٦ إن الذين كفروا كلام مستأنف سيق لشرح أحوال الكفرة الغواة المردة العتاة إثر بيان أحوال أضدادهم المتصفين بنعوت الكمال الفائزين بمباغيهم في الحال والمآل وإنما ترك العاطف بينهما ولم يسلك به مسلك قوله تعالى أن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم لما بينهما من التنافي في الأسلوب والتباين في الغرض فإن الأولى مسوقة لبيان رفعة شأن الكتاب في باب الهداية والإرشاد وأما التعرض لأحوال المهتدين به فانما هو بطريق الاستطراد سواء جعل الموصول موصولا بما قبله أو مفصولا عنه فإن الاستئناف مبنى على سؤال نشأ من الكلام المتقدم فهو من مستتبعاته لا محالة وأما الثانية فمسوقة لبيان أحوال الكفرة أصالة وترامي أمرهم في الغواية والضلال إلى حيث لا يجديهم الإنذار والتبشير ولا يؤثر فيهم العظة والتذكير فهم ناكبون في تيه الغي والفساد عن منهاج العقول وراكبون في مسلك المكابرة والعناد متن كل صعب وذلول وإنما أوثرت هذه الطريقة ولم يؤسس الكلام على بيان أن الكتاب هاد للأولين وغير مجد للآخرين لأن العنوان الأخير ليس مما يورثه كمالا حتى يتعرض له في أثناء تعداد كمالاته وإن من الحروف التي تشابه الفعل في عدد الحروف والبناء على الفتح ولزوم الأسماء ودخول نون الوقاية عليها كأنني ولعلني ونظائرهما وإعطاء معانيه والمتعدى خاصة في الدخول على اسمين ولذلك أعملت عمله الفرعى وهو نصب الأول ورفع الثاني إيذانا بكونه فرعا في العمل دخيلا فيه وعند الكوفيين لا عمل لها في الخبر بل هو باق على حالة بقضية الاستصحاب وأجيب بأن ارتفاع الخبر مشروط بالتجرد عن العوامل وألا لما انتصب خبر كان وقد زال بدخولها فتعين إعمال الحرف وأثرها تأكيد النسبة وتحقيقها ولذلك يتلقى بها القسم ويصدر بها الأجوبة ويؤتى بها في مواقع الشك والإنكار لدفعه ورده قال المبرد قولك عبداللّه قائم أخبار عن قيامة وإن عبد اللّه قائم جواب سائل عن قيامه شاك فيه وإن عبد اللّه القائم جواب منكر لقيامه وتعريف الموصول إما للعهد والمراد به ناس بأعيانهم كأبي لهب وأبي جهل والوليد بن المغيرة وأضرابهم وأحبار اليهود أو للجنس وقد خص منه غير المصرين بما أسند إليه من قوله تعالى سواء عليهم الخ والكفر في اللغة ستر النعمة وأصله الكفر بالفتح أي الستر ومنه قيل للزراع والليل كافر قال تعالى كمثل غيث اعجب الكفار نباته وعليه قول لبيد ... في ليلة كفر النجوم غمامها ... ومنه المتكفر بسلاحة وهو الشاكي الذي غطى السلاح بدنه وفي الشريعة أنكار ما علم بالضرورة مجيء الرسول به وإنما عد لبس الغيار وشد الزنار بغير اضطرار ونظائرهما كفرا لدلالته على التكذيب فإن من صدق النبي لا يكاد يجترئ على أمثال ذلك إذ لا داعي إليه كالزنى وشرب الخمر واحتجت المعتزلة على حدوث القرآن بما جاء فيه بلفظ الماضي على وجه الأخبار فإنه يستدعى سابقة المخبر عنه لا محالة واجيب بأنه من مقتضيات التعلق وحدوثه لا يستدعي حدوث الكلام كما أن حدوث تعلق العلم بالمعلوم لا يستدعي حدوث العلم سواء هو اسم بمعنى الاستواء نعت به كما ينعت بالمصادر مبالغة قال تعالى تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم وقوله تعالى عليهم متعلق به معناه عندهم وارتفاعه على أنه خبر لأن وقوله تعالى أأنذرتهم أم لم تنذرهم مرتفع به على الفاعلية لأن الهمزة وام مجردتان عن معنى الاستفهام لتحقيق الاستواء بين مدخوليهما كما جرد الأمر والنهى لذلك عن معنييهما في قوله تعالى استغفر لهم أو لا تستغفر لهم وحرف النداء في قولك اللّهم أغفر لنا أيتها العصابة عن معنى الطلب المجرد التخصيص كأنه قيل إن الذين كفروا مستو عليهم إنذارك وعدمه كقولك إن زيدا مختصم أخوة وابن عمه أو مبتدأ وسواء عليهم خبر قدم عليه اعتناء بشأنه والجملة خبر لأن والفعل إنما يمتنع الإخبار عنه بقائه على حقيقته أما لو أريد به اللفظ أو مطلق الحدث المدلول عليه ضمنا على طريقة الاتساع فهو كالاسم في الإضافة والإسناد إليه كما في قوله تعالى هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم وقوله تعالى وإذا قيل لهم لا تفسدوا وفي قولهم بالمعيدي خير من أن تراه كأنه قيل إنذارك وعدمه سيان عليهم والعدول إلى الفعل لما فيه من إيهام التجدد والتوصل إلى إدخال الهمزة ومعادلها عليه لإفادة تقرير معنى الاستواء وتأكيده كما أشير إليه وقيل سواء مبتدأ ومابعده خبره وليس بذاك لأن مقتضى المقام بيان كون الإنذار وعدمه سواء لا بيان كون المستوى الإنذار وعدمه والإنذار إعلام المخوف للاحتراز عنه إفعال من نذر بالشئ إذا علمه فحذرة والمراد ههنا التخويف من عذاب اللّه وعقابة على المعاصي والاقتصار عليه لما أنهم ليسوا بأهل للبشارة أصلا ولأن الإنذار أوقع في القلوب واشد تأثيرا في النفوس فإن دفع المضار أهم من جلب المنافع فحيث لم يتأثروا به فلأن لايرفعوا للبشارة راسا أولى وقرئ بتوسيط ألف بين الهمزتين مع تحقيقهما وبتوسيطها والثانية بين بين وبتخفيف الثانية بين بين بلا توسيط وبحذف حرف الاستفهام وبحذفه وإلقاء حركته على الساكن قبله كما قرئ قد أفلح وقرئ بقلب الثانية ألفا وقد نسب ذلك إلى اللحن لايؤمنون جملة مستقلة مؤكدة لما قبلها مبينة لما فيه من إجمال ما فيه الاستواء فلا محل لها من الإعراب أو حال مؤكدة له أو بدل منه أو خبر لأن وما قبلها اعتراض بما هو علة للحكم أو خبر ثان على راي من يجوزه عند كونه جملة والآية الكريمة مما استدل به على جواز التكليف بما لا يطاق فإنه تعالى قد اخبر عنهم بأنهم لايؤمنون فظهر استحالة إيمانهم لاستلزامه المستحيل الذي هو عدم مطابقة أخباره تعالى للواقع مع كونهم مأمورين بالإيمان باقين على التكليف ولأن من جملة ما كلفوه الإيمان بعدم إيمانهم المستمر والحق أن التكليف بالمتنع لذاته وإن جاز عقلا من حيث أن الأحكام لا تستدعى أغراضا لا سيما الامتثال لكنه غير واقع للاستقراء والإخبار بوقوع الشئ أو بعدمه لا ينفي القدرة عليه كإخباره تعالى عما يفعله هو أو العبد باختياره وليس ما كلفوه الإيمان بتفاصيل ما نطق به القرآن حتى يلزم أن يكلفوا الإيمان بعدم إيمانهم المستمر بل هو الإيمان بجميع ما جاء به النبي إجمالا على ان كون الموصول عبارة عنهم ليس معلوما لهم وفائدة الإنذار بعد العلم بأنه لا يفيد إلزام الحجة وإحراز الرسول فضل الإبلاغ ولذلك قيل سواء عليهم ولم يقل عليك كما قيل لعبدة الأصنام سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون وفي الآية الكريمة إخبار بالغيب على ما هو به إن أريد بالموصول أشخاص بأعيانهم فهي من المعجزات الباهرة |
﴿ ٦ ﴾