سورة محمد١{الذين كفروا} من أهل مكة {وصدوا} غيرهم {عن سبيل اللّه} الإيمان {أضل} أحبط {أعمالهم} كإطعام الطعام وصلة الأرحام فلا يرون لها في الآخرة ثوابا ويجزون بها في الدنيا من فضله تعالى ٢ {والذين آمنوا} أي الأنصار وغيرهم {وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد} القرآن {وهو الحق من ربهم كفر عنهم} غفر لهم {سيئاتهم وأصلح بالهم} حالهم فلا يعصونه ٣ {ذلك} إضلال الأعمال وتكفير السيئات {بأن} بسبب أن {الذين كفروا اتبعوا الباطل} الشيطان {وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق} القرآن {من ربهم كذلك} مثل ذلك البيان {يضرب اللّه للناس أمثالهم} يبين أحوالهم أي فالكافر يحبط عمله والمؤمن يغفر ذللّه ٤ {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب} مصدر بدل من اللفظ بفعله أي فاضربوا رقابهم أي اقتلوهم وعبر بضرب الرقاب لأن الغالب في القتل أن يكون بضرب الرقبة {حتى إذا أثخنتموهم} أكثرتم فيهم القتل {فشدوا} فأمسكوا عنهم واسروهم وشدوا {الوثاق} ما يوثق به الاسرى {فإما منا بعد} مصدر بدل من اللفظ بفعله أي تمنون عليهم بإطلاقهم من غير شيء {وإما فداء} تفادونهم بما أو أسرى مسلمين {حتى تضع الحرب} أي أهلها {أوزارها} أثقالها من السلاح وغيره بأن يسلم الكفار أو يدخلوا في العهد وهذه غاية للقتل والأسر {ذلك} خبر مبتدأ مقدر أي الأمر فيهم ما ذكر {ولو يشاء اللّه لانتصر منهم} بغير قتال {ولكن} أمركم به {ليبلو بعضكم ببعض} منهم في القتال فيصير من قتل منكم إلى الجنة ومنهم إلى النار {والذين قتلوا} وفي قرأءة قاتلوا الآية نزلت يوم أحد وقد فشا في المسلمين القتل والجراحات {في سبيل اللّه فلن يضل} يحبط {أعمالهم} ٥ {سيهديهم} في الدنيا والآخرة إلى ما ينفعهم {ويصلح بالهم} حالهم فيهما وما في الدنيا لمن لم يقتل وادرجوا في قتلوا تغليبا ٦ {ويدخلهم الجنة عرفها} بينها {لهم} فيهتدون إلى مساكنهم منها وأزواجهم وخدمهم من غير استدلال ٧ {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا اللّه} دينه ورسوله {ينصركم} على عدوكم {ويثبت أقدامكم} يثبتكم في المعترك ٨ {والذين كفروا} من أهل مكة مبتدأ خبره تعسوا يدل عليه {فتعسا لهم} هلاكا وخيبة من اللّه {وأضل أعمالهم} عطف على تعسوا ٩ {ذلك} التعس والاضلال {بأنهم كرهوا ما أنزل اللّه} من القرآن المشتمل على التكاليف {فأحبط أعمالهم} ١٠ {أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر اللّه عليهم} أهلك أنفسهم وأولادهم وأموالهم {وللكافرين أمثالها} أمثال عاقبة ما قبلهم ١١ {ذلك} نصر المؤمنين وقهر الكافرين {بأن اللّه مولى} ولي ناصر {الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم} ١٢ {إن اللّه يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون} في الدنيا {ويأكلون كما تأكل الأنعام} ليس لهم هم إلا بطونهم وفروجهم ولا يلتفتون إلى الآخرة {والنار مثوى لهم} منزل ومقام ومصير ١٣ {وكأين} وكم {من قرية} أريد بها أهلها {هي أشد قوة من قريتك} قوة أهل مكة {التي أخرجتك} روعي لفظ قرية {أهلكناهم} روعي معنى قرية الأولى {فلا ناصر لهم} من إهلاكنا ١٤ {أفمن كان على بينة} حجة وبرهان {من ربه} وهم المؤمنون {كمن زين له سوء عمله} فرآه حسنا وهم كفار مكة {واتبعوا أهواءهم} في عبادة الأوثان أي لا مماثلة بينهما ١٥ {مثل} صفة {الجنة التي وعد المتقون} المشتركة بين داخليها مبتدأ خبره {فيها أنهار من ماء غير آسن} بالمد والقصر كضارب وحذر أي غير متغير بخلاف ماء الدنيا فيتغير بعارض {وأنهار من لبن لم يتغير طعمه} بخلاف لبن الدنيا لخروجه من الضروع {وأنهار من خمر لذة} لذيذة {للشاربين} بخلاف خمر الدنيا فإنها كريهة عند الشرب {وأنهار من عسل مصفى} بخلاف عسل الدنيا فإنه بخروجه من بطن النحل يخالط الشمع وغيره {ولهم فيها} أصناف {من كل الثمرات ومغفرة من ربهم} فهو راض عنهم مع إحسانه إليهم بما ذكر بخلاف سيد العبيد في الدنيا فإنه قد يكون مع إحسانه إليهم ساخطا عليهم {كمن هو خالد في النار} خبر مبتدأ مقدر أي أمن هو في هذا النعيم {وسقوا ماء حميما} أي شديد الحرارة {فقطع أمعاءهم} أي مصارينهم وهو جمع معى بالقصر وألفه عن ياء لقوامهم معيان ١٦ {ومنهم} أي الكفار {من يستمع إليك} في خطبة الجمعة وهم المنافقون {حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم} لعلماء الصحابة منهم ابن مسعود وابن عباس استهزاء وسخرية {ماذا قال آنفا} بالمد والقصر أي الساعة أي لا نرجع إليه {أولئك الذين طبع اللّه على قلوبهم} بالكفر {واتبعوا أهواءهم} في النفاق ١٧ {والذين اهتدوا} وهم المؤمنون {زادهم} اللّه {هدى وآتاهم تقواهم} ألهمهم ما يتقون به النار ١٨ {فهل ينظرون} ما ينتظرون أي كفار مكة {إلا الساعة أن تأتيهم} بدل اشتمال من الساعة أي ليس الأمر إلا أن تاتيهم {بغتة} فجأة {فقد جاء أشراطها} علاماتها منها بعثة النبي صلى اللّه عليه وسلم وانشقاق القمر والدخان {فأنى لهم إذا جاءتهم} الساعة {ذكراهم} تذكرهم أي لا ينفعهم ١٩ {فاعلم أنه لا إله إلا اللّه} أي دم يا محمد على علمك بذلك النافع في القيامة {واستغفر لذنبك} لأجله قيل له ذلك مع عصمته لتستن به أمته وقد فعله قال صلى اللّه عليه وسلم إني لأستغفر اللّه في كل يوم مائة مرة {وللمؤمنين والمؤمنات} فيه إكرام لهم بأمر نبيهم بالاستغفار لهم {واللّه يعلم متقلبكم} متصرفكم لأشغالكم في النهار {ومثواكم} مأواكم إلى مضاجعكم بالليل أي هو عالم بجميع أحوالكم لا يخفى عليه شيء منها فاحذروه والخطاب للمؤمنين وغيرهم ٢٠ {ويقول الذين آمنوا} طلبا للجهاد {لولا} هلا {نزلت سورة} فيها ذكر الجهاد {فإذا أنزلت سورة محكمة} أي لم ينسخ منها شيء {وذكر فيها القتال} أي طلبه {رأيت الذين في قلوبهم مرض} شك وهم المنافقون {ينظرون إليك نظر المغشي} المغمى {عليه من الموت} خوفا منه وكراهة له أي فهم يخافون من القتال ويكرهونه {فأولى لهم} مبتدأ خبره ٢١ {طاعة وقول معروف} أي حسن لك {فإذا عزم الأمر} أي فرض القتال {فلو صدقوا اللّه} في الإيمان والطاعة {لكان خيرا لهم} وجملة لو جواب إذا ٢٢ {فهل عسيتم} بكسر السبن وفتحها وفيه التفات عن الغيبة إلى الخطاب أي لعلكم {إن توليتم} أعرضتم عن الإيمان {أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} أن تعودوا إلى أمر الجاهلية من البغي والقتال ٢٣ {أولئك} أي المفسدون {الذين لعنهم اللّه فأصمهم} عن استماع الحق {وأعمى أبصارهم} عن طريق الهدى ٢٤ {أفلا يتدبرون القرآن} فيعرفون الحق {أم} بل {على قلوب} لهم {أقفالها} فلا يفهمونه ٢٥ {إن الذين ارتدوا} بالنفاق {على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول} أي زين {لهم وأملى لهم} بضم أوله وبفتحه واللام والمملي الشيطان بإرادته تعالى فهو المضل لهم ٢٦ {ذلك} أي إضلالهم {بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل اللّه} أي للمشركين {سنطيعكم في بعض الأمر} أي المعاونة على عداوة النبي صلى اللّه عليه وسلم وتثبيط الناس عن الجهاد معه قالوا ذلك سرا فأظهره اللّه تعالى {واللّه يعلم إسرارهم} بفتح الهمزة جمع سر وبكسرها مصدر ٢٧ {فكيف} حالهم {إذا توفتهم الملائكة يضربون} حال من الملائكة {وجوههم وأدبارهم} ظهورهم بمقامع من حديد ٢٨ {ذلك} التوفي على الحالة المذكورة {بأنهم اتبعوا ما أسخط اللّه وكرهوا رضوانه} أي العمل بما يرضيه {فأحبط أعمالهم} ٢٩ {أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج اللّه أضغانهم} يظهر أحقادهم على النبي صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين ٣٠ {ولو نشاء لأريناكهم} عرفناكم وكررت اللام في {فلعرفتهم بسيماهم} علامتهم {ولتعرفنهم} الواو لقسم محذوف وما بعدها جوابه {في لحن القول} أي معناه إذا تكلموا عندك بأن يعرضوا بما فيه تهجين أمر المسلمين {واللّه يعلم أعمالكم} ٣١ {ولنبلونكم} نختبركم بالجهاد وغيره {حتى نعلم} علم ظهور {المجاهدين منكم والصابرين} في الجهاد وغيره {ونبلوا} نظهر {أخباركم} من طاعتكم وعصيانكم في الجهاد وغيره بالياء والنون في الافعال الثلاثة ٣٢ {إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل اللّه} طريق الحق {وشاقوا الرسول} خالفوه {من بعد ما تبين لهم الهدى} هو معنى سبيل اللّه {لن يضروا اللّه شيئا وسيحبط أعمالهم} يبطلها من صدقة ونحوها فلا يرون لها في الآخرة ثوابا نزلت في المطمعين من أصحاب بدر أو في قريظة والنضير ٣٣ {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم} بالمعاصي مثلا ٣٤ {إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل اللّه} طريقه وهو الهدى {ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر اللّه لهم} نزلت في اصحاب القليب ٣٥ {فلا تهنوا} تضعفوا {وتدعوا إلى السلم} بفتح السين وكسرها أي الصلح مع الكفار إذ لقيتموهم {وأنتم الأعلون} حذف منه واو لام الفعل الأغلبون القاهرون {واللّه معكم} بالعون والنصر {ولن يتركم} ينقصكم {أعمالكم} أي ثوابها ٣٦ {إنما الحياة الدنيا} أي الاشتغال فيها {لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا} اللّه وذلك من أمور الآخرة {يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم} جميعها بل الزكاة المفروضة فيها ٣٧ {إن يسألكموها فيحفكم} يبالغ في طلبها {تبخلوا ويخرج} البخل {أضغانكم} لدين الإسلام ٣٨ {ها أنتم} يا {هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل اللّه} ما فرض عليكم {فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه} يقال بخل عليه وعنه {واللّه الغني} عن نفقتكم {وأنتم الفقراء} إليه {وإن تتولوا} عن طاعته {يستبدل قوما غيركم} أي يجعلهم بدلكم {ثم لا يكونوا أمثالكم} في التولي عن طاعته بل مطيعين لع عز وجل |
﴿ ٠ ﴾