تفسير البيضاوي: أنوار التنزيل و أسرار التأويل أبو سعيد عبد اللّه بن عمر بن محمد بن علي البيضاوي الشيرازي الفارسي، ناصر الدين، القاضي الشافعي (ت ٦٨٥ هـ ١٢٨٦ م) _________________________________ سورة العلق سورة العلق مكية وآيها تسع عشرة آية _________________________________ انظر تفسير الآية:٢ ٢ {اقرأ باسم ربك} أي اقرأ القرآن مفتتحا باسمه سبحانه وتعالى أو مستعينا به {الذي خلق} أي الذي له الخلق أو الذي خلق كل شيء ثم أفرد ما هو أشرف وأظهر صنعا وتدبيرا وأدل على وجوب العبادة المقصودة من القرأءة فقال {خلق الإنسان} أو الذي {خلق الإنسان} فأبهم أولا ثم فسر تفخيما لخلقه ودلالة على عجيب فطرته {من علق} جمعه على {الإنسان} في معنى الجمع ولما كان أول الواجبات معرفة اللّه سبحانه وتعالى نزل أولا ما يدل على وجوده وفرط قدرته وكمال حكمته ٣ {اقرأ} تكرير للمبالغة أو الأول مطلق والثاني للتبليغ أو في الصلاة ولعله لما قيل له {اقرأ باسم ربك} [العلق:١] فقال ما أنا بقارئ فقيل له اقرأ {وربك الأكرم} الزائد في الكرم على كل كريم فإنه سبحانه وتعالى ينعم بلا عوض ويحلم من غير تخوف بل هو الكريم وحده على الحقيقة ٤ {الذي علم بالقلم} أي الخط بالقلم وقد قرئ به لتقيد به العلوم ويعلم به البعيد ٥ {علم الإنسان ما لم يعلم} بخلق القوى ونصب الدلائل وإنزال الآيات فيعلمك القرأءة وإن لم تكن قارئا وقد عدد سبحانه وتعالى مبدأ أمر الإنسان ومنتهاه إظهارا لما أنعم عليه من أن نقله من أخس المراتب إلى أعلاها تقريرا لربوبيته وتحقيقا لأكرميته وأشار أولا إلى ما يدل على معرفته عقلا ثم نبه على ما يدل عليها سمعا ٦ {كلا} ردع لمن كفر بنعمة اللّه بطغيانه وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه {إن الإنسان ليطغى} ٧ {أن رآه استغنى} أن رأى نفسه و{استغنى} مفعوله الثاني لأنه بمعنى علم ولذلك جاز أن يكون فاعله ومفعوله ضميرين لواحد ٨ {إن إلى ربك الرجعى} الخطاب للإنسان على الالتفات تهديدا وتحذيرا من عاقبة الطغيان و {الرجعي} مصدر كالبشرى ٩ {أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى} نزلت في أبي جهل قال لو رأيت محمدا ساجدا لوطئت عنقه فجاءه ثم نكص على عقبيه فقيل له ما لك فقال إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة فنزلت ١٠ ولفظ {العبد} وتنكيره للمبالغة في تقبيح النهي والدلالة على كمال عبودية المنهي ١١ {أرأيت إن كان على الهدى} أرأيت تكرير للأول وكذا الذي في قوله ١٢ {أو أمر بالتقوى} والمعنى أخبرني عمن ينهى بعض عباد اللّه عن صلاته إن كان ذلك الناهي على هدى فيما ينهى عنه أو آمرا بالتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقده أو إن كان على التكذيب للحق والتولي عن الصواب ١٣ انظر تفسير الآية:١٤ ١٤ {أرأيت إن كذب وتولى * ألم يعلم بأن اللّه يرى} والشرطية مفعوله الثاني وجواب الشرط محذوف دل عليه جواب الشرط الثاني الواقع موقع القسيم له والمعنى أخبرني عمن ينهى بعض عباد اللّه عن صلاته إن كان ذلك الناهي على هدى فيما ينهى عنه أو آمرا {بالتقوى} فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقده أو إن كان على التكذيب للحق والتولي عن الصواب كما تقول {ألم يعلم بأن اللّه يرى} ويطلع على أحواله من هداه وضلاله وقيل المعنى {أرأيت الذي ينهى عبدا} [العلق: ٩-١٠] يصلي والمنهي على الهدى آمرا بالتقوى والناهي مكذب متول فما أعجب من ذا وقيل الخطاب في الثانية مع الكافر فإنه سبحانه وتعالى كالحاكم الذي حضره الخصمان يخاطب هذا مرة والآخر أخرى وكأنه قال يا كافر أخبرني إن كان صلاته هدى ودعاؤه إلى اللّه سبحانه وتعالى أمرا {بالتقوى} أتنهاه ولعله ذكر الأمر {بالتقوى} في التعجب والتوبيخ ولم يتعرض له في النهي لأن النهي كان عن الصلاة والأمر {بالتقوى} فاقتصر على ذكر الصلاة لأنه دعوة بالفعل أو لأن نهي العبد إذا صلى يحتمل أن يكون لها ولغيرها وعامة أحوالها محصورة في تكميل نفسه بالعبادة وغيره بالدعوة ١٥ {كلا} ردع للناهي {لئن لم ينته} عما هو فيه {لنسفعا بالناصية} لنأخذن بناصيته ولنسحبنه بها إلى النار والسفع القبض على الشيء وجذبه بشدة وقرئ {لنسفعن} بنون مشددة ولأسفعن وكتابته في المصحف بالألف على حكم الوقف والاكتفاء باللام عن الإضافة للعلم بأن المراد ناصية المذكور ١٦ {ناصية كاذبة خاطئة} بدل من الناصية وإنما جاز لوصفها وقرئت بالرفع على هي ناصية والنصب على الذم ووصفها بالكذب والخطأ وهما لصاحبها على الإسناد المجازي للمبالغة ١٧ {فليدع نادية} أي أهل نادية ليعينوه وهو المجلس الذي ينتدي فيه القوم روي أنا أبا جهل لعنه اللّه مر برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو يصلي فقال ألم أنهك فاغلظ له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: أتهددني وأنا أكثر أهل الوادي ناديا فنزلت ١٨ {سندع الزبانية} ليجروه إلى النار وهو في الأصل الشرط واحدها زبنية كعفرية من الزبن وهو الدفع أو زبني على النسب وأصلها زباني والتاء معوضة عن الياء ١٩ {كلا} ردع أيضا للناهي {لا تطعه} أي اثبت أنت على طاعتك {واسجد} داوم على سجودك {واقترب}وتقرب إلى ربك وفي الحديث: أقرب ما يكون العبد إلى ربه إذا سجد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: من قرأ سورة العلق أعطي من الأجر كأنما قرأ المفصل كله |
﴿ ٠ ﴾