تفسير البيضاوي: أنوار التنزيل و أسرار التأويل أبو سعيد عبد اللّه بن عمر بن محمد بن علي

البيضاوي الشيرازي الفارسي، ناصر الدين، القاضي الشافعي (ت ٦٨٥ هـ ١٢٨٦ م)

_________________________________

سورة فصلت

سورة فصلت مكية وآيها ثلاث أو أربع وخمسون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{حم} إن جعلته مبتدأ فخبره

٢

{تنزيل من الرحمن الرحيم} وإن جعلته تعديدا للحروف ف تنزيل خبر محذوف أو مبتدأ لتخصصه بالصفة وخبره

٣

{كتاب} وهو على الأولين بدل منه أو خبر آخر أو خبر محذوف ولعل افتتاح هذه السور السبع ب حم وتسميتها به لكونها مصدرة ببيان الكتاب متشاكلة في النظم والمعنى وإضافة ال تنزيل إلى

{الرحمن الرحيم} للدلالة على أنه مناط المصالح الدينية والدنيوية

{فصلت آياته} ميزت باعتبار اللفظ والمعنى وقرئ فصلت أي فصل بعضها من بعض باختلاف الفواصل والمعاني أو فصلت بين الحق والباطل

{قرآنا عربيا} نصب على المدح أو الحال من فصلت وفيه امتنان بسهولة قرأءاته وفهمه

{لقوم يعلمون} أي لقوم يعلمون العربية أو لأهل العلم والنظر وهو صفة أخرى ل قرآنا أو صلة ل تنزيل أو ل فصلت والأول أولى لوقوعه بين الصفات

٤

{بشيرا ونذيرا} للعاملين به والمخالفين له وقرئا بالرفع على الصفة لل كتاب أو الخبر لمحذوف

{فأعرض أكثرهم} عن تدبره وقبوله

{فهم لا يسمعون} سماع تأمل وطاعة

٥

{وقالوا قلوبنا في أكنة} أغطية جمع كنان

{مما تدعونا إليه وفي أذاننا وقر} صمم وأصله الثقل وقرئ بالكسر

{ومن بيننا وبينك حجاب} يمنعنا عن التواصل ومن للدلالة على أن الحجاب مبتدأ منهم ومنه بحيث استوعب المسافة المتوسطة ولم يبق فراغ وهذه تمثيلات لنبو قلوبهم عن إدراك ما يدعوهم إليه واعتقادهم ومج أسماعهم له وامتناع مواصلتهم وموافقتهم للرسول صلى اللّه عليه وسلم

{فاعمل} على دينك أو في إبطال أمرنا

{إننا عاملون} على ديننا أو في إبطال أمرك

٦

{قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد} لست ملكا ولا جنيا لا يمكنكم التلقي منه ولا أدعوكم إلى ما تنبو عنه العقول والاسماع وإنما أدعوكم إلى التوحيد والاستقامة في العمل وقد يدل عليهما دلائل العقل وشواهد النقل

{فاستقيموا إليه} فاستقيموا في أفعالكم متوجهين إليه أو فاستووا إليه بالتوحيد والإخلاص في العمل

{واستغفروه} مما أنتم عليه من سوء العقيدة والعمل ثم هددهم على ذلك فقال

{وويل للمشركين} من فرط جهالتهم واستخفافهم باللّه

٧

{الذين لا يؤتون الزكاة} لبخلهم وعدم إشفاقهم على الخلق وذلك من أعظم الرذائل وفيه دليل على أن الكفار مخاطبون بالفروع وقيل معناه لا يفعلون ما يزكي أنفسهم وهو الإيمان والطاعة

{وهم بالآخرة هم كافرون} حال مشعرة بأن امتناعهم عن الزكاة لاستغراقهم في طلب الدنيا وإنكارهم للآخرة

٨

{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر} عظيم

{غير ممنون} لا يمن به عليهم من المن وأصله الثقل أو لا يقطع من مننت الحبل إذا قطعته وقيل نزلت في المرضى والهرمى إذا عجزوا عن الطاعة كتب لهم الأجر كأصلح ما كانوا يعملون

٩

{قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين} في مقدار يومين أو نوبتين وخلق في كل نوبة ما خلق في أسرع ما يكون ولعل المراد من الأرض ما في جهة السفل من الأجرام البسيطة ومن خلقها

{في يومين} أنه خلق لها أصلا مشتركا ثم خلق لها صورا بها صارت أنواعا وكفرهم به إلحادهم في ذاته وصفاته

{وتجعلون له أندادا} ولا يصح أن يكون له ند

{ذلك} الذي {خلق الأرض في يومين}

{رب العالمين} خالق جميع ما وجد من الممكنات ومربيها

١٠

{وجعل فيها رواسي} استئناف غير معطوف على خلق للفصل بما هو خارج عن الصلة

{من فوقها} مرتفعة عليها ليظهر للنظار ما فيها من وجوه الاستبصار وتكون منافعها معرضة للطلاب

{وبارك فيها} وأكثر خيرها بأن خلق فيها أنواع النبات والحيوان

{وقدر فيها أقواتها} أقوات أهلها بأن عين لكل نوع ما يصلحه ويعيش به أو أقواتا تنشأ منها بأن خص حدوث كل قوت بقطر من أقطارها وقرىء وقسم فيها أقواتها

{في أربعة أيام} في تتمة أربعة أيام كقولك سرت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام وإلى الكوفة في خمسة عشر يوما ولعله قال ذلك ولم يقل في يومين للإشعار باتصالهما باليومين الأولين والتصريح على الفذلكة سواء أي استوت سواء بمعنى استواء والجملة صفة أيام ويدل عليه قرأءة يعقوب بالجر وقيل حال من الضمير في أقواتها أو في فيها وقرىء بالرفع على هي

{سواء للسائلين} متعلق بمحذوف تقديره هذا الحصر للسائلين عن مدة خلق الأرض وما فيها أو بقدر أي قدر فيها الأقوات للطالبين لها

١١

{ثم استوى إلى السماء} قصد نحوها من قولهم استوى إلى مكان كذا إذا توجه إليه توجها لا يلوي على غيره والظاهر أن ثم لتفاوت ما بين الخلقتين لا للتراخي في المدة لقوله

{والأرض بعد ذلك دحاها} ودحوها متقدم على خلق الجبال من فوقها

{وهي دخان} أمر ظلماني ولعله أراد به مادتها أو الأجزاء المتصغرة التي كتب منها

{فقال لها وللأرض ائتيا} بما خلقت فيكما من التأثير والتأثر وأبرزا ما أودعتكما من الأوضاع المختلفة والكائنات المتنوعة أو ائتيا في الوجود على أن الخلق السابق بمعنى التقدير أو الترتيب للرتبة أو الإخبار أو إتيان السماء حدوثها وإتيان الأرض أن تصير مدحوة وقد عرفت ما فيه أو لتأت كل منكما الأخرى في حدوث ما أريد توليده منكما ويؤيده قرأءة آتيا في المؤاتاة أي لتوافق كل واحدة أختها فيما أردت منكما

{طوعا أو كرها} شئتما ذلك أو أبيتما والمراد إظهار كمال قدرته ووجوب وقوع مراده لا إثبات الطوع والكره لهما وهما مصدران وقعا موقع الحال

{قالتا أتينا طائعين} منقادين بالذات والأظهر أن المراد تصوير تأثير قدرته فيهما وتأثرهما بالذات عنها وتمثيلهما بأمر المطاع وإجابة المطيع الطائع كقوله

{كن فيكون} وما قيل من أنه تعالى خاطبهما وأقدرهما على الجواب إنما يتصور على الوجه الأول والأخير وإنما قال طائعين على المعنى باعتبار كونهما مخاطبتين كقوله ساجدين

١٢

{فقضاهن سبع سماوات} فخلقهن خلقا إبداعيا وأتقن أمرهن والضمير ل السماء على المعنى أو مبهم و سبع سموات حال على الأول وتمييز على الثاني

{في يومين} قيل خلق السموات يوم الخميس والشمس والقمر والنجوم يوم الجمعة

{وأوحى في كل سماء أمرها} شأنها وما يتأتى منها بأن حملها عليه اختيارا أو طبعا وقيل أوحى إلى أهلها بأوامره ونواهيه

{وزينا السماء الدنيا بمصابيح} فإن الكواكب كلها ترى كأنها تتلألأ عليها

{وحفظا} أي وحفظناها من الآفات أو من المسترقة حفظا وقيل مفعول له على المعنى كأنه قال وخصصنا السماء الدنيا بمصابيح زينة وحفظا

{ذلك تقدير العزيز} العزيز {العليم} البالغ في القدرة والعلم

١٣

{فإن أعرضوا} عن الإيمان بعد هذا البيان

{فقل أنذرتكم صاعقة} فحذرهم أن يصيبهم عذاب شديد الوقع كأنه صاعقة

{مثل صاعقة عاد وثمود} وقرىء صعقة مثل صعقة عاد وثمود وهي المرة من الصعق أو الصعق يقال صعقته الصاعقة صعقا فصعق صعقا

١٤

{إذ جاءتهم الرسل} حال من {صاعقة عاد} ولا يجوز جعله صفة ل صاعقة أو ظرفا ل أنذرتكم لفساد المعنى

{من بين أيديهم ومن خلفهم} أتوهم من جميع جوانبهم واجتهدوا بهم من كل جهة أو من جهة الزمن الماضي بالإنذار عما جرى فيه على الكفار ومن جهة المستقبل بالتحذير عما أعد لهم في الآخرة وكل من اللفظين يحتملهما أو من قبلهم ومن بعدهم إذ قد بلغتهم خبر المتقدمين وأخبرهم هود وصالح عن المتأخرين داعين إلى الإيمان بهم أجمعين ويحتمل أن يكون عبارة عن الكثرة كقوله تعالى {يأتيها رزقها رغدا من كل مكان} [النّحل:١١٢]

{ألا تعبدوا إلا اللّه} بأن لا تعبدوا أو أي لا تعبدوا

{قالوا لو شاء ربنا} إرسال الرسل

{لأنزل ملائكة} برسالته

{فإنا بما أرسلتم به} على زعمكم

{كافرون} إذ أنتم بشر مثلنا لا فضل لكم علينا

١٥

{فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق} فتعظموا فيها على أهلها من غير استحقاق

{وقالوا من أشد منا قوة} اغترارا بقوتهم وشوكتهم قيل كان من قوتهم أن الرجل منهم ينزع الصخرة فيقتلعها بيده

{أولم يروا أن اللّه الذي خلقهم هو أشد منهم قوة} قدرة فإنه قادر بالذات مقتدر على ما لا يتناهى قوي على ما لا يقدر عليه أحد غيره {وكانوا بآياتنا يجحدون} يعرفون أنها حق وينكرونها وهو عطف على فاستكبروا

١٦

{فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا} باردة تهلك بشدة بردها من الصر وهو البرد الذي يصر أي يجمع أو شديدة الصوت في هبوبها من الصرير

{في أيام نحسات} جمع نحسة من نحس نحسا نقيص سعد سعدا وقرأ الحجازيان والبصريان بالسكون على التخفيف أو النعت على فعل أو الوصف بالمصدر قيل كان آخر شوال من الأربعاء إلى الأربعاء وما عذب قوم إلا في يوم الأربعاء

{لنذيقهم عذاب الخزي في الحيوة الدنيا} أضاف ال عذاب إلى الخزي وهو الذل على قصد وصفة به لقوله

{ولعذاب الآخرة أخزى} وهو في الأصل صفة المعذب وإنما وصف به العذاب على الإسناد المجازي للمبالغة

{وهم لا ينصرون} بدفع العذاب عنهم

١٧

{وأما ثمود فهديناهم} فدللناهم على الحق بنصب الحجج وإرسال الرسل وقرىء ثمود بالنصب بفعل مضمر يفسره ما بعده ومنونا في الحالين وبضم الثاء

{فاستحبوا العمى على الهدى} فاختاروا الضلالة على الهدى

{فأخذتهم صاعقة العذاب الهون} صاعقة من السماء فأهلكتهم وإضافتها إلى العذاب ووصفه ب الهون للمبالغة

{بما كانوا يكسبون} من اختيار الضلالة

١٨

{ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون} من تلك الصاعقة

١٩

{ويوم يحشر أعداء اللّه إلى النار} وقرىء يحشر على البناء للفاعل وهو اللّه عز وجل وقرأ نافع نحشر بالنون مفتوحة وضم الشين ونصب أعداء

{فهم يوزعون} يحبس أولهم على آخرهم لئلا يتفرقوا وهو عبارة عن كثرة أهل النار

٢٠

{حتى إذا ما جاؤوها} إذا حضروها و ما مزيدة لتأكيد اتصال الشهادة بالحضور

{شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون} بأن ينطقها اللّه تعالى أو يظهر عليها آثارا تدل على ما اقترف بها فتنطق بلسان الحال

٢١

{وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا} سؤال توبيخ أو تعجب ولعل المراد به نفس التعجب

{قالوا أنطقنا اللّه الذي أنطق كل شيء} أي ما نطقنا باختيارنا بل أنطقنا اللّه الذي أنطق كل شيء أو ليس نطقنا بعجب من قدرة اللّه الذي أنطق كل حي ولو أول الجواب والنطق بدلالة الحال بقي الشيء عاما في الموجودات الممكنة

{وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون} يحتمل أن يكون تمام كلام الجلود وأن يكون استئنافا

٢٢

{وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم} أي كنتم تستترون عن الناس عند ارتكاب الفواحش مخافة الفضاحة وما ظننتم أن أعضاءكم تشهد عليكم بها فما استترتم عنها وفيه تنبيه على أن المؤمن ينبغي أن يتحقق أنه لا يمر عليه حال إلا وهو عليه رقيب

{ولكن ظننتم أن اللّه لا يعلم كثيرا مما تعملون} فلذلك اجترأتم على ما فعلتم

٢٣

{وذلكم} إشارة إلى ظنهم هذا وهو مبتدأ وقوله

{ظنكم الذي ظننتم} بدلا وأرادكم خبران له ويجوز أن يكون ظنكم بدلا و

{أرداكم} خبرا {فأصبحتم من الخاسرين} إذ صار ما منحوا للاستسعاد في الدارين سببا لشقاء المنزلين

٢٤

{فإن يصبروا فالنار مثوى لهم} لا خلاص لهم عنها

{وإن يستعتبوا} يسألوا العتبى وهي الرجوع إلى ما يحبون

{فما هم من المعتبين} المجابين إليها ونظيره قوله تعالى حكاية {أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص} وقرىء أن يستعتبوا فما هم من المعتبين} أي إن يسألوا أن يرضوا ربهم فما هم فاعلون لفوات المكنة

٢٥

{وقيضنا} وقدرنا {لهم} للكفرة

{قرناء} أخذانا من الشياطين يستولون عليهم استيلاء القبض على البيض وهو القشر وقيل أصل القيض البدل ومنه المقايضة لمعاوضة

{فزينوا لهم ما بين أيديهم} من أمر الدنيا واتباع الشهوات

{وما خلفهم} من أمر الآخرة وإنكاره

{وحق عليهم القول} أي كلمة العذاب

{في أمم} في جملة أمم كقول الشاعر إن تك عن أحسن الصنيعة مأ فوكا ففي آخرين قد أفكوا وهو حال من الضمير المجرور

{قد خلت من قبلهم من الجن والإنس} وقد عملوا مثل أعمالهم

{إنهم كانوا خاسرين} تعليل لاستحقاقهم العذاب والضمير لهم ولل أمم

٢٦

{وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه} وعارضوه بالخرافات أو ارفعوا أصواتكم بها لتشوشوه على القارىء وقرىء بضم الغين والمعنى واحد يقال لغى يلغي ولغا يلغو إذا هذى

{لعلكم تغلبون} أي تغلبونه على قرأءته

٢٧

{فلنديقن الذين كفروا عذابا شديدا} المراد بهم هؤلاء القائلون أو عامة الكفار

{ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون} سيئات أعمالهم وقد سبق مثله

٢٨

{ذلك} إشارة إلى الأسوأ {جزاء أعداء اللّه} خبره

{النار} عطف بيان لل جزاء أو خبر محذوف

{لهم فيها} في النار

{دار الخلد} فإنها دار إقامتهم وهو كقولك في هذه الدار دار سرور وتعني بالدار عينها على أن المقصود هو الصفة

{جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون} ينكرون الحق أو يلغون وذكر الجحود الذي هو سبب اللغو

٢٩

{وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس} يعني شيطاني النوعين الحاملين على الضلالة والعصيان وقيل هما إبليس وقابيل فإنهما سنا الكفر والقتل وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب وأبو بكر والسوسي أرنا بالتخفيف كفخذ في فخذ وقرأ الدوري باختلاس كسرة الراء

{نجعلهما تحت أقدامنا} ندوسهما انتقاما منهما وقيل نجعلهما في الدرك الأسفل

{ليكونا من الأسفلين} مكانا أو ذلا

٣٠

{إن الذين قالوا ربنا اللّه} اعترافا بربوبيته وإقرارا بوحدانيته

{ثم استقاموا} في العمل ثم لتراخيه عن الإقرار في الرتبة من حيث إنه مبدأ الاستقامة أو لأنها عسر قلما تتبع الإقرار وما روي عن الخلفاء الراشدين في معنى الاستقامة من الثبات على الإيمان وإخلاص العمل وأداء الفرائض فجزئياتها

{تتنزل عليهم الملائكة} فيما يعن لهم بما يشرح صدورهم ويدفع عنهم الخوف والحزن أو الخروج من القبر

{ألا تخافوا} ما تقدمون عليه

{ولا تحزنوا} على ما خلفتم وأن مصدرية أو مخففة مقدرة بالباء أو مفسرة

{وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} في الدنيا على لسان الرسل

٣١

{نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا} نلهمكم الحق ونحملكم على الخير بدل ما كانت الشياطين تفعل بالكفرة

{وفي الآخرة} بالشفاعة والكرامة حيثما يتعادى الكفرة وقرناؤهم {وَلَكُمْ فِيهَا} في الآخرة {مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ} من اللذائذ {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ}ما تتمنون من الدعاء بمعنى الطلب وهو أعم من الأول

٣٢

{نزلا من غفور رحيم} حال من ما تدعون للإشعار بأن ما يتمنون بالنسبة إلى ما يعطون مما لا يخطر ببالهم كالنزل للضيف

٣٣

{ومن أحسن قولا ممن دعا إلى اللّه} إلى عبادته

{وعمل صالحا} فيما بينه وبين ربه

{وقال إنني من المسلمين} تفاخرا به واتخاذا للإسلام دينا ومذهبا من قولهم هذا قول فلان لمذهبه والآية عامة لمن استجمع تلك الصفات وقيل نزلت في النبي صلى اللّه عليه وسلم وقيل في المؤذنين

٣٤

{ولا تستوي الحسنة ولا السيئة} في الجزاء وحسن العاقبة و لا الثانية مزيدة لتأكيد النفي

{ادفع بالتي هي أحسن} ادفع السيئة حيث اعترضتك بالتي هي أحسن منها وهي الحسنة على أن المراد بالأحسن الزائد مطلقا أو بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات وإنما أخرجه مخرج الاستئناف على أنه جواب من قال كيف أصنع للمبالغة ولذلك وضع أحسن موضع الحسنة

{فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} أي إذا فعلت ذلك صار عدوك المشاق مثل الولي الشفيق

٣٥

{وما يلقاها} وما يلقى هذه السجية وهي مقابلته الإساءة بالإحسان

{إلا الذين صبروا} فإنها تحبس النفس عن الانتقام

{وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} من الخير وكمال النفس وقيل الحظ الجنة

٣٦

{وإما ينزعنك من الشيطان نزغ} نخس شبه به وسوسته لأنها تبعث الإنسان على ما لا ينبغي كالدفع بما هو أسوأ وجعل النزاغ نازغا على طريقة جديدة أو أريد به نازغ وصفا للشيطان بالمصدر

{فاستعذ باللّه} من شره ولا تطعه

{إنه هو السميع} لاستعاذتك {العليم} بنيتك أو بصلاحك

٣٧

{ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر} لأنهما مخلوقان مأموران مثلكم

{واسجدوا للّه الذي خلقهن} الضمير للأربعة المذكورة والمقصود تعليق الفعل بهما إشعارا بأنهما من عدادما لا يعلم ولا يختار

{إن كنتم إياه تعبدون} فإن السجود أخص العبادات وهو موضع السجود عندنا لاقتران الأمر به وعند أبي حنيفة آخر الآية الأخرى لأنه تمام المعنى

٣٨

{فإن استكبروا} عن الامتثال

{فالذين عند ربك} من الملائكة

{يسبحون له بالليل والنهار} أي دائما لقوله

{وهم لا يسأمون} أي لا يملون

٣٩

{ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة} يابسة متطامنة مستعار من الخشوع بمعنى التذلل

{فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت} تزخرفت وانتفخت بالنبات وقرىء ربأت أي زادت

{إن الذي أحياها} بعد موتها

{لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير} من الإحياء والإماتة

٤٠

{إن الذين يلحدون} يميلون عن الاستقامة

{في آياتنا} بالطعن والتحريف والتأويل الباطل والإلغاء فيها

{لا يخفون علينا} فنجازيهم على إلحادهم

{أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة} قابل الإلقاء في النار بالإتيان آمنا مبالغة في إحماد حال المؤمنين

{اعملوا ما شئتم} تهديد شديد

{إنه بما تعملون بصير} وعيد بالمجازاة

٤١

{إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم} بدل من قوله

{إن الذين يلحدون في} آياتنا أو مستأنف وخبر إن محذوف مثل معاندون أو هالكون أو

{أولئك ينادون} والذكر القرآن

{وإنه لكتاب عزيز} كثير النفع عديم النظير أو منيع لا يتأتى إبطاله وتحريفه

٤٢

{لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} لا يتطرق إليه الباطل من جهة من الجهات أو مما فيه من الأخبار الماضية والأمور الآتية

{تنزيل من حكيم} أي حكيم

{حميد} يحمده كل مخلوق بما ظهر عليه من نعمه

٤٣

{ما يقال لك} أي ما يقول لك كفار قومك

{إلا ما قد قيل للرسل من قبلك} إلا مثل ما قال لهم كفار قومهم ويجوز أن يكون المعنى ما يقول اللّه لك إلا مثل ما قال لهم

{إن ربك لذو مغفرة} لأنبيائه

{وذو عقاب أليم} لأعدائهم وهو على الثاني يحتمل أن يكون المقول بمعنى أن حاصل ما أوحي إليك وإليهم وعد المؤمنين بالمغفرة والكافرين بالعقوبة

٤٤

{ولو جعلناه قرآنا أعجميا} جواب لقولهم هلا أنزل القرآن بلغة العجم والضمير للذكر

{لقالوا لولا فصلت آياته} بينت بلسان نفقهه

{أأعجمي وعربي} أكلام أعجمي ومخاطب عربي إنكار مقرر للتخصيص والأعجمي يقال للذي لا يفهم كلامه وهذا قرأءة أبي بكر وحمزة والكسائي وقرأ قالون وأبو عمرو بالمد والتسهيل وورش بالمد وإبدال الثانية ألفا وابن كثير وابن ذكوان وحفص بغير المد بتسهيل الثانية وقرئ أعجمي وهو منسوب إلى العجم وقرأ هشام أعجمي على الإخبار وعلى هذا يجوز أن يكون المراد هلا فصلت آياته فجعل بعضها أعجميا لإفهام العجم وبعضها عربيا لإفهام العرب والمقصود إبطال مقترحهم باستلزامه المحذور أو للدلالة على أنهم لا ينفكون عن التعنت في الآيات كيف جاءت

{قل هو للذين آمنوا هدى} إلى الحق وشفاء لما في الصدور في الشك والشبه

{والذين لا يؤمنون} مبتدأ خبره

{في آذانهم وقر} على تقدير هو في

{آذانهم وقر} لقوله {وهو عليهم عمى} وذلك لتصامهم عن سماعه وتعاميهم عما يريهم من الآيات ومن جوز العطف على عاملين مختلفين عطف ذلك على {للذين آمنوا هدى}

{أولئك ينادون من مكان بعيد} أي صم وهو تمثيل لهم في عدم قبولهم الحق واستماعهم له بمن يصاح به من مسافة بعيدة

٤٥

{ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه} بالتصديق والتكذيب كما اختلف في القرآن

{ولولا كلمة سبقت من ربك} وهي العدة بالقيامة وفصل الخصومة حينئذ أو تقدير الآجال

{لقضي بينهم} باستئصال المكذبين

{وإنهم} وإن اليهود أو الذين لا يؤمنون

{لفي شك منه} من التوراة أو القرآن

{مريب} موجب للاضطراب

٤٦

{من عمل صالحا فلنفسه} نفعه {ومن أساء فعليها} ضره {وما ربك بظلام للعبيد} فيفعل بهم ما ليس له أن يفعله

٤٧

{إليه يرد علم الساعة} أي إذا سئل عنها إذ لا يعلمها إلا هو

{وما تخرج من ثمرة من أكمامها} من أوعيتها جمع كم بالكسر وقرأ نافع وابن عامر وحفص من ثمرات بالجمع لاختلاف الأنواع وقرئ بجمع الضمير أيضا و ما نافية و من الأولى مزيدة للاستغراق ويحتمل أن تكون موصولة معطوفة على الساعة و من مبينة بخلاف قوله

{وما تحمل من أنثى ولا تضع} بمكان {إلا بعلمه} إلا مقرونا بعلمه واقعا حسب تعلقه به

{ويوم يناديهم أين شركائي} بزعمكم

{قالوا آذناك} أعلمناك {ما منا من شهيد} من أحد يشهد لهم بالشركة إذ تبرأنا عنهم لما عاينا الحال فيكون السؤال عنهم للتوبيخ أو من أحد يشاهدهم لأنهم ضلوا عنا وقيل هو قول الشركاء أي ما منا من يشهد لهم بأنهم كانوا محقين

٤٨

{وضل عنهم ما كانوا يدعون} يعبدون

{من قبل} لا ينفعهم أو لا يرونه {وظنوا} وأيقنوا

{ما لهم من محيص} مهرب والظن معلق عنه بحرف النفي

٤٩

{لا يسأم الإنسان} لا يمل {من دعاء الخير} من طلب السعة في النعمة وقرئ من دعاء بالخير

{وإن مسه الشر} الضيقة {فيؤوس قنوط} من فضل اللّه ورحمته وهذا صفة الكافر لقوله

{إنه لا ييأس من روح اللّه إلا القوم الكافرون} وقد يولغ في يأسه من جهة البنية والتكرير وما في القنوط من ظهور أثر اليأس

٥٠

{ولئن اذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته} بتفريجها عنه

{ليقولن هذا لي} حقي أستحقه لمالي من الفضل والعمل أولي دائما لا يزول

{وما أظن الساعة قائمة} تقوم

{ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى} أي ولئن قامت على التوهم كان لي عند اللّه الحالة الحسنى من الكرامة وذلك لاعتقاده أن ما أصابه من نعم الدنيا فلاستحقاق لا ينفك عنه

{فلننبئن الذين كفروا} فلنخبرنهم

{بما عملوا} بحقيقة أعمالهم ولنبصرنهم عكس ما اعتقدوا فيها

{ولنذيقنهم من عذاب غليظ} لا يمكنهم التقصي عنه

٥١

{وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض} عن الشكر

{ونأى بجانبه} وانحرف عنه أو ذهب بنفسه وتباعد عنه بكليته تكبرا والجانب مجاز عن النفس كالجنب في قوله {في جنب اللّه} [الزّمر:٥٦]

{وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض} كثير مستعار مما له عرض متسع للإشعار بكثرته واستمراره وهو أبلغ من الطويل إذ الطول أطول الامتدادين فإذا كان عرضه كذلك فما ظنك بطوله

٥٢

{قل أرأيتم} أخبروني {إن كان} أي القرآن

{من عند اللّه ثم كفرتم به} من غير نظر واتباع دليل

{من أضل ممن هو في شقاق بعيد} أي من أضل منكم فوضع الموصول موضع الضمير شرحا لحالهم وتعليلا لمزيد ضلالهم

٥٣

{سنريهم آياتنا في الآفاق} يعني ما أخبرهم النبي صلى اللّه عليه وسلم به من الحوادث الآتية وآثار النوازل الماضية وما يسر اللّه له ولخلفائه من الفتوح والظهور على ممالك الشرق والغرب على وجه خارق للعادة

{وفي أنفسهم} ما ظهر فيما بين أهل مكة وما حل بهم أو ما في بدن الإنسان من عجائب الصنع الدالة على كمال القدرة

{حتى ينبين لهم أنه الحق} الضمير للقرآن أو الرسول أو التوحيد أو اللّه أو لم يكف بربك أي

{أو لم يكف ربك} والفاء مزيدة للتأكيد كأنه قيل أو لم تحصل الكفاية به ولا تكاد تزاد في الفاعل إلا مع كفى

{أنه على كل شيء شهيد} بدل منه والمعنى أو لم يكفك أنه تعالى على كل شيء شهيد محقق له فيحقق أمرك بإظهار الآيات الموعودة كما حقق سائر الأشياء الموعودة أو مطلع فيعلم حالك وحالهم أو لم يكف الإنسان رادعا عن المعاصي أنه تعالى مطلع على كل شيء لا يخفى عليه خافية

٥٤

{ألا إنهم في مرية} شك وقرىء بالضم وهو لغة كخفية وخفية

{من لقاء ربهم} بالبعث والجزاء

{ألا إنه بكل شيء محيط} عالم بجمل الأشياء وتفاصيلها مقتدر عليها لا يفوته شيء منها عن النبي صلى اللّه عليه وسلم:

من قرأ سورة السجدة أعطاه اللّه بكل حرف عشر حسنات

﴿ ٠