١٩٦

وأتموا الحج والعمرة للّه بيان لوجوب اتمام افعالهما عند التصدي لادائهما وارشاد للناس الى تدارك ما عسى يعتريهم من العوارض المخلة بذلك من الاحصار ونحوه من غير تعرض لحالها في أنفسهما من الوجوب وعدمه كما في قوله تعالى ثم أتموا الصيام الى الليل فإنه بيان لوجوب مد الصيام الى الليل من غير تعرض لوجوب اصله وانما هو بقوله تعالى كتب عليكم الصيام الآية كما أن وجوب الحج بقوله تعالى وللّه على الناس حج البيت الآية فإن الأمر بإتمام فعل من الأفعال ليس أمرا بأصله ولا مستلزما له أصلا فليس فيه دليل على وجوب العمرة قطعا وادعاء أن الأمر بإتمامهما أمر بإنشائهما تامين كاملين حسبما تقتضيه قراءة وأقيموا الحج والعمرة وأن الأمر للوجوب مالم يدل على خلافه دليل مما لا سداد له ضرورة أن ليس البيان مقصورا على أفعال الحج المفروض حتى يتصور ذلك بل الحق ان تلك القراءة أيضا محمولة على المشهورة ناطقة بوجوب اقامة افعالهما كما ينبغي من غير تعرض لحالهما في انفسهما فالمعنى اكملوا أركانهما وشرائطهما وسائر افعالهما المعروفة شرعا لوجه اللّه تعالى من غير اخلال منكم بشيء منها هذا وقد قيل اتمامهما ان تحرم

بهما من دويرة أهلك روى ذلك عن علي وابن عباس وابن مسعود رضي اللّه عنهم

وقيل أن تفرد لكل واحد منها سفرا كما قال محمد حجة كوفية وعمرة كوفية أفضل

وقيل هو جعل نفقتهما حلالا

وقيل أن تخلصوهما للعبادة ولا تشوبوهما بشئ من الأعراض الدنيوية وأيا ما كان فلا تعرض في الآية الكريمة لوجوب العمرة اصلا

وأما ما روى أن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال إن العمرة لقرينة الحج وقول عمر رضي اللّه عنه هديت لسنة نبيك حين قال له رجل وجدت الحج العمرة مكتوبين على أهللت بهما وفي رواية فأهللت بهما جميعا فبمعزل من إفادة الوجوب مع كونه معارضا بما روى عن جابر أنه قال يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم العمرة واجبة مثل الحج قال لا ولكن أن تعتمر خير لك وبقوله عليه السلام الحج جهاد والعمرة تطوع فتدبر

فإن أحصرتم أي منعتم من الحج يقال حصره العدو وأحصره إذا حبسه ومنعه من المضي لوجهه مثل صده وأصده والمراد منع العدو عند مالك والشافعي رضي اللّه عنهما لقوله تعالى فإذا أمنتم ولنزوله في الحديبية ولقول ابن عباس لا حصر إلا حصر العدو وكل منع من عدو أو مرض أو غيرهما عند أبي حنيفة رضي اللّه عنه لما روى عن النبي صلى اللّه عليه و سلم من كسر أو عرج فعليه الحج من قابل

فما استيسر من الهدى أي فعليكم أو فالواجب ما استيسر أو فاهدوا ما استيسر والمعنى أن المحرم إذا أحصر وأراد أن يتحلل تحلل بذبح هدى تيسر عليه من بدنه أو بقرة أو شاة حيث أحصر عند الأكثر وعندنا يبعث به الى الحرم ويجعل للمبعوث بيده يوم أمارة فإذا جاء اليوم وظن أنه ذبح تحلل لقوله تعالى

ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله أي لا تحلوا حتى تعلموا أن الهدى المبعوث الى الحرم بلغ مكانه الذي يجب أن ينحر فيه وحمل الاولون بلوغ الهدى محله على ذبحه حيث يحل ذبحه فيه حلا كان حرما ومرجعهم في ذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذبح عام الحديبية بها وهي من الحل قلنا كان محصرة عليه الصلاة و السلام طرف الحديبية الذي إلى اسفل مكة وهو من الحرم وعن الزهري أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نحر هدية في الحرم وقال الواقدي الحديبية هي طرف الحرم على تسعة أميال من مكة والمحل بالكسر يطلق على المكان والزمان والهدى جمع هدية كجدى وجدية وقرئ من الهدى جمع هدية كمطى ومطية

فمن كان منكم مريضا مرضا محوجا الى الحلق

أو به اذى من رأسه كجراحة أو قمل

ففديه أي فعليه فديه إن حلق

من صيام أو صدفة أو نسك بيان الجنس الفديه

وأما قدرها فقد روى أنه قال لكعب بن عجرة لعلك آذاك هو أمك قال نعم يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال أحلق وصم ثلاثة أيام أو تصدق بفرق على ستة مساكين أو أنسك شاة والفرق ثلاثة آصع

فإذا أمنتم أي الاحصار أو كنتم في حال أمن أو سعة

فمن تمتع بالعمرة إلى الحج أي فمن انتفع بالتقرب الى اللّه تعالى بالعمرة قبل الانتفاع بتقربه بالحج في أشهره

وقيل من استمتع بعد التحلل من عمرته باستباحة محظورات الإحرام الى أن يحرم بالحج

فما استيسر من الهدى أي فعليه دم استيسر عليه بسبب التمتع وهو دم جبران يذبحه إذا أحرم بالحج ولا يأكل منه عند الشافعي وعندنا هو كالأضحية

فمن لم يجد أي الهدى

فصيام ثلاثة أيام في الحج أي في أشهره بين الإحرامين وقال الشافعي في أيام الاشتغال بأعماله بعد الإحرام وقبل التحلل والأحب أن يصوم سابع ذي الحجة وثامنه وتاسعه فلا يصح يوم النحر وأيام التشريق

وسبعة إذا رجعتم أي نفرتم وفرغتم من

أعماله وفي أحد قولى الشافعي إذا رجعتم إلى أهليكم وقرئ وسبعة بالنصب عطفا على محل ثلاثة أيام

تلك عشرة فذلكة الحساب وفائدتها أن لا يتوهم أن الواو بمعنى أو كما في قولك جالس الحسن وابن سيرين وأن يعلم العدد جملة كما علم تفصيلا فإن أكثر العرب لا يعرف الحساب وأن المراد بالسبعة هو العدد المخصوص دون الكثرة كما يراد بها ذلك ايضا

كاملة صفة مؤكدة لعشرة تفيد المبالغة في المحافظة على العدد أو مبينة لكمال العشرة فإنها أول عدد كامل إذ به ينتهي الآحاد ويتم مراتبها أو مقيدة تفيد كمال بدليتها من الهدى

ذلك إشارة الى التمتع عندنا والى الحكم المذكور عند الشافعي

لمن لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام وهو من كان من الحرم على مسافة القصر عند الشافعي ومن كان مسكنه وراء الميقات عندنا وأهل الحل عند طاوس وغير أهل مكة عند مالك

واتقوا اللّه في المحافظة على اوامره ونواهيه لا سيما في الحج

واعلموا أن اللّه شديد العقاب لمن لم يتقه كي يصدكم العلم به عن العصيان وإظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لتربية المهابة وإدخال الروعة

﴿ ١٩٦