١ بسم اللّه الرحمن الرحيم اختلف الأئمة في شأن التسمية في أوائل السور الكريمة فقيل إنها ليست من القرآن أصلا وهو قول ابن مسعود رضي اللّه عنه ومذهب مالك والمشهور من مذهب قدماء الحنفية وعليه قراء المدينة والبصرة والشام وفقهاؤها وقيل إنها آية فذة من القرآن أنزلت للفصل والتبرك بها وهو الصحيح من مذهب الحنفية وقيل هي آية تامة من كل سورة صدرت بها وهو قول ابن عباس وقد نسب إلى ابن عمر أيضا رضي اللّه عنهم وعليه يحمل إطلاق عبارة ابن الجوزي في زاد المسير حيث قال روى عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أنها أنزلت مع كل سورة وهو أيضا مذهب سعيد بن جبير والزهري وعطاء وعبد اللّه بن المبارك وعليه قراء مكة والكوفة وفقهاؤهما وهو القول الجديد للشافعي رحمة اللّه ولذلك يجهر بها عنده فلا عبرة بما نقل عن الجصاص من أن هذا القول من الشافعي لم يسبقة إليه أحد وقيل إنها آية من الفاتحة مع كونها قرآنا في سائر السور أيضا من غير تعرض لكونها جزأ منها أو لا ولا لكونها آية تامة أولا وهو أحد قولى الشافعي على ما ذكره القرطبي و نقل عن الخطابي انه قول إبن عباس وابي هريرة رضي اللّه عنهم وقيل أنها آيه تامة في الفاتحه و بعض في البواقي وقيل بعض آية في الفاتحة وآية تامة في البواقي وقيل أنها بعض آيه في الكل وقيل أنها آيات من القرآن متعددة بعدد السور المصدرة بها من غير أن تكون جزء منها وهذا القول غير معزى في الكتب إلى أحد وهناك قول آخر ذكره بعض المتأخرين ولم ينسبه إلى أحد وهو أنها آية تامة في الفاتحة وليست بقرآن في سائر السور ولولا اعتبار كونها آية تامة لكان ذلك احد محملى تردد الشافعي فإنه قد نقل عنه انها بعض آية في الفاتحة وأما في غيرها فقوله فيها متردد فقيل بين ان يكون قرآنا أولا وقيل بين ان يكون آيه تامة اولا قال الإمام الغزالي والصحيح من الشافعي هو التردد الثاني وعن احمد بن حنبل في كونها آيه كامله وفي كونها من الفاتحه روايتان ذكرهما ابن الجوزي ونقل أنه مع مالك وغيره مما يقول أنها ليست من القرآن هذا والمشهور من هذه الأقاويل هي الثلاث الأول والإتفاق على اثباتها في المصاحف مع الإجماع على ان ما بين الدفتين كلام اللّه عز و جل يقضي وبنفي القول الأول وثبوت القدر المشترك بين الآخيرين من غير دلاله على خصوصية احدهما فإن كونها جزا من القرآن لا يستدعي كونها حزا من كل سوره منه كما لا يستدعي كونها آيه منفرده منه وأما ما روى عن ابن عباس رضي اللّه عنهما من ان من تركها فقد ترك مائة واربع عشرة آيه من كتاب اللّه تعالى وما روى عن ابي هريره من أنه قال فاتحة الكتاب سبع آيات اولا هن بسم اللّه الرحمن الرحيم وما روى عن ام سلمة من انه قرأ سورة الفاتحه وعد بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين آيه وان دل كل واحد منها على نفي القول الثاني فليس شيء منها نصا في اثبات القول الثالث أما الأول فلأنه لا يدل ألا على كونها آيات من كتاب اللّه تعالى متعدده بعدد السور المصدره بها لا على ما هو المطلوب من كونها آيه تامة من كل واحده منها الا ان يلتجأ إلى ان يقال ان كونها آيه متعدده بعدد السور المصدره بها من غير ان تكون جزأ منها قول لم يقل به احد وأما الثاني فساكت عن التعرض لحالها في بقية السور وأما الثالث فناطق بخلافه مع مشاركته للثاني في السكوت المذكور والباء فيها متعلقه بمضمر ينبئ عنه الفعل المصدر بها كما انها كذلك في تسمية المسافر عند الحلول والارتحال و تسمية كل فاعل عند مباشرة الأفعال ومعناها الإستعانه أو الملابسه تبركا أي بأسم اللّه اقرأ أو اتلو و تقديم المعمول للإعتناء به والقصد الى التخصيص كما في إياك نعبد وتقدير ابدأ لاقتضائه اقتصار التبرك على البداية مخل بما هو المقصود اعنى شمول البركة للكل وادعاء أن فيه امتثالا بالحديث الشريف من جهة اللفظ والمعنى معا وفي تقدير اقرأ من جهة المعنى فقط ليس بشيء فإن مدار الامتثال هو البدء بالتسمية لا تقدير فعله إذ لم يقل في الحديث الكريم كل أمر ذي بال لم يقل فيه أو لم يضمر فيه أبدأ وهذا الى آخر السورة الكريمة مقول على السنة العباد تلقينا لهم وإرشادا الى كيفية التبرك باسمه تعالى وهداية الى منهاج الحمد وسؤال الفضل ولذلك سميت السورة الكريمة بما ذكر من تعليم المسألة وإنما كسرت ومن حق الحروف المفردة أن تفتح لاختصاصها بلزوم الحرفية والجركما كسرت لام الأمر ولام الإضافة داخلة على المظهر للفصل بينهما وبين لام الإبتداء والاسم عند البصريين من الأسماء المحذوفة الأعجاز المبنية الأوائل على السكون قد ادخلت عليها عند الإبتداء همزة لان من دأبهم البدء بالمتحرك والوقف على الساكن ويشهد له تصريفهم على اسماء وسمى وسميت وسمى كهدى لغة فيه قال واللّه اسماك سمى مباركا آثرك اللّه به إيثاركا والقلب بعيد غير مطرد واشتقاقه من السمو لأنه رفع للمسمى وتنويه له وعند الكوفيين من السمة واصله وسم حذفت الواو وعوضت منها همزة الوصل ليقل اعلالها ورد عليه لأن الهمزة لم تعهد داخلة على ما حذف صدره في كلامهم ومن لغاتهم سم وسم قال باسم الذي في كل سورة سمة وإنما لم يقل باللّه للفرق بين اليمين والتيمن أو لتحقيق ما هو المقصود بالإستعانة ههنا فإنها تكون تارة بذاته تعالى وحقيقتها طلب المعونة على ايقاع الفعل وإحداثه أي إفاضة القدرة المفسرة عند الأصوليين من اصحابنا بما يتمكن به العبد من اداء مالزمه المنقسمة الى ممكنة وميسرة وهي المطلوبة بإياك نستعين وتارة اخرى باسمه عز وعلا وحقيقتها طلب المعونة في كون الفعل معتدا به شرعا فإنه ما لم يصدر باسمه تعالى يكون بمنزلة المعدوم ولما كانت كل واحدة من الإستعانتين واقعة وجب تعيين المراد بذكر الاسم وإلا فالمتبادر من قولنا باللّه عند الاطلاق لا سيما عند الوصف بالرحمن الرحيم هي الإستعانة الأولى ان قيل فليحمل الباء على التبرك وليستغن عن ذكر الاسم لما ان التبرك لا يكون الا به قلنا ذاك فرع كون المراد باللّه هو الاسم وهل التشاجر الا فيه فلا بد من ذكر الاسم لينقطع احتمال ارادة المسمى ويتعين حمل الباء على الاستعانة الثانية أو التبرك وانما لم يكتب الالف لكثرة الإستعمال قالوا وطولت الباء عوضا عنها و اللّه اصله الاله فحذفت همزته على غير قياس كما ينبىء عنه وجوب الإدغام وتعويض الالف واللام عنها حيث لزماه وجردا عن معنى التعريف ولذلك قيل ياللّه بالقطع فإن المحذوف القياسي في حكم الثابت فلا يحتاج الى التدارك بما ذكر من الإدغام والتعويض وقيل على قياس تخفيف الهمزة فيكون الإدغام والتعويض من خواص الاسم الجليل ليمتاز بذلك عما عداه امتياز مسماه عما سواه بمالا يوجد فيه من نعوت الكمال والاله في الاصل اسم جنس يقع على كل معبود بحق أو باطل أي مع قطع النظر عن وصف الحقية والبطلان لا مع اعتبار احدهما لا بعينه ثم غلب على المعبود بالحق كالنجم والصعق وأما اللّه بحذف الهمزة فعلم مختص بالمعبود بالحق لم يطلق على غيره اصلا واشتقاقه من الالاهة والألوهة والالوهية بمعنى العبادة حسبما نص عليه الجوهري على انه اسم منها بمعنى المألوه كالكتاب لا على انه صفة منها بدليل انه يوصف ولا يوصف به حيث يقال اله واحد ولا يقال شيء اله كما يقال كتاب مرقوم ولا يقال شيء كتاب والفرق بينهما ان الموضوع له في الصفة هو الذات المبهمة باعتبار اتصافها بمعنى معين وقيامه بها فمدلولها مركب من ذات مبهمة لم يلاحظ معها خصوصية اصلا ومن معنى معين قائم بها على ان ملاك الامر تلك الخصوصية فبأي ذات يقوم ذلك المعنى يصح اطلاق الصفة عليها كما في الافعال ولذلك تعمل عملها كاسمى الفاعل والمفعول والموضوع له في الاسم المذكور هو الذات المعينة والمعنى الخاص فمدلوله مركب من ذينك المعنيين من غير رجحان للمنى على الذات كما في الصفة ولذلك لم يعمل عملها وقيل اشتقاقه من اله بمعنى تحير لأنه سبحانه يحار في شأنه العقول والافهام وأما اله كعبد وزنا ومعنى فمشتق من الاله المشتق من اله بالكسر وكذا تأله واستأله اشتقاق استنوق واستحجر من الناقة والحجر وقيل من اله الى فلان أي سكن اليه لاطمئنان القلوب بذكره تعالى وسكون الارواح الى معرفته وقيل من اله اذا فزع من امر نزل به وآلهه غيره اذا اجاره اذ العائذ به تعالى يفزع اليه وهو يجيره حقيقة أو في زعمه وقيل اصله لاه على انه مصدر من لاه يليه بمعنى احتجب وارتفع اطلق على الفاعل مبالغة وقيل هو اسم علم للذات الجليل ابتداء وعليه مدار امر التوحيد في قولنا لا اله الا اللّه ولا يخفي ان اختصاص الاسم الجليل بذاته سبحانه بحيث لا يمكن اطلاقه على غيره اصلا كاف في ذلك ولا يقدح فيه كون ذلك الاختصاص بطريق الغلبة بعد ان كان اسم جنس في الاصل وقيل هو وصف الاصل لكنه لما غلب عليه بحيث لا يطلق على غيره اصلا صار كالعلم ويرده امتناع الوصف به واعلم ان المراد بالمنكر في كلمة التوحيد هو المعبود بالحق فمعناها لافراد من افراد المعبود بالحق الا ذلك المعبود بالحق وقيل اصله لاها بالسريانية فعرب بحذف الالف الثانية وادخال الالف واللام عليه وتفخيم لامه اذا لم ينكسر ما قبله سنة وقيل مطلقا وحذف الفه لحن تفسد به الصلاة ولا ينعقد به صريح اليمين وقد جاء لضرورة الشعر في قوله الا لا بارك اللّه في سهيل اذا ما اللّه بارك في الرجال والرحمن الرحيم صفتان مبنيتان من رحم بعد جعله لازما بمنزلة الغرائز بنقله الى رحم بالضم كما هو المشهور وقد قيل ان الرحيم ليس بصفة مشبهة بل هي صيغة مبالغة نص عليه سيبويه في قولهم هو رحيم فلانا والرحمة في اللغة رقة القلب والانعطاف ومنه الرحم لانعطافها على ما فيها والمراد ههنا التفضل والاحسان وارادتهما بطريق إطلاق اسم السبب بالنسبة إلينا على مسببه البعيد أو القريب فإن اسماء اللّه تعالى تؤخذ باعتبار الغايات التي هي افعال دون المبادىء التي هي انفعالات والأول من الصفات الغالبة حيث لم يطلق على غيره تعالى وانما امتنع صرفه الحاقا له بالاغلب في بابه من غير نظر الى الاختصاص العارض فإنه كما حظر وجود فعلى حظر وجود فعلانة فاعتباره يوجب اجتماع الصرف وعدمه فلزم الرجوع الى اصل هذه الكلمة قبل الاختصاص بان تقاس الى نظائرها من باب فعل يفعل فإذا كان كلها ممنوعة من الصرف لتحقق وجود فعلى فيها علم أن هذه الكلمة أيضا في أصلها مما تحقق فيها وجود فعلى فتمنع من الصرف وفيه من المبالغة ما ليس في الرحيم ولذلك قيل يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا وتقديمه مع كون القياس تأخيره رعاية لأسلوب الترقي الى الاعلى كما في قولهم فلان عالم نحرير وشجاع باسل وجواد فياض لانه باختصاصه به عز و جل صار حقيقا بأن يكون قرينا للاسم الجليل الخاص به تعالى ولان ما يدل على جلائل النعم وعظائمها واصولها احق بالتقديم مما يدل على دقائقها وفروعها وافراد الوصفين الشريفين بالذكر لتحريك سلسلة الرحمة |
﴿ ١ ﴾