٢٥٩

أو كالذي مر على قرية أستشهاد على ما ذكر من ولايته تعالى للمؤمنين وتقرير له معطوف على الموصول السابق وإيثار أو الفارقة على الواو الجامعة للاحتراز عن توهم أتحاد المستشهد عليه من أول الامر والكاف إما اسمية كما اختاره قوم جيئ بها للتنبيه على تعدد الشواهد وعدم انحصارها فيما ذكر كما في قولك الفعل الماضي مثل نصر

وأما زائده كما ارتضاه آخرون والمعنى اولم ترى الى مثل الذي أو الى الذي مر على قرية كيف هداه اللّه تعالى واخرجه من ظلمة الإشتباه الى نور العيان والشهود اى قد رأيت ذلك وشاهدت فإذن لا ريب في ان اللّه ولي الذين آمنوا الخ هذا

وأما جعل الهمزة لمجرد التعجيب على ان يكون المعنى في الأول الم تنظر الى الذي حاج الخ أي انظر اليه وتعجب من امره وفي الثاني أو ارأيت مثل الذي مر الخ آيذانا بأن حاله وما جرى عليه في الغرابه بحيث لا يرى له مثل كما استقر عليه رأى الجمهور فغير خليق بجزالة التنزيل وفخامة شأنه الجليل فتدبر والمار هو عزير بن شرخيا قاله قتادة والربيع وعكرمة وناجية بن كعب وسليمان بن يزيد والضحاك والسدى رضي اللّه عنهم

وقيل هو أرميا بن حلقيا من سبط هرون عليه السلام قاله وهب وعبيد اللّه بن عمير

وقيل ارميا هو الخضر بعينه قال مجاهد كان المار رجلا كافرا بالبعث وهو بعيد والقرية بيت المقدس قاله وهب وعكرمة والربيع

وقيل هي دير هرقل على شط دجلة قال الكلبي هي دير سابر آباد وقال السدي هي ديار سلما باد و الأول هو الاظهر والاشهر روى ان بني إسرائيل لما بالغوا في تعاطي الشر والفساد وجاوزوا في العتو والطغيان كل حد معتاد سلط اللّه تعالى عليهم بختنصر البابلي فسار إليهم في ستمائة ألف راية حتى وطئ الشام وخرب بيت المقدس وجعل بني إسرائيل أثلاثا ثلث منهم قتلهم وثلث منهم أقرهم بالشام وثلث منهم سباهم وكانوا مائة ألف غلام يافع وغير يافع فقسمهم بين الملوك الذين كانوا معه فأصاب كل ملك منهم اربعه غلمة وكان عزير من جملتهم فلما نجاه اللّه تعالى منهم بعد حين مر بحماره على بيت المقدس فرآه على افظع مرأى وأوحش منظر وذلك قوله عزوجل

وهى خاويه على عروشها أي ساقطة على سقوفها بأن سقطت العروش ثم الحيطان من خوى البيت اذا سقط أو من خوت الأرض اى تهدمت والجمله حال من ضمير مر أومن قرية عند من يجوز الحال من النكرة مطلقا

قال اى تلهفا عليها وتشوقا الى عمارتها مع استشعار اليأس عنها

أنى يحيى هذه اللّه وهي على مايرى من الحالة العجيبة المباينة للحياة وتقديمها على الفاعل للاعتناء بها من حيث أن الاستعباد ناشىء من جهتها لامن جهة الفاعل وأني نصب على الظرفية إن كانت بمعنى متى وعلىالحالية من هذه إن كانت بمعنى كيف والعامل يحيي وايا ما كان فالمراد استبعاد عمارتها بالبناء والسكان من بقايا اهلها الذين تفرقوا ايدى سبأ ومن غيرهم وانما عبر عنها بالإحياء الذى هو علم في البعد عن الوقوع عادة تهويلا للخطاب وتأكيدا للاستبعاد كما انه لأجله عبر عن خرابها بالموت حيث قيل

بعد موتها وحيث كان هذا التعبير معربا عن استبعاد الإحياء بعد الموت على أبلغ وجه وآكده أراه اللّه عز و جل آثر ذى أثير أبعد الأمرين فى نفسه ثم في غيره ثم أراه ما استبعده صريحا مبالغة في إزاحة ما عسى يختلج في خلده

وأما حمل إحيائها على إحياء أهلها فيأباه التعرض لحال القرية دون حالهم والاقتصار على ذكر موتهم دون كونهم ترابا وعظاما مع كونه أدخل في الاستبعاد لشدة مباينته للحياة وغاية بعده عن قبولها على أنه لم تتعلق إرادته تعالى بإحيائهم كما تعلقت بعمارتها ومعايية المار لها كما ستحيط به خبرا

فأماته اللّه وألبثه على الموت

مائة عام روى أنه لما دخل القرية ربط حماره فطاف بها ولم ير بها أحدا فقال ماقال وكانت أشجارها قد أثمرت فتناول من التين والعنب وشرب من عصيره ونام فأماته اللّه تعالى في منامه وهو شاب وأمات حماره وبقية تينه وعنبه وعصيره عنده ثم أعمى اللّه تعالى عنه عيون المخلوقات فلم يره أحد فلما مضى من موته سبعون سنه وجه اللّه عز وعلا ملكا عظيما من ملوك فارس يقال له يوشك إلى بيت المقدس ليعمره ومعه ألف قهرمان ثلثمائة ألف عامل فجعلوا يعمرونه واهلك اللّه تعالى بخت نصر ببعوضه دخلت دماغه ونجى اللّه تعالى من بقي من بني إسرائيل وردهم إلى بيت المقدس وتراجع إليه من تفرق منهم في الأكناف فعمروه ثلاثين سنة وكثروا وكانوا كأحسن ما كانوا عليه فلما تمت المائة من موت عزير أحياه اللّه تعالى وذلك قوله تعالى

ثم بعثه وإيثاره على أحياه للدلالة على سرعته وسهولة تأتيه على البارئ تعالى كأنه بعثه من النوم للإيذان بأنه اعاده كهيئته يوم موته عاقلا فاهما مستعدا للنظر والاستدلال

قال استئناف مبني على السؤال كأنه قيل فماذا قال له بعد بعثه فقيل قال

كم لبثت ليظهر له عجزة عن الإحاطة بشؤنه تعالى وأن إحيائه ليس بعد مدة يسيرة ربما يتوهم أنه هين في الجملة بل بعد مدة طويلة وينحسم به مادة استبعاده بالمرة ويطلع في تضاعيفه على امر آخر من بدائع آثار قدرته تعالى وهو إبقاء الغذاء المتسارع إلى الفساد بالطبع على ما كان عليه دهرا طويلا من غير تغير ما وكم نصب على الظرفية مميزها محذوف أي كم وقتا لبثت والقائل هو اللّه تعالى أو ملك مأمور بذلك من قبله تعالى قيل نودى من السماء يا عزير كم لبثت بعد الموت

قال لبثت يوما أو بعض يوم قاله بناء على التقريب والتخمين أو استقصارا لمدة لبثه

وأما ما يقال من أنه مات ضحي وبعث بعد المائة قبيل الغروب فقال قبل النظر إلى الشمس يوما فالتفت إليها فراى منها بقية فقال أو بعض يوم على وجه الإضراب فبمعزل من التحقيق إذ لاوجه للجزم بتمام اليوم ولو بناء على حسبان الغروب لتحقق النقصان من أوله

قال استئناف كما سلف

بل لبثت مائة عام عطف على مقدر أي ما لبثت ذلك القدر بل هذا المقدار

فانظر لتعاين أمرا آخر من دلائل قدرتنا

الى طعامك وشرابك لم يتسنه اى لم يتغير في هذه المدة المتطاوله مع تداعيه الى الفساد روى انه وجد تينه وعنبه كما جنى وعصيره كما عصر والجمله المنفيه حال بغير واو كقوله تعالى لم يمسسهم سوء اما من الطعام والشراب وافراد الضمير لجريانهما مجرى الواحد كالغذاء

وأما من الأخير اكتفاء بدلاله حاله على حال الأول ويؤيده قراءة من قرأ وهذا شرابك لم يتسنه والهاء اصليه أو هاء سكت واشتقاقه من السنه لما ان لامها هاء أو واو

وقيل أصله لم يتسنن من الحما المسنون فقلبت نونه حرف علة كما في تقضي البازي وقد جوز أن يكون معنى لم يتسنه لم يمر عليه السنون التي مرت لا حقيقة بل تشبيها أي هو على حاله كأنه لم يلبث مائة عام وقرئ لم يسنه بإدغام التاء في السين

وانظر إلى حمارك كيف نخرت عظامه وتفرقت وتقطعت أوصاله وتمزقت ليتبين لك ماذكر من اللبث المديد وتطمئن به نفسك وقوله عز و جل

ولنجعلك آية للناس عطف على مقدر متعلق بفعل مقدر قبله بطريق الاستئناف مقرر لمضمون ما سبق أي فعلنا ما فعلنا من إحيائك بعد ما ذكر لتعاين ما استبعدته من الإحياء بعد دهر طويل ولنجعلك آية للناس الموجودين في هذا القرن بأن يشاهدوك وأنت من أهل القرون الخالية ويأخذوا منك ما طوى عنهم منذ أحقاب من علم التوراة كما سيأتي أو متعلق بفعل مقدر بعده أي ولنجعلك آية لهم على الوجه المذكور فعلنا ما فعلنا فهو على التقديرين دليل على ما ذكر من اللبث المديد ولذلك فرق بينه وبين الأمر بالنظر إلى حماره وتكرير الأمر في قوله تعالى

وانظر إلى العظام مع أن المراد عظام الحمار أيضا لما أن المأمور به أولا هو النظر إليها من حيث دلالتها على ما ذكر من اللبث المديد وثانيا هو النظر إليها من حيث تعتريها الحياة ومباديها أي وانظر إلى عظام الحمار لتشاهد كيفية الإحياء في غيرك بعد ما شاهدت نفسه في نفسك

كيف ننشزها بالزاي المعجمة أي نرفع بعضها إلى بعض ويردها إلى أما كنها من الجسد فتركبها تركيبا لأئقا بها وقال الكسائي نليها ونعظمها ولعل من فسره بنحييها أراد بالإحياء هذا المعنى وكذا من قرأ ننشرها بالراء من أنشر اللّه تعالى الموتى أي أحياها لا معناه الحقيقي لقوله تعالى

ثم نكسوها لحما أي نسترها به كما يستر الجسد باللباس

وأما من قرأ ننشرها بفتح النون وضم الشين فلعله أراد به ضد الطى كما قال الفراء فالمعنى كيف نبسطها والجملة إما حال من العظام أي وانظر إليها مركبة مكسوة لحما أو بدل اشتمال أي وانظر إلى العظام كيفية إنشازها وبسط اللحم عليها ولعل عدم التعرض لكيفية نفخ الروح لما أنها مما لا تقتضى الحكمة بيانه روى أنه نودى أيتها العظام البالية إن اللّه يأمرك يامرك أن تجتمعي فاجتمع كل جزء من أجزائها التي ذهب بها الطير والسباع وطارت بها الرياح من كل سهل وجبل فانظح بعضها إلى بعض والتصق كل عضو بما يليق به الضلع بالضلع والذراع بمحلها والرأس بموضعها ثم الأعصاب والعروق ثم انبسط عليه اللحم

ثم الجلد ثم خرجت منه الشعور ثم نفخ فيه الروح فإذا هو قائم ينهق

فلما تبين له أي ما دل عليه الأمر بالنظر إليه من كيفية الأحياء بمبادية والفاء للعطف على مقدر يستدعيه الأمر المذكور وإنما حذف للإيذان بظهور تحققه واستغنائه عن الذكر وللإشعار بسرعة وقوعه كما في قوله عز و جل فلما رآه مستقرا عنده بعد قوله أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك كأنه قيل فأنشزها اللّه تعالى وكساها لحما فنظر إليها فتبين له كيفيته فلما تبين له ذلك أي اتضح اتضاحا تاما

قال أعلم أن اللّه على كل شئ من الأشياء التي من جملتها ما شاهده في نفسه وفي غيره من تعاجيب الآثار

قدير لا يستعصى عليه أمر من الأمور وإيثار صيغة المضارع للدلالة على أن علمه بذلك مستمر نظرا إلى ان أصله لم يتغير ولم يتبدل بل إنما تبدل بالعيان وصفة إشعار بأنه إنما قال ما قال بناء على الاستبعاد العادي واستعظاما للأمر وقد قيل فاعل تبين مضمر يفسره مفعول أعلم أي فلما تبين له ان اللّه على كل شئ قدير قال أعلم أن اللّه على كل شئ قدير فتدبر وقرئ تبين له على صيغة المجهول وقرئ قال اعلم على صيغة الأمر روى أنه ركب حمارة واتى محلته وأنكره الناس وأنكر الناس وأنكر المنازل فانطلق على وهم منه حتى أتى منزلة فإذا هو بعجوز عمياء مقعدة قد أدركت زمن عزيز فقال لها عزيز يا هذه هذا منزل عزيز قالت نعم وأين ذكرى عزير قد فقدناه منذ كذا وكذا فبكت بكاء شديدا قال فإني عزير قالت سبحان اللّه اني يكون ذلك قال قد أماتني اللّه مائة عام ثم بعثني قالت إن عزيزا كان مستجاب الدعوة فادع اللّه لي يرد على بصري حتى أراك فدعا ربه ومسح بيده عينيها فصحتا فأخذ بيدها فقال لها قومى بإذن اللّه فقامت صحيحة كأنها نشطت من عقال فنظرت إليه فقالت أشهد أنك عزير فانطلقت إلى محلة بنى إسرائيل وهم في أنديتهم وكان في المجلس ابن لعزير قد بلغ مائة وثماني عشرة سنة وبنو بنيه شيوخ فنادت هذا عزير قد جاءكم فكذبوها فقالت انظروا فإني بدعائه رجعت إلى هذه الحالة فنهض الناس فأقبلوا إليه فقال ابنه كان لأبي شامة سوداء بين كتفيه مثل الهلال فكسف فإذا هو كذلك وقد كان قتل بخت نصر ببيت المقدس من قراء التوراة أربعين ألف رجل ولم يكن يومئذ بينهم نسخة من التوراة ولا أحد يعرف التوراة فقرأها عليهم عن ظهر قلبه من غير أن يخرم منها حرفا فقال رجل من أولاد المسبيين ممن ورد بيت المقدس بعد مهلك بخت نصر حدثنى أبي عن جدى أنه دفن التوراة يوم سبينا في خابية في كرم فإن أريتموني كرم جدي أخرجتها لكم فذهبوا إلى كرم جده ففتشوا فوجدوها فعارضوها بما أملى عليهم عزيز عن ظهر القلب فما اختلفا في حرف واحد فعند ذلك قالوا هو ابن اللّه تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا

﴿ ٢٥٩