سورة إبراهيم

١

{الر} اللّه أعلم بمراده بذلك هذا القرآن {كتاب أنزلناه إليك} يا محمد {لتخرج الناس من الظلمات} الكفر {إلى النور} الإيمان {بإذن} أمر {ربهم} ويبدل من: إلى النور {إلى صراط} طريق {العزيز} الغالب {الحميد} المحمود

٢

{اللّه} بالجر بدل أو عطف بيان وما بعده صفة والرفع مبتدأ خبره {الذي له ما في السماوات وما في الأرض} ملكاً وخلقاً وعبيداً {وويل للكافرين من عذاب شديد}

٣

{الذين} نعت {يستحبون} يختارون {الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون} الناس {عن سبيل اللّه} دين الإسلام {ويبغونها} أي السبيل {عوجاً} معوجة {أولئك في ضلال بعيد} عن الحق

٤

{وما أرسلنا من رسول إلا بلسان} بلغة {قومه ليبين لهم} ليفهمهم ما أتى به {فيضل اللّه من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز} في ملكه {الحكيم} في صنعه

٥

{ولقد أرسلنا موسى بآياتنا} التسع وقلنا له {أن أخرج قومك} بني إسرائيل {من الظلمات} الكفر {إلى النور} الإيمان {وذكرهم بأيام اللّه} بنعمه {إن في ذلك} التذكير {لآيات لكل صبار} على الطاعة {شكور} للنعم

٦

{و} اذكر {إذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم} المولودين {ويستحيون} يستبقون {نساءكم} لقول بعض الكهنة إن مولودا يولد في بني إسرائيل يكون سبب ذهاب ملك فرعون {وفي ذلكم} الإنجاء أو العذاب {بلاء} إنعام أو ابتلاء {من ربكم عظيم}

٧

{وإذ تأذن} أعلم {ربكم لئن شكرتم} نعمتي بالتوحيد والطاعة {لأزيدنكم ولئن كفرتم} جحدتم النعمة بالكفر والمعصية لأعذبنكم دل عليه {إن عذابي لشديد}

٨

{وقال موسى} لقومه {إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن اللّه لغني} عن خلقه {حميد} محمود في صنعه بهم

٩

{ألم يأتكم} استفهام تقرير {نبأ} خبر {الذين من قبلكم قوم نوح وعاد} قوم هود {وثمود} قوم صالح {والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا اللّه} لكثرتهم {جاءتهم رسلهم بالبينات} بالحجج الواضحة على صدقهم {فردوا} أي الأمم {أيديهم في أفواههم} أي إليها ليعضوا عليها من شدة الغيظ {وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به} في زعمكم {وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب} موقع في الريبة

١٠

{قالت رسلهم أفي اللّه شك} استفهام إنكار أي لا شك في توحيده للدلائل الظاهرة عليه {فاطر} خالق {السماوات والأرض يدعوكم} إلى طاعته {ليغفر لكم من ذنوبكم} من صلة فإن الإسلام يغفر به ما قبله أو تبعيضية لإخراج حقوق العباد {ويؤخركم} بلا عذاب {إلى أجل مسمى} أجل الموت {قالوا إن} ما {أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا} من الأصنام {فأتونا بسلطان مبين} حجة ظاهرة على صدقكم

١١

{قالت لهم رسلهم إن} ما {نحن إلا بشر مثلكم} كما قلتم {ولكن اللّه يمن على من يشاء من عباده} بالنبوة {وما كان} ما ينبغي {لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن اللّه} بأمره لأنا عبيد مربوبون {وعلى اللّه فليتوكل المؤمنون} يثقوا به

١٢

{وما لنا} أن {ألا نتوكل على اللّه} أي لا مانع لنا من ذلك {وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا} على أذاكم {وعلى اللّه فليتوكل المتوكلون}

١٣

{وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن} لتصيرن {في ملتنا} ديننا {فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين} الكافرين

١٤

{ولنسكننكم الأرض} أرضهم {من بعدهم} بعد هلاكهم {ذلك} النصر وإيراث الأرض {لمن خاف مقامي} أي مقامه بين يدي {وخاف وعيد} بالعذاب

١٥

{واستفتحوا} استنصر الرسل باللّه على قومهم {وخاب} وخسر {كل جبار} متكبر عن طاعة اللّه {عنيد} معاند للحق

١٦

{من ورائه} أي امامه {جهنم} يدخلها {ويسقى} فيها {من ماء صديد} هو ما يسيل من جوف أهل النار مختلطا بالقيح والدم

١٧

{يتجرعه} يبتلعه مرة بعد مرة لمرارته {ولا يكاد يسيغه} يزدرده لقبحه وكراهته {ويأتيه الموت} أي أسبابه المقتضية له من أنواع العذاب {من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه} بعد ذلك العذاب {عذاب غليظ} قوي متصل

١٨

{مثل} صفة {الذين كفروا بربهم} مبتدأ ويبدل منه {أعمالهم} الصالحات كصلة وصدقة في عدم الانتفاع بها {كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف} شديد هبوب الريح فجعلته هباء منثورا لا يقدر عليه والجار والمجرور خبر المبتدأ {لا يقدرون} أي الكفار {مما كسبوا} عملوا في الدنيا {على شيء} أي لا يجدون له ثوابا لعدم شرطه {ذلك هو الضلال} الهلاك {البعيد}

١٩

{ألم تر} تنظر يا مخاطب استفهام تقرير {أن اللّه خلق السماوات والأرض بالحق} متعلق بخلق {إن يشأ يذهبكم} أيها الناس {ويأت بخلق جديد} بدلكم

٢٠

{وما ذلك على اللّه بعزيز} شديد

٢١

{وبرزوا} أي الخلائق والتعبير فيه وفيما بعده بالماضي لتحقق وقوعه {للّه جميعا فقال الضعفاء} الأتباع {للذين استكبروا} المتبوعين {إنا كنا لكم تبعا} جمع تابع {فهل أنتم مغنون} دافعون {عنا من عذاب اللّه من شيء} من الأولى للتبيين والثانية للتبعيض {قالوا} المتبوعون {لو هدانا اللّه لهديناكم} لدعوناكم إلى الهدى {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من} زائدة {محيص} ملجأ

٢٢

{وقال الشيطان} إبليس {لما قضي الأمر} وأدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار واجتمعوا عليه {إن اللّه وعدكم وعد الحق} بالبعث والجزاء فصدقكم {ووعدتكم} أنه غير كائن {فأخلفتكم وما كان لي عليكم من} زائدة {سلطان} قوة وقدرة أقهركم على متابعتي {إلا} لكن {أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم} على إجابتي {ما أنا بمصرخكم} بمغيثكم {وما أنتم بمصرخي} بفتح الياء وكسرها {إني كفرت بما أشركتمون} بإشراككم إياي مع اللّه {من قبل} في الدنيا قال تعالى {إن الظالمين} الكافرين {لهم عذاب أليم} مؤلم

٢٣

{وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين} حال مقدرة {فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها} من اللّه ومن الملائكة وفيما بينهم {سلام}

٢٤

{ألم تر} تنظر {كيف ضرب اللّه مثلا} ويبدل منه {كلمة طيبة} أي لا إله إلا اللّه {كشجرة طيبة} هي النخلة {أصلها ثابت} في الأرض {وفرعها} غصنها {في السماء}

٢٥

{تؤتي} تعطي {أكلها} ثمرها {كل حين بإذن ربها} بإرادته كذلك كلمة الإيمان ثابتة في قلب المؤمن وعمله يصعد إلى السما ويناله بركته وثوابه كل وقت {ويضرب} يبين {اللّه الأمثال للناس لعلهم يتذكرون} يتعظون فيؤمنوا

٢٦

{ومثل كلمة خبيثة} هي كلمة الكفر {كشجرة خبيثة} هي الحنظل {اجتثت} استؤصلت {من فوق الأرض ما لها من قرار} مستقر وثبات كذلك كلمة الكفر لا ثبات لها ولا فرع ولا بركة

٢٧

{يثبت اللّه الذين آمنوا بالقول الثابت} هي كلمة التوحيد {في الحياة الدنيا وفي الآخرة} أي القبر لما يسألهم الملكان عن ربهم ودينهم ونبيهم فيجيبون بالصواب كما في حديث الشيخين {ويضل اللّه الظالمين} الكفار فلا يهتدون للجواب بالصواب بل يقولون لا ندري كما في الحديث {ويفعل اللّه ما يشاء}

٢٨

{ألم تر} تنظر {إلى الذين بدلوا نعمة اللّه} أي شكرها {كفرا} هم كفار قريش {وأحلوا} أنزلوا {قومهم} بإضلالهم إياهم {دار البوار} الهلاك

٢٩

{جهنم} عطف بيان {يصلونها} يدخلونها {وبئس القرار} المقر هي

٣٠

{وجعلوا للّه أندادا} شركاء {ليضلوا} بفتح الياء وضمها {عن سبيله} دين الإسلام {قل} لهم {تمتعوا} بدنياكم قليلا {فإن مصيركم} مرجعكم {إلى النار}

٣١

{قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع} فداء {فيه ولا خلال} مخالة أي صداقة تنفع هو يوم القيامة

٣٢

{اللّه الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك} السفن {لتجري في البحر} بالركوب والحمل {بأمره} بإذنه {وسخر لكم الأنهار}

٣٣

{وسخر لكم الشمس والقمر دائبين} جاريين في فلكهما لا يفتران {وسخر لكم الليل} لتسكنوا فيه {والنهار} لتبتغوا من فضله

٣٤

{وآتاكم من كل ما سألتموه} على حسب مصالحكم {وإن تعدوا نعمة اللّه} بمعنى إنعامه {لا تحصوها} لا تطيقوا عدها {إن الإنسان} الكافر {لظلوم كفار} كثير الظلم لنفسه بالمعصية والكفر لنعمة ربه

٣٥

واذكر {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد} مكة {آمنا} ذا أمن وقد أجاب اللّه دعاءه فجعله حرما لا يسفك فيه دم إنسان ولا يظلم فيه أحد ولا يصاد صيده ولا يختلى خلاه {واجنبني} بعدني {وبني} عن {أن نعبد الأصنام}

٣٦

{رب إنهن} أي الأصنام {أضللن كثيرا من الناس} بعبادتهم لها {فمن تبعني} على التوحيد {فإنه مني} من أهل ديني {ومن عصاني فإنك غفور رحيم} هذا قبل علمه أنه تعالى لا يغفر الشرك

٣٧

{ربنا إني أسكنت من ذريتي} أي بعضها وهو إسماعيل مع أمه هاجر {بواد غير ذي زرع} هو مكة {عند بيتك المحرم} الذي كان قبل الطوفان {ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة} قلوبا {من الناس تهوي} تميل وتحن {إليهم} قال ابن عباس لو قال أفئدة الناس لحنت إليه فارس والروم والناس كلهم {وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} وقد فعل بنقل الطائف إليه

٣٨

{ربنا إنك تعلم ما نخفي} نسر {وما نعلن وما يخفى على اللّه من} زائدة {شيء في الأرض ولا في السماء} يحتمل أن يكون من كلامه تعالى أو كلام إبراهيم

٣٩

{الحمد للّه الذي وهب لي} أعطاني {على} مع {الكبر إسماعيل} ولد وله تسع وتسعون سنة {وإسحاق} ولد وله مائة واثنتا عشرة سنة {إن ربي لسميع الدعاء}

٤٠

{رب اجعلني مقيم الصلاة} اجعل {ومن ذريتي} من يقيمها وأتى بمن لإعلام اللّه تعالى له أن منهم كفارا {ربنا وتقبل دعاء} المذكور

٤١

{ربنا اغفر لي ولوالدي} هذا قبل أن يتبين له عداوتهما للّه عز وجل وقيل أسلمت أمه وقرىء والدي مفردا وولدي {وللمؤمنين يوم يقوم} يثبت {الحساب} قال تعالى

٤٢

{ولا تحسبن اللّه غافلا عما يعمل الظالمون} الكافرون من أهل مكة {إنما يؤخرهم} بلا عذاب {ليوم تشخص فيه الأبصار} لهول ما ترى ويقال شخص بصر فلان أي فتحه فلم يغمضه

٤٣

{مهطعين} مسرعين حال {مقنعي} رافعي {رؤوسهم} إلى السماء {لا يرتد إليهم طرفهم} بصرهم {وأفئدتهم} قلوبهم {هواء} خالية من العقل لفزعهم

٤٤

{وأنذر} خوف يا محمد {الناس} الكفار {يوم يأتيهم العذاب} هو يوم القيامة {فيقول الذين ظلموا} كفروا {ربنا أخرنا} بأن تردنا إلى الدنيا {إلى أجل قريب نجب دعوتك} بالتوحيد {ونتبع الرسل} فيقال لهم توبيخا {أولم تكونوا أقسمتم من} حلفتم {قبل ما} في الدنيا {لكم من زوال} زائدة {وسكنتم} عنها إلى الآخرة

٤٥

{وسكنتم} فيها {في مساكن الذين ظلموا أنفسهم} بالكفر من الأمم السابقة {وتبين لكم كيف فعلنا بهم} من العقوبة فلم تنزجروا {وضربنا} بينا {لكم الأمثال} في القرآن فلم تعتبروا

٤٦

{وقد مكروا} بالنبي صلى اللّه عليه وسلم {مكرهم} حيث أرادوا قتله أو تقييده أو إخراجه {وعند اللّه مكرهم} أي علمه أو جزاؤه {وإن} ما {كان مكرهم} وإن عظم {لتزول منه الجبال} الامعنى لا يعبأ به ولا يضر إلا أنفسهم والمراد بالجبال هنا قيل حقيقتها وقيل شرائع الإسلام المشبهة بها في القرار والثبات وفي قرأءة بفتح لام لتزول ورفع الفعل فإن مخففة والمراد تعظيم مكرهم وقيل المراد بالمكر كفرهم ويناسبه على الثانية تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا وعلى الأول ما قرىء وما كان

٤٧

{فلا تحسبن اللّه مخلف وعده رسله} بالنصر {إن اللّه عزيز} غالب لا يعجزه شيء {ذو انتقام} ممن عصاه

٤٨

اذكر {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات} هو يوم القيامة فيحشر الناس على أرض بيضاء نقية كما في حديث الصحيحين وروى مسلم حديث سئل النبي صلى اللّه عليه وسلم أين الناس يومئذ قال على الصراط {وبرزوا} خرجوا من القبور {للّه الواحد القهار}

٤٩

{وترى} يا محمد تبصر {المجرمين} الكافرين {يومئذ مقرنين} مشدودين مع شياطينهم {في الأصفاد} القيود أو الأغلال

٥٠

{سرابيلهم} قمصهم {من قطران} لأنه أبلغ لاشتعال النار {وتغشى} تعلو {وجوههم النار}

٥١

{ليجزي} متعلق ببرزوا {اللّه كل نفس ما كسبت} من خير وشر {إن اللّه سريع الحساب} يحاسب جميع الخلق في قدر نصف نهار من أيام الدنيا لحديث بذلك

٥٢

{هذا} القرآن {بلاغ للناس} أي أنزل لتبليغهم {ولينذروا به وليعلموا} بما فيه من الحجج {أنما هو} أي اللّه {إله واحد وليذكر} بإدغام التاء في الأصل في الذال يتعظ {أولوا الألباب} أصحاب العقول

﴿ ٠