١٢٥ وإذ جعلنا البيت أي الكعبة المعظمة غلب عليها غلبة النجم على الثريا معطوف على إذ ابتلى على أن العامل فيه هو العامل فيه أو مضمر مستقل معطوف على المضمر الأول والجعل إما بمعنى التصيير فقوله عز و جل مثابة أي مرجعا يثوب إليه الزوار بعد ما تفرقوا عنه أو أمثالهم أو موضع ثواب يثابون بحجه واعتماره مفعولة الثاني وأما بمعنى الإبداع فهو حال من مفعول واللام في قوله تعالى للناس متعلقة بمحذوف وقع صفة لمثابة أي كائنة للناس أو بجعلنا أي جعلناه لأجل الناس وقرئ مثابات باعتبار تعدد الثائبين وأمنا أي آمنا كما في قوله تعالى حرما آمنا على إيقاع المصدر موقع اسم الفاعل للمبالغة أو على تقدير المضاف أي ذا أمن أو على الإسناد المجازي أي آمنا من حجه من عذاب الآخرة من حيث إن الحج يجب ما قبله أو من دخله من التعرض له بالعقوبة وإن كان جانيا حتى يخرج على ما هو رأى أبي حنفية ويجوز أن يعتبر الأمن بالقياس إلى كل شئ كائنا ما كان ويدخل فيه أمن الناس دخولا أوليا وقد اعتيد فيه أمن الصيد حتى إن الكلب كان يهم بالصيد خارج الحرم فيفر منه وهو يتبعه فإذا دخل الصيد الحرم لم يتبعه الكلب واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى على إرادة قول هو عطف على جعلنا أو حال من فاعله أي وقلنا أو قائلين لهم اتخذوا الخ وقيل هو بنفسه معطوف على الأمر الذي يتضمنه قوله عز و جل مثابة للناس كأنه قيل ثوبوا إليه واتخذوا الخ وقيل على المضمر العامل في إذ وقيل هي جملة مستأنفة والخطاب على الوجوه الأخيرة له عليه السلام ولأمته والأول هو الأليق بجزالة النظم الكريم والأمر صريحا كان أو مفهوما من الحكاية للاستحباب ومن تبعيضه والمقام اسم مكان وهو الحجر الذي عليه أثر قدمه عليه السلام والموضع الذي كان عليه حين قام ودعا الناس إلى الحج أوحين رفع قواعد البيت وهو موضعه اليوم والمراد بالمصلى إما موضع الصلاة أو موضع الدعاء روى أنه أخذ بيد عمر رضي اللّه عنه فقال هذا مقام إبراهيم فقال رضي اللّه عنه أفلا نتخذه مصلى فقال لم أومر بذلك فلم تغب الشمس حتى نزلت وقيل المراد به الأمر بركعتى الطواف لما روى جابر رضي اللّه عنه أنه عليه السلام لما فرغ من طوافه عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفة ركعتين وقرأ واتخذوا على صيغة الماضي عطفا على جعلنا أي واتخذ الناس من مكان إبراهيم الذي وسم به لاهتمامه به وإسكان ذريته عنده قبله يصلون إليها وعهدنا إلى إبراهيم وإسمعيل أي أمرناهما أمرا مؤكدا أن طهرا بيتى بأن طهراه على أن أن المصدرية حذف عنها الجار حذفا مطردا لجواز كون صلتها أمرا ونهيا كما في قوله عز و جل وأن أقم وجهك للدين حنيفا لأن مدار جواز كونها فعلا إنما هو دلالته على المصدر وهي متحققة فيهما ووجوب كونها خبرية في صلة الموصول الاسمى إنما هو لتوصل إلى وصف المعارف بالجمل وهي لا يوصف بها إلا إذا كانت خبرية وأما الموصول الحرفي فليس كذلك ولما كان الخبر والإنشاء في الدلالة على المصدر سواء ساغ وقوع الأمر والنهى صلة حسب وقوع الفعل فيتجرد عند ذلك معنى الأمر والنهى نحو تجرد الصلة الفعلية عن معنى المضى والاستقبال أو أي طهراه على أن أن مفسرة لتضمين العهد معنى القول وإضافة البيت إلى ضمير الجلالة للتشريف وتوجيه الأمر بالتطهير ههنا اليهما عليهما السلام لا ينافي سورة الحج من تخصيصه بإبراهيم عليه السلام فإن ذلك واقع قبل بناء البيت كما يفصح عنه قوله تعالى وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت وكان إسماعيل عليه السلام حينئذ بمعزل من مثابة الخطاب وظاهر أن هذا بعد بلوغه مبلغ الأمر والنهى وتمام الباء بمباشرته كما ينبئ عنه إيراده أثر حكاية جعله مثابة للناس الخ والمراد تطهيره من الأوثان والأنجاس وطواف الجنب والحائض وغير ذلك مما لا يليق به للطائفين حوله والعاكفين المجاورين المقيمين عنده أو المعتكفين أو القائمين في الصلاة كما في قوله عز وعلا للطائفين والقائمين والركع السجود جمع راكع وساجد أي للطائفين والمصلين لأن القيام والركوع والسجود من هيئات المصلى ولتقارب الأخيرين ذاتا وزمانا ترك العاطف بين موصوفيهما أو أخلصاه لهؤلاء لئلا يغشاه غيرهم وفيه إيماء إلى أن ملابسة غيرهم به وإن كانت مع مقارنة أمر مباح من قبيل تلويثه وتدنيسه |
﴿ ١٢٥ ﴾