سورة فاطر

١

{الحمد للّه} حمد اللّه تعالى نفسه كما بين في أول سبأ {فاطر السماوات والأرض} خالقهما على غير مثال سبق {جاعل الملائكة رسلا} إلى الأنبياء {أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق} في الملائكة وغيرها {ما يشاء إن اللّه على كل شيء قدير}

٢

{ما يفتح اللّه للناس من رحمة} كرزق ومطر {فلا ممسك لها وما يمسك} من ذلك {فلا مرسل له من بعده} أي بعد إمساكه {وهو العزيز} الغالب على أمره {الحكيم} في فعله

٣

{يا أيها الناس} أهل مكة {اذكروا نعمة اللّه عليكم} بإسكانكم الحرم ومنع الغارات عنكم {هل من خالق} من زائدة وخالق مبتدأ {غير اللّه} بالرفع والجر نعت لخالق لفظا ومحلا وخبر المبتدأ {يرزقكم من السماء} المطر ومن {والأرض} النبات والاستفهام للتقرير أي لا خالق رازق غيره {لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} من أين تصرفون عن توحيده مع إقراركم بأنه الخالق الرازق

٤

{وإن يكذبوك} يا محمد في مجيئك بالتوحيد والبعث والحساب والعقاب {فقد كذبت رسل من قبلك} في ذلك فاصبر كما صبروا {وإلى اللّه ترجع الأمور} في الآخرة فيجازي المكذبين وينصر المرسلين

٥

{يا أيها الناس إن وعد اللّه} بالبعث وغيره {حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا} عن الإيمان بذلك {ولا يغرنكم باللّه} في حلمه وإمهاله {الغرور} الشيطان

٦

{إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا} بطاعة اللّه ولا تطيعوه {إنما يدعو حزبه} أتباعه في الكفر {ليكونوا من أصحاب السعير} النار الشديدة

٧

{الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير} هذا بيان لموافقي الشيطان وما لمخالفيه

٨

ونزل في أبي جهل وغيره {أفمن زين له سوء عمله} بالتمويه {فرآه حسنا} من مبتدأ خبره كمن هداه اللّه لا دل عليه {فإن اللّه يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم} على المزين لهم {حسرات} باغتمامك أن لا يؤمنوا {إن اللّه عليم بما يصنعون} فيجازيهم عليه

٩

{واللّه الذي أرسل الرياح} وفي قرأءة الريح {فتثير سحابا} المضارع لحكاية الحال الماضية أي تزعجه {فسقناه} فيه التفات عن الغيبة {إلى بلد ميت} بالتشديد والتخفيف لا نبات بها {فأحيينا به الأرض} من البلد {بعد موتها} يبسها أنبتنا به الزرع والكلأ {كذلك النشور} البعث والاحياء

١٠

{من كان يريد العزة فللّه العزة جميعا} في الدنيا والآخرة فلا تنال منه إلا بطاعته فليطعه {إليه يصعد الكلم الطيب} يعلمه وهو لا إله إلا اللّه ونحوها {والعمل الصالح يرفعه} يقبله {والذين يمكرون} المكرات {السيئات} بالنبي في دار الندوة من تقييده أو قتله أو إخراجه كما ذكر في الانفال {لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور} يهلك

١١

{واللّه خلقكم من تراب} بخلق أبيكم آدم منه {ثم من نطفة} مني بخلق ذريته منها {ثم جعلكم أزواجا} ذكورا وإناثا {وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه} حال أي معلومة له {وما يعمر من معمر} أي ما يزاد في عمر طويل العمر {ولا ينقص من عمره} أي ذلك المعمر أو معمر آخر {إلا في كتاب} هو اللوح المحفوظ {إن ذلك على اللّه يسير} هين

١٢

{وما يستوي البحران هذا عذب فرات} شديد العذوبة {سائغ شرابه} شربه {وهذا ملح أجاج} شديد الملوحة {ومن كل} منهما {تأكلون لحما طريا} هو السمك {وتستخرجون} من الملح وقيل منهما {حلية تلبسونها} هي اللؤلؤ والمرجان {وترى} تبصر {الفلك} السفن {فيه} في كل منهما {مواخر} تمخر الماء أي تشقه بجريها مقبلة ومدبرة بريح واحدة {لتبتغوا} تطلبوا {من فضله} تعالى بالتجارة {ولعلكم تشكرون} اللّه على ذلك

١٣

{يولج} يدخل اللّه {الليل في النهار} فيزيد {ويولج النهار} يدخله {في الليل} فيزيد {وسخر الشمس والقمر كل} منهما {يجري} في فلكه {لأجل مسمى} يوم القيامة {ذلكم اللّه ربكم له الملك والذين تدعون} تعبدون {من دونه} غيره وهم الأصنام {ما يملكون من قطمير} لفافة النوى

١٤

{إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا} فرضا {ما استجابوا لكم} ما أجابوكم {ويوم القيامة يكفرون بشرككم} يإشراككم إياهم مع اللّه أي يتبرؤون منكم ومن عبادتكم إياهم {ولا ينبئك} بأحوال الدارين {مثل خبير} عالم وهو اللّه تعالى

١٥

{يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى اللّه} بكل حال {واللّه هو الغني} عن خلقه {الحميد} المحمود في صنعه بهم

١٦

{إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد} بدلكم

١٧

{وما ذلك على اللّه بعزيز} شديد

١٨

{ولا تزر} نفس {وازرة} آثمة أي لاتحمل {وزر} نفس {أخرى وإن تدع} نفس {مثقلة} بالوزر {إلى حملها} منه أحدا ليحمل بعضه {لا يحمل منه شيء ولو كان} المدعو {ذا قربى} قرابة كالأب والابن وعدم الحمل في الشقين حكم من اللّه {إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب} أي يخافونه وما رأوه لأنهم المنتفعون بالإنذار {وأقاموا الصلاة} أداموها {ومن تزكى} تطهر من الشرك وغيره {فإنما يتزكى لنفسه} فصلاحه مختص به {وإلى اللّه المصير} المرجع فيجزي العمل في الآخرة

١٩

{وما يستوي الأعمى والبصير} الكافر والمؤمن

٢٠

{ولا الظلمات} الكفر {ولا النور} الإيمان

٢١

{ولا الظل ولا الحرور} الجنة والنار

٢٢

{وما يستوي الأحياء ولا الأموات} المؤمنون والكفار وزيادة لا في الثلاثة تأكيد {إن اللّه يسمع من يشاء} هدايته فيجيبه بالإيمان {وما أنت بمسمع من في القبور} أي الكفار شبههم بالموتى فيجيبوا

٢٣

{إن} ما {أنت إلا نذير} منذر لهم

٢٤

{إنا أرسلناك بالحق} بالهدى {بشيرا} من أجاب إليه {ونذيرا} من لم يجب إليه {وإن} ما {من أمة إلا خلا} سلف {فيها نذير} نبي ينذرها

٢٥

{وإن يكذبوك} أي أهل مكة {فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات} المعجزات {وبالزبر} كصحف إبراهيم {وبالكتاب المنير} هو التوراة والانجيل فاصبر كما صبروا

٢٦

{ثم أخذت الذين كفروا} بتكذيبهم {فكيف كان نكير} إنكاري عليهم بالعقوبة والإهلاك أي هو واقع موقعه

٢٧

{ألم تر} تعلم {أن اللّه أنزل من السماء ماء فأخرجنا} فيه التفات عن الغيبة {به ثمرات مختلفا ألوانها} كأخضر وأحمر وأصفر وغيرها {ومن الجبال جدد} جمع جدة طريق في الجبل وغيره {بيض وحمر} وصفر {مختلف ألوانها} بالشدة والضعف {وغرابيب سود} عطف على جدد أي صخور شديدة السواد يقال كثيرا أسود غربيب وقليلا غربيب أسود

٢٨

{ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك} كاختلاف الثمار والجبال {إنما يخشى اللّه من عباده العلماء} بخلاف الجبال ككفار مكة {إن اللّه عزيز} في ملكه {غفور} لذنوب عباده المؤمنين

٢٩

{إن الذين يتلون} يقرؤون {كتاب اللّه وأقاموا الصلاة} أداموها {وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية} زكاة وغيرها {يرجون تجارة لن تبور} تهلك

٣٠

{ليوفيهم أجورهم} ثواب أعمالهم المذكورة {ويزيدهم من فضله إنه غفور} لذنوبهم {شكور} لطاعتهم

٣١

{والذي أوحينا إليك من الكتاب} القرآن {هو الحق مصدقا لما بين يديه} تقدمه من الكتب {إن اللّه بعباده لخبير بصير} عالم بالبواطن والظواهر

٣٢

{ثم أورثنا} أعطينا {الكتاب} القرآن {الذين اصطفينا من عبادنا} وهم أمتك {فمنهم ظالم لنفسه} بالتقصير في العمل به {ومنهم مقتصد} يعمل به أغلب الأوقات {ومنهم سابق بالخيرات} يضم إلى العلم التعليم والإرشاد إلى العمل {بإذن اللّه} بإرادته {ذلك} أي إيراثهم الكتاب {هو الفضل الكبير}

٣٣

{جنات عدن} إقامة {يدخلونها} الثلاثة بالبناء للفاعل وللمفعول خبر جنات المبتدأ {يحلون} خبر ثان {فيها من} بعض {أساور من ذهب ولؤلؤا} مرصع بالذهب {ولباسهم فيها حرير}

٣٤

{وقالوا الحمد للّه الذي أذهب عنا الحزن} جميعه {إن ربنا لغفور} للذنوب {شكور} للطاعة

٣٥

{الذي أحلنا دار المقامة} الإقامة {من فضله لا يمسنا فيها نصب} تعب {ولا يمسنا فيها لغوب} إعياء من التعب لعدم التكليف فيها وذكر الثاني التابع للأول للتصريح بنفيه

٣٦

{والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم} بالموت {فيموتوا} يستريحوا {ولا يخفف عنهم من عذابها} طرفة عين {كذلك} كما جزيناهم {نجزي كل كفور} كافر بالياء والنون مفتوحة مع كسر الزاي ونصب كل

٣٧

{وهم يصطرخون فيها} يستغيثون بشدة وعويل يقولون {ربنا أخرجنا} منها {نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل} فيقال لهم {أولم نعمركم ما يتذكر} وقتا {فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا} الرسول فما أجبتم {فما للظالمين من} الكافرين {نصير إن} يدفع العذاب عنهم

٣٨

{إن اللّه عالم غيب السماوات والأرض إنه عليم بذات الصدور} بما في القلوب فعلمه بغيره أولى بالنظر إلى حال الناس

٣٩

{هو الذي جعلكم خلائف في الأرض} جمع خليفة يخلف بعضكم بعضا {فمن كفر} منكم {فعليه كفره} أي وبال كفره {ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا} غضبا {ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا} للآخرة

٤٠

{قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون} تعبدون {من دون اللّه} أي غيره وهم الأصنام الذين زعمتم أنهم شركاء اللّه تعالى {أروني} أخبروني {ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك} شركة مع اللّه {في} خلق {السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينة} حجة {منه} بأن لهم معي شركة لا شيء من ذلك {بل إن} ما {يعد الظالمون} الكافرون {بعضهم بعضا إلا غرورا} باطلا بقولهم الأصنام تشفع لهم

٤١

{إن اللّه يمسك السماوات والأرض أن تزولا} يمنعهما من الزوال {ولئن} لام قسم {زالتا إن} ما {أمسكهما} يمسكهما {من أحد من بعده} سواه {إنه كان حليما غفورا} في تأخير عقاب الكفار

٤٢

{وأقسموا} كفار مكة {باللّه جهد أيمانهم} غاية اجتهادهم فيها {لئن جاءهم نذير} رسول {ليكونن أهدى من إحدى الأمم} اليهود والنصارى وغيرهم أي واحدة منها لما رأوا من تكذيب بعضهم بعضا إذ قالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء {فلما جاءهم نذير} محمد صلى اللّه عليه وسلم {ما زادهم} مجيئه {إلا نفورا} تباعدا عن الهدى

٤٣

{استكبارا في الأرض} عن الإيمان مفعول له {ومكر} العمل {السيء} من الشرك وغيره {ولا يحيق} يحيط {المكر السيء إلا بأهله} وهو الماكر وصف المكر بالسيء أصل وإضافته إليه قبل استعمال آخر قدر فيه مضاف حذرا من الإضافة إلى الصفة {فهل ينظرون} ينتظرون {إلا سنة الأولين} سنة اللّه فيهم من تعذيبهم بتكذيبهم رسلهم {فلن تجد لسنة اللّه تبديلا ولن تجد لسنة اللّه تحويلا} أي لا يبدل بالعذاب غيره ولا يحول إلى غير مستحقه

٤٤

{أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما} فأهلكهم اللّه بتكذيبهم رسلهم {كان اللّه ليعجزه من شيء في} يسبقه ويفوته {السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا} بالأشياء كلها {ولو} عليها

٤٥

{ولو يؤاخذ اللّه الناس بما كسبوا} من المعاصي {ما ترك على ظهرها} الأرض {من دابة} نسمة تدب عليها {ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى} يوم القيامة {فإذا جاء أجلهم فإن اللّه كان بعباده بصيرا} فيجازيهم على أعمالهم يإثابة المؤمنين وعقاب الكافرين

﴿ ٠