مما أوحي إليك ربك من الحكمة} التي هي معرفة الحق لذاته والخير للعمل به {ولا تجعل مع اللّه إلها آخر} كرره للتنبيه على أن التوحيد مبدأ الأمر ومنتهاه فإن من لا قصد له بطل عمله ومن قصد يفعله أو تركه غيره ضاع سعيه وانه رأس الحكمة وملاكها ورتب عليه اولا ما هو عائده الشرك في الدنيا وثانيا ما هو نتيجته في العقبى فقال تعالى {فتلقى في جهنم ملوما} تلوم نفسك {مدحورا} مبعدا من رحمة اللّه تعالى ٤٠ {أفأصفاكم ربكم بالبنين} خطاب لم نقالوا الملائكة بنات اللّه والهمزة للانكار والمعنى افخصكم ربكم بأفضل الأولاد هم البنون {واتخذ من الملائكة اناثا} بنات لنفسه وهذا خلاف ما عليه عقولكم وعادتكم {إنكم لتقولون قولا عظيما} بإضافة الأولاد إليه وهي خاصة بعض الأجسام لسرعة زوالها ثم بتفضيل انفسكم عليه حيث تجعلون له ما تكرهون ثم يجعل الملائكة الذين هم من اشرف خلق اللّه ادونهم ٤١ {ولقد صرفنا} كررنا هذا المعنى بوجوه من التقرير {في هذا القرأن} في مواضع منه ويجوز أن يراد بهذا القرأن ابطال إضافة البنات إليه على تقدير ولقد صرفنا هذا القول في هذا المعنى أو اوقعنا التصريف فيه وقرئ صرفنا بالتخفيف {ليذكروا} ليتذكروا وقرأ حمزة والكسائي هنا وفي القرأن ليذكروا من الذكر الذي هو بمعنى التذكر {وما يزيدهم إلا نفورا} عن الحق وقلة طمأنينة إليه ٤٢ {قل لو كان معه آلهة كما تقولون} آيها المشركون وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم بالياء فيه وفيما بعده على أن الكلام مع الرسول صلى اللّه عليه وسلم ووافقهما نافع وابن عامر وأبو عمرو وأبو بكر ويعقوب في الثانية على أن الأولى مما أمر الرسول صلى اللّه عليه وسلم أن يخاطب به المشركين والثانية مما نزه به نفسه عن مقالتهم {إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا} جواب عن قولهم وجزاء للو والمعنى لطلبوا إلى م نهو مالك الملك سبيلا بالمعازة كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض أو بالتقرب إليه والطاعة لعلمهم بقدرته وعجزهم كقوله تعالى {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة} [الإسراء: ٥٧] ٤٣ {سبحانه} ينزه تنزيها {وتعالى عما يقولون علوا} تعاليا {كبيرا} متباعدا غاية البعد عما يقولون فإنه في أعلى مراتب الوجود وهو كونه واجب الوجود والبقاء لذاته واتخاذ الولد من ادنى مراتبه فإنه من خواص ما يمتنع بقاؤه ٤٤ {تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده} ينزهه عما هو من لوازم الإمكان توابع الحدوث بلسان الحال حيث تدل بإمكانها وحدوثها على الصانع القديم الواجب لذاته {ولكن لا تفقهون تسبيحهم} أيها المشركون لاخلالكم بالنظر الصحيح الذي به يفهم تسبيحهم ويجوز أن يحمل التسبيح على المشترك بين اللفظ والدلالة لاسناده إلى ما يتصور منه اللفظ والى ما لا يتصور منه وعليهما عند من جوز إطلاق اللفظ على معنييه وقرأ ابن كثير وابن عامر ونافع وأبو بكر يسبح بالياء {إنه كان حليما} حيث لم يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وشرككم {غفورا} لمن تاب منكم ٤٥ {وإذا قرأت القرأن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالاخرة حجابا} يجبهم عن فهم ما تقرؤه عليهم {مستورا} ذا ستر كقوله تعالى وعده مأتيا [مريم:٦١] وقولهم سيل مفعم أو مستورا عن الحس أو بحجاب آخر لا يفهمون ولا يفهمون انهم لا يفهمون نفي عنهم أن يفهموا ما انزل عليهم من الآيات بعدما نفى عنهم التفقه للدلالات المنصوبة في الانفس والافاق تقريرا له وبيانا لكونهم مطبوعين على الضلالة كما صرح به بقوله ٤٦ {وجعلنا على قلوبهم أكنة} تكنها وتحول دونها عن ادراك الحق وقبوله {أن يفقهوه} كراهة أن يفقهوه ويجوز أن يكون مفعولا لما دل عليه قوله وجعلنا على قلوبهم اكنة أي منعناهم أن يفقهوه {وفي آذانهم وقرأ} يمنعهم عن استماعه ولما كان القرأن معجزا من حيث اللفظ والمعنى اثبت لمنكريه ما يمنع عن فهم المعنى واراك اللفظ {وإذا ذكرت ربك في القرأن وحده} واحداص غير مشفوع به آلهتهم مصدر وقع موقع الحال واصله يحد وحده بمعنى واحدا وحده {ولوا على ادبارهم نفورا} هربا من استماع التوحيد ونفرة أو تولية ويجوز أن يكون جمع نافر كقاعد وقعود ٤٧ {نحن أعلم بما يستمعون به} بسببه ولأجله من الهزء بك وبالقرأن {إذ يستمعون إليك} ظرف ل اعلم وكذا {وإذ هم نجوى} أي نحن اعلم بغرضهم من الاستماع حين هم مستمعون إليك مضمرون له وحين هم ذوو نجوى يتناجون به و نجوى مصدر وحيتمل أن يكون جمع نجى {إذ يقول الظالمون أن تتبعون إلا رجلا مسحورا} مقدر باذكر أو بدل من إذ هم نجوى على وضع الظالمون موضع الضمير للدلالة على أن تناجيهم بقولهم هذا من باب الظلم والمسحور هو الذي سحر فزال عقله وقيل الذي له سحر وهو الرئة أي إلا رجلا يتنفس ويأكل ويشرب مثلكم ٤٨ {أنظر كيف ضربوا لك الأمثال} مثلوك بالشاعر والساحر والكاهن والمجنون {فضلوا} عن الحق في جميع ذلك {فلا يستطيعون سبيلا} إلى طعن موجه فيتهافتون ويخبطون كالمتحير في أمره لا يدري ما يصنع أو إلى الرشاد ٤٩ {وقالوا ائذا كنا عظاما ورفاتا} حطاما {أإنا لمبعوثون خلقا جديدا} على الإنكار والاستبعاد لما بين غضاضة الحي ويبوسة الرميم من المباعدة والمنافاة و العامل في إذا ما دل عليه مبعوثون لا نفسه لأن ما بعد إن لا يعمل فيما قبلها و خلقا مصدر أو حال ٥٠ {قل} جوابا لهم {كونوا حجارة أو حديدا} ٥١ {أو خلقا مما يكبر في صدوركم} أي مما يكبر عندكم عن قبول الحياة لكونه ابعد شيء منها فإن قدرته تعالى لا تقصر عن احيائكم لاشتراك الأجسام في قبول الاعراض فكيف إذا كنتم عظاما مرفوتة وقد كانت غضة موصوفة بالحياة قبل والشيء اقبل لما عهد فيه مما لم يعهد {فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة} وكنتم ترابا وما هو ابعد منه من الحياة {فسينغضون إليك رؤوسهم} فسيحركونها نحوك تعجبا واستهزاء {ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا} فإن كل ما هو آت قريب وانصابه على الخبر أو الظرف أي يكون في زمان قريب و أن يكون اسم عسى أو خبره والاسم مضمر ٥٢ {يوم يدعوكم فتستجيبون} أي يوم يبعثكم فتنبعثون استعار لهما الدعاء والاستجابة للتنبيه على سرعتهما وتيسر امرهما وان المقصود منهما الاحضار للمحاسبة والجزاء {وتظنون إن لبثتم إلا قليلا} وتستصرون مدة لبثكم في القبور كالذي مر على قرية أو مدة حياتكم لما ترون من الهول ٥٣ {وقل لعبادي} يعني المؤمنين {يقولوا التي هي احسن} الكلمة التي هي احسن ولا يخاشنوا المشركين {إن الشيطان ينزع بينهم} يهيج بينهم المراء والشر فلعل المخاشنة بهم تفضي إلى العناد وازدياد الفساد {إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا} ظاهر العداوة ٥٤ {ربكم اعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم} تفسير ل التي هي احسن وما بينهما اعتراض أي قولوا لهم هذه الكلمة ونحوها ولا تصرحا بأنهم من أهل النار فإنه يهيجهم على الشر مع أن ختام أمرهم غيب لا يعلمه إلا اللّه وما {ارسلناك عليه وكيلا} موكولا إليك أمرهم تقسرهم على الإيمان وانما ارسلناك مبشرا ونذيرا فدارهم ومر أصحابك بالاحتمال منهم وروي أن المشركين افرطوا في ايذائهم فشكوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فنزلت وقيل شتم عمر رضي اللّه تعالى عنه رجل منهم فهم به فأمره اللّه بالعفو ٥٥ {وربك اعلم بمن في السماوات والأرض} بأحوالهم فيختار منهم لنبوته وولايته من يشاء وهو رد لاستبعاد قريش أن يكون يتيم أبي طالب نبيا وان يكون العراة الجؤع اصحابه {ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض} بالفضائل النفسانية والتبري عن العلائق الجسمانية لا بكثرة الأموال والاتباع حتى داود عليه الصلاة والسلام فإن شرفه بما اوحى إليه من الكتاب لا بما اوتيه من الملك قيل هو إشارة إلى تفضيل رسول اله صلى اللّه عليه وسلم وقوله {وآتينا داود زبورا} تنبيه على وجه تفضيله وهو انه خاتم الأنبياء وأمته خير الأمم المدلول عليه بما كتب في الزبور من أن الأرض يرثها عبادي الصالحون وتنكيره ها هنا وتعريفه في قوله تعالى ولقد كتبنا في الزبور [الانبياء:١٠٥] لأنه في الأصل فعول للمفعول كالحلوب أو المصدر كالقبول ويؤيده قرأءة حمزة بالضم وهو كالعباس أو الفضل أو لأن المراد وآتينا داود بعض الزبر أو بعضا من الزبور فيه ذكر الرسول صلى اللّه عليه وسلم ٥٦ {قل ادعوا الذين زعمتم} أنها آلهة {من دونه} كالملائكة والمسيح وعزير {فلا يملكون} فلا يستطيعون {كشف الضر عنكم} كالمرض والفقر والقحط {ولا تحويلا} ولا تحويل ذلك منكم إلى غيركم ٥٧ {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة} هؤلاء الالهة يبتغون إلى اللّه القرأبة بالطاعة {ايهم اقرب} بدل من واو يبتغون أي من هو اقرب منهم إلى اللّه الوسيلة فكيف بغير الأقرب {ويرجون رحمته ويخافون عذابه} كسائر العباد فكيف تزعمون انهم آلهة {إن عذاب ربك كان محذورا} حقيقا بأن يحذره كل أحد حتى الرسل والملائكة ٥٨ {وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة} بالموت والاستئصال {أو معذبوها عذابا شديدا} بالقتل وانواع البلية {كان ذلك في الكتاب} في اللوح المحفوظ {مسطورا} مكتوبا ٥٩ {وما منعنا أن نرسل بالآيات} ما صرفنا عن ارسال الآيات التي اقترحها قريش {إلا أن كذب بها الأولون} إلا تكذيب الأولين الذين هم امثالهم في الطبع كعاد وثمود وأنها لو ارسلت لكذبوا بها تكذيب أولئك واستوجبوا الاستئصال على ما مضت به سنتنا وقد قضينا أن لا نستأصلهم لأن منهم من يؤمن أو يلد من يؤمن ثم ذكر بعض الأمم المهلكة بتكذيب الآيات المقترحة فقال {وآتينا ثمود الناقة} بسؤالهم {مبصرة} بينة ذات ابصار أو بصائر أو جاعلتهم ذوي بصائر وقرئ بالفتح {فظلموا بها} فكفروا بها أو فظلموا أنفسهم بسبب عقرها {وما نرسل بالآيات} أي بالآيات المقترحة {إلا تخويفا} من نزول العذاب المستأصل فإن لم يخافوا نزل أو بغير المقترحة كالمعجزات وآيات القرأن إلا تخويفا بعذاب الآخرة فإن أمر من بعثت إليهم مؤخر إلى يوم القيامة والباء مزيدة أو في موقع الحال والمفعول محذوف ٦٠ {وإذ قلنا لك} واذكر إذ اوحينا إليك {أن ربك احاط بالناس} فهم في قبضة قدرته أو احاط بقريش بمعنى اهلكهم من احاط بهم العدو فهي بشارة بوقعة بدر والتعبير بلفظ الماضي لتحقق وقوعه {وما جعلنا الرؤيا التي اريناك} ليلة المعراج وتعلق به من قال انه كان في المنام ومن قال انه كان في اليقظة فسر الرؤيا بالرؤية أو عام الحديبية حين رأى انه دخل مكة وفيه أن الآية مكية إلا أن يقال رآها بمكة وحكاها حينئذ ولعله رؤيا رآها في وقعة بدر لقوله تعالى إذ يريكهم اللّه في منامك قليلا [الأنفال: ٤٣] ولما روي انه لما ورد ماءه قال: لكأني انظر إلى مصارع القوم هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان فتسامعت به قريش واستسخروا منه وقيل رأى قوما من بني أمية يرقون منبره وينزون عليه نزو القردة فقال هذا حظهم من الدنيا يعطونه بإسلامهم وعلى هذا كان المراد بقوله {إلا فتنة للناس} ما حدث في ايامهم {والشجرة الملعونة في القرأن} عطف على الرؤيا وهي شجرة الزقوم لما سمع المشركون ذكرها قالوا أن محمدا يزعم أن الجحيم تحرق الحجارة ثم يقول ينبت فيها الشجر ولم يعلموا أن من قدر أن يحمي وبر السمندل من أن تأكله النار واحشاء النعامة من اذى الجمر وقطع الحديد المحماة الحمر التي تبتلعها قدر أن يخلق في النار شجرة لا تحرقها ولعنها في القرأن لعن طاعميها وصفت به على المجاز للمبالغة أو وصفها بأنها في أصل الجحيم فإنه ابعد مكان من الرحمة أو بأنها مكروهة مؤذية من قولهم طعام ملعون لما كان ضارا وقد اولت بالشيطان وأبي جهل والحكم بن أبي العاصي وقرئت بالرفع على الابتداء والخبر محذوف أي والشجرة الملعونة في القرأن كذلك {ونخوفهم} بأنواع التخويف {فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا} إلا عتوا متجاوز الحد ٦١ {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا} لمن خلقته من طين فنصب بنزع الخافض ويجوز أن يكون حالا من الراجع إلى الموصول أي خلقته وهو طين أو منه أي أأسجد له وأ له طين وفيه على الوجوه الثلاثة ايماء بعلة الإنكار ٦٢ {قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي} الكاف لتأكيد الخطاب لا محل له من الاعراب وهذا مفعول أول والذي صفته والمفعول الثاني محذوف لدلالة صلته عليه والمعنى اخبرني عن هذا الذي كرمته علي بامري بالسجود له لم كرمته علي {لئن اخرتني إلى يوم القيامة} كلام مبتدأ واللام موطئة للقسم وجوابه {لاحتنكن ذريته إلا قليلا} أي لاستأصلنهم بالاغواء إلا قليلا لا اقدر أن اقاوم شكيمتهم من احتنك الجراد الأرض إذا جرد ما عليها اكلا مأخوذ من الحنك وانما علم أن ذلك يتسهل له أما استنباطا من قول الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها مع التقرير أو تفرسا من خلقه ذا وهم وشهوة وغضب ٦٣ {قال اذهب} امض لما قصدته وهو طرد وتخلية بينه وبين ما سلوت له نفسه {فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم} جزاؤك جزاؤهم فغلب المخاطب على الغائب ويجوز أن يكون الخطاب للتابعين على الالتفات {جزاء موفورا} مكملا من قولهم فر لصاحبك عرضه وانتصاب جزاء على المصدر بإضمار فعله أو بما في جزاؤكم من معنى تجازون أو حال موطئة لقوله موفورا ٦٤ {واستفزز} واستخفف {من استطعت منهم} أن تستفزه والفز الخفيف {بصوتك} بدعائك إلى الفساد {وأجلب عليهم} وصح عليهم من الجلبة وهي الصياح {بخيلك ورجلك} باعوانك من راكب وراجل والخيل الخيالة ومنه قوله عليه صلى اللّه عليه وسلم يا خيل اللّه اركبي والرجل اسم جمع للراجل كالصحب والركب ويجوز أن يكون تمثيلا لتسلطه على من يغويه بمغوار صوت على قوم فاستفزهم من اماكنهم واجلب عليهم بجنده حتى استأصلهم وقرأ حفص ورجلك بالكسر وغيره بالضم وهما لغتان كندس وندس ومعناه وجمعك الرجل وقرئ و رجالك و رجالك {وشاركهم في الأموال} بحملهم على كسبها وجمعها من الحرام والتصرف فيها على ما لا ينبغي {والاولاد} بالحث على التوثل الىالولد بالسبب المحرم والاشراك فيه بتسميته عبد العزى والتضليل بالحمل على الاديان الزائغة والحرف الذميمة والافعال القبيحة {وعدهم} المواعيد الباطلة كشفاعة الالهة والاتكال على كرامة الاباء وتأخير التوبة لطول الأمل {وما يعدهم الشيطان إلا غرورا} اعتراض لبيان مواعيده الباطلة والغرور تزيين الخطأ بما يوهم انه صواب ٦٥ {إن عبادي} يعين المخلصين وتعظيم الاضافة والتقييد في قوله إلا عبادك منهم المخلصين [الحجر:٤٠] يخصصهم {ليس لك عليهم سلطان} أي على اغوائهم قردة {وكفى بربك وكيلا} يتوكلون عليه في الاستعاذة منك على الحقيقة ٦٦ {ربكم الذي يزجي} هوالذي يجري {لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله} الريح وانواع الامتعة التي لا تكون عندكم {انه كان بكم رحيما} حيث هيأ لكم ما تحتاجون إليه وسهل عليكم ما تعسر من اسبابه ٦٧ {وإذا مسكم الضر في البحر} خوف الغرق {ضل من تدعون} ذهب عن خواطركم كل من تدعونه في حوادثكم {إلا إياه} وحده فإنكم حينئذ لا يخطر ببالكم سواه فلا تدعون لكشفه إلا إياه أو ضل كل من تعبدونه عن اغاثتكم إلا اللّه {فلما نجاكم} من الغرق {إلى البر اعرضتم} عن التوحيد وقيل اتسعتم في كفران النعمة كقول ذي الرمة عطاء فتى تمكن في المعالي فاعرض في المكارم واستطالا {وكان الإنسان كفورا} كالتعليل للاعراض ٦٨ { أفأمنتم} الهمزة فيه للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره انجوتم فأمنتم فحملكم ذلك على الاعراض فإن من قدر أن يهلككم في البحر بالغرق قادر أن يهلككم في البر بالخسف وغيره {أن يخسف بكم جانب البر} أن يقلبه وانتم عليه أو يقلبه بسببكم فبكم حال أو صلة ليخسف وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالنون فيه وفي الأربعة التي بعده وفي ذكر الجانب تنبيه على انهم لما وصلوا الساحل كفروا واعرضوا وان الجوانب والجهات في قدرته سواء لا معقل يؤمن فيه من اسباب الهلاك {أو يرسل عليكم حاصبا} ريحا تحصب أي ترمي بالحصباء {ثم لا تجدوا لكم وكيلا} يحفظكم من ذلك فإنه لا راد لفضله ٦٩ {أم أمنتم أن يعيدكم فيه} في البحر {تارة أخرى} بخلق دواع تلجئكم إلى أن ترجعوا فتركبوه {فيرسل عليكم قاصفا من الريح} لا تمر بشيء إلا قصفته أي كسرته {فيغرقكم} وعن يعقوب بالتاء على إسناده إلى ضمير الريح {بما كفرتم} بسبب اشراككم أو كفرانكم نعمة الانجاء {ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا} مطالبا يتبعنا بانتصار أو صرف ٧٠ {ولقد كرمنا بني آدم} بحسن الصورة والمزاج الاعدل واعتدال القامة والتمييز بالعقل والافهام بالنطق والاشارة والخط والتهدي إلى اسباب المعاش والمعاد والتسلط على ما في الأرض والتمكن من الصناعات وانسياق الاسباب والمسببات العلوية والسفلية إلى ما يعود عليهم بالمنافع إلى غير ذلك مما يقف الحصر دون احصائه ومن ذلك ما ذكره ابن عباس وهو أن كل حيوان يتناول طعامه بفيه إلا الانسن فإنه يرفعه إليه بيده {وحملناهم في البر والبحر} على الدواب والسفن من حملته حملا إذا جعلت له ما يركبه أو حملناهم فيهما حتى لم تخسف بهم الأرض ولم يغرضهم الماء {ورزقناهم من الطيبات} المستلذات مما يحصل بفعلهم وبغير فعلهم {وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} بالغلبة والاستيلاء أو بالشرف والكرامة والمستثنى جنس الملائكة عليهم الصلاة والسلام أو الخواص منهم ولا يلزم من عدم تفضيل الجنس عدم تفضيل بعض أفراده والمسألة موضع نظر وقد أول الكثير بالكل وفيه تعسف ٧١ {يوم ندعو} نصب بإضمار اذكر أو ظرف لما دل عليه {ولا يظلمون} وقرئ يدعو و يدعي و يدعو على قلب الألف واوا لي لغة من يقول افعو في افعى أو على أن الواو علامة الجمع كما في قوله {وأسروا النجوى الذين ظلموا} [الأنبياء: ٣] أو ضميره وكل بدل منه والنون محذوفة لقلة المبالاة بها فإنها ليست إلا علامة الرفع وهو قد يقدر كما في يدعي {كل أناس بإمامهم} بمن ائتموا به من نبي أو مقدم في الدين أو كتاب أو دين وقيل بكتاب أعمالهم التي قدموها فيقال يا صاحب كتاب كذا أي تنقطع علقة الأنساب وتبقى نسبة الأعمال وقيل بالقوى الحاملة لهم على عقائدهم وافعالهم وقيل بأمهاتهم جمع أم كخف وخفاف والحكمة في ذلك اجلال عيسى عليه السلام واظهار شرف الحسن والحسين رضي اللّه عنهما وان لا يفتضح أولاد الزنا {فمن أوتي} من المدعوين {كتابه بيمينه} أي كتاب عمله {فأولئك يقرءون كتابهم} ابتهادا وتبجحا بما يرون فيه {ولا يظلمون فتيلا} ولا ينقصون من اجورهم ادنى شيء وجمع اسم الاشارة والضمير لان من اوتي في معنى الجمع وتعليق القرأءة بإيتاء الكتاب باليمين يدل على أن من اوتي كتابه بشماله إذا اطلع ما فيه غشيهم من الخجل والحيرة ما يحبس ألسنتهم عن القرأءة ولذلك لم يذكرهم من أن قوله ٧٢ {ومن كان في هذه اعمى فهو في الآخرة اعمى} أيضا مشعر بذلك فإن الأعمى لا يقرأ الكتاب والمعنى ومن كان في هذه الدنيا اعمى القلب لا يبصر رشده كان في الآخرة اعمى لا يرى طريق النجاة {واضل سبيلا} منه في الدنيا لزوال الاستعداد وفقدان الآلة والمهلة وقيل لان الاهتداء بعد لا ينفعه والاعمى مستعار من فاقد الحاسة وقيل الثاني للتفضيل من عمي بقلبه كالاجهل والابله ولذلك لم يمله أبو عمرو ويعقوب فإن أفعل التفضيل تمامه بمن فكانت ألفه في حكم المتوسطة كما في أعمالكم بخلاف النعت فإن الفه واقعة في الطرف لفظا وحكما فكانت معرضة للامالة من حيث إنها تصير ياء في التثنية وقد امالهما حمزة والكسائي وأبو بكر وقرأ ورش بين بين فيهما ٧٣ {وإن كادوا ليفتنوك} نزلت في ثقيف قالوا لا ندخل في امرك حتى تعطينا خصالا نفتخر بها على العرب لا نعشر ولا نحشر ولا نجبى في صلاتنا وكل ربا لنا فهو لنا وكل ربنا علينا فهو موضوع عنا وان تمتعنا باللات سنة وان تحرم وادينا كما حرمت مكة فإن قالت العرب لم فلت ذلك فقل إن اللّه امرني وقيل في قريش قالوا لا نمكنك من استلام الحجر حتى تلم بآلهتنا وتمسها بيدك وان هي المخففة واللام هي الفارقة والمعنى أن الشان قاربوا بمبالغتهم أن يوقعوك في الفتنة بالاستنزال {عن الذي اوحينا إليك} من الأحكام {لتفتري علينا غيره} غير ما اوحينا اليك {وإذا لاتخذوك خليلا} ولو اتبعت مرادهم لاتخذوك بافتتانك وليا لهم بريئا من ولايتي ٧٤ {ولولا أن ثبتناك} ولولا تثبيتنا اياك {لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا} لقاربت أن تميل إلى اتباع مرادهم والمعنى انك كنت على صدد الركون إليهم لقوة خدعهم وشدة احتيالهم لكن ادركتك عصمتنا فمنعت أن تقرب من الركون فضلا عن أن تركن إليهم وهو صريح ف يانه صلى اللّه عليه وسلم ما هم بإجابتهم مع قوة الدواعي إليها ودليل على أن العصمة بتوفيق اللّه وحفظه ٧٥ {اذا لأذقناك} أي لو قاربت لاذقناك {ضعف الحياة وضعف الممات} أي عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ضعف ما نعذب به في الدارين بمثل هذا الفعل غيرك لأن خطأ الخطير أخطر وكان اصل الكلام عذابا ضعفا في الحياة وعذابا ضعفا في الممات بمعنى مضاعفا ثم حذف الموصوف واقيمت الصفة مقامه ثم اضيفت كما يشاف موصوفها وقيل الضعف من أسماء العذاب وقيل المراد ب {ضعف الحياة} عذاب الآخرة وضعف الممات عذاب القبر {ثم لا تجد لك علينا نصيرا} يدفع العذاب عنك ٧٦ {وإن كادوا} وان كاد أهل مكة ليستفزونك ليزعجوك بمعاداتهم {من الأرض} أرض مكة {ليخرجوك منها واذا لا يلبثون خلفك} ولو خرجت لا يبقون بعد خروجك {إلا قليلا} وقد كان كذلك فإنهم اهلكوا ببدر بعد هجرته بسنة وقيل الآية نزلت في اليهود حسدوا مقام النبي بالمدينة فقالوا الشام مقام الأنبياء فإن كنت نيا فالحق بها حتى نؤمن بك فوقع ذلك في قلبه فخرج مرحلة فنزلت فرجع ثم قتل منهم بنوا قريظة واجلى بنو قريظة واجلى بنو النضير بقليل وقرئ لا يلبثوا منصوبا ب إذا على انه معطوف على جملة قوله {وإن كادوا لسيتفزونك} لا على خبر كاد فإن إذا لا تعمل إذا كان معتمدا ما بعدها على ما قبلها وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب وحفص خلافك وهو لغة فيه قال الشاعر عفت الديار خلافهم فكأنما بسط الشواطب بينهن حصيرا ٧٧ {سنة من قد ارسلنا قبلك من رسلنا} نصب على المصدر أي سن اللّه ذلك سنة وهو أن يهلك كل أمة اخرجوا رسولهم من بين اظهرهم فالسنة للّه واضافتها إلى الرسل لأنها من اجلهم ويدل عليه {ولا تجد لسنتنا تحويلا} أي تغييرا ٧٨ {أقم الصلاة لدلوك الشمس} لزوالها ويدل عليه قوله صلى اللّه عليه وسلم: أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر وقيل لغروبها واصل التركيب للانتقال ومنه الدلك فإن الدلك لا تستقر يده وكذا كل ما تركب من الدال واللام كدلج ودلح ودلع ودلف ودله وقيل الدلوك من الدلك لان الناظر إليها يدلك عينيه ليدفع شعاعها واللام للتأقيت مثلها في لثلاث خلون {إلى غسق الليل} إلى ظلمته وهو وقت صلاة العشاء الاخيرة {وقرأن الفجر} وصلاة الصبح سميت قرأنا لانه ركنها كما سميت ركوعا وسجودا واستدل به على وجوب القرأءة فيها ولا دليل فيه لجواز أن يكون التجوز لكونها مندوبة فيها نعم لو فسر بالقرأءة في صلاة الفجر دل الأمر بإقامتها على الوجوب فيها نصا وفي غيرها قياسا {إن قرأن الفجر كان مشهودا} تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار أو شواهد القدرة من تبدل الظلمة بالضياء والنوم الذي هو اخو الموت بالانتباه أو كثير من المصلين أو من حقه أن يشهده الجم الغفير والاية جامعة للصلوات الخمس أن فسر الدلوك بالزوال ولصلوات الليل وحدها أن فسر بالغروب وقيل المراد بالصلاة صلاة المغرب وقوله {لدلوك الشمس إلى غسق الليل} فاترك الهجود للصلاة والضمير لل قرأن ٧٩ {وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ} وبعض الليل فاترك الهجود للصلاة والضمير للـ {قُرْءانَ} {نافلة لك} فريضة زائدة لك على الصلوات المفروضة أو فضيلة لك لاختصاص وجوبه بك {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} مقاما يحمده القائم فيه وكل من عرفه وهو مطلق في كل مكان يتضمن كرامة والمشهور انه مقام الشفاعة لما روى أبو هريرة رضي اللّه تعالى عنه انه صلى اللّه عليه وسلم قال هو المقام الذي اشفع فيه لامتي ولاشعاره بأن الناس يحمدونه لقيامه فيه وما ذاك إلا مقام الشفاعة وانتصابه على الظرف بإضمار فعله أي فيقيمك مقاما أو بتضمين يبعثك معناه أو الحال بمعنى أن يبعثك ذا مقام ٨٠ {وقل رب ادخلني} أي في القبر {مدخل صدق} ادخالا مرضيا {واخرجني} أي منه عند البعث {مخرج صدق} اخراجا ملقى بالكرامة وقيل المراد ادخال المدينة والاخراج من مكة وقيل ادخاله مكة ظاهرا عليها واخراجه منها آمنا من المشركين وقيل ادخاله الغار واخراجه منه سالما وقيل ادخاله فيما حمله من اعباء الرسالة واخراجه منه مؤديا حقه وقيل ادخاله في كل ما يلابسه م مكان أو أمر واخراجه منه وقرئ مدخل و مخرج بالفتح على معنى ادخلني فأدخل دخولا واخرجني فأخرج خروجا {واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا} حجة تنصرني على من خالفني أو ملكا ينصر الإسلام على الكفر فاستجاب له بقوله {فإن حزب اللّه هم الغالبون} [المائدة: ٥٦] {ليظهره على الدين كله} [التّوبة:٣٣] {ليستخلفنهم في الأرض} [النور:٥٥] ٨١ {وقل جاء الحق} الإسلام {وزهق الباطل} وذهب وهلك الشرك من زهق روحه إذا خرج {إن الباطل كان زهوقا} مضمحلا غير ثابت عن ابن مسعود رضي اللّه عنه انه صلى اللّه عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وفيها ثلثمائة وستون صنما ينكت بمخصرته في عين واحد واحد منها فيقول جاء الحق وزهق الباطل فينكب لوجهه حتى القى جميعها وبقي صنم خزاعة فوق الكعبة وكان من صفر فقال يا علي ارم به فصعد فرمى به فكسره ٨٢ {وننزل من القرأن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} ما هو في تقويم دينهم واستصلاح نفوسهم كالدواء الشافي للمرضى و من للبيان فإن كله كذلك وقيل انه للتبعيض والمعنى أن منه ما يشفى من المرض كالفاتحة وآيات الشفاء وقرأ البصريان ننزل بالتخفيف {ولا يزيد الظالمين إلا خسارا} لتكذيبهم وكفرهم به
٨٣ {وإذا انعمنا على الإنسان} بالصحة والسعة أعرض عن ذكر اللّه {ونأى بجانبه} لوى عطفه وبعد بنفسه عنه كأنه مستغن مستبد بأمره ويجوز أن يكون كناية عن الاستكبار لانه من عادة المستكبرين وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان هنا وفي فصلت وناء على القلب أو على انه بمعنى نهض {وإذا مسه الشر} من مرض أو فقر {كان يؤوسا} شديد اليأس من روح اللّه ٨٤ {قل كل يعمل على شاكلته} قل كل أحد يعمل على طريقته التي تشاكل حاله في الهدى والضلالة أو جوهر روحه واحواله التابعة لمزاج بدنه {فربكم اعلم بمن هو اهدى سبيلا} أسد طريقا وابين منهجا وقد فسرت الشاكلة بالطبيعة والعادة والدين ٨٥ {ويسئلونك عن الروح} الذي يحيا به بدن الإنسان ويدبره {قل الروح من أمر ربي} من الابداعيات الكائنة ب كن من غير مادة وتولد من اصل كأعضاء جسده أو وجد بأمره وحدث بتكوينه على أن السؤال عن قدمه وحدوثه وقيل مما استأثر اللّه بعلمه لما روي أن اليهود قالوا لقريش سلوه عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح فإن اجاب عنها أو سكت فليس بنبي وان اجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبي فبين لهم القصتين وابهم أمر الروح وهو مبهم في التوراة ويقل الروح جبريل وقيل خلق اعظم من الملك وقيل القرأن ومن أمر ربي معناه من وحيه {وما اوتيتم من العلم إلا قليلا} تستفيدونه بتوسط حواسكم فإن اكتساب العقل للمعارف النظرية إنما هو من الضروريات المستفادة من احساس الجزئيات ولذلك قيل من فقد حسا فقد فقد علما ولعل اكثر الاشياء لا يدركه الحس ولا شيئا من أحواله المعروفة لذاته وهو إشارة إلى أن الروح مما لا يمكن معرفة ذاته إلا بعوارض تميزه عما يلتبس به فلذلك اقتصر على هذا الجواب كما اقتصر موسى في جواب وما رب العالمين بذكر بعض صفاته روي انه صلى اللّه عليه وسلم لما قال لهم ذلك قالوا انحن مختصون بهذا الخطاب فقال بل نحن وانتم فقالوا ما أعجب شأنك ساعة تقول {ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا} وساعة تقول هذا فنزلت ولو أن ما في الأرض من شجرة اقلام وما قالوه لسوء فهمهم لان الحكمة الانسانية أن يعلم من الخير والحق ما تسعه القوة البشرية بل ما ينتظم به معاشه ومعاده وهو بالاضافة إلى معلومات اللّه التي لا نهاية لها قليل ينال به خير الدارين وهو بالاضافة إليه كثيرا ٨٦ {ولئن شئنا لنذهبن بالذي اوحينا إليك} اللام الأولى موطئة للقسم و لنذهبن جوابه النائب مناب جزاء الشرط والمعنى أن شئنا ذهبنا بالقرأن ومحوناه من المصاحف والصدور {ثم لا تجد لك به علينا وكيلا} من يتوكل علينا استرداده مسطورا محفوظا ٨٧ {إلا رحمة من ربك} فإنها أن نالتك فلعلها تسترده عليك ويجوز أن يكون استثناء منقطعا بمعنى ولك رحمة ربك تركته غير مذهوب به فيكون امتنانا بابقائه بعد المنة في تنزيله {إن فضله كان عليك كبيرا} كإرساله وانزال الكتاب عليه وابقائه في حفظه ٨٨ {قل لئن اجتمعت الأنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرأن} في البلاغة وحسن النظم وكمال المعنى {لا يأتون بمثله} وفيهم العرب العرباء وارباب البيان وأهل التحقيق وهو جواب قسم محذوف دل عليه اللام الموطئة ولولا هي لكان جوب الشرط بلا جزم لكون الشرط ماضيا كقول زهير وإن أتاه خليل يوم مسألة يقول لا غائب مالي ولا حرم {ولو كان بعضه لبعض ظهيرا} ولو تظاهروا على الاتيان به ولعله لم يذكر الملائكة لان اتيانهم بمثله لا يخرجه عن كونه معجزا ولانهم كانوا وسائط في اتيانه ويجوز أن تكون الآية تقريرا لقوله {ثم لا تجد لك به علينا وكيلا} [الإسراء: ٨٦] ٨٩ {ولقد صرفنا} كررنا بوجوه مختلفة زيادة في التقرير والبيان {للناس في هذا القرأن من كل مثل} من كل معنى كالمثل في غرابته ووقوعه موقعها في الانفس {فأبى اكثر الناس إلا كفورا} إلا جحودا وانما جاز ذلك ولم يجز ضربت إلا زيدا لأنه متأول بالنفي ٩٠ {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا} تعنتا واقتراحا بعد ما لزمتهم الحجة بيان اعجاز القرأن وانضمام غيره من المعجزات إليه وقرأ الكوفيون ويعقوب تفجر بالتخفيف والأرض ارض مكة والينبوع عين لا ينضب ماؤها يفعول من نبع الماء كيعبوب من عب الماء إذا زخر ٩١ {أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا} أو يكون لك بستان يشتمل على ذلك ٩٢ {أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا} يعنون قوله تعالى أو تسقط عليهم كسفا من السماء وهو كقطع لفظا ومعنى وقد سكنه ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب في جميع القرأن إلا في الروم وابن عامر إلا في هذه السورة وأبو بكر ونافع في غيرهما وحفص فيما عدا الطور وهو أما مخفف من المفتوح كسدرة وسدر أو فعل بمعنى مفعول كالطحن {أو تأتي باللّه والملائكة قبيلا} كفيلا بما تدعيه أي شاهدا على صحته ضامنا لدركه أو مقابلا كالعشير بمعنى المعاشر وهو حال من اللّه وحال الملائكة محذوفة لدلالتها عليها كما حذف الخبر في قوله فإني وقيار بها لغريب ٩٣ {أو يكون لك بيت من زخرف} من ذهب وقد قرئ به واصله الزنية {أو ترقى في السماء} في معارجها {ولن نؤمن لرقيك} وحده {حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه} وكان فيه تصديقك {قل سبحان ربي} تعجبا من اقتراحاتهم أو تنزيها للّه من أن يأتي أو يتحكم عليه أو يشاركه أحد في القدرة وقرأ ابن كثير وابن عامر قال سبحان ربي أي قال الرسول {هل كنت إلا بشرا} كسائر الناس {رسولا} كسائر الرسل وكانوا لا يأتون قومهم إلا بما يظهره اللّه عليهم على ما يلائم حال قومهم ولم يكن أمر الآيات إليهم ولا لهم أن يتحكموا على اللّه حتى يخيروها علي هذا هو الجواب المجمل واما التفصيل فقد ذكر في آيات آخر كقوله {ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس} [الأنعام: ٧] {ولو فتحنا عليهم بابا} [الحجر:١٤] ٩٤ {وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى} أي وما منعهم الإيمان بعد نزول الوحي وظهور الحق {إلا أن قالوا ابعث اللّه بشرا رسولا} إلا قولهم هذا والمعنى انه لم يبق لهم / شبهة تمنعهم عن الإيمان بمحمد صلى اللّه عليه وسلم والقرأن إلا إنكارهم أن يرسل اللّه بشرا ٩٥ {قل} جوابا لشبهتهم {لو كان في الأرض ملائكة يمشون} ما يمشي بنو آدم مطمئين ساكنين فيها {لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا} لتمكنهم من الاجتماع به والتلقي منه واما الأنس فعامتهم عماة من ادراك الملك والتلقف منه فان ذلك مشروط بنوع من التناسب والتجانس وملكيا يحتمل أن يكون حالا من رسول وان يكون موصوفا به وكذلك بشرا والاول اوفق ٩٦ {قل كفى باللّه شهيدا بيني وبينكم} على أني رسول اللّه السكم باظهاره المعجزة على وفق دعواي أو على أني بلغت ما ارسلت به اليكم وانكم عاندتهم وشهيدا نصب على الحال أو التمييز {انه كان بعباده خبيرا بصيرا} يعلم أحوالهم الباطنة منها والظاهرة فيجازتهم عليها وفيه تسلية للرسول ص وتهديد للكفار ٩٧ {ومن يهد اللّه فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم اولياء من دونه} يهدونه {ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم} يسبحون عليها أو يمشون بها روي انه قتل لرسول اللّه ص كيف يمشون على وجوهم قال: ان الذي امشاهم على اقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم {عميا وبكما وصما} لا يبصرون ما يقر اعينهم ولا يسمعون ما يلذ مسامعهم ولا ينطقون بما يقبل منهم لانهم في ديناهم لم يستبصروا بالأيات والعبر وتصاموا عن استعماع الحق وأبو أن ينطقوا بالصدق ويجوز أن يحشروا بعد الحساب من الموقف إلى النار مؤفي القوى والحواس {مأواهم جهنم كلما خبت} سكن لهيها بان أكلت جلودهم ولحومهم {زدناهم سعيرا} توقدا بان نبدل جلودهم ولحومهم فتعود متلهبة مستعرة كأنهم لما كذبوا بالإعادة بعد الافناء جزاهم اللّه بان لا يزالوا على الاعادة والافناء واليه أشار بقوله ٩٨ {ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا ائذا كنا عظاما ورفاتا ائنا لمبعوثون خلقا جديدا} لان الاشارة إلى ما تقدم من عذابهم ٩٩ {أو لم يروا} أو لم يعلموا {أن اللّه الذي خلق السموات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم} فانهم ليسوا اشد خلقا منهن ولا الاعادة اصعب عليه من الابداء {وجعل لهم اجلا لا ريب فيه} هو الموت أو القيامة {فأبى الظالمون} مع وضوح الحق {إلا كفروا} إلا جحودا ١٠٠ {قل لو انتم تملكون خزائن رحمة ربي} خزائن رزقه وسائر نعمه وانتم مرفوع بفعل يفسره ما بعده كقول حاتم لو ذات سوار لطمتني وفائدة هذا الحذف والتفسير المبالغة مع الايجاز والدلالة علىالاختصاص {إذا لامسكتم خشية الانفاق} لبخلتم مخافة النفاد بالانفاق إذ لا أحد إلا ويختار النفع لنفسه ولو آثر غيره بشيء فإنما يؤثره لعوض يفوقه فهو إذن بخيل بالاضافة إلى جود اللّه تعالى وكرمه هذا وإن البخلاء اغلب فيهم {وكان الإنسان قتورا} بخيلا لان بناء أمره على الحاجة والضنة بما يحتاج إليه وملاحظة العوض فيما يبذله ١٠١ {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات} هي العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم وانفجار الماء من الحجر وانفلاق البحر ونتق الطور على بني إسرائيل وقيل الطوفان والسنون وقص الثمرات مكان الثلاثة الاخيرة وعن صفوان أن يهديا سأل النبي صلى اللّه عليه وسلم عنها فقال: أن لا تشركوا باللّه شيئا ولا تسرفوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم اللّه إلا بالحق ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله ولا تقذفوا محصنة ولا تفروا من الزحف وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا في السبت فقبل اليهودي يده ورجله فعلى هذا المراد بالآيات الأحكام العامة للملل الثابتة في كل الشرائع سميت بذلك لأنها تدل على حال من يتعاطى متعلقها في الآخرة من السعادة أو الشقاوة وقوله وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا حكم مستأنف زائد على الجواب ولذلك غير فيه سياق الكلام {فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم} فقلنا له سلهم من فرعون ليرسلهم معك أو سلهم عن حال دينهم ويؤيده قرأءة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسأل على لفظ المضي بغير همز وهو لغة قريش و إذ متعلق بقلنا أو اسأل على هذه القرأءة أو فاسأل يا محمد بني إسرائيل عما جرى بين موسى وفرعون إذ جاءهم أو عن الآيات ليظهر للمشركين صدقك أو للتتسلى نفسك أو لتعلم انه تعالى لو أتى بما اقترحوا لاصروا على العناد والمكابرة كمن قبلهم أو ليزادد يقينك لان تظاهر الأدلة يوجب قوة اليقين وطمأنينة القلب وعلى هذا كان إذ نصبا بآيتنا أو بإضمار يخبروك على انه جواب الأمر أو باضمار اذكر على الاستئناف {فقال له فرعون إني لاظنك يا موسى مسحورا} سحرت فتخبط عقلك ١٠٢ {قال لقد علمت} يا فرعون وقرأ الكسائي بالضم على اخباره عن نفسه {ما أنزل هؤلاء} يعني الآيات {إلا رب السماوات والأرض بصائر} بينات تبصرك صدقي ولكنك تعاند وانتصابه على الحال {واني لاظنك يا فرعون مثبورا} مصروفا عن الخير مطبوعا على الشر من قولهم ما ثبرك عن هذا أي ما صرفك أو هالكا قارع ظنه بظنه وشتان ما بين الظنين فإن ظن فرعون كذب بحت وظن موسى يحوم حول اليقين من تظاهر اماراته وقرئ وإن أخالك يا فرعون لمثبورا على أن المخففة واللام هي الفارقة ١٠٣ {فأراد} فرعون {أن يستفزهم} أن يستخف موسى وقومه وينفيهم {من الأرض} أرض مصر أو الأرض مطلقا بالقتل والاستئصال {فأغرقناه ومن معه جميعا} فعكسنا عليه مكره فاستفززناه وقومه بالاغراق ١٠٤ {وقلنا من بعده} من بعد فرعون أو اغراقه {لبني إسرائيل اسكنوا الأرض} التي أراد أن يستفزكم منها {فإذا جاء وعد الآخرة} الكرة أو الحياة أو الساعة أو الدار الآخرة يعني قيام القيامة {جئنا بكم لفيفا} مختلطين اياكم واياهم ثم نحكم بينكم ونميز سعداءكم من اشقيائكم واللفيف الجماعات من قبائل شتى ١٠٥ {وبالحق انزلناه وبالحق نزل} أي وما انزلنا القرأن إلا ملتبسا بالحق المقتضي لانزاله وما نزل على الرسول إلا ملتبسا بالحق الذي اشتمل عليه وقيل وما انزلناه من السماء إلا محفوظا بالرصد من الملائكة وما نزل على الرسول إلا محفوظا بهم من تخليط الشياطين ولعله أراد به نفي اعتراء البطلان له أول الأمر وآخره {وما ارسلناك إلا مبشرا} للمطيع بالثواب {ونذيرا} للعاصي بالعقاب فلا عليك إلا التبشير والانذار ١٠٦ {وقرأنا فرقناه} نزلناه مفرقا منجما وقيل فرقنا فيه الحق من الباطل فحذف الجار كما في قوله ويما شهدناه وقرئ بالتشديد لكثرة نجومه فإنه نزل في تضاعيف عشرين سنة {لتقرأه على الناس على مكث} على مثل وتؤدة فإنه ايسر للحفظ وأعن في الفهم وقرس بالفتح وهو لغة فيه {ونزلناه تنزيلا} على حسب الحوادث ١٠٧ {قل ىمنوا به أولا تؤمنوا} فإن ايمانكم بالقرأن لا يزيد كمالا وامتناعكم عنه لا يورثه نقصا وقوله {إن الذين اتوتوا العلم من قبله} تعليل له أي أن لم تؤمنوا به فقد آمن به من هو خير منكم وهم العلماء الذين قرؤوا الكتب السابقة وعرفوا حقيقة الوحي وامارات النبوة وتمكنوا من الميز بين المحق والمبطل أو رأوا نعتك وصفة ما انزل إليك في تلك الكتب ويجوز أن يكون تعليلا ل قل على سبيل التسلية كأنه قيل تسل بإيمان العلماء عن إيمان الجهلة ولا تكترث بإيمانهم وإعراضهم {إذا يتلى عليهم} القرأن {يخرون للأذقان سجدا} يسقطون على وجوههم تعظيما لأمر اللّه أو شكرا لانجاز وعده في تلك الكتب ببعثه محمد صلى اللّه عليه وسلم على فترة من الرسل وانزال القرأن عليه ١٠٨ {ويقولون سبحان ربنا} عن خلف الموعد {إن كان وعد ربنا لمفعولا} انه كان وعده كائنا لا محالة ١٠٩ {ويخرون للاذقان يبكون} كرره لاختلاف الحال والسبب فإن الأول للشكر عند انجاز الوعد والثاني لما اثر فيهم من مواعظ القرأن حال كونهم باكين من خشية اللّه وذكر الذقن لانه أول ما يلقى الأرض من وجه الساجد واللام فيه لاختصاص الخرور به {ويزيدهم} سماع القرأن {خشوعا} كما يزيدهم علما ويقينا باللّه ١١٠ {قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرحمن} نزلت حين سمع المشركون رسول اللّه يقول يا اللّه يا رحمن فقالوا انه ينهانا أن نعبد الهين وهو يدعو الها آخر أو قالت اليهود انك لتقل ذكر الرحمن وقد اكثره اللّه في التوراة والمراد على الأول هو التسوية بين اللفظين بانهما يطلقان على ذات واحدة وان اختلف اعتبار اطلاقهما والتوحيد إنما هو للذات الذي هو المعبود المطلق وعلى الثاني انههم سيان في حسن الإطلاق والافضاء إلى المقصود وهو اجود لقوله {أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} والدعاء في الآية بمعنى التسمية وهو يتعدى إلى مفعولين حذف أولهما استغناء عنه وأو للتخيير والتنوين في أيا عوض عن المضاف إليه و ما صلة لتأكيد ما في أيا من الإبهام والضمير في فله للمسمى لأن التسمية له لا للاسم وكان اصل الكلام {أَيّا ما تدعوا} فهو حسن فوضع موضعه فله الأسماء الحسنى للمبالغة والدلالة على ما هو الدليل عليه وكونها حسنى لدلالتها على صفات الجلال والاكرام {ولا تجهر بصلاتك} بقرأءة صلاتك حتى تسمع المشركين فإن ذلك يحملهم على السب واللغو فيها {ولا تخافت بها} حتى لا تسمع من خلفك من المؤمنين {وابتغ بين ذلك} بين الجهر والمخافتة {سبيلا} وسطا فإن الاقتصاد في جميع الأمور محبوب روي أن أبا بكر رضي اللّه عنه كان يخفت ويقول اناجي ربي وقد علم حاجتي وعمر رضي اللّه عنه كان يجهر ويقول اطرد الشيطان واوقظ الوسنان فلما نزلت أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أبا بكر أن يرفع قليلا وعمر أن يخفض قليلا قيل معناه لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها بأسرها وابتغ بين ذلك سبيلا بالاخفات نهارا والجهر ليلا ١١١ {وقل الحمد للّه الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك} في الألوهية {ولم يكن له} وفي من الذل {ولي} يواليه من اجل مذلة به ليدفعها بموالاته نفى عنه أن يكون له ما يشاركه من جنسه ومن غير جنسه اختيارا واضطرارا وما يعاونه ويقويه ورتب الحمد عليه للدلالة على انه الذي يستحق جنس الحمد لأنه الكامل الذات المنفرد بالايجاد المنعم على الإطلاق وما عداه ناقص مملوك نعمة أو منعم عليه ولذلك عطف عليه قوله {وكبره تكبيرا} وفيه تنبيه على أن العبد وان بالغ في التنزيه والتمجيد واجتهد في العبادة والتحميد ينبغي أن يعترف بالقصور عن حقه في ذلك روي انه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا افصح الغلام من بني عبد المطلب علمه هذه الآية وعنه صلى اللّه عليه وسلم: من قرأ سورة بني إسرائيل فرق قلبه عند ذكر الوالدين كان له قنطار في الجنة والقنطار ألف أوقية ومائتا أوقية واللّه اعلم بالصواب واليه المرجع والمآب |
﴿ ٠ ﴾