تفسير البيضاوي: أنوار التنزيل و أسرار التأويل أبو سعيد عبد اللّه بن عمر بن محمد بن علي البيضاوي الشيرازي الفارسي، ناصر الدين، القاضي الشافعي (ت ٦٨٥ هـ ١٢٨٦ م) _________________________________ سورة الصف سورة الصف مدنية وقيل مكية وآيها أربع عشرة آية بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {سبح للّه ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم} سبق تفسيره ٢ {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} روي أن المسلمين قالوا لو علمنا أحب الأعمال إلى اللّه تعالى لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا فأنزل اللّه إن اللّه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا فولوا يوم أحد فنزلت و لم مركبة من لام الجر وما الاستفهامية والأكثر على حذف ألفها مع حرف الجر لكثرة استعمالهما معا واعتناقهما في الدلالة على المستفهم عنه ٣ {كبر مقتا عند اللّه أن تقولوا ما لا تفعلون} المقت أشد البغض ونصبه على التمييز للدلالة على أن قولهم هذا مقت خالص كبر عند من يحقر دونه كل عظيم مبالغة في المنع عنه ٤ {إن اللّه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا} مصطفين مصدر وصف به {كأنهم بنيان مرصوص} في تراصهم من غير فرجة حال من المستكن في الحال الأول والرص اتصال بعض البناء بالبعض واستحكامه ٥ {وإذ قال موسى لقومه} مقدرا باذكر أو كان كذا {يا قوم لم تؤذونني} بالعصيان والرمي بالادرة {وقد تعلمون أني رسول اللّه إليكم} بما جئتكم من المعجزات والجملة حال مقررة للإنكار فإن العلم بنبوته يوجب تعظيمه ويمنع إيذاءه وقد لتحقيق العلم {فلما زاغوا} عن الحق {أزاغ اللّه قلوبهم} صرفها عن قبول الحق والميل إلى الصواب {واللّه لا يهدي القوم الفاسقين} هداية موصلة إلى معرفة الحق أو إلى الجنة ٦ {وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل} ولعله لم يقل يا قوم كما قال موسى عليه الصلاة والسلام لأنه لا نسب له فيهم {إني رسول اللّه إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا} في حال تصديقي لما تقدمني من التوراة وتبشيري {برسول يأتي من بعدي} والعامل في الحالين ما في الرسول من معنى الإرسال لا الجار لأنه لغو إذ هو صلة للرسول فلا يعمل برسول يأتي من بعدي {اسمه أحمد} يعني محمدا صلى اللّه عليه وسلم والمعنى أن ديني التصديق بكتب اللّه وأنبيائه فذكر أول الكتب المشهورة الذي حكم به النبيون والنبي الذي هو خاتم المرسلين {فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين} الإشارة إلى ما جاء به أو إليه وتسميته سحر للمبالغة ويؤيده قرأءة حمزة والكسائي هذا ساحرا على أن الإشارة إلى عيسى عليه الصلاة والسلام ٧ {ومن أظلم ممن افترى على اللّه الكذب وهو يدعى إلى الإسلام} أي لا أحد أظلم ممن يدعي إلى الإسلام الظاهر حقيته المقتضي له خبر الدارين فيضع موضع إجابته الافتراء على اللّه بتكذيب رسوله وتسمية آياته سحرا فإنه يعم إثبات المنفي ونفي الثابت وقرئ يدعي يقال دعاه وادعاه كلمسه والتمسه {واللّه لا يهدي القوم الظالمين} لا يرشدهم إلى ما فيه فلاحهم ٨ {يريدون ليطفئوا} أي يريدون أن يطفئوا واللام مزيدة لما فيها من معنى الإرادة تأكيدا لها كما زيدت لما فيها من معنى الاضافة تأكيدا لها في لا أبا لك أو يريدون الافتراء ليطفئوا {نور اللّه} يعني دينه أو كتابه أو حجته {بأفواههم} بطعنهم فيه {واللّه متم نوره} مبلغ غايته بنشره وإعلائه وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص بالإضافة {ولو كره الكافرون} إرغاما لهم ٩ {هو الذي أرسل رسوله بالهدى} بالقرآن أو المعجزة {ودين الحق} والملة الحنيفية {ليظهره على الدين كله} ليغلبه على جميع الأديان {ولو كره المشركون} لما فيه من محض التوحيد وإبطال الشرك ١٠ {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} وقرأ ابن عامر تنجيكم بالتشديد ١١ {تؤمنون باللّه ورسوله وتجاهدون في سبيل اللّه بأموالكم وأنفسكم} استئناف مبين للتجارة وهو الجمع بين الإيمان والجهاد المؤدي إلى كمال عزهم والمراد به الأمر وإنما جيء بلفظ الخبر إيذانا بأن ذلك مما لا يترك {ذلكم خير لكم} يعني ما ذكر من الإيمان والجهاد {إن كنتم تعلمون} إن كنتم من أهل العلم إذ الجاهل لا يعتد بفعله ١٢ {يغفر لكم ذنوبكم} جواب للأمر المدلول عليه بلفظ الخبر أو لشرط أو استفهام دل عليه الكلام تقديره أن تؤمنوا وتجاهدوا أو هل تقبلون أن أدلكم يغفر لكم ويبعد جعله جوابا لهل أدلكم لأن مجرد دلالته لا توجب المغفرة {ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم} الإشارة إلى ما ذكر من المغفرة وإدخال الجنة ١٣ {واخرى تحبونها} ولكم إلى هذه النعمة المذكورة نعمة أخرى عاجلة محبوبة وفي تحبونها تعريض بأنهم يؤثرون العاجل على الآجل وقيل أخرى منصوبة بإضمار يعطيكم أو تحبون أو مبتدأ خبره {نصر من اللّه} وهو على الأول بدل أو بيان وعلى قول النصب خبر محذوف وقد قرئ بما عطف عليه بالنصب على البدل أو الاختصاص أو المصدر {وفتح قريب} عاجل {وبشر المؤمنين} عطف على محذوف مثل قل يا أيها الذين آمنوا وبشر {أو على} تؤمنون فإنه في معنى الأمر كأنه قال آمنوا وجاهدوا أيها المؤمنون وبشرهم يا رسول اللّه بما وعدتهم عليهما آجلا وعاجلا ١٤ {يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار اللّه} وقرأ الحجازيان وأبو عمرو بالتنوين واللام لأن المعنى كونوا بعض أنصار اللّه {كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى اللّه} أي من جندي موجها إلى نصرة اللّه ليطابق قوله تعالى {قال الحواريون نحن أنصار اللّه} والإضافة الأولى إضافة أحد المتشاركين إلى الآخر لما بينهما من الاختصاص والثانية إضافة الفاعل إلى المفعول والتشبيه باعتبار المعنى إذ المراد قل لهم كما قال عيسى ابن مريم أو كونوا أنصارا كما قال الحواريون حين قال لهم عيسى من أنصاري إلى اللّه والحواريون أصفياؤه وهم أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلا من الحور وهو البياض {فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة} أي بعيسى {فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم} بالحجة وبالحرب وذلك بعد رفع عيسى {فأصبحوا ظاهرين} فصاروا غالبين عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: من قرأ سورة الصف كان عيسى مصليا عليه مستغفرا له ما دام في الدنيا وهو يوم القيامة رفيقه |
﴿ ٠ ﴾