تفسير البيضاوي: أنوار التنزيل و أسرار التأويل أبو سعيد عبد اللّه بن عمر بن محمد بن علي البيضاوي الشيرازي الفارسي، ناصر الدين، القاضي الشافعي (ت ٦٨٥ هـ ١٢٨٦ م) _________________________________ سورة يس سورة {يس} مكية وعنه صلى اللّه عليه وسلم يس تدعى المعمة تعم صاحبها خير الدارين والدافعة والقاضية تدفع عنه كل سوء وتقضي له كل حاجة وآيها ثلاث وثمانون بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {يس} في المعنى والاعراب وقيل معناه يا إنسان بلغة طيئ على انه اصله يا انيسين فاتقصر على شطره لكثرة النداء به كما قيل من اللّه في ايمن وقرئ بالكسر كجير وبالفتح على البناء كأين أو الاعراب على تل يس أو باضمار حرف القسم والفتحة لمنع الصرف وبالضم بناء كحيث أو اعرابا على هذه {يس} وأمال الياء حمزة والكسائي وروح وأبو بكر وادغم النون في واو ٢ {والقرآن الحكيم} ابن عامر والكسائي وأبو بكر وورش ويعقوب وهي واو القسم أو العطف إن جعل {يس} مقسما به ٣ {انك لمن المرسلين} لمن الذين ارسلوا ٤ {على صراط مستقيم} وهو التوحيد والاستقامة في الأمور ويجوز أن يكون {على صراط} خبرا ثانيا أو حالا من المستكن في الجار والمجرور وفائدته وصف الشرع صريحا بالاستقامة وإن دل عليه لمن المرسلين التزاما ٥ {تنزيل العزيز الرحيم} خبر محذوف والمصدر بمعنى المفعول وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص بالنصب بإضمار اعني أو فعله على انه على اصله وقرئ بالجر على البدل من القرآن ٦ {لتنذر قوما} متعلق ب {تنزيل} أو بمعنى {لمن المرسلين} {ما أنذر آباؤهم} قوما غير منذر آباؤهم يعني آباءهم الاقربين لتطاول مدة الفترة فيكون صفة مبينة لشدة حاجتهم إلى ارساله أو الذي انذر به أو شيئا أنذر به آباؤهم الابعدون فيكون مفعولا ثانيا {لتنذر} أو انذار آبائهم على المصدر {فهم غافلون} متعلق بالنفي على الأول أي لم ينذروا فبقوا غافلين أو بقوله {إنك لمن المرسلين} على الوجوه الأخرى أي ارسلناك إليهم لتنذرهم فإنهم غافون ٧ {لقد حق القول على أكثرهم} يعني قوله تعالى {لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} [هود:١١٩] {فهم لا يؤمنون} لأنهم ممن علم اللّه انهم لا يؤمنون ٨ {إنا جعلنا في أعناقهم اغلالا} تقرير لتصميمهم على الكفر والطبع على قلوبهم بحيث لا تغني عنهم الآيات والنذر بتمثيلهم بالذين غلت أعناقهم {فهي إلى الاذقان} فالاغلال واصلة إلى اذقانهم فلا تخليهم يطأطئون رؤوسهم له {فهم مقمحون} رافعون رؤوسهم غاضون ابصارهم في انهم لا يلتفتون لفت الحق ولا يعطفون أعناقهم نحوه ولا يطأطئون رؤوسهم له ٩ {وجعلنا من بين اديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون} وبمن احاط بهم سدان فغطى ابصارهم بحيث لا يبصرون قدامهم ووراءهم في انهم محبوسون في مطموة الجهالة ممنوعون عن النظر في الآيات والدلائل وقرأ حمزة والكسائي وحفص {سدا} بالفتح وهو لغة فيه وقيل ما كان بعف الناس فبالفتح وما كان بخلق اللّه فبالضم وقرئ {فأعشيناهم} من العشاء وقيل الايتان في بني مخزوم حلف أبو جعل أن يرضخ رأس النبي صلى اللّه عليه وسلم فأتاه وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه فلما رفع يده انثت إلى عنقه ولزق الحجر بيده حتى فكوه عنها بجهد فرجع إلى قومه فأخبرهم فقال مخزومي آخر أنا اقله بهذا الحجر فذهب فأعمى اللّه بصره ١٠ {وسواء عليهم اانذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} سبق في سورة البقرة تفسيره ١١ {إنما تنذر} إنذارا يترتب عليه البغية المرومة {من اتبع الذكر} أي القرآن بالتأمل فيه والعمل به {وخشي الرحمن بالغيب} وخاف عقابه قبل حلوله ومعاينة أهواله أو في سريرته ولا يغتر برحمته فإنه كما هو رحمن منتقم قهار {فبشره بمغفرة واجر كريم} ١٢ {إنا نحن نحيي الموتى} الأموات بالبعث أو الجهال بالهداية {ونكتب ما قدموا} ما اسلفوا من الأعمال الصالحة والطالحة {وآثارهم} الحسنة كعلم علموه وحبيس وقفوه والسيئة كإشاعة باطل وتأسيس ظلم {وكل شيء احصيناه في إمام مبين} يعني اللوح المحفوظ ١٣ {واضرب لهم} ومثل لهم من قولهم هذه الاشياء على ضرب واحد أي مثال واحد وهو يتعدى إلى مفعولين لتضمنه معنى الجعل وهما {مثلا أصحاب القرية} على حذف مضاف أي اجعل لهم مثل أصحاب القرية مثلا ويجوز أن يقتصر على واحد ويجعل المقدر بدلا من الملفوظ أو بيانا له والقرية إنطاكية {إذ جاءها المرسلون} بدل م أصحاب القرية و {المرسلون} رسل عيسى عليه الصلاة والسام إلى اهلاه واضافته إلى نفسه في قوله ١٤ {إذ ارسلنا إليهم اثنين} لأنه فعل رسوله وخليفته وهما يحيى و يونس عليهم الصلاة والسلام وقيل غيرهما {فكذبوهما فعززنا} فقوينا وقرأ أبو بكر مخففا من عزه إذا غلبه وحذف المفعول لدلالة ما قبله عليه ولأن المقصود ذكر المعزز به {بثالث} وهو شمعون {فَقَالُواْ إِنَّا إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ } وذلك انهم كانوا عبدة اصنام أرسل إليهم عيسى عليه السلام اثنين فلما قربا من المدينة رأيا حبيبا النجار يرعى غنما فسألهما فأخبراه فقال امعكما آية فقالا نشفي المريض ونبرئ الاكمة والابرص وكان له ولد مريض فمسحاه فبرأ فآمن حبيب وفشا الخبر فشفي على ايديهما خلق كثير وبلغ حديثهما إلى الملك وقال لهما النا إله سوى آلهتنا قالا نعم من اوجدك وآلهتك قال حتى انظر في امركما فحبسهما ثم بعث عيسى شمعون فدخل متنكرا وعاش أصحاب الملك حتى استأنسوا به واوصلوه إلى الملك فأنس به فقال له يوما سمعت أنك حبست رجلين فهل سمعت ما يقولانه قال فدعاهما فقال شمعون من ارسلكما قال: اللّه الذي خلق كل شيء وليس له شريك فقال صفاه واوجزا قالا يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد قال وما آيتكما قالا ما يتمنى الملك فدعا بغلام مطموس العينين فدعوا اللّه حتى انشق له بصره وأخذا بندقتين فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مقلتين ينظر بهما فقال شمعون ارأيت لو سألت آلهتك حتى تصنع مثل هذا حتى يكون لك ولها الشرف قال ليس لي عنك سر آلهتنا لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع ثم قال أن قدر اهلكما على حياء ميت آمنا به فأتوا بغلام مات منذ سبعة أيام فدعوا اللّه فقام وقال أني ادخلت في سبعة اودية من النار وأنا احذركم ما انتم فيه فآمنوا وقال فتحت أبواب السماء فرأيت شابا حسنا يشفع لهؤلاء الثلاثة فقال الملك من هم قال شمعون وهذان فلما رأى شمعون أن قوله قد أثر فيه نصحه فآمن في جمع ومن ل يؤمن صاح عليهم جبريل عليه الصلاة والسالم فهلكوا ١٥ {قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا} لا مزية لكم علينا تقتضي اختصاصكم بما تدعون ورفع بشر لانتقاض النفي المتقضي أعمال ما بإلا {وما انزل الرحمن من شيء} وحي ورسالة {إن أنتم إلا تكذبون} في دعوى الرسالة ١٦ {قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون} استشدهوا بعلم اللّه وهو يجري مجرى القسم وزادوا اللام المؤكدة لانه جواب عن إنكارهم ١٧ {وما علينا إلا البلاغ المبين} الظاهر البين بالآيات الشاهدة لصحته وهو المحسن للاستشهاد فإنه لا يحسن إلا ببينة ١٨ {قالوا أنا تطيرنا بكم} وذلك لاستغرابهم ما ادعوه واستقباحهم له وتنفرهم عنه {لئن لم تنتهوا} عن مقالتكم هذه {لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب اليم} ١٩ {قالوا طائركم معكم} سبب شؤمكم وهو سوء عقيدتكم واعمالكم وقرئ طيركم معكم {ائن ذكرتم} وعظتم وجواب الشرط محذوف مثل تطيرتم أو توعدتم بالرجم والتعذيب وقد قرئ بألف بين الهمزتين وبفتح أن بمعنى اتطيرتم لأن ذكرتم وان بغير الاستفهام {أين ذكرتم} بمعى طائركم معكم حيث جرى ذكركم وهو ابلغ {بل أنتم قوم مسرفون} قوم عادتكم الاسراف في العصيان فمن ثم جاءكم الشؤم أو في الضلال ولذلك توعدتم وتشاءمتم بمن يجب أن يكرم ويتبرك به ٢٠ {وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى} هو حبيب النجار وكان ينحت اصنامهم وهو ممن آمن بمحمد صلى اللّه عليه وسلم وبينهم ستمائة سنة وقيل كان في غار يعبد اللّه فلما بلغه خبر الرسل أتاهم وأظهر دينه {قال يا قوم اتبعوا المرسلين} ٢١ {اتبعوا من لا يسألكم أجرا} على النصح وبليغ الرسالة {وهم مهتدون} إلى خير الدارين ٢٢ {وما لي لا اعبد الذين فطرني} على قرأءة غير حمزة فإنه يسكن الياء في الوصل تطلف في الارشاد بإراده في معرض المناصحة لنفسه وامحاض النصح حيث أراد لهم ما أراد لها والمراد تقريعهم على تركهم عبادة خالقهم إلى عبادة غيره ولذلك قال {وإليه ترجعون} مبالغة في التهديد ثم عاد إلى المساق الأول فقال ٢٣ {أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا} لا تنفعني شفاعتهم {ولا ينقذون} بالنصرة والمظاهرة ٢٤ { إني إذا لفي ضلال مبين} فإن ايثار ما لا ينفع ولا يدفع ضرا بوجه ما على الخالق المقتدر على النفع والضر واشراكه به ضلال بين لا يخفى على عاقل وقرأ نافع ويعقوب وأبو عمرو بفتح الياء ٢٥ {إني آمنت بربكم} الذي خلقكم وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء {فاسمعون} فاسمعوا إيماني وقيل الخطاب للرسل إنه لما نصح قومه اخذوا يرجمونه فأسرع نوحهم قبل أن يقتلو ٢٦ {قيل ادخل الجنة} قيل له ذلك لما قتلوه بشرى له بأنه من أهل الجنة أو اكراما واذنا في دخولها كسائر الشهداء أو لما هموا بقتله رفعه اللّه إلى الجنة على ما قاله الحسن وانما لم يقل له لان الغرض بيان المقول دون المقول له فإنه معلوم والكلام استئناف في حيز الجواب عن السؤال عن حاله عند لقاء ربه بعد تصليه في نصر دينه وكذلك {قال يا ليت قومي يعلمون} ٢٧ {بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين} فإنه جواب عن السؤال عن قوله عند ذلك القوم وانما تمنى علم قومه بحاله ليجملهم على اكتساب مثلها بالتوبة عن الكفر والدخول في الإيمان والطاعة على دأب الأولياء في كظم والترحم على الأعداء أو ليعلموا انهم كانوا على خطأ عظيم في أمره وانه كان على حق وقرئ {المكرمين} و {ما} خبرية أو مصدرية والباء صلة {يعلمون} أو استفهامية جاء على الأصل والباء صلة غفر أي بأي شيء {غفر لي} يريد به المهاجرة عن دينهم والمصابر على اذيتهم ٢٨ {وما أنزلنا على قومه من بعده} من بعد هلاكه أو رفعه {من جند من السماء} اهلاكهم كما ارسلنا يوم بدر والخندق بل كفينا أمرهم بصيحةملك وفيه استحقار لاهلاكهم وايماء بتعظيم الرسول عليه السام {وما كنا منزلين} وما صح في حكمتنا أن ننزل جندا لأهلاك قومه إذ قدرنا لكل شيء سببا وجعلنا ذلك سببا لانتصارك من قومك وقيل {ما} موصولة معطوفة على {جند} أي ومما كنا منزلين على من قبلهم من حجارة وريح وامطار شديدة ٢٩ {إن كانت} ما كانت الاخذة أو العقوبة {إلا صيحة واحدة} صاح بها جبريل عليه السلام وقرئت بالرفع على كان التامة {فإذا هم خامدون} ميتون شبهوا بالنار رمزا إلى أن الحي كالنار الساطعة ولميت كرمادها كما قال لبيد: وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يحور رمادا بعد إذ هو ساطع ٣٠ {يا حسرة على العباد} تعالي فهذه كن الأحوال التي من حقها أن تحضري فيها وهي ما دل عليها {ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون} فإن المستهزين بالناصحين المخلصين المنوط بنصحهم خير الدارين احقاء أن يتحسروا ويتحسر عليهم وقد تلهف على حالهم الملائكة والمؤمنون من الثقلين ويجوز أن يكون حسرا من اللّه عليهم على سبيل الاستعارة لتعظيم ما جنوه على أنفسهم ويؤيده قرأءة {يا حسرتا} ى ونصبها لطولها بالجار المتعلق بها وقيل بإذمار فعلها والمنادى محذوف وقرئ {ياحسرة العباد} بالإضافة الىالفاعل أو المفعول و {يا حسرة} بالهاء {على العباد} بإجراء الوصل مجرى الوقف ٣١ {ألم يروا} ألم يعلموا وهو معلق عن قوله {كم أهلكنا قبلهم من القرون} لأن {كم} لا يعمل فيها ما قبلها وإن كانت خبرية لأن أصلها الاستفهام {أنهم إليهم لا يرجعون} بدل من {كم} على المعنى أي آلم يروا كثرة اهلاكنا من قبلهم كونهم غير راجعين إليهم وقرئ بالكسر على الاستئناف ٣٢ {وإن كل لما جميع لدينا محضرون} يوم القيامة للجزاء و {إن} مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة و {ما} للتأكيد وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة {لما} بالتشديد بمعنى إلا فتكون إن نافية وجميع فعيل بمعنى مفعول و {لدينا} ظرف له أو ل{محضرون} ٣٣ {وآية لهم الأرض الميتة} وقرأ نافع بالتشديد {أحييناها} خبر ل {الأرض} والجملة خبر {آية} أو صفة لها إذ لم يرد بها معينة وهي أو المبتدأ والآية خبرها أو استئناف لبيان كونها آية {وأخرجنا منها حبا} جنس الحب {فمنه يأكلون} قدم الصلة للدلالة على أن الحب معظم ما يؤكل ويعاش به ٣٤ {وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب} من أنواع النخل والعنب ولذلك جمعهما دون الحب فإن الدال على الجنس مشعر بالاختلاف ولا كذلك الدال على الأنواع وذكر النخيل دون التمور ليطابق الحب والأعناب لاختصاص شجرها بمزيد النفع وآثار الصنع {وفجرنا فيها} وقرئ بالتخفيف والفجر والتفجير كالفتح والتفتيح لفظا ومعنى {من العيون} أي شيئا من العيون فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه أو العيون و {من} مزيدة عند الاخفش ٣٥ {ليأكلوا من ثمره} ثمر ما ذكر وه الجنات وقيل الضمير للّه تعالى على طريقة الالتفات والاضافة إليه الثمر بخلقه وقرأ حمزة والكسائي بضمتين وهو لغة فيه أو جمع ثمار وقرئ بضمة وسكون {وما عملته أيديهم} عطف على الثمر والمراد ما يتخذ منه كالعصير والدبس ونحوهما وقيل {ما} نافية والمراد أن الثمر بخلق اللّه لا بفعلهم ويؤيد الأول قرأءة الكوفيين غير حفص بلا هاء فإن حذفه من الصلة أحسن من غيرها {أفلا يشكرون} أمر بالشكر من حيث انه إنكار لتركه ٣٦ {سبحان الذي خلق الأزواج كله} الأنواع والأصناف {مما تنبت الأرض} من النبات والشجر {ومن أنفسهم} الذكر والأنثى {ومما لا يعلمون} أزواجا مما لم يطلعهم اللّه تعالى عليه ولم يجعل لهم طريقا إلى معرفته ٣٧ {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار} نزيله ونكشفه عن مكانه مستعار من سلخ الجلد والكلام في أرابه ما سبق {فإذا هم مظلمون} داخلون في الظلام ٣٨ {والشمس تجري لمستقر لها} لحد معين ينتهي إليه دورها فشبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره أو لكبد السماء فإن حركتها فيه يوجد فيها بطء بحيث يظن أن لها هناك وقفة قال {والشمس} حيرى لها بالجو تدويم لو لاستقرار لها على نهج مخصوص أو لمنتهى مقدر لكل يوم من المشارق والمغارب فإن لها في دورها ثلثمائة وستين مشرقا ومغربا تطلع كل يوم من مطلع وتغرب من مغرب ثم لا تعود إليها إلى العام القابل أو لمنقطع جريها عند خراب العالم وقرئ {لا مستقر لها} أي لا سكون فإنها متحركة دائما و {لا مستقر} على أن لا بمعنى ليس {ذلك} الجري على هذا التقدير المتضمن للحكم التي تكل الفطن عن إحصائها {تقدير العزيز} الغالب بقدرته على كل مقدور {العليم} المحيط علمه بكل معلوم ٣٩ {والقمر قدرناه} قدرنا مسيرة {منازل} أو سره في منازل وهي مانية وعشرو السرطان البطين الثريا الدبران الهقعة الهنعة الذراع النثرة الطرف الجبهة الزبرة الصرفة العواء السماك الغفر الزبانا الاكليل القلب الشولة النعائم البلدة سعد الذابح سعد بلع سعد السعود سعد الأخبية فرغ الدلو الممقدم فرغ الدلو المؤخر الرشا هوهو بطن لحوت ينزل كل ليلة في واحد منها لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه فإذا كان في آخر منازله وهوالذي يكون فيه قبيل الاجتماع دق واستقوس وقرأ الكوفيون وابن عامر {والقمر} بنصب الراء {حتى عاد كالعرجون} كالشمراخ المعوج فعلون من الانعراج وهو العوجاج وقرئ {كالعرجون} وهما لغتان كالبزيون والبزيون {القديم} العتيق وقيل ما مر عليه حل فصاعدا ٤٠ {لا الشمس ينبغي لها} يصح لها ويتسهل {أن تدلك القمر} في سرعة سيهر فإن ذلك يخل بتكون النبات وتعيش احليوان أو في آثاره ومنافعه أو مكانه بالنزول إلى محله أو سلطانه فتطمس نوره وايلاء حرف النفي {الشمس} للدلالة على إنها مسخرة لا يتيسر لها إلا ما أريد بها {ولا الليل سابق النهار} يسبقه فيفوته ولكن يعاقبه وقيل المراد بهما آيتاهما وهما النيران وبالسبق سبق القمر إلى سلطان الشمس فيكون عكسا للأول وتبديل الادراك بالسبق لانه الملائم لسرعة سيره {وكل} وكلهم والتنوين عوض عن المضاف إليه والضمير للشموس والاقمار فإن اختلاف الأحوال يوجب تعددا ما في الذات أو للكواكب فإنت ذكرهما مشعر بهما {في فلك يسبحون} يسيرون فيه بانبساط ٤١ {وآية لهم أنا حملنا ذريتهم} أولادهم الذين يبعثونهم إلى تجارتهم أو صبيانهم ونساءهم الذين يستصحبونهم فإن الذرية تقع عليهن لأنهن مزارعها وتخصيصهم لان استقرارهم في السفن اشق وتماسكهم فيها أعجب وقرأ نافع وابن عامر ذرياتهم {في الفلك المشحون} المملوء وقيل المراد فلك نوح عليه الصلاة والسلام وحمل اللّه ذرياتهم فيها انه حمل فيها آباءهم الأقدمين وفي أصلابهم هم وذرياتهم وتخصيص الذرية لأنه ابلغ في الامتنان وادخل في التعجب مع الإيجاز ٤٢ {وخلقنا لهم من مثله} من مثل الفلك {ما يركبون} من الإبل فإنها سفائن البر أو من السفن والزوارق ٤٣ {وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم} فلا مغيث لهم يحرسهم عن الغرق أو فلا إغاثة كقولهم أتاهم الصريخ {ولا هم ينقذون} يندون من الموت به ٤٤ {إلا رحمة منا ومتاعا} إلا لرحمة ولتمتيع بالحياة {إلى حين} زمان قدر لآجالهم ٤٥ {وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم} الوقائع التي خلت أو العذاب المعد في الآخرة أو نوازل السماء ونوائب الأرض كقوله {أَفَلَمْ يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض} [سبأ:٩] أو عذاب الدنيا وعذاب الآخرة أو عكسه أو ما تقدم من الذنوب وما تأخر {لعلكم ترحمون} لتكونوا راجين رحمة اللّه وجواب إذا محذوف دل عليه قوله ٤٦ {وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين} كأنه قال وإذ قيل لهم اتقوا العذاب اعرضوا لأنهم اعتادوه وتمرنوا عليه ٤٧ {وإذا قيل لهم انفقوا مما رزقكم اللّه} على محاويجكم {قال الذين كفروا} بالصانع يعني معطلة كانوا بمكة {للذين آمنوا} تهكما بهم من إقرارهم به وتعليقهم الأمور بمشيئته {أنطعم من لو يشاء اللّه أطعمه} على زعمكم وقيل قاله مشركوا قريش حين استطعمهم فقرأء إيهاما بأن اللّه تعالى لما كان قادرا أن يطعمهم ولم يطعمهم فنحن أحق بذلك وهذا من فرط جهالتهم فإن اللّه يطعم بأسباب منها حث الأغنياء على إطعام الفقرأء وتوفيقهم له {إن أنتم إلا في ضلال مبين} حيث أمرتمونا ما يخالف مشيئة اللّه ويجوز أن يكون جوابا من اللّه لهم أو حكاية لجواب المؤمنين لهم ٤٨ {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} يعنون وعد البعث ٤٩ {ما ينظرون} ما ينتظرون {إلا صيحة واحدة} هي النفخة الأولى {تأخذهم وهم يخصمون} يتخاصمون في متاجرهم ومعاملاتهم لا يخطر ببالهم أمرها كقوله {أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون} [يوسف:١٠٧] وأصله يختصمون فسكنت التاء أدغمت ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين وقرأ أبو بكر بكسر الياء للإتباع وقرأ ابن كثير وورش وهشام بفتح الخاء على إلقاء حركة التاء إليه وأبو عمرو وقالون به مع الاختلاس وعن نافع الفتح فيه والإسكان والتشديد وكأنه جوز الجمع بين الساكنين إذا كان الثاني مدغما وقرأ حمزة {يخصمون} من خصمه إذا جادله ٥١ {ونفخ في الصور} أي مرة ثانية وقد سبق تفسيره في سورة المؤمنين {فإذا هم من الأجداث} من القبور جمع جدث وقرئ بالفاء {إلى ربهم ينسلون} يسرعون وقرئ بالضم ٥٢ {قالوا يا ويلنا} وقرئ يا ويلتنا {من بعثنا من مرقدنا} وقرئ من أهبنا من هب من نومه إذا انتبه ومن هبنا بمعنى أهبنا وفيه ترشيح ورمز وإشعار بأنهم لاختلاط عقولهم يظنون أنهم كانوا نياما و {من بعثنا} و من هبنا على الجارة والمصدر وسكت حفص وحده عليها سكته لطيفة والوقف عليها في سائر القرأءات حسن {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون} مبتدأ وخبر و {ما} مصدرية أو موصولة محذوفة الراجع أو {هذا} صفة ل {مرقدنا} و {ما وعدنا} خبر محذوف أو مبتدأ خبره محذوف أي {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون} أو {ما وعد الرحمن وصدق المرسلون} حق وهو من كلامهم وقيل جواب للملائكة أو المؤمنين عن سؤالهم معدول عن سننه تذكيرا لكفرهم وتقريعا لهم عليه وتنبيها بأن الذي يهمهم هو السؤال عن البعث دون الباعث كأنهم قالوا بعثكم الرحمن الذي وعدكم البعث وأرسل إليكم الرسل فصدقوكم وليس الأمر كما تظنون فإنه ليس يبعث النائم فيهمكم السؤال عن الباعث وإنما هو البعث الأكبر ذو الأهوال ٥٣ {إن كانت} ما كانت الفعلة {إلا صيحة واحدة} هي النفخة الأخيرة وقرئت بالرفع على كان التامة {فإذا هم جميع لدينا محضرون} بمجرد تلك الصيحة وفي كل ذلك تهويم أمر البعث والحشر واستغناؤهما عن الأسباب التي ينوطان بها فيما يشاهدونه ٥٤ {فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون} حكاية لما يقال لهم حينئذ تصويرا للموعود وتمكينا له في النفوس وكذا قوله ٥٥ {إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون} متلذذون في النعمة من الفكاهة وفي تنكير {شغل} وإبهامه تعظيم لما هم فيه من البهجة والتلذذ وتنبيه على أنه أعلى ما يحيط به الأفهام ويعرب عن كنهه الكلام وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو {في شغل} بالسكون ويعقوب في رواية {فكهون} للمبالغة وهما خبران ل {إن} ويجوز أن يكون {في شغل} صلة ل{فاكهون} وقرىء {فكهون} بالضم وهو لغة كنطس ونطس و {فاكهين} و {فكهين} على الحال من المستكهن في الظرف و شغل بفتحتين وفتحة وسكون والكل لغات ٥٦ {هم وأزواجهم في ظلال} جمع ظل كشعاب أو ظلة كقباب ويؤيده قرأءة حمزة والكسائي في ظلل {على الأرائك} على السرر المزينة {متكئون} و {هم} مبدأ خبره {في ظلال} و {على الارائك} جملة مستأنفة أو خبر ثان أو {متكئون} والجاران صلتان له أو تأكيد للضمير في شغل أو في فاكهون وعلى الأرائك متكون خبر آخر لأن وأزواجهم عطف على {هم} للمشاركة في الأحكام الثلاثة و {ظلال} حال من المعطوف والمعطوف عليه ٥٧ {لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون} ما يدعون به لأنفسهم يفتعلون من الدعاء كاشتوى واجتمل إذا شوى وجمل لنفسه أو ما يتداعون كقولك ارتموه بمعنى تراموه أو يتمنون من قولهم ادع عي ما شئت بمعنى تمنه علي أو ما يدعونه في الدنيا من الجنة ودرجاتها و {ما} موصولة أو موصوفة مرتفعة بالابتداء و {لهم} خبرها وقوله: ٥٨ {سلام} بدل منها أو صفة أخرى ويجوز أن يكون خبرا أو خبر محذوف أو مبتدأ محذوف الخبر أي ولهم سلام وقرئ بالنصب على المصدر أو الحال أي لهم مرادهم خالصا {قولا من رب رحيم} أي قول اللّه أو يقال لهم قولا كائنا من جهته والمعنى أن اللّه يسلم عليهم بواسطة الملائكة أو بغير واسطة تعظيما لهم وذلك مطلوبهم ومتمناهم ويحتمل نصبه على الاختصاص ٥٩ {وامتازوا اليوم آيها المجرمون} وانفردوا عن المؤمنين وذلك حين يسار بهم إلى الجنة كقوله {ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون} [الرّوم:١٤] وقيل اعتزلوا من كل خير أو تفرقوا في النار فإن لكل كافر بيتا ينفرد به لا يرى ولا يرى ٦٠ {ألم اعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان} من جملة ما يقال لهم تقريعا وإلزاما للحجة وعهده إليهم ما نصب لهم من الحجج العقلية والسمعية الامرة بعبادته الزاجرة عن عبادة غيره وجعلها عبادة الشيطان لأنه الأمر بها والمزين لها وقرئ {اعهد} بكسر حرف المضارعة و احهد و أحد على لغة بني تميم {انه لكم عدو مبين} تعليل للمنع عن عبادته بالطاعة فيها يحملهم عليه ٦١ {وأن اعبدوني} عطف على أن لا تعبدوا {هذا صراط مستقيم} إشارة إلى ما عهد إليهم أو إلى عبادته فالجملة استئناف لبيان المقتضي للعهد بشقيه أو بالشق الآخر والتنكير للمبالغة والتعظيم أو للتبعيض فإن التوحيد سلوك بعض الطريق المستقيم ٦٢ {ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون} رجوع إلى بيان معاداة الشيطان مع ظهور عداوته ووضوح إضلاله لمن له أدنى عقل ورأي والجبل الخلق وقرأ يعقوب بضمتين وابن كثير وحمزة والكسائي بهما مع تخفيف اللام وابن عامر وأبو عمرو بضمة وسكون مع التخفيف والكل لغات وقرئ {جبلا} جمع جبلة كخلقة وخلق و جيلا واحد الأجيال ٦٣ {هذه جهنم التي كنتم توعدون} ذوقوا حرها اليوم بكفركم في الدنيا ٦٤ {اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون} ذوقوا حرها اليوم بكفركم في الدنيا ٦٥ {اليوم نختم على أفواههم} نمنعها عن الكلام {وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجله مبما كانوا يكسبون} بظهور آثار المعاصي علهيا ودلالتها على أفعالها أو إنطاق اللّه إياها وفي الحديث: إنهم يجحدون ويخاصمون فيختم على أفواههم وتتكلم أيديهم وأرجلهم ٦٦ {ولو نشاء لطمسنا على أعينهم} لمسحنا أعينهم حتى تصير مسموحة {فاستبقوا الصراط} فاستبقوا إلى الطريق الذي اعتادوا سلوكه وانتصابه بنزع الخافض أو بتضمين الاستباق معنى الابتدار أو جعل المسبوق إليه مسبوقا على الاتساع أو بالظرف {فأنى يبصرون} الطريق وجهة السلوك فضلا عن غيره ٦٧ {ولو نشاء لمسخناهم} بتغيير صورهم وابطال قواهم {على مكانتهم} مكانهم بحيث يجمدون فيه وقرأ أبو بكر مكاناتهم {فما استطاعوا مضيا} ذهابا {ولا يرجعون} ولا رجوعا فوضع الفعل موضعه للفواصل وقيل {لا يرجعون} عن تكذيبهم وقرئ {مضيا} بإتباع الميم الضاد المكسورة لقلب الواو ياء كالمعتى والمعتي ومضيا كصبي والمعنى انهم بكفرهم ونقضهم ما عهد إليهم احقاء بأن يفعل بهم ذلك لكنا لم نفعل لشمول الرحمة لهم واقتضاء الحكمة إمهالهم ٦٨ {ومن نعمره} ومن نطل عمره {ننكسه في الخلق} نقلبه فيه فلا يزال يتزايد ضعفه وانتقاض بنيته وقواه عكس ما كان عليه بدء آمره وابن كثير على هذه يشبع ضمة الهاء على أصله وقرأ عاصم وحمزة {ننكسه} من التنكيس وهو أبلغ والنكس اشهر {أفلا يعقلون} أن من قدر على ذلك قدر على الطمس والمسخ فإنه مشتمل عليهما ويزاد غير انه على تدرج وقرأ نافع برواية ابن عامر وابن ذكوان ويعقوب بالتاء لجري الخطاب قبله ٦٩ {وما علمناه الشعر} رد لقولهم أن محمدا شاعر أي ما علمناه الشعر بتعليم القرآن فإنه لا يماثله لفظا ولا معنى لأنه غير مقفى ولا موزون وليس معناه ما يتوخاه الشعراء من التخيلات المرغبة والمنفرة ونحوها {وما ينبغي له} وما يصح له الشعر ولا يتأتى له أن أراد قرضه على ما خبرتم طبعه نحوا من أربعين سنة وقوله صلى اللّه عليه وسلم: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب وقوله: هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل اللّه ما لقيت اتفاقي من غير تكلف وقصد منه إلى ذلك وقد يقع مثله كثيرا في تضاعيف المنثورات على أن الخليل ما عد المشطور من الرجز شعرا هذا وقد روي انه حرك الباءين وكسر التاء الأولى بلا إشباع وسكن الثانية وقيل الضمير للقرآن أي وما يصح للقرآن أن يكون شعرا {إن هو إلا ذكر} عظة وإرشاد من اللّه تعالى {وقرآن مبين} وكتاب سماوي يتلى في المعابد ظاهر انه ليس من كلام البشر لما فيه من الإعجاز ٧٠ {لينذر} القرآن أو الرسول صلى اللّه عليه وسلم ويؤيده قرأءة نافع وابن عامر ويعقوب بالتاء {من كان حيا} عاقلا فهما فإن الغافل كالميت أو مؤمنا في علم اللّه تعالى فإن الحياة الأبدية بالأيمان وتخصيص الإنذار به لأنه المنتفع به {ويحق القول} وتجب كلمة العذاب {على الكافرين} المصرين على الكفر وجعلهم في مقابلة من كان حيا إشعارا بأنهم لكفرهم وسقوط حجتهم وعدم تأملهم أموات في الحقيقة ٧١ {أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا} مما تولينا إحداثه ولم يقدر على إحداثه غيرنا وذكر الأيدي وإسناد العمل إليها استعارة تفيد مبالغة في الاختصاص والتفرد بالإحداث {أنعاما} خصها بالذكر لما فيها بدائع الفطرة وكثرة المنافع {فهم لها مالكون} متملكون لها بتمليكنا إياها أو متمكنون من ضبطها والتصرف فيها بتسخيرنا إياها لهم قال أصبحت لا احمل السلاح ولا املك راس البعير إن نفرا ٧٢ {وذللناها لهم} وصيرناها منقادة لهم {فمنها ركوبهم} مركوبهم وقرئ {ركوبتهم} وهي بمعناه كالحلوب والحلوبة وقيل جمعه وركوبهم أي ذو ركوبهم أو فمن منافعها ركوبهم {ومنها يأكلون} أي ما يأكلون لحمه ٧٣ {ولهم فيها منافع} من الجلود والأصواف والأوبار {ومشارب} من اللبن جمع مشرب بمعنى الموضع أو المصدر وأمال الشين ابن عامر وحمده برواية هشام {أفلا يشكرون} نعم اللّه في ذلك إذ لولا خلقه لها وتذليله إياها كيف أمكن التوسل إلى تحصيل هذه المنافع المهمة ٧٤ {واتخذوا من دون اللّه آلهة} أشركوها به في العبادة بعد ما رأوا منه تلك القدرة الباهرة والنعم المتظاهرة وعلموا انه المتفرد بها {لعلهم ينصرون} رجاء أن ينصروهم فيما حزبهم من الأمور والأمر بالعكس لأنهم ٧٥ {لا يستطيعون نصرهم وهم لهم} لآلهتهم {جند محضرون} معدون لحفظهم والذب عنهم أو {محضرون} أثرهم في النار ٧٦ {فلا يحزنك} فلا يهمنك وقرئ بضم الياء من احزن {قولهم} في اللّه بالإلحاد والشرك أو فيك بالتكذيب والتهجين {أنا نعلم ما يسرون وما يعلنون} فنجازيهم عليه وكفى ذلك أن تتسلى به وهو تعليل للنهي على الاستئناف ولذلك لو قرئ {أنا} بالفتح على حذف لام التعليل جاز ٧٧ {أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين} تسلية ثانية بتهوين ما يقولونه بالنسبة إلى إنكارهم الحشر وفيه تقبيح بليغ لإنكاره حيث عجب منه وجعله إفراطا في الخصومة بينا ومنافاة لجحود القدرة على ما هو أهون مما عمله في بدء خلقه ومقابلة النعمة التي لا مزيد عليها وهي خلقه من أخس شيء وامهنه شريفا مكرما بالعقوق والتكذيب روي أن أبي بن خلف أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم بعظم بال يفتته بيده وقل أترى اللّه يحيى هذا بعد ما رم فقال صلى اللّه عليه وسلم: نعم ويبعثك ويدخلك النار. فنزلت وقيل معنى {فإذا هو خصيم مبين} فإذا هو بعد ما كان ماء مهينا مميز منطيق قادر على الخصام معرب عما في نفسه ٧٨ {وضرب لنا مثلا} أمرا عجيبا وهو نفي القدرة على أحياء الموتى أو تشبيهه بخلقه بوصفه بالعجز عما عجزوا عنه {ونسي خلقه} خلقنا إياه {قال من يحيى العظام وهي رميم} منكرا إياه مستبعدا له والرميم ما بلي من العظام ولعله فعيل بمعنى فاعل من رم الشيء صار اسما بالغلبة ولذلك لم يؤنث أو بمعنى مفعول من رممته وفيه دليل على أن العظم ذو حياة فيؤثر فيه الموت كسائر الأعضاء ٧٩ {قل يحييها الذي أنشأها أول مرة} فإن قدرته كما كانت لامتناع التغير فيه والمادة على حالها في القابلية اللازمة لذاتها {وهو بكل خلق عليم} يعلم تفاصل المخلوقات بعلمه وكيفية خلقها فيعلم أجزاء الأشخاص المتفتتة المتبددة أصولها وفصولها ومواقعها وطريق تمييزها وضم بعضها إلى بعض على النمط السابق وإعادة الأعراض والقوى التي كانت فيها أو أحداث مثلها ٨٠ {الذي جعل لكم من الشجر الأخضر} كالمرخ والعفار {نارا} بأن يسحق المرخ على العقال وهما خضراوان يقطر منهما الماء فتنقدح النار {فإذا انتم منه توقدون} لا تشكون فإنها نار تخرج منه ومن قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفيتها كان اقدر على اعادة الغضاضة فيما كان غضا فيبس وبلي وقرئ من {الشجر} الخضراء على المعنى كقوله {فمالئون منها البطون} [الصّافّات:٦٦] ٨١ {أو ليس الذي خلق السماوات والأرض} مع كبر جرمهما وعظم شأنهما {بقادر على أن يخلق مثلهم} في الصغر والحقارة بالإضافة اليهما أو مثلهم في أصول الذات وصفاتها وهو المعاد وعن يعقوب يقدر {بلى} جواب من اللّه تعالى لتقرير ما بعد النفي مشعر بأنه لا جواب سواه {وهو الخلاق العليم}كثير المخلوقات والمعلومات ٨٢ {إنما أمره} إنما شأنه {إذا أراد شيئا أن يقول له كن} أي تكون {فيكون} فهو يكون أي يحدث وهو تمثيل لتأثير قدرته في مراده بأمر المطاع للمطيع في حصول المأمور من غير امتناع وتوقف وافتقار إلى مزاولة عمل واستعمال آلة قطعا لمادة الشبهة وهو قياس قدرة اللّه تعالى على قدرة الخلق ونصبه ابن عامر والكسائي عطفا على {يقول} ٨٣ {فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء} تنزيه عما ضربوا له وتعجيب عما قالوا فيه معللا بكونه مالكا للأمر كله قادرا على كل شيء {واليه ترجعون} وعد ووعيد للمقرين والمنكرين وقرأ يعقوب بفتح التاء وعن ابن عباس رضي اللّه عنه كنت لا أعلم ما روي في فضل يس كيف خصت به فإذا انه بهذه الآية وعنه صلى اللّه عليه وسلم: أن لكل شيء قلبا وقلب القرآن يس وأيما مسلم قرأها يريد بها وجه اللّه غفر اللّه له وأعطي من الأجر كأنما قرأ القرآن اثنتين وعشرين مرة وأيما مسلم قرئ عنده إذا نزل به ملك الموت سورة يس نزل بكل حرف منها عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفا يصلون عليه ويستغفرون له ويشهدون غسله ويشيعون جنازته ويصلون عليه ويشهدون دفنه وأيما مسلم قرأ يس وهو في سكرات الموت لم يقبض ملك الموت روحه حتى يجيئه رضوان بشربة من الجنة فيشربها وهو على فراشه فيقبض روحه وهو ريان ويمكن في قبره وهو ريان ولا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء حتى يدخل الجنة وهو ريان |
﴿ ٠ ﴾