٢٢ الذي جعل لكم الأرض فراشا وهو في محل النصب على أنه صفة ثانية لربكم موضحة أو مادحة أو على تقدير أخص أو أمدح أو في محل الرفع على المدح والتعظيم بتقدير المبتدأ قال أبن مالك التزم حذف الفعل في المنصوب على المدح اشعارا بأنه إنشاء كما في المنادى وحذف المبتدأ في المرفوع اجراء للوجهين على سنن واحد وأما كونه مبتدأ خبره فلا تجعلوا كما قيل فيستدعى ان يكون مناط النهي ما في حيز الصلة فقط من غير ان يكون لما سلف من خلقهم وخلق من قبلهم مدخل في ذلك مع كونه اعظم شأنا وجعل بمعنى صير والمنصوبان بعده مفعولاه وقيل هو بمعنى خلق وانتصاب الثاني على الحالية والظرف متعلق به على التقديرين وتقديمه على المفعول الصريح لتعجيل المسرة ببيان كون ما يعقبه من منافع المخاطبين وللتشويق اليه لان النفس عند تأخير ما حقه التقديم لا سيما بعد الإشعار بمنفعته مترقبة له فيتمكن لديها عند وروده عليها فضل تمكن أو لما في المؤخر وما عطف عليه من نوع طول فلو قدم لفات تجاوب اطراف النظم الكريم ومعنى جعلها فراشا جعل بعضها بارزا من الماء مع اقتضاء طبعها الرسوب وجعلها متوسطة بين الصلابة واللين صالحة للقعود عليها والنوم فيها كالبساط المفروش وليس من ضرورة ذلك كونها سطحا حقيقيا فإن كرية شكلها مع عظم جرمها مصححة لافتراشها وقرئ بساطا ومهادا والسماء بناء عطف على المفعولين السابقين وتقديم حال الارض لما ان احتياجهم اليها وانتفاعهم بها اكثر واظهر أي جعلها قبة مضروبة عليكم والسماء اسم جنس يطلق على الواحد والمتعدد أو جمع سماوة أو سماءة والبناء في الاصل مصدرسمى به المبنى بيتا كان أو قبة أو خباء ومنه قولهم بنى على امراته لما انهم كانوا إذا تزوجوا امراة ضربوا عليها خباء جديدا وأنزل من السماء ماء عطف على جعل أي انزل من جهتها أو منها الى السحاب ومن السحاب الى الارض كما روى ذلك عنه عليه الصلاة و السلام أو المراد بالسماء جهة العلو كما بنبئ عنه الإظهار في موضع الإضمار وهو على الأولين لزيادة التقرير ومن لإبتداء الغاية متعلقة بأنزل أو بمحذوف وقع حالا من المفعول أي كائنا من السماء قدم عليه لكونه نكرة وأما تقديم الظرف على الوجه الأول مع ان حقه التأخير عن المفعول الصريح فإما لان السماء اصله ومبدؤه وأما لما مر من التشويق اليه مع ما فيه من مزيد انتظام بينه وبين قوله تعالى فأخرج به أي بسبب الماء من الثمرات رزقالكم وذلك بأن اودع في الماء قوة فاعلة وفي الارض قوة منفعلة فتولد من تفاعلهما اصناف الثمار أو بأن اجرى عادته بإفاضة صور الثمار وكيفيتها المتخالفة على المادة الممتزجة منها وان كان المؤثر في الحقيقة قدرته تعالى ومشيئته فإنه تعالى قادر على ان يوجد جميع الاشياء بلا مباد ومواد كما ابدع نفوس المبادي والاسباب لكن له عز و جل في إنشائها متقلبة في الاحوال ومتبدلة في الاطوار من بدائع حكم باهرة تجدد لاولى الابصار عبرا ومزيد طمأنينه الى عظيم قدرته ولطيف حكمته ما ليس في ابداعها بغتة ومن للتبعيض لقوله تعالى فأخرجنا به ثمرات ولوقوعها بين منكرين اعني ماء ورزقا كأنه قيل وانزل من السماء بعض الماء فأخرج به بعض الثمرات ليكون بعض رزقكم وهكذا الواقع اذ لم ينزل من السماء كل الماء ولا اخرج من الارض كل الثمرات ولا جعل كل المرزوق ثمارا أو للتبيين ورزقا مفعول بمعنى المرزوق ومن الثمرات بيان له أو حال منه كقولك انفقت من الدراهم الفا ويجوز ان يكون من الثمرات مفعولا ورزقا حالا منه أو مصدرا من أخرج لانه بمعنى رزق وانما شاع ورود الثمرات دون الثمار مع ان الموضع موضع كثرة لأنه اريد بالثمرات جماعة الثمرة في قولك ادركت ثمرة بستانه ويؤيده القراءة على التوحيد أو لأن الجموع يقع بعضها موقع بعض كقوله تعالى كم تركوا من جنات وعيون وقوله تعالى ثلاثة قروء أو لأنها محلاة باللام خارجه عن حد القلة واللام متعلقة بمحذوف وقع صفة لرزقا على تقدير كونه المرزوق أي رزقا كائنا لكم أو دعامة لتقوية عمل رزقا على تقدير كونه مصدرا كأنه قيل رزقا اياكم فلا تجعلوا للّه اندادا اما متعلق بالامر السابق مترتب عليه كأنه قيل اذا امرتم بعبادة من هذا شأنه من التفرد بهذه النعوت الجليلة والأفعال الجميلة فلا تجعلوا له شريكا وإنما قيل اندادا باعتبار الواقع لا لان مدار النهي هو الجمعية وقرئ ندا وايقاع الاسم الجليل موقع الضمير لتعيين المعبود بالذات اثر تعيينه بالصفات وتعليل الحكم بوصف الألوهية التي عليها يدور امر الوحدانية واستحالة الشركة والإيذان باستتباعها لسائر الصفات وأما معطوف عليه كما في قوله تعالى اعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئا والفاء للإشعار بعلية ما قبلها من الصفات المجراة عليه تعالى للنهى أو الانتهاء أو لأن مآل النهى هو الأمر بتخصيص العبادة به تعالى المترتب على اصلها كأنه قيل اعبدوه فخصوها به والإظهار في موضع الإضمار لما مر آنفا وقيل هو نفى منصوب بإضمار ان جوابا للأمر ويأباه ان ذلك فيما يكون الأول سببا للثاني ولا ريب في ان العبادة لا تكون سببا للتوحيد الذي هو اصلها ومبناها وقيل هو منصوب بلعل نصب فأطلع في قوله تعالى لَعَلِّى ابلغ الاسباب اسباب السموات فاطلع الى اله موسى أي خلقكم لتتقوا وتخافوا عقابه فلا تشبهوه بخلقه وحيث كان مدار هذا النصب تشبيه لعل في بعد المرجو بليت كان فيه تنبيه على تقصيرهم بجعلهم المرجو القريب بمنزلة المتمنى البعيد وقيل هو متعلق بقوله تعالى الذي جعل الخ على تقدير رفعة على المدح أي هو الذي حفكم بهذه الآيات العظام والدلائل النيرة فلا تتخذوا له شركاء وفيه ما مر من لزوم كون خلقهم وخلق اسلافهم بمعزل من مناطية النهى مع عراقتهما فيها وقيل هو خبر للموصول بتأويل مقول في حقه وقد عرفت ما فيه مع لزوم المصير الى مذهب الاخفش في تنزيل الاسم الظاهر منزلة الضمير كما في قولك زيد قام ابو عبد اللّه اذا كان ذلك كنيته والند المثل المساوى من ند ندودا اذا نفر وناددته خالفته خص بالمخالف المماثل بالذات كما خص المساوى بالمماثل في المقدار وتسمية ما يعبده المشركون من دون اللّه اندادا والحال انهم ما زعموا انها تماثله تعالى في صفاته ولا انها تخالفه في افعاله لما انهم لما تركوا عبادته تعالى الى عبادتها وسموها آلهة شابهت حالهم حال من يعتقد انها ذوات واجبة بالذات قادرة على ان تدفع عنهم بأس اللّه عز و جل وتمنحهم ما لم يرد اللّه تعالى بهم من خير فتهكم بهم وشنع عليهم ان جعلوا اندادا لمن يستحيل ان يكون له ند واحد وفي ذلك قال موحد الجاهلية زيد بن عمرو بن نفيل ... اربا واحدا ام الف رب ... ادين اذا تقسمت الامور ... تركت اللات والعزى جميعا ... كذلك يفعل الرجل البصير ... وقوله تعالى وانتم تعلمون حال من ضمير لا تجعلوا بصرف التقييد الى ما افاده النهى من قبح المنهى عنه ووجوب الاجتناب عنه ومفعول تعلمون مطروح بالكلية كأنه قيل لا تجعلوا ذلك فإنه قبيح واجب الاجتناب عنه والحال انكم من اهل العلم بدقائق الامور واصابة الراى أو مقدر حسبما يقتضيه المقام نحو وانتم تعلمون بطلان ذلك أو تعلمون انه لا يماثله شئ أو تعلمون ما بينه وبينها من التفاوت أو علمون انها لا تفعل مثل افعاله كما في قوله تعالى هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شئ أو غير ذلك وحاصله تنشيط المخاطبين وحثهم على الانتهاء عما نهوا عنه هذا الذي يستدعيه عموم الخطاب في النهي بجعل المنهى عنه القدر المشترك المنتظم لإنشاء الانتهاء كما هو المطلوب من الكفرة وللثبات عليه كما هو شأن المؤمنين حسبما مر مثله في الامر وأما صرف التقييد الى نفس النهى فيستدعى تخصيص الخطاب بالكفرة لا محالة اذ لا يتسنى ذلك بطريق قصر النهى على حالة العلم ضرورة شمول التكليف للعالم والجاهل المتمكن من العلم بل انما يتأتى بطريق المبالغة في التوبيخ والتقريع بناء على ان تعاطى القبائح من العالمين بقبحها اقبح وذلك انما يتصور في حق الكفرة فمن صرف التقييد الى نفس النهى مع تعميم الخطاب للمؤمنين ايضا فقد ناى عن التحقيق ان قلت اليس في تخصيصه بالكفرة في الامر والنهى خلاص من امثال ما مر من التكلفات وحسن انتظام بين السباق والسياق اذ لا محيد في آية التحدى من تجريد الخطاب وتخصيصه بالكفرة لا محالة مع ما فيه من رباء محل المؤمنين ورفع شأنهم عن جبر الانتظام في سلك الكفرة والإيذان بأنهم مستمرون على الطاعة والعبادة حسبما مر في صدر السورة الكريمة مستغنون في ذلك عن الامر والنهى قلت بلى إنه وجه سرى ونهج سوى لا يضل من ذهب اليه ولا يزل من ثبت قدمه عليه فتأمل |
﴿ ٢٢ ﴾