سورة سبأ١{الحمد للّه} حمد تعالى نفسه بذلك والمراد به الثناء بمضمونه من ثبوت الحمد وهو الوصف بالجميل للّه تعالى {الذي له ما في السماوات وما في الأرض} ملكا وخلقا {وله الحمد في الآخرة} كالدنيا يحمده أولياؤه إذا دخلوا الجنة {وهو الحكيم} في فعله {الخبير} بخلقه ٢ {يعلم ما يلج} يدخل {في الأرض} كماء وغيره {وما يخرج منها} كنبات وغيره {وما ينزل من السماء} من رزق وغيره {وما يعرج} يصعد {فيها} من عمل وغيره {وهو الرحيم} بأوليائه {الغفور} لهم ٣ {وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة} القيامة {قل} لهم {بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب} بالجر صفة والرفع خبر مبتدأ وعلام بالجر {لا يعزب} يغيب {عنه مثقال} وزن {ذرة} أصغر نملة {في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين} بين هو اللوح المحفوظ ٤ {ليجزي} فيها {الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم} حسن في الجنة ٥ {والذين سعوا في} إبطال {آياتنا} القرآن {معاجزين} وفي قرأءة هنا وفيما يأتي معاجزين أي مقدرين عجزنا أو مسابقين لنا فيفوتوننا لظنهم أن لا بعث ولا عقاب {أولئك لهم عذاب من رجز} سيء العذاب {أليم} مؤلم بالجر والرفع صفة لرجز أو عذاب ٦ {ويرى} يعلم {الذين أوتوا العلم} مؤمنو أهل الكتاب كعبد اللّه بن سلام وأصحابه {الذي أنزل إليك من ربك} أي القرآن {هو} فصل {الحق ويهدي إلى صراط} طريق {العزيز الحميد} أي اللّه ذي العزة المحمود ٧ {وقال الذين كفروا} أي قال بعضهم على جهة التعجيب لبعض {هل ندلكم على رجل} هو محمد {ينبئكم} يخبركم أنكم {إذا مزقتم} قطعتم {كل ممزق} بمعنى تمزيق {إنكم لفي خلق جديد} ٨ {أفترى} بفتح الهمزة للاستفهام واستغني بها عن همزة الوصل {على اللّه كذبا} في ذلك {أم به جنة} جنون تخيل به ذلك قال تعالى {بل الذين لا يؤمنون بالآخرة} المشتملة على البعث والعذاب {في العذاب} فيها {والضلال البعيد} عن الحق في الدنيا ٩ {أفلم يروا} ينظروا {إلى ما بين أيديهم وما خلفهم} ما فوقهم وما تحتهم {من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا} بسكون السين وفتحها قطعة {من السماء} وفي قرأءة في الأفعال الثلاثة بالياء {إن في ذلك} المرئي {لآية لكل عبد منيب} راجع إلى ربه تدل على قدرة اللّه على البعث وما يشاء ١٠ {ولقد آتينا داود منا فضلا} نبوة وكتابا وقلنا {يا جبال أوبي} رجعي {معه} بالتسبيح {والطير} بالنصب عطفا على محل الجبال أي ودعوناها تسبح معه {وألنا له الحديد} فكان في يده كالعجين ١١ وقلنا {أن اعمل} منه {سابغات} دروعا كوامل يجرها لابسها على الارض {وقدر في السرد} أي نسج الدروع قيل لصانعها سراد أي أجعله بحيث تتناسب حلقه {واعملوا} أي آل داود معه {صالحا إني بما تعملون بصير} فأجازيكم به ١٢ سخرنا {ولسليمان الريح} وقرأءة الرفع بتقدير تسخير {غدوها} مسيرها من الغدوة بمعنى الصباح إلى الزوال {شهر ورواحها} سيرها من الزوال إلى الغروب {شهر} أي مسيرته {وأسلنا} أذبنا {له عين القطر} أي النحاس فأجريت ثلاثة أيام بلياليهن كجري الماء وعمل الناس إلى اليوم مما أعطي سليمان {ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن} بأمر {ربه ومن يزغ} يعدل {منهم عن أمرنا} له بطاعته {نذقه من عذاب السعير} النار في الآخرة وقيل في الدنيا بأن يضربه ملك بسوط منها ضربة تحرقه ١٣ {يعملون له ما يشاء من محاريب} أبنية مرتفعة يصعد إليها بدرج {وتماثيل} جمع تمثال وهو كل شيء مثلته بشيء أي صور من نحاس وزجاج ورخام ولم يكن اتخاذ الصور حراما في شريعته {وجفان} جمع جفنة {كالجواب} جمع جابية وهو حوض كبير يجتمع على الجفنة ألف رجل يأكلون منها {وقدور راسيات} ثابتات لها قوائم لا تتحرك عن أماكنها تتخذ من الجبال باليمن يصعد إليها بالسلالم وقلنا {اعملوا} يا {آل داود} بطاعة اللّه {شكرا} له على ما آتاكم {وقليل من عبادي الشكور} العامل بطاعتي شكرا لنعمتي ١٤ {فلما قضينا عليه} على سليمان {الموت} أي مات ومكث قائما على عصاه حولا ميتا والجن تعمل تلك الأعمال الشاقة على عادتها لا تشعر بموته حتى أكلت الإرضة عصاه فخر ميتا {ما دلهم على موته إلا دابة الأرض} مصدر ارضيت الخشبة بالبناء للمفعول أكلتها الإرضة {تأكل منسأته} بالهمزة وتركه بألف عصاه لأنها ينسأ يطرد ويزجر بها {فلما خر} ميتا {تبينت الجن} انكشف لهم {أن} مخففة أنهم {لو كانوا يعلمون الغيب} ومنه ما غاب عنهم من موت سليمان {ما لبثوا في العذاب المهين} العمل الشاق لهم لظنهم حياته خلاف ظنهم علم الغيب وعلم كونه سنة بحساب ما أكلته الارضة من العصا بعد موته يوما وليلة مثلا ١٥ {لقد كان لسبأ} بالصرف وعدمه قبيلة سميت بإسم جد لهم من العرب {في مسكنهم} باليمن {آية} دالة على قدرة اللّه تعالى {جنتان} بدل {عن يمين وشمال} عن يمين واديهم وشماله وقيل لهم {كلوا من رزق ربكم واشكروا له} على ما رزقكم من النعمة في ارض سبأ {بلدة طيبة} ليس فيها سباخ ولا بعوضة ولا ذبابة ولا برغوث ولا عقرب ولا حية ويمر الغريب فيها وفي ثيابه قمل فيموت لطيب هوائها {ورب غفور} ١٦ {فأعرضوا} عن شكره وكفروا {فأرسلنا عليهم سيل العرم} جمع عرمة ما يمسك الماء من بناء وغيره إلى وقت حاجته أي سيل واديهم الممسوك بما ذكر فأغرق جنتيهم وأموالهم {وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي} تثنية ذوات مفرد على الأصل {أكل خمط} مر بإضافة أكل بمعنى مأكول وتركها وبعطف عليه {وأثل وشيء من سدر قليل} ١٧ {ذلك} التبديل {جزيناهم بما كفروا} بكفرهم {وهل نجازي إلا الكفور} بالياء والنون مع كسر الزاي ونصب الكفور أي ما يناقش إلا هو ١٨ {وجعلنا بينهم} سبأ وهم باليمن {وبين القرى التي باركنا فيها} بالماء والشجر وهي قرى الشام التي يسيرون إليها للتجارة {قرى ظاهرة} متواصلة من اليمن إلى الشام {وقدرنا فيها السير} بحيث يقيلون في واحدة ويبيتون في أخرى إلى انتهاء سفرهم ولا يحتاجون فيه إلى حمل زاد وماء أي وقلنا {سيروا فيها ليالي وأياما آمنين} لا تخافون في ليل ولا في نهار ١٩ {فقالوا ربنا باعد} وفي قرأءة باعد {بين أسفارنا} إلى الشام اجعلها مفاوز ليتطاولوا على الفقراء بركوب الرواحل وحمل الزاد والماء فبطروا النعمة {وظلموا أنفسهم} بالكفر {فجعلناهم أحاديث} لمن بعدهم في ذلك {ومزقناهم كل ممزق} فرقناهم في البلاد كل التفريق {إن في ذلك} المذكور {لآيات} عبرا {لكل صبار} عن المعاصي {شكور} على النعم ٢٠ {ولقد صدق} بالتخفيف والتشديد {عليهم} أي الكفار منهم سبأ {إبليس ظنه} أنهم بإغوائه يتبعونه {فاتبعوه} فصدق بالتخفيف في ظنه أي وجده صادقا {إلا} بمعنى لكن {فريقا من المؤمنين} للبيان أي هم المؤمنون لم يتبعوه ٢١ {وما كان له عليهم من سلطان} تسليط {إلا لنعلم} علم ظهور {من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك} فنجازي كلا منهما {وربك على كل شيء حفيظ} رقيب ٢٢ {قل} يا محمد لكفار مكة {ادعوا الذين زعمتم} أي زعمتموهم آلهة {من دون اللّه} غيره لينفعوكم بزعمكم قال تعالى فيهم {لا يملكون مثقال} وزن {ذرة} من خير أو شر {في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك} شركة {وما له} تعالى {منهم} من الآلهة {من ظهير} معين ٢٣ {ولا تنفع الشفاعة عنده} تعالى رد لقولهم إن آلهتهم تشفع عنده {إلا لمن أذن} بفتح الهمزة وضمها {له} فيها {حتى إذا فزع} بالبناء للفاعل والمفعول {عن قلوبهم} كشف عنها الفزع بالاذن فيها {قالوا} قال بعضهم لبعض استبشارا {ماذا قال ربكم} فيها {قالوا} القول {الحق} أي قد أذن فيها {وهو العلي} فوق خلقه بالقهر {الكبير} العظيم ٢٤ {قل من يرزقكم من السماوات} المطر {والأرض} النبات {قل اللّه} إن لم يقولوه لا جواب غيره {وإنا أو إياكم} أي أحد الفريقين {لعلى هدى أو في ضلال مبين} بين في الابهام تلطف بهم داعيا إلى الإيمان إذا وفقوا له ٢٥ {قل لا تسألون عما أجرمنا} اذنبنا {ولا نسأل عما تعملون} لأنا بريئون منكم ٢٦ {قل يجمع بيننا ربنا} يوم القيامة {ثم يفتح} يحكم {بيننا بالحق} فيدخل المحقين الجنة والمبطلين النار {وهو الفتاح} الحاكم {العليم} بما يحكم به ٢٧ {قل أروني} أعلموني {الذين ألحقتم به شركاء} في العبادة {كلا} ردع لهم عن اعتقاد شريك له {بل هو اللّه العزيز} الغالب على أمره {الحكيم} في تدبره لخلقه فلا يكون له شريك في ملكه ٢٨ {وما أرسلناك إلا كافة} حال من الناس قدم للاهتمام {للناس بشيرا} مبشرا للمؤمنين بالجنة {ونذيرا} منذرا للكافرين بالعذاب {ولكن أكثر الناس} أي كفار مكة {لا يعلمون} ذلك ٢٩ {ويقولون متى هذا الوعد} بالعذاب {إن كنتم صادقين} فيه ٣٠ {قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون} عليه وهو يوم القيامة ٣١ {وقال الذين كفروا} من أهل مكة {لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه} أي تقدمه كالتوراة والانجيل الدالين على البعث لانكارهم له قال تعالى فيهم {ولو ترى} يامحمد {إذ الظالمون} الكافرون {موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا} الأتباع {للذين استكبروا} الرؤساء {لولا أنتم} صددتمونا عن الإيمان {لكنا مؤمنين} بالنبي ٣٢ {قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم} لا {بل كنتم مجرمين} في انفسكم ٣٣ {وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار} أي مكر فيهما منكم بنا {إذ تأمروننا أن نكفر باللّه ونجعل له أندادا} شركاء {وأسروا} أي الفريقان {الندامة} على ترك الإيمان به {لما رأوا العذاب} أي أخفاها كل عن رفيقه مخافة التعبير {وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا} في النار {هل} ما {يجزون إلا} جزاء {ما كانوا يعملون} في الدنيا ٣٤ {وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها} رؤساؤها المتنعمون {إنا بما أرسلتم به كافرون} ٣٥ {وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا} ممن آمن {وما نحن بمعذبين} ٣٦ {قل إن ربي يبسط الرزق} يوسعه {لمن يشاء} امتحانا {ويقدر} يضيقه لمن يشاء ابتلاء {ولكن أكثر الناس} أي كفار مكة {لا يعلمون} ذلك ٣٧ {وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى} قربى أي تقريبا {إلا} لكن {من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا} أي جزاء العمل الحسنة مثلا بعشر فأكثر {وهم في الغرفات} من الجنة {آمنون} من الموت وغيره وفي قرأءة الغرفة بمعنى الجمع ٣٨ {والذين يسعون في آياتنا} القرآن بالابطال {معاجزين} لنا مقدرين عجزنا وأنهم يفوتونا {أولئك في العذاب محضرون} ٣٩ {قل إن ربي يبسط الرزق} يوسعه {لمن يشاء من عباده} امتحانا {ويقدر} يضيقه {له} بعد البسط أو لمن يشاء ابتلاءه {وما أنفقتم من شيء} في الخير {فهو يخلفه وهو خير الرازقين} يقال كل إنسان يروق عائلته أي برزق اللّه ٤٠ واذكر {ويوم يحشرهم جميعا} أي المشركين {ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم} بتحقيق الهمزتين وإبدال الأولى ياء وإسقاطها {كانوا يعبدون} ٤١ {قالوا سبحانك} تنزيها لك عن الشريك {أنت ولينا من دونهم} أي لا موالاة بيننا وبينهم من جهتنا {بل} للانتقال {كانوا يعبدون الجن} الشياطين أي يطيعونهم في عبادتهم إيانا {أكثرهم بهم مؤمنون} مصدقون فيما يقولون لهم ٤٢ {فاليوم لا يملك بعضكم لبعض} أي بعض المعبودين لبعض العابدين {نفعا} شفاعة {ولا ضرا} تعذيبا {ونقول للذين ظلموا} كفروا {ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون} ٤٣ {وإذا تتلى عليهم آياتنا} القرآن {بينات} واضحات بلسان نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم {قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم} من الأصنام {وقالوا ما هذا} القرآن {إلا إفك} كذب {مفترى} على اللّه {وقال الذين كفروا للحق} القرآن {لما جاءهم إن} ما {هذا إلا سحر مبين} بين ٤٤ {وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير} فمن أين يكذبوك ٤٥ {وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا} أي هؤلاء {معشار ما آتيناهم} من القوة وطول العمر وكثرة المال {فكذبوا رسلي} إليهم {فكيف كان نكير} إنكاري عليهم بالعقوبة والاهلاك أي هو واقع موقعه ٤٦ {قل إنما أعظكم بواحدة} هي {أن تقوموا للّه} لأجله {مثنى} أي اثنين اثنين {وفرادى} واحدا واحدا {ثم تتفكروا} فتعلموا {ما بصاحبكم} محمد {من جنة} جنون {إن} ما {هو إلا نذير لكم بين يدي} أي قبل {عذاب شديد} في الآخرة إن عصيتموه ٤٧ {قل} لهم {ما سألتكم} على الانذار والتبليغ {من أجر فهو لكم} أي لا أسألكم عليه أجرا {إن أجري} ما ثوابي {إلا على اللّه وهو على كل شيء شهيد} مطلع بعلم صدقي ٤٨ {قل إن ربي يقذف بالحق} يلقيه إلى أنبيائه {علام الغيوب} ما غاب عن خلقه في السموات والأرض ٤٩ {قل جاء الحق} الإسلام {وما يبديء الباطل} الكفر {وما يعيد} أي لم يبق له أثر ٥٠ {قل إن ضللت} عن الحق {فإنما أضل على نفسي} أي إثم ضلالي عليها {وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي} من القرآن والحكمة {إنه سميع} للدعاء {قريب} ٥١ {ولو ترى} يا محمد {إذ فزعوا} عند البعث لرأيت أمرا عظيما {فلا فوت} لهم منا أي لا يفوتونا {وأخذوا من مكان قريب} أي القبور ٥٢ {وقالوا آمنا به} بمحمد أو القرآن {وأنى لهم التناوش} بواو وبالهمزة بدلها أي تناول الإيمان {من مكان بعيد} عن محله إذ هم في الآخرة ومحله الدنيا ٥٣ {وقد كفروا به من قبل} في الدنيا {ويقذفون} يرمون {بالغيب من مكان بعيد} أي بما غاب علمه عنهم غيبة بعيدة حيث قالوا في النبي ساحر شاعر كاهن وفي القرآن سحر شعر كهانة ٥٤ {وحيل بينهم وبين ما يشتهون} من الإيمان أي قبوله {كما فعل بأشياعهم} أشباههم في الكفر {من قبل} أي قبلهم {إنهم كانوا في شك مريب} موقع في الريبة لهم فيما آمنوا به الآن ولم يعتدوا بدلائله في الدنيا |
﴿ ٠ ﴾