تفسير البيضاوي: أنوار التنزيل و أسرار التأويل أبو سعيد عبد اللّه بن عمر بن محمد بن علي

البيضاوي الشيرازي الفارسي، ناصر الدين، القاضي الشافعي (ت ٦٨٥ هـ ١٢٨٦ م)

_________________________________

سورة الأحقاف

سورة الأحقاف مكية وآيها خمس وثلاثون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{حم}

٢

{تنزيل الكتاب من اللّه العزيز الحكيم}

٣

{ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق} إلا خلقا متلبسا بالحق وهو ما تقتضيه الحكمة والمعدلة وفيه دلالة على وجود الصانع الحكيم والبعث للمجازاة على ما قررناه مرارا

{وأجل مسمى} وبتقدير أجل مسمى ينتهي إليه الكل وهو يوم القيامة أو كل واحد وهو آخر مدة بقائه المقدرة له

{والذين كفروا عما أنذروا} من هول ذلك الوقت ويجوز أن تكون ما مصدرية

{معرضون} لا يتفكرون فيه ولا يستعدون لحلوله

٤

{قل أرأيتم ما تدعون من دون اللّه أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات} أي أخبروني عن حال آلهتكم بعد تأمل فيها هل يعقل أن يكون لها في أنفسها مدخل في خلق شيء من أجزاء العالم فتستحق به العبادة وتخصيص الشرك بالسموات احتراز عما يتوهم أن للوسائط شركة في إيجاد الحوادث السفلية

{ائتوني بكتاب من قبل} هذا من قبل هذا الكتاب يعني القرآن فإنه ناطق بالتوحيد

{أو أثارة من علم} أو بقية من علم بقيت عليكم من علوم الأولين هل فيها ما يدل على استحقاقهم للعبادة أو الأمر به

{إن كنتم صادقين} في دعواكم وهو إلزام بعدم ما يدل على إلوهيتهم بوجه ما نقلا بعد إلزامهم بعدم ما يقتضيها عقلا وقرىء إثارة بالكسر أي مناظرة فإن المناظرة تثير المعاني وأثرة أي شيء أوثرتم به وأثرة بالحركات الثلاث في الهمزة والسكون الثاء فالمفتوحة للمرة من مصدر أثر الحديث إذا رواه والمكسورة بمعنى الأثره والمضمومة إسم ما يؤثر

٥

{ومن أضل ممن يدعو من دون اللّه من لا يستجيب له} إنكار أن يكون أحد أضل من المشركين حيث تركوا عبادة السميع البصير المجيب القادر الخبير إلى عبادة من لا يستجيب لهم لو سمع دعاءهم فضلا أن يعلم سرائرهم ويراعي مصالحهم

{إلى يوم القيامة} ما دامت الدنيا

{وهم عن دعائهم غافلون} لأنهم إما جمادات وإما عباد مسخرون مشتغلون بأحوالهم

٦

{وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَاءً} يضرونهم ولا ينفعونهم. {وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَـٰفِرِينَ} مكذبين بلسان الحال أو المقال. وقيل الضمير للعابدين وهو كقوله تعالى:
{وَٱللّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}

٧

{وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات} واضحات أو مبينات

{قال الذين كفروا للحق} لأجله وفي شأنه والمراد به الآيات ووضعه موضع ضميرها ووضع

{الذين كفروا} موضع ضمير المتلو عليهم للتسجيل عليها بالحق وعليهم بالكفر والانهماك في الضلالة

{لما جاءهم} حينما جاءهم من غير نظر وتأمل

{هذا سحر مبين} ظاهر بطلانه

٨

{أم يقولون افتراه} إضراب عن ذكر تسميتهم إياه سحرا إلى ذكر ما هو أشنع منه وإنكار له وتعجيب

{قل إن افتريته} على الفرض

{فلا تملكون لي من اللّه شيئا} أي إن عاجلني اللّه بالعقوبة فلا تقدرون على دفع شيء منها فكيف أجترىء عليه وأعرض نفسي للعقاب من غير توقع نفع ولا دفع ضر من قبلكم

{هو أعلم بما تفيضون فيه} تندفعون فيه من القدح في آياته

{كفى به شهيدا بيني وبينكم} يشهد لي بالصدق والبلاغ وعليكم بالكذب والإنكار وهو وعيد بجزاء إفاضتهم

{وهو الغفور الرحيم} وعد بالمغفرة والرحمة لمن تاب وآمن وإشعار بحلم اللّه عنهم مع عظم جرمهم

٩

{قل ما كنت بدعا من الرسل} بديعا منهم أدعوكم إلى ما لا يدعون إليه أو أقدر على ما لم يقدروا عليه وهو الإتيان بالمقترحات كلها ونظيره الخف بمعنى الخفيف وقرئ بفتح الدال على أنه كقيم أو مقدر بمضاف أي ذا بدع

{وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} في الدارين على التفضيل إذ لا علم لي بالغيب و لا لتأكيد النفي المشتمل على ما يفعل بي وما إما موصولة منصوبة أو استفهامية مرفوعة وقرئ يفعل أي يفعل اللّه

{إن أتبع إلا ما يوحى إلي} لا أتجاوزه وهو جواب عن اقتراحهم الإخبار عما لم يوح إليه من الغيوب أو استعجال المسلمين أن يتخلصوا من أذى المشركين

{وما أنا إلا نذير} من عقاب اللّه

{مبين} بين الإنذار بالشواهد المبينة والمعجزات المصدقة

١٠

{قل أرأيتم إن كان من عند اللّه} أي القرآن

{وكفرتم به} وقد كفرتم به ويجوز أن تكون الواو عاطفة على الشرط وكذا الواو في قوله

{وشهد شاهد من بني إسرائيل} إلا أنها تعطفه بما عطف عليه على جملة ما قبله والشاهد هو عبد اللّه بن سلام وقيل موسى عليه الصلاة والسلام وشهادته ما في التوراة من نعت الرسول صلى اللّه عليه وسلم

{على مثله} مثل القرآن وهو ما في التوراة من المعاني المصدقة للقرآن المطابقة له أو مثل ذلك وهو كونه من عند اللّه

{فآمن} أي بالقرآن لما رآه من جنس الوحي مطابقا للحق

{واستكبرتم} عن الإيمان

{إن اللّه لا يهدي القوم الظالمين} استئناف مشعر بأن كفرهم به لضلالهم المسبب عن ظلمهم ودليل على الجواب المحذوف مثل ألستم ظالمين

١١

{وقال الذين كفروا للذين آمنو} لأجلهم

{لو كان} الإيمان أو ما أتى به محمد صلى اللّه عليه وسلم

{خيرا ما سبقونا إليه} وهم سقاط إذ عامتهم فقرأء وموال ورعاة وإنما قاله قريش وقيل بنو عامر وغطفان وأسد وأشجع لما أسلم جهينة ومزينة وأسلم وغفار أو اليهود حين أسلم عبد اللّه بن سلام وأصحابه

{وإذا لم يهتدوا به} ظرف لمحذوف مثل ظهر عنادهم وقوله

{فسيقولون هذا إفك قديم} مسبب عنه وهو كقولهم أساطير الأولين

١٢

{ومن قبله} ومن قبل القرآن وهو خبر لقوله

{كتاب موسى} ناصب لقوله

{إماما ورحمة} على الحال

{وهذا كتاب مصدق} لكتاب موسى أو لما بين يديه وقد قرئ به

{لسانا عربيا} حال من ضمير كتاب في مصدق أو منه لتخصصه بالصفة وعاملها معنى الإشارة وفائدتها الإشعار بالدلالة على أن كونه مصدقا للتوراة كما دل على أنه حق دل على أنه وحي وتوقيف من اللّه سبحانه وتعالى وقيل مفعول مصدق أي يصدق ذا لسان عربي بإعجازه

{لينذر الذين ظلموا} علة مصدق وفيه ضمير الكتاب أو اللّه أو الرسول ويؤيد الأخير قرأءة نافع وابن عامر والبزي بخلاف عنه ويعقوب بالتاء

{وبشرى للمحسنين} عطف على محله

١٣

{إن الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا} جمعوا بين التوحيد الذي هو خلاصة العلم والإستقامة في الأمور التي هي منتهى العمل وثم للدلالة على تأخر رتبة العمل وتوقف اعتباره على التوحيد

{فلا خوف عليهم} من لحوق مكروه

{ولا هم يحزنون} على فوات محبوب والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط

١٤

{أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون} من اكتساب الفضائل العلمية والعملية وخالدين حال من المستكن في أصحاب وجزاء مصدر لفعل دل عليه الكلام أي جوزوا جزاء

١٥

{ووصينا الإنسان بوالديه حسنا} وقرأ الكوفيون إحسانا وقرئ حسنا أي إيصاء حسنا

{حملته أمه كرها ووضعته كرها} ذات كره أو حملا ذا كره وهو المشقة وقرأ الحجازيان وأبو عمرو وهشام بالفتح وهما لغتان كالفقر والفقر وقيل المضموم اسم والمفتوح مصدر

{وحمله وفصاله} ومدة حمله وفصاله والفصال الفطام ويدل عليه قرأءة يعقوب وفصله أو وقته والمراد به الرضاع التام المنتهى به ولذلك عبر به كما يعبر بالأمد عن المدة قال كل حي مستكمل عدة العم ر ومود إذا انتهى أمده

{ثلاثون شهرا} كل ذلك بيان لما تكابده الأم في تربية الولد مبالغة في التوصية بها وفيه دليل على أن أقل مدة الحمل سنة أشهر لأنه إذا حط منه الفصال حولان لقوله تعالى

{حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} بقي ذلك وبه قال الأطباء ولعل تخصيص أقل الحمل وأكثر الرضاع لانضباطهما وتحقق ارتباط حكم النسب والرضاع بهما

{حتى إذا بلغ أشده} إذا اكتهل واستحكم قوته وعقله {وبلغ أربعين سنة} قيل لم يبعث نبي إلا بعد الأربعين

{قال رب أوزعني} ألهمني وأصله أولعني من أوزعته بكذا

{أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي} يعني نعمة الدين أو ما يعمها وغيرها وذلك يؤيد ما روي أنها نزلت في أبي بكر رضي اللّه تعالى عنه لأنه لم يكن أحد أسلم هو وأبواه من المهاجرين والأنصار سواه

{وأن أعمل صالحا ترضاه} نكره للتعظيم أو لأنه أراد نوعا من الجنس يستجلب رضا اللّه عز وجل

{وأصلح لي في ذريتي} واجعل لي الصلاح ساريا في ذريتي راسخا فيهم ونحوه قوله وإن تعتذر بالمحل عن ذي ضروعها إلى الضيف يجرح في عراقيبها نصلي

{إني تبت إليك} عما لا ترضاه أو يشغل عنك

{وإني من المسلمين} المخلصين لك

١٦

{أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا} يعني فإن المباح حسن ولا يثاب عليه

{ونتجاوز عن سيئاتهم} لتوبتهم وقرأ حمزة الكسائي وحفص بالنون فيهما

{في أصحاب الجنة} كائنين في عدادهم أو مثابين أو معدودين فيهم

{وعد الصدق} مصدر مؤكد لنفسه فإن يتقبل ويتجاوز وعد

{الذي كانوا يوعدون} أي في الدنيا

١٧

{والذي قال لوالديه أف لكما} مبتدأ خبره أولئك والمراد به الجنس وإن صح نزولها في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه فإن خصوص السبب لا يوجب التخصيص وفي أف قرأءات ذكرت في سورة بني إسرائيل

{أتعدانني أن أخرج} أبعث وقرأ هشام أتعداني بنون واحدة مشددة

{وقد خلت القرون من قبلي} فلم يرجع أحد منهم

{وهما يستغيثان اللّه} يقولان الغياث باللّه منك أو يسألانه أن يغيثه بالتوفيق للإيمان

{ويلك آمن} أي يقولان له ويلك وهو الدعاء بالثبور بالحث على ما يخاف على تركه

{إن وعد اللّه حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين} أباطيلهم التي كتبوها

١٨

{أولئك الذين حق عليهم القول} بأنهم أهل النار وهو يرد النزول في عبد الرحمن لأنه يدل على أنه من أهلها لذلك وقد جب عنه إن كان لإسلامه

{في أمم قد خلت من} قبلهم كقوله في أصحاب الجنة

{من الجن والإنس} بيان للأمم

{إنهم كانوا خاسرين} تعليل للحكم على الاستئناف

١٩

{ولكل} من الفريقين {درجات مما عملوا} مراتب من جزاء ما عملوا من الخير والشر أو من أجل ما عملوا وال درجات غالبة في المثوبة وها هنا جاءت على التغليب

{وليوفيهم أعمالهم} جزاءها وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وابن ذكوان بالنون

{وهم لا يظلمون} بنقص ثواب وزيادة عقاب

٢٠

{ويوم يعرض الذين كفروا على النار} يعذبون بها وقيل تعرض النار عليهم فقلب مبالغة كقولهم عرضت الناقة على الحوض أذهبتم أي يقال لهم

{أذهبتم} وهو ناصب اليوم وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب بالاستفهام غير أن ابن كثير يقرؤه بهمزة ممدودة وهما يقرآن بها وبهمزتين محققتين

{طيباتكم} لذاتكم {في حياتكم الدنيا} باستيفائها

{واستمتعتم بها} فما بقي لكم منها شيء

{فاليوم تجزون عذاب الهون} الهوان وقد قرئ به

{بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون} بسبب الاستكبار الباطل والفسوق عن طاعة اللّه وقرئ تفسقون بالكسر

٢١

{واذكر أخا عاد} يعني هودا {إذ أنذر قومه بالأحقاف} جمع حقف وهو رمل مستطيل مرتفع فيه انحناء من احقوقف الشيء إذا اعوج وكانوا يسكنون بين رمال مشرفة على البحر بالشحر من اليمن

{وقد خلت النذر} الرسل {من بين يديه ومن خلفه} قبل هود وبعده والجملة حال أو اعتراض

{ألا تعبدوا إلا اللّه} أي لا تعبدوا أو بأن لا تعبدوا فإن النهي عن الشيء إنذار من مضرته

{إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} هائل بسبب شرككم

٢٢

{قالوا أجئتنا لتأفكنا} لتصرفنا {عن آلهتنا} عن عبادتها {فائتنا بما تعدنا} من العذاب على الشرك

{إن كنت من الصادقين} في وعدك

٢٣

{قال إنما العلم عند اللّه} لا علم لي بوقت عذابكم ولا مدخل لي فيه فأستعجل به وإنما علمه عند اللّه فيأتيكم به في وقته المقدر له

{وأبلغكم ما أرسلت به} إليكم وما على الرسول إلا البلاغ

{ولكني أراكم قوما تجهلون} لا تعلمون أن الرسل بعثوا مبلغين منذرين لا معذبين مقترحين

٢٤

{فلما رأوه عارضا} سحابا عرض في أفق السماء

{مستقبل أوديتهم} متوجه أوديتهم والإضافة فيه لفظية وكذا في قوله

{قالوا هذا عارض ممطرنا} أي يأتينا بالمطر

{بل هو} أي قال هود عليه الصلاة والسلام

{بل هو ما استعجلتم به} من العذاب وقرىء قل بل

{ريح} هي ريح ويجوز أن يكون بدل ما

{فيها عذاب أليم} صفتها وكذا قوله

٢٥

{تدمر} تهلك {كلى شيء} من نفوسهم وأحوالهم

{بأمر ربها} إذ لا توجد نابضة حركة ولا قابضة سكون إلا بمشيئته وفي ذكر الأمر والرب وإضافة إلى الريح فوائد سبق ذكرها مرارا وقرىء يدمر كل شيء من دمر دمارا إذا هلك فيكون العائد محذوفا أو الهاء في ربها ويحتمل أن يكون استئنافا للدلالة على أن لكل ممكن فناء مقضيا لا يتقدم ولا يتأخر وتكون الهاء لكل شيء فإنه بمعنى الأشياء

{فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم} أي فجاءتهم الريح فدمرتهم فأصبحوا بحيث لو حضرت بلادهم لا ترى إلا مساكنهم وقرأ عاصم وحمزة والكسائي لا يرى إلا مساكنهم بالياء المضمومة ورفع المساكن

{كذلك نجزي القوم المجرمين} روي أن هودا عليه السلام لما أحس بالريح اعتزل بالمؤمنين في الحظيرة وجاءت الريح فأمالت الأحقاف على الكفرة وكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام ثم كشفت عنهم واحتملتهم تقذفتهم في البحر

٢٦

{ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه} إن نافية وهي أحسن من ما ههنا لأنها توجب التكرير لفظا ولذلك قلبت ألفها هاء في مهما أو شرطية محذوفة الجواب والتقدير ولقد مكناهم في الذي أوفي شيء إن مكناكم فيه كان بغيكم أكثر أو صلة كما في قوله يرجي المرء ما إن لا يراه ويعرض دون أدناه الخطوب والأول أظهر وأوفق لقوله {هم أحسن أثاثا} [مريم:٧٤] {كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا} [فصلت:٨٢]

{وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة} ليعرفوا تلك النعم ويستدلوا بها على مانحها تعالى ويواظبوا على شكرها

{فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء} من الإغناء وهو القليل

{إذ كانوا يجحدون بآيات اللّه} صلة {فما أغنى} وهو ظرف جرى مجرى التعليل من حيث إن الحكم مرتب على ما أضيف إليه وكذلك حيث

{وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون} من العذاب

٢٧

{ولقد أهلكنا ما حولكم} يا أهل مكة

{من القرى} كحجر ثمود وقرى قوم لوط

{وصرفنا الآيات} بتكريرها

{لعلهم يرجعون} عن كفرهم

٢٨

{فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون اللّه قربانا آلهة} فهلا منعتهم من الهلاك آلهتهم الذين يتقربون بهم إلى اللّه تعالى حيث قالوا هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه وأول مفعولي اتخذوا الراجع إلى الموصول محذوف وثانيهما قربانا و آلهة بدل أو عطف بيان أو آلهة و قربانا حال أو مفعول له على أنه بمعنى التقرب وقرىء قربانا بضم الراء

{بل ضلوا عنهم} غابوا عن نصرهم وامتنع أن يستمدوا بهم امتناع الاستمداد بالضال

{وذلك إفكهم} وذلك الاتخاذ الذي هذا أثره صرفهم عن الحق وقرىء إفكهم بالتشديد للمبالغة وآفكهم أي جعلهم آفكين وآفكهم أي قولهم الآفك أي ذو الإفك

{وما كانوا يفترون}

٢٩

{وإذ صرفنا إليك نفرأ من الجن} أملناهم إليك والنفر دون العشرة وجمعه أنفار

{يستمعون القرآن} حال محمولة على المعنى

{فلما حضروه} أي القرآن أو الرسول

{قالوا أنصتوا} قالوا بعضهم لبعض اسكتوا لنسمعه

{فلما قضي} أتم وفرغ من قرأءته وقرىء على بناء الفاعل وهو ضمير الرسول صلى اللّه عليه وسلم

{ولوا إلى قومهم منذرين} أي منذرين إياهم بما سمعوا روي أنهم وافوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بوادي النخلة عند منصرفه من الطائف يقرأ في تهجده

٣٠

{قالوا ياقومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى} قيل إنما قالوا ذلك لأنهم كانوا يهودا أو ما سمعوا بأمر عيسى عليه الصلاة والسلام

{مصدقا لما بين يديه إلى الحق} من العقائد

{وإلى طريق مستقيم} من الشرائع

٣١

{يا قومنا أجيبوا داعي اللّه وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم} بعض ذنوبكم وهو ما يكون في خالص حق اللّه فإن المظالم لا تغفر بالإيمان

{ويجركم من عذاب أليم} هو معد للكفار واحتج أبو حنيفة رضي اللّه عنه باقتصارهم على المغفرة والإجارة على أن لا ثواب لهم والأظهر أنهم في توابع التكليف كبني آدم

٣٢

{ومن لا يجب داعي اللّه فليس بمعجز في الأرض} إذ لا ينجي منه مهرب

{وليس له من دونه أولياء} يمنعونه منه

{أولئك في ضلال مبين} حيث أعرضوا عن إجابة من هذا شأنه

٣٣

{أو لم يروا أن اللّه الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن} ولم يتعب ولم يعجز والمعنى أن قدرته واجبة لا تنقص ولا تنقطع بالإيجاد أبدا الآباء

{بقادر على أن يحيى الموتى} أي قادر ويدل عليه قرأءة يعقوب يقدر والباء مزيدة لتأكيد النفي فإنه مشتمل على أن وما في حيزها ولذلك أجاب عنه بقوله

{بلى إنه على كل شيء قدير} تقرير للقدرة على وجه عام يكون كالبرهان على المقصود كأنه صدرالسورة بتحقيق المبدأ أراد ختمها بإثبات المعاد

٣٤

 {ويوم يعرض الذين كفروا على النار} منصوب بقول مضمر مقوله

{أليس هذا بالحق} والإشارة إلى العذاب

{قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} بكفركم في الدنيا ومعنى الأمر هو الإهانة بهم والتوبيخ لهم

٣٥

{فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل} أولو الثبات و الجد منهم فإنك من جملتهم و من للتبيين وقيل للتبعيض و

{أولو العزم} منهم أصحاب الشرائع اجتهدوا في تأسيسها وتقريرها وصبروا على تحمل مشاقها ومعاداة الطاعنين فيها ومشاهيرهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام وقيل الصابرون على بلاء اللّه كنوح صبر على أذى قومه كانوا يضربونه حتى يغشىعليه وإبراهيم على النار وذبح ولده و الذبيح على الذبح و يعقوب على فقد الولد والبصر ويوسف على الجب والسجن وأيوب على الضر وموسى قال له قومه

{إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين} وداود بكى على خطيئته أربعين سنة وعيسى لم يضع لبنة على لبنة

{ولا تستعجل لهم} لكفار قريش بالعذاب فإنه نازل بهم في وقته لا محالة

{كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار} استقصروا من هوله مدة لبثهم في الدنيا حتى يحسبونها ساعة بلاغ هذا الذي وعظتم به أو هذه السورة بلاغ أي كفاية أو تبليغ من الرسول صلى اللّه عليه وسلم ويؤيده أنه قرىء بلغ وقيل بلاغ مبتدأ خبره لهم و ما بينهما اعتراض أي لهم وقت يبلغون إليه كأنهم إذا بلغوه ورأوا ما فيه استقصروا مدة عمرهم وقرىء بالنصب أي بلغوا بلاغا

{فهل يهلك إلا القوم الفاسقون} الخارجون عن الاتعاظ أو الطاعة وقرىء يهلك بفتح اللام وكسرها من هلك وهلك ونهلك بالنون ونصب القوم عن النبي صلى اللّه عليه وسلم:

من قرأ سورة الأحقاف كتب له عشر حسنات بعدد كل رملة في الدنيا

﴿ ٠