٢٦٠ وإذ قال إبراهيم دليل آخر على ولايته تعالى للمؤمنين وإخراجه لهم من الظلمات إلى النور وإنما لم يسلك به مسلك الاستشهاد كما قبله بأن يقال أو كالذي قال رب الخ لجريان ذكره عليه السلام في أثناء المحاجة ولأنه لادخل لنفسه عليه السلام في أصل الدليل كدأب عزير عليه السلام فإن ما جرى عليه من إحيائه بعد مائة عام من جملة الشواهد على قدرته تعالى وهدايته والظرف منتصب بمضمر صرح بمثله في نحو قوله تعالى واذكروا إذ جعلنكم خلفاء أي واذكر وقت قوله عليه السلام وما وقع حينئذ من تعاجيب صنع اللّه تعالى لتقف على ما مر من ولايته تعالى وهدايته وتوجيه الأمر بالذكر في أمثال هذه المواقع إلى الوقت دون ما وقع فيه من الواقعات مع أنها المقصودة بالتذكير لما ذكر غير مرة من المبالغة في أيجاب ذكرها لما ان إيجاب ذكر الوقت إيجاب لذكر ما وقع فيه بالطريق البرهاني ولأن الوقت مشتمل عليها مفصلة فإذا استحضر كانت حاضرة بتفاصيلها بحيث لا يشذ عنها شئ مما ذكر عند الحكاية أو لم يذكر كأنها مشاهدة عيانا رب كلمة استعطاف قدمت بين يدى الدعاء مبالغة في استدعاء الإجابة أرني من الرؤية البصرية المتعدية إلى واحد وبدخول همزة النقل طلبت مفعولا آخر هو الجملة الاستفهامية المعلقة لها فإنها تعلق كما يعلق النظر البصري أي اجعلنى مبصرا كيف تحي الموتى بان تحييها وأنا أنظر إليها وكيف في محل نصب على التشبيه بالظرف عند سيبوية وبالحال عند الأخفش والعامل فيها تحيى أي في أي حال أو على أي حال تحيى قال القرطبي الاستفهام بكيف إنما هو سؤال عن حال شئ متقرر الوجود عند السائل والمسئول فالاستفهام ههنا عن هيئة الإحياء المتقرر عند السائل أي بصرني كيفية إحيائك للموتى وإنما سأله عليه السلام ليتأيد إيقانه بالعيان ويزداد قلبه اطمئنانا على اطمئنان وأما ما قيل من أن نمرود لما قال أنا أحي وأميت قال إبراهيم عليه السلام إن إحياء اللّه تعالى برد الأرواح إلى الأجساد فقال نمرود هل عاينته فلم يقدر على أن يقول نعم فانتقل إلى تقرير آخر ثم سأل ربه أن يريه ذلك فيأباه تعليل السؤال بالاطمئنان قال استئناف كما مر غير مرة أولم تؤمن عطف على مقدر أي ألم تعلم ولم تؤمن بأنى قادر على الإحياء كيف أشاء حتى تسألنى إراءته قاله عز وعلا وهو أعلم بأنه عليه السلام أثبت الناس إيمانا وأقواهم يقينا ليجيب بما أجاب به فيكون ذلك لطفا للسامعين قال بلى علمت وآمنت بانك قادر على الإحياء على أي كيفية شئت ولكن سألت ما سألت ليطمئن قلبي بمضامة العيان إلى الإيمان والإيقان وأزداد بصيرة بمشاهدته على كيفية معينة قال فخذ الفاء لجواب شرط محذوف أي إن أردت ذلك فخذ أربعة من الطير قيل هو اسم لجمع طائر كركب وسفر وقيل جمع له كتاجر وتجر وقيل هو مصدر سمى به الجنس وقيل هو تخفيف طير بمعنى طائر كهين في هين ومن متعلقة بخذ أو بمحذوف وقع صفة لأربعة أي أربعة كائنة من الطير قيل هي طاوس وديك وغراب وحمامة وقيل نسر بدل الأخير وتخصيص الطير بذلك لأنه أقرب إلى الإنسان وأجمع لخواص الحيوان ولسهولة تأتى ما يفعل به من التجزئة والتفريق وغير ذلك فصرهن من صاره يصوره أي أماله وقرئ بكسر الصاد من صاره يصيره أي أملهن واضممهن وقرئ فصرهن بضم الصاد وكسرها وتشديد الراء من صرة ويصره إذا جمعه وقرئ فصرهن من التصرية بمعنى الجمع أي اجمعهن إليك لتتأملها وتعرف شياتها مفصلة حتى تعلم بعد الإحياء ان جزءا من أجزائها لم ينتقل من موضعه الأول أصلا روى انه أمر بان يذبحها وينتف ريشها ويقطعها ويفرق أجزاءها ويخلط ريشها ودماءها ولحومها ويمسك رءوسها ثم امر بأن يجعل أجزاءها على الجبال وذلك قوله تعالى ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا أي جزئهن وفرق أجزاءهن على ما بحضرتك من الجبال قيل كانت أربعة أجبل وقيل سبعة فجعل على كل جبل ربعا أوسبعا من كل طائر وقرئ جزؤا بضمتين وجزا بالتشديد بطرح همزته تخفيفا ثم تشديده عند الوقف ثم إجراء الوصل مجرى الوقف ثم ادعهن يأتينك في حيز الجزم على أنه جواب الأمر ولكنه بنى لاتصاله بنون جمع مؤنث سعيا أي ساعيات مسرعات أو ذوات سعى طيرانا أو مشيا وإنما اقتصر على حكاية أوامره عز و جل من غير تعرض لامتثاله عليه السلام ولا لما ترتب عليه من عجائب آثار قدرته تعالى كما روى انه عليه السلام نادى فقال تعالين بإذن للّه فجعل كل جزء منهن يطير إلى صاحبة حتى صارت جثثا ثم اقبلن إلى رءوسهن فانضمت كل جثة إلى رأسها فعادت كل واحدة منهن إلى ما كانت عليه من الهيئة للإيذان بان ترتب تلك الأمور على الأوامر الجليلة واستحالة تخلفها عنها من الجلاء والظهور بحيث لا حاجة له إلى الذكر أصلا وناهيك بالقصة دليلا على فضل الخليل ويمن الضرعة في الدعاء وحسن الأدب في السؤال حيث أراه اللّه تعالى ما سأله في الحال على ايسر ما يكون من الوجوه وأرى عزيرا ما أراه بعد ما أماته مائة عام واعلم ان اللّه عزيز غالب على أمره لا يعجزه شئ عما يريده حكيم ذو حكمة بالغة في أفاعيله فليس بناء أفعاله على الأسباب العادية لعجزه عن إيجادها بطريق آخر خارق للعادات بل لكونه متضمنا للحكم والمصالح |
﴿ ٢٦٠ ﴾