سورة يونس١{الر} اللّه أعلم بمراده بذلك {تلك} أي هذه الآيات {آيات الكتاب} القرآن والإضافة بمعنى من {الحكيم} المحكم ٢{أكان للناس} أي أهل مكة استفهام إنكار والجار والمجرور حال من قوله {عجباً} بالنصب خبر كان وبالرفع اسمها والخبر وهو اسمها على الأولى {أن أوحينا} أي إيحاؤنا {إلى رجل منهم} محمد صلى اللّه عليه وسلم {أن} مفسرة {أنذر} خوف {الناس} الكافرين بالعذاب {وبشر الذين آمنوا أن} أي بأن {لهم قدم} سلف {صدق عند ربهم} أي أجراً حسناً بما قدموه من الأعمال {قال الكافرون إن هذا} النبي صلى اللّه عليه وسلم {لسحر مبين} بيِّن وفي قرأءة {لساحر} والمشار إليه القرآن المشتمل على ذلك ٣{إن ربكم اللّه الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام} من الدنيا، أي في قدرها لأنه لم يكن ثم شمس ولا قمر ولو شاء لخلقهن في لمحة، والعدول عنه لتعليم خلقه التثبت {ثم استوى على العرش} استواء يليق به {يدبر الأمر} بين الخلائق {ما من} صلة {شفيع} يشفع لأحد {إلا من بعد إذنه} رد لقولهم إن الأصنام تشفع لكم {ذلكم} الخالق المدبر {اللّه ربكم فاعبدوه} وحدوه {أفلا تذَّكَّرون} بإدغام التاء في الأصل في الذال ٤{إليه} تعالى {مرجعكم جميعاً وعد اللّه حقاً} مصدران منصوبان بفعلهما المقدر {إنه} بالكسر استئنافا والفتح على تقدير اللام {يبدأ الخلق} أي بدأه بالإنشاء {ثم يعيده} بالبعث {ليجزي} يثيب {الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم} ماء بالغ نهاية الحرارة {وعذاب أليم} مؤلم {بما كانوا يكفرون} أي بسبب كفرهم ٥{هو الذي جعل الشمس ضياء} ذات ضياء أي نور {والقمر نوراً وقدره} من حيث سيره {منازل} ثمانية وعشرين ليلة من كل شهر منزلاً من ثمان وعشرين ويستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين يوماً أو ليلةً إن كان تسعة وعشرين يوماً {لتعلموا} بذلك {عدد السنين والحساب ما خلق اللّه ذلك} المذكور {إلا بالحق} لا عبثاً، تعالى عن ذلك {يفصل} بالياء والنون يبين {الآيات لقوم يعلمون} يتدبرون ٦{إن في اختلاف الليل والنهار} بالذهاب والمجيء والزيادة والنقصان {وما خلق اللّه في السماوات} من ملائكة وشمس وقمر ونجوم وغير ذلك {والأرض} في الأرض من حيوان وجبال وبحار وأنهار وأشجار وغيرها {لآيات} دلالات على قدرته تعالى {لقوم يتقون} فيؤمنون خصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بها ٧{إن الذين لا يرجون لقاءنا} بالبعث {ورضوا بالحياة الدنيا} بدل الآخرة لإنكارهم لها {واطمأنوا بها} سكنوا إليها {والذين هم عن آياتنا} دلائل وحدانيتنا {غافلون} تاركون النظر فيها ٨{أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون} من الشرك والمعاصي ٩{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم} يرشدهم {ربهم بإيمانهم} به بأن يجعل لهم نوراً يهتدون به يوم القيامة {تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم} ١٠{دعواهم فيها} طلبهم يشتهونه في الجنة أن يقولوا {سبحانك اللّهم} أي يا اللّه فإذا ما طلبوه وجدوه بين أيديهم {وتحيتهم} فيما بينهم {فيها سلام وآخر دعواهم أن} مفسرة {الحمد للّه رب العالمين} ١١ونزل لما استعجل المشركون العذاب {ولو يعجل اللّه للناس الشر استعجالهم} أي كاستعجالهم {بالخير لقضي} بالبناء للمفعول وللفاعل {إليهم أجلهم} بالرفع والنصب بأن يهلكهم ولكن يمهلهم {فنذر} نترك {الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون} يترددون متحيرين ١٢{وإذا مس الإنسان} الكافر {الضر} المرض والفقر {دعانا لجنبه} أي مضطجعاً {أو قاعداً أو قائماً} أي في كل حالٍ {فلما كشفنا عنه ضره مر} على كفره {كأنْ} مخففة واسمها محذوف أي كأنه {لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك} كما زين له الدعاء عند الضرر والإعراض عند الرخاء {زين للمسرفين} المشركين {ما كانوا يعملون} ١٣{ولقد أهلكنا القرون} الأمم {من قبلكم} يا أهل مكة {لما ظلموا} بالشرك {و} قد {جاءتهم رسلهم بالبينات} الدالات على صدقهم {وما كانوا ليؤمنوا} عطف على ظلموا {كذلك} كما أهلكنا أولئك {نجزي القوم المجرمين} الكافرين ١٤{ثم جعلناكم} يا أهل مكة {خلائف} جمع خليفة {في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون} فيها وهل تعتبرون بهم فتصدقوا رسلنا ١٥{وإذا تتلى عليهم آياتنا} القرآن {بيناتٍ} ظاهراتٍ حال {قال الذين لا يرجون لقاءنا} لا يخافون البعث {ائت بقرآن غير هذا} ليس فيه عيب آلهتنا {أو بدِّله} من تلقاء نفسك {قل} لهم {ما يكون} ينبغي {لي أن أبدله من تلقاء} قبل {نفسي إن} ما {أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي} بتبديله {عذاب يوم عظيم} هو يوم القيامة ١٦{قل لو شاء اللّه ما تلوته عليكم ولا أدراكم} أعلمكم {به} ولا نافية عطف على ما قبله، وفي قرأءة بلام جواب لو: أي لأعلمكم به على لسان غيري {فقد لبثت} مكثت {فيكم عمراً} سنيناً أربعين {من قبله} لا أحدثكم بشيء {أفلا تعقلون} أنه ليس من قِبَلي ١٧{فمن} أي لا أحد {أظلم ممن افترى على اللّه كذباً} بنسبة الشريك إليه {أو كذب بآياته} القرآن {إنه} أي الشأن {لا يفلح} يسعد {المجرمون} المشركون ١٨{ويعبدون من دون اللّه} أي غيره {ما لا يضرهم} إن لم يعبدوه {ولا ينفعهم} إن عبدوه وهو الأصنام {ويقولون} عنها {هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه قل} لهم {أتنبئون اللّه} تخبرونه {بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض} استفهام إنكار إذ لو كان له شريك لعلمه إذ لا يخفي عليه شيء {سبحانه} تنزيهاً له {وتعالى عما يشركونـ} ـه معه ١٩{وما كان الناس إلا أمة واحدة} على دين واحد وهو الإسلام، من لدن آدم إلى نوح، وقيل من عهد إبراهيم إلى عمرو بن لحيّ {فاختلفوا} بأن ثبت بعض وكفر بعض {ولولا كلمة سبقت من ربك} بتأخير الجزاء إلى يوم القيامة {لقضي بينهم} أي الناس في الدنيا {فيما فيه يختلفون} من الدين بتعذيب الكافرين ٢٠{ويقولون} أي أهل مكة {لولا} هلا {أنزل عليه} على محمد صلى اللّه عليه وسلم {آية من ربه} كما كان للأنبياء من الناقة والعصا واليد {فقل} لهم {إنما الغيب} ما غاب عن العباد أي أمره {للّه} ومنه الآيات فلا يأتي بها إلا هو وإنما علي التبليغ {فانتظروا} العذاب إن لم تؤمنوا {إني معكم من المنتظرين} ٢١{وإذا أذقنا الناس} أي كفار مكة {رحمة} مطراً وخصباً {من بعد ضراء} بؤس وجدب {مسَّتهم إذا لهم مكر في آياتنا} بالاستهزاء والتكذيب {قل} لهم {اللّه أسرع مكراً} مجازاةً {إن رسلنا} الحفظة {يكتبون ما تمكرون} بالتاء والياء ٢٢{هو الذي يسيركم} وفي قرأءة {ينشركم} {في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك} السفن {وجرين بهم} فيه التفات عن الخطاب {بريح طيبة} لينة {وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف} شديدة الهبوب تكسر كل شيء {وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم} أي أهلكوا {دعوا اللّه مخلصين له الدين} الدعاء {لئن} لام القسم {أنجيتنا من هذه} الأهوال {لنكونن من الشاكرين} الموحدين ٢٣{فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق} بالشرك {يا أيها الناس إنما بغيكم} ظلمكم {على أنفسكم} لأن إثمه عليها هو {متاعُ الحياة الدنيا} تمتعون فيها قليلاً {ثم إلينا مرجعكم} بعد الموت {فننبئكم بما كنتم تعملون} فنجازيكم عليه وفي قرأءة بنصب متاع أي تتمتعون ٢٤{إنما مثل} صفة {الحياة الدنيا كماء} مطر {أنزلناه من السماء فاختلط به} بسببه {نبات الأرض} واشتبك بعضه ببعض {مما يأكل الناس} من البر والشعير وغيرهما {والأنعام} من الكلأ {حتى إذا أخذت الأرض زخرفها} بهجتها من النبات {وازَّينت} بالزهر وأصله تزينت أبدلت التاء زاياً وأدغمت في الزاي {وظن أهلها أنهم قادرون عليها} متمكنون من تحصيل ثمارها {أتاها أمرنا} قضاؤنا أو عذابنا {ليلاً أو نهاراً فجعلناها} أي زرعها {حصيداً} كالمحصود بالمناجل {كأنْ} مخففة أي كأنها {لم تغن} تكن {بالأمس كذلك نفصِّل} نبيِّن {الآيات لقوم يتفكرون} ٢٥,, {واللّه يدعو إلى دار السلام} أي السلامة، وهي الجنة بالدعاء إلى الإيمان {ويهدي من يشاء} هدايته {إلى صراط مستقيم} دين الإسلام ٢٦{للذين أحسنوا} بالإيمان {الحسنى} الجنة {وزيادة} هي النظر إليه تعالى كما في حديث مسلم {ولا يرهق} يغشى {وجوههم قتر} سواد {ولا ذلة} كآبة {أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} ٢٧{والذين} عطف على الذين أحسنوا، أي وللذين {كسبوا السيئات} عملوا الشرك {جزاء سيئةٍ بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من اللّه من} زائدة {عاصم} مانع {كأنما أغشيت} ألبست {وجوههم قطَعاً} بفتح الطاء، جمع قطعة وإسكانها أي جزءاً {من الليل مظلماً أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} ٢٨{و} اذكر {يوم نحشرهم} أي الخلق {جميعاً ثم نقول للذين أشركوا مكانكم} نصب بالزموا مقدراً {أنتم} تأكيد للضمير المستتر في الفعل المقدر ليعطف عليه {وشركاؤكم} أي الأصنام {فزيَّلنا} ميزنا {بينهم} وبين المؤمنين كما في آية {وامتازوا اليوم أيها المجرمون} {وقال} لهم {شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون} ما نافية وقدم المفعول للفاصلة ٢٩{فكفى باللّه شهيداً بيننا وبينكم إن} مخففة أي إنا {كنا عن عبادتكم لغافلين} ٣٠{هنالك} أي ذلك اليوم {تبلُو} من البلوى، وفي قرأءة بتاءين {تتلو} من التلاوة {كل نفس ما أسلفت} قدمت من العمل {وردوا إلى اللّه مولاهم الحق} الثابت الدائم {وضل} غاب {عنهم ما كانوا يفترون} عليه من الشركاء ٣١{قل} لهم {من يرزقكم من السماء} بالمطر {والأرض} بالنبات {أم من يملك السمع} بمعنى الأسماع أي خلقها {والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر} بين الخلائق {فسيقولون} هو {اللّه فقل} لهم {أفلا تتقون} فتؤمنون ٣٢{فذلكم} الفاعل لهذه الأشياء {اللّه ربكم الحق} الثابت {فماذا بعد الحق إلا الضلال} استفهام تقرير، أي ليس بعده غيره فمن أخطأ الحق وهو عبادة اللّه وقع في الضلال {فأنى} كيف {تصرفون} عن الإيمان مع قيام البرهان ٣٣{كذلك} كما صرف هؤلاء عن الإيمان {حقت كلمة ربك على الذين فسقوا} كفروا، وهي {لأملأن جهنم} الآية، أو هي {أنهم لا يؤمنون} ٣٤{ قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل اللّه يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون} تصرفون عن عبادته مع قيام الدليل ٣٥{قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق} بنصب الحجج وخلق الاهتداء {قل اللّه يهدي للحق، أفمن يهدي إلى الحق} وهو اللّه {أحق أن يتبع أم من لا يهدِّي} يهتدي {إلا أن يُهدى} أحق أن يتبع، استفهام تقرير وتوبيخ، أي الأول أحق {فما لكم كيف تحكمون} هذا الحكم الفاسد من اتباع ما لا يحق اتباعه ٣٦{وما يتبع أكثرهم} في عبادة الأصنام {إلا ظناً} حيث قلَّدوا فيه آباءهم {إن الظن لا يغني من الحق شيئاً} فيما المطلوب منه العلم {إن اللّه عليم بما يفعلون} فيجازيهم عليه ٣٧{وما كان هذا القرآن أن يفترى} أي افتراء {من دون اللّه} غيره {ولكن} أنزل {تصديقَ الذي بين يديه} من الكتب {وتفصيلَ الكتاب} تبيين ما كتبه اللّه من الأحكام وغيرها {لا ريب} لا شك {فيه من رب العالمين} متعلق بتصديق أو بأنزل المحذوف وقرئ برفع تصديق وتفصيل بتقدير هو ٣٨{أم} بل {يقولون افتراه} اختلقه محمد {قل فأتوا بسورة مثله} في الفصاحة والبلاغة على وجه الافتراء فإنكم عربيون فصحاء مثلي {وادعوا} للإعانة عليه {من استطعتم من دون اللّه} أي غيره {إن كنتم صادقين} في أنه افتراء فلم تقدروا على ذلك ٣٩قال تعالى {بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه} أي القرآن ولم يتدبروه {ولما} لم {يأتهم تأويله} عاقبة ما فيه من الوعيد {كذلك} التكذيب {كذب الذين من قبلهم} رسلهم {فانظر كيف كان عاقبة الظالمين} بتكذيب الرسل أي آخر أمرهم من الهلاك فكذلك نهلك هؤلاء ٤٠{ومنهم} أي أهل مكة {من يؤمن به} لعلم اللّه ذلك منهم {ومنهم من لا يؤمن به} أبداً {وربك أعلم بالمفسدين} تهديد لهم ٤١{وإن كذبوك فقل} لهم {لي عملي ولكم عملكم} أي لكل جزاء عمله {أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون} وهذا منسوخ بآية السيف ٤٢{ومنهم من يستمعون إليك} إذا قرأت القرآن {أفأنت تسمع الصم} شبههم بهم في عدم الانتفاع بما يتلى عليهم {ولو كانوا} مع الصمم {لا يعقلون} يتدبرون ٤٣{ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون} شبَّههم بهم في عدم الاهتداء بل أعظم {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} ٤٤{إن اللّه لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون} ٤٥{ويوم يحشرهم كأن} أي كأنهم {لم يلبثوا} في الدنيا أو القبور {إلا ساعةً من النهار} لهول ما رأوا، وجملة التشبيه حال من الضمير {يتعارفون بينهم} يعرف بعضهم بعضاً إذا بعثوا ثم ينقطع التعارف لشدة الأحوال والجملة حال مقدرة أو متعلق الظرف {قد خسر الذين كذبوا بلقاء اللّه} بالبعث {وما كانوا مهتدين} ٤٦{وإما} فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة {نُرينَّك بعض الذي نعدهم} به من العذاب في حياتك وجواب الشرط محذوف أي فذاك {أو نتوفينك} قبل تعذيبهم {فإلينا مرجعهم ثم اللّه شهيد} مطلع {على ما يفعلون} من تكذيبهم وكفرهم فيعذبهم أشد العذاب ٤٧{ولكل أمة} من الأمم {رسول فإذا جاء رسولهم} إليهم فكذبوه {قضي بينهم بالقسط} بالعدل فيعذبون وينجى الرسول ومن صدقه {وهم لا يظلمون} بتعذيبهم بغير جرم فكذلك نفعل بهؤلاء ٤٨{ويقولون متى هذا الوعد} بالعذاب {إن كنتم صادقين} فيه ٤٩{قل لا أملك لنفسي ضراً} أدفعه {ولا نفعاً} أجلبه {إلا ما شاء اللّه} أي يقدرني عليه، فكيف أملك لكم حلول العذاب {لكل أمة أجل} مدة معلومة لهلاكهم {إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون} يتأخرون عنه {ساعة ولا يستقدمون} يتقدمون عليه ٥٠{قل أرأيتم} أخبروني {إن أتاكم عذابه} أي اللّه {بياتاً} ليلاً {أو نهاراً ماذا} أي شيء {يستعجل منه} أي العذاب {المجرمون} المشركون، فيه وضع الظاهر موضع المضمر وجملة الاستفهام جواب شرط: كقولك إذا أتيتك ماذا تعطيني، والمراد به التهويل أي ما أعظم ما استعجلوه ٥١{أثُم إذا ما وقع} حلَّ بكم {آمنتم به} أي اللّه أو العذاب عند نزوله والهمزة لإنكار التأخير فلا يقبل منكم ويقال لكم {آلآن} تؤمنون {وقد كنتم به تستعجلون} استهزاء ٥٢{ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد} أي الذي تخلدون فيه {هل} ما {تجزون إلا} جزاء {بما كنتم تكسبون} ٥٣{ويستنبئونك} يستخبرونك {أحق هو} أي ما وعدتنا به من العذاب والبعث {قل إي} نعم {وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين} بفائتين العذاب ٥٤{ولو أن لكل نفس ظلمت} كفرت {ما في الأرض} جميعاً من الأموال {لافتدت به} من العذاب يوم القيامة {وأسروا الندامة} على ترك الإيمان {لما رأوا العذاب} أخفاها رؤساؤهم عن الضعفاء الذين أضلوهم مخافة التعيير {وقضي بينهم} بين الخلائق {بالقسط} بالعدل {وهم لا يظلمون} شيئاً ٥٥{ألا إن للّه ما في السماوات والأرض ألا إن وعد اللّه} بالبعث والجزاء {حق} ثابت {ولكن أكثرهم} أي الناس {لا يعلمون} ذلك ٥٦{هو يحيي ويميت وإليه ترجعون} في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم ٥٧{يا أيها الناس} أي أهل مكة {قد جاءتكم موعظة من ربكم} كتاب فيه ما لكم وما عليكم وهو القرآن {وشفاء} دواء {لما في الصدور} من العقائد الفاسدة والشكوك {وهدى} من الضلال {ورحمة للمؤمنين} به ٥٨{قل بفضل اللّه} الإسلام {وبرحمته} القرآن {فبذلك} الفضل والرحمة {فليفرحوا هو خير مما يجمعون} من الدنيا بالياء والتاء ٥٩{قل أرأيتم} أخبروني {ما أنزل اللّه} خلق {لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً} كالبحيرة والسائبة والميتة {قل اللّه أذن لكم} في ذلك بالتحليل والتحريم لا {أم} بل {على اللّه تفترون} تكذبون بنسبة ذلك إليه ٦٠{وما ظن الذين يفترون على اللّه الكذب} أي شيء ظنهم به {يوم القيامة} أيحسبون أنه لا يعاقبهم لا {إن اللّه لذو فضل على الناس} بإمهالهم والإنعام عليهم {ولكن أكثرهم لا يشكرون} ٦١{وما تكون} يا محمد {في شأن} أمر {وما تتلو منه} أي من الشأن أو اللّه {من قرآن} أنزله عليك {ولا تعملون} خاطبه وأمته {من عمل إلا كنا عليكم شهوداً} رقباء {إذ تفيضون} تأخذون {فيه} أي العمل {وما يعزب} يغيب {عن ربك من مثقال} وزن {ذرة} أصغر نملة {في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين} بيِّن هو اللوح المحفوظ ٦٢{ألا إن أولياء اللّه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} في الآخرة ٦٣هم {الذين آمنوا وكانوا يتقون} اللّه بامتثال أمره ونهيه ٦٤{لهم البشرى في الحياة الدنيا} فسرت في حديث صححه الحاكم بالرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرى له {وفي الآخرة} الجنة والثواب {لا تبديل لكلمات اللّه} لا خلف لمواعيده {ذلك} المذكور {هو الفوز العظيم} ٦٥{ولا يحزنك قولهم} لك لست مرسلاً وغيره {إن} استئناف {العزة} القوة {للّه جميعا هو السميع} للقول {العليم} بالفعل فيجازيهم وينصرك ٦٦{ألا إن للّه من في السماوات ومن في الأرض} عبيداً وملكاً وخلقاً {وما يتبع الذين يدعون} يعبدون {من دون اللّه} أي غيره أصناماً {شركاء} له على الحقيقة تعالى على ذلك {إن} ما {يتبعون} في ذلك {إلا الظن} أي ظنهم أنها آلهة تشفع لهم {وإن} ما {هم إلا يخرصون} يكذبون في ذلك ٦٧{هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً} إسناد الإبصار إليه مجاز لأنه يبصر فيه {إن في ذلك لآيات} دلالات على وحدانيته تعالى {لقوم يسمعون} سماع تدبرٍ واتعاظ ٦٨{قالوا} أي اليهود والنصارى ومن زعم أن الملائكة بنات اللّه {اتخذ اللّه ولداً} قال تعالى لهم {سبحانه} تنزيهاً له عن الولد {هو الغني} عن كل أحد وإنما يطلب الولد من يحتاج إليه {له ما في السماوات وما في الأرض} ملكاً وخلقاً وعبيداً {إن} ما {عندكم من سلطانٍ} حجةٍ {بهذا} الذي تقولونه {أتقولون على اللّه ما لا تعلمون} استفهام توبيخ ٦٩{قل إن الذين يفترون على اللّه الكذب} بنسبه الولد إليه {لا يفلحون} لا يسعدون ٧٠لهم {متاع} قليل {في الدنيا} يتمتعون به مدة حياتهم {ثم إلينا مرجعهم} بالموت {ثم نذيقهم العذاب الشديد} بعد الموت {بما كانوا يكفرون} ٧١{واتل} يا محمد {عليهم} أي كفار مكة {نبأ} خبر {نوح} ويبدل منه {إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبُر} شق {عليكم مَقامي} لبثي فيكم {وتذكيري} وعظي إياكم {بآيات اللّه فعلى اللّه توكلت فأجمعوا أمركم} اعزموا على أمر تفعلونه بي {وشركاءكم} الواو بمعنى مع {ثم لا يكن أمركم عليكم غمة} مستوراً بل أظهروه وجاهروني به {ثم اقضوا إلي} امضوا فيما أردتموه {ولا تُنظرون} تمهلون فإني لست مبالياً بكم ٧٢{فإن توليتم} عن تذكيري {فما سألتكم من أجر} ثواب عليه فتُوَلُّوا {إن} ما {أجري} ثوابي {إلا على اللّه وأمرت أن أكون من المسلمين} ٧٣{فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك} السفينة {وجعلناهم} أي من معه {خلائف} في الأرض {وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا} بالطوفان {فانظر كيف كان عاقبة المنذَرين} من إهلاكهم فكذلك نفعل بمن كذب ٧٤{ثم بعثنا من بعده} أي نوح {رسلاً إلى قومهم} كإبراهيم وهود وصالح {فجاؤوهم بالبينات} المعجزات {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل} أي قبل بعث الرسل إليهم {كذلك نطبع} نختم {على قلوب المعتدين} فلا تقبل الإيمان كما طبعنا على قلوب أولئك ٧٥{ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملئه} قومه {بآياتنا} التسع {فاستكبروا} عن الإيمان بها {وكانوا قوما مجرمين} ٧٦{فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين} بيِّن ظاهر ٧٧{قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم} إنه لسحر {أسحر هذا} وقد أفلح من أتى به وأبطل سحر السحرة {ولا يفلح الساحرون} والاستفهام في الموضعين للإنكار ٧٨{قالوا أجئتنا لتلفتنا} لتردنا {عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء} الملك {في الأرض} أرض مصر {وما نحن لكما بمؤمنين} مصدقين ٧٩{وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم} فائق في علم السحر ٨٠{فلما جاء السحرة قال لهم موسى} بعد ما قالوا له {إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين} {ألقوا ما أنتم ملقون} ٨١{فلما ألقوا} حبالهم وعصيهم {قال موسى ما} استفهامية مبتدأ خبره {جئتم به السحر} بدل، وفي قرأءة بهمزة واحدة إخبار، فما اسم موصول مبتدأ {إن اللّه سيبطله} أي سيمحقه {إن اللّه لا يصلح عمل المفسدين} ٨٢{ويحق} يثبت ويظهر {اللّه الحق بكلماته} بمواعيده {ولو كره المجرمون} ٨٣{فما آمن لموسى إلا ذرية} طائفة {من} أولاد {قومه} أي فرعون {على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم} يصرفهم عن دينه بتعذيبهم {وإن فرعون لعالٍ} متكبر {في الأرض} أرض مصر {وإنه لمن المسرفين} المتجاوزين الحد بادعاء الربوبية ٨٤{وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم باللّه فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين} ٨٥{فقالوا على اللّه توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين} أي لا تظهرهم علينا فيظنوا أنهم على الحق فيفتتنوا بنا ٨٦{ونجنا برحمتك من القوم الكافرين} ٨٧{وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ} اتخذا {لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلة} مصلى تصلون فيه لتأمنوا من الخوف، وكان فرعون منعهم من الصلاة {وأقيموا الصلاة} أتموها {وبشر المؤمنين} بالنصر والجنة ٨٨{وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا ربنا} آتيتهم ذلك {ليضلوا} في عاقبته {عن سبيلك} دينك {ربنا اطمس على أموالهم} امسخها {واشدد على قلوبهم} اطبع عليها واستوثق {فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم} المؤلم، دعا عليهم وأمَّن هارون على دعائه ٨٩{قال} تعالى {قد أجيبت دعوتكما} فمسخت أموالهم حجارةً ولم يؤمن فرعون حتى أدركه الغرق {فاستقيما} على الرسالة والدعوة إلى أن يأتيهم العذاب {ولا تتبعانِّ سبيل الذين لا يعلمون} في استعجال قضائي روي أنه مكث بعدها أربعين سنة ٩٠{وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم} لحقهم {فرعون وجنوده بغياً وعدواً} مفعول له {حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه} أي بأنه وفي قرأءة بالكسر استئنافا {لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين} كرره ليقبل منه فلم يقبل، ودس جبريل في فيه حمأة البحر مخافة أن تناله الرحمة وقال له ٩١{آلآن} تؤمن {وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين} بضلالك وإضلالك عن الإيمان ٩٢{فاليوم ننجيك} نخرجك من البحر {ببدنك} جسدك الذي لا روح فيه {لتكون لمن خلفك} بعدك {آية} عبرة فيعرفوا عبوديتك ولا يُقدِموا على مثل فعلك، وعن ابن عباس أن بعض بني إسرائيل شكُّوا في موته فأُخرج لهم ليروه {وإن كثيراً من الناس} أي أهل مكة {عن آياتنا لغافلون} لا يعتبرون بها ٩٣{ولقد بوأنا} أنزلنا {بني إسرائيل مبوَّأ صدق} منزل كرامة وهو الشام ومصر {ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا} بأن آمن بعض وكفر بعض {حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} من أمر الدين بإنجاء المؤمنين وتعذيب الكافرين ٩٤{فإن كنت} يا محمد {في شك مما أنزلنا إليك} من القصص فرضاً {فاسأل الذين يقرؤون الكتاب} التوراة {من قبلك} فإنه ثابت عندهم يخبرونك بصدقه، قال صلى اللّه عليه وسلم: لا أشك ولا أسأل {لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين} الشاكين فيه ٩٥{ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات اللّه فتكون من الخاسرين} ٩٦{إن الذين حقت} وجبت {عليهم كلمة ربك} بالعذاب {لا يؤمنون} ٩٧{ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم} فلا ينفعهم حينئذ ٩٨, {فلولا} فهلا {كانت قرية} أريد أهلها {آمنت} قبل نزول العذاب بها {فنفعها إيمانها إلا} لكن {قوم يونس لما آمنوا} عند رؤية أمارة العذاب ولم يؤخروا إلى حلوله {كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين} انقضاء آجالهم ٩٩{ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس} بما لم يشأه اللّه منهم {حتى يكونوا مؤمنين} لا ١٠٠{وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن اللّه} بإرادته {ويجعل الرجس} العذاب {على الذين لا يعقلون} يتدبرون آيات اللّه ١٠١{قل} لكفار مكة {انظروا ماذا} أي الذي {في السماوات والأرض} من الآيات الدالة على وحدانية اللّه تعالى {وما تغني الآيات والنذر} جمع نذير، أي الرسل {عن قوم لا يؤمنون} في علم اللّه أي ما تنفعهم ١٠٢{فهل} فما {ينتظرون} بتكذيبك {إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم} من الأمم أي مثل وقائعهم من العذاب {قل فانتظروا} ذلك {إني معكم من المنتظرين} ١٠٣{ثم ننجّي} المضارع لحكاية الحال الماضي {رسلنا والذين آمنوا} من العذاب {كذلك} الإنجاء {حقاً علينا ننج المؤمنين} النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه حين تعذيب المشركين ١٠٤{قل يا أيها الناس} أي يا أهل مكة {إن كنتم في شك من ديني} أنه حق {فلا أعبد الذين تعبدون من دون اللّه} أي غيره، وهو الأصنام لشككم فيه {ولكن أعبد اللّه الذي يتوفاكم} يقبض أرواحكم {وأمرت أن} أي بأن {أكون من المؤمنين} ١٠٥{و} قيل لي {أن أقم وجهك للدين حنيفاً} مائلاً إليه {ولا تكونن من المشركين} ١٠٦{ولا تدع} تعبد {من دون اللّه ما لا ينفعك} إن عبدته {ولا يضرك} إن لم تعبده {فإن فعلت} ذلك فرضاً {فإنك إذا من الظالمين} ١٠٧{وإن يمسسك} يصيبك {اللّه بضر} كفقر ومرض {فلا كاشف} رافع {له إلا هو وإن يردك بخير فلا رادّ} دافع {لفضله} الذي أرادك به {يصيب به} أي بالخير {من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم} ١٠٨{قل يا أيها الناس} أي أهل مكة {قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه} لأن ثواب اهتدائه له {ومن ضل فإنما يضل عليها} لأن وباله ضلاله عليها {وما أنا عليكم بوكيل} فأجبركم على الهدى ١٠٩{واتبع ما يوحى إليك} من ربك {واصبر} على الدعوة وأذاهم {حتى يحكم اللّه} فيهم بأمره {وهو خير الحاكمين} أعدَلهم، وقد صبر حتى حكم على المشركين بالقتال وأهل الكتاب بالجزية |
﴿ ٠ ﴾