تفسير البيضاوي: أنوار التنزيل و أسرار التأويل أبو سعيد عبد اللّه بن عمر بن محمد بن علي البيضاوي الشيرازي الفارسي، ناصر الدين، القاضي الشافعي (ت ٦٨٥ هـ ١٢٨٦ م) _________________________________ سورة الأحزاب سورة الأحزاب مدنية وآيها ثلاث وسبعون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {يا أيها النبي اتق اللّه} ناداه بالنبي وأمره بالتقوى تعظيما له وتفخيما لشأن التقوى والمراد به الأمر بالثبات عليه ليكون مانعا له عما نهى عنه بقوله {ولا تطع الكافرين والمنافقين} فيما يعود بوهن في الدين روي أن أبا سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبا الأعور السلمي قدموا عليه في الموادعة التي كانت بينه وبينهم وقام معهم بن أبي ومعتب بن قشير والجد بن قيس فقالوا له ارفض ذكر آلهتنا وقل إن لها شفاعة وندعك وربك فنزلت {إن اللّه كان عليما} بالمصالح والمفاسد {حكيما} لا يحكم إلا بما تقتضيه الحكمة ٢ {واتبع ما يوحى إليك من ربك} كالنهي عن طاعتهم {إن اللّه كان بما تعملون خبيرا} فموح إليك ما تصلح به أعمالك ويغني عن الاستماع إلى الكفرة وقرأ أبو عمرو بالياء على أن الواو ضمير الكفرة والمنافقين أي أن اللّه خبير بمكايدهم فيدفعها عنك ٣ {وتوكل على اللّه} وكل أمرك إلى تدبيره {وكفى باللّه وكيلا} موكولا إليه الأمور كلها ٤ {ما جعل اللّه لرجل من قلبين في جوفه} أي ما جمع قلبين في جوف لأن القلب معدن الروح الحيواني المتعلق بالنفس الإنساني أولا ومنع القوى بأسرها وذلك يمنع التعدد {وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم} وما جمع الزوجية والأمومة في امرأة ولا الدعوة والبنوة في رجل والمراد بذلك رد ما كانت العرب تزعم من أن اللبيب الأريب له قلبان ولذلك قيل لأبي معمر أو جميل بن أسد الفهري ذو القلبين والزوجة المظاهر عنها كالأم ودعي الرجل ابنه ولذلك كانوا يقولون لزيد بن حارثة الكلبي عتيق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ابن محمد أو المراد نفي الأمومة والبنوة عن المظاهر عنها والمتنبى ونفي القلبين لتمهيد أصل يحملان عليه والمعنى كما لم يجعل اللّه قلبين في جوف لأدائه إلى التناقض وهو أن يكون كل منهما أصلا لكل القوى وغير أصل لم يجعل الزوجة والدعي اللذين لا ولادة بينهما وبينه أمه وابنه اللذين بينهما وبينه ولادة وقرأ أبو عمرو اللاي بالياء وحده على أن أصله اللاء بهمزة فخففت وعن الحجازيين مثله وعنهما وعن يعقوب بالهمز وحده وأصل تظاهرون تتظاهرون فأدغمت التاء الثانية في الظاء وقرأ ابن عامر تظاهرون بالإدغام وحمزة والكسائي بالحذف وعاصم تظاهرون من ظاهر وقرئ تظهرون من ظهر بمعنى ظاهر كعقد بمعنى عاقد وتظهرون من الظهور ومعنى الظهار أن يقول للزوجة أنت علي كظهر أمي مأخوذ من الظهر باعتبار اللفظ كالتلبية من لبيك وتعديته بمن لتضمنه معنى التجنب لأنه كان طلاقا في الجاهلية وهو في الإسلام يقتضي الطلاق أو الحرمة إلى أداء الكفارة كما عدي آلى بها وهو بمعنى حلف وذكر الظهر للكناية عن البطن الذي هو عموده فإن ذكره يقارب ذكر الفرج أو للتغليظ في التحريم فإنهم كانوا يحرمون إتيان المرأة وظهرها إلى السماء وأدعياء جمع دعي على الشذوذ وكأنه شبه بفعيل بمعنى فاعل فجمع جمعه {ذلكم} إشارة إلى ما ذكر أو إلى الأخير {قولكم بأفواهكم} لا حقيقة له في الأعيان كقول الهاذي {واللّه يقول الحق} ما له حقيقة عينية مطابقة له {وهو يهدي السبيل} سبيل الحق ٥ {ادعوهم لآبائهم} انسبوهم إليهم وهو افراد للمقصود من اقواله الحقه وقوله {هو أقسط عند اللّه} تعليل له والضمير لمصدر ادعوهم و اقسط افعل تفضيل قصد به الزيادة مطلقا من القسط بمعنى العدل ومعناه البالغ في الصدق {فإن لم تعلموا آباءهم} فتنسبوهم إليهم {فإخواتكم في الدين} أي فهم اخوانكم في الدين {ومواليكم} واولياؤكم فيه فقولوا هذا أخي ومولاي بهذا التأويل {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به} ولا إثم عليكم فيما فعلتموه من ذلك مخطئين قبل النهي أو بعده على النسيان أو سبق اللسان {ولكن ما تعمدت قلوبكم} ولكن الجناح فيما تعمدت قلوبكم أو ولكن ما تعمدت قلوبكم فيه الجناح {وكان اللّه غفورا رحيما} لعفوه عن المخطئ واعلم أن التبني لا عبرة به عندنا وعند أبي حنيفة يوجب عتق مملوكه ويثبت النسب لمجهوله الذي يمكن الحاقه به ٦ {النبي اولى بالمؤمنين من أنفسهم} في الأمور كلها فإنه لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم بخلاف النفس فلذلك اطلق فيجب عليهم أن يكون احب إليهم من أنفسهم وأمره انفذ عليهم من أمرها وشفقتهم عليه أتم من شفقتهم عليها روي انه صلى اللّه عليه وسلم أراد غزوة تبوك فأمر الناس بالخروج فقال ناس نستأذن آباءنا وأمهاتنا فنزلت وقرئ وهو اب لهم أي في الدين فإن كل نبي اب لأمته من حيث انه اصل فيما به الحياة الابدية ولذلك صار المؤمنون اخوة {وأزواجه امهاتهم} منزلات منزلتهن في التحريم واستحقاق التعظيم وفيما عدا ذلك فكما الاجنبيات ولذلك قالت عائشة رضي اللّه عنها لسنا امهات النساء {واولوا الأرحام} وذوو القرابات {بعضهم اولى بعض} في التوارث وهو نسخ لما كان في صدر الإسلام في التوارث بالهجرة والموالاة في الدين {في كتاب اللّه} في اللوح أو فيما انزل وهو هذه الآية أو آية المواريث أو فيم فرض اللّه {من المؤمنين والمهاجرين} بيان لاولي الأرحام أو صلة لاولي أي اولوا الأرحام بحق القرابة اولى بالميراث من المؤنين بحق الدين ومن المهاجرين بحق الهجرة {إلا أن تفعلوا إلى اوليائكم معروفا} استثناء من اعم ما يقدر الاولية فيه من النفع والمراد يفعل المعروف التوصية أو منقطع {وكان ذلك في الكتاب مسطورا} كان ما ذكر في الايتين ثابتا في اللوح أو القرآن وقيل في التوراة ٧ {وإذ اخذنا من النبيين ميثاقهم} مقدر باذكر وميثاقهم عهدوهم بتبليغ الرسالة والدعاء إلى الدين القيم {ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم} خصهم بالذكر لانهم مشاهير ارباب الشرائع وقد نبينا صلى اللّه عليه وسلم تعظيما له وتكريما لشأنه {وأخذنا منهم ميثاقا غليظا} عظيم الشأن أو مؤدا باليمين والتكرير لبيان هذا الوصف تعظيما له ٨ {ليسأل الصادقين عن صدقهم} أي فعلنا ذلك ليسأل اللّه يوم القيامة الأنبياء الذين صدقوا عهدهم عما قالوه لقوهم أو تصديقهم اياهم تبكيتا لهم أو المصدقين لهم عن تصديقهم فإن مصدق الصادق صادق أو المؤمنين الذين صدقوا عهدهم حين أشهدهم على أنفسهم عن صدقهم عهدهم {وأعد للكافرين عذابا أليما} عطف على أخذنا من جهة أن بعثة الرسل وأخذ الميثاق منهم لاثابة المؤمنين أو على ما دل عليه ليسأل كأنه قال فأثاب المؤمنين واعدللكافرين ٩ {يا آيها الذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ جاءتكم جنود} يعني الأحزاب وهم قريش غطفان ويهود والنضير وكانوا زهاء اثني عشر الفا {فأرسلنا عليهم ريحا} ريح الصبا {وجنودا لم تروها} الملائكة روي انه صلى اللّه عليه وسلم لما سمع بإقبالهعم ضرب الخندق على المدينة ثم خرج إليهم في ثلاثة آلاف والخندق بينه وبينهم ومضى على الفريقين قريب من شهر لا حرب بينهم إلا الترامي بالنبل والحجارة حتى بعث اللّه عليهم ريحا بادرة في ليلة شاتية فأخصرتهم وسفت التراب في وجوهم وأطفأت نيرانهم وقلعت خيامهم وماجت الخيل بعضها في بعض وكبرت الملائكة في جوانب العسكر فقل طليحة بن خويلد الاسدي أما محمد فقد بدأكم بالسحر فالنجاء النجاء فانهزموا من غير قتال {وكان اللّه بما تعملون} من حفر الخندق وقرأ البصريان بالياء أي بما يعمل المشركون من التحزب والمحاربة {بصيرا} رائيا ١٠ {إذ جاؤكم} بدل من إذا جاءتكم {من فوقكم} من أعلى الوادي من قبل المشرق بنو غطفان {ومن اسفل منكم} من أسفل الوادي من قبل المغرب قريش {واذ زاغت الابصار} مات عن مستوى نظرها حيرة وشخوصا {وبلغت القلوب الحناجر} رعبا لإإن الرئة تنتفخ من شدة الروع فيرتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة وهي منتهى الحلقوم مدخل الطعام والشراب {وتظنون باللّه الظنونا} لأنواعمن الظن فظن المخلصون الثبت القلوب أن اللّه منجز وعده في اعلاء دينه أو ممتحنهم فخافوا الزلل وضعف الاحتمال والضعاف القلوب والمنافقون ما حكي عنهم والالف مزيدة في امثاله تشبيها للفواصل بالقوافي وقد أجرى نافع وابن عامر وأبو بكر فيها الوصل مجرى الوقف ولم يزدها أبو عمرو وحمزة ويعقوب مطلقا وهو القياس ١١ {هُنَالِكَ ابتلي المؤمنون} اختبروا فظهر المخلص من المنافق والثابت من المتزلزل {وزلزلوا زلزالا شديدا} من شدة الفزع وقرئ زلزالا بالفتح ١٢ {واذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض} ضعف اعتقاد {ما وعدنا اللّه ورسوله} من الظفر واعلاء الدين {إلا غرورا} وعدا باطلا قيل قائله معتب بن قشير قال يعدنا محمد بتفح فارس والروم واحدنا لا يقدر أن يتبرز فرقا ما هذا إلا وعد غرور ١٣ {واذ قالت طائفة منهم} يعني اوس بن قيظي واتباعه {يا أهل يثرب} أهل المدينة وقيل هو اسم ارض وقعت المدينة في ناحية منها {لا مقام} لا موضع قيام {لكم} ها هنا وقرأ حفص بالضم على انه مكان أو مصدر من اقام {فارجعوا} إلى منازلكم هاربين وقيل المعنى لا مقام لكم على دين محمد فارجعوا إلى الشرك واسلموه لتسلمموا أو لا مقام لكم بيثرب فارجعوا كفارا ليمكنكم المقام بها {ويستأذن فريق منهم النبي} للرجوع {يقولون أن بيوتنا عورة} غير حصينة واصلها الخلل ويجوز أن يكون تخفيف العورة من عورت الدار إذا اختلت وقد قرئ بها {وما هي بعورة} بل هي حصينة {إن يريدون إلا فرارا} أي وما يريدون بذلك إلا الفرار من القتال ١٤ {ولو دخلت عليهم} دخلت المدينة أو بيوتهم {من أقطارها} من جوانبها وحذف الفاعل للايماء بان دخول هؤلاء المتحزبين عليهم ودخول غيرهم من العساكر سيان في اقتضاء الحكم المرتب عليه {ثم سئلوا الفتنة} الردة ومقاتلة المسلمين {لآتوها} لاعطوها وقرأ الحجازيان بالقصر بمعنى لجاءوها وفعلوها {وما تلبثوا بها} بالفتنة أو بإعطائها {إلا يسيرا} ريثما يكون السؤال والجواب وقيل ما لبثوا بالمدينة بعد تمام الارتداد إلا يسيرا ١٥ { وَلَقَدْ كانوا عاهدوا اللّه من قبل لا يولون الادبار} يعني بني حارثة عاهدوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم أحد حين فشلوا ثم تابوا أن لا يعودوا لمثله {وكان عهد اللّه مسئولا} عن الوفاء به مجازى عليه ١٦ {قل لن ينفعكم الفرار أن فررتم من الموت أو القتل} فإنه لا بد لكل شخص من حتف أنف أو قتل في وقت معين سبق به القضاء وجرى عليه القلم {وإذا لا تمتعون إلا قليلا} أي وإن نفعكم الفرار مثلا فمنعتم بالتأخير لم يكن ذلك التمتيع إلا تمتيعا أو زمانا قليلا ١٧ {قل من ذا الذي يعصمكم من اللّه إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة} أي أو يصيبكم بسوء أن أراد بكم رحمة فاختصر الكلام كما في قوله متقلدا سيفا ورمحا أو حمل الثاني على الأول لما في العصمة من معنى المنع {ولا يجدون لهم من دون اللّه وليا} ينفعهم {ولا نصيرا} يدفع الضر عنهم ١٨ {قد يعلم اللّه المعوقين منكم} المثبطين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: وهم المنافقون {والقائلين لاخوانهم} من ساكني المدينة {هلم إلينا} قربوا انفسكم إلينا وقد ذكر اصله في الأنعام {ولا يأتون البأس إلا قليلا} إلا اتيانا أو زمانا أو بأسا قليلا فإنهم يعتذرون ويتثبطون ما أمكن لهم أو يخرجون مع المؤمنين ولكن لا يقاتلون إلا قليلا كقوله {ما قاتلوا إلا قليلا} [الاحزاب:٢٠] وقيل انه من تتم كلامهم ومعناه لا يأتي أصحاب محمد حرب الأحزاب ولا يقاوموهم إلا قليلا ١٩ {اشحة عليكم} بخلاء عليكم بالمعاونة أو النفقة في سبيل اللّه أو الظفر أو الغنيمة جمع شحيح ونصبها على الحال من فاعل المعوقين أو على الذم {فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور اعينهم} في احداقهم {كالذي يغشى عليه} كنظر المغشي عليه أو كدوران عينيه أو مشبهين به أو مشبهة بعينه {من الموت} من معالجة سكرات الموت خوفا ولواذا بك {فإذا ذهب الخوف} وحيزت الغنائم {سلقوكم} ضربوكم {بألسنة حداد} ذرية يطلبون الغنيمة والسلق البسط بقهر باليد أو اللسان {أشحة على الخير} نصب على الحال أو الذم ويؤيده قرأءة الرفع وليس بتكرير لان كلا منهما مقيد من وجه {أولئك لم يؤمنوا} اخلاصا {فاحبط اللّه أعمالهم} فأظهر بطلانها إذ لم تثبت لهم أعمال فتبطل أو ابطل تصنعهم ونفاقهم {وكان ذلك} الاحباط {على اللّه يسيرا} هينا لتعلق الارادة به وعدم ما يمنعه عنه ٢٠ {يحسبون الأحزاب لم يذهبوا} أي هؤلاء لجبنهم يظنون أن الأحزاب لم ينهزموا وقد انهزموا ففروا إلى داخل المدينة {وإن يأت الأحزاب} كره ثانية {يودوا لو انهم بادون في الاعراب} تمنوا انهم خارجون إلى البدو حاصلون بين الاعراب {يسألون} كل قادم من جانب المدينة {عن انبائكم} عما جرى عليكم {ولو كانوا فيكم} هذه الكرة ولم يرجعوا إلى المدينة وكان قتال {ما قاتلوا إلا قليلا} رياء وخوفا من التعبير ٢١ {لقد كان لكم في رسول اللّه اسوة حسنة} خصلة حسنة من حقها أن يؤتسى بها كالثبات في الحرب ومقاساة الشدائد أو هو في نفسه قدوة يحس التأسي به كقولك في البيضة عشرون منا حديدا أي هي في نفسها هذا القدر من الحديد وقرأ عاصم بضم الهمزة وهو لغة فيه {لمن كان يرجوا اللّه واليوم الآخر} أي ثواب اللّه أو لقاءه ونعيم الآخرة أو أيام اللّه واليوم الآخر خصوصا وقيل هو كقولك أرجو زيدا وفضله فإن {اليوم الآخر} داخل فيها بحسب الحكم والرجاء يحتمل الأمل والخوف و لمن كان صلة لحسنة أو صفة لها وقيل بدل من لكم والاكثر على أن ضمير المخاطب لا يبدل منه {وذكر اللّه كثيرا} وقرن بالرجاء كثرة الذكر المؤدية إلى ملازمة الطاعة فإن المؤتسي بالرسول من كان كذلك ٢٢ {ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله} بقوله تعالى أم حسبتم أن تدخلوا أن الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم [آل عمران:٢١٤] الآية وقوله صلى اللّه عليه وسلم: سيشتد الأمر باجتماع الأحزاب عليكم والعاقبة لكم عليهم وقوله صلى اللّه عليه وسلم: انهم سائرون اليكم بعد تسع أو عشر وقرأ حمزة وأبو بكر بكسر الراء وفتح الهمزة {وصدق اللّه ورسوله} ظهر صدق خبر اللّه ورسوله أو صدقا في النصرة والثواب كما صدقا في البلاء واظهار الاسم للتعظيم {وما زادهم} فيه ضمير {لما رأوا} أو الخطب أو البلاء {إلا ايمانا} باللّه ومواعيده {وتسليما} لأوامره ومقاديره ٢٣ {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه} من الثبات مع الرسول صلى اللّه عليه وسلم والمقاتلة لاعلاء الدين من صدني إذا قال لك الصدق فإن المعاهد إذا وفى بعهده فقد صدق فيه {فمنهم من قضى نحبه} نذره بأن قاتل حتى استشهد كحمزة ومصعب بن عمير وانس بن النضر والنحب النذر واستعير للموت لأنه كنذر لازم في رقبة كل حيوان {ومنهم من ينتظر} الشهادة كعثمان وطلحة رضي اللّه عنهما {وما بدلوا} العهد ولا غيروه {تبديلا} شيئا من التبديل روي أن طلحة ثبت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم أحد حتى اصيبت يده فقال صلى اللّه عليه وسلم: اوجب طلحة وفيه تعريض أهل النفاق ومرض القلب بالتبديل وقوله ٢٤ {ليجزي اللّه الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين أن شاء أو يتوب عليهم} تعليل للمنطوق والمعرض به فكأن المنافقين قصدوا بالتبديل عاقبة السوء كما قصد المخلصون بالثبات والوفاء العاقبة الحسنى والتوبة عليهم مشروطة بتوبتهم أو المراد بها التوفيق للتوبة {إن اللّه كان غفورا رحيما} لمن تاب ٢٥ {ورد اللّه الذين كفروا} يعني الأحزاب {بغيظهم} متغيظين {لم ينالوا خيرا} غير ظافرين وهما حالان بتداخل أو تعاقب {وكفى اللّه المؤمنين القتال} بالريح والملائكة {وكان اللّه قويا} على احداث ما يريده {عزيزا} غالبا على كل شيء ٢٦ {وأنزل الذين ظاهروهم} ظاهروا الأحزاب {من أهل الكتاب} يعني قريظة {من صياصيهم} من حصونهم جمع صيصية وهي ما يتحصن به ولذلك يقال لقرن الثور والظبي وشوكة الديك {وقذف في قلوبهم الرعب} الخوف وقرئ بالضم {فريقا تقتلون وتأسرون فريقا} وقرئ بضم السين روي أن جبريل أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صبيحة الليلة التي انهزم فيها الأحزاب فقال: انتزع لامتك والملائكة لم يضعوا السلاح أن اللّه يأمرك بالسير إلى بني قريظة وأنا عامد إليهم فأذن في الناس أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة فحاصرهم إحدى وعشرين حتى جهدهم الحصار فقال لهم: تنزلون على حكمي فأبوا فقال على حكم سعد بن معاذ فرضوا به فحكم سعد بقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم ونسائهم فكبر النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: لقد حكمت بحكم اللّه من فوق سبعة ارقعة فقتل منهم ستمائة أو اكثر واسر منهم سبعمائة ٢٧ {واورثكم ارضهم} مزارعهم {وديارهم} حصونهم {وأموالهم} نقودهم ومواشيهم واثاثهم روي انه صلى اللّه عليه وسلم جعل عقارهم للمهاجرين فتكلم فيه الأنصار فقال: انكم في منازلكم وقال عمر رضي اللّه عنه أما تخمس كما خمست يوم بدر فقال: لا إنما جعلت هذه لي طعمة {وأرضا لم تطؤها} كفارس والروم وقيل خيبر وقيل كل ارض تفتح إلى يوم القيامة {وكان اللّه على كل شيء قديرا} فيقدر على ذلك ٢٨ {يا آيها النبي قل لازواجك أن كنتن تردن الحياة الدنيا} السعة والتنعم فيها {وزينتها} زخارفها {فتعالين امتعكن} اعطن المتعة {وأسرحكن سراحا جميلا} طلاقا من غير ضرار وبدعة روي انهم سألنه ثياب الزينة وزيادة النفقة فنزلت فبدأ بعائشة رضي اللّه عنها فخيرها فاختارت اللّه ورسوله ثم اختارت الباقيات اختيارها فشكر اللّه لهن ذلك فانزل {لا يحل لك النساء من بعد} [الاحزاب:٥٢] وتعليق التسريح بإرادتهن الدنيا وجعلها قسيما لإرادتهن الرسول يدل على المخيرة إذا اختارت زوجها لم تطلق خلافا لزيد والحسن ومالك واحدى الروايتين عن علي ويؤيده قوله عائشة رضي اللّه عنها خيرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاخترناه ولم يعده طلاقا وتقديم للتمتع على التسريح المسبب عنه من الكرم وحسن الخلق قيل لأن الفرقة كانت بإرادتهن كاختيار المخيرة نفسها فإنه طلقة رجعية عندنا وبائنة عند الحنفية واختلف في وجوبه للمدخول بها وليس فيه ما يدل عليه وقرئ {أمتعكن وأسرحكن} بالرفع على الاستئناف ٢٩ {وإن كنتن تردن اللّه ورسوله والدار الآخرة فإن اللّه اعد للمحسنات منكن اجرا عظيما} يستحقر دونه الدنيا وزينتها ومن للتبيين لانهن كلهن كن محسنات ٣٠ {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة} بكبيرة {مبينة} ظاهر قبحها على قرأءة ابن كثير وأبي بكر والباقون بكسر الياء {يضاعف لها العذاب ضعفين} ضعفي عذاب غيرهن أي مثليه لان الذنب منهن اقبح فإن زيادة قبحه تتبع زيادة فضل المذنب والنعمة عليه ولذلك جعل حد الحر ضعفي حد العبد وعوتب الأنبياء بما لا يعاتب به غيرهم وقرأ البصريان يضعف على البناء للمفعول ورفع العذاب وابن كثير وابن عامر نضعف بالنون وبناء الفاعل ونصب العذاب {وكان ذلك على اللّه يسيرا} لا منعه عن التضعيف كونهن نساء النبي وكيف وهو سببه ٣١ {ومن يقنت منكن} ومن يدم على الطاعة {للّه ورسوله} ولعل ذكر اللّه للتعظيم أو لقوله {وتعمل صالحا نؤتها اجرها مرتين} مرة على الطاعة ومرة على طلبهن رضا النبي صلى اللّه عليه وسلم بالقناعة وحسن المعاشرة وقرأ حمزة والكسائي ويعمل بالياء حملا على لفظ من ويؤتها على أن فيه ضمير اسم اللّه {واعتدنا لها رزقا كريما} في الجنة زيادة على اجرها ٣٢ {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء} اصل أحد وحد بمعنى الواحد ثم وضع في النفي العام مستويا فيه المذكر والمؤنث والواحد والكثير والمعنى لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء في الفضل {إن اتقيتن} مخالفة حكم اللّه ورضا رسوله {فلا تخضعن بالقول} فلا تجثن بقولكن خاضعا لينا مثل قول المريبات {فيطمع الذي في قلبه مرض} فجور وقرئ بالجزم عطفا على محل فعل النهي على انه نهى مريض القلب عن الطمع عقيب نهيهن عن الخضوع بالقول {وقلن قولا معروفا} حسنا بعيدا عن الريبة ٣٣ {وقرن في بيوتكن} ومن وقر يقر وقارا أو من قر يقر حذفت الأولى من راءي اقررن ونقلت كسرتها إلى القاف فاستغني عن همزة الوصل ويؤيده قرأءة نافع وعاصم بالفتح من قررت اقر وهو لغة فيه ويحتمل أن يكون من قار يقار إذا اجتمع {ولا تبرجن} ولا تتبخترن في مشيكن {تبرج الجاهلية الأولى} تبرجا مثل تبرج النساء في أيام الجاهلية القديمة وقل هي ما بين آدم ونوح وقيل الزمان الذي ولد فيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام كانت المرأة تلبس درعا من اللؤلؤ فتمشي وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال والجاهلية الأخرى ما بين عيسى ومحمد صلى اللّه عليه وسلم وقيل الجاهلية الأولى جاهلية الكفر قبل الإسلام والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق في الإسلام ويعضده قوله صلى اللّه عليه وسلم لأبي الدرداء رضي اللّه عنه: إن فيك جاهلية قال جاهلية كفر أو إسلام قال بل جاهلية كفر {وأقمن الصلاة وآتين الزكاة واطعن اللّه ورسوله} في سائر ما امركن به ونهاكن عنه {إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس} الذنب المدنس لعرضكم وهو تعليل لأمرهن ونهيهن على الاستئناف ولذلك عمم الحكم {أهل البيت} نصب على النداء أو المدح {ويطهركم} عن المعاصي {تطهيرا} واستعارة الرجس للمعصية والترشيح بالتطهير للتنقير عنها وتخصيص الشيعة أهل البيت بفاطمة وعلي وابنيهما رضي اللّه عنهم لما روي انه صلى اللّه عليه وسلم خرج ذات غدوة وعليه مرط مرجل من شعر اسود فجلس فأتت فاطمة رضي اللّه عنها فأدخلها فيه ثم جاء علي فأدخله فيه ثم جاء الحسن والحسين رضي اللّه عنهما فأدخلهما فيه ثم قال: {إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت} والاحتجاج بذلك على عصمتهم وكون إجماعهم حجة ضعيف لان التخصيص بهم لا يناسب ما قبل الآية وما بعدها والحديث يقتضي انهم من أهل البيت لا أنه ليس غيرهم ٣٤ {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات اللّه والحكمة} من الكتاب الجامع بين الأمرين وهو تذكير بما أنعم اللّه عليهم من حيث جعلهن أهل بيت النبوة ومهبط الوحي وما شاهدن من برحاء الوحي مما يوجب قوة الإيمان والحرص على الطاعة حثا على الانتهاء والائتمار فيما كلفن به {إن اللّه كان لطيفا خبيرا} يعلم ويدير ما يصلح في الدين ولذلك خيركن ووعظكن أو يعلم من يصلح لنبوته ومن يصلح أن يكون أهل بيته ٣٥ {إن المسلمين والمسلمات} الداخلين في السلم المنقادين لحكم اللّه {والمؤمنين والمؤمنات} المصدقين بما يجب أن يصدق به {والقانتين والقانتات} المداومين على الطاعة {والصادقين والصادقات} في القول والعمل {والصابرين والصابرات} على الطاعات وعن المعاصي {والخاشعين والخاشعات} المتواضعين للّه بقلوبهم وجوارحهم {والمتصدقين والمتصدقات} بما وجب في مالهم {والصائمين والصائمات} الصوم المفروض {والحافظين فروجهم والحافظات} عن الحرام {والذاكرين اللّه كثيرا والذاكرات} بقلوبهم وألسنتهم {أعد اللّه لهم مغفرة} لما اقترفوا من الصغائر لأنهم مكفرات {وأجرا عظيما} على طاعتهم والاية وعد لهن ولأمثالهم على الطاعة والتدرع بهذه الخصال روي أن أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم قلن يا رسول اللّه ذكر اللّه الرجال في القرآن بخير فما فينا خير نذكر به فنزلت وقيل لما نزل فيهن ما نزل قال نساء المسلمين فما نزل فينا شيء فنزلت وعطف الاناث على الذكور لاختلاف الجنسين وهو ضروري وعطف الزوجين على الزوجين لتغاير الوصفين فليس بضروري ولذلك ترك في قوله {مسلمات مؤمنات} [التحريم:٥] وفائدته الدلالة على أن اعداد المعد لهم للجمع بين هذه الصفات ٣٦ {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة} ما صح له {إذا قضى اللّه ورسوله امرا} أي قضى رسول اللّه وذكر اللّه لتعظيم أمره والاشعار بأن قضاءه قضاء اللّه لأنه نزل في زينب بنت جحش بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب خطبها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لزيد بن حارثة فأبت هي واخوها عبد اللّه وقيل في أم كلثوم بنت عقبة وهبت نفسها للنبي صلى اللّه عليه وسلم فزوجها من زيد {أن تكون لهم الخيرة من أمرهم} أن يختاروا من أمرهم شيئا بل يجب عليهم أن يجعلوا اختيارهم تبعا لاختيار اللّه ورسوله والخيرة ما يتخير وجمع الضمير الأول لعموم مؤمن ومؤمنة من حيث انهما في سياق النفي وجمع الثاني للتعظيم وقرأ الكوفيون وهشام يكون بالياء {ومن يعص اللّه ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا} بين الانحراف عن الصواب ٣٧ {وإذ تقول للذي انعم اللّه عليه} بتوفيقك لعتقه واختصاصه {وأنعمت عليه} بما وفقك اللّه فيه وهو زيد بن حارثة {أمسك عليك زوجك} زينب وذلك انه صلى اللّه عليه وسلم ابصرها بعد ما انكحها إياه فوقعت في نفسه فقال سبحان اللّه مقلب القلوب وسمعت زينب بالتسبيحة فذكرت لزيد ففطن لذلك ووقع في نفسه كراهة صحبتها فأتى النبي صلى اللّه عليه وسلم وقال: أريد أن افارق صاحبتي فقال: ما لك ارابك منها شيء فقال: لا واللّه ما رأيت منها إلا خيرا ولكنها لشرفها تتعظم علي فقال له امسك عليك زوجك {واتق اللّه} في أمرها فلا تطلقها ضرارا وتعللا بتكبرها {وتخفي في نفسك ما اللّه مبديه} وهو نكاحها أن طلقها أو إرادة طلاقها {وتخشى الناس} تعييرهم اياك به {واللّه احق أن تخشاه} أن كان في ما يخشى والواو للحال وليست المعاتبة على الاخفاء وحده فإنه حسن بل على الاخفاء مخافة قالة الناس واظهار ما ينافي اضماره فإن الأولى في امثال ذلك أن يصمت أو يفوض الأمر إلى ربه {فلما قضى زيد منها وطرا} حاجة بحيث ملها ولم يبق له فيها حاجة وطلقها وانقضت عدتها {زوجناكها} وقيل قضاء الوطر كناية عن الطلاق مثل لا حاجة لي فيك وقرئ زوجتكها والمعنى انه أمر بتزويجها منه أو جعلها زوجته بلا واسطة عقد ويؤيده إنها كانت تقول لسائر نساء النبي صلى اللّه عليه وسلم إن اللّه تعالى تولى انكاحي وأنتن زوجكن اولياؤكن وقيل كان زيد السفير في خطبتها وذلك ابتلاء عظيم وشاهد بين على قوة ايمانه لكيلا {يكون على المؤمنين حرج في أزواج ادعيائهم إذا قضوا منهن وطرا} علة للتزويج وهو دليل على أن حكمه وحكم الأمة واحدة إلا ما خصه الدليل {وكان أمر اللّه} أمره الذي يريده {مفعولا} مكونا لا محالة كما كان تزويج زينب ٣٨ {ما كان على النبي من حرج فيما فرض اللّه له} قسم وقدر من قولهم فرض له في الديوان ومنه فروض العكس لارزاقهم {سنة اللّه} سن ذلك سنة {في الذين خلوا من قبل} من الأنبياء وهو نفي الحرج عنهم فيما أباح لهم {وكان أمر اللّه قدرا مقدورا} قضاء مقضيا وحكما مبتوتا ٣٩ {الذين يبلغون رسالات اللّه} صفة للذين خلوا أو مدح لهم منصوب أو مرفوع وقرئ رسالة اللّه {ويخشونه ولا يخشون احدا إلا اللّه} تعريض بعد تصريح {وكفى باللّه حسيبا} كافيا للمخاوف أو محاسبا فينبغي أن لا يخشى إلا منه ٤٠ {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم} على الحقيقة فيثبت بينه وبينه ما بين الوالد وولده من حرمة المصاهرة وغيرها ولا ينتقضن عمومه بكونه ابا للطاهر والقاسم وإبراهيم لانهم لم يبلغوا مبلغ الرجال ولو بلغوا كانوا رجاله لا رجالهم {ولكن رسول اللّه} وكل رسول أبو امته لا مطلقا بل من حيث انه شفيق ناصح لهم واجب التوقير والطاعة عليهم وزيد منهم ليس بينه وبينه ولادة وقرئ {رسول اللّه} من عرفتم انه يعش له ولد ذكر {وخاتم النبيين} وآخرهم الذي ختمهم أو ختموا به على قرأءة عاصم بالفتح ولو كان له ابن بالغ لاق بمنصبه أن يكون نبيا كما قال صلى اللّه عليه وسلم في إبراهيم حين توفى: لو عاش لكان نبيا ولا يقدح في نزول عيسى بعده لأنه إذا نزل كان على دنيه مع أن المراد منه انه آخر من نبئ {وكان اللّه بكل شيء عليما} فيعلم من يليق بأن يختم به النبوة وكيف ينبغي شأنه ٤١ {يا أيها الذين آمنوا اذكروا اللّه ذكرا كثيرا} يغلب الاوقات ويعم الانواع بما هو أهله من التقديس والتحميد والتهليل والتمجيد ٤٢ {وسبحوه بكرة وأصيلا} أول النهار وآخره خصوصا وتخصيصهما بالذكر للدلالة على فضلهما على سائر الاوقات لكونهما مشهودين كأفراد التسبيح من جملة الاذكار لانه العمدة فيها وقيل الفعلان موجهان أليهما وقيل المراد بالتسبيح الصلاة ٤٣ {هو الذي يصلي عليكم} بالرحمة {وملائكته} بالاستغفار لكم والاهتمام بما يصلحكم والمراد بالصلاة المشترك وهو العناية بصلاح أمركم وظهور شرفكم مستعار من الصلو وقيل الترحم والانعطاف المعنوي مأخوذ من الصلاة المشتملة على الانعطاف الصوري الذي هو الركوع والسجود واستغفار الملائكة ودعاؤهم للمؤمنين ترحم عليه سيما وهو السبب للرحمة من حيث إنهم مجابو الدعوة {ليخرجكم من الظلمات إلى النور} من ظلمات الكفر والمعصية إلى انوري الإيمان والطاعة {وكان بالمؤمنين رحيما} حيث اعتنى بصلاح أمرهم وانافة قدرهم واستعمل في ذلك ملائكته المقربين ٤٤ {تحيتهم} من إضافة المصدر إلى المفعول أو يحيون {يوم يلقونه} يوم لقائه عند الموت أو الخروج من القبور أو دخول الجنة {سلام} إخبار بالسلامة عن كل مكروه وآفة {وأعد لهم اجرا كريما} هي الجنة ولعل اختلاف النظم لمحافظة الفواصل والمبالغة فيما هو اهم ٤٥ {يا أيها النبي إنا ارسلناك شاهدا} على من بعثت إليهم بتصديقهم وتكذيبهم ونجاتهم وضلالهم وهو حال مقدرة {ومبشرا ونذيرا} ٤٦ {وداعيا إلى اللّه} إلى الإقرار به وبتوحيده وما يجب الإيمان به من صفاته {بإذنه} بتيسيره واطلق له من حيث انه من اسبابه وقيد به الدعوة ايذانا بأنه أمر صعب لا يتأتى إلا بمعونة من جناب قدسه {وسراجا منيرا} يستضاء به عن ظلمات الجهالات ويقتبس من نوره انوار البصائر ٤٧ {وبشر المؤمنين بأن لهم من اللّه فضلا كبيرا} على سائر الأمم أو على جزاء أعمالهم ولعله معطوف على محذوف مثل فراقب احوال امتك ٤٨ {ولا تطع الكافرين والمنافقين} تهييج له على ما هو عليه من مخالفتهم {ودع اذاهم} ايذاءهم اياك ولا تحتفل به أو ايذاءك اياهم مجازاة أو مؤاخذة على كفرهم ولذلك قيل إنه منسوخ {وتوكل على اللّه} فإنه يكفيكهم {وكفى باللّه وكيلا} موكولا إليه الأمر في الأحوال كلها ولعله سبحانه وتعالى لما وصفه بخمس صفات قابل كلا منها بخاطب يناسبه فحذف مقابل الشاهد وهو الأمر بالمراقبة لان ما بعده كالتفصيل له وقابل المبشر بالأمر والسراج المنير بالاكتفاء به فإن من اناره اللّه برهانا على جميع خلقه كان حقيقا بأن يكتفى به عن غيره ٤٩ {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} نجامعوهن وقرأ حمزة الكسائي بألف وضم التاء {فما لكم عليهن من عدة} أيام يتربصن فيها بأنفسهن {تعتدونها} تستوفون عددها من عددت الدراهم فاعتدها كقولك كلته فاكتاله أو تعدونها والاسناد إلى الرجال للدلالة على أن العدة حق الأزواج كما اشعر به فما لكم وعن ابن كثير تعتدونها مخففا على إبدال إحدى الدالية بالياء أو على انه من الاعتداء بمعنى تعتدون فيها وظاهره يقتضي عدم وجوب العدة بمجرد الخلوة وتخصيص المومنات والحكم عام للتنبيه على أن من شأن المؤمن أن لا ينكح إلا مؤمنة تخييرا لنطفته وفائدة ثم ازاحة ما عسى أن يتوهم تراخي الطلاق ريثما تمكن الاصابة كما يؤثر في النسب يؤثر في العدة {فمتعوهن} أي إن لم يكن مفروضا لها فإن الواجب للمفروض لها نصف المفروض دون المتعة ويجوز أن يؤول التمتيع بما يعمهما أو الأمر بالمشترك بين الوجوب والندب فإن المتعة سنة للمفروض لها {وسرحوهن} اخرجوهن من منازلكم إذ ليس لكم عليهن عدة {سراحا جميلا} من غير ضرار ولا منع حق ولا يجوز تفسيره بالطلاق السني لانه مرتب على الطلاق والضمير لغير المدخول بهن ٥٠ {يا أيها النبي أنا احللنا لك ازواجك اللاتي أتيت اجورهن} مهورهن لان المهر اجر على البضع وتقييد الاحلال بإعطائها معجلة لا لتوقف الحل عليه بل لايثار الأفضل له كتقييد احلال المملوكة بكونها مسببة بقوله {وما ملكت يمينك مما أفاء اللّه عليك} فإن المشتراة لا يتحقق بدء أمرها وما جرى عليها وتقييد القرائب بكونها مهاجرات معه في قوله {وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك} ويحتمل تقييد الحل بذلك ف يحقه خاصة ويعضده قول أم هانئ بنت أبي طالب خطبني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاعتذرت إليه فعذرني ثم انزل اللّه هذ الآية فلم احل له لاني لم اهاجر معه كنت من الطلقاء {وامرأة مؤمنة أن وهبت نفسها للنبي} نصب بفعل يفسره ما قبله أو عطف على ما سبق ولا يدفعه التقييد بأن التي للاستقبال فإن المعنى بالاحلال والاعلام بالحل أي اعلمناك حل امرأة مؤمنة تهب لك نفسها ولا تطلب مهرا إن اتفق ولذلك نكرها واختلف في اتفاق ذلك والقائل به ذكر اربعا ميمونة بنت الحارث وزينب بنت خزيمة الأنصارية وأم شريك بنت جابر وخولة بنت حكيم وقرئ أن بالفتح أي لان وهب أو مدة أن وهبت كقولك اجلس ما دام زيد جالسا {أن أراد النبي أن يستنكحها} شرك للشرط الأول في استيجاب الحل فإن هبتها نفسها منه لا توجب له حلها إلا بإرادته نكاحها فإنها جارية مجرى القبول والعدول عن الخطاب إلى الغيبة بلفظ النبي صلى اللّه عليه وسلم مكررا ثم الرجوع إليه في قوله {خالصة لك من دون المؤمنين} ايذان بأنه مما خص به لشرف نبوته وتقرير لاستحقاق الكرامة لاجله واحتج به اصحابنا على أن النكاح لا ينعقد بلفظ الهبة لان اللفظ تابع للمعنى وقد خص صلى اللّه عليه وسلم بالمعنى فيختص باللفظ والاستنكاح طلب النكاح والرغبة فيه وخالصة مصدر مؤكد أي خلص احلالها أو احلال ما احللنا لك على القيود المذكورة خلصوا لك أو حال نم الضمير في وهبت أو صفة لمصدر محذوف أي هبة خالصة {قد علمنا ما فرضنا عليهم في ازواجهم} من شرائط العقد ووجوب القسم والمهر بالوطء حيث لم يسم {وما ملكت ايمانهم} من توسيع الأمر فيها انه كيف ينبغي أن يفرض عليهم والجملة اعتراض بين قوله {لكيلا يكون عليك حرج} ومتعلقه وهو خالصة للدلالة على أن الفرق بينه وبين المؤمنين في نحو ذلك لا لمجرد قصد التوسيع عليه بل لمعان تقتضي التوسيع عليه والتضييق عليهم تارة وبالعكس أخرى {وكان اللّه غفورا} لما يعسر التحرز عنه {رحيما} بالتوسعة في مظان الحرج ٥١ {ترجي من تشاء منهن} تؤخرها وتترك مضاجعتها {وتؤوي إليك من تشاء} وتضم إليك من تشاء وتضاجعها أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص ترجي بالياء والمعنى واحد {ومن ابتغيت} طلبت {ممن عزلت} طلقت بالرجعة {فلا جناح عليك} في شيء من ذلك {ذلك ادنى أن تقر اعينهم ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن} ذلك التفويض إلى مشيئتك اقرب إلى قرة عيونهن وقلة حزنهن ورضاهن جميعا لأن حكم كلهن فيه سواء ثم أن سويت بينهن وجدن ذلك تفضلا منك وان رجحت بعضهن علمن انه بحكم اللّه تعالى فتطمئن به نفوسهم وقرئ تقر بضم التاء و أعينهن بالنصب و تقر بالبناء للمفعول و كلهن تأكيد نون يرضين وقرئ بالنصب تأكيدا لهن {واللّه يعلم ما في قلوبكم} فاجتهدوا في احسانه {وكان اللّه عليما} بذات الصدور {حليما} لا يعاجل بالعقوبة فهو حقيق بأن يتقى ٥٢ {لا يحل لك النساء} بالياء لأن تأنيث الجمع غير حقيقي وقرأ البصريان بالتاء {من بعد} من بعد التسع وهو في حقه كالاربع في حقنا أو من بعد اليوم حتى لو ماتت واحدة لم يحل له نكاح أخرى {ولا أن تبدل بهن من أزواج} فتطلق وماحدة وتنكح مكانها أخرى و من مزيدة لتأكيد الاستغراق {ولو اعجبك حسنهن} حسن الأزواج المستبدلة وهو حال من فاعل تبدل دون مفعوله وهو من أزواج لتوغله في التنكير وتقديره مفروضا اعجابك بهن واختلف في أن الآية محكمة أو منسوخة بقوله ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء [الاحزاب:٥١] على المعنى الثاني فإنه وإن تقدمها قرأءة فهو مسبوق بها نزولا وقيل المعنى لا يحل لك النساء من بعد الاجناس الأربعة اللاتي نص على احلالهن لك ولا أن تبدل بهن ازواجا من اجناس آخر {إلا ما ملكت يمينك} استثناء من النساء لانه يتناول الأزواج والاماء وقيل منقطع {وكان اللّه على كل شيء رقيبا} فتحفظوا امركم ولا تتخطوا ما حد لكم ٥٣ {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم} إلا وقت أن يؤذن لكم أو إلا مأذونا لكم {إلى طعام} متعلق ب يؤذن لانه متضمن معنى يدعى للاشعار بأنه لا يحسن الدخول على الطعام من غير دعوة وان أذن كما اشعر به قوله {غير ناظرين اناه} غير منتظرين وقته أو إدراكه حال من فاعل لا تدخلوا أو المجرور في لكم وقرئ بالجر صفة لطعام فيكون جاريا على غير من هو له بلا ابراز الضمير وهو غير جائز عند البصريين وقد امال حمزة والكسائي اناه لانه مصدر انى الطعام إذا أدرك {ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا} تفرقوا ولا تمكثوا ولأنه خطاب لقوم كانوا يتحينون طعام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيدخلون ويقعدون منتظرين لادراكه مخصوصة بهم وبأمثالهم وإلا لما جاز أحد أن يدخل بيوته بالاذن لغير الطعام ولا اللبث بعد الطعام لهم {ولا مستأنسين لحديث} لحديث بعضكم بعضا أو لحديث أهل البيت بالتسمع له عطف على ناظرين أو مقدر بفعل أي ولا تدخلوا أو ولا تمكثوا مستأنسين {إن ذلكم} اللبث {كان يؤذي النبي} لتضييق المنزل عليه وعلى أهله واشغاله بما لا يعنيه {فيستحي منكم} من اخراجكم بقوله {واللّه لا يستحيي من الحق} يعني أن اخراجكم حق فينبغي أن لا يترك حياء كما لم يتركه اللّه ترك الحيي فأمركم بالخروج وقرئ لا يستحي بحذف الياء الأولى والقاء حركتها على الحاء {وإذا سألتموهن متاعا} شيئا ينتفع به {فاسألوهن} المتاع {من وراء حجاب} ستر روي أن عمر رضي اللّه عنه قال يا رسول اللّه يدخل عليك البر والفاجر فلو امرت امهات المؤمنين بالحجاب فنزلت وقيل انه صلى اللّه عليه وسلم كان يطعم ومعه بعض اصحابه فاصابت يد رجل عائشة رضي اللّه عنها فكره النبي صلى اللّه عليه وسلم ذلك فنزلت {ذلكم اطهر لقلوبكم وقلوبهن} من الخواطر النفسانية الشيطانية {وما كان لكم} وما صح لكم {أن تؤذوا رسول اللّه} أن تفعلوا ما يكرهه {ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا} من بعد وفاته أو فراقه وخص التي لم يدخل بها لما روي أن اشعث بن قيس تزوج المستعيذة في أيام عمر رضي اللّه عنه فهم برجمها فأخبر بأنه صلى اللّه عليه وسلم فارقها قبل أن يمسها فتركها من غير نكير {إن ذلكم} يعني ايذاءه ونكاح نسائه {كان عند اللّه عظيما} ذنبا عظيما وفيه تعظيم من اللّه لرسوله وايجاب لحرمته حيا وميتا ولذلك بالغ في الوعيد عليه فقال ٥٤ {أن تبدوا شيئا} كنكاحهن على السنتكم {أو تخفوه} في صدوركم {فإن اللّه كان بكل شيء عليما} فيعلم ذلك فيجازيكم به وفي هذا التعميم مع البرهان على المقصود مزيد تهويل ومبالغة في الوعيد ٥٥ {لا جناح عليهن في آبائهن ولا ابنائهن ولا اخوانهن ولا أبناء اخوانهن ولا أبناء اخواتهن} استثناء لمن لا يجب الاحتجاب عنهم روي انه لما نزلت آية الحجاب قال الاباء والابناء والاقارب يا رسول اللّه أو نكلمهن أيضا من وراء حجاب فنزلت وانما لم يذكر العم والخال لانهما بمنزلة الوالدين ولذلك سمى العم ابا في قوله وإله ابائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق [البقرة:١٣٣] أو لانه كره ترك الاحتجاب عنهما مخافة أن يصفا لابنائهما {ولا نسائهن} يعني نساء المؤمنات {ولا ما ملكت ايمانهن} من العبيد والاماء وقيل من الاماء خاصة وقد مر في سورة النور {واتقين اللّه} فيما امرتن به {إن اللّه كان على كل شيء شهيدا} لا يخفى عليه خافية ٥٦ {إن اللّه وملائكته يصلون على النبي} يعتنون بإظهار شرفه وتعظيم شأنه {يا آيها الذين آمنوا صلوا عليه} اعتنوا انتم أيضا فإنكم اولى بذلك وقولوا اللّهم صل على محمد {وسلموا تسليما} وقولوا السلام عليك آيها النبي وقيل وانقادوا لاوامره والاية تدل على وجوب الصلاة والسلام عليه في الجملة وقيل تجب الصلاة كلما جرى ذكره لقوله صلى اللّه عليه وسلم رغم انف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي وقوله من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده اللّه وتجوز الصلاة على غيره تبعا وتكره استقلالا لانه في العرف صار شعارا لذكر الرسول صلى اللّه عليه وسلم ولذلك كره أن يقال محمد عز وجل وان كان عزيزا وجليلا ٥٧ {أن الذين يؤذون اللّه ورسوله} يرتكبون ما يكرهانه من الكفر والمعاصي أو يؤذون رسول اللّه بكسر رباعيته وقولهم شاعر مجنون ونحو ذلك وذكر اللّه للتعظيم له من جوز إطلاق اللفظ على معنيين فسره بالمعنيين باعتبار المعمولين {لعنهم اللّه} ابعدهم من رحمته {في الدنيا والاخرة واعد لهم عذابا مهينا} يهينهم مع الايلام ٥٨ {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا} بغير جناية استحقوا بها الايذاء {فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا} ظاهرا قيل إنها نزلت في منافقين كانوا يؤذون عليا رضي اللّه عنه وقل في أهل الإفك وقيل في زناة كانوا يتبعون النساء وهن كارهات ٥٩ {يا آيها النبي قل لازواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} يغطين وجوههن وابدانهن بملاحفهن إذا برزن لحاجة و من للتبعيض فإن المرأة ترخي بعضه جلبابها وتتلفع ببعض و {ذلك ادنى أن يعرفن} يميزن من الاماء والقينات {فلا يؤذين} فلا يؤذيهن أهل الريبة بالتعرض لهن {وكان اللّه غفورا} لما سلف {رحيما} بعباده حيث يراعي مصالحهم حتى الجزئيات منها ٦٠ {لئن لم ينته المنافقون} عن نفاقهم {والذين في قلوبهم مرض} ضعف إيمان وقلة ثبات عليه أو فجور عن تزلزلهم في الدين أو فجورهم {والمرجفون في المدينة} يرجفون أخبار السوء عن سرايا المسلمين ونحوها من ارجافهم واصله التحريك من الرجفة وهي الزلزلة سمي بها الأخبار الكاذاب لكونه متنزلزلا غير ثابت {لنغرينك بهم} لنأمرنك بقتالهم واجلائهم أو ما يضطرهم إلى طلب الجلاء {ثم لا يجاورونك} عطف على لنغرينك و ثم للدلالة على أن الجلاء ومفارقة جوار الرسول اعظم ما يصيبهم {فيها} في المدينة {إلا قليلا} زما نا أو جوارا قليلا معلونين نصب على الشتم أو الحال والاستثناء شامل له أيضا أي لا يجاورونك إلا ٦١ {ملعونين} ولا يجوز أن ينصب عن قوله {اينما ثقفوا اخذوا وقتلوا تقتيلا} لان ما بعد كلمة الشرط لا يعمل فيما قبلها ٦٢ {سنة اللّه في الذين خلوا من قبل} مصدر مؤكد أي سن اللّه ذلك في الأمم الماضية وهو أن يقتل الذين نافقوا الأنبياء وسعوا في وهنهم بالأرجاف ونحوه اينما ثقفوا {ولن تجد لسنة اللّه تبديلا} لانه لا يبدلها ولا يقدر أحد أن يبدلها ٦٣ {يسئلك الناس عن الساعة} عن وقت قيامها استهزاء وتعنتا أو امتحانا {قل إنما علمها عند اللّه} لم يطلع عليه ملكا ولا نبيا {وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا} شيئا قريبا أو تكون الساعة عن قريب وانتصابه على الظرف ويجوز أن بكون التذكير لان الساعة في معنى اليوم وفيه تهديد للمستعجلين واسكات للمتعنتين ٦٤ {أن اللّه لعن الكافرون واعد لهم سعيرا} نارا شديدة الاتقاد ٦٥ {خالدين فيها ايدا لا يجدون وليا} يحفظهم {ولا نصيرا} يدفع العذاب عنهم ٦٦ {يوم تقلب وجوههم في النار} تصرف من جهة إلى جهة كاللحم يشوى بالنار أو من حال إلى حال وقرئ تقلب بمعنى تتقلب و تقلب ومتعلق الظرف {يقولون يا ليتنا اطعنا اللّه واطعنا الرسولا} فلن نبتلي بهذا العذاب ٦٧ {وقالوا ربنا إنا اطعنا سادتنا وكبراءنا} يعنون قادتهم الذي لقنوهم الكفر وقرأ ابن عامر ويعقوب ساداتنا على جمع الجمع للدلالة على الكثرة {فأضلونا السبيلا} بما زينوا لنا ٦٨ {ربنا آتهم ضعفين من العذاب} مثلي ما آتيتنا منه لأنهم ضلوا وأضلوا {والعنهم لعنا كثيرا} كثير العدد وقرأ عاصم بالباء أي لعنا هو اشد اللعن وأعظمه ٦٩ {يا آيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه اللّه مما قالوا} فأظهر براءته من مقولهن يعني مؤداه ومضمونه وذلك أن قارون حرض امرأة على قذفه بنفسها فعصمه اللّه كما مر في القصص أو اتهمه ناس بقتل هارون لما خرج معه إلى الطور فمات هناك فحملته الملائكة ومروا به حتى رؤوه غير مقتول وقيل احياه اللّه فأخبرهم ببراءته أو قذفوه بعيب ف بدنه من برص أو ادرة لفرط تستره حياء فأطلعهم اللّه على انه بريء منه {وكان عند اللّه وجيها} ذا قربة ووجاهة وقرئ وكان عبد اللّه وجيها ٧٠ {يا آيها الذين آمنوا اتقوا اللّه} في ارتكاب ما يكرهه فضلا عما يؤذي رسوله {وقولوا قولا سديدا} قاصدا إلى الحق من سد يسد سدادا والمراد النهي عن ضده كحديث زينب من غير قصد ٧١ {يصلح لكم أعمالكم} يوفقكم للاعمال الصالحة أو يصلحها بالقبول والاثابة عليها {ويغفر لكم ذنوبكم} ويجعلها مكفرة باستقامتكم في القول والعمل {ومن يطع اللّه ورسوله} في الاوامر والنواهي {فقد فاز فوزا عظيما} يعيش في الدنيا حميدا في الآخرة سعيدا ٧٢ {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان} تقرير للوعد السابق بتعظيم الطاعة وسماها امانة من حيث إنها واجبة الاداء والمعنى إنها لعظمة شأنها بحيث لو عرضت على هذه الاجرام العظام وكانت ذات شعور وادراك لابين أن يحملنها واشفقن منها وحملها الإنسان مع ضعيف بنيته ورخاوة قوته لا جرم فاز الراعي لها والقائم بحقوقها بخر الدارين {انه كان ظلوما} حيث لم يف بها ولم يراع حقها {جهولا} بكنه عاقبتها وهذا وصف للجنس باعتبار الاغلب وقيل المراد ب الأمانة الطاعة التي تعم الطبيعية والاختيارية وبعرضها استدعاؤها الذي يعم طلب الفعل من المختار وارادة صدوره من غيره وبحملها الخيانة فيها والامتناع عن أدائها ومنه قولهم حامل الأمانة ومحتملها لمن لا يؤديها فتبرأ ذمته فيكون الاباء عنه اتيانا بما يمكن أن يتأتى منه والظلم والجهالة الخيانة والتقصير وقيل انه تعالى لما خلق هذه الاجرام خلق فيها فهما وقال لها أني فرضت فريضة وخلقت جنة لمن اطاعني فيها ونارا لمن عصاني فقلن نحن مسخرات على ما خلقتنا لا نحتمل فريضة ولا نبغي ثوابا ولا عقابا ولما خلق آدم عرض عليه مثل ذلك فحمله وكان ظلوما لنفسه بتحمله ما يشق عليها جهولا بوخامة عاقبته ولعل المراد ب الأمانة العقل أو التكليف وبعرضها عليهن اعتبارها بالاضافة إلى استعدادهن وبإبائهن الاباء الطبيعي الذي هو عدم اللياقة والاستعداد وبحمل الإنسان قابليته واستعداده لها وكونه ظلوما جهولا لما غلب عليه من القوة الغضبية والشهوية وعلى هذا يحسن أن يكون علة للحمل عليه فإن من فوائد العقل أن يكون مهيمنا على القوتين حافظا لهما عن التعدي ومجاوزة الحد ومعظم مقصود التكليف تعديلهما وكسر سورتهما ٧٣ {ليعذب اللّه المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب اللّه على المؤمنين والمؤمنات} تعليل للحمل من حيث انه نتيجته كالتأديب للضرب في ضربته تأديبا وذكر التوبة في الوعد أشعار بأنهم كونهم ظلوما جهولا ي جبلتهم لا يخليهم عن فرطات {وكان اللّه غفورا رحيما} حيث تاب عن فرطاتهم واثاب بالفوز على طاعاتهم قال صلى اللّه عليه وسلم: من قرأ سورة الأحزاب وعلمها أهله أو ما ملكت يمينه اعطي الامان من عذاب القبر |
﴿ ٠ ﴾