تفسير البيضاوي: أنوار التنزيل و أسرار التأويل أبو سعيد عبد اللّه بن عمر بن محمد بن علي البيضاوي الشيرازي الفارسي، ناصر الدين، القاضي الشافعي (ت ٦٨٥ هـ ١٢٨٦ م) _________________________________ سورة القصص سورة القصص مكية وقيل إلا قوله تعالى الذين آتيناهم الكتاب إلى قوله لا نبتغي الجاهلين وهي ثمان وثمانون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {طسم} ٢ {تلك آيات الكتاب المبين} ٣ {نتلو عليك} نقرؤه بقرأءة جبريل ويجوز أن يكون بمعنى ننزله مجازا {من نبأ موسى وفرعون} بعض نبئهما مفعول نتلو {بالحق} محقين {لقوم يؤمنون} لأنهم المنتفعون به ٤ {إن فرعون علا في الأرض} استئناف مبين لذلك البعض والأرض ارض مصر {وجعل أهلها شيعا} فرقا يشيعونه فيما يريد أو يشيع بعضهم بعضا في طاعته أو اصنافا في استخدامه استعمل كل صنف في عمل أو احزابا بأن أغرى بينهم العداوة كي لا يتفقوا عليه {يستضعف طائفة منهم} وهم بنو إسرائيل والجمة حال من فاعل جعل أو صفة ل شيعا أو استئناف وقوله {يذبح ابناءهم ويستحيي نساءهم} بدل منها وكان ذلك لأن كاهنا قال له يولد مولود في بني إسرائيل يذهب ملكك على يده وذلك كان من غاية حمقه فإنه لو صدق لم يندفع بالقتل وإن كذب فما وجهه إن {إِنَّهُ كَانَ من المفسدين} فلذلك اجترأ على قتل خلق كثير من أولاد الأنبياء لتخيل فاسد ٥ {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض} أن نتفضل عليهم بإنقاذهم من بأسه ونريد حكاية حال ماضية معطوفة على {أن فرعون علا في الأرض} [القصص:٤] من حيث انهما واقعان تفسير لل نبأ أو حال من يستضعف ولا يلزم من مقارنة الارادة للاستضعاف مقارنة المراد له لجواز أن يكون تعلق الارادة به حينئذ تعلقا استقباليا مع أن منة اللّه بخلاصهم لما كانت قريبة الوقوع منه جاز أن تجري مجرى المقارن {ونجعلهم ائمة} مقدمين في أمر الدين {ونجعلهم الوارثين} لما كان في ملك فرعون وقومه ٦ {ونمكن لهم في الأرض} ارض مصر والشام واصل التمكين أن تجعل للشيء مكانا يتمكن فيه ثم استعير للتسليط واطلاق الأمر {ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم} من بني إسرائيل {ما كانوا يحذرون} من ذهاب ملكهم وهلاكهم على يد مولود منهم وقرأ حمزة والكسائي ويري بالياء و {فرعون وهامان وجنودهما} بالرفع ٧ {وأوحينا إلى أم موسى} بالهام أو رؤيا {أن أرضعيه} ما أمكنك اخفاؤه {فإذا خفت عليه} بأن يحس به {فألقيه في اليم} في البحر يريد النيل {ولا تخافي} عليه ضيعة ولا شدة {ولا تحزني} لفراقه {إنا رادوه إليك} عن قريب بحيث تأمنين عليه {وجاعلون من المرسلين} روي إنها لما ضر بها الطلق دعت قابلة من الموكلات بحبالى بني إسرائيل فعالجتها فلما وقع موسى على الأرض هالها نور بين عينيه وارتعشت مفاصلها ودخل حبه في قلبها بحيث منعها من السعاية فأرضعته ثلاثة اشهر ثم الح فرعون في طلب الماليد واجتهد العيون في تفحصها فأخذت له تابوتا فقذفته في النيل ٨ {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا} تعليل لالتقاطهم إياه بما هو عاقبته ومؤداه تشبيها له بالغرض الحامل عليه وقرأ حمزة والكسائي وحزنا {إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين} في كل شيء فليس ببدع منهم أن قتلوا ألوفا لأجله ثم اخذوه يربونه ليكبر ويفعل بهم ما كانوا يحذرون أو مذنبين فعاقبهم اللّه تعالى بأن ربى عدوهم على أيديهم فالجملة اعتراض لتأكيد خطئهم أو لبيان الموجب لما ابتلوا به وقرئ خاطين تخفيف خاطئين أو خاطين الصواب إلى الخطأ ٩ {وقالت امرأة فرعون} أي لفرعون حين أخرجته من التابوت {قرة عين لي ولك} هو قرة عين لنا لأنهما لما رأياه أخرج من التابوت أحباه أو لأنه كانت له ابنة برصاء وعالجها الاطباء بريق حيوان بحري يشبه الإنسان فلطخت برصها بريقه فبرئت وفي الحديث: انه قال لك لا لي ولو قال هو لي كما هو لك لهداه اللّه كما هداها {لا تقتلوه} خطاب بلفظ الجمع للتعظيم {عسى أن ينفعنا} فإن فيه مخايل اليمن ودلائل النفع وذلك لما رأت من نور بين عينيه وارتضاعه إبهامه لبنا وبرئ البرصاء بريقه {أو نتخذه ولدا} أو نتبناه فإنه أهل له {وهم لا يشعرون} حال من الملتقطين أو من القائلة والمقول له أي وهم لا يشعرون انهم على الخطأ في التقاطه أو في طمع النفع منه والتبني له أو من أحد ضميري نتخذه على أن الضمير للناس أي {وهم لا يشعرون} انه لغيرنا وقد تبنيناه ١٠ {وأصبح فؤاد أم موسى فارغا} صفرا من العقل لما دهمها من الخوف والحيرة حين سمعت بوقوعه في يد فرعون كقوله تعالى {وأفئدتهم هواء} [ابراهيم:٤٣] أي خلاء لا عقول فيها ويؤيده انه قرئ فرغا من قولهم دماؤهم بينهم فرغ أي هدر أو من الهم لفرط وثوقها بوعد اللّه تعالى أو سماعها أن فرعون عطف عليه وتبناه {ان كادت لبتدي به} إنها كادت لتظهر بموسى أي بأمره وقصته من فرط الضجر أو الفرح لتبنيه {لولا أن ربطنا على قلبها} بالصبر والثبات {لتكون من المؤمنين} من المصدقين بوعد اللّه أو من الواثقين بحفظه لا بتبني فرعون وعطفه وقرئ موسى اجراء للضمة في جوار الواو مجرى ضمتها في استدعاء همزها همز واو وجوه وهو علة الربط وجواب لولا محذوف دل عليه ما قبله ١١ {وقالت لاخته} مريم {قصيه} ابتعي أثره وتتبعي خبره {فبصرت به عن جنب} عن بعد وقرئ عن جانب و {عن جنب} وهو بمعناه {وهم لا يشعرون} إنها تقص أو إنها اخته ١٢ {وحرمنا عليه المراضع} ومنعناه أن يرتضع من المرضعات جمع مرضع أو مرضع وهو الرضاع أو موضع يعني الثدي {من قبل} من قبل قصها اثره {قالت هل ادلكم على أهل بيت} يكفلونه لكم لاجلكم {وهم له ناصحون} لا يقصرون في ارضاعه وتربيته روي أن هامان لما سمعه قال إنها لتعرفه وأهله فخذوها حتى تخبر بحاله فقالت إنما اردت وهم للملك ناصحون فأمرها فرعون أن تأتي بمن يكفله فأتت بأمها وموسى على يد فرعون يبدي وهو يعللّه فلما وجد ريحها استأنس والتقم ثديها فقال لها من أنت منه فقد أبى كل ثدي إلا ثديك فقالت أني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا اوتى بصبي إلا قبلني فدفعه إليها واجرى عليها فرجعت به إلى بيتها من يومها وهو قوله تعالى ١٣ {فرددناه إلى أُمِّهِ كي تقر عينها} بولدها {ولا تحزن} بفراقه {ولتعلم أن وعد اللّه حق} علم مشاهدة {ولكن أكثرهم لا يعلمون} أن وعده حق فيرتابون فيه أو أن الغرض الاصلي من الرد علمها بذلك وما سواه تبع وفيه تعريض بما فرط منها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون ١٤ {ولما بلغ أشده} مبلغه الذي لا يزيد عليه نشؤه وذلك من ثلاثين إلى أربعين سنة فإن العقل يكمل حينئذ وروي انه لم يبعث نبي إلا على رأس الأربعين سنة {واستوى} قده أو عقله {آتيناه حكما} أي نبوة {وعلما} بالدين أو علم الحكماء والعلماء سمتهم قبل استنبائه فلا يقول ولا يفعل ما يستجهل فيه وهو اوفق لنظم القصة لان الاستنباء بعد الهجرة في المراجعة {وكذلك} ومثل الذي فعلنا بموسى وأمه {نجزي المحسنين} على احسانهم ١٥ {ودخل المدينة} ودخل مصر آتيا من قصر فرعون وقيل منف أو حائين أو عين شمس من نوماحيها {على حين غفلة من أهلها} في وقت لا يعتاد دخولها ولا يتوقعونه فيه قيل كان وقت القيل ولة وقيل بين العشاءين {فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا مِنْ شيعته وهذا من عدوه} أحدهما ممن شايعه على دينه وهم بنو إسرائيل والآخر من مخالفين وهم القبط والاشارة على الحكاية {فاستغاثه الذي من شيعته على الذي} هو {من عدوه} فسأله أن يغيثه بالاعانة ولذلك عدي ب على وقرئ استعانه {فوكزه موسى} فضرب القبطي بجمع كفه وقرئ فلكزه أي فضرب به صدره {فقضى عليه} فقتله واصله فأنهى حياته من قوله {وقضينا إليه ذلك الأمر} [الحجر:٦٦] {قال هذا من عمل الشيطان} لانه لم يؤمر بقتل الكفار أو لأنه كان مأمونا فيهم فلم يكن له اغتيالهم ولا يقدح ذلك في عصمته لكونه خطأ وإنما عده من عمل الشيطان وسماه ظلما واستغفر منه على عادتهم في استعظام محقرات فرطت منهم {إنه عدو مضل مبين} ظاهر العداوة ١٦ {قال رب أني ظلمت نفسي} بقتله {فاغفر لي} ذنبي {فغفر له} لاستغفاره {إنه هو الغفور} لذنوب عباده {الرحيم} بهم ١٧ {قال رب بما انعمت علي} قسم محذوف الجواب أي اقسم بإنعامك علي بالمغفرة وغيرها لأتوبن {فلن أكون ظهيرا للمجرمين} أو استعطاف أي بحق انعامك على عصمني فلن أكون معينا لمن ادت معاونته إلى جم وعن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما انه لم يستثن فابتلي به مرة أخرى وقيل معناه بما انعمت علي من القوة اعين اولياءك فلن استعملها في مظاهرة اعدائك ١٨ {فأصبح في المدينة خائفا يترقب} يترقب الاستفادة {فإذا الذي استنصره بالامس يستصرخه} يستغيثه مشتق من الصراخ {قال له موسى انك لغوي مبين} بين الغواية لانك تسببت لقتل رجل وتقاتل آخر ١٩ {فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما} لموسى والاسرائيلي لانه لم يكن على دينهما ولان القبط كانوا أعداء لبني إسرائيل {قال يا موسى اتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالامس} قاله الاسرائيلي لأنه لما سماه غويا ظن أنه يبطش عليه أو القبطي وكأنه توهم من قوله أنه الذي قتل القبطي بالامس لهذا الاسرائيلي {إن تريد} ما تريد {إلا أن تكون جبارا في الأرض} تطاول على الناس ولا تنظر في العواقب {وما تريد أن تكون من المصلحين} بين الناس فتدفع التخاصم بالتي هي احسن ولما قال هذا انتشر الحديث وارتقى إلى فرعون وملئه وهموا بقتله فخرج مؤمن آل فرعون وهو ابن عمه ليخبره كما قال تعالى ٢٠ {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى} يسرع صفة رجل أو حال منه إذا جعل من أقصى المدينة صفة له لا صلة لجاء لأن تخصيصه بها يلحقه بالمعارف {قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك} يتشاورون بسببك وانما سمي التشاور ائتمارا لأن كلا من المتشاورين يأمر الآخر ويأتمر {فاخرج إني لك من الناصحين} اللام للبيان وليس صلة ل الناصحين لأن معمول الصلة لا يتقدم الموصول ٢١ {فخرج منها} من المدينة {خائفا يترقب} لحوق طالب {قال رب نجني من القوم الظالمين} خلصني منهم واحفظني من لحوقهم ٢٢ {ولما توجه من تلقاء مدين} قبالة مدين قرية شعيب سميت باسم مدين بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام ولم تكن في سلطان فرعون وكان بينها وبين مصر مسيرة ثمان {قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل} توكلا على اللّه وحسن ظن به وكان لا يعرف الطريق فعن له ثلاث طرق فأخذ في اوسطها وجاء الطلاب عقيبه فأخذوا في الآخرين ٢٣ {ولما ورد ماء مدين} وصل إليه وهو بئر كانوا يسقون منها {وجد عليه} وجد فوق شفيرها {أمة من الناس} جماعة كثيرة مختلفين {يسقون} مواشيهم {ووجد من دونهم} في مكان اسفل من مكانهم {امرأتين تذودان} تمنعان اغنامهما عن الماء لئلا تختلط بأغنامهم {قال ما خطبكما} ما شأنكما تذودان {قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء} تصرف الرعاة مواشيهم عن الماء حذرا عن مزاحمة الرجال وحذف المفعول لأن الغرض هو بيان ما يدل على عفتهما ويدعوه إلى السقي لهما ثم دونه وقرأ أبو عمرو وابن عامر يصدر أي ينصرف وقرئ الرعاء بالضم وهو اسم جمع كالرخال {وأبونا شيخ كبير} كبير السن لا يستطيع أن يخرج للسقي فيرسلنا اضطرارا ٢٤ {فسقى لهما} مواشيهما رحمة عليهما قيل كانت الرعاة يضعون على رأس البئر حجرا لا يقله إلا سبعة رجال أو اكثر فأقله وحده مع ما كان به من الوصب والجوع وجراحة القدم وقيل كانت بئرا أخرى عليها صخرة فرفعها واستقى منها {ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت الي} لأي شيء انزلت الي {من خير} قليل أو كثير وحمله الاكثرون على الطعام {فقير} محتاج سائل ولذلك عدي باللام وقيل معناه أني لما انزلت إلى من خير الدين صرت فقيرا في الدنيا لانه كان في سعة عند فرعون والغرض منه اظهار التبجح والشكر على ذلك ٢٥ {فجاءته إحداهما تمشي على استحياء} أي مستحيية متخفرة قيل كانت الصغرة منهما وقيل الكبرى واسمها صفوراء أو صفراء وهي التي تزوجها موسى عليه السلام {قالت إن أبي يدعوك ليجزيك} ليكافئك {اجر ما سقيت لنا} جزاء سقيك لنا ولعل موسى عليه الصلاة والسلام إنما اجابها ليتبرك برؤية الشيخ ويستظهر بمعرفته لا طمعا في الاجر بل روي انه لما جاءه قدم إليه طعاما فامتنع عنه وقال إنا هل بيت لا نبيع ديننا بالدنيا حتى قال له شعيب عليه الصلاة والسلام هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا هذا وأن كل من فعل معروفا فأهدي بشيء لم يحرم أخذه {فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين} يريد فرعون وقومه ٢٦ {قالت إحداهما} يعني التي استدعته {يا أبت استأجره} لرعي الغنم {إن خير من استأجرت القوي الامين} تعليل شائع يجري مجرى الدليل على انه حقيق بالاستئجار وللمبالغة فيه جعل خير اسما وذكر الفعل بلفظ الماضي لدلالة على أنه امرؤ مجرب معروف روي أن شعيبا قال لها وما أعلمك بقوته فذكرت إقلال الحجر وأنه صوب رأسه حتى بلغته رسالته وأمرها بالمشي خلفه ٢٧ {قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني} أي تأجر نفسك مني أو تكون لي أجيرا أو تثيبني من أجرك اللّه {ثماني حجج} ظرف على الأولين ومفعول به على الثالث بإضمار مضاف أي رعية ثماني حجج {فإن أتممت عشرا} علمت عشر حجج {فمن عندك} فإتمامه من عندك تفضلا لا من عندي إلزاما عليك وهذا استدعاء العقد لا نفسه فلعله جرى على أجره معينة وبمهر آخر أو برعية الأجل الأول ووعد له أن يوفي الأخير إن تيسر له قبل العقد وكانت الأغنام للمزوجة مع أنه يمكن اختلاف الشرائع في ذلك {وما أريد أن أشق عليك} بإلزام إتمام العشر أو المناقشة في مراعاة الأوقات واستيفاء الأعمال واشتقاق المشقة من الشق فإن ما يصعب عليك يشق عليك اعتقادك في إطاقته ورأيك في مزاولته {ستجدني إن شاء اللّه من الصالحين} في حسن المعاملة ولين الجانب والوفاء بالمعاهدة ٢٨ {قال ذلك بيني وبينك} أي ذلك الذي عاهدتني فيه قائم بيننا لا نخرج عنه {أيما الأجلين} أطولهما أو أقصرهما {قضيت} وفيتك إياه {فلا عدوان علي} لا تعتدي علي بطلب الزيادة فكما لا أطالب بالزيادة على العشر لا أطالب بالزيادة على الثمان أو فلا أكون متعديا بترك الزيادة عليه كقولك لا إثم علي وهو أبلغ في إثبات الخيرة وتساوي الأجلين في القضاء من أن يقال إن قضيت الأقصر فلا عدوان علي وقرئ أيما كقوله تنظرت نصرا والسماكين أيما علي من الغيث استهلت مواطره وأي الأجلين ما قضيت فتكون ما مزيدة لتأكيد الفعل أي أي الأجلين جردت عزمي لقضائه وعدوان بالكسر {واللّه على ما نقول} من المشارطة {وكيل} شاهد حفيظ ٢٩ {فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله} بامرأته روي أنه قضى أقصى الأجلين ومكث بعد ذلك عنده عشرا أخرى ثم عزم على الرجوع {آنس من جانب الطور نارا} أبصر من الجهة التي تلي الطور {قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر} بخبر الطريق {أو جذوة} عود غليظ سواء كان في رأسه نار أو لم يكن قال باتت حواطب ليلى يلتمسن لها جزال الجذى غير خوار ولا دعر وقال آخر وألقى على قبس من النار جذوة شديدا عليه حرها والتهابها ولذلك بينه بقوله {من النار} وقرأ عاصم بالفتح وحمزة بالضم وكلها لغات {لعلكم تصطلون} تستدفئون بها ٣٠ {فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن} أتاه النداء من الشاطئ الأيمن لموسى {في البقعة المباركة} متصل بالشاطئ أو صلة ل نودي {من الشجرة} بدل من شاطئ بدل الاشتمال لأنها كانت ثابتة على الشاطئ {أن يا موسى} أي يا موسى {إني أنا اللّه رب العالمين} هذا وإن خالف ما في طه والنمل لفظا فهو طبقة في المقصود ٣١ {وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز} أي فألقاها فصارت ثعبانا واهتزت {فلما رآها تهتز} {كأنها جان} في الهيئة والجثة أو في السرعة {ولى مدبرا} منهزما من الخوف {ولم يعقب} ولم يرجع {يا موسى} نودي يا موسى {أقبل ولا تخف إنك من الآمنين} من المخاوف فإنه {لايخاف لدي المرسلون} [النمل:١٠] ٣٢ {اسلك يدك في جيبك} أدخلها {تخرج بيضاء من غير سوء} عيب {واضمم إليك جناحك} يديك المبسوطتين تتقي بهما الحية كالخائف الفزع بإدخال اليمنى تحت عضد اليسرى وبالعكس أو بإدخالهما في الجيب فيكون تكريرا لغرض آخر وهو أن يكون ذلك في وجه العدو إظهار جراءة ومبدأ لظهور معجزة ويجوز أن يراد بالضم التجلد والثبات عند انقلاب العصا حية استعارة من حال الطائر فإنه إذا خاف نشر جناحيه وإذا أمن واطمأن ضمهما إليه {من الرهب} من أجل الرهب أي إذا عراك الخوف فافعل ذلك تجلدا وضبطا لنفسك وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر بضم الراء وسكون الهاء وقرئ بضمهما وقرأ حفص بالفتح والسكون والكل لغات {فذانك} إشارة إلى العصا واليد وشدده ابن كثير وأبو عمرو ورويس {برهانان} حجتان وبرهان فعلان لقولهم أبره الرجل إذا جاء بالبرهان من قولهم بره الرجل إذا ابيض ويقال برهاء وبرهرهة للمرأة البيضاء وقيل فعلال لقولهم برهن {من ربك} مرسلا بهما {إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين} فكانوا أحقاء بأن يرسل إليهم ٣٣ {قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون} بها ٣٤ {وأخي هرون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا} معينا وهو في الأصل اسم ما يعان به كالدفء وقرأ نافع ردا بالتخفيف {يصدقني} بتخليص الحق وتقرير الحجة وتزييف الشبهة {إني أخاف أن يكذبون} ولساني لا يطاوعني عند المحاجة وقيل المراد تصديق القوم لتقريره وتوضيحه لكنه أسند إليه إسناد الفعل إلى السبب وقرأ عاصم وحمزة يصدقني بالرفع على أنه صفة والجواب محذوف ٣٥ {قال سنشد عضدك بأخيك} سنقويك به فإن قوة الشخص بشدة اليد على مزاولة الأمور ولذلك يعبر عنه باليد وشدتها بشدة العضد {ونجعل لكما سلطانا} غلبة أو حجة {فلا يصلون إليكما} باستيلاء أو حجاج {بآياتنا} متعلق بمحذوف أي اذهبا بآياتنا أو ب نجعل نسلطكما بها أو بمعنى لا يصلون أي تمتنعون منهم أو قسم جوابه لا يصلون أو بيان ل الغالبون في قوله {أنتما ومن اتبعكما الغالبون} بمعنى أنه صلة لما بينه أو صلة له على أن اللام فيه للتعريف لا بمعنى الذي ٣٦ {فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى} سحر تختلقه لم يفعل قبل مثله أو سحر تعمله ثم تفتريه على اللّه أو سحر موصوف بالافتراء كسائر أنواع السحر {وما سمعنا بهذا} يعنون السحر أو ادعاء النبوة {في آبائنا الأولين} كائنا في أيامهم ٣٧ {وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده} فيعلم أني محق وأنتم مبطلون وقرأ ابن كثير قال بغير واو لأنه قال ما قاله جوابا لمقالهم ووجه العطف أن المراد حكاية القولين ليوازن الناظر بينهما فيميز صحيحهما من الفاسد {ومن تكون له عاقبة الدار} العاقبة المحمودة فإن المراد بالدار الدنيا وعاقبتها الأصلية هي الجنة لأنها خلقت مجازا إلى الآخرة والمقصود منها بالذات هو الثواب والعقاب إنما قصد بالعرض وقرأ حمزة والكسائي يكون بالياء {إنه لا يفلح الظالمون} لا يفوزون بالهدى في الدنيا وحسن العاقبة في العقبى ٣٨ {وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري} نفى علمه بإله غيره دون وجوده إذ لم يكن عنده ما يقتضي الجزم بعدمه ولذلك أمر ببناء الصرح ليصعد إليه ويتطلع على الحال بقوله {فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله} موسى كأنه توهم أنه لو كان لكان جسما في السماء يمكن الترقي إليه ثم قال {وإني لأظنه من الكاذبين} أو أراد أن يبني له رصدا يترصد منه أوضاع الكواكب فيرى هل فيها ما يدل على بعثه رسول وتبدل دولة وقيل المراد بنفي العلم نفي المعلوم كقوله تعالى أتنبئون اللّه بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض [يونس:١٨] فإن معناه بما ليس فيهن وهذا من خواص العلوم الفعلية فإنها لازمة لتحقق معلوماتها فيلزم من انتفائها لك انتفائها ولا كذلك العلوم الانفعالية قيل أول من اتخذ الآجر فرعون ولذلك أمر باتخاذه على وجه يتضمن تعليم الصنعة مع ما فيه من تعظم ولذلك نادى هامان باسمه ب يا في وسط الكلام ٣٩ {واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق} بغير استحقاق {وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون} بالنشور وقرأ نافع وحمزة والكسائي بفتح الياء وكسر الجيم ٤٠ {فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم} كما مر بيانه وفيه فخامة وتعظيم لشأن الآخذ واستحقار للمأخوذين كأنه أخذهم مع كثرتهم في كف وطرحهم في اليم ونظيره قوله تعالى {وما قدروا اللّه حق قدره} [الانعام:٦٧] والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه {فانظر} يا محمد {كيف كان عاقبة الظالمين} وحذر قومك عن مثلها ٤١ {وجعلناهم أئمة} قدوة للضلال بالحمل على الإضلال وقيل بالتسمية كقوله تعالى {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا} [الزّخرف:١٩] أو بمنع الألطاف الصارفة عنه {يدعون إلى النار} إلى موجباتها من الكفر والمعاصي {يوم القيامة لا ينصرون} بدفع العذاب عنهم ٤٢ {وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة} طردا عن الرحمة أو لعن اللاعنين يلعنهم الملائكة والمؤمنين {ويوم القيامة هم من المقبوحين} من المطرودين أو ممن قبح وجوههم ٤٣ {ولقد آتينا موسى الكتاب} التوراة {من بعدما أهلكنا القرون الأولى} أقوام نوح وهود وصالح ولوط {بصائر للناس} أنوارا لقلوبهم تتبصر بها الحقائق وتميز بين الحق والباطل {وهدى} إلى الشرائع التي هي سبل اللّه تعالى {ورحمة} لأنهم لو عملوا بها نالوا رحمة اللّه سبحانه تعالى {لعلهم يتذكرون} ليكونوا على حال يرجى منهم التذكر وقد فسر بالأرادة وفيه ما عرفت ٤٤ {وما كنت بجانب الغربي} يريد الوادي أو الطور فانه كان في شق الغرب من مقام موسى أو الجانب الغربي منه والخطاب لرسول اللّه ص أي ما كنت حاضرا {إذ قضينا إلى موسى الأمر} إذا اوحينا إليه الأمر الذي أردنا تعريفه {وما كنت من الشاهدين} للوحي إليه أو على الوحي إليه وهم السبعون المختارون الميقات والمراد الدلالة على أن اخباره عن ذلك من قبيل الأخبار عن المغيبات التي لا تعرف إلا بالوحي ولذلك استدرك عنه بقوله ٤٥ {ولكنا انشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر} أي ولكنا اوحينا إليك لانا انشأنا قرونا مختلفة عبد موسى فتطاولت عليهم المدد فحرفت الأخبار وتغيرت الشرائع واندرست العلوم فحذفت المستدرك واقام سببه مقامه {وما كنت ثاويا} مقيما {في أهل مدين} شعيب والمؤمنين به {تتلوا عليهم} تقرأ عليهم تعلما منهم {آياتنا} التي فيها قصتهم {ولكنا كنا مرسلين} اياك ومخبرين لك بها ٤٦ {وما كنت بجانب الطور إذ نادينا} لعل المراد به وقت ما اعطاه التوراة وبالأول حين ما استنبأه لانهما المذكوران في القصد {ولكن} علمناك {رحمة من ربك} وقرئت بالرفع على هذه {رحمة من ربك}. {لتنذر قوما} متعلق بالفعل المحذوف {ما أتاهم من نذير من قبلك} لوقوعهم في فترة بينك وبين عيسى وهي خمسمائة وخمسون سنة أو بينك وبين اسماعلي على أن دعوة موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام كانت مختصة ببني إسرائيل وما حواليهم {لعلهم يتذكرون} يتعظون ٤٧ {ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا ارسلت إلينا رسولا} لولا الأولى امتناعية والثانية تخضيضية واقعة في سياقها لأنها إنما اجيبت بالفاء تشبيها لها بالأمر مفعول يقولوا المعطوف على تصيبهم بالفاء المعطية معنى السببية المنهبهة على أن القول هو المقصود بان يكون سببا لانتفاء ما يجاب به وانه لا يصدر عنهم حتى تلجئهم العقوبة والجواب محذوف والمعنى لولا قولهم إذا اصابتهم عقوبة بسبب كفرهم ومعاصيهم ربنا هلا ارسلت إلينا رسولا يبلغنا اياتك فتتبعها ونكون من المصدقين ما ارسلناك أي إنما ارسلناك قطعا لعذرهم والزاما للحجة عليهم {فنتبع اياتك} يعني الرسول المصدق بنوع من المعجزات {ونكون من المؤمنين} ٤٨ {فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لَوْلاَ اوتي مثل ما اوتي موسى} من الكتاب جملة واليد والعصا وغيرها اقتراحا وتعنتا {أو لم يكفروا بما اوتي موسى من قبل} يعني أبناء جنسهم في الرأي والمذهب وهم كفرة زمان موسى أو كان فرعون عربيا من أولاد عاد {قالوا ساحران} يعني موسى وهارون أو موسى ومحمدا عليهما السلام {تظاهرا} تعاونا بأظهار تلك الخوارق أو بتوافق الكتابين وقرأ الكوفيون سحران بتقدير مضاف أو جعلهما سحرين مبالغة أو اسناد تظاهرهما إلى فعلهما دلالة على سبب الاعجاز وقرئ ظاهرا على الادغام {وقالوا أنا بكل كافرون} أي بكل منهما أو بكل الأنبياء ٤٩ {قل فائتوا بكتاب من عند اللّه هو اهدى منهما} مما انزل على موسى وعلى محمد ص واضمارهما لدلالة المعنى وهو يؤيد أن المراد بالساحرين موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام {اتبعه أن كنتم صادقين} أنا ساحران مختلفان وهذا من الشروط التي يراد بها الالزام والتبكيت ولعل مجيء حرف الشك للتهكم بهم ٥٠ {فان لم يستجيبوا لك} دعاءك إلى الاتيان بالكتاب الاهدى فحذف المفعول للعلم به ولان فعل الاستجابة يعدى بنفسه إلى الدعاء وباللام إلى الداعي فإذا عدي إليه حذف الدعا غالبا كقوله وداع يا من يجيب إلى الندا فلم يستجبه عند ذاك مجيب {فاعلم إنما يتبعون اهواءهم} إذ لو اتبعوا حجة لاتوا بها {ومن اضل ممن اتبع هواه} استفهام بمعنى النفي {بغير هدى من اللّه} في موضع الحال للتأكيدا أو التقييد فان هوى النفس قد يوافق الحق {أن اللّه لا يهدي القوم الظالمين} الذين ظلموا أنفسهم بالانهماك في اتباع الهوى ٥١ {ولقد وصلنا لهم القول} اتبعنا بعضه بعضا في الانزال ليتصل التذكير أو في النظم لتقرر الدعوة بالحجة والمواعظ بالمواعيد والنصائح بالعبر {لعلهم يتذكرون} فيؤمنون ويطيعون ٥٢ {الذين اتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون} نزلت في مؤمني أهل الكتاب وقيل في أربعين من أهل الانجيل اثنان وثلاثون جاءوا مع جعفر من الحبشة وثمانية من الشام والضمير في من قبله للقران كالمستكين في ٥٣ {وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به} أي بأنه كلام اللّه تعالى {انه الحق من ربنا} استئناف لبيان ما أوجب إيمانهم به {أنا كنا من قبله مسلمين} استئناف آخر الدلالة على أن إيمانهم به ليس مما أحدثوه حينئذ وانما هو أمر تقادم عهده لما رأوا ذكره في الكتب المتقدمة وكونهم على دين الإسلام قبل نزول القران أو تلاوته عليهم باعتقادهم صحته في الجملة ٥٤ {أولئك يؤتون أجرهم مرتين} مرة على إيمانهم بكتابهم ومرة على إيمانهم بالقران {بما صبروا} بصبرهم وثباتهم على الإيمانين أو على الإيمان بالقرآن قبل النزول وبعده أو على أذى المشركين ومن هاجرهم من أهل دينهم {ويدرءون بالحسنة السيئة} ويدفعون بالطاعة المعصية لقوله صلى اللّه عليه وسلم: أتبع السيئة الحسنة تمحها {ومما رزقناهم ينفقون} في سبيل الخير ٥٥ {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه} تكرما {وقالوا} اللاغين {لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم} متاركة لهم وتوديعا أو دعاء لهم بالسلامة عما هم فيه {لا نبتغي الجاهلين} لا نطلب صحبتهم ولا نريدها ٥٦ {إنك لا تهدي من أحببت} لا تقدر على أن تدخلهم في الإسلام {ولكن اللّه يهدي من يشاء} فيدخله في الإسلام {وهو أعلم بالمهتدين} بالمستعدين لذلك والجمهور على أنها نزلت في أبي طالب فإنه لما احتضر جاءه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال: يا عم قل لا إله إلا اللّه كلمة أحاج لك بها عند اللّه قال يا ابن أخي قد علمت إنك لصادق ولكن أكره أن يقال خدع عند الموت ٥٧ {وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا} نخرج منها نزلت في الحرث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال نحن نعلم أنك على الحق ولكنا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب وإنما نحن أكلة رأس أن يتخطفونا من أرضنا فرد اللّه عليهم بقوله {أو لم نمكن لهم حرما آمنا} أو لم نجعل مكانهم حرما ذا أمن بحرمة البيت الذي فيه يتناحر العرب حوله وهم آمنون فيه {يجبى إليه} يحمل إليه ويجمع فيه وقرأ نافع ويعقوب في رواية بالتاء {ثمرات كل شيء} من كل أوب {رزقا من لدنا} فإذا كان هذا حالهم وهم عبدة الأصنام فكيف نعرضهم للتخوف والتخطف إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة التوحيد {ولكن أكثرهم لا يعلمون} جهلة لا يتفطنون له ولا يتفكرون ليعلموه وقيل إنه متعلق بقوله من لدنا أي قليل منهم يتدبرون فيعلمون أن ذلك رزق من عند اللّه وأكثرهم لا يعلمون إذ لو علموا لما خافوا غيره وانتصاب رزقا على المصدر من معنى يجبى أو حال من ال ثمرات لتخصصها بالإضافة ثم بين أن الأمر بالعكس فإنهم أحقاء بأن يخافوا من بأس اللّه على ما هم عليه بقوله ٥٨ {وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها} أي وكم من أهل قرية كانت حالهم كحالهم في الأمن وخفض العيش حتى أشروا فدمر اللّه عليهم وخرب ديارهم {فتلك مساكنهم} خاوية {لم تسكن من بعدهم إلا قليلا} من السكنى إذ لا يسكنها إلا المارة يوما أو بعض يوم أو لا يبقى من يسكنها من شؤم معاصيهم {وكنا نحن الوارثين} منهم بنزع الخافض أو بجعلها ظرفا بنفسها كقولك زيد ظني مقيم أو بإضمار زمان مضاف إليها أو مفعولا على تضمين بطرت معنى كفرت ٥٩ {وما كان ربك} وما كانت عادته {مهلك القرى حتى يبعث في أمها} في أصلها التي هي أعمالها لأن أهلها تكون أفطن وأنبل {رسولا يتلوا عليهم آياتنا} لإلزام الحجة وقطع المعذرة {وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون} بتكذيب الرسل والعتو في الكفر ٦٠ {وما أوتيتم من شيء} من أسباب الدنيا {فمتاع الحياة الدنيا وزينتها} تتمتعون وتتزينون به مدة حياتكم المنقضية {وما عند اللّه} وهو ثوابه {خير} في نفسه من ذلك لأنه لذة خاصة وبهجة كاملة {وأبقى} لأنه أبدى {أفلا تعقلون} فتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير وقرأ أبو عمرو بالياء وهو أبلغ في الموعظة ٦١ {أفمن وعدناه وعدا حسنا} وعدا بالجنة فإن حسن الوعد بحسن الموعود {فهو لاقيه} مدركه لا محالة لامتناع الخلف في وعده ولذلك عطفه بالفاء المعطية معنى السببية {كمن متعناه متاع الحياة الدنيا} الذي هو مشوب بالآلام مكدر بالمتاعب مستعقب بالتحسر على الانقطاع {ثم هو يوم القيامة من المحضرين} للحساب أو العذاب و ثم للتراخي في الزمان أو الرتبة وقرأ نافع وابن عامر في رواية والكسائي ثم هو بسكون الهاء تشبيها للمنفصل بالمتصل وهذه الآية كالنتيجة للتي قبلها ولذلك رتبت عليها بالفاء ٦٢ {ويوم يناديهم} عطف على يوم القيامة أو منصوب باذكر {فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون} أي الذين كنتم تزعمونهم شركائي فحذف المفعولان لدلالة الكلام عليهما ٦٣ {قال الذين حق عليهم القول} بثبوت مقتضاه وحصول مؤداه وهو قوله تعالى {لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} [السجدة:١٣] وغيره من آيات الوعيد {ربنا هؤلاء الذين أغوينا} أي هؤلاء الذين أغويناهم فحذف الراجع إلى الموصول {أغويناهم كما غوينا} أي أغويناهم فغووا غيا مثل ما غوينا وهو استئناف للدلالة على أنهم غووا باختيارهم وأنهم لم يفعلوا بهم إلا وسوسة وتسويلا ويجوز أن يكون الذين صفة و أغويناهم الخبر لأجل ما اتصل به فإفادة زيادة على الصفة وهو إن كان فضله لكنه صار من اللوازم {تبرأنا إليك} منهم ومما اختاره من الكفر هوى منهم وهو تقرير للجملة المتقدمة ولذلك خلت عن العاطف وكذا {ما كانوا إيانا يعبدون} أي ما كانوا يعبدوننا وإنما كانوا يعبدون أهواءهم وقيل ما مصدرية متصلة ب تبرأنا أي تبرأنا من عبادتهم إيانا ٦٤ {وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم} من فرط الحيرة {فلم يستجيبوا لهم} لعجزهم عن الإجابة والنصرة {ورأوا العذاب} لازما بهم {لو أنهم كانوا يهتدون} لوجه من الحيل يدفعون به العذاب أو إلى الحق لما رأوا العذاب لو للتمني أي تمنوا أنهم كانوا مهتدين ٦٥ {ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين} عطف على الأول فإنه تعالى يسأل أولا عن إشراكهم به ثم عن تكذيبهم الأنبياء ٦٦ {فعميت عليهم الأنباء يومئذ} فصارت الأنباء كالعمي عليهم لا تهتدي إليهم وأصله فعموا عن الأنباء لكنه عكس مبالغة ودلالة على أن ما يحضر الذهن إنما يقبض ويرد عليه من خارج فإذا أخطأه لم يكن له حيلة إلى استحضاره والمراد بالأنباء ما أجابوا به الرسل أو ما يعمها وغيرها فإذا كانت الرسل يتعتعون في الجواب عن مثل ذلك من الهول ويفوضون إلى علم اللّه تعالى فما ظنك بالضلال من أممهم وتعدية الفعل بعلى لتضمنه معنى الخفاء {فهم لا يتساءلون} لا يسأل بعضهم بعضا عن الجواب لفرط الدهشة والعلم بأنه مثله في العجز ٦٧ {فأما من تاب} من الشرك {وآمن وعمل صالحا} وجمع بين الإيمان والعمل الصالح {فعسى أن يكون من المفلحين} عند اللّه وعسى تحقيق على عادة الكرام أو ترج من التائب بمعنى فليتوقع أن يفلح ٦٨ {وربك يخلق ما يشاء ويختار} لا موجب عليه ولا مانع له {ما كان لهم الخيرة} أي التخير كالطيرة بمعنى التطير وظاهره نفي الاختيار عنهم رأسا والأمر كذلك عند التحقيق فإن اختيار العباد مخلوق باختيار اللّه منوط بدواع لا اختيار لهم فيها وقيل المراد أنه ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه ولذلك خلا عن العاطف ويؤيده ما روي أنه نزل في قولهم {لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} [الزّخرف:٣١] وقيل ما موصولة مفعول ل يختار والراجع إليه محذوف والمعنى ويختار الذي كان لهم فيه الخيرة أي الخير والصلاح {سبحان اللّه} تنزيه له أن ينازعه أحد أو يزاحم اختياره اختيار {وتعالى عما يشركون} عن إشراكهم أو مشاركة ما يشركونه ٦٩ {وربك يعلم ما تكن صدورهم} كعداوة الرسول وحقده {وما يعلنون} كالطعن فيه ٧٠ {وهو اللّه} المستحق للعبادة {لا إله إلا هو} لا أحد يستحقها إلا هو {له الحمد في الأولى والآخرة} لأنه المتولى للنعم كلها عاجلها وآجلها يحمده المؤمنون في الآخرة كما حمدوه في الدنيا بقولهم {الحمد للّه الذي أذهب عنا الحزن} [فاطر:٣٤] {الحمد للّه الذي صدقنا وعده} [الزّمر:٧٤] ابتهاجا بفضله والتذاذا بحمده {وله الحكم} القضاء النافذ في كل شيء {وإليه ترجعون} بالنشور ٧١ {قل أرأيتم إن جعل اللّه عليكم سرمدا} دائما من السرد وهو المتابعة والميم مزيدة كميم دلامص {إلى يوم القيامة} بإسكان الشمس تحت الأرض أو تحريكها حول الأفق الغائر {من إله غير اللّه يأتيكم بضياء} كان حقه هل إله فذكر ب من على زعمهم أن غيره آلهة وعن ابن كثير بضئاء بهمزتين {أفلا تسمعون} سماع تدبر واستبصار ٧٢ {قل أرأيتم إن جعل اللّه عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة} بإسكانها في وسط السماء أو تحريكها على مدار فوق الأفق {من إله غير اللّه يأتيكم بليل تسكنون فيه} استراحة عن متاعب الأشغال ولعله لم يصف الضياء بما يقابله لأن الضوء نعمة في ذاته مقصود بنفسه ولا كذلك الليل ولأن منافع الضوء أكثر مما يقابله ولذلك قرن {أفلا تسمعون} [القصص:٧١] و بالليل {أفلا تبصرون} لأن استفادة العقل من السمع أكثر من استفادته من البصر ٧٣ {ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه} في الليل {ولتبتغوا من فضله} في النهار بأنواع المكاسب {ولعلكم تشكرون} ولكي تعرفوا نعمة اللّه في ذلك فتشكروه عليها ٧٤ {ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون} تقريع بعد تقريع للإشعار بأنه لا شيء أجلب لغضب اللّه من الإشراك به أو الأول لتقرير فساد رأيهم والثاني لبيان أنه لم يكن عن سند وإنما كان محض تشه وهوى ٧٥ {ونزعنا} وأخرجنا {من كل أمة شهيدا} وهو نبيهم يشهد عليهم بما كانوا عليه {فقلنا} للأمم {هاتوا برهانكم} على صحة ما كنتم تدينون به {فعلموا} حينئذ {أن الحق للّه} في الألوهية لا يشاركه فيها أحد {وضل عنهم} وغاب عنهم غيبة الضائع {ما كانوا يفترون} من الباطل ٧٦ {إن قارون كان من قوم موسى} كان ابن عمه يصهر بن قاهث بن لاوي وكان ممن آمن به {فبغى عليهم} فطلب الفضل عليهم وأن يكونوا تحت أمره أو تكبر عليهم أو ظلمهم قيل وذلك حين ملكه فرعون على بني إسرائيل أو حسدهم لما روي أنه قال لموسى صلى اللّه عليه وسلم لك الرسالة ولهارون الحبورة وأنا في غير شيء إلى متى أصبر قال موسى هذا صنع اللّه {وآتيناه من الكنوز} من الأموال المدخرة {ما إن مفاتحه} مفاتيح صناديقه جمع مفتح بالكسر وهو ما يفتح به وقيل خزائنه وقياس واحدها المفتح {لتنوء بالعصبة أولي القوة} خبر إن والجملة صلة وهو ثاني مفعولي آتى ونائبه الحمل إذا أثقله حتى أماله والعصبة والعصابة الجماعة الكثيرة واعصوصبوا اجتمعوا وقرئ لينوء بالياء على إعطاء المضاف حكم المضاف إليه {إذ قال له قومه} منصوب ب تنوء {لا تفرح} لا تبطر والفرح بالدنيا مذموم مطلقا لأنه نتيجة حبها والرضا بها والذهول عن ذهابها فإن العلم بأن ما فيها من اللذة مفارقة لا محالة يوجب الترح كما قيل أشد الغم عندي في سرور تيقن عنه صاحبه انتقالا ولذلك قال تعالى {ولا تفرحوا بما آتاكم} [الحديد:٢٣] وعلل النهي ها هنا بكونه مانعا من محبة اللّه تعالى فقال {إن اللّه لا يحب الفرحين} أي بزخارف الدنيا ٧٧ {وابتغ فيما آتاك اللّه} من الغنى {الدار الآخرة} بصرفه فيما يوجبها لك فإن المقصود منه أن يكون وصلة إليها {ولا تنس} ولا تترك ترك المنسي {نصيبك من الدنيا} وهو أن تحصل بها آخرتك وتأخذ منها ما يكفيك {وأحسن} إلى عباد اللّه {كما أحسن اللّه إليك} فيما أنعم اللّه عليك وقيل أحسن بالشكر والطاعة {كما أحسن} إليك بالإنعام {ولا تبغ الفساد في الأرض} بأمر يكون علة للظلم والبغي نهي له عما كان عليه من الظلم والبغي {إن اللّه لا يحب المفسدين} لسوء أفعالهم ٧٨ {قال إنما أوتيته على علم عندي} فضلت به على الناس واستوجبت به التفوق عليهم بالجاه والمال و {على علم} في موضع الحال وهو علم التوراة وكان أعلمهم بها وقيل هو الكيمياء وقيل علم التجارة والدهقنة وسائر المكاسب وقيل العلم بكنوز يوسف و عندي صفة له أو متعلق ب أوتيته كقولك جاز هذا عندي أي في ظني واعتقادي {أو لم يعلم أن اللّه قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا} تعجب وتوبيخ على اغتراره بقوته وكثرة ماله مع علمه بذلك لأنه قرأه في التوراة وسمعه من حفاظ التواريخ أو رد لادعائه للعلم وتعظمه به بنفي هذا العلم عنه أي أعنده مثل ذلك العلم الذي ادعى ولم يعلم هذا حتى يقي به نفسه مصارع الهالكين {ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون} سؤال استعلام فإنه تعالى مطلع عليها أو معاتبة فإنهم يعذبون بها بغتة كأنه لما هدد قارون بذكر إهلاك من قبله ممن كانوا أقوى منه وأغنى أكد ذلك بأن بين أنه لم يكن مطلعا على ما يخصهم بل اللّه مطلع على ذنوب المجرمين كلهم معاقبهم عليها لا محالة ٧٩ {فخرج على قومه في زينته} كما قيل إنه خرج على بغلة شهباء عليه الأرجوان وعليها سرج من ذهب ومعه أربعة آلاف على زيه {قال الذين يريدون الحياة الدنيا} على ما هو عادة الناس من الرغبة {يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون} تمنوا مثله لا عينه حذرا عن الحسد {إنه لذو حظ عظيم} من الدنيا ٨٠ {وقال الذين أوتوا العلم} بأحوال الآخرة للمتمنين {ويلكم} دعاء بالهلاك استعمل للزجر عما لا يرتضى {ثواب اللّه} في الآخرة {خير لمن آمن وعمل صالحا} مما أوتي قارون بل من الدنيا وما فيها {ولا يلقاها} الضمير فيه للكلمة التي تكلم بها العلماء أو لل ثواب فإنه معنى المثوبة أو الجنة أو للإيمان والعمل الصالح فإنهما في معنى السيرة والطريقة {إلا الصابرون} على الطاعات وعن المعاصي ٨١ {فخسفنا به وبداره الأرض} روي أنه كان يؤذي موسى صلى اللّه عليه وسلم كل وقت وهو يداريه لقرابته حتى نزلت الزكاة فصالحه عن كل ألف على واحد فحسبه فاستكثره فعمد إلى أن يفضح موسى بين بني إسرائيل ليرفضوه فبرطل بغية لترميه بنفسها فلما كان يوم العيد قام موسى خطيبا فقال من سرق قطعناه ومن زنى غير محصن جلدناه ومن زنى محصنا رجمناه فقال قارون ولو كنت قال ولو كنت قال إن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة فأحضرت فناشدها موسى صلى اللّه عليه وسلم أن تصدق فقالت جعل لي قارون جعلا على أن أرميك بنفسي فخر موسى شاكيا منه إلى ربه فأوحى إليه أن مر الأرض بما شئت فقال يا أرض خذيه إلى ركبتيه ثم قال خذيه إلى وسطه ثم قال خذيه فأخذته إلى عنقه ثم قال خذيه فخسفت به وكان قارون يتضرع إليه في هذه الأحوال فلم يرحمه فأوحى اللّه إليه ما أفظك استرحمك مرارا فلم ترحمه وعزتي وجلالي لو دعاني مرة لأجبته ثم قال بنو إسرائيل إنما فعله ليرثه فدعا اللّه تعالى حتى خسف بداره وأمواله {فما كان له من فئة} أعوان مشتقة من فأوت رأسه إذا ميلته {ينصرونه من دون اللّه} فيدفعون عنه عذابه {وما كان من المنتصرين} الممتنعين منه من قولهم نصره من عدوه فانتصر إذا منعه منه فامتنع ٨٢ {وأصبح الذين تمنوا مكانه} منزلته {بالأمس} منذ زمان قريب {يقولون ويكأن اللّه يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر} يبسط ويقدر بمقتضى مشيئته لا لكرامة تقتضي البسط ولا لهوان يوجب القبض وويكأن عند البصريين مركب من وي للتعجب وكأن للتشبه والمعنى ما أشبه الأمر أن يبسط الرزق وقيل من ويك بمعنى ويلك وأن تقديره ويك اعلم أن اللّه {لولا أن من اللّه علينا} فلم يعطنا ما تمنينا {لخسف بنا} لتوليده فينا ما ولده فيه فخسف بنا لأجله وقرأ حفص بفتح الخاء والسين {ويكأنه لا يفلح الكافرون} لنعمة اللّه أو المكذبون برسله وبما وعدوا لهم ثواب الآخرة ٨٣ {تلك الدار الآخرة} إشارة تعظيم كأنه قال تلك التي سمعت خبرها وبلغك وصفها و الدار صفة والخبر {نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض} غلبة وقهرا {ولا فسادا} ظلما على الناس كما أراد فرعون وقارون {والعاقبة} المحمودة {للمتقين} ما لا يرضاه اللّه ٨٤ {من جاء بالحسنة فله خير منها} ذاتا وقدرا ووصفا {ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات} وضع فيه الظاهر موضع الضمير تهجينا لحالهم بتكرير إسناد السيئة إليهم {إلا ما كانوا يعملون} أي إلا مثل ما كانوا يعملون فحذف المثل وأقيم {ما كانوا يعملون} مقامه مبالغة في المماثلة ٨٥ {إن الذي فرض عليك القرآن} أوجب عليك تلاوته وتبليغه والعمل بما فيه {لرادك إلى معاد} أي معاد وهو المقام المحمود الذي وعدك أن يبعثك فيه أو مكة التي اعتدت بها أنه من العادة رده إليها يوم الفتح كأنه لما حكم بأن {العاقبة للمتقين} [الاعراف:١٢٨] وأكد ذلك بوعد المحسنين ووعيد المسيئين وعده بالعاقبة الحسنى في الدارين روي أنه لما بلغ جحفة في مهاجره اشتاق إلى مولده ومولده آبائه فنزلت {قل ربي أعلم من جاء بالهدى} وما يستحقه من الثواب والنصر ومن منتصب بفعل يفسره أعلم {ومن هو في ضلال مبين} وما استحقه من العذاب والإذلال يعني به نفسه والمشركين وهو تقرير للوعد السابق وكذا قوله ٨٦ {وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب} أي سيردك إلى معادك كما ألقى إليك الكتاب وما كنت ترجوه {إلا رحمة من ربك} ولكن ألقاه رحمة منه ويجوز أن يكون استثناء محمولا على المعنى كأنه قال وما ألقى إليك الكتاب إلا رحمة {فلا تكونن ظهيرا للكافرين} بمدارتهم والتحمل عنهم والإجابة إلى طلبتهم ٨٧ {ولا يصدنك عن آيات اللّه} عن قرأءتها والعمل بها {بعد إذ أنزلت إليك} وقرئ يصدنك من أصد {وادع إلى ربك} إلى عبادته وتوحيده {ولا تكونن من المشركين} بمساعدتهم ٨٨ {ولا تدع مع اللّه إلها آخر} هذا وما قبله للتهييج وقطع أطماع المشركين عن مساعدته لهم {لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه} إلا ذاته فإن ما عداه ممكن هالك في حد ذاته معدوم {له الحكم} القضاء النافذ في الخلق {وإليه ترجعون} للجزاء بالحق عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: من قرأ طسم القصص كان له من الأجر بعدد من صدق موسى وكذب ولم يبق ملك في السموات والأرض إلا شهد له يوم القيامة أنه صادقا |
﴿ ٠ ﴾