٤٩

وإذ نجينا كم من آل فرعون تذكير لتفاصيل ما أجمل في قوله تعالى نعمتي التي أنعمت عليكم من فنون النعماء وصنوف الآلاء أي واذكروا وقت تنجيتنا إياكم أي آباءكم فإن تنجيتهم تنجية لأعقابهم وقرئ أنجيتكم وأصل آل أهل لأن تصغيره أهيل وخص بالإضافة إلى أولى الأخطار كالأنبياء عليهم السلام والملوك وفرعون لقب لمن ملك العمالقة ككسرى لملك الفرس وقيصر لملك الروم وخاقان لملك الترك ولعتوه اشتق منه تفر عن الرجل إذا عتا وتمرد وكان فرعون موسى عليه السلام مصعب بن ريان

وقيل ابنه وليدا من بقايا عاد

وقيل إنه كان عطارا أصفهانيا ركبته الديون فأفلس فاضطر الى الخروج فلحق بالشام فلم يتسن له المقام به فدخل مصر فرأى في ظاهره حملا من البطيخ بدرهم وفي نفسه بطيخة بدرهم فقال في نفسه إن تيسر لي أداء الدين فهذا طريقه فخرج إلى السواد فاشترى حملا

بدرهم فتوجه به الى السوق فكل من لقيه من المكاسين أخذوا منه بطيخا فدخل البلد وما معه إلا بطيخة فذة باعها بدرهم ومضى لوجهه ورأى أهل البلد متروكين سدى لا يتعاطى أحد سياستهم وكان قد وقع بهم وباء عظيم فتوجه نحو المقابر فرأى ميتا يدفن فتعرض لأوليائه فقال أنا المقابر فلا أدعكم تدفنونه حتى تعطوني خمسة دراهم فدفعوها إليه ومضى لآخر وآخر حتى جمع في مقدار ثلاثة أشهر مالا عظيما ولم يتعرض له أحد قط إلى أن تعرض يوما لأولياء ميت فطلب منهم ما كان يطلب من غيرهم فأبوا ذلك فقالوا من نصبك هذا المنصب فذهبوا به إلى فرعون فقال من أنت ومن أقامك بهذا المقام قال لم يقمنى أحد وإنما فعلت ما فعلت ليحضرني أحد إلى مجلسك فأنبهك على اختلال قومك وقد جمعت بهذا الطريق هذا المقدار من المال فأحضره ودفعه إلى فرعون فقال ولنى أمورك ترني أمينا كافيا فولاه إياها فسار بهم سيرة حسنة فانتظمت مصالح العسكر واستقامت أحوال الرعية ولبث فبهم دهرا طويلا وترامى أمره في العدل والصلاح فلما مات فرعون أقاموه مقامه فكان من امره ما كان وكان فرعون يوسف ريان وكان بينهما أكثر من أربعمائة سنة

يسومونكم أي يبغونكم من سامة خسفا إذا أولاه ظلما وأصله الذهاب في طلب الشئ

سوء العذاب أي أفظعه وأقبحه بالنسبة إلى سائره والسوء مصدر من ساء يسوء ونصبه على المفعوليه ليسومونكم والجلمة حال من الضمير في نجيانكم أو من آل فرعون أو منهما جميعا لاشتمالها على ضميريهما

يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم بيان ليسومونكم ولذلك ترك العطف بينهما وقرئ يذبحون بالتخفيف وإنما فعلوا بهم ما فعلوا لما أن فرعون راى في المنام أو أخبره الكهنة أنه سيولد منهم من يذهب بملكة فلم يرد اجتهادهم من قضاء اللّه عز و جل شيئا قيل قتلوا بتلك الطريقة تسعمائة ألف مولود وتسعين الفا وقد أعطى اللّه عز و جل نفس موسى عليه السلام من القوة على التصرف ما كان يعطيه أولئك المقتولين لو كانوا أحياء ولذلك كانت معجزاته ظاهرة باهرة

وفي ذلكم إشارة إلى ما ذكر من التذبيح والاستحياء أو إلى الإنجاء منه وجمع الضمير للمخاطبين فعلى الأول معنى قوله تعالى

بلاء محنة وبلية وكون استحياء نسائهم أي استبقائهن على الحياة محنة مع أنه عفو وترك للعذاب لما أن ذلك كان للاستعمال في الأعمال الشاقة وعلى الثاني نعمة وأصل البلاء الاختبار ولكن لما كان ذلك في حقه سبحانه محالا وكان ما يجرى مجرى الاختبار لعباده تارة بالمحنة وأخرى بالمنحنة أطلق عليهما

وقيل يجوز أن يشار بذلكم إلى الجملة ويرلد بالبلاء القدر المشترك الشامل لهما

عظيم صفة لبلاء وتنكيرهما للتفخيم وفي الآية الكريمة تنبيه على أن ما يصيب العبد من السراء والضراء من قبيل الأختبار فعليه الشكر في المسار والصبر على المضار

﴿ ٤٩