٢٥٨ ألم تر إلى الذى حاج إبراهيم في ربه استشهاد على ما ذكر من أن الكفرة أولياؤهم الطاغوت وتقرير له على طريقة قوله تعالى ألم تر أنهم في كل واد يهيمون كما أن ما بعده استشهاد على ولايته تعالى للمؤمنين وتقرير لها وإنما بدىء بهذا الرعاية الأقتران بينه وبين مدلوله ولاستقلاله بأمر عجيب حقيق بان يصدر به المقال وهو اجتراؤه على المحاجة في اللّه عزوجل وما اتى بها في اثنائها من العظيمة المنادية بكمال حماقته ولأن فيما بعده تعددا وتفصيلا يورث تقديمه انتشار النظم على انه قد اشير في تضاعيفه الى هداية اللّه تعالى ايضا بواسطة ابراهيم عليه السلام فان ما يحكى عنه من الدعوة الى الحق وادحاض حجة الكفار من آثار ولايته تعالى وهمزة الإستفهام لإنكار النفي وتقرير المنفي أي ألم تنظر أو الم ينته علمك الى هذا الطاغوت المارد كيف تصدى لإضلال الناس وإخراجهم من النور إلى الظلمات أي قد تحققت الرؤيه وتقررت بناء على أن أمره من الظهور بحيث لا يكاد يخفي على احد ممن له حظ من الخطاب فظهر أن الكفرة أولئك الطاغوت وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام تشريف له وإيذان بتأييده في المحاجة أن آتاه اللّه الملك أي لأن آتاه إياه حيث أبطره ذلك وحمله على المحاجة أو حاجة لأجله وضعا للمحاجة التي هي أقبح وجوه الكفر موضع ما يجب عليه من الشكر كما يقال عاديتني لأن أحسنت إليك أو وقت أن آتاه اللّه وهو حجة على من منع إيتاء اللّه الملك للكافر إذ قال إبراهيم ظرف لحاج أو بدل من آتاه على الوجه الأخير ربي الذي يحيي ويميت بفتح ياء ربي وقرئ بحذفها روى أنه لما كسر الأصنام سجنه ثم أخرجه فقال من ربك الذي تدعو إليه قال ربي الذي يحيي ويميت أي يخلق الحياة والموت في الأجساد قال أستئناف مبني على السؤال كأنه قيل كيف حاجة في هذه المقالة القوية الحقة فقيل قال أنا أحي وأميت روى أنه دعا برجلين فقتل أحد هما وأطلق الآخر فقال ذلك قال إبراهيم استئناف كما سلف كأنه قيل فماذا قال إبراهيم لمن في هذه المرتبة من الحماقة وبماذا أفحمه فقيل قال فإن اللّه يأتي بالشمس من المشرق حسبما تقتضيه مشيئته فأت بها من المغرب إن كنت قادراعلى مثل مقدور اته تعالى لم يلتفت عليه السلام إلىإبطال مقالة اللعين إيذانا بأن بطلانها من الجلاء والظهور بحيث لا يكاد يخفي على أحد وأن التصدي لإبطالها من قبيل السعى في تحصيل الحاصل و أتى بمثال لا يجد اللعين فيه مجالا للتمويه والتلبيس فبهت الذي كفر أي صار مبهوتا وقرئ على بناء الفاعل على أن الموصول مفعوله أي فغلب إبراهيم الكافر وأسكته وإيراد الكفر في حيز الصلة للإشعار بعلة الحكم والتنصيص على كون المحاجة كفرا واللّه لا يهدي القوم الظالمين تذبيل مقرر لمضمون ما قبله أي لا يهدي الذين ظلموا أنفسهم بتعريضها للعذاب المخلد بسبب إعراضهم عن قبول الهداية إلى مناهج الأستدلال أو إلى سبيل النجاة أو إلى طريق الجنة يوم القيامة |
﴿ ٢٥٨ ﴾