١

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الم الالفاظ التي يعبر بها عن حروف المعجم التي من جملتها المقطعات المرقومة في فواتح السور الكريمة اسماء لها لا ندراجها تحت حد الاسم ويشهد به ما يعتريها من التعريف والتنكير والجمع والتصغير وغير ذلك من خصائص الاسم وقد نص على ذلك اساطين ائمة العربية وما وقع في عبارات المتقديمن من التصريح بحرفيتها محمول على المسامحة

وأما ما روى عن ابن مسعود رضي اللّه عنه من انه قال من قرأ حرفا من كتاب اللّه فله حسنة والحسنة بعشر امثالها لا اقول الم حرف بل الف حرف ولام حرف وميم حرف وفي رواية الترمذي والدارمي لا اقول الم حرف وذلك الكتاب حرف ولكن الالف حرف واللام حرف والميم حرف والذال حرف والكاف حرف فلا تعلق له بما نحن فيه قطعا فإن اطلاق الحرف على ما يقابل الاسم والفعل عرف جديد اخترعه ائمة الصناعة وإنما الحرف عند الاوائل ما يتركب منه الكلم من الحروف المبسوطة وربما يطلق على الكلمة ايضا تجوزا فأريد بالحديث الشريف دفع توهم التجوز وزيادة تعيين ارادة المعنى الحقيقي ليتبين بذلك أن الحسنة الموعودة ليست بعدد الكلمات القرآنية بل بعدد حروفها المكتوبة في المصاحف كما يلوح به ذكر كتاب اللّه دون كلام اللّه أو القرآن وليس هذا من تسمية الشيء بأسم مدلوله في شيء كما قيل كيف لا والمحكوم عليه بالحرفية واستتباع الحسنة انما هي المسميات البسيطة الواقعة في كتاب اللّه عز و جل سواء عبر عنها بأسمائها أو بأنفسها كما في قولك السين مهملة والشين معجمة مثلثة وغير ذلك مما لا يصدق المحمول الا على ذات الموضوع لا اسماؤها المؤلفة كما إذا قلت الالف مؤلف من ثلاثة احرف فكما أن الحسنات في قراءة قوله تعالى ذلك الكتاب بمقابلة حروفه البسيطة وموافقة لعددها كذلك في قراءة قوله تعالى الم بمقابلة حروفه الثلاثة المكتوبة وموافقة لعددها لا بمقابلة أسمائها الملفوظة وإلالفات الموافقة في العدد إذا لحكم بأن كلا منها حرف واحد مستلزم للحكم بأنه مستتبع لحسنة واحدة فالعبرة في ذلك بالمعبر عنه دون المعبربه ولعل السر فيه ان استتباع الحسنة منوط بإفادة المعنى المراد بالكلمات القرآنية فكما أن سائر الكلمات الشريفة لا تفيد معانيها الا بتلفظ حروفها بأنفسها كذلك الفواتح المكتوبة لا تفيد المعاني المقصودة بها الا بالتعبير عنها بأسمائها فجعل ذلك تلفظا بالمسميات كالقسم للأول من غير فرق بينهما إلا يرى إلى ما في الرواية الأخيرة من قوله والذال حرف والكاف حرف كيف عبر عن طرفي ذلك باسميها مع كونهما ملفوظين بأنفسهما ولقد روعيت في هذه التسمية نكتة رائعة حيث جعل كل مسمى لكونه من قبيل الألفاظ صدرا لاسمه ليكون هو المفهوم منه أثر ذي أثير خلا أن الالف حيث تعذر الابتداء بها استعيرت مكانها الهمزة وهي معربة إذ لا مناسبة بينها وبين مبنى الأصل لكنها مالم تلها العوامل ساكنة الأعجاز على الوقف كأسماء الأعداد وغيرها حين خلت عن العوامل ولذلك قيل صاد وقاف مجموعا فيهما بين الساكنين ولم يعامل معاملة أين وكيف وهؤلاء وإن وليها عامل مسها الإعراب وقصر ما آخره ألف عند التهجى لابتغاء الخفة لا لأن وزانه وزان لا تقصر تارة فتكون حرفا وتمد أخرى فيكون اسما لها كما في قول حسان رضي اللّه عنه ...

ما قال لا قط إلا في تشهده ...

لولا التشهد لم تسمع له لاء ...

هذا وقد تكلم

وا في شان هذه الفواتح الكريمة وما أريد بها فقيل إنها من العلوم المستورة والأسرار المحجوبة

روى عن الصديق رضي اللّه عنه أنه قال في كل كتاب سر وسر القرآن أوائل السور وعن علي رضي اللّه عنه أن لكل كتاب صفوة وصفوة هذا الكتاب حروف التهجى وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه قال عجزت العلماء عن إدراكها وسئل الشعبي عنها فقال سر اللّه عز و جل فلا تطلبوه

وقيل أنها أسماء اللّه تعالى

وقيل كل حرف منها إشارة إلى اسم من أسماء اللّه تعالى أو صفة من صفاته تعالى

وقيل إنها صفات الأفعال الألف آلاؤء واللام لطفه والميم مجده وملكه قاله محمد بن كعب القرظي

وقيل إنها من قبيل الحساب

وقيل الألف من اللّه واللام من جبريل والميم من محمد أي أنزل اللّه الكتاب بواسطة جبريل على محمد عليهما الصلاة والسلام

وقيل هي أقسام من اللّه تعالى بهذه الحروف المعجمة لشرفها من حيث أنها أصول اللغات ومبادئ كتبه المنزلة ومباني أسمائه الكريمة

وقيل إشارة إلى انتهاء كلام وابتداء كلام آخر

وقيل ولكن الذي عليه التعويل إما كونها أسماء للسور المصدرة بها وعليه إجماع الأكثر وإليه ذهب الخليل وسيبويه قالوا سميت بها إيذانا بانها كلمات عربية معروفة التركيب من مسميات هذه الألفاظ فيكون فيه إيماء إلى الإعجاز والتحدي على سبيل الإيقاظ فلولا أنه وحى من اللّه عز و جل لما عجزوا عن معارضته ويقرب منه ما قاله الكلبي والسدي وقتادة من أنها أسماء للقرآن والتسمية بثلاثة أسماء فصاعدا إنما تستنكر في لغة العرب إذا ركبت وجعلت أسما واحدا كما في حضرموت فإما إذا كانت منثورة فلا استنكار فيها والمسمى هو المجموع لا الفاتحة فقط حتى يلزم اتحاد الاسم والمسمى غاية الأمر دخول الاسم في المسمى ولا محذور فيه كما لا محذور في عكسه حسبما تحققته آنفا وإنما كتبت في المصاحف صور المسميات دون صور الأسماء لأنه أدل على كيفية التلفظ بها وهي أن يكون على نهج التهجي دون التركيب ولأن فيه سلامة من التطويل لا سيما في الفواتح الخماسية على أن خط المصحف مما لا يناقش فيه بمخالفة القياس

وأما كونها مسرودة على نمط التعديد وإليه جنح أهل التحقيق قالوا إنما وردت هكذا ليكون إيقاظا بمن تحدى بالقرآن وتنبيها لهم على أنه منتظم من عين ما ينظمون منه كلامهم فلولا أنه خارج عن طوق البشر نازل من عند خلاق القوى والقدر لما تضاءلت قوتهم ولا تساقطت قدرتهم وهم فرسان حلبة الحوار وأمراء الكلام في نادي الفخار دون الإتيان بما يدانيه فضلا عن المعارضة بما يساويه مع تظاهرهم في المضادة والمضارة وتهالكهم على المعازة والمعارة أو ليكون مطلع ما يتلى عليهم مستقلا بضرب من الغرابة أنموذجا لما في الباقي من فنون الإعجاز فإن النطق بأنفس الحروف في تضاعيف الكلام وأن كان على طرف الثمام يتناوله الخواص والعوام من الأعراب والأعجام لكن التلفظ بأسمائها إنما يتأتى ممن درس وخط

وأما ممن لم يحم حول ذلك قط فأعز من بيض الأنوق وأبعد من مناط العيوق لا سيما إذا كان على نمط عجيب وأسلوب غريب منبئ عن سر سرى مبنى على نهج عبقري بحيث يحار في فهمه أرباب العقول ويعجز عن إدراكه الباب الفحول كيف لا وقد وردت تلك الفواتح في تسع وعشرين سورة على عدد حروف المعجم مشتملة على نصفها تقريبا بحيث ينطوى على انصاف اصنافها تحقيقا أو تقريبا كما يتضح عند الفحص والتنقير حسبما فصله بعض أفاضل أئمة التفسير فسبحان من دقت حكمته من أن يطالعها النظار وجلت قدرته عن أن ينالها أيدى الأفكار وايراد بعضها فرادى وبعضها ثنائية إلى الخماسية جرى على عادة الافتتان مع مراعاة أبنية الكلم وتفريقها على السور دون إيراد كلها مرة لذلك ولما في التكرير والإعارة من زيادة إفادة وتخصيص كل منها بسورتها مما لا سبيل إلى المطالبة بوجهه وعد بعضها آية دون بعض مبنى على التوقيف البحت أما الم فآية حيثما وقعت

وقيل في آل عمران ليست بآية والمص آية والمر لم تعد آية والر ليست بآية في شئ من سورها الخمس وطسم آية في سورتيها وطه ويس آيتان وطس ليست بآية وحم آية في سورها كلها وكهيعص آية وحم عسق آيتان وص وق ون لم تعد واحدة منها آية هذا على رأي الكوفيين وقد قيل إن جميع الفواتح آيات عندهم في السور كلها بلا فرق بينها

وأما من عداهم فلم يعدوا شيئا منها آية ثم إنها على تقدير كونها مسرودة علىنمط التعديد لا تشم رائحة الإعراب ويوقف عليها وقف التمام وعلى تقدير كونها أسماء للسور أو للقرآن كان لها حظ منه أما الرفع على الإبتداء أو على الخبرية

وأما النصب بفعل مضمر كا ذكر أو بتقدير فعل القسم على طريقة اللّه لأفعلن

وأما الجر بتقدير حرفة حسبما يتقتضيه المقام ويستدعيه النظام ولا وقف فيما عدا الرفع على الخبرية والتلفظ بالكل على وجه الحكاية ساكنة الأعجاز إلا أن ما كانت منها مفردة مثل ص وق ون يتأتى فيها الإعراب اللفظي أيضا وقد قرئت بالنصب على إضمار فعل أي اذكر أو اقرأ صاد وقاف ونون وإنما لم تنون لامتناع الصرف وكذا ما كانت منها موازنة لمفرد نحو حم ويس وطس الموازنة لقابيل وهابيل حيث أجاز سيبويه فيها مثل ذلك قال باب أسماء السور من كتابه وقد قرأ بعضهم ياسين والقرآن وقاف والقرآن فكأنه جعله اسما أعجميا ثم قال اذكر ياسين انتهى وحكى السير افي أيضا عن بعضهم قراءة ياسين ويجوز ان يكون ذلك في الكل تحريكا لالتقاء الساكنين ولا مساغ لنصب بإضمار فعل القسم لأن ما بعدها من القرآن والقلم محلوف بهما وقد استكرهوا الجمع بين قسمين على مقسم عليه واحد قبل انقضاء الأول وهو السر في جعل ما عدا الواو الأولى في قوله تعالى والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى عاطفة ولا مجال للعطف ههنا للمخالفة بين الأول والثاني في الإعراب نعم يجوز ذلك بجعل الأول مجرورا بإضمار الباء القسمية مفتوحا لكونه غير منصوف وقرئ ص وق بالكسر علىالتحريك لا لتقاء الساكنين ويجوز في طاسين ميم أن تفتح نونها وتجعل من قبيل دارا بجرد ذكره سيبويه في كتابه

وأما ما عدا ذلك من الفواتح فليس فيها إلا الحكاية وسيجيء تفاصيل سائر أحكام كل منها مشروحة في مواقعها بإذن اللّه عز سلطانه أما هذه الفاتحة الشريفة فإن جعلت اسما للسورة أو القرآن فمحلها الرفع إما على أنه خبر لمبتدأ محذوف والتقدير هذا الم أي مسمى به وإنما صحت الإشارة إلى القرآن بعضا أو كلا مع عدم سبق ذكره لأنه باعتبار كونه بصدد الذكر صار في حكم الحاضر المشاهد كما يقال هذا ما اشترى فلان

وأما على انه مبتدأ أي المسمى به والأول هو الأظهر لأن ما يجعل عنوان الموضوع حقه أن يكون قبل ذلك معلوم الانتساب إليه عند المخاطب وإذ لا علم بالتسمية قبل فحقها الإخبار بها وادعاء شهرتها يأباه التردد في أن المسمى هي السورة أو كل القرآن

﴿ ١