سورة الحج

١

{يا أيها الناس} أي أهل مكة وغيرهم {اتقوا ربكم} أي عقابه بأن تطيعوه {إن زلزلة الساعة} أي الحركة الشديدة للأرض التي يكون بعدها طلوع الشمس من مغربها الذي هو قرب الساعة {شيء عظيم} في إزعاج الناس الذي هو نوع من العقاب

٢

{يوم ترونها تذهل} بسببها {كل مرضعة} بالفعل {عما أرضعت} أي تنساه {وتضع كل ذات حمل} أي حبلى {حملها وترى الناس سكارى} من شدة الخوف {وما هم بسكارى} من الشراب {ولكن عذاب اللّه شديد} فهم يخافونه

٣

ونزل في النضر بن الحارث وجماعته {ومن الناس من يجادل في اللّه بغير علم} قالوا الملائكة بنات اللّه والقرآن أساطير الأولين وأنكروا البعث وإحياء من صار ترابا {ويتبع} في جداله {كل شيطان مريد} أي متمرد

٤

{كتب عليه} قضي على الشيطان {أنه من تولاه} أي اتبعه {فأنه يضله ويهديه} يدعوه {إلى عذاب السعير} أي النار

٥

{يا أيها الناس} أي أهل مكة {إن كنتم في ريب} شك {من البعث فإنا خلقناكم} أي أصلكم آدم {من تراب ثم} خلقنا ذريته {من نطفة} مني {ثم من علقة} وهي الدم الجامد {ثم من مضغة} وهي لحمة قدر ما يمضغ {مخلقة} مصورة تامة الخلق {وغير مخلقة} أي غير تامة الخلقة {لنبين لكم} كمال قدرتنا لتستدلوا بها في ابتداء الخلق على إعادته {ونقر} مستأنف {في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى} وقت خروجه {ثم نخرجكم} من بطون أمهاتكم {طفلا} بمعنى أطفالا {ثم} نعمركم {لتبلغوا أشدكم} أي الكمال والقوة وهو بين الثلاثين إلى الأربعين سنة {ومنكم من يتوفى} يموت قبل بلوغ الأشد {ومنكم من يرد إلى أرذل العمر} أخسه من الهرم والخرف {لكيلا يعلم من بعد علم شيئا} قال عكرمة من قرأ القرآن لم يصر بهذه الحالة {وترى الأرض هامدة} يابسة {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت} تحركت {وربت} ارتفعت وزادت {وأنبتت من} زائدة {كل زوج} صنف {بهيج} حسن

٦

{ذلك} المذكور من بدء خلق الإنسان الى آخر إحياء الأرض {بأن} بسبب أن {اللّه هو الحق} الثابت الدائم {وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير}

٧

{وأن الساعة آتية لا ريب} شك {فيها وأن اللّه يبعث من في القبور} ونزل في أبي جهل

٨

{ومن الناس من يجادل في اللّه بغير علم ولا هدى} معه {ولا كتاب منير} له نور معه

٩

{ثاني عطفه} حال أي لاوي عنقه تكبرا عن الإيمان والعطف الجانب عن يمين أو شمال {ليضل} بفتح الياء وضمها {عن سبيل اللّه} أي دينه {له في الدنيا خزي} عذاب فقتل يوم بدر {ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق} أي الإحراق بالنار ويقال له

١٠

{ذلك بما قدمت يداك} أي قدمته عبر عنه بهما دون غيرهما لأن أكثر الأفعال تزاول بهما {وأن اللّه ليس بظلام} أي بذي ظلم {للعبيد} فيعذبهم بغير ذنب

١١

{ومن الناس من يعبد اللّه على حرف} أي شك في عبادته شبه بالحال على حرف جبل في عدم ثباته {فإن أصابه خير} صحة وسلامة في نفسه وماله {اطمأن به وإن أصابته فتنة} محنة وسقم في نفسه وماله {انقلب على وجهه} أي رجع إلى الكفر {خسر الدنيا} بفوات ما أمله منها {والآخرة} بالكفر {ذلك هو الخسران المبين} البين

١٢

{يدعو} يعبد {من دون اللّه} من الصنم {ما لا يضره} إن لم يعبده {وما لا ينفعه} إن عبده {ذلك} الدعاء {هو الضلال البعيد} عن الحق

١٣

{يدعو لمن} اللام زائدة {ضره} بعبادته {أقرب من نفعه} إن نفع بتخيله {لبئس المولى} هو أي الناصر {ولبئس العشير} الصاحب هو وعقب ذكر الشاك بالخسران بذكر المؤمنين بالثواب في

١٤

{إن اللّه يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات} من الفروض والنوافل {جنات تجري من تحتها الأنهار إن اللّه يفعل ما يريد} من إكرام من يطيعه وإهانة من يعصيه

١٥

{من كان يظن أن لن ينصره اللّه} أي محمدا نبيه {في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب} بحبل {إلى السماء} أي سقف بيته يشده فيه وفي عنقه {ثم ليقطع} أي ليختنق به بأن يقطع نفسه من الأرض كما في الصحاح {فلينظر هل يذهبن كيده} في عدم نصره النبي {ما يغيظ} منها المعنى فليختنق غيظا منها فلا بد منها

١٦

{وكذلك} أي مثل إنزالنا الآية السابقة {أنزلناه} أي القرآن الباقي {آيات بينات} ظاهرات حال {وأن اللّه يهدي من يريد} هداه معطوف على هاء أنزلناه

١٧

{إن الذين آمنوا والذين هادوا} هم اليهود {والصابئين} طائفة منهم {والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن اللّه يفصل بينهم يوم القيامة} بإدخال المؤمنين الجنة وإدخال غيرهم النار {إن اللّه على كل شيء} من عملهم {شهيد} عالم به علم مشاهدة

١٨

{ألم تر} تعلم {أن اللّه يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب} أن يخضع له بما يراد منه {وكثير من الناس} وهم المؤمنون بزيادة على الخضوع في سجود الصلاة {وكثير حق عليه العذاب} وهم الكافرون لأنهم أبوا السجود المتوقف على الإيمان {ومن يهن اللّه} يشقه {فما له من مكرم} مسعد {إن اللّه يفعل ما يشاء} من الإهانة والإكرام

١٩

{هذان خصمان} أي المؤمنون خصم والكفار الخمسة خصم وهو يطلق على الواحد والجماعة {اختصموا في ربهم} أي في دينه {فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار} يلبسونها يعني احيطت بهم النار {يصب من فوق رؤوسهم الحميم} الماء البالغ نهاية الحرارة

٢٠

{يصهر} يذاب {به ما في بطونهم} من شحوم وغيرها تشوى به {والجلود}

٢١

{ولهم مقامع من حديد} لضرب رؤوسهم

٢٢

{كلما أرادوا أن يخرجوا منها} أي النار {من غم} يلحقهم بها {أعيدوا فيها} ردوا إليها بالمقامع وقيل لهم {وذوقوا عذاب الحريق} أي البالغ نهاية الإحراق

٢٣

وقال في المؤمنين {إن اللّه يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا} بالجر أي منهما بأن يرصع اللؤلؤ بالذهب وبالنصب عطفا على محل من أساور {ولباسهم فيها حرير} هو المحرم لبسه على الرجال في الدنيا

٢٤

{وهدوا} في الدنيا {إلى الطيب من القول} وهو لا إله إلا اللّه {وهدوا إلى صراط الحميد} أي طريق اللّه المحمودة ودينه

٢٥

{إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل اللّه} طاعته وعن {والمسجد الحرام الذي جعلناه} منسكا ومتعبدا {للناس سواء العاكف} المقيم {فيه والباد} الطارىء {ومن يرد فيه بإلحاد} الباء زائدة {بظلم} أي بسببه بأن ارتكب منهيا ولو شتم الخادم {نذقه من عذاب أليم} مؤلم أي بعضه ومن هذا يؤخر خبر إن أي نذيقهم من عذاب أليم

٢٦

واذكر {وإذ بوأنا} بينا {لإبراهيم مكان البيت} ليبنيه وكان قد رفع من زمن الطوفان وأمرناه {أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي} من الأوثان {للطائفين والقائمين} المقيمين به {والركع السجود} جمع راكع وساجد المصلين

٢٧

{وأذن} ناد {في الناس بالحج} فنادى على جبل أبي قبيس يا أيها الناس إن ربكم بنى بيتا وأوجب عليكم الحج إليه فأجيبوا ربككم والتفت بوجهه يمينا وشمالا وشرقا وغربا فأجابه كل من كتب له أن يحج من أصلاب الرجال وأرحام الأمهات لبيك اللّهم لبيك وجواب الأمر {يأتوك رجالا} مشاة جمع راجل كقائم وقيام وركبانا {وعلى كل ضامر} أي بعير مهزول وهو يطلق على الذكر والأنثى {يأتين} أي الضوامر حملا على المعنى {من كل فج عميق} طريد بعيد

٢٨

{ليشهدوا} أن يحضروا {منافع لهم} في الدنيا بالتجارة أو في الآخرة أو فيهما أقوال {ويذكروا اسم اللّه في أيام معلومات} أي عشر ذي الحجة أو يوم عرفة أو يوم النحر إلى آخر أيام التشريق أقوال {على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} الإبل والبقر والغنم التي تنحر في يوم العيد وما بعده من الهدايا والضحايا {فكلوا منها} إذا كانت مستحبة {وأطعموا البائس الفقير} أي شديد الفقر

٢٩

{ثم ليقضوا تفثهم} أي يزيلوا أوساخهم وشعثهم كطول الظفر {وليوفوا} بالتخفيف والتشديد {نذورهم} من الهدايا والضحايا {وليطوفوا} طواف الإفاضة {بالبيت العتيق} أي القديم لأنه أول بيت وضع للناس

٣٠

{ذلك} خبر مبتدأ مقدر أي الأمر أو الشأن ذلك مذكور {ومن يعظم حرمات اللّه} هي ما لا يحل انتهاكه {فهو} أي تعظيمها {خير له عند ربه} في الآخرة {وأحلت لكم الأنعام} أكلا بعد الذبح {إلا ما يتلى عليكم} تحريمه في حرمت عليكم الميتة الآية فالاستثناء منقطع ويجوز أن يكون متصلا والتحريم لما عرض من الموت ونحوه {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} من للبيان أي الذي هو الأوثان {واجتنبوا قول الزور} أي الشرك باللّه في تلبيتكم أو شهادة الزور

٣١

{حنفاء للّه} مسلمين عادلين عن كل دين سوى دينه {غير مشركين به} تأكيد لما قبله وهما حالان من الواو {ومن يشرك باللّه فكأنما خر} سقط {من السماء فتخطفه الطير} أي تأخذه بسرعة {أو تهوي به الريح} أي تسقطه {في مكان سحيق} بعيد أي فهو لا يرجى خلاصه

٣٢

{ذلك} يقدر قبله الأمر مبتدأ {ومن يعظم شعائر اللّه فإنها} أي فإن تعظيمها وهي البدن التي تهدى للحرم بأن تستحسن وتستسمن {من تقوى القلوب} منهم وسميت شعائر لإشعارها بما تعرف به أنها هدي كطعن حديدة بسنامها

٣٣

{لكم فيها منافع} كركوبها والحمل عليها ما لا يضرها {إلى أجل مسمى} وقت نحرها {ثم محلها} أي مكان حل نحرها {إلى البيت العتيق} أي عنده والمراد الحرم جميعه

٣٤

{ولكل أمة} أي جماعة مؤمنة سلفت قبلكم {جعلنا منسكا} بفتح السين مصدر وبكسرها اسم مكان أي ذبحا قربانا أو مكانه {ليذكروا اسم اللّه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} عند ذبحها {فإلهكم إله واحد فله أسلموا} انقادوا {وبشر المخبتين} المطيعين المتواضعين

٣٥

{الذين إذا ذكر اللّه وجلت} خافت {قلوبهم والصابرين على ما أصابهم} من البلايا {والمقيمي الصلاة} في أوقاتها {ومما رزقناهم ينفقون} يتصدقون

٣٦

{والبدن} جمع بدنة وهي الإبل {جعلناها لكم من شعائر اللّه} أعلام دينه {لكم فيها خير} نفع في الدنيا كما تقدم وأجر في العقبى {فاذكروا اسم اللّه عليها} عند نحرها {صواف} قائمة على ثلاث معقولة اليد اليسرى {فإذا وجبت جنوبها} سقطت إلى الأرض بعد النحر وهو وقت الأكل منها {فكلوا منها} إن شئتم {وأطعموا القانع} الذي يقنع بما يعطى ولا يسأل ولا يعترض {والمعتر} السائل أو المعترض {كذلك} أي مثل ذلك التسخير {سخرناها لكم} بأن تنحر وتركب وإلا لم تطق {لعلكم تشكرون} إنعامي عليكم

٣٧

{لن ينال اللّه لحومها ولا دماؤها} أي لا يرفعان إليه {ولكن يناله التقوى منكم} أي يرفع إليه منكم العمل الصالح الخالص له مع الإيمان {كذلك سخرها لكم لتكبروا اللّه على ما هداكم} أرشدكم لمعالم دينه ومناسك حجه {وبشر المحسنين} أي الموحدين

٣٨

{إن اللّه يدافع عن الذين آمنوا} غوائل المشركين {إن اللّه لا يحب كل خوان} في أمانته {كفور} لنعمته وهم المشركون المعنى أنه يعاقبهم

٣٩

{أذن للذين يقاتلون} أي للمؤمنين أن يقاتلوا وهذه أول آية نزلت في الجهاد {بأنهم} أي بسبب أنهم {ظلموا} بظلم الكافرين إياهم {وإن اللّه على نصرهم لقدير}

٤٠

هم {الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق} في الإخراج ما أخرجوا {إلا أن يقولوا} أي بقولهم {ربنا اللّه} وحده وهذا القول حق فالإخراج به إخراج بغير حق {ولولا دفع اللّه الناس بعضهم} بدل بعض من الناس {ببعض لهدمت} بالتشديد للتكثير وبالتخفيف {صوامع} للرهبان {وبيع} كنائس للنصارى {وصلوات} كنائس لليهود بالعبرانية {ومساجد} للمسلمين {يذكر فيها} أي المواضع المذكورة {اسم اللّه كثيرا} وتنقطع العبادات بخرابها {ولينصرن اللّه من ينصره} أي ينصر دينه {إن اللّه لقوي} على خلقه {عزيز} منيع في سلطانه وقدرته

٤١

{الذين إن مكناهم في الأرض} بنصرهم على عدوهم {أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} جواب الشرط وهو جوابه صلة الموصول ويقدر قبله هم مبتدأ {وللّه عاقبة الأمور} أي إليه مرجعها في الآخرة

٤٢

{وإن يكذبوك} فيه تسلية للنبي صلى اللّه عليه وسلم {فقد كذبت قبلهم قوم نوح} تأنيث قوم باعتبار المعنى {وعاد} قوم هود {وثمود} قوم صالح

٤٣

{وقوم إبراهيم وقوم لوط}

٤٤

{وأصحاب مدين} قوم شعيب {وكذب موسى} كذبه القبط لا قومه بنو اسرائيل أي كذب هؤلاء رسلهم فلك اسوة بهم {فأمليت للكافرين} أمهلتهم بتأخير العقاب لهم {ثم أخذتهم} بالعذاب {فكيف كان نكير} أي إنكاري عليهم بتكذيبهم بإهلاكهم والاستفهام للتقرير أي هو واقع موقعه

٤٥

{فكأين} أي كم {من قرية أهلكناها} وفي قرأءة أهلكناها {وهي ظالمة} أي أهلها بكفرهم {فهي خاوية} ساقطة {على عروشها} سقوفها وكم من {وبئر معطلة} متروكة بموت أهلها {وقصر مشيد} رفيع خاليي بموت أهله

٤٦

{أفلم يسيروا} أي كفار مكة {في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها} ما نزل بالمكذبين قبلهم {أو آذان يسمعون بها} إخبارهم بالإهلاك وخراب الديار فيعتبروا {فإنها} أي القصة {لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} تأكيد

٤٧

{ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف اللّه وعده} بإنزال العذاب فأنزله يوم بدر {وإن يوما عند ربك} من أيام الآخرة بسبب العذاب {كألف سنة مما تعدون} بالتاء والياء في الدنيا

٤٨

{وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها} المراد أهلها {وإلي المصير} المرجع

٤٩

{قل يا أيها الناس} أي أهل مكة {إنما أنا لكم نذير مبين} بين الإنذار وأنا بشير للمؤمنين

٥٠

{فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة} من الذنوب {ورزق كريم} هو الجنة

٥١

{والذين سعوا في آياتنا} القرآن بإبطالها {معاجزين} من اتبع النبي أي ينسبونهم إلى العجز ويثبطونهم عن الإيمان أو مقدرين عجزنا عنهم وفي قرأءة معاجزين مسابقين لنا أي يظنون أن يفوتونا بإنكارهم البعث والعقاب {أولئك أصحاب الجحيم} النار

٥٢

{وما أرسلنا من قبلك من رسول} هو نبي أمر بالتبليغ {ولا نبي} أي لم يؤمر بالتبليغ {إلا إذا تمنى} قرأ {ألقى الشيطان في أمنيته} قراءته ما ليس من القرآن مما يرضاه المرسل إليهم وقد قرأ النبي صلى اللّه عليه وسلم في سورة النجم بمجلس من قريش بعد أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى بالقاء الشيطان على لسانه من غير علمه صلى اللّه عليه وسلم تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى ففرحوا بذلك ثم أخبره جبريل بما ألقاه الشيطان على لسانه من ذلك فحزن فسلي بهذه الآية {فينسخ اللّه} يبطل {ما يلقي الشيطان ثم يحكم اللّه آياته} يثبتها {واللّه عليم} بإلقاء الشيطان ما ذكر {حكيم} في تمكينه منه يفعل ما يشاء

٥٣

{ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة} محنة {للذين في قلوبهم مرض} شك ونفاق {والقاسية قلوبهم} أي المشركين عن قبول الحق {وإن الظالمين} الكافرين {لفي شقاق بعيد} خلاف طويل مع النبي صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين حيث جرى على لسانه ذكر آلهتهم بما يرضيهم ثم أبطل ذلك

٥٤

{وليعلم الذين أوتوا العلم} التوحيد والقرآن {أنه} أي القرآن {الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت} تطمئن {له قلوبهم وإن اللّه لهاد الذين آمنوا إلى صراط} طريق {مستقيم} أي دين الإسلام

٥٥

{ولا يزال الذين كفروا في مرية} شك {منه} أي القرآن بما ألقاه الشيطان على لسان النبي ثم أبطل {حتى تأتيهم الساعة بغتة} أي ساعة موتهم أو القيامة فجأة {أو يأتيهم عذاب يوم عقيم} هو يوم بدر لا خير فيه للكفار كالريح العقيم التي لا تأتي بخير أو هو يوم القيامة لا ليل بعده

٥٦

{الملك يومئذ} أي يوم القيامة {للّه} وحده وما تضمنه من الاستقرار ناصب للظرف {يحكم بينهم} بين المؤمنين والكافرين بما بين بعد {فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم} فضلا من اللّه

٥٧

{والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين} شديد بسبب كفرهم

٥٨

{والذين هاجروا في سبيل اللّه} أي طاعته من مكة إلى المدينة {ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم اللّه رزقا حسنا} هو رزق الجنة {وإن اللّه لهو خير الرازقين} أفضل المعطين

٥٩

{ليدخلنهم مدخلا} بضم الميم وفتحها أي إدخالا أو موضعا {يرضونه} وهو الجنة {وإن اللّه لعليم} بنياتهم {حليم} عن عقابهم

٦٠

الأمر {ذلك} الذي قصصناه عليك {ومن عاقب} جازى من المؤمنين {بمثل ما عوقب به} ظلما من المشركين أي قاتلهم كما قاتلوه في الشهر المحرم {ثم بغي عليه} منهم أي ظلم بإخراجه من منزله {لينصرنه اللّه إن اللّه لعفو} عن المؤمنين {غفور} لهم عن قتالهم في الشهر الحرام

٦١

{ذلك} النصر {بأن اللّه يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل} أي يدخل كلا منهما في الآخر بأن يزيد به ذلك من أثر قدرته تعالى التي بها النصر {وأن اللّه سميع} دعاء المؤمنين {بصير} بهم حيث جعل فيهم الإيمان فأجاب دعاءهم

٦٢

{ذلك} النصر أيضا {بأن اللّه هو الحق} الثابت {وأن ما يدعون} بالياء والتاء يعبدون {من دونه} وهو الأصنام {هو الباطل} الزائل {وأن اللّه هو العلي} أي العالي على كل شيء بقدرته {الكبير} الذي يصغر كل شيء سواه

٦٣

{ألم تر} تعلم {أن اللّه أنزل من السماء ماء} مطرا {فتصبح الأرض مخضرة} بالنبات وهذا من أثر قدرته {إن اللّه لطيف} بعباده في إخراج النبات بالماء {خبير} بما في قلوبهم عند تأخير المطر

٦٤

{له ما في السماوات وما في الأرض} على جهة الملك {وإن اللّه لهو الغني} عن عباده {الحميد} لأوليائه

٦٥

{ألم تر} تعلم {أن اللّه سخر لكم ما في الأرض} من البهائم {والفلك} السفن {تجري في البحر} للركوب والحمل {بأمره} بإذنه {ويمسك السماء} من {أن} أو لئلا {تقع على الأرض إلا بإذنه} فتهلكوا {إن اللّه بالناس لرؤوف رحيم} في التسخير والإمساك

٦٦

{وهو الذي أحياكم} بالإنشاء {ثم يميتكم} عند انتهاء آجالكم {ثم يحييكم} عند البعث {إن الإنسان} المشرك {لكفور} لنعم اللّه بتركه توحيده

٦٧

{لكل أمة جعلنا منسكا} بفتح السين شريعة {هم ناسكوه} عاملون به {فلا ينازعنك} يراد به لا تنازعهم {في الأمر} أي أمر الذبيحة إذ قالوا ما قتل اللّه أحق أن تأكلوه مما قتلتم {وادع إلى ربك} أي إلى دينه {إنك لعلى هدى} دين {مستقيم}

٦٨

{وإن جادلوك} في أمر الدين {فقل اللّه أعلم بما تعملون} فيجازيكم عليه وهذا قبل الأمر بالقتال

٦٩

{اللّه يحكم بينكم} أيها المؤمنون والكافرون {يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون} بأن يقول كل من الفريقين خلاف قول الآخر

٧٠

{ألم تعلم} الاستفهام فيه للتقرير {أن اللّه يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك} أي ما ذكر {في كتاب} هو اللوح المحفوظ {إن ذلك} علم ما ذكر {على اللّه يسير} سهل

٧١

{ويعبدون} أي المشركون {من دون اللّه ما لم ينزل به} هو الأصنام {سلطانا} حجة {وما ليس لهم به علم} أنها آلهة {وما للظالمين} بالإشراك {من نصير} يمنع عنهم عذاب اللّه

٧٢

{وإذا تتلى عليهم آياتنا} من القرآن {بينات} ظاهرات حال {تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر} أي الإنكار لها أي أثره من الكراهة والعبوس {يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا} أي يقعون فيهم بالبطش {قل أفأنبئكم بشر من ذلكم} بأكره إليكم من القرآن المتلو عليكم هو {النار وعدها اللّه الذين كفروا} بأن مصيرهم إليها {وبئس المصير} هي

٧٣

{يا أيها الناس} أي أهل مكة {ضرب مثل فاستمعوا له} وهو {إن الذين تدعون} تعبدون {من دون اللّه} أي غيره وهم الأصنام {لن يخلقوا ذبابا} اسم جنس واحده ذبابة يقع على المذكر والمؤنث {ولو اجتمعوا له} لخلقه {وإن يسلبهم الذباب شيئا} مما عليهم من الطيب والزعفران الملطخين به {لا يستنقذوه} لا يستردوه {منه} لعجزهم فكيف يعبدون شركاء اللّه تعالى هذا أمر مستغرب عبر عنه بضرب المثل {ضعف الطالب} العابد {والمطلوب} المعبود

٧٤

{ما قدروا اللّه} عظموه {حق قدره} عظمته إذ أشركوا به ما لم يمتنع ممن الذباب ولا ينتصف منه {إن اللّه لقوي عزيز} غالب

٧٥

{اللّه يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس} رسلا نزل لما قال المشركون ءأنزل عليه الذكر من بيننا {إن اللّه سميع} لمقالتهم {بصير} بمن يتخذه رسولا كجبريل وميكائيل وإبراهيم ومحمد وغيرهم صلى اللّه عليهم وسلم

٧٦

{يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم} أي ما قدموا وما خلفوا وما عملوا وما هم عاملون بعد {وإلى اللّه ترجع الأمور}

٧٧

{يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا} أي صلوا {واعبدوا ربكم} وحدوه {وافعلوا الخير} كصلة اللاحم ومكارم الأخلاق {لعلكم تفلحون} تفوزون بالبقاء في الجنة

٧٨

{وجاهدوا في اللّه} لإقامة دينه {حق جهاده} باستفراغ الطاقة فيه ونصب حق على المصدر {هو اجتباكم} اختاركم لدينه {وما جعل عليكم في الدين من حرج} أي ضيق بأن سهله عند الضرورات كالقصر والتيمم وأكل الميتة والفطر للمرض والسفر {ملة أبيكم} منصوب بنزع الخافض الكاف {إبراهيم} عطف بيان {هو} أي اللّه {سماكم المسلمين من قبل} أي قبل هذا الكتاب {وفي هذا} أي القرآن {ليكون الرسول شهيدا عليكم} يوم القيامة أنه بلغكم {وتكونوا} أنتم {شهداء على الناس} أن رسلهم بلغوهم {فأقيموا الصلاة} داوموا عليها {وآتوا الزكاة واعتصموا باللّه} ثقوا به {هو مولاكم} ناصركم ومتولي أموركم {فنعم المولى} هو {ونعم النصير} أي الناصر لكم

﴿ ٠