تفسير البيضاوي: أنوار التنزيل و أسرار التأويل أبو سعيد عبد اللّه بن عمر بن محمد بن علي

البيضاوي الشيرازي الفارسي، ناصر الدين، القاضي الشافعي (ت ٦٨٥ هـ ١٢٨٦ م)

_________________________________

سورة النّازعات

سورة النازعات مكية وآيها خمس أو ست وأربعون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

و انظر تفسير الآية:٥

٢

انظر تفسير الآية:٥

٣

انظر تفسير الآية:٥

٤

انظر تفسير الآية:٥

٥

{والنازعات غرقا * والناشطات نشطا * والسابحات سبحا * فالسابقات سبقا * فالمدبرات أمرا}

هذه صفات ملائكة الموت فإنهم:

ينزعون أرواح الكفار من أبدانهم غرقا أي إغراقا في النزع فإنهم ينزعونها من أقاصي الأبدان أو نفوسا غرقت في الأجساد

وينشطون أي يخرجون أرواح المؤمنين برفق من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها

ويسبحون في إخراجها سبح الغواص الذي يخرج الشيء من أعماق البحر

فيسبقون بأرواح الكفار إلى النار وبأرواح المؤمنين إلى الجنة

فيدبرون إمر عقابها وثوابها بأن يهيئوها لإدراك ما أعد لها من الآلام واللذات أو الأوليان لهم والباقيات لطوائف من الملائكة يسبحون في مضيها أي يسرعون فيه فيسبقون إلى ما أمروا به فيدبرون أمره

أو صفات النجوم:

فإنها تنزع من المشرق إلى المغرب غرقا في النزع بأن تقطع الفلك حتى تنحط في أقصى الغرب

وتنشط من برج إلى برج أي تخرج من نشط الثور إذا خرج من بلد إلى بلد

ويسبحون في الفلك

فيسبق بعضها في السير لكونه أسرع حركة

فيدبر أمرا نيط بها كاختلاف الفصول وتقدير الأزمنة وظهور مواقيت العبادات ولما كانت حركاتها من المشرق إلى المغرب قسرية وحركاتها من برج إلى برج ملائمة سمى الأولى نزعا والثانية نشطا

أو صفات النفوس الفاضلة حال المفارقة فإنها

تنزع عن الأبدان غرقا أي نزعا شديدا من إغراق النازع في القوس

وتنشط إلى عالم الملكوت

وتسبح فيها

فتسبق إلى حظائر القدس

فتصير لشرفها وقوتها من المدبرات

أو حال سلوكها فإنها

تنزع عن الشهوات

فتنشط إلى عالم القدس

فتسبح في مراتب الارتقاء

فتسبق إلى الكمالات حتى تصير من المكملات

أو صفات أنفس الغزاة أو أيديهم

تنزع القسي بإغراق السهام وينشطون بالسهم للرمي ويسبحون في البر والبحر فيسبقون إلى حرب العدو فيدبرون أمرها

أو صفات خيلهم فإنها

تنزع في أعنتها نزعا تغرق فيه الأعنة لطول أعناقها وتخرج من دار الإسلام إلى دار الكفر وتسبح في حربها فتسبق إلى العدو فتدبر أمر الظفر أقسم اللّه تعالى بها على قيام الساعة وإنما حذف لدلالة ما بعده عليه

٦

{يوم ترجف الراجفة} وهو منصوب به والمراد بالراجفة الأجرام الساكنة التي تشتد حركتها حينئذ كالأرض والجبال لقوله تعالى {يوم ترجف الأرض والجبال} [المزّمّل:١٤] أو الواقعة التي ترجف الأجرام عندها وهي النفخة الأولى

٧

{تتبعها الرادفة} التابعة وهي السماء والكواكب تنشق وتنشر أو النفخة الثانية والجملة في موقع الحال

٨

{قلوب يومئذ واجفة} شديدة الاضطراب من الوجيف وهي صفة القلوب والخبر

٩

{أبصارها خاشعة} أي أبصار أصحابها ذليلة من الخوف ولذلك أضافها إلى القلوب

١٠

{يقولون أئنا لمردودون في الحافرة} في الحالة الأولى يعنون الحياة بعد الموت من قولهم رجع فلان في حافرته أي طريقه التي جاء فيها فحفرها أي أثر فيها بمشيه على النسبة كقوله تعالى {في عيشة راضية} [الحاقة:٢١] أو تشبيه القائل بالفاعل وقرئ في الحفرة بمعنى المحفورة يقال حفرت أسنانه فحفرت حفرا وهي حفرة

١١

إذا كنا} وقرأ نافع وابن عامر والكسائي إذا كنا على الخبر

{عظاما ناخرة} بالية وقرأ الحجازيان والشامي وحفص وروح نخرة وهي أبلغ

١٢

{قالوا تلك إذا كرة خاسرة} ذات خسران أو خاسر أصحابها والمعنى أنها إن صحت فنحن إذا خاسرون لتكذيبنا بها وهو استهزاء منهم

١٣

{فإنما هي زجرة واحدة} متعلق بمحذوف أي لا يستصعبوها فما هي إلا صيحة واحدة يعني النفخة الثانية

١٤

{فإذا هم بالساهرة} فإذا هم أحياء على وجه الأرض بعد ما كانوا أمواتا في بطنها والساهرة الأرض البيضاء المستوية سميت بذلك لأن السراب يجري فيها من قولهم عين ساهرة للتي يجري ماؤها وفي ضدها نائمة أو لأن سالكها يسهر خوفا وقيل اسم لجهنم

١٥

{هل أتاك حديث موسى} أليس قد أتاك حديثه فيسليك على تكذيب قومك وتهددهم عليه بأن يصيبهم مثل ما أصاب من هو أعظم منهم

١٦

{إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى} قد مر بيانه في سورة طه

١٧

{اذهب إلى فرعون إنه طغى} على إرادة القول وقرئ أن اذهب لما في النداء من معنى القول

١٨

{فقل هل لك إلى أن تزكى} هل لك ميل إلى أن تتطهر من الكفر والطغيان وقرأ الحجازيان ويعقوب تزكى بالتشديد

١٩

{وأهديك إلى ربك} وأرشدك إلى معرفته

{فتخشى} بأداء الواجبات وترك المحرمات إذ الخشية إنما تكون بعد المعرفة وهذا كالتفصيل لقوله {فقولا له قولا لينا} [طه:٤٤]

٢٠

{فأراه الآية الكبرى} أي فذهب وبلغ فأراه المعجزة الكبرى وهي قلب العصا حية فإنه كان المقدم والأصل أو مجموع معجزاته فإنها باعتبار دلالتها كالآية الواحدة

٢١

{فكذب وعصى} فكذب موسى وعصى اللّه عز وجل بعد ظهور الآية وتحقق الأمر

٢٢

{ثم أدبر} عن الطاعة

{يسعى} ساعيا في إبطال أمره أو أدبر بعدما رأى الثعبان مرعوبا مسرعا في مشيه

٢٣

{فحشر} فجمع السحرة أو جنوده

{فنادى} في المجمع بنفسه أو بمناد

٢٤

{فقال أنا ربكم الأعلى} أعلى كل من يلي أمركم

٢٥

{فأخذه اللّه نكال الآخرة والأولى} أخذا منكلا لمن رآه أو سمعه في الآخرة بالإحراق وفي الدنيا بالإغراق أو على كلمته الآخرة وهي هذه وكلمته الأولى وهو قوله {ما علمت لكم من إله غيري}[القصص:٣٨] أو للتنكيل فيهما أو لهما ويجوز أن يكون مصدرا مؤكدا مقدرا بفعله

٢٦

{إن في ذلك لعبرة لمن يخشى} لمن كان من شأنه الخشية

٢٧

{أأنتم أشد خلقا} أصعب خلقا

{أم السماء} ثم بين كيف خلقها فقال

{بناها} ثم بين البناء فقال

٢٨

{رفع سمكها} أي جعل مقدار ارتفاعها من الأرض أو ثخنها لذاهب في العلو رفيعا

{فسواها} فعدلها أو فجعلها مستوية أو فتممها بما يتم به كمالها من الكواكب والتداوير وغيرها من قولهم سوى فلان أمره إذا أصلحه

٢٩

{وأغطش ليلها} أظلمه منقول من غطش الليل إذا أظلم وإنما أضافه إليها لأنه يحدث بحركتها

{وأخرج ضحاها} وأبرز ضوء شمسها كقوله تعالى {والشمس وضحاها} [الشّمس:١] يريد النهار

٣٠

{والأرض بعد ذلك دحاها} بسطها ومهدها للسكنى

٣١

{أخرج منها ماءها} بتفجير العيون

{ومرعاها} ورعيها وهو في الأصل لموضع لرعي وتجريد الجملة عن العاطف لأنها حال بإضمار قد أو بيان للدحو

٣٢

{والجبال أرساها} أثبتها وقرئ والأرض والجبال بالرفع على الابتداء وهو مرجوع لأن العطف على فعلية

٣٣

{متاعا لكم ولأنعامكم} تمتيعا لكم ولمواشيكم

٣٤

{فإذا جاءت الطامة} الداهية التي تطم أي تعلو على سائر الدواهي

{الكبرى} التي هي أكبر الطامات وهي القيامة أو النفخة الثانية أو الساعة التي يساق فيها أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار

٣٥

{يوم يتذكر الإنسان ما سعى} بأن يراه مدونا في صحيفته وكان قد نسيه من فرط الغفلة أو طول المدة وهو بدل من

{فإذا جاءت} و {ما} موصولة أو مصدرية

٣٦

{وبرزت الجحيم} وأظهرت {لمن يرى} لكل راء بحيث لا تخفى على أحد وقرئ {وبرزت} ولمن رأى ولمن ترى على أن فيه ضمير الجحيم كقوله تعالى {إذا رأتهم من مكان بعيد} [الفرقان:١٢] أو أنه خطاب الرسول صلى اللّه عليه وسلم أي لمن تراه من الكفار وجواب {فإذا جاءت} [النازعات:٣٥] محذوف دل عليه {يوم يتذكر} [النازعات:٣٥] أو ما بعده من التفضيل

٣٧

{فأما من طغى} حتى كفر

٣٨

{وآثر الحياة الدنيا} فانهمك فيها ولم يستعد للآخرة بالعبادة وتهذيب النفس

٣٩

{فإن الجحيم هي المأوى} هي مأواه واللام فيه سادة مسد الإضافة للعلم بأن صاحب المأوى هو الطاغي وهي فصل أو مبتدأ

٤٠

{وأما من خاف مقام ربه} مقامه بين يدي ربه لعلمه بالمبدأ والمعاد

{ونهى النفس عن الهوى} لعلمه بأنه مرد

٤١

{فإن الجنة هي المأوى} ليس له سواها مأوى

٤٢

{ويسئلونك عن الساعة أيان مرساها} متى أرساؤها أي إقامتها وإثباتها أو منتهاها ومستقرها من مرسى السفينة وهو حيث تنتهي إليه وتستقر فيه

٤٣

{فيم أنت من ذكراها} في أي شيء أنت من أن تذكر وقتها لهم أي ما أنت من ذكرها لهم وتبيين وقتها في شيء فإن ذكرها لا يزيدهم إلا غيا ووقتها مما استأثر اللّه تعالى بعلمه وقيل {فيم} إنكار لسؤالهم و {أنت من ذكراها} مستأنف ومعناه أنت ذكر من ذكرها أي علامة من أشراطها فإن إرساله خاتما للأنبياء أمارة من أماراتها وقيل إنه متصل بسؤالهم والجواب

٤٤

{إلى ربك منتهاها} أي منتهى علمها

٤٥

{إنما أنت منذر من يخشاها} إنما بعثت لإنذار من يخاف هولها وهو لا يناسب تعيين الوقت وتخصيص من يخشى لأنه المنتفع به وعن أبي عمرو ومنذر بالتنوين والإعمال على الأصل لأنه بمعنى الحال

٤٦

{كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا} في الدنيا أو في القبور

{إلا عشية أو ضحاها} أي عشية يوم أو ضحاه كقوله {إلا ساعة من نهار} [الأحقاف:٣٥] ولذلك أضاف الضحى إلى العشية لأنهما من يوم واحد

عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: من قرأ سورة النازعات كان ممن حبسه اللّه في القيامة حتى يدخل الجنة قدر صلاة المكتوبة

﴿ ٠