١٧ مثلهم زيادة كشف لحالهم وتصوير لها غب تصويرها بصورة ما يؤدي إلى الخساربحسب المآل بصورة ما يفضي إلى الخسار من حيث النفس تهويلا لها وإبانة لفظاعتها فإن التمثيل ألطف ذريعة إلى تسخير الوهم للعقل واستنزاله من مقام الاستعصاء عليه وأقوى وسيلة إلى تفهيم الجاهل الغبي وقمع سورة الجامع الأبي كيف لا وهو رفع الحجاب عن وجوه المعقولات الخفية وأبراز لها في معرض المحسوسات الجلية وإبداء للمنكر في صورة المعروف وإظهار للوحشى في هيئة المألوف والمثل في الأصل بمعنى المثل والنظير يقال مثل ومثل ومثيل كشبه وشبه وشبيه ثم أطلق على القول السائر الذي يمثل مضربه بمورده وحيث لم يكن ذلك إلا قولا بديعا فيه غرابة صيرته جديرا بالتسيير في البلاد وخليقا بالقبول فيما بين كل حاضر وباد استعير لكل حال أو صفة أو قصة لها شأن عجيب وخطر غريب من غير أن يلاحظ بينها وبين شيء آخر تشبيه ومنه قوله عز و جل وللّه المثل الاعلى أي الوصف الذي له شأن عظيم وخطر جليل وقوله تعالى مثل الجنة التي وعد المتقون أي قصتها العجيبة الشأن كمثل الذي أي الذين كما في قوله تعالى وخضتم كالذي خاضوا خلا أنه وحد الضمير في قوله تعالى استوقد نارا نظرا إلى الصورة وإنما جاز ذلك مع عدم جواز وضع القائم مقام القائمين لأن المقصود بالوصف هي الجملة الواقعة صلة له دون نفسه بل إنما هو وصلة لوصف المعارف بها ولأنه حقيق بالتخفيف لإستطالته بصلته ولذلك بولغ فيه فحذف ياؤه ثم كسرته ثم اقتصر على اللام في أسماء الفاعلين والمفعولين ولأنه ليس باسم تام بل هو كجزئه فحقه ان لايجمع ويستوي فيه الواحد والمتعدد كما هو شأن أخواته وليس الذين جمعه المصحح بل النون فيه مزيدة للدلالة على زيادة المعنى ولذلك جاء بالياء أبدا على اللغة الفصيحة أو قصد به جنس المستوقد أو الفوج أو الفريق المستوقد والنار جوهر لطيف مضيء حار محرق واشتقاقها من نارينور إذا نفر لأن فيها حركة واضطرابا واستيقادها طلب وقودها أي سطوعها وارتفاع لهبها وتنكيرها للتفخيم فلما أضاءت ما حوله الإضاءة فرط الانارة كما يعرب عنه قوله تعالى هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وتجيء متعدية ولازمة والفاء للدلالة على ترتبها على الاستيقاد أي فلما أضاءت النار ما حول المستوقد أو فلما أضاء ما حوله والتأنيث لكونه عبارة عن الاماكن والأشياء أو أضاءت النار نفسها فيما حوله على أن ذلك ظرف لإشراق النار المنزل منزلتها لا لنفسها أو ما مزيدة وحوله ظرف وتأليف الحول للدوران وقيل للعام حول لأنه يدور ذهب اللّه بنورهم النور ضوء كل نير واشتقاقه من النار والضمير للذي والجمع باعتبار المعنى أي أطفأ اللّه نارهم التي هي مدار نورهم وإنما علق الإذهاب بالنور دون نفس النار لأنه المقصود بالإستيقاد لاالاستدفاء ونحوه كما ينبئ عنه قوله تعالى فلما أضاءت حيث لم يقل فلما شب ضرامها أو نحو ذلك وهو جواب لما أو استئناف أجيب به عن سؤال سائل يقول ما بالهم اشبهت حالهم حال مستوقد انطفأت ناره أو بدله من جملة التمثيل على وجه البيان والضمير على الوجهين للمنافقين والجواب محذوف كما في قوله تعالى فلما ذهبوا به للإيجاز والأمن من الإلباس كأنه قيل فلما أضاءت ما حوله خمدت فبقوا في الظلمات خابطين متحيرين خائبين بعد الكدح في إحيائها واسناد الإذهاب الى اللّه تعالى إما لأن الكل بخلقه تعالى وأما لأن الانطفاء حصل بسبب خفى أو امر سماوى كريح أو مطر وأما للمبالغة كما يؤذن به تعدية الفعل بالباء دون الهمزة لما فيه من معنى الاستصحاب والامساك يقال ذهب السلطان بما له اذا اخذه وما اخذه اللّه عز و جل فأمسكه فلا مرسل له من بعده ولذلك عدل عن الضوء الذي هو مقتضى الظاهر الى النور لأن ذهاب الضوء قد يجامع بقاء النور في الجملة لعدم استلزام عدم القوى لعدم الضعيف والمراد إزالته بالكلية كما يفصح عنه قوله تعالى وتركهم في ظلمات لا يبصرون فإن الظلمة التي هي عدم النور وانطماسه بالمرة لا سيما اذا كانت متضاعفة متراكمة متراكبا بعضها على بعض كما يفيده الجمع والتنكير التفخيمي وما بعدها من قوله تعالى لا يبصرون لا يتحقق الا بعد ان لا يبقى من النور عين ولا اثر وأما لان المراد بالنور مالا يرضى به اللّه تعالى من النار المجازية التي هينار الفتنة والفساد كما في قوله تعالى كلما اوقدوا نارا للحرب اطفأها اللّه ووصفها بإضاءة ما حول المستوقد من باب الترشيح أو النار الحقيقة التي يوقدها الغواة ليتوصلوا بها الى بعض المعاصي ويهتدوا بها في طرق العيث والفساد فأطفأها اللّه تعالى وخيب آمالهم وترك في الأصل بمعنى طرح وخلى وله مفعول واحد فضمن معنى التصيير فجرى مجرى افعال القلوب قال ... فتركته جزر السباع ينشنه ... يقضمن حسن بنانه والمعصم ... والظلمة مأخوذة من قولهم ما ظلمك ان تفعل كذا أي ما منعك لأنها تسد البصر وتمنعه من الرؤية وقرئ في ظلمات بسكون اللام وفي ظلمة بالتوحيد ومفعول لا يبصرون من قبيل المطروح كأن الفعل غير متعد والمعنى ان حالهم العجيبة التي هي اشتراؤهم الضلالة التي هي عبارة عن ظلمتي الكفر والنفاق المستتبعين لظلمة سخط اللّه تعالى وظلمة يوم القيامة يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين ايديهم وبأيمانهم وظلمة العقاب السرمدي بالهدى الذي هو النور الفطري المؤيد بما شاهدوه من دلائل الحق أو بالهدى الذي كانوا حصلوه من التوراة حسبما ذكر كحال من استوقد نارا عظيمة حتى يكاد ينتفع بها فأطفاها اللّه تعالى وتركه في ظلمات هائلة لا يتسنى فيها الإبصار |
﴿ ١٧ ﴾