٣٨

قلنا استئناف مبني على سؤال ينسحب عليه الكلام كأنه قيل فماذا وقع بعد قبول توبته فقيل قلنا

اهبطوا منها جميعا كرر الأمر بالهبوط إيذانا بتحتم مقتضاه وتحققه لا محالة ودفعا لما عسى يقع في امنيته عليه السلام من استتباع قبول التوبة للعفو عن ذلك واظهار لنوع رأفة به عليه السلام لما بين الأمرين من الفرق النير كيف لا

والأول مشوب بضرب سخط مذيل ببيان أن مهبطهم دار بلية وتعاد لا يخلدون فيها

والثاني مقرون بوعد ايتاء الهدى المؤدي الى النجاة والنجاح

وأما ما فيه من وعيد العقاب فليس بمقصود من التكليف قصدا أوليا بل انما هو دائر على سوء اختيار المكلفين قيل وفيه تنبيه على أن الحازم يكفيه بالردع عن مخالفة حكم اللّه تعالى مخافة الاهباط المقترن بأحد هذين الأمرين فكيف بالمقترن بهما فتأمل

وقيل الأول من الجنة إلى السماء الدنيا

والثاني منها الى الأرض ويأباه التعرض لإستقرارهم في الأرض في الأول ورجوع الضمير إلى الجنة في الثاني وجميعا حال في اللفظ وتأكيد في المعنى كأنه قيل اهبطوا أنتم أجمعون ولذلك لا يستدعى الاجتماع على الهبوط في زمان واحد كما في قولك جاءوا جميعا بخلاف قولك جاءوا معا

فإما يأتينكم منى هدى الفاء لترتيب ما بعدها على الهبوط المفهوم من الأمر به

وأما مركبه من أن الشرطية وما المزيدة المؤكدة لمعناها والفعل في محل الجزم بالشرط لأنه مبنى لاتصاله بنون التأكيد

وقيل معرب مطلقا

وقيل مبنى مطلقا والصحيح التفصيل إن باشرته النون بنى وإلا أعرب نحو هل يقومان وتقديم الظرف على الفاعل لما مر غير مرة والمعنى إن يأتينكم منى هدى برسول أبعثه إليكم وكتاب أنزله عليكم وجواب الشرط قوله تعالى

فمن تبع هداى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون كما في قولك إن جئتنى فإن قدرت أحسنت إليك وإيراد كلمة الشك مع تحقيق الإتيان لا محالة للإيذان بأن الإيمان باللّه والتوحيد لا يشترط فيه بعثه الرسل وإنزال الكتب بل يكفى في وجوبه إفاضة العقل ونصب الأدلة الآفاقية والأنفسية والتمكين من النظر والاستدلال أو للجرى على سنن العظماء في إيراد عسى ولعل في مواقع القطع والجزم والمعنى أن من تبع هداى منكم فلا خوف عليهم في الدارين من لحوق مكروه ولا هم يحزنون من فوات مطلوب أي لا يعتريهم ما يوجب ذلك لا أنه يعتريهم ذلك لكنهم لا يخافون ولا يحزنون ولا أنه لا يعتريهم نفس الخوف والحزن أصلا بل يستمرون على السرور والنشاط كيف لا واستشعار الخوف والخشية استعظاما لجلال اللّه سبحانه وهيبته واستقصارا للجد والسعى في إقامة حقوق العبودية من خصائص الخواص والمقربين والمراد بيان دوام انتفائهما لا بيان انتفاء دوامها كما يتوهم من كون الخبر في الجملة الثانية مضارعا لما تقرر في موضعه أن النفى وإن دخل على نفس المضارع يفيد الدوام والاستمرار بحسب المقام وإظهار الهدى مضافا إلى ضمير الجلالة لتعظيمه وتأكيد وجوب اتباعه أو لأن المراد بالثاني ما هو أعم من الهدايات التشريعية وما ذكر من إفاضة العقل ونصب الأدلة الافاقية والأنفسية كما قيل وقرئ هدى على لغة هذيل ولا خوف بالفتح

﴿ ٣٨