تفسير البيضاوي: أنوار التنزيل و أسرار التأويل أبو سعيد عبد اللّه بن عمر بن محمد بن علي

البيضاوي الشيرازي الفارسي، ناصر الدين، القاضي الشافعي (ت ٦٨٥ هـ ١٢٨٦ م)

_________________________________

سورة سبأ

سورة سبأ مكية وقيل إلا قوله ويرى الذين أتوا العلم الآية وآيها أربع وخمسون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{الحمد للّه الذي له ما في السماوات وما في الأرض} خلقا ونعمة فله الحمد في الدنيا لكمال قدرته وعلى تمام نعمته

{وله الحمد في الآخرة} لان ما في الآخرة أيضا كذلك وليس هذا من عطف المقيد على المطلق فإن الوصف بما يدل على انه المنعم بالنعم الدنيوية قيد الحمد بها وتقديم الصلة للاختصاص فإن النعم الدنيوية قد تكون بواسطة من يستحق الحمد لأجلها ولا كذلك نعم الآخرة

{وهو الحكيم} الذي احكم أمور الدارين

{الخبير} ببواطن الاشياء

٢

{يعلم ما يلج في الأرض} كالغيث ينفذ في موضع وينبع في آخر وكالكنوز والدفائن والاموات

{وما يخرج منها} كالحيوان والنبات والفلزات وماء العيون

{وما ينزل من السماء} كالملائكة والكتب والمقادير والارزاق والانداء والصواعق

{وما يعرج فيها} كالملائكة واعمال العباد والابخرة والادخنة

{وهو الرحيم الغفور} للمفرطين في شكر نعمته مع كثرتها أو في الآخرة مع ما له من سوابق هذه النعم الفائتة للحصر

٣

{وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة} انكار لمجيئها أو استبطاء استهزاء بالوعد به

{قل بلى} رد لكلامهم واثبات لما نفوه

{وَرَبِّي لتأتينكم عالم الغيب} تكرير لايجابه مؤكدا بالقسم مقررا لوصف القسم به بصفات تقرر امكانه وتنفي استبعاده على ما مر غير مرة وقرأ حمزة والكسائي علام الغيب للمبالغة ونافع وابن عمر ورويس عالم الغيب بالرفع على انه خبر محذوف أو مبتدأ خبره

{لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض} وقرأ الكسائي لا يعزب بالكسر

{ولا اصغر من ذلك ولا اكبر إلا في كتاب مبين} جملة مؤكدة لنفي العزوب ورفعهما بالابتداء ويؤيده القرأءة بالفتح على نفي الجنس ولا يجوز عطف المرفوع على مثقال والمفتوح على ذرة بأنه فتح في موضع الجر لامتناع الصرف لان الاستثناء يمنعه اللّهم إلا إذا جعل الضمير في عنه للغيب وجعل المثبت في اللوح خارجا عنه لظهوره على المطالعين له فيكون المعنى لا ينفصل عن الغيب شيء إلا مسطورا في اللوح

٤

{ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات} علة لقوله لتأتينكم وبيان لما يقتضي اتيانها

{أولئك لهم مغفرة ورزق كريم} لا تعب فيه ولا من عليه

٥

{والذين سعوا في آياتنا} بإبطال وتزهيد فيها

{معاجزين} مسابقين كي يفوتونا وقرأ ابن كثير وأبو عمرو معجزين أي مثبطين عن الإيمان من اراده

{أولئك لهم عذاب من رجز} من سيء العذاب

{اليم} مؤلم ورفعه ابن كثير ويعقوب وحفص

٦

{ويرى الذين أتوا العلم} ويعلم أولو العلم من الصحابة ومن شايعهم من الأمة أو من مسلمي أهل الكتاب

{الذي انزل إليك من ربك} القرآن

{هو الحق} ومن رفع الحق جعل هو مبتدأ و الحق خبره والجملة ثاني مفعولي يرى وهو مرفوع مستأنف للاستشهاد بأولي العلم على الجهلة الساعين في الآيات وقيل منصوب معطوف على ليجزي أي وليعلم اولو العلم عند مجيء الساعة انه الحق عيانا كما علموه الآن برهانا

{ويهدي إلى صراط العزيز الحميد} الذي هو التوحيد والتدرع بلباس التقوى

٧

{وقال الذين كفروا} ى قال بعضهم لبعض

{هل ندلكم على رجل} يعنون محمدا صلى اللّه عليه وسلم

{ينبئكم} يحدثكم بأعجب الاعاجيب

{إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد} انكم تنشؤون خلقا جديدا بعد أن تمزق اجساكم كل تمزيق وتفريق بحيث تصير ترابا وتقديم الظرف للدلالة على البعد والمبالغة فيه وعامله محذوف دل عليه ما بعده فإن ما قبله لم يقارنه وما بعده مضاف إليه أو محجوب بينه وبينه بأن و ممزق يحتمل أن يكون مكانا بمعنى إذا مزقتم وذهبت بكم السيول كل مذهب وطرحتم كل مطرح وجديد بمعنى فاعل من حد وقيل بمعنى مفعول من جد النساج الثوب إذا قطعه

٨

{أفترى على اللّه كذبا أم به جنة} جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه واستدل بجعلهم إياه قسيم الافتراء غير معتقدين صقده على أن بين الصدق والكذب واسطة وهو كل خبر لا يكون عن بصيرة بالمخبر عنه وضعفه بين لان الافتراء أخص من الكذب

{بل الذين لا يؤمنون بالاخرة في العذاب والضلال البعيد} رد من اللّه تعالى عليهم ترديدهم واثبات لهم ما هو افظع من القسمين وهو الضلال البعيد عن الصواب بحيث لا يرجى الخلاص منه وما هو مؤداه من العذاب وجعله رسيلا له في الوقوع ومقدما عليه في اللفظ للمبالغة في استحقاقهم له والبعد في الأصل صفة الضال ووصف الضلال به على الإسناد المجازي

٩

{أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء} تذكير بما يعاينونه مما يدل على كمال قدرة اللّه وما يحتمل فيه ازاحة لاستحالتهم الإحياء حتى جعلوه افتراء وهزؤا وتهديدا عليها والمعنى اعموا فلم ينظروا إلى ما احاط بجوانبهم من السماء والأرض ولم يتفكروا اهم اشد خلقا أم السماء وإنا إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا ولتكذيبهم بالآيات بعد ظهور البينات وقرأ حمزة والكسائي يشأ و يخسف و يسقط بالياء لقوله افترى على اللّه [سبأ:٨] والكسائي وحده بإدغام الفاء في الباء وحفص كسفا بالتحريك

{إن في ذلك} النظر والتفكر فيهما وما يدلان عليه

{لآية} لدلالة {لكل عبد منيب} راجع إلى ربه فإنه يكون كثيرا التأمل في آمره

١٠

{ولقد آتينا داود منا فضلا} أي على سائر الأنبياء وهو ما ذكر بعد أو علا سائر الناس فيندرج فيه النبوة والكتاب والملك والصوت الحسن يح

{يَا جبال اوبي معه} رجعي معه التسبيح أو النوحة على الذنب وذلك أما بخلق صوت مثل صوته فيها أو بحملها إياه على التسبيح إذا تأمر ما فيها أو سيري معه حيث سار وقرئ اوبي من الاوب أي ارجعي في التسبيح كلما رجع فيه وهو بدل من فضلا

{أو من} آتينا بإضمار قولنا أو قلنا

{والطير} عطف على محل الجبال ويؤيده القرأءة بالرفع عطفا على لفظها تشبيها للحركة البنائية العارضة بالحركة الاعرابية أو على فضلا أو مفعول معه ل اوبي وعلى هذا يجوز أن يكون الرفع بالعطف على ضميره وكان الأصل ولقد آتينا داود منا فضلا تأويب الجبال والطير فبدل بهذا النظم لما فيه من الفخامة والدلالة على عظم شأنه وكبرياء سلطانه حيث جعل الجبال والطيور كالعقلاء المنقادين لامره في نفاذ مشيئته فيها

{وألنا له الحديد} جعلناه في يده كالشمع يصرفه كيف يشاء من غير احماء وطرق بالانته أو بقوته

١١

{أن اعمل} امرناه أن اعمل ف أن مفسرة أو مصدرية

{سابغات} دروعا واسعات وقرئ صابغات وهو أول من اتخذها

{وقدر في السرد} وقد في نسجها بحيث يتناسب حلقها أو قدر مساميرها فلا تجعلها دقاقا فتقلق ولا غلاظا فتنخرق ورد بأن دروعه لم تكن مسمرة ويؤيده قوله وألنا له الحديد

{واعملوا صالحا} الضمير فيه لداود وأهله

{إني بما تعملون بصير} فأجازيكم عليه

١٢

{ولسليمان الريح} أي وسخرنا له الريح وقرئ الريح بالرفع أي ولسليمان الريح مسخرة وقرئ الرياح

{غدوها شهر ورواحها شهر} جريها بالغداة مسيرة شهر وبالعشي كذلك وقرئ غدوتها و وروحتها

{وأسلنا له عين القطر} النحاس المذاب أساله من معدنه فنبع منه نبوع الماء من الينبوع ولذلك سماه عينا وكان ذلك باليمن

{ومن الجن من يعمل بين يديه} عطف على الريح و من الجن حال مقدمة أو جملة من مبتدأ وخبر

{بإذن ربه} بأمره {ومن يزغ منهم} ومن يعدل منهم

{عن أمرنا} عما أمرناه من طاعة سليمان وقرئ بزغ من أزاغه

{نذقه من عذاب السعير} عذاب الآخرة

١٣

{يعملون له ما يشاء من محاريب} قصور حصينة ومساكن شريفة سميت بها لأنها يذب عنها ويحارب عليها

{وتماثيل} وصورا هي تماثيل للملائكة والانبياء على ما اعتادوا من العبادات ليراها الناس فيعبدوا نحو عبادتهم وحرمة التصاوير شرع مجدد روي انهم عملوا له اسدين في اسفل كرسيه ونسرين فوقه فإذا أراد أن يصعد بسط الاسدان له ذراعيهما وإذا قعد اظله النسران باجنحتهما

{وجفان} وصحاف {كالجواب} كالحياض الكبار جمع جابية من الجباية وهي من الصفات الغالبة كالدابة

{وقدور راسبات} ثابتات على الاثافي لا تنزل عنها لعظمها

{اعملوا آل داود شكرا} حكاية عما قيل لهم وشكرا نصب على العلة أي اعلموا له واعبدوه شكرا أو المصدر لأن العمل له شكرا أو الوصف له أو الحال أو المفعول به

{وقليل من عبادي الشكور} المتوفر على أداء الشكر بقلبه ولسانه وجوارحه اكثر اوقاته ومع ذلك لا يوفي حقه لان توفيقه الشكر نعمة تستدعي شكرا آخر لا إلى نهايته ولذلك قيل الشكور من يرعى عجزه عن الشكر

١٤

{فلما قضينا عليه الموت} أي على سليمان

{ما دلهم على موته} ما دل الجن وقيل آله

{إلا دابة الأرض} أي الارضة اضيفت إلى فعلها وقرئ بفتح الراء وهو تأثر الخشية من فعلها يقال ارضت الارضة الخشبة ارضا فأرضت ارضا مثل أكلت القوادح الأسنان اكلا فأكلت اكلا

{تأكل منسأته} عصاه من نسأت البعير إذا طردته لأنها يطرد بها وقرئ بفتح الميم وتخفيف الهمزة قلبا وحذفا على غير قياس إذ القياس اخراجها بين و منساءته على مفعالة كميضاءة في ميضاة و منسأته أي طرف عصاه مستعار من سأة القوس وفيه لغتان كما في قحة وقحة وقرأ نافع وأبو عمرو منساته بألف بدلا من الهمزة وابن ذكوان بهمزة ساكنة وحمزة إذا وقف جعلها بين بين

{فلما خر تبينت الجن} علمت الجن بعد التباس الأمر عليهم

{أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين} انهم لو كانوا يعلمون الغيب كما يزعمون لعلموا موته حينما وقع فلم يلبثوا حولا في تسخيره إلى أن خر أو ظهرت الجن وان بما في حيزه بدل منه أي ظهر أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب وذلك أن داود اسس بيت المقدس في موضع فسطاط موسى عليهما الصلاة والسلام فمات قبل تمامه فوصى به إلى سليمان عليه السلام فاستعمل الجن فيه فلم يتم بعد إذ دنا اجله واعلم به أراد أن يعمي عليهم موته ليتموه فدعاهم فبنوا عليه صرحا من قوارير ليس له باب فقام يصلي متكئا على عصاه فقبض روحه وهو متكئ عليها فبقي كذلك حتى اكلتها الارضة فخر ثم فتحوا عنه أرادوا أن يعرفوا وقت موته فوضعوا الارضة على العصا فأكلت يوما وليلة مقدارا فحسبوا على ذلك فوجوده قد مات منذ سنة وكان عمره ثلاثا وخمسين سنة وملك وهو ابن ثلاثة عشرة سنة وابتدأ عمارة بيت المقدس لاربع مضين من ملكه

١٥

{لقد كان لسبأ} لاولاد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ومنع الصرف عنه ابن كثير وأبو عمرو لانه صار اسم القبيلة وعن ابن كثير قلب همزته الفا ولعله اخرجه بين بين فلم يؤده الراوي كما وجب

{في مساكنهم} في مواضع سكناهم وهي باليمين يقال لها مأرب بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث أيام وقرأ حمزة وحفص بالافراد والفتح والكسائي بالكسر حملا على ما شذ من القياس كالمسجد والمطلع

{آية} علامة دالة على وجود الصانع المختار وانه قادر على ما يشاء من الأمور العجيبة مجاز للمحسن والمسيء معاضدة للبرهان السابق كما في قصتي داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام

{جنتان} بدل من آية أو خبر محذوف تقديره الآية جنتان وقرئ بالنصب على المدح والمراد جماعتان من البساتين

{عن يمين وشمال} جماعة عن يمين بلدهم وجماعة عن شماله كل واحدة منهما في تقاربها وتضامنها كأنها جنة واحدة أو بستانا كل رجل منهم عن يمين مسكنه وشماله

{كلوا من رزق ربكم واشكروا له} حكاية لما قال لهم نبيهم أو لسان الحال أو دلالة بأنهم كانوا احقاء بأن يقال لهم ذلك

{بلدة طيبة ورب غفور} استئناف للدلالة على موجب الشكر أي هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة طيبة وربكم الذي رزقكم وطلب شركركم رب غفور فرطات من يشكره وقرئ الكل بالنصب على المدح قيل كانت اخصب البلاد واطيبها لم يكن فيها عاهة ولا هامة

١٦

{فأعرضوا} عن الشكر {فأرسلنا عليهم سيل العرم} سيل الأمر العرم أي الصعب من عرم الرجل هو عارم وعرم إذا شرس خلقه وصعب أو المطر الشديد أو الجرذ اضاف إليه ال سيل لأنه نقب عليهم سكرا ضربته لهم بلقيس فحقنت به ماء الشجر وتركت فيه ثقبا على ما يحتاجون إليه أو المسناة التي عقدت سكرا على انه جمع عرمة وهي الحجارة المركومة وقيل اسم واد جاء السيل من قبله وكان ذلك بين عسى ومحمد صلى اللّه عليه وسلم

{وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذَوَاتَى أكل خمط} ثمر بشع فإن الخمط كل نبت اخذ طعما من مرارة وقيل الاراك أو كل شجر لا شوك له والتقدير كل آكل خمط فحذف المضاف واقيم المضاف إليه مقامة في كونه بدلا أو عطف بيان

{وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ من سدر قليل} معطوفان على أكل لا على خمط فإن الاثل هو الطرفاء ولا ثمر له وقرئا بالنصب عطفا على جنتين ووصف السدر بالقلة فإن جناه وهو النبق مما يطيب أكله ولذلك يغرس في البساتين وتسمية البدل جنتين للمشاكلة والتهكم وقرأ أبو عمرو ذاتي آكل بغير تنوين اللام وقرأ الحرميان بتخفيف أكل

١٧

{ذلك جزيناهم بما كفروا} بكفرانهم النعمة أو بكفرهم بالرسل إذ روي انه بعث إليهم ثلاثة عشر نبيا فكذبوهم وتقديم المفعول للتعظيم لا للتخصيص

{وهل يجازى إلا الكفور} وهل يجازى بمثل ما فعلنا بهم إلا البليغ في الكفران أو الكفر وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص نجازي بالنون و الكفور بالنصب

١٨

{وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها} بالتوسعة على أهلها وهي قرى الشأم

{قرى ظاهرة} متواصلة يظهر بعضها لبعض أو راكبة متن الطريق ظاهرة لابناء السبيل

{وقدرنا فيها السير} بحيث يقيل الغادي في قرية ويبيت الرائح في قرية إلى أن يبلغ الشام

{سيروا فيها} على إرادة القول بلسان الحال أو المقال

{ليالي واياما} متى شئتم من ليل أو نهار

{آمنين} لا يختلف الامن فيها باختلاف الاوقات أو سيروا آمنين وان طالت مدة سفركم فيها أو سيروا فيها ليالي اعماركم وايامها لا تلقون فيها إلا الامن

١٩

{فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا} اشروا النعمة وملوا العافية كبني إسرائيل فسألوا اللّه أن يجعل بينهم وبين الشام مفاوز ليتطاولوا فيها على الفقرأء بركوب الرواحل وتزود الازواد فأجابهم اللّه بتخريب القرى المتوسطة وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وهشام بعد ويعقوب ربنا باعد بلفظ الخبر على انه شكوى منهم لبعد سفرهم افراطا في الترفه وعدم الاعتداد بما انعم اللّه عليهم فيه ومثله قرأءة من قرأ ربنا بعد أو بعد على النداء واسناد الفعل إلى بين

{وظلموا أنفسهم} حيث بطروا النعمة ولم يعتدوا بها

{فجعلناهم أحاديث} يتحدث الناس بهم تعجبا وضرب مثل فيقولون تفرقوا أيدي سبأ

{ومزقناهم كل ممزق} ففرقناهم غاية التفريق حتى لحق غسان منهم بالشأم وانمار بيثرب وجذام بتهامة والازد بعمان

{إن في ذلك} فيما ذكر

{لآيات لكل صبار} عن المعاصي

{شكور} على النعم

٢٠

{ولقد صدق عليهم إبليس ظنه} أي صدق في ظنه أو صدق بظن ظنه مثل فعلته جهدك ويجوز أن يعدى الفعل إليه بنفسه كما في صدق وعده لانه نوع من القول وشدده الكوفيون بمعنى حق ظنه أو وجده صادقا وقرئ بنصب إبليس ورفع الظن مع التشديد بمعنى وجد ظنه صادقا والتخفيف بمعنى قال له ظنه الصدق حين خيله اغواءهم وبرفعهما والتخفيف على الابدان وذلك أما ظنه بسبأ حين رأى انهماكهم في الشهوات أو ببني آدم حين رأى اباهم النبي ضعيف العزم أو ما ركب فيهم من الشهوة والغضب أو سمع من الملائكة قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها [البقرة:٣٠] فقال لأضلنهم [النساء:١١٩] و لأغوينهم [الحجر:٣٩]

{فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين} إلا فريقا هم المؤمنون لم يبتعوه وتقليلهم بالاضافة إلى الكفار أو إلا فريقا من فرق المؤمنين لم يتبعوه في العصيان وهم المخلصون

٢١

{وما كان له عليهم من سلطان} تسلط واستيلاء بالوسوسة والاستغواء

{إلا لنعلم من يؤمن بالاخرة ممن هو منها في شك} إلا ليتعلق علمنا بذلك تعلقا يترتب عليه الجزاء أو ليتميز المؤمن من الشاك أو ليؤمن من قدر ايمانه ويشك من قدر ضلاله والمراد من حصول العلم حصول متعلقة مبالغة في نظم الصلتين نكتة لا تخفى

{وربك على كل شيء حفيظ} محافظ والزنتان متآخيتان

٢٢

{قل} للمشركين {ادعوا الذين زعمتم} أي زعمتموهم آلهة وهما مفعولا زعم حذف الأول لطول الموصول بصلته والثاني لقيام صفته مقامه ولا يجوز أن يكون هو مفعوله الثاني لأنه لا يلتئم مع الضمير كلاما ولا لا يملكون لانهم لا يزعمونه

{من دون اللّه} والمعنى ادعوهم فيما يهمكم من جلب نفع أو دفع ضر لعلهم يستجيبون لكم إن صحدعواكم ثم اجاب عنهم اشعارا بتعين الجواب وأنه لا يقبل المكابرة فقال

{لا يملكون مثقال ذرة} من خير أو شر

{في السماوات ولا في الأرض} في أمر ما وذكرهما للعموم العرفي أو لأن آلهتهم بعضها سماوية كالملائكة والكواكب وبعضها ارضية كالاصنام أو لان الاسباب القريبة للشر والخير سماوية وارضية والجملة استئناف لبيان حالهم

{وما لهم فيهما من شرك} من شركة لا خلقا ولا ملكا

{وما له منهم من ظهير} يعينه على تدبير امرهما

٢٣

{ولا تنفع الشفاعة عنده} فلا ينفعهم شفاعة أيضا كما يزعمون إذ لا تنفع الشفاعة عند اللّه

{إلا لمن أذن له} أذن له أن يشفع أو أذن أن يشفع له لعلو شأنه ولم يثبت ذلك واللام على الأول كاللام في قولك الكرم لزيد وعلى الثاني كاللام في قولك جئتك لزيد وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بضم الهمزة

{حتى إذا فزع عن قلوبهم} غاية لمفهوم الكلام من أن ثم توقفا وانتظارا للإذن أي يتربصون فزعين حتى إذا كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بالاذن وقيل الضمير للملائكة وقد تقدم ذكرهم ضمنا وقرأ ابن عامر ويعقوب فزع على البناء للفاعل وقرئ فرغ أي نفي الوجل من فرغ الزاد إذا فني

{قالوا} قال بعضهم لبعض

{ماذا قال ربكم} في الشفاعة

{قالوا الحق} قالوا قال القول الحق وهو الأذن بالشفاعة لمن ارتضى وهم المؤمنون وقرئ بالرفع أي مقوله الحق

{وهو العلي الكبير} ذو العلو والكبرياء ليس لملك ولا نبي من الأنبياء أن يتكلم ذلك اليوم إلا بإذنه

٢٤

{قل من يرزقكم من السماوات والأرض} يريد به تقرير قوله لا يملكون [العنكبوت:١٧]

{قل اللّه} إذ لا جواب سواه وفي أشعار ب أنهم سكتوا أو تلعثموا في الجواب مخافة الالزام فهم مقرون به بقلوبهم

{وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} أي وان أحد الفريقين من المومحدين المتوحد بالرزق والقدرة الذاتية بالعبادة والمشركين به الجماد النازل في ادنى المراتب الامكانية لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال المبينين وهو بعد ما تقدم من التقرير البليغ الدال على من هو على الهدى ومن هو في الضلال ابلغ من التصريح لأنه في صورة الأنصاف المسكت للخصم المشاغب ونظيره قول حسان

أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء

وقيل انه على اللف والنشر وفيه نظر واختلاف الحرفين لان الهادي كمن صعد منارا ينظر الاشياء ويتطلع عليها أو ركب جوادا يركضه حيث يشاء والضال كأنه منغمس في ظلام مرتبك لا يرى شيئا أو محبوس في مطمورة لا يستطيع أن يتفصى منها

٢٥

{قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون} هذا ادخل في الأنصاف وابلغ في الاخباث حيث اسند الاجرام إلى أنفسهم والعمل إلى المخاطبين

٢٦

{قل يجمع بيننا ربنا} يوم القيامة

{ثم يفتح بيننا بالحق} يحكم ويفصل بأن يدخل المحقين الجنة والمبطلين النار

{وهو الفتاح} الحاكم الفاصل في القضايا المتغلقة

{العليم} بما ينبغي أن يقضى به

٢٧

{قل اروني الذين الحقتهم به شركاء} لأرى بأي صفة الحقتموهم باللّه في استحقاق العبادة وهو استفسار عن شبهتهم بعد الزام الحجة عليهم زيادة في تبكيتهم

{كلا} ردع لهم عن المشاركة بعد ابطال المقايسة

{بل هو اللّه العزيز الحكيم} الموصوف بالغلبة وكمال القدرة والحكمة وهؤلاء الملحقون به متسمون بالذلة متأبية عن قبول العلم والقدرة رأسا والضمير للّه أو للشأن

٢٨

{وما ارسلناك إلا كافة للناس} إلا ارسالة عامة لهم من الكف إنها إذا عمتهم قد كفتهم أن يخرج منها أحد مهم أو إلا جامعا لهم في الابلاغ فهي حال من الكاف والتاء للمبالغة ولا يجوز جعلها حالا من الناس على المختار

{بشيرا ونذيرا ولكن اكثر الناسلا يعلمون} فيحملهم جهلهم على مخالفتك

٢٩

{ويقولون} من فرط جهلهم

{متى هذا الوعد} يعنون المبشر به والمنذر عنه أو الموعود بقوله تعالى يجمع بيننا ربنا [سبأ:٢٦]

{إن كنتم صادقين} يخاطبون رسوله اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين

٣٠

{قل لكم ميعاد يوم} وعد يوم أو زمان وعد واضافته إلى يوم للتبيين ويؤيده انه قرئ يوم على البدل وقرئ يوم بإضمار اعني

{لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون} إذا فاجأكم وهو جواب تهددي جاء مطابقا لما قصدون بسؤالهم من التعنت والانكار

٣١

{وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه} ولا بما تقدمه من الكتب الدالة على النعت قيل أن كفار مكة سألوا أهل الكتاب عن الرسول صلى اللّه عليه وسلم فأخبروهم انهم يجدون نعته في كتبهم فغضبوا وقالوا ذلك وقيل الذين بين يديه يوم القيامة

{ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم} أي في موضع المحاسبة

{يرجع بعضهم إلى بعض القول} يتحاورون ويتراجعون القول

{يقول الذي استضعفوا} يقول الاتباع

{للذين استكبروا} للرؤساء

{لولا انتم} لولا اضلالكم وصدكم ايانا عن الإيمان

{لكنا مؤمنين} باتباع الرسول صلى اللّه عليه وسلم

٣٢

{قال الذين استكبروا للذين استضعفوا انحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين} أنكروا انهم كانوا صادين لهم عن الإيمان واثبتوا انهم هم الذين صدوا أنفسهم حيث اعرضوا عن الهدى وآثروا التقليد عليه ولذلك بنوا الإنكار على الاسم

٣٣

{وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار} اضراب عن اضرابهم أي لم يكن اجرامنا الصاد بل مكركم لنا دائبا ليلا ونهارا حتى اعورتم علينا رأينا

{إذ تأمروننا أن نكفر باللّه ونجعل له اندادا} والعاطف يعطفه على كلامهم الأول واضافة ال مكر إلى الظرف على الاتساع وقرئ مكر الليل بالنصب على المصدر و مكر الليل بالتنوين ونصب الظرف و مكر الليل من الكرور

{وأسروا الندامة لما رأوا العذاب} واضمر الفريقان الندامة على الضلال والاضلال واخفاها كل عن صاحبه مخافة التعيير أو أظهروها فانه من الأضداد إذ الهمزة للإثبات والسلب كما في أكشيته

{وجعلنا الاغلال في أعناق الذين كفروا} أي في أعناقهم فجاء بالظاهر تنويها بذمهم واشعارا بموجب اغلالهم

{هل يجزون إلا ما كانوا يعملون} أي لا يفعل بهم ما يفعل إلا جزاء على أعمالهم وتعدية يجزي أما لتضمن معنى يقضي أو بنزع الخافض

٣٤

{وما ارسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها} تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مما مني به من قومه وتخصيص المتنعمين بالتكذيب لأن الداعي المعظم إليه التكبر والمفاخرة بزخارف الدنيا والانهماك في الشهوات والاستهانة بمن لم يحظ منها ولذلك ضموا التهكم والمفاخرة إلى التكذيب فقالوا

{إنا بما أرسلتم به كافرون} على مقابلة الجمع بالجمع

٣٥

{وقالوا نحن اكثر اموالا وأولادا} فنحن اولى بما تدعونه إن أمكن

{وما نحن بمعذبين} إما لأن العذاب لا يكون أو لأنه اكرمنا بذلك فلا يهيننا بالعذاب

٣٦

{قل} ردا لحسبانهم {إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} ولذلك يختلف فيه الاشخاص المتماثلة في الخصائص والصفات ولو كان ذلك لكرامة وهو أن يوجبانه لم يكن بمشيئته

{ولكن اكثر الناس لا يعلمون} فيظنون أن كثرة الأموال والاولاد للشرف والكرامة وكثيرا ما يكون للاستدراج كما قال:

٣٧

{ما أموالكم ولا اولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى} قربة والتي أما لان المراد {وما} جماعة أموالكم وأولادكم أو لأنها صفة محذوف كالتقوى والخصلة وقرئ بالذي أي بالشي الذي يقربكم

{إلا من آمن وعمل صالحا} استثناء من مفعول تقربكم أي الأموال والاولاد لا تقرب احدا إلا المؤمن الصلاح الذي ينفق ماله في سبيل اللّه ويعلم ولده الخير ويربيه على الصلاح أو من أموالكم و أولادكم على حذف المضاف

{فأولئك لهم جزاء الضعف} أن يجازوا الضعف إلى عشر فما فوقه والاضافة إضافة المصدر إلى المفعول وقرئ بالأعمال على الأصل وعن يعقوب رفعهما على إبدال الضعف ونصب الجزاء على التمييز أو المصدر لفعله الذي دل عليه لهم

{بما عملوا وهم في الغرفات آمنون} من المكاره وقرئ بفتح الراء وسكونها وقرأ حمزة في الغرفة على إرادة الجنس والذي يسعون في آياتنا بالرد والطعن فيها معاجزين مسابقين لانبيائنا أو ظانين انهم يفوتوننا أولئك في العذاب محضرون

٣٨

{والذين يسعون في آياتنا} بالرد والطعن فيها

{معاجزين} مسابقين لانبيائنا أو ظانين انهم يفوتوننا

{أولئك في العذاب محضرون}

٣٩

{قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له} يوسع عليه تارة ويضيع عليه أخرى فهذا في شخص واحد باعتبار وقتين وما سبق في شخصين فلا تكرير

{وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} عوضا أما عاجلا أو آجلا

{وهو خير الرازقين} فإن غيره وسط في ايصال رزقه لا حقيقة لرازقيته

٤٠

{ويوم نحشره جميعا} المستكبرين والمستضعفين

{ثم نقول للملائكة اهؤلاء اياكم كانوا يعبدون} تقريعا للمشركين وتبكيتا لهم واقناطا لهم عما يتوقعون من شفاعتهم وتخصيص الملائكة لانهم اشرف شركائهم والصالحون للخطاب منهم ولأن عبادتهم مبدأ الشرك وأصله وقرأ حفص ويعقوب بالياء فيهما

٤١

{قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم} أنت الذي نواليه من دونهم لا موالاة بيننا وبينهم كأنهم بينوا بذلك براءتهم من الرضا بعبادتهم ثم اضربوا عن ذلك ونفوا انهم عبدوهم على الحقيقة بقولهم

{بل كانوا يعبدون الجن} أي الشياطين حيث اطاعوهم في عبادة غير اللّه وقيل كانوا يتمثلون لهم ويخيلون إليهم انهم الملائكة فيعبدونهم

{أكثرهم بهم مؤمنون} الضمير الأول للإنس أو للمشركين والاكثر بمعنى الكل والثاني ل الجن

٤٢

{فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا} إذ الأمر فيه كله له لان الدار دار جزاء وهو المجازي وحده

{ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون} عطف على لا يملك مبين للمقصود من تمهيده

٤٣

{وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا} يعنون محمدا صلى اللّه عليه وسلم

{إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم} فيستتبعكم بما يستبدعه

{وقالوا ما هذا} يعنون القرآن {إلا إفك} لعدم مطابقة ما فيه الواقع

{مفترى} باضافته إلى اللّه سبحانه وتعالى

{وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم} لأمر النبوة أو للإسلام أو للقرآن والاول باعتبار معناه وهذا باعتبار لفظه واعجازه

{إن هذا إلا سحر مبين} ظاهر سحريته وفي تكرير الفعل والتصريح بذكر الكفرة وما في اللامين من الاشارة إلى القائلين والمقول فيه وما في لما من المبادهة إلى البت بهذا القول انكار عظيم له وتعجيب بليغ منه

٤٤

{وما آتيناهم من كتب يدرسونها} فيها دليل على صحة الاشراك

{وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير} يدعوهم إليه وينذرهم على تركه وقد بان من قبل أن لا وجه له فمن أين وقع لهم هذه الشبهة وهذا في غاية التجهيل لهم والتسفيه لرأيهم ثم هددهم فقال

٤٥

{وكذب الذين من قبلهم} كما كذبوا

{وما بلغوا معشار ما آتيناهم} وما بلغ هؤلاء عشر ما آتينا أولئك من القوة وطول العمر وكثرة المال أو ما بلغ أولئك عشر ما آتينا هؤلاء من البينات والهدى

{فكذبوا رسلي فكيف كان نكير} فحين كذبوا رسلي جاءهم انكاري بالتدمير فكيف كان نكيري لهم فليحذر هؤلاء من مثله ولا تكرير في كذب لان الأول للتكثير والثاني للتكذيب أو الأول مطلق والثاني مقيد ولذلك عطف عليه بالفاء

٤٦

{قل إنما أعظكم بواحدة} أرشدكم وانصح لكم بخصلة واحدة هي ما دل عليه

{أن تقوموا للّه} وهو القيام من مجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أو الانتصاب في الأمر خالصا لوجه اللّه معرضا عن المراء والتقليد

{مثنى وفرادى} متفرقين اثنين اثنين وواحدا واحدا فإن الازدحام يشوش الخاطر وبخلط القول

{ثم تتفكروا} في أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم وما جاء به لتعلموا حقيقته ومحله الجر على البدل أو البيان أو الرفع أو النصب بإضمار هو اعني

{ما بصاحبكم من جنة} فتعلموا ما به من جنون يحمله على ذلك أو استئناف منبه لهم على أن ما عرفوا من رجاحة عقله كاف في ترجيح صدقه فإنه لا يدعه أن يتصدى لادعاء أمر خطير وخطب عظيم من غير تحقق ووثوق ببرهان فيفتضح على رؤوس الاشهاد ويلقي نفسه إلى الهلاك فكيف وقد انضم إليه معجزات كثيرة وقيل ما استفهامية والمعنى ثم تتفكروا أي شيء به من آثار الجنون

{إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد} قدامه لانه مبعوث في نسيم الساعة

٤٧

{قل ما سألتكم من أجر} أي شيء سألتكم من اجر على الرسالة

{فهو لكم} والمراد نفي السؤال عنه كأن جعل التنبي مستلزما أحد الأمرين أما الجنون واما توقع نفع دنيوي عليه لانه أما أن يكون لغرض أو لغيره وايا ما كان يلزم أحدهما ثم نفى كلا منهما وقيل ما موصولة مراد بها ما سألهم بقوله ما أسألكم عليه من اجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا [الفرقان:٥٧:] وقوله لا أسألكم عليه اجرا إلا المودة في القربى [الشورى:٢٣] واتخاذ السبيل ينفعهم وقرباه قرباهم

{إن اجري إلا على اللّه وهو على كل شيء شهيد} مطلع يعلم صدقي وخلوص نيتي وقرأ ابن كثير وأبو بكر وحمزة والكسائي بإسكان الياء

٤٨

{قل إن ربي يقذف بالحق} يلقيه وينزله على من يجتبيه من عباده أو يرمي به الباطل فيدمغه أو يرمي به إلى اقطار الأفاق فيكون وعدا بإظهار الإسلام وافشائه وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الياء

{علام الغيوب} صفة محمولة على محل ٦ إن واسمها أو بدل نم المستكن في يقذف أو خبر ثان أو خبر محذوف وقرئ بالنصب صفة ل ربي أو مقدرا بأعني وقرأ حمزة أبو بكر الغيوب بالكسر كالبيوت وبالضم كالعشور وقرئ بالفتح كالصبور على انه مبالغة غائب

٤٩

{قل جاء الحق} أي الإسلام

{وما يبدئ الباطل وما يعيد} وزهق الباطل أي الشرك بحيث لم يبق له اثر مأخوذ من هلاك الحي فإنه إذا هلك لم يبق له ابداء ولا اعادة قال:

اقفر من أهله عبيد فاليوم لا يبدي ولا يعيد

وقيل الباطل إبليس أو الصنم والمعنى لا ينشئ خلقا ولا يعيده أو لا يبدئ خيرا لأهله ولا يعيده وقيل ما استفهامية منتصبة بما بعدها

٥٠

{قل إن ضللت} عن الحق

{فإنما أضل على نفسي} فإن وبال ضلالي عليها لأنه بسببها إذ هي الجاهلة بالذات والامارة بالسوء وبهذا الاعتبار قابل الشرطية بقوله

{وإن اهتديت فبما يوحي الي ربي} فإن الاهتداء بهدايته وتوفيقه

{إنه سميع قريب} يدرك قول كل ضال ومهتد وفعله وان اخفاه

٥١

{ولو ترى إذ فزعوا} عند الموت أو البعث أو يوم بدر وجواب لو محذوف تقديره لرأيت امرا فظيعا

{فلا فوت} فلا يفوتون اللّه بهرب أو تحصن

{وأخذوا من مكان قريب} من ظهر الأرض إلى باطنها أو من الموقف إلى النار أو من صحراء بدر إلى القليب والعطف على فزعوا أو لا فوت ويؤيده انه قرئ وأخذ عطفا على محله أي فلا فوت هناك وهناك اخذ

٥٢

{وقالوا آمنا به} بمحمد صلى اللّه عليه وسلم وقد مر ذكره في قوله ما بصاحبكم [سبأ:٤٦]

{وأنى لهم التناوش} ومن أين لهم أن يتناولوا الإيمان تناولا سهلا

{من مكان بعيد} فإنه في حيز التكليف وقد بعد عنهم وهو تمثيل لحالهم في الاستخلاص بالأيمان بعدما فات عنهم اوانه وبعد عنهم بحال من يريد أن يتناول الشيء من غلوة تناوله من ذراع في الاستحالة وقرأ أبو عمرو والكوفيون غير حفص بالهمز على قلب الواو لضمتها أو أنه من نأشت الشيء إذا طلبته قال رؤبة:

أقحمني جار أبي الجاموش إليك نأش القدر التؤوش

أو من نشأت إذا تأخرت ومنه قوله:

تمنى نشيشا أن يكون اطاعني وقد حدثت بعد الأمور أمور

فيكون بمعنى التناول من بعد

٥٣

{وقد كفروا به} بمحمد صلى اللّه عليه وسلم أو بالعذاب {من قبل} من قبل ذلك اوان التكليف

{ويقذفون بالغيب} ويرجمون بالظن ويتكلمون بما لم يظهر لهم الرسول صلى اللّه عليه وسلم من المطاعن أو في العذاب من البث على نفيه

{من مكان بعيد} من جانب بعيد من أمره وهو الشبه التي تمحلوها في أمر الرسول صلى اللّه عليه وسلم أو حال الآخرة كما حكاه من قبل ولعله تمثيل لحالهم في ذلك بحال من يرمي شيئا لا يراه من مكان بعيد لا مجال للظن في لحوقه وقرئ ويقذفون على أن الشيطان يلقي إليهم ويلقنهم ذلك والعطف على وقد كفروا على حكاية الحال الماضية أو على قالوا فيكون تمثيلا لحالهم بحال القاذف في تحصيل ما ضيعوه من الإيمان في الدنيا

٥٤

{وحيل بينهم وبين ما يشتهون} من نفع الإيمان والنجاة به من النار وقرأ ابن عمر والكسائي بإشمام الضم للحاء

{كما فعل بأشياعهم من قبل} بأشباههم من كفرة الأمم الدارجة

{إنهم كانوا في شك مريب} موقف في الريبة أو ذي ريبة منقول من المشكك أو الشك نعت به الشك للمبالغة

عن النبي صلى اللّه عليه وسلم:

من قرأ سورة سبأ لم يبق رسول ولا نبي إلا كان له يوم القيامة رفيقا ومصافحا

﴿ ٠