تفسير البيضاوي: أنوار التنزيل و أسرار التأويل أبو سعيد عبد اللّه بن عمر بن محمد بن علي البيضاوي الشيرازي الفارسي، ناصر الدين، القاضي الشافعي (ت ٦٨٥ هـ ١٢٨٦ م) _________________________________ سورة الفجر سورة الفجر مكية وآيها ثلاثون آية _________________________________ {والفجر} أقسم بالصبح أو فلقه كقوله {والصبح إذا تنفس} [التّكوير:١٨] أو بصلاته ٢ {وليال عشر} عشر ذي الحجة ولذلك فسر {الفجر} [الفجر:١] بفجر عرفة أو النحر أو عشر رمضان الأخير وتنكيرها للتعظيم وقرئ وليال عشر بالإضافة على أن المراد بالعشر الأيام ٣ {والشفع والوتر} والأشياء كلها شفعها ووترها أو الخلق لقوله {ومن كل شيء خلقنا زوجين} [الذاريات:٤٩] والخالق لأنه فرد ومن فسرهما بالعناصر والأفلاك أو البروج والسيارات أو شفع الصلوات ووترها أو بيومي النحر وعرفة وقد روي مرفوعا أو بغيرها فلعله أفرد بالذكر من أنواع المدلول ما رآه أظهر دلالة على التوحيد أو مدخلا في الدين أو مناسبة لما قبلهما أو أكثر منفعة موجبة للشكر وقرئ {والوتر} بكسر الواو وهما لغتان كالحبر والحبر ٤ {والليل إذا يسر} إذا يمضي كقوله {والليل إذ أدبر} [المدّثّر:٣٣] والتقييد بذلك لما في التعاقب من قوة الدلالة على كمال القدرة ووفور النعمة أو يرى فيه من قولهم صلى المقام وحذف الياء للاكتفاء بالكسرة تخفيفا وقد خصه نافع وأبو عمرو بالوقف لمراعاة الفواصل ولم يحذفها ابن كثير ويعقوب أصلا وقرئ {يسر} بالتنوين المبدل من حرف الاطلاق ٥ {هل في ذلك} القسم أو المقسم به {قسم} حلف أو محلوف به {لذي حجر} يعتبره ويؤكد به ما يريد تحقيقه والحجر العقل سمي به لأنه يحجر عما لا ينبغي كما سمي عقلا ونهية وحصاة من الإحصاء وهو الضبط والمقسم عليه محذوف وهو ليعذبن يدل عليه قوله ٦ {ألم تر كيف فعل ربك بعاد} يعني أولاد عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام قوم هود سموا باسم أبيهم كما سمي بنو هاشم باسمه ٧ {إرم} عطف بيان لعاد على تقدير مضاف أي سبط {إرم} أو أهل {إرم} إن صح أنه اسم بلدتهم وقيل سمي أوائلهم وهم عادا الأولى باسم جدهم ومنع صرفه للعلمية والتأنيث {ذات العماد} ذات البناء الرفيع أو القدود الطوال أو الرفعة والثبات وقيل كان لعاد ابنان شداد وشديد فملكا وقهرا ثم مات شديد فخلص الأمر لشداد وملك المعمورة ودانت له ملوكها فسمع بذكر الجنة فبنى على مثالها في بعض صحارى عدن جنة وسماها إرم فلما تمت سار إليها بأهله فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث اللّه عليهم صيحة من السماء فهلكوا وعن عبد اللّه بن قلابة أنه خرج في طلب إبله فوقع عليها ٨ {التي لم يخلق مثلها في البلاد} صفة أخرى ل {إرم} [الفجر:٧] والضمير لها سواء جعلت {إرم} القبيلة أو البلدة ٩ {وثمود الذين جابوا الصخر} قطعوه واتخذوه منازل لقوله {وتنحتون من الجبال بيوتا} [الشّعراء:١٤٩] {بالواد} وادي القرى ١٠ {وفرعون ذي الأوتاد} لكثرة جنوده ومضاربهم التي كانوا يضربونها إذا نزلوا أو لتعذيبه بالأوتاد ١١ {الذين طغوا في البلاد} صفة للمذكورين عاد وثمود وفرعون أو ذم منصوب أو مرفوع ١٢ {فأكثروا فيها الفساد} بالكفر والظلم ١٣ {فصب عليهم ربك سوط عذاب} ما خلط لهم من أنواع العذاب وأصله الخلط وإنما سمي به الجلد المضفور الذي يضرب به لكونه مخلوط الطاقات بعضها ببعض وقيل شبه بال {سوط} ما أحل بهم في الدنيا إشعارا بأنه القياس إلى ما أعد لهم في الآخرة من العذاب كالسوط إذا قيس إلى السيف ١٤ {إن ربك لبالمرصاد} إلى المكان الذي يترقب فيه الرصد مفعال من رصده كالميقات من وقته وهو تمثيل لإرصاده العصاة بالعقاب ١٥ {فأما الإنسان} متصل بقوله {إن ربك لبالمرصاد} [الفجر: ١٤] كأنه قيل إنه {لبالمرصاد} من الآخرة فلا يريد إلا السعي لها {فأما الإنسان} فلا يهمه إلا الدنيا ولذاتها {إذا ما ابتلاه ربه} اختبره بالغنى واليسر {فأكرمه ونعمه} بالجاه والمال {فيقول ربي أكرمن} فضلني بما أعطاني وهو خبر المبتدأ الذي هو {الإنسان} والفاء لما في أما من معنى الشرط والظرف المتوسط في تقدير التأخير كأنه قيل فأما الإنسان فقائل ربي أكرمني وقت ابتلائه بالإنعام وكذا قوله: ١٦ {وأما إذا ابتلاه فقدر عليه رزقه} إذ التقدير وأما الإنسان إذا ما ابتلاه أي بالفقر والتقتير ليوازن قسيمه {فيقول ربي أهانن} لقصور نظره وسوء فقره فإن التقتير قد يؤدي إلى كرامة الدارين والتوسعة قد تفضي إلى قصد الأعداء والانهماك في حب الدنيا ولذلك ذمه على قوليه سبحانه وتعالى وردعه عنه بقوله: ١٧ انظر تفسير الآية:١٨ ١٨ {كلا} مع أن قوله الأول مطابق لأكرمه ولم يقل فأهانه وقدر عليه كما قال {فأكرمه ونعمه} [الفجر:١٥] لأن التوسعة تفضل والإخلال به لا يكون إهانة وقرأ ابن عامر والكوفيون أكرمن وأهانن بغير ياء في الوصل والوقف وعن أبي عمرو مثله ووافقهم نافع في الوقف وقرأ ابن عامر فقدر بالتشديد {بل لا تكرمون اليتيم * ولا تحاضون على طعام المسكين} أي بل فعلهم أسوأ من قولهم وأدل على تهالكهم بالمال وهو أنهم لا يكرمون اليتيم بالنفقة والمبرة ولا يحثون أهلهم {على طعام المسكين} فضلا عن غيرهم وقرأ الكوفيون {ولا تحاضون} ١٩ {وتأكلون التراث} الميراث وأصله وراث {أكلا لما} ذا لم أي جمع بين الحلال والحرام فإنهم كانوا لا يورثون النساء والصبيان ويأكلون أنصباءهم أو يأكلون ما جمعه المورث من حلال وحرام عالمين بذلك ٢٠ {وتحبون المال حبا جما} كثيرا مع حرص وشره وقرأ أبو عمرو وسهل ويعقوب لا يكرمون إلى ويحبون بالياء والباقون بالتاء ٢١ {كلا} ردع لهم عن ذلك وإنكار لفعلهم وما بعده وعيد عليه {إذا دكت الأرض دكا دكا} إي دكا بعد دك حتى صارت منخفضة الجبال والتلال أو {هباء منبثا} [الواقعة:٦] ٢٢ {وجاء ربك} أي ظهرت آيات قدرته وآثار قهره مثل ذلك بما يظهر عند حضور السلطان من آثار هيبته وسياسته {والملك صفا صفا} بحسب منازلهم ومراتبهم ٢٣ {وجيء يومئذ بجهنم} كقوله تعالى {وبرزت الجحيم} [النّازعات:٣٦] وفي الحديث: يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها {يومئذ} يدل من إذا دكت الأرض والعامل فيهما {يتذكر الإنسان} أي يتذكر معاصيه أو يتعظ لأنه يعلم قبحها فيندم عليها {وأنى له الذكرى} أي منفعة الذكرى لئلا يناقض ما قبله واستدل به على عدم وجوب قبول التوبة فإن هذا التذكر توبة غير مقبولة ٢٤ {يقول يا ليتني قدمت لحياتي} أي لحياتي هذه أو وقت حياتي في الدنيا أعمالا صالحة وليس في هذا التمني دلالة على استقلال العبد بفعله فإن المحجور عن شيء قد يتمنى أن كان ممكنا منه ٢٥ انظر تفسير الآية:٢٦ ٢٦ {فيومئذ لا يعذب عذابه أحد * ولا يوثق وثاقه أحد} الهاء للّه أي لا يتولى عذاب اللّه ووثاقه يوم القيامة سواه إذ الأمر كله له أو للإنسان أي لا يعذب أحد من الزبانية مثل ما يعذبونه وقرأهما الكسائي ويعقوب على بناء المفعول ٢٧ {يا أيتها النفس المطمئنة} على إرادة القول وهي التي اطمأنت بذكر اللّه فإن النفس تترقى في سلسلة الأسباب والمسببات إلى الواجب لذاته فتستفز دون معرفته وتستغني به عن غيره أو إلى الحق بحيث لا يريبها شك أو الآمنة التي لا يستفزها خوف ولا حزن وقد قرئ بهما ٢٨ {ارجعي إلى ربك} إلى أمره أو موعده بالموت ويشعر ذلك بقول من قال كانت النفوس قبل الأبدان موجودة في عالم القدس أو البعث {راضية} بما أوتيت {مرضية} عند اللّه تعالى ٢٩ {فادخلي في عبادي} في جملة عبادي الصالحين ٣٠ {وادخلي جنتي} معهم أو في زمرة المقربين فتستضيء بنورهم فإن الجواهر القدسية كالمرايا المتقابلة أو ادخلي في أجساد عبادي التي فارقت عنها وادخلي دار ثوابي التي أعدت لك عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: من قرأ سورة الفجر في الليالي العشر غفر له ومن قرأها في سائر الأيام كانت له نورا يوم القيامة |
﴿ ٠ ﴾