تفسير البيضاوي: أنوار التنزيل و أسرار التأويل أبو سعيد عبد اللّه بن عمر بن محمد بن علي البيضاوي الشيرازي الفارسي، ناصر الدين، القاضي الشافعي (ت ٦٨٥ هـ ١٢٨٦ م) _________________________________ سورة الكهف سورة الكهف وقيل إلا قوله {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم} الآية وهي مائة واحدى عشرة بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {الحمد للّه الذي انزل على عبده الكتاب} يعني القرآن رتب استحقاق الحمد على انزاله تنبيها على انه اعظم نعمائه وذلك لانه الهادي إلى ما فيه كمال العباد والداعي إلى ما به ينتظم صلاح المعاش والمعاد {ولم يجعل له عوجا} شيئا من العوج باختلال في اللفظ وتناف في المعنى أو انحراف من الدعوة إلى جانب الحق وهو في المعاني كالعوج في الاعيان ٢ {قيما} مستقيما معتدلا لا افراط فيه ولا تفريط أو قيما بمصالح العباد فيكون وصفا له بالتكميل بعد وصفه بالكمال أو على الكتب السابقة يشهد بصحتها وانتصابه بمضمر تقديره جعله قيما أو على الحال من الضمير في له أو من الكتاب على أن الواو {ولم يجعل} [الكهف:١] للحال دون العطف إذ لو كان للعطف لكان المعطوف فاصلا بين ابعاض المعطوف عليه ولذلك قيل فيه تقديم وتأخير قيما {لينذر بأسا شديدا} أي لينذر الذين كفروا عذبا شديدا فحذف المفعول الأول اكتفاء بدلالة القرينة واقتصارا على الغرض المسوق إليه {من لدنه} صادرا من عنده وقرأ أبو بكر بإسكان الدال كإسكان الباء من سبع مع الاشمام ليدل على اصله وكسر النون لالتقاء الساكنين وكسر الهاء للاتباع {ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم اجرا حسنا} هو الجنة ٣ {ما كثين فيه} في الاجر {أبدا} بلا انقطاع ٤ {وينذر الذين قالوا اتخذ اللّه ولدا} خصهم بالذكر وكرر الانذار متعلقا بهم استعظاما لكفرهم وانما لم يذكر المنذر به استغناء بتقدم ذكره ٥ {ما لهم به من علم} أي بالولد أو باتخاذه أو بالقول والمعنى انهم يقولوه عن جهل مفرط وتوهم كاذب أو تقليد لما سمعوه من اوائلهم من غير علم بالمعنى الذي ارادوا به فإنهم كانوا يطلقون الاب والابن بمعنى المؤثر والاثر أو باللّه إذ لو علموه لما جوزا نسبة الاتخاذ إليه {ولا لآبائهم} الذين تقولوه بمعنى التبني {كبرت كلمة} عظمت مقالتهم هذه في الكفر لما فيها من التشبيه والتشريك وإيهام احتياجه تعالى إلى ولد يعينه ويخلفه إلى غير ذلك من الزيغ و كلمة نصب على التمييز وقرئ بالرفع على الفاعلية والاول ابلغ وادل على المقصود {تخرج من افواههم} صفة لها تفيد استعظام اجترائهم على اخراجها من افواهم والخارج بالذات هو الهواء الحامل لها وقيل صفة محذوف هو المخصوص بالذم لان كبرها هنا بمعنى بئس وقرئ كبرت بالسكون مع الاشمام {إن يقولون إلا كذبا} ٦ {فلعلك باخع نفسك} قاتلها {على آثارهم} إذا ولوا عن الإيمان لما يداخله من الوجد على توليهم بمن فارقته اعزته فهو يتحسر على آثارهم ويبخع نفسك وجدا عليهم وقرئ {باخع نفسك} على الاضافة {إن لم يؤمنوا بهذا الحديث} بهذا القرآن {أسفا} للتأسف عليهم أو متأسفا عليهم والاسف فرط الحزن والغضب وقرئ أن بالفتح على لأن فلا يجوز أعمال باخع إلا إذا جعل حكاية حال ماضية ٧ {إنا جعلنا ما على الأرض} من الحيوان والنبات والمعادن {زينة لها} ولأهلها {لنبولهم ايهم احسن عملا} في تعاطيه وهو من زهد فيه ولم يغتر به وقنع منه بما يزجي به أيامه وصرفه على ما ينبغي وفيه تسكين لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ٨ {وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا} تزهيد فيه والجزر الأرض التي قطع نباتها مأخوذ من الجرز وهو القطع والمعنى إنا لنعيد ما علينا من الزينة ترابا مستويا بالأرض ونجعله كصعيد املس لا نبات فيه ٩ {أم حسبت} بل احسبت {أن أصحاب الكهف والرقيم} في ابقاء حياتهم مدة مديدة {كانوا من آياتنا عجبا} وقصتهم بالاضافة إلى خلق ما على الأرض من الاجناس والانواع الفائتة للحصر على طبائع متباعدة وهيئات متخالفة تعجب الناظرين من مادة واحدة ثم ردها إليها ليس بعجيب مع أنه من آيات اللّه كالنزر الحقير و الكهف الغار الواسع في الجبل و الرقيم اسم الجبل أو الوادي الذين فيه كهفهم أو اسم قريتهم أو كلبهم قال أمية بن أبي الصلت وليس بها إلا الرقيم جاورا وصيدهمو والقوم في الكهف هجد أو لوح رصاصي أو حجري رقمت فيه اسماؤهم وجعل على باب الكهف وقيل أصحاب الرقيم قوم آخرون كانوا ثلاثة خرجوا يرتادون لأهلهم فأخذتهم السماء فأووا إلى الكهف فانحطت صخرة وسدت بابه فقال أحدهم اذكروا ايكم عمل حسنة لعل اللّه يرحمنا ببركته فقال أحدهم استعملت اجراء ذات يوم فجاء رجل وسط النهار وعمل في بقيته مثل عملهم فأعطيته ثم اجرهم فغضب أحدهم وترك اجره فوضعته في جانب البيت ثم مر بي بقر فاشتريت به فصيلة فبلغت ما شاء اللّه فرجع الي بعد حين شيخا ضعيفا لا اعرفه وقال إنه لي عندك حقا وذكره لي حتى عرفته فدفعتها إليه جميعا اللّهم أن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنا فانصدع الجبل حتى رأوا الضوء وقال آخر كان في فضل وصابت الناس شدة فجاءتني امرأة فطلبت مني معروفا فقلت واللّه ما هو دون فك فأبت وعادت ثم رجعت ثلاثا ثم ذكرت لزوجها فقال اجيبي له واغيثي عيالك فأتت وسلمت الي نفسها فلما تكشفتها وهممت بها ارتعدت فقلت ما لك قالت اخاف اللّه فقلت لها خفته في الشدة ولم اخفه في الرخاء فتركتها واعطيتها ملتمسها اللّهم أن كنت فعلته لوجهك فافرج عنا فانصدع حتى تعارفوا وقال الثالث كان لي ابوان هرمان وكانت لي غنم وكنت اطعمهما واسقيهما ثم ارجع إلى غنمي فحبسني ذات يوم غيث فلم ابرح حتى امسيت فأتيت أهلي وأخذت محلبي فحلبت فيه ومضيت أليهما فوجدتهما نائمين فشق علي أن اوقظهما فوقعت جاليا ومحلبي على يدي حتى ايقظهما الصبح فسقيتهما اللّهم أن كنت فعلته لوجهك فافرح عنا ففرج اللّه عنهم فخرجوا وقد رفع ذلك نعمان بن بشير ١٠ {إذ اوى الفتية إلى الكهف} يعني فتية من اشراف الروم أرادهم دقيانوس على الشرك فأبوا وهربوا إلى الكهف {فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة} توجب لنا المغرفة والرزق والامن من العدو {وهيئ لنا من امرنا} من الأمر الذي نحن عليه من مفارقة الكفار {رشدا} نصيرا بسببه راشدين مهتدين أو اجعل ارنا كله رشدا كقولك رأيت منك اسدا وأ ل التهيئة احداث هيئة الشيء ١١ {فضربنا على آذانهم} أي ضربنا عليهم حجابا يمنع السماع بمعنى انمناهم انامة لا تنبههم فيها الاصوات فحذف المفعول كما حذف في قولهم بنى على امرأته {في الكهف سنين} ظرفان لضربنا {عددا} أي ذوات عدد ووصف السنين به يحتمل التكثير والتقليل فإن مدة لبثهم كبعض يوم عنده ١٢ {ثم بعثناهم} ايقظناهم {لنعلم} ليتعلق علمنا تعلقا حاليا مطابقا لتعلقه اولا تعلقا استقباليا {أي الحزبين} المختلفين منهم أو من غيرهم في مدة لبثهم {أحصى لما لبثوا امدا} ضبط امد الزمان لبثهم وما في أي من معنى الاستفهام علق عنه لنعلم فهو مبتدأ و أحصى خبره وهو فعل ماض و أمدا مفعول له و {لما لبثوا} حال منه أو مفعول له وقيل إنه المفعول واللام مزيدة وما موصولة و أمدا تمييز وقيل أحصى اسم تفضل من الاحصاء بحذف الزوائد كقولهم هو أحصى للمال وافلس من ابن المذلق و امدا نصب بفعل دل عليه أحصى كقوله واضرب منا بالسيوف القوانسا ١٣ {نحن نقص عليك نبأهم بالحق} بالصدق {إنهم فتية} شبان جمع فتى كصبي وصبية {آمنوا بربهم وزدناهم هدى} بالتثبيت ١٤ {وربطنا على قلوبهم} وقويناها بالصبر على هجر الوطن والاهل والمال والجراءة على اظهار الحق والرد على دقيانوس الجبار {إذ قاموا} بين يديه {فقالوا ربنا رب لسماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا اذا شططا} واللّه لقد قلنا قولا ذا شطط أي ذا بعد عن الحق مفرط في الظلم ١٥ {هؤلاء} مبتدأ {قومنا} عطف بيان {اتخذوا من آلهة} خبره وهو إخبار في معنى انكار {لولا يأتون} هلا يأتون {عليهم} على عبادتهم {بسلطان بين} ببرهان ظاهر فإن الدين لا يؤخذ إلا به وفيه دليل على أن ما لا دليل عليه من الديانات مردود وان التقليد فيه غير جائز {فمن اظلم ممن افترى على اللّه كذبا} بنسبة الشريك إليه ١٦ {وإذ اعتزلتموههم} خطاب بعضهم لبعض {وما يعبدون إلا اللّه} عطف على الضمير المنصوب أي وإذا اعتزلتم القوم ومعبوديهم إلا اللّه فإنهم كانوا يعبدون اللّه ويبعدون الاصنام كسائر المشركين ويجوز أن تكون ما مصدرية على تقدير وإذ اعتزلتموهم وعبادتهم إلا عبادة اللّه وأن تكون نافية على انه إخبار من اللّه تعالى عن الفتية بالتوحيد معترضين بين إذ وجوابه لتحقيق اعتزالهم {فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم} يبسط الرزق لكم ويوسع عليكم {من رحمته} في الدارين {ويهيئ لكم من أمركم مرفقا} ما ترتفقون به أي تنتفعون وجزمهم بذلك لنصوع يقينهم وقوة وثوقهم بفضل اللّه تعالى وقرأ نافع وابن عامر مرفقا بفتح الميم وكسر الفاء وهو مصدر جاء شاذا كالمرجع والمحيض فإن قياسه الفتح ١٧ {وترى الشمس} لو رأيتهم والخطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أو لكل أحد {إذا طلعت تزاور عن كهفهم} تميل عنه ولا يقع شعاعها عليهم يؤذيه لان الكهف كان جنوبيا أو لان اللّه تعالى زورها عنهم واصله تتزاول فأدغمت التاء في الزاي وق أ الكوفيون بحذفها وابن عامر ويعقوب تزور كتحمر وقرئ تزاور كتحمار وكلها من الزور بمعنى الميل {ذات اليمين} جهة اليمين وحقيقتها الجهة ذات اسم اليمين {وإذا غربت تقرضهم} تقطعهم وتصرم عنهم {ذات الشمال} يعني يمين الكهف وشماله لقوله {وهم في فجوة منه} أي وهم في متسع من الكهف يعني في وسطه بحيث ينالهم روح الهواء ولا يؤذيهم كرب الغار ولا حر الشمس وذلك لأن باب الكهف في مقابلة بنات نعش واقرب المشارق والمغارب إلى محاذاته مشرق رأس السرطان ومغربه والشمس إذا كان مدارها مداره تطلق مائلة عنه مقابلة لجانبه الأبيض وهو الذي يلي المغرب وتغرب محاذية لجانبه الايسر فيقع شعاعها على جانبيه ويحلل عفونته ويعدل هواءه ولا يقع عليهم فيؤذي أجسادهم ويبلي ثيابهم {ذلك من آيات اللّه} أي شأنهم وايواؤهم إلى كهف شأنه كذلك أو اخبارك بالتوفيق {فهو المهتد} الذي اصاب الفلاح والمراد به أما الثناء عليهم أو التنبيه على أن امثال هذه الآيات كثيرة ولكن المنتفع بها من وفقه اللّه للتأمل فيها والاستبصار بها {ومن يضلل} ومن يخذله {فلن تجد له وليا مرشدا} من يليه ويرشده ١٨ {وتحسبهم أيقاظا} لانفتح عيونهم أو لكثر تقلبهم {وهم رقود} نيام {وتقلبهم} في رقدتهم {ذات اليمين وذات الشمال} كيلا تأكل الأرض ما يليها من ابدانهم على طول الزمان وقرئ ويقلبهم بالياء والضمير للّه تعالى و وتقلبهم ع على المصدر منصوبا بعفل يدل عليه تحسبهم أي وترى تقلبهم {وكلبهم} هو مروا به فتبعهم فطردوه فأنطقه اللّه فقال أنا احب احباء اللّه فناموا وأنا احرسكم أو كلب راع مروا به فتبعهم وتبعه الكلب ويؤيده قرأءة من قرأ و كالبهم أي وصاحب كلبهم {باسط ذراعيه} حكاية حال ماضية ولذلك اعمل اسم الفاعل {بالوصيد} بفناء الكهف وقيل الوصيد الباب وقيل العتبة {لو اطلعت عليهم} فنظرت إليهم وقرئ لو اطلعت بضم الواو {لوليت منهم فرارا} لهربت منهم و فرارا يحتمل المصدر لأنه نوع من التولية والعلة والحال {ولملئت منهم رعبا} خوفا يملأ صدرك بما ألبسهم اللّه من الهيبة أو لعظم اجرامهم وانفتاح عيونهم وقيل لوحشة مكانهم وعن معاوية رضي اللّه عنه انه غزا الروم فمر بالكهف فقال لو كشفت لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال له ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما ليس لك ذلك قد منع اللّه تعالى منه من هو خير منك فقال لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا فلم يسمع وبعث ناسا فلما دخلوا جاءت ريح فاحرقتهم وقرأ الحجازيان لملئت بالتشديد للمبالغة وابن عامر والكسائي ويعقوب رعبا بالتثقيل ١٩ {وكذلك بعثناهم} وكما أنمناهم آية بعثناهم آية على كمال قدرتنا {ليتساءلوا بينهم} ليسأل بعضهم بعضا فتعرفوا حالهم وما صنع اللّه بهم فيزدادوا يقينا على كمال قدرة اللّه تعالى ويستبصروا به أمر البعث ويشركوا ما انعم اللّه به عليهم {قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم} بناء على غالب ظنهم لان النائم لا يحصي مدة نومه ولذلك احالوا العلم إلى اللّه تعالى {قالوا ربكم اعلم بما لبثتم} ويجوز أن يكون ذلك قول بعضهم وهذا انكار الآخرين عليهم وقيل انهم دخلوا الكهف غدة وانتبهوا ظهيرة وظنوا انهم في يومهم أو اليوم الذي بعده قالوا ذلك فلما نظروا إلى طول اظفارهم واشعارهم قالا هذا ثم لما علموا أن الأمر ملتبس لا طريق لهم إلى علمه اخذوا فيما يهمهم وقالوا {فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة} والورق الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة وقرأ أبو بكر وأبو عمرو وحمزة وروح عن يعقوب بالتخفيف وقرئ بالتثقيل وادغام القاف في الكاف وبالتخفيف مكسور الواو مدغما وغير مدغم ورد المدغم لالتقاء الساكنين على غير حده وحملهم له دليل على أن التزود رأي المتوكلين والمدينة طرسوس {فلينظر آيها} أي أهلها {ازكى طعاما} احل واطيب أو اكثر وارخص {فليأتكم برزق منه وليتلطف} وليتكلف اللطف في المعاملة حتى لا يغبن أو في التخفي حتى لا يعرف {ولا يشعرن بكم احدا} ولا يفعلن ما يؤدي إلى الشعور ٢٠ {انهم أن يظهرا عليكم} أي يطلعوا عليكم أو يظفروا بكم والضمير للأهل المقدر في آيها {يرجموكم} يقتلوكم بالرجم {أو يعيدوكم في ملتهم} أو يصيروكم إليها كرها من العود بمعنى الصيرورة وقيل كانوا اولا على دينهم فآمنوا {ولن تفلحوا اذا أبدا} إن دخلتم في ملتهم ٢١ {وكذلك اعثرنا عليهم} وكما انمناهم وبعثناهم لتزداد بصيرتهم اطلعنا عليهم {ليعلموا} ليعلم الذين اطلعناهم على حالهم {أن وعد اللّه} بالبعث أو الموعود الذي هو البعث {حق} لأن نومهم وانتباههم كحال من يموت ثم يبعث {وان الساعة لا ريب فيها} وأن القيامة لا ريب في امكانها فإن من توفى نفوسهم وامسكها ثلاثمائة سنني حافظا أبدانها عن التحلل والتفتت ثم ارسلنا إليها قد أن يتوفى نفوس جميع الناس ممسكا إياها إلى أن يحشر ابدانهم فيردها عليها {إذ يتنازعون} ظرف ل اعثرنا أي اعثرنا عليهم حين يتنازعون {بينهم أمرهم} أمر دينهم وكان بعضم يقول تبعث الارواح مجردة وبعضهم يقول يبعثان معا ليرتفع الخلاف ويتبين انهما يبعثان معا أو أمر الفتية حين أماتهم اللّه ثانيا بالموت فقال بعضهم ماتوا وقال اخرون لنتخذن عليهم مسجدا يصلى فيه كما قال تعالى {فقالوا ابنواعليهم بنيانا ربهم اعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا} وقوله {ربهم اعلم بهم} اعتراض أما من اللّه ردا على الخائضين في أمرهم من أولئك المتنازعين في زمانهم أو من المتنازعين فيهم على عهد الرسول صلى اللّه عليه وسلم أو من المتنازعين للرد إلى اللّه بعد ما تذكرا أمرهم وتناقلوا في انسابهم واحوالهم فلم يتحقق لهم ذلك حكي أن المبعوث لما دخل السوق واخرج الدراهم وكان عليها اسم دقيانوس اتهموه بأنه وجد كنزا فذهبوا به إلى الملك وكان نصرانيا موحدا فقص عليه القصص فقال بعضهم إن آباءنا اخبرونا أن فتية فرا بدينهم من دقيانوس فلعلهم هؤلاء فانطلق الملك أهل المدينة من مؤمن وكافر وابصروهم وكلموهم ثم قالت الفتية للملك نستودعك اللّه ونعيذك به من شر الجن والانس ثم رجعوا إلى مضاجعهم فماتوا فدفنهم الملك في الكهف وبني عليم مسجدا وقيل لما انتهوا إلى الكهف قال لهم الفتى مكانكم حتى ادخل اولا لئلا يفزعوا فدخل فعمي عليهم المدخل فبنوا ثم مسجدا ٢٢ {سيقولون} أي الخائضون في قصتهم في عهد الرسول صلى اللّه عليه وسلم من أهل الكتاب والمؤمنين {ثلاثة رابعهم كلبهم} أي هم ثلاثة رجال يربعهم كلبهم بانضمامه إليهم قيل هو قول اليهود وقيل هو قول السيد من نصارى نجران وكان يعقوبيا {ويقولون خمسة سادسهم كلبهم} قاله النصارى أو العاقب منهم وكاننسطوريا {رجما بالغيب} يرمون رميا بالخبر الخفي الذي لا مطلع لهم عليه واتيانا به أو ظنا بالغيب من قولهم رجم بالظن إذا ظنوإنما لم يذكر بالسين اكتفاء بعطفه على ما هو فيه {ويقولون سبعة وثمانهم كلبهم} إنما قاله المسلمون بإخبار الرسول لهم عن جبريل عليهما الصلاة والسلام وايماء اللّه تعالى إليه بأنه اتبعه قوله {قل ربي اعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل} واتبع الأولين قوله رجما بالغيب وبأن اثبت العلم بهم لطافة بعد ما حصر اقوال الطوائف في الثلاثة المذكورة فإن عدم ايراج رابع في نحو هذا المحل دليل العدم مع أن الأصل ينفيه ثم رد الأولين بأن اتبعهما قوله رجما بالغيب ليتعين الثالث وبأن ادخل فيه الواو على الجملة الواقعة صفة للنكرة تشبيها لها بالواقعة حالا م المعرفة لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت وعن علي رضي اللّه عنه هم سبعة وثمانهم كلبهم واسماؤهم: يمليحا ومكشينيا ومشلينيا هؤلاء أصحاب يمين الملك ومرنوش ودبرنوش وشاذنوش احصاب يساره وكان يستشيرهم والسابع الراعي الذي وافقهم واسم كلبهم قطمير واسم مدينتهم افسوس وقيل الأقوال الثلاثة لأهل الكتاب والقليل منهم {فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا} فلا تجادل في شأن الفتية إلا جدالا ظاهرا غير متعمق فيه وهو أن تقص عليم ما في القرآن من غير تجهيل لهم والرد عليهم {ولا تستفت فيهم منهم احدا} ولا تسأل احدا عن قصتهم سؤال مسترشد فإنما فيما اوحي إليك لمندوحة من غيره مع أنه لا علم لهم بها ولا سؤال متعنت تريد تفضيح المسؤول وتزييف ما عنده فإنه مخل بمكارم الأخلاق ٢٣ {ولا تقولن لشيء أني فاعل ذلك غدا} ٢٤ {إلا أن شاء اللّه} نهي تأديب من اللّه تعالى لنبيه حين قالت اليهود لقريش سلوه عن الروح واصحاب الكهف وذي القرنين فسألوه فقال ائتوني غدا أخبركم ولم يستثن فابطأ عليه الوحي بشعة عشر يوما حتى شق عليه وكذبه قريش والاستثناء من النهي أي ولا تقولن أجل شيء تعزم عليه أني فاعله فيما يستقبل إلا ب أن يشاء اللّه أي إلا ملتبسا بمشيئته قائلا إن شاء اللّه أو إلا وقت أن يشاء اللّه أن تقوله بمعنى أن يأذن لك فيه ولا يجوز تعليقه بفاعل لأن استثناء اقتران المشيئة بالفعل غير سديد استثناء اعتراضها دونه لا يناسب النهي اذكر ربك مشيئة ربك وقل أن شاء اللّه كما روي انه لما نزل قال صلى اللّه عليه وسلم: إن شاء اللّه إذا نسيت إذا فرط منك نسيان لذلك ثم تذكرته وعن ابن عباس ولو بعد سنة ما لم يحنث ولذلك جوز تأخير الاستثناء عنه وعامة الفقهاء على خلافه لأنه لو صح ذلك لم يتقرر اقرارا ولا طلاق ولا عتاق ولم يعلم صدق ولا كذب وليس في الآية والخبر أن الاستثناء المتدارك به من القول السابق بل هو من مقدر مدلول به عليه ويجوز أن يكون المعنى {واذكر ربك} بالتسبيح والاستغفار {إذا نسيت} الاستثناء مبالغة في الحث عليه أو اذكر ربك وعقابه إذا تركت بعض ما امرك به ليبعثك على التدارك أو اذكره إذا اعتراك النسيان ليذكرك المنسي {وقل عسى أن يهدين ربي} يدلني {لأقرب من هذا رشدا} لأقرب رشدا واظهر دلالة على أني نبي من نبأ أصحاب الكهف وقد هداه لأعظم من ذلك كقصص الأنبياء المتباعدة عنه ايامهم والاخبار بالغيوب والحوادث النازلة في الاعصار المستقبلة إلى قيام الساعة أو لأقرب رشدا وأدنى خيرا من المنسي ٢٥ {ولبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا} يعني لبثهم فيه أحياء مضروبا على اذانهم وهو بيان لما أجمل قبل وقيل إنه حكاية كلام أهل الكتاب فإنهم اختلفوا في مدة لبثهم كما اختلفوا في عدتهم فقال بعضهم ثلاثمائة وقال بعضهم ثلثمائة وتسع سنين وقرأ حمزة والكسائي ثلاثمائة سنين بالاضافة على وضع الجمع موضع الواحد ويحسنه ها هنا أن علامة الجمع فيه جبر لما حذف من الواحد وان الأصل في العدد اضافته إلى الجمع ومن لم يضف أبدل السنين من ثلثمائة ٢٦ {قل اللّه اعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض} له ما غاب فيهما وخفي من احوال أهلهما فلا خلق يخفى عليه علما {أبصر به وأسمع} ذكر بصيغة التعجب للدلالة على أن آمره في الادراك خارج عما عليه ادراك السامعين والمبصرين إذ لا يحجبه شيء ولا يتفاوت دون لطيف وكثيف وصغير وكبير وخفي وجلي والهاء تعود إلى اللّه ومحله الرفع على الفاعلية والباء مزيدة عند سيبويه وكان اصله ابصر أي صار ذا بصر ثم نقل إلى صيغة الأمر بمعنى الانشاء فبرز الضمير لعدم لياق الصيغة له أو لزيادة الباء كما في قوله تعالى وكفى به [الفرقان:٥٨] والنصب على المفعولية عند الاخفش والفاعل ضمير المأمور وهو كل أحد والباء مزيدة أن كانت الهمزة للتعدية ومعدية أن كانت للصيرورة {ما لهم} الضمير أهل السماوات والأرض {من دون من ولي} من يتولى امورهم {ولا يشرك في حكمه} في قضائه {أحدا} منهم ولا بجعل له فيه مدخلا وقرأ ابن عامر وقالون عن يعقوب بالتاء والجزم على نهي كل أحد عن الاشراك ثم لما دل اشتمال القرآن على قصة أصحاب الكهف من حيث إنها من المغيبات بالاضافة إلى رسول اللّه على انه وحي معجز آمره أن يداوم درسه ويلازم اصحابه فقال ٢٧ {واتل ما اوحي إليك من كتاب ربك} من القرآن ولا تسمع لقولهم أئت بقرآن غير هذا أو بدله {لا مبدل لكلماته} لا أحد يقدر على تبديلها وتغييرها غيره {ولن تجد من دونه ملتحدا} ملتجأ عليه إن هممت به ٢٨ {واصبر نفسك} واحبسها وثبتها {مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} في مجامع اوقاتهم أو في طرفي النهار وقرأ ابن عامر بالغدوة وفيه أن غدوة علم في الأكثر فتكون اللام فيه على تأويل التنكير {يريدون وجهه} رضا اللّه وطاعته {ولا تعد عيناك عنهم} ولا يجاوزهم نظرك إلى غيرهم وتعديته بعن لتضمينه معنى نبأ وقرئ ولا تعد عينيك ولا تعد من أعداه وعداه والمراد نهي الرسول صلى اللّه عليه وسلم أن يزدري بفقرأء المؤمنين وتعلو عينه عن رثاثة زيهم طموحا إلى طراوة زي الاغنياء {تريد زينة الحياة الدنيا} حال من الكاف في المشهورة ومن المستكن في الفعل في غيرها {ولا تطع من أغفلنا قلبه} من جعلنا قلبه غافلا {عن ذكرنا} كأمية بن خلف في دعائك إلى طرد الفقرأء عن مجلسك لصناديد قريش وفيه تنبيه على أن الداعي له إلى هذا الاستدعاء غفلة قلبه عن المعقولات وانهماكه في المحسوسات حتى خفي عليه أن الشرف بحلية النفس لا بزينة الجسد وانه لو اطاعه كان مثله في الغباوة والمعتزلة لما غاظهم اسناد الاغفال إلى اللّه تعالى قالوا انه مثل اجبنته إذا وجدته كذلك أو نسبته إليه أو من اغفل ابله إذا تركها بغير سمة أي لم نسمه بذكرنا كقولب الذين كتبنا في قلوبهم الإيمان واحتجوا على أن المراد ليس ظاهر ما ذكر أولا بقوله {واتبع هواه} وجوابه ما مر غير مرة وقرئ أغفلنا بإسناد الفعل إلى القلب على معنى حسبنا قلبه غافلين عن ذكرنا إياه بالمؤاخذة {وكان أمره فرطا} أي تقدما على الحق نبذا له وراء ظهره يقال فرس فرط أي متقدم للخيل ومنه الفرط ٢٩ {وقل الحق من ربكم} الحق ما يكون من جهة اللّه لا ما يقتضيه الهوى ويجوز أن يكون الحق خبر مبتدأ محذوف و من ربكم حالا {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} لا ابالي بإيمان من آمن ولا كفر من كفر وهو لا يقتضي استقلال العبد بفعله فإنه وان كان بمشيئته فمشيئته ليست بمشيئته {إنا اعتدنا} هيأنا {للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها} فسطاطها شبه به ما يحيط بهم من النار وقيل السرادق الحجرة التي تكون حول الفسطاط وقيل سرادقها دخانها وقيل حائط من نار {وإن يستغيثوا} من العطش {يغاثوا بما كالمهل} كالجسد المذاب وقيل كدردي الزيت وهو على طريقة قوله فاعتبوا باصيلم {يشوي الوجوه} إذا قدم ليشرب من فرط حرارته وهو صفة ثانية لماء أو حال من المهل أو الضمير في الكاف {بئس الشراب} المهل {وساءت} النار {مرتفقا} متكأ واصل الارتفاق نصب المرفق تحت الخد وهو لمقابلة قوله وحسنت مرتفقا وألا فلا ارتفاق لأهل النار ٣٠ {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع اجر من احسن عملا} خبر إن الأولى وهي الثانية بما في حيزها والراجع محذوف تقديره من أحسن عملا منهم أو مستغنى عنه بعموم من أحسن عملا كما هو مستغنى عنه في قولك نعم الرجل زيد أو واقع موقعه الظاهر فإن من احسن عملا لا يحسن اطلاقه على الحقيقة إلا على الذين آمنا وعملوا الصالحات ٣١ {أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار} وما بينهما اعتراض وعلى الأول استئناف لبيان الاجر أو خبر ثان {يحلون فيها من اساور من ذهب} من الأولى للابتداء والثانية للبيان صفة ل أساور وتنكيره لتعظيم حسنها من الاحاطة به وهو جمع اسورة أو أسوار في جمع سوار {ويلبسون ثيابا خضرا} لان الخضرة احسن الألوان واكثرها راوة {من سندس واستبرق} مما رق من الديباج وما غلظ منه جمع بين النوعين للدلالة على أن فيها ما تشتهي الانفس وتلذ الاعين {متكئين فيها على الارائك} على السرر كما هو هيئة المتنعمين {نعم الثواب} الجنة ونعيمها {وحسنت} الارائك {مرتفقا} متكأ ٣٢ {واضرب لهم مثلا} للكافر والمؤمن {رجلين} حال رجلين مقدرين أو موجودين هما أخوان من بني إسرائيل كافر اسمه قطروس ومؤمن اسمه يهوذا ورثا من ابيهما ثمانية آلاف دينار فتشاطرا فاشترى الكافر بها ضياعا وعقارا وصرفها المؤمن في وجوه الخير وآل أمرهما إلى ما حكاه اللّه تعالى وقيل الممثل بهما أخوان من بني مخزوم كافر وهو الأسود بن عبد الاشد ومؤمن وهو أبو سلمة عبد اللّه زوج أم سلمة قبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {جعلنا لاحدهما جنتين} بستانين {من اعناب} من كروم والجملة بتمامها بيان للتمثيل أو صفة للرجلين {وحففناهما بنخل وجعلنا} النخل محيطة بهما مؤزرا بها كرومهما يقال حفه القوم إذا اطافوا به وحففته بهم إذا جعلتهم حافين حوله فتزيده الباء مفعولا ثانيا كقولك غشيته به وجعلنا {بينهما} وسطهما {زرعا} ليكون كل منهما جامعا للاقوات والفواكه متواصل العمارة على الشكل الحسن والترتيب الانيق ٣٣ {كلتا الجنتين آتت اكلها} ثمرها وافراد الضمير لأفراد كلتا وقرئ كل الجنتين آتى أكله {ولم تظلم منه} ولم تنقص من أكلها شيئا يعهد في سائر البساتين فإن اثمار تتم في عام وتنقص في عام غالبا {وفجرنا خلالهما نهرا} ليدوم شربهما فإنه الأصل ويزيد بهاؤهما وعن يعقوب وفجرنا بالتخفيف ٣٤ {وكان له ثمر} أنواع من المال سوى الجنتين من ثمر ماله إذا كثره وقرأ عاصم بفتح الثاء والميم وأبو عمرو بضم الثاء واسكان الميم والباقون بضمهما وكذلك في قوله {وأحيط بثمره} [الكهف:٤٢] {فقال لصاحبه وهو يحاوره} يراجعه في الكلام من حار إذا رجع {أنا اكثر منك مالا وأعز نفرا} حشما وأعوانا وقيل اولادا ذكورا لانهم الذين ينفرون معه ٣٥ {ودخل جنته} بصاحبه يطوف به فيها ويفاخره بها وافراد الجنة لان المراد ما هو جنته وما متع به من الدنيا تنبيها على أن لا جنة له غيرها ولا حظ له في الجنة التي وعد المتقون أو لاتصال كل واحدة من جنتيه بالاخرى أو لان الدخول يكون في واحدة واحدة {وهو ظالم لنفسه} ضار لها بعجبه وكفره {قال ما اظن أن تبيد} أن تفنى {هذه} لاجنة {أبدا} لطول امله وتمادي غفلته واغتراره بمهلته ٣٦ {وما اظن الساعة قائمة} كائنة {ولئن رددت إلى ربي} بالبعث كما زعمت {لأجدن خيرا منها} من جنته وقرأ الحجازيان والشامي منهما أي من الجنتين {من قلبا} مرجعا وعاقبة لأنها فانية وتلك باقية وانما اقسم على ذلك لاعتقاده انه تعالى إنما اولاه لاستئهاله واستحقاقه إياه لذاته وهو معه اينما تلقاه ٣٧ {قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب} لانه اصل مادتك أو مادة اصلك {ثم من نطفة} فإنها مادتك القريبة {ثم سواك رجلا} ثم عدلك وكملك انسانا ذكرا بالغا مبلغ الرجال جعل كفره بالبعث كفرا باللّه تعالى لأن منشأه الشك في كمال قدرة اللّه تعالى ولذلك رتب الإنكار على خلقه إياه من التراب فإن من قدر على بدء خلقه منه قدر أن يعيده منه ٣٨ {لكنا هو اللّه ربي ولا اشرك بربي احدا} اصله لكن أنا فحذفت الهمزة بنقل الحركة أو دون فتلاقت النونان فكان الادغام وقرأ ابن عامر ويعقوب في رواية بالألف في الوصل لتعويضها من الهمزة أو لاجراء الوصل مجرى الوقف وقد قرئ لكن أنا على الأصل وهو ضمير الشأن وهو بالجملة الواقعة خبرا له خبر أنا أو ضمير اللّه و اللّه بدله وربي خبره والجملة خبر أنا والاستدراك من اكفرت كأنه قال أنت كافر باللّه لكني مؤمن به وقد قرئ لكن هو اللّه ربي ولكن أنا لا اله إلا هو ربي ٣٩ {ولولا إذ دخلت جنتك قلت} وهلا قلت عند دخولها {ما شاء اللّه} الأمر ما شاء أو ما شاء كائن على أن ما موصولة أو أي شيء شاء اللّه كان على إنها شرطية والجواب محذوف اقرارا بأنها وما فيها بمشيئة اللّه أن شاء ابقاها وان شاء ابداها {لا قوة إلا باللّه} وقلت لا قوة إلا باللّه اعترافا بالعجز على نفسك والقدرة للّه وان ما تيسر لك من عمارتها وتدبير أمرها بمعونته واقداره وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم من رأى شيئا فأعجبه فقال ما شاء اللّه لا قوة إلا باللّه لم يضره {إن ترن أنا اقل منك مالا وولدا} يحتمل أن يكون فصلا وأن يكون تأكيدا للمفعول الأول وقرئ أقل بالرفع على أنه خبر أنا والجملة مفعول ثاني ل ترن وفي قوله وولدا دليل لمن فسر النفر بالاولاد ٤٠ {فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك} في الدنيا أو في الآخرة لايماني وهو جواب الشرط {ويرسل عليها} على جنتك لكفرك {حسبانا من السماء} مرامي جمع حسبانة وهي الصواعد وقيل هو مصدر بمعنى الحساب المراد به التقدير بتخريبها أو عذاب حساب الأعمال السيئة {فتصبح صعيدا زلقا} أرضا ملساء يزلق عليها باستئصال نباتها واشجارها ٤١ {أو يصبح ماؤها غورا} أي غائرا في الأرض مصدر وصف به كالزرق {فلن تستطيع له طلبا} للماء الغائر ترددا في رده ٤٢ {واحيط بثمره} واهلك امواله حسبما توقعه صاحبه وانذره منه وهو مأخوذ من احاط به العدو فإنه إذا احاط به غلبه وإذا غلبه اهلكه ونظيره أتى عليه إذا اهلكه من أتى عليهم العدو إذا جاءهم مستعليا عليهم {فأصبح يقلب كفيه} ظهرا لبطن تلهفا وتحسرا {على ما انفق فيها} في عمارتها وهو متعلق ب يقلب لان تقليب الكفين كناية عن الندم فكأنه قيل فأصبح يندم أو حال أي متحسرا على ما انفق فيها {وهي خاوية} ساقطة {على عروشها} بأن سقطت عروشها على الأرض وسقطت الكروم فوقها عليها يقول عطف على يقلب أو حال من ضميره {يا ليتني لم اشرك بربي احدا} كأنه تذكر موعظة أخيه وعلم انه أتى من قبل شركة فتمنى لو لم يكن مشركا فلم يهلك اللّه بستانه ويحتمل أن يكون توبة من الشرك وندما على ما سبق منه ٤٣ {ولم تكن له فئة} وقرأ حمزة والكسائي بالياء لتقدمه {ينصرونه} يقدرون نصره بدفع الاهلاك أو رد المهلك أو الاتيان بمثله {من دون اللّه} فإنه القادر على ذلك وحده {وما كان منتصرا} وما كان ممتنعا بقوته عن انتقام اللّه منه ٤٤ {هنالك} في ذلك المقام وتلك الحال {الولاية للّه الحق} النصرة له وحده لا يقدر عليها غير تقديرا لقوله {ولم تكن له فئة ينصرونه}[القصص:٨١] أو نصر فيها اولياءه المؤمنين على الكفرة كما نصر فيما فعل بالكافر اخاه المؤمن ويعضده قوله {هو خير ثوابا وخير عقبا} أي لاوليائه وقرأ حمزة والكسائي بالكسر ومعناه السلطان والملك أي هناك السلطان له لا يغلب ولا يمنع منه أو لا يعبد غيره كقوله تعالى فإذا ركبوا فِي الفلك دعوا اللّه مخلصين له الدين [الرّوم:٦٥] فيكون تنبيها على أن قوله {يا ليتني لم اشرك}[الكهف:٤٢] كان عن اضطرار وجزع مما دهاه وقيل هنالك إشارة إلى الآخرة وقرأ أبو عمرو والكسائي الحق بالرفع صفة للولاية وقرئ بالنصب على المصر المؤكد وقرأ عاصم وحمزة عقبا بالسكون وقرئ عقبى وكلها بمعنى العاقبة ٤٥ {واضرب لهم مثل الحياة الدنيا} واذكر لهم ما يشبه الحياة الدنيا في زهرتها وسرعة زوالها أو صفتها الغريبة {كماء} هي كماء ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا ل اضرب على انه بمعنى صير {أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض} فالتفت بسببه وخالط بعضه بعضا من كثرته وتكاثفه أو نجع في النبات حتى روى ورف وعلى هذا كان حقه فاختلط بنبات الأرض لكنه لما كان كل من المختلطين موصوفا بصفة صاحبه عكس للمبالغة في كثرته {فأصبح هشيما} مهشوما مكسورا {تذوره الرياح} تفرقه وقرئ تذريه من اذرى والمشبه به ليس الماء ولا حاله بل الكيفية المنتزعة من الجملة وهي حال النبات المنبت بالماء يكون اخضر وارفا ثم هشيما تطيره الرياح فيصير كأن لم يكن {وكان اللّه على كل شيء} من الانشاء والافناء {مقتدرا} قادرا ٤٦ {المال والبنون زينة الحياة الدنيا} يتزين بها الإنسان في دنياه وتفنى عنه عما قريب {والباقيات الصالحات} واعمال الخيرات التي تبقى له ثمرتها ابد الاباد ويندرج فيها ما فسرت به من الصلوات الخمس واعمال الحج وصيام رمضان وسبحان اللّه والحمد للّه ولا اله إلا اللّه واللّه اكبر والكلام الطيب {خير عند ربك} من المال والبنين {ثوابا} عائذة {وخير املا} لأن صاحبها ينال بها في الآخرة ما كان يؤمل بها في الدنيا ٤٧ {ويوم نسير الجبال} واذكر يوم نقلعها ونسيرها في الجو أو نذهب في الجو أو نذهب بها فنجعلها هباء منبثا ويجوز عطفه على {عند ربك}[الكهف:٤٦] أي الباقيات الصالحات خير عند اللّه ويوم القيامة وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر تسير بالتاء والبناء للمفعول وقرئ تسير من سارت {وترى الأرض بارزة} بادية برزت من تحت الجبال ليس عليها ما يسترها وقرئ وترى على بناء المفعول {وحشرناهم} وجمعناهم إلى الموقف ومجيئه ماضيا بعد نسير وترى لتحقق الحشر أو للدلالة على أن حشرهم قبل التسييير ليعاينوا ويشاهدوا ما وعد لهم وعلى هذا تكون الواو للحال بإذمار قد {فلم تغادر} فلم نترك {منهم أحدا} يقال غادره واغدره إذا تركه ومنه العدر لترك الوفاء والغدير لما غادره السير وقرئ بالياء ٤٨ {وعرضوا على ربك} شبه حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان لا ليعرفهم بل ليأمر فيهم {صفا} مصطفين لا يحجب أحد أحدا {لقد جئتمونا} على اضمار القول على وجه يكون حالا أو عاملا في يوم نسير {كما خلقناكم أول مرة} عراة لا شيء معكم من المال والولد كقوله {ولقد جئتمونا فرادى}[الأنعام:٩٤] أو أحياء كخلقتكم الأولى لقوله {بل زعمتم أنلن نجعل لكم موعدا} وقتا لانجاز الوعد بالبعث والنشور وان الأنبياء كذبوكم به وبل للخروج من قصة إلى أخرى ٤٩ {ووضع الكتاب} صحائف الأعمال في الإيمان والشمائل أو في الميزان وقيل هو كناية عن وضع الحساب {فترى المجرمين مشفقين} خائفين {مما فيه} من الذنوب {ويقولون يا ويلتنا} ينادون هلكتهم التي هلكوها من بين الهلكات {مال هذا الكتاب} تعجبا من شأنه {لا يغادر صغيرة} هنة صغيرة {ولا كبيرة إلا احصاها} إلا عددها واحاط بها {ووجدوا ما عملوا حاضرا} مكتوبا في الصحف {ولا يظلم ربك احدا} فيكتب عليه ما لم يفعل أو يزيد في عقابه الملائم لعمله ٥٠ {واذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس} كرره في مواضع لكونه مقدمة للأمور المقصود بيانها في تلك المحال وها هنا لما شنع على المفتخرين واستقبح صنيعه قرر ذلك بأنه من سنن إبليس أو لما بين حال المغرور بالدنيا والمعرض عنها وكان سبب الاغترار بها حب الشهوات وتسويل الشيطان زهدهم اولا في زخارف الدنيا بأنها عرضة الزوال والأعمال الصالحة خير وابقى من انفسها واعلاها ثم نفرهم عن الشيطان بتذكير ما بينهم من العداوة القديمة وهكذا مذهب كل تكرير في القرآن {كان من الجن} حال بإضمار قد أو استئناف للتعليل كأنه قيل ما له لم يسجد فقيل كان من الجن {ففسق عن أمر ربه} فخرج عن آمره بترك السجود والفاء للسبب وفيه دليل على أن الملك لا يعصى البتة وانما عصى إبليس لانه كان جنيا في أصله والكلام المستقصى فيه في سورة البقرة {أفتتخذونه} اعقيب ما وجد منه تتخذونه والهمزة للانكار والتعجب {وذريته} اولاده أو اتباعه وسماهم ذرية مجازا {أولياء من دوني} فتستبدلونهم بي فتطيعونهم بدل طاعتي {وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا} من اللّه تعالى إبليس وذريته ٥١ {وما أشهدتهم خلق لسماوات والأرض ولا خلق أنفسهم} نفى احضار إبليس وذريته خلق السماوات والأرض واحضار بعضهم خلق بعض ليدل على نفي الاعتضاد بهم في ذلك كما صرح به بقوله {وما كنت متخذ المضلين عضدا} أي اعوانا ردا لاتخاذهم اولياء من دون اللّه شركاء له في العبادة فإن استحقاق العبادة من توابع الخالقية والاشتراك فيه يستلزم الاشتراك فيها فوضع المضلين موضع الضمير ذما لهم واستبعادا للاعتضاد بهم وقيل الضمير للمشركين والمعنى ما اشهدتهم خلق ذلك وما خصصتهم بعلوم لا يعرفها غيرهم حتى لو آمنا اتبعهم الناس كما يزعمون فلا تلتفت إلى قوهم طمعا في نصرتهم للدين فإنه لا ينبغي لي أن اعتضد بالمضلين لديني ويعضده قرأءة من قرأ وما كنت على خطاب الرسول صلى اللّه عليه وسلم وقرئ متخذا المضلين على الأصل و عضدا بالتخفيف و عضدا بالاتباع و عضدا كخدم جمع عاضد من عضده إذا قواه ٥٢ {ويوم يقول} أي اللّه تعالى للكافرين وقرأ حمزة بالنون {نادوا شركائي الذين زعمتم} أنهم شركائي وشفعاؤكم ليمنعوكم من عذابي واضافة الشركاء على زعمهم للتوبيخ والمراد ما عبد من دونه وقيل إبليس وذريته {فدعوهم} فنادوهم للاغاثة {فلم يستجيبوا لهم} فلم يغيثوهم {وجعلنا بينهم} بين الكفار وآلهتهم {موبقا} مهلكا يشتركون فيه وهو النار أو عداوة هي في شدتها هلاك كقول عمر رضي اللّه عنه لا يكن حبك كلفا ولا بغضك تلفا و موبقا اسم مكان أو مصدر من وبق يوبق وبقا إذا هلك وقيل البين الوصل أي وجعلنا تواصلهم في الدنيا هلاكا يوم القيامة ٥٣ {ورأى المجرمون النار فظنوا} فأيقنوا {انهم مواقعوها} مخالطوها واقعون فيها {ولم يجدوا عنها مصرفا} انصرافا أو مكانا ينصرفون إليه ٥٤ {ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل} من كل جنس يحتاجون إليه {وكان الإنسان اكثر شيء} يتأتى منه الجدل {جدلا} خصومة بالباطل وانتصابه على التمييز ٥٥ {وما منع الناس أن يؤمنوا} من الإيمان {إذ جاءهم الهدى} وهو الرسول الداعي والقرآن المبين {ويستغفروا ربهم} ومن الاستغفار من الذنوب {إلا أن تأتيهم سنة الأولين} إلا طلب أو انتظار أو تقدير أن تأتيهم سنة الأولين وهي الاستئصال فحذف المضاف واقيم المضاف إليه مقامه {أو يأتيهم العذاب} عذاب الآخرة {قبلا} عيانا وقرأ الكوفيون قبلا بضمتين وهو لغة فيه أو جمع قبيل بمعنى أنواع وقرئ بفتحتين وهو أيضا لغة يقال لقيته مقابلة وقبلا وقبلا وقبليا وانتصابه على الحال من الضمير أو العذاب ٥٦ {وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين} للمؤمنين والكافرين {ويجادل الذين كفروا بالباطل} باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات والسؤال عن قصة أصحاب الكهف ونحوها تعنتا {ليدحضوا به} ليزيلوا بالجدال {الحق} عن مقره ويبطلوه من ادحاض القدم وهو ازلاقها وذلك قوهم للرسل ما انتم إلا بشر مثلنا ولو شاء اللّه لانزل ملائكة ونحو ذلك {واتخذوا آياتي} يعني القرآن {وما انذروا} وانذارهم أو والذي انذروا به من العقاب {هزوا} استهزاء وقرئ هزأ بالسكون وهو ما يستهزأ به على التقديرين ٥٧ {ومن اظلم ممن ذكر بآيات ربه} بالقرآن {فأعرض عنها} فلم يتدبرها ولم يتذكر بها {ونسي ما قدمت يداه} من الكفر والمعاصي ولم يتفكر في عاقبتهما {إنا جعلنا على قلوبهم اكنة} تعليل لاعراضهم ونسيانهم بأنهم مطبوع على قلوبهم {أن يفقهوه} كراهة أن يفقهوه وتذكير الضمير وافراده للمعنى {وفي آذانهم وقرأ} يمنعهم أن يستمعوه حق استماعه {وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا اذا أبدا} تحقيقا ولا تقليدا لأنهم لا يفقهون ولا يسمعون وإذا كما عرفت جزاء وجواب للرسول صلى اللّه عليه وسلم على تقدير قوله ما لي ادعوهم فإن حرصه صلى اللّه عليه وسلم على إسلامهم يدل عليه ٥٨ {وربك الغفور} البليغ المغفرة {ذو الرحمة} الموصوف بالرحمة {لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب} استشهاد على ذلك بإمهال قريش مع إفراطهم في عداوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {بل لهم موعد} وهو يوم بدر أو يوم القيامة {لن يجدوا من دونه موئلا} منجأ ولا ملجأ يقال وأل إذا نجاووأل إليه إذا لجأ إليه ٥٩ {وتلك القرى} يعني قرى عاد وثمود اضرابهم وتلك مبتدأ خبره {أهلكناهم} أو مفعول مضمر مفسر به و القرى صفته ولا بد من تقدير مضاف في أحدهما ليكون مرجع الضمائر {لما ظلموا} كقريش بالتكذيب والمراء وانواع المعاصي {وجعلنا لمهلكهم موعدا} لإهلاكهم وقتا لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون فيعتبروا بهم ولا يغتروا بهم ولا يغتروا بتأخير العذاب عنهم وقرأ أبو بكر لمهلكهم بفتح الميم واللام أي لهلاكهم وحفص بكسر اللام حملا على ما شذ من مصادر يفعل كالمرجع والمحيض ٦٠ {وإذ قال موسى} مقدر باذكر {لفتاه} يوشع بن نون بن افرائيم بن يوسف عليهم الصلاة والسلام فإنه كان يخدمه ويتبعه ولذلك سماه فتاه وقيل لعبده {لا ابرح} أي لا أزال اسير فحذف الخبر لدلالة حاله وهو السفر وقوله {حتى ابلغ مجمع البحرين} من حيث إنها تستدعي ذا غاية عليه ويجوز أن يكون اصله لا يبرح مسيري حتى ابلغ على أن حتى ابلغ هو الخبر فحذف المضاف واقيم المضاف إليه مقامه فانقلب الضمير والفعل وان يكون لا ابرح هو بمعنى لا ازول عما أنا عليه من السير والطلب ولا افارقه فلا يستدعي الخبر و مجمع البحرين ملتقى بحري فارس ولروم مما يلي المشرق وعد لقاء الخضر فيه وقيل البحران موسى وخضر عليهما الصلاة والسالم فإن موسى كان بحر علم الظاهر والخضر كان بحر علم الباطن وقرئ مجمع بكسر الميم على الشذوذ من يفعل كالمشر والمطلع {أو امضي حقبا} أو اسير زمانا طويلا والمعنى حتى يقع أما بلوغالمجمع أو مضي الحقب أو حتى ابلغ إلا أن امضي زمانا اتيقن معه فوات المجمع والحقب الدهر وقيل ثمانون سنة وقيل سبعون روي أن موسى عليه الصلاة والسلام خطب الناس بعد هلاك القبط ودخوله مصر خطبة بليغة فأعجب بها فقيل له هل تعلم احدا اعلم منك فقال لا فأوحى اللّه إليه بل اعلم منك عبدنا الخضر وهو بمجمع البحرين وكان الخضر في أيام افريدون وكان على مقدمة ذي القرني الأكبر وبقي إلى أيام موسى وقيل أن موسى عليه السلام سأل ربه أي عبادك احب إليك قال الذي يذكرني ولا ينساني قال فأي عبادك اقضى قال الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى قال فأي عبادك اعلم قال الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى فقال أن كان في عبادك اعلم نمي فادللني عليه قال اعلم منك الخضر قال أين طلبه قال على الساحل عند الصخرة قال كيف لي به قال تأخذ حوتا في مكتل فحيث فقدته فهو هناك فقال لفتاه إذا فقدت الحوت فأخبرني فذهبا يمشيان ٦١ {فلما بلغا مجمع بينهما} أي مجمع البحرين و بينهما ظرف اضيف إليه على التساع أو بمعنى الوصل {نسيا حوتهما} نسي موسى عليه الصلاة والسلام أن يطلبه ويتعرف حاله ويوشع أن يذكر له ما رأى من حياته ووقوعه في البحر روي أن موسى عليه السلام ورقد فاضطرب الحوت المشوي ووثب في البحر معجزة لموسى أو الخضر وقيل توضأ يوشع من عين الحياة فانتضح الماء عليه فعاش ووثب في الماء وقيل نسيا تفقد آمره وما يكون منه امارة على الظفر بالمطلوب {فاتخذ سبيله في البحر} سربا فاتخذ الحوت طريقه في البحر مسلكا من قوله وسارب بالنهار وقيل امسك اللّه جرية الماء على الحوت فصار كالطاق عليه ونصبه على المفعول الثاني وفي البحر حال منه أو من السبيل ويجوز تعلقه باتخذ ٦٢ {فلما جاوزا} مجمع البحرين {قال لفتاه آتنا غداءنا} ما نتغدى به {لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قيل لم ينصب حتى جاوز الموعد فلما جاوزه وسار الليلة والغد إلى الظهر القي عليه الجوع والنصب وقيل لم يعي موسى في سفر غيره ويؤيده التقييد باسم الاشارة ٦٣ {قال أرأيت إذ اوينا} أرأيت ما دهاني إذ اوينا {إلى الصخرة} يعني الصخرة التي رقد عندها موسى وقيل هي الصخرة التي دون نهر الزيت {فإني نسيت الحوت} فقدته أو نسيت ذكره بما رأيت منه {وما أنسانيه إلا الشيطان أن اذكره} أي وما أنساني ذكره إلا الشيطان فإنه أن أذكره بدل من الضمير وقرىء أن أذكركه وهو اعتذار عن نسيانه بشغل الشيطان له بوساوسه والحال وإن كانت عجيبة لا ينسى مثلها لكنه لما ضرى بمشاهدة امثالها عند موسى وألفها قل اهتمامه بها ولعله نسي ذلك لاستغراقه في الاستبصار وانجاب شراشره إلى جناب القدس بما عراه من مشاهدة الآيات الباهرة وإنما نسبه إلى الشيطان هضما لنفسه أو لأن عدم احتمال القوة للجانبين واشتغالها بإحداهما عن الآخر يعد من نقصان {واتخذ سبيله في البحر عجبا} سبيلا عجبا وهو كونه كالسرب أو اتخاذا عجبا والمفعول الثاني هو الظرف وقيل هو مصدر فعله المضمر أي قال في آخر كلامه أو موسى في جوابه عجبا تعجبا من تلك الحال وقيل الفعل لموسى أي اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبا ٦٤ {قال ذلك} أي أمر الحوت {ما كنا نبغ} نطلب لأنه امارة المطلوب {فارتدا على آ ثارهما} فرجعا في الطريق الذي جاءا فيه {قصصا} يقصان قصصا أن يتبعان آثارهما ابتاعا أو مقتصين حتى اتيا الصخرة ٦٥ {فوجدا عبدا من عبادنا} الجهور على انه الخضر عليه السام واسمه بلي بن ملكان وقيل اليسع وقيل اليأس {آتيناه رحمة من عندنا} هي الوحي والنبوة {وعلمناه من لدنا علما} مما يختص بنا ولا يعلم إلا بتوفيقنا وهو علم الغيوب ٦٦ {قال له موسى هل اتبعك على أن تعلمن} على شرط أن تعلمني وهو في موضع الحال من الكاف {مما علمت رشدا} علما ذا رشد وهو اصابة الخير وقرأ البصريان بفتحتين وهما لغتان كالبخل والبخر وه مفعول تعلمني ومفعول علمت العائد المحذوف وكلاهما منقولان من علم الذي له مفعول واحد ويجوز أن يكون رشدا علة لا تبعد أو مصدر إضمار فعله ولا ينافي نبوته وكنه صاحب شريعة أن يتعلم من غيره ما لم يكن شرطا ي أبواب الدين فإن الرسول ينبغي أن يكون اعلم ممن أرسل إليه فيما بعث به من اصول الدين وفروعه لا مطلقا وقد راعى في ذلك في غاية التواضع والادب فاستجهل نفسه واستأذن أن يكون تابعا له وسأل منه أن يرشده وينعم عليه بتعليم بعض ما أنعم اللّه عليه ٦٧ {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} نفى عنه استطاعة الصبر معه على وجوه من التأكيد كأنها مما لا يصح ولا يستقيم وعلل ذلك واعتذر عنه بقوله ٦٨ {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} أي وكيف تصبر وأنت نبي على ما أتولى من أمور ظواهرها مناكير وبواطنها لم يحط بها خبرك وخبرا تمييزا أو مصدر لأن لم تحط به بمعنى لم تخبره ٦٩ {قال ستجدني أن شاء اللّه صابرا} معك غير منكر عليك {ولا اعصي لك امرا} عطف على صابرا أي ستجدني صابرا وغير عاص أو على ستجدني وتعليق الوعد بالمشيئة أما للتيمن وخلفه ناسيا لا يقدح في عصمته أو لعلمه بصعوبة الأمر فإن مشاهدة الفساد والصبر على خلاف المعتاد شديد فلا خلف وفيه دليل على أن افعال العباد واقعة بمشيئة اللّه تعالى ٧٠ {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء} فلا تفاتحني بالسؤال عن شيء انكرته مني ولم تعلم وجه صحته {حتى احدث لك منه ذكرا} حتى ابتدئك ببيانه وقرأ نافع وابن عامر فلا تسألني بالنون الثقيل ة ٧١ {فانطلقا} على الساحل يطلبان السفينة {حتى إذا ركبا في السفينة خرقها} اخذ الخضر فأسا فخرق السفينة بأن قلع لوحين من الواحها {قال أخرقتنا لتغرق أهلها} فإ خرقها سبب لدخول الماء فيها المفضي إلى غرق أهلها وقرئ لتغرق بالتشديد للتكثير وقرأ حمزة والكسائي ليغرق أهلها على إسناده إلى الاهل {لقد جئت شيئا إمرا} أتيت امرا عظيما من أمر الأمر إذا عظم ٧٢ {قال آلم اقل انك لن تستطيع معي صبرا} تذكير لما ذكره قبل ٧٣ {قال لا تؤاخذني بما نسيت} بالذي نسيته أو بشيء نسيته يعني وصيته بأن لا يعترض عليه أو بنسياني إياها وهو اعتذار بالنسيان اخرجه في معرض النهي عن المؤاخذة مع قيام المانع لها وقيل أراد بالنسيان الترك أي لا تؤاخذني بما تركت من وصيتك أول مرة وقيل انه من معاريض الكلام والمراد شيء آخر نسبه {ولا ترهقني من أمري عسرا} ولا تغشني عسرا من أمري بالمضايقة والمؤاخذة على المنسي فإن ذلك يعسر على متابعتك و عسرا مفعول ثاني لترهق فإنه يقال رهقه إذا غشيه وأرهقه إياه وقرئ عسرا بضمتين ٧٤ {فانطلقا} أي بعد ما خرجا من السفينة {حتى إذا لقيا غلاما فقتله} قيل فتل عنقه وقيل ضرب برأسه الحائط وقيل اضجعه فذبحه والفاء للدلالة على انه كما لقيه قتله من غير ترو واستكشاف حال ولذلك {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} أي طاهرة من الذنوب وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ورويس عن يعقوب زاكية والأول أبلغ وقال أبو عمرو الزاكية التي لم تذنب قط والزكية التي أذنبت ثم غفرت ولعله اختار الأول لذلك فإنها كانت صغيرة ولم تبلغ الحلم أو أنه لم يرها قد اذنبت ذنبا يقتضي قتلها أو قتلت نفسا فتقاد بها نبه به على أن القتل إنما يباح حدا أو قصاصا وكلا الأمرين منتف ولعل تغيير النظم بأن جعل خرقها جزاء واعتراض موسى عليه الصلاة والسلام مستأنفا في الأولى في الثانية قتله من جملة الشرط واعتراضه جزاء لأن القتل اقبح والاعتراض عليه ادخل فكا جديرا بأن يجعل عمدة الكلام ولذلك فصله بقوله {لقد جئت شيئا نكرا} أي منكرا وقرأ نافع في رواية قالون وروش وابن عامر ويعقوب وأبو بكر نكرا بضمتين ٧٥ {قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} زاد فيه لك مكافحة بالعتاب على رفض الوصية ووسما بقلة الثبات والصبر لما تكرر منه الاشمئزاز والاستنكار ولم يرعو بالتذكير أو مرة حتى زاد في الاستنكار ثاني مرة ٧٦ {قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني} وان سألت صحبتك وعن يعقوب فلا تصحبني أي فلا تجعلني صاحبك {قد بلغت من لدني عذرا} قد وجدت عذرا من قبلي لما خالفتك ثلاث مرات وعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: رحم اللّه أخي موسى استحيا فقال ذلك لو لبث مع صاحبه لابصر اعجب الاعاجيب وقرأ نافع {من لدني} بتحريك النون والاكتفاء بها عن نون الدعامة كقوله قدني نم نصر الحبيبين قدى وأبو بكر لدني بتحريك النون واسكان الضاد من عضد ٧٧ {فانطلقا حتى إذا اتيا أهل قرية} قرية إنطاكية وقيل ابلة البصرة وقيل باج وان أرمينية {استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما} وقرئ يضيفوهما من إضافة يقال ضافه إذا نزل به ضيفا وأضافه وضيفه انزله واصل التركيب للميل يقال ضاف السهم عن الغرض إذا مال {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} يداني أن يسقط فاستعيرت الارادة للمشارفة كما استعير لها الهم والعزم قال: يريد الرمع صدر أبي براء ويعدل عن دماء بني عقيل وقال: إن دهرا يلم شملي بجمل لزمان يهم بالاحسان وانقض انفعل من قضضه إذا كسرته ومنه انقضاض الطير والكواكب لهويه أو افعل من النقض وقرئ {أن ينقض} و أن ينقاض بالصاد المهملة من انقاصت السن إذا انشقت طولا {فأقامه} بعمارته أو بعمود عمده به وقيل مسحه بيده فقام وقيل نقضه وبناه {قال لو شئت لاتخذت عليه اجرا} تحريضا على اخذ الجعل لينتعشا به أو تعريضا بأنه فضول لما في لو من النفي كأنه لما رأى الحرمان ومساس الحاجة واشتغاله بما لا يعنيه لم يتمالك نفسه واتخذ افتعل من تخذ كاتبع من تبع وليس من الأخذ عند البصريين وقرأ ابن كثير والبصريان لتخذت أي لاخذت واظهر ابن كثير يعقوب وخفص الدال وادغمه الباقون ٧٨ {قال هذا فراق بيني وبينك} الاشارة إلى الفراق الموعود بقوله {فلا تصاحبني}[الكهف:٧٦] أو إلى الاعتراض الثالث أو الوقت أي هذا الاعتراض سبب فراقنا أو هذا الوقت وقته واضافة الفراق إلى البين واضافة المصدر إلى الظرف على الاتساع وقد قرئ على الأصل {سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا} بالخبر الباطن فيما لم تستطع الصبر عليه لكونه منكرا من حيث الظاهر ٧٩ {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} لمحاويج وهودليل على أن المسكين يطلق على من يملك شيئا إذا لم يكفه وقيل سموا مساكين لعجزهم عن دفع الملك أو لزمانتهم فإنها كانت لعشرة اخوة خمسة زمني وخمسة يعملون في البحر {فأردت أن اعيبها} أن اجعلها ذات عيب {وكان وراءهم ملك} قدامهم أو خلفهم وكان رجوعهم عليه واسمه دلندي بن كركر وقيل منوار بن جلندي الازدي {يأخذ كل سفينة غصبا} من اصحابها وكان حق النظم أن يتأخر قوله {فأردت أن اعيبها} عن قوله {وكان وراءهم ملك} لان إرادة التعيب مسببة عن خوف الغصب وانما قدم للعناية أو لأن السبب لما كان مجموع الأمرين خوف الغصب ومسكنه الملاك رتبه على اقوى الجزأين واعاهما وعقبه بالآخر على سبيل التقييد والتتميم وقرئ كل سفينة صالحة والمعنى عليها ٨٠ {واما الغلام فكان ابواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما} أن يغضيهما {طغيانا وكفرا} لنعمتهما بعقوقه فليحقهما شرا أو يقرن بايمانهما طغيانه وكفره يجتمع في بيت واحد مؤمنان وطاغ كافر أو يديهما بعلته فيرتدا بإضلاله أو بممالأته على طغيانه وكفره حياله وانما خشي ذلك لأن اللّه تعالى اعلمه وعن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما أن نجدة الحروري كتب الهي كيف قتله وقد نهى النبي صلى اللّه عليه وسلم عن قتل الولدان فكتب إليه إن كنت علمت من حال الولدان ما علمه عالم موسى فلك أن تقتل وقرئ فخاف ربك أي فكره كراهة من خاف سوء عاقبته ويجوز أن يكون قوله فخشينا حكاية قول اللّه عز وجل ٨١ {فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه} أن يرزقهما ولدا خيرا منه {زكاة} طهارة من الذنوب والاخلاق الرديئة {واقرب رحما} رحمة وعطفا على والديه قيل ولدت لهما جارية فتزوجها نبي فولدت له نبيا هدى اللّه به أمة من الأمم وقرأ نافع وأبو عمرو ويبدلهما بالتشديد وابن عامر ويعقوب وعاصم رحما بالتخفيف وانتصابه على التمييز والعامل اسم التفضيل وكذلك زكاة ٨٢ {واما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة} قيل اسمهما اصر وصريم واسم المقتول جيسور {وكان تحته كنز لهما} من ذهب وفضة روي ذلك مرفوعا والذم على كنزهما في قوله تعالى {والذين يكنزون الذهب والفضة} [التوبة:٣٤] لمن لا يؤدي زكاتهما وما تعلق بهما من الحقوق وقيل من كتب العلم وقيل كان لوح من ذهب مكتوب فيه عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن وعجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها لا اله إلا اللّه محمد رسول اللّه {وكان أبو هما صالحا} تنبيه على أن سعيه ذلك كان لصلاحه قيل كان بينهما وبين الاب الذي حفظا سبعة آباء وكان سياحا واسمه كاشح {فأراد ربك أن يبلغا اشدهما} أي الحلم وكمال الرأي {ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك} مرحومين من ربك ويجوز أن يكون علة أو مصدرا لأراد فإن إرادة الخير رحمة وقيل متعلق بمحذوف تقديره فعلت رحمة من ربك ولعل اسناد الارادة اولا إلى نفسه لانه المباشرك للتعيب وثانيا إلى اللّه والى نفسه لان التبديل باهلاك الغلام ويجاد اللّه بدله وثالثا إلى اللّه وحده لأنه لا مدخل له في بلوغ الغلامين أو لان الأول في نفسه شر والثالث خير والثاني ممتزج أو لاختلاف حال العارف في الالتفات إلى الوسائط {وما فعلته} وما فعلت ما رأيته {عن أمري} عن رأي وانما فعلته بأمر اللّه عز وجل ومبنى ذلك على انه إذا تعارض ضرران يجب تحمل اهونهما لدفع اعظمهما وهو اصل ممهد غير أن الشرائع في تفاصيله مختلة {ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا} أي ما لم تستطع فحذف التاء تخفيفا ومن فوائد هذه القصة أن لا يعجب المرء بعلمه ولا يبادر إلى انكار ما لم يستحسنه فلعل فيه سرا لا يعرفه وان يداوم على التعلم ويتذلل للمعلم ويراعي الأدب في المقابل وان ينبه المجرم على جرمه ويعفو عنه حتى يتحقق اصراره ثم يهاجر عنه ٨٣ {ويسئلونك عن ذي القرنين} يعني اسكندر الرومي ملك فارس والروم وقيل المشرق والمغرب ولذلك سمي ذا القرنين أو لانه طاف قرني الدنيا شرقها وغربها وقيل لانه انقرض في أيامه قرنان من الناس وقيل كان له قرنان أي ضفيرتان وقيل كان لتاجه قرنان ويحتمل انه لقب بذلك لشجاته كما يقال الكبش للشجاع كأنه ينطح اقرانه واختلف في نبوته مع الاتفاق على ايمانه وصلاحه والسائلون هم اليهود سألوه امتحانا أو مشركو مكة {قل سأتلوا عليكم منه ذكرا} خطاب للسائلين والهاء لذي القرنين وقيل للّه ٨٤ {إنا مكنا له في الأرض} أي مكنا له آمره من التصرف فيها كيف شاء فحذف المفعول {وآتيناه من كل شيء} اراده وتوجه إليه {سببا} وصلة توصلة إليه من العلم والقدرة والالة ٨٥ {فاتبع سببا} أي فأراد بلوغ المغرب فاتبع سببا يوصله إليه وقرأ الكوفيون وابن عامر بقطع الألف مخففة التاء ٨٦ {حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة} ذات حمأ من حمئت البئر إذا صارت ذات حمأة وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر حامية أي حارة ولا تنافي بينهما لجواز أن تكون العين جامعة للوصفين أو حمية على أن ياءها مقلوبة عن الهمزة لكسر ما قبلها ولعله بلغ ساحل المحيط فرآها كذلك إذ لم يكن في مطمح بصره غير الماء ولذلك قال {وجدها تغرب} ولم يقل كانت تغرب وقيل إن ابن عباس سمع معاوية يقرأ حامية فقال حمئة فبعث معاوية إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب قال في ماء وطين كذلك نجده في التوراة {ووجد عندها} عند تلك العين {قوما} قيل كان لباسهم جلود الوحش وطعامهم ما لفظه البحر وكانوا كفارا فخيره اللّه بين أن يعذبهم أو يدعوهم إلى الإيمان كما حكى بقوله {قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب} أي بالقتل على كفرهم {وإما أن تتخذ فيهم حسنا} بالإرشاد وتعليم الشرائع وقيل خيره اللّه بين القتل والأسر وسماه إحسانا في مقابلة القتل ويؤيده الأول وقوله ٨٧ {قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا} أي فاختار الدعوة وقال أما من دعوته فظلم نفسه بالإصرار على كفره أو استمر على ظلمه الذي هو الشرك فنعذبه أنا ومن معي في الدنيا بالقتل ثم يعذبه اللّه في الآخرة عذابا منكرا لم يعهد مثله ٨٨ {وأما من آمن وعمل صالحا} وهو ما يقتضيه الإيمان {فله} في الدارين {جزاء الحسنى} فعلته الحسنى وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص جزاء منونا منصوبا على الحال أي فله المثوبة الحسنى مجزيا بها أو على المصدر لفعله المقدر حالا أي يجزي بها جزاء أو التمييز وقرئ منصوبا غير منون على أن تنوينه حذف لالتقاء الساكنين ومنونا مرفوعا على انه المبتدأ و الحسنى بدله ويجوز أن يكون أما وما للتقسيم دون التخيير أي ليكن شأنك معهم أما التعذيب واما الاحسان فالأول لمن اصر على الكفر والثاني لمن تاب عنه ونداء اللّه إياه أن كان نبيا فبوحي وان كان غيره فبإلهام أو على لسان نبي {وسنقول له من أمرنا} بما نأمر به {يسرا} سهلا ميسرا غير شاق وتقديره ذا يسر وقرئ بضمتين ٨٩ {ثم اتبع سببا} ثم اتبع طريقا يوصله إلى المشرق ٩٠ {حتى إذا بلغ مطلع الشمس} يعني الموضع الذي تطلع الشمس عليه اولا من معمورة الأرض وقرئ بفتح اللام على اضمار مضاف أي مكان مطلع الشمس فإنه مصدر {وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا} من اللباس أو البناء فإن ارضهم لا تمسك الابنية أو انهم اتخذوا الاسراب بدل الابنية ٩١ {كذلك} أي أمر ذي القرنين كما وصفناه في رفعة المكان وبسطة الملك أو أمره فيهم كأمره في أهل المغرب من التخيير والاختيار ويجوز أن يكون صفة مصدر محذوف لوجد أو نجعل أو صفة قوم أي على قوم مثل ذلك القبيل الذي تغرب علهيم الشمس في الكفر والحكم {وقد احطنا بما لديه} من الجنود الآلات والعدد والاسباب {خبرا} علما تعلق بظواهره وخفاياه والمراد أن كثرة ذلك بلغت مبلغا لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير ٩٢ {ثم اتبع سببا} يعني طريقا ثالثا معرضا بين المشرق والمغرب آخذا من الجنوب إلى الشمال ٩٣ {حتى إذا بلغ بين السدين} بين الجبلين المبني بينهما سده وهما جبلا أرمينية واذربيجان وقيل جبلان منفان في اواخر الشمال في منقطع ارض الترك من ورائهما يأجوج ومأجوج وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر ويعقوب {بين السدين} بالضم وهما لغتان وقيل المضموم لخا خلقه اللّه تعالى والمفتوح لما عمله الناس لانه في الأصل مصدر سمي به حدث يحدثه الناس وقيل بالعكس وبين ها هنا مفعول به وهو من الظروف المتصرفة {وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا} لغرابة لغتهم وقلة فطنتهم وقرأ حمزة والكسائي {لا يفقهون} أي لا يفهمون السامع كلامهم ولا يبينونه لتلعثمهم فيه ٩٤ {قالوا يا ذا القرنين} أي قال مترجمهم وفي مصحف ابن مسعود قال الذين من دونهم {إن يأجوج ومأجوج} قبيلتان من ولد يافث بن نوح وقيل يأجوج من الترك ومأجوج من الجيل وهما اسمان اعجميان بدليل منع الصرف وقيل عربيان من أج الظليم إذا أسرع واصلهما الهمز كما قرأ عاصم ومنع صرفهما للتعريف والتأنيث {مفسدون في الأرض} أي في ارضنا بالقتل والتخريب واتلاف الزرع قيل كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يتركون اخضر إلا اكلوه ولا يابسا إلا احتملوه وقيل كانوا يأكلون الناس {فهل نجعل لك خرجا} نخرجه من اموالنا وقرأ حمزة والكسائي خراجا وكلاهما واحد كالنول والنوال وقيل الخراج على الأرض والذمة والخرج المصدر {على أن تجعل بيننا وبينهم سدا} يحجز دون خروجهم علينا وقد ضمه من ضم السدين غير حمزة والكسائي ٩٥ {قال ما مكني فيه ربي خير} ما جعلني فيه مكينا من المال والملك خير مما تبذلون لي من الخراج ولا حاجة بي إليه وقرأ ابن كثير مكنني على الأصل {فأعينوني بقوة} أي بقوة فعلة أو بما أتقوى به من الآلات {اجعل بينكم وبينهم ردما} حاجزا حصينا وهو اكبر من السد من قولهم ثوب مردم إذا كان رقاعا فوق رقاع ٩٦ {آتوني زبر الحديد} قطعه والزبرة القطعة الكبيرة وهو لا ينافي رد الخراج والاقتصار على المعونة لان الايتاء بمعنى المناولة ويدل عليه قرأءة أبي بكر ردما ائتوني بكسر التنوين موصولة الهمزة على معنى جيئوني بزبر الحديد والباء محذوفة حذفها في امرتك الخير ولان اعطاء الآلة من الاعانة بالقوة دون الخراج على العمل {حتى إذا ساوى بين الصدفين} بين جانبي الجبلين بتنضيدها وقرأ ابن كثير وابن عامر والبصريان بضمتين أبو بكر بضم الصاد وسكون الدال وقرئ بفتح الصاد وضم الدال وكلها لغات من الصدف وهو الميل لان كلا منهما منعزل عنالاخر ومنه التصادف للتقابل {قال انفخوا} أي قال للعملة انفخوا في الاكوار والحديد {حتى إذا جعله} جعل المنفوخ فيه {نارا} كالنار بالاحماء {قال آتوني افرغ عليه قطرا} أي اتوني قطرا أي نحاسا مذابا أفرغ عليه قطرا فحذف الأول لدلالة الثاني عليه وبه تمسك البصريون على أن أعمال الثاني من العاملين المتوجهين نحو معمول واحد اولى إذ لو كان قطرا مفعول افرغ حذرا من الالباس وقرأ حمزة وأبو بكر قال أتوني موصولة الألف ٩٧ {فما اسطاعوا} بحذف التاء حذرا من تلاقي متقاربين وقرأ حمزة بالادغام جامعا بين الساكنين على غير حده وقرئ بقلب السين صادا {أن يظهروه} أن يعلوه بالصعود لارتفاعه وانملاسه {وما استطاعوا له نقبا} لثخنه وصلابته وقيل حفر للاساس حتى بلغ الماء وجعله من الصخر والنحاس المذاب والبنيان من زبر الحديد بينهما الحطب والفحم حتى ساوى اعلى الجبلين ثم وضع المنافيخ حتى صارت كالنار فصب النحاس المذاب عليه فاختلط والتصق بعضه ببعض وصار جبلا صلدا وقيل بناه من الصخور مرتبطا بعضها ببعض بكلاليب من حديد ونحاس مذاب في تجاويفها ٩٨ {قال هذا} هذا السد أو الاقدار على تسويته {رحمة من ربي} على عباده {فإذا جاء وعد ربي} وقت وعده بخروج يأجوج ومأجوج أو بقيام الساعة بأن شارف يوم القيامة {جعله دكا} مدكوكا مبسوطا مسوى بالأرض مصدر بمعنى مفعول ومنه جمل ادك لمنبسط السنام وقرأ الكوفيون دكاء بالمد أي ارضا مستوية {وكان وعد ربي حقا} كائا لا محالة وهذا آخر حكاية قول ذي القرنين ٩٩ {وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض} وجعلنا بعض يأجوج ومأجوج حين يخرجون مما وراء السد يموجون في بعض مزدحمين في البلاد أو يموج بعض الخلق في بعض فيضطربون ويختلطون انسهم وجنهم حيارى ويؤيده قوله {ونفخ في الصور} لقيام الساعة {فجمعناهم جمعا} للحساب والجزاء ١٠٠ {وعرضنا جهنم يومئذ للكافين عرضا} وابرزناها واظهرناها لهم ١٠١ {الذين كانت اعينهم في غطاء عن ذكري} عن آياتي التي ينظر إليها فاذكر بالتوحيد والتعظيم {وكانوا لا يستطيعون سمعا} استماعا لذكري وكلامي لإفراط صممهم عن الحق فإن الاصم قد يستطيع السمع إذا صيح به وهؤلاء كأنهم اصمت مسامعهم بالكلية ١٠٢ {افحسب الذين كفروا} افظنوا والاستفهام للانكار {أن يتخذوا عبادي} اتخاذهم الملائكة والمسيح {من دوني اولياء} معبودين نافعهم أولا أعذبهم به فحذف المفعول الثاني كما يحذف الخبر للقرينة أو سد أن يتخذوا مسد مفعوليه وقرئ {أفحسب الذين كفروا} أي إفكا فيهم في النجاة وان بما في حيزها مرتفع بأنه فاعل حسب فإن النعت إذا اعتمد على الهمزة ساوى الفعل في العمل أو خبر له {إنا اعتدنا جهنم للكافرين نزلا} ما يقام للنزيل وفيه تهكم وتنبيه على أن لهم وراءها من العذاب ما تستحقر دونه ١٠٣ {قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا} نصب على التمييز وجمع لأنه من أسماء الفاعلين أو لتنوع أعمالهم ١٠٤ {الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا} ضاع وبطل لكفرهم وعجبهم كالرهابنة فإنهم خسروا دنياهم واخراهم ومحله الرفع على الخبر المحذوف فأنه جواب السؤال أو الجر على البدل أو النصب على الذم {أنهم يحسنون صنعا} بعجبهم واعتقادهم انهم على الحق ١٠٥ {أولئك الذين كفروا بآيات ربهم} بالقرآن أو بدلائله المنصوبة على التوحيد والنبوة {ولقائه} بالبعث على ما هو عليه أو لقاء عذابه {فحبطت أعمالهم} بكفرهم فلا يثابون عليها {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا} فنزدري بهم ولا نجعل لهم مقدارا واعتبارا أو لا نضع لهم ميزانا يوزن به أعمالهم لانحباطها ذلك أي الأمر ١٠٦ {ذلك} وقوله {جزاؤهم جهنم} جملة مبينة له ويجوز أن يكون ذلك مبتدأ والجملة خبره والعائد محذوف أي جزاؤهم به أو جزاؤهم بدله و جهنم خبره أو جزاؤهم خبره و جهنم عطف بيان للخبر {بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا} أي بسبب ذلك ١٠٧ {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا} فيما سبق من حكم اللّه ووعده و الفردوس اعلى درجات الجنة واصله البستان الذي يجمع الكرم والنخل ١٠٨ {خالدين فيها} حال مقدرة {لا يبغون عنها حولا} تحولا إذ لا يجدون اطيب منها حتى تنازعهم إليه أنفسهم ويجوز أن يراد به تأكيد الخلود ١٠٩ {قل لو كان البحر مدادا} ما يكتب به وهو اسم ما يمد الشيء كالحبر للدواة والسليط للسراج {لكلمات ربي} لكلمات علمه وحكمته {لنفد البحر} لنفد جنس البحر بأمره لأن كل جسم متناه {قبل أن تنفد كلمات ربي} فإنها غير متناهية لا تنفد كعلمه وقرأ حمزة والكسائي بالياء {ولو جئنا بمثله} بمثل البحر الموجود {مددا} زيادة ومعونة لان مجموع المتناهين متناه بل مجموع ما يدخل في الوجود من الأجسام لا يكون إلا متناهيا للدلائل القاطعة على تناهي الابعاد والمتناهي ينفذ قبل أن ينفد غير المتناهي لا محالة وقرئ ينفد بالياء و مددا بكسر الميم جمع مدة وهي ما يستمده الكاتب ومدادا وسبب نزولها أن اليهود قالوا في كتابكم {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا}[البقرة:٢٦٩] وتقرؤون {وما اوتيتم من العلم إلا قليلا}[الإسراء:٨٥] ١١٠ {قل إنما أنا بشر مثلكم} لا ادعي الاحاطة على كلماته {يوحي الي إنما الهكم اله واحد} وانما تميزت عنكم بذلك {فمن كان يرجو لقاء ربه} يؤمل حسن لقائه أو يخاف سوء لقائه {فليعمل عملا صالحا} يرتضيه اللّه {ولا يشرك بعبادة ربه احدا} بأن يرائيه أو يطلب منه اجرا روي أن جندب بن زهير قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إني لاعمل العمل للّه فإذا اطلع عليه سرني فقال: إن اللّه لا يقبل ما شورك فيه فنزلت تصديقا له وعنه صلى اللّه عليه وسلم اتقوا الشرك الاصغر قالوا وما الشرك الاصغر قال: الرياء والاية جامعة لخلاصتي العلم والعمل وهما التوحيد والاخلاص في الطاعة وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم: من قرأها عند مضجعه كان له نورا في مضجعه يتلألأ إلى مكة حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يقوم فإن كان مضجعه بمكة كان له نورا يتلألأ من مضجعه إلى البيت المعمور حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يستيقظ وعنه صلى اللّه عليه وسلم: من قرأ سورة الكهف من آخرها كانت له نورا من قرنه إلى قدمه ومن قرأها كلها كانت له نورا من الأرض إلى السماء |
﴿ ٠ ﴾