١٣ قد كان لكم جواب قسم محذوف وهو من تمام القول المأمور به جيء به لتقرير مضمون ما قبله وتحقيقه والخطاب لليهود أيضا والظرف خبر كان على أنها ناقصة ولتوسطه بينها وبين اسمها ترك التأنيت كما في قوله ... إن امرأ غره منكن واحدة ... بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور ... على ان التأنيث ههنا غير حقيقي أو هو متعلق بكان على أنها تامة وإنما قدم على فاعلها لما مر مرارا من الأعتناء بما قدم والتشويق إلى ما أخر أي واللّه قد كان لكم أيها المغترون بعددهم وعددهم آية عظيمة دالة على صدق ما أقول لكم إنكم ستغلبون في فئتين أي فرقتين أو جماعتين فإن المغلوبة منهما كانت مدلة بكثرتها معجبة بعزتها وقد لقيها ما لقيها فسيصيبكم ما يصيبكم ومحل الظرف الرفع على أنه صفة لآية وقيل النصب على خبرية كان والظرف الأول متعلق بمحذوف وقع حالا من آية التقتا في حيز الجر على أنه صفة فئتين أي تلاقتا بالقتال يوم بدر فئة بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي إحداهما فئة كما في قوله ... إذا مت كان الناس حزبين شامت ... وآخر مثن بالذي كنت أصنع ... أي أحدهما شامت والآخر مثن وقوله ... حتى إذا ما استقل النجم في غلس ... وغودر البقل ملوي ومحصود ... والجملة مع ما عطف عليها مستأنفة لتقرير ما في الفئتين من الآية وقوله تعالى تقاتل في سبيل اللّه في محل الرفع على أنه صفة فئة كاملة كأنه قيل فئة مؤمنة ولكن ذكر مكانه من أحكام الإيمان ما يليق بالمقام مدحا لهم واعتدادا بقتالهم وإيذانا بأنه المدار في تحقق الآية وهي رؤية القليل كثيرا وقرئ يقاتل على تأول الفئة بالقوم أو الفريق وأخرى نعت لمبتدأ محذوف معطوف على ما حذف من الجملة الأولى أي وفئة أخرى وإنما نكرت والقياس تعريفها كقرينتها لوضوح أن التفريق لنفس المثنى المقدم ذكره وعدم الحاجة إلى التعريف وقوله تعالى كافرة خبر المبتدأ المحذوف وإنما لم توصف هذه الفئة بما يقابل صفة الفئة الأولى إسقاطا لقتالهم عن درجة الأعتبار وإيذانا بأنهم لم يتصدوا للقتال لما اعتراهم من الرعب والهيبة وقيل كل من المتعاطفين بدل من الضمير في التقتا وما بعدهما صفة فلا بد من ضمير محذوف عائد إلى المبدل منه مسوغ لوصف البدل بالجملة العارية عن ضميره أي فئة منهما تقاتل الخ وفئة أخرى كافرة ويجوز ان يكون كل منهما مبتدأ وما بعدهما خبرا أي فئة منهما تقاتل الخ وفئة أخرى كافرة وقيل كل منهما مبتدأ محذوف الخبر أي منهما فئة تقاتل الخ وقرئ فئة بالجر على البدلية من فئتين بدل بعض من كل وقد مر أنه لا بد من ضمير عائد إلى المبدل منه ويسمى بدلا تفصيليا كما في قول كثير عزة ... وكنت كذي رجلين رجل صحيحة ... ورجل رمى فيها الزمان فشلت ... وقرئ فئة الخ بالنصب على المدح أو الذم أو على الحالية من ضمير التقتا كأنه قيل التقتا مؤمنة وكافرة فيكون فئة وأخرى توطئة لما هو الحال حقيقة إذ المقصود بالذكر وصفاهما كما في قولك جاءني زيد رجلا صالحا يرونهم أي يرى الفئة الأخيرة الفئة الأولى وإيثار صيغة الجمع للدلالة على شمول الرؤية لكل واحد واحد من آحاد الفئة والجملة في محل الرفع على أنها صفة للفئة الأخيرة أو مستأنفة مبينة لكيفية الآية مثليهم أي مثلي عدد الرائين قريبا من ألفين إذ كانوا قريبا من ألف كانوا تسعمائة وخمسين مقاتلا رأسهم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وفيهم أبو سفيان وأبو جهل وكان فيهم من الخيل والإبل مائة فرس وسبعمائة بعير ومن أصناف الأسلحة عدد لا يحصى عن محمد بن أبي الفرات عن سعد بن أوس أنه قال اسر المشركون رجلا من المسلمين فسألوه كم كنتم قال ثلثمائة وبضعة عشر قالوا ما كنا نراكم إلا تضعفون علينا أو مثلي عدد المرئيين أي ستمائة ونيفا وعشرين حيث كانوا ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا سبعة وسبعون رجلا من المهاجرين وما ئتان وستة وثلاثون من الأنصار رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين وكان صاحب راية رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم والمهاجرين علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة الخزرجي وكان في العسكر تسعون بعيرا وفرسان أحدهما للمقداد بن عمرو والآخر لمرثد بن أبي مرثد وست أدرع وثمانية سيوف وجميع من استشهد يومئذ من المسلمين أربعة عشر رجلا ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين أراهم اللّه عز و جل كذلك مع قلتهم ليهابوهم ويجبنوا عن قتالهم مددا لهم منه سبحانه كما أمدهم بالملائكة عليهم السلام وكان ذلك عند التقاء الفئتين بعد أن قللّهم في أعينهم عند ترائيهما ليجترئوا عليهم ولا يهربوا من أول الأمر حين ينجيهم الهرب وقيل يرى الفئة الأولى الفئة الأخيرة مثلي أنفسهم مع كونهم ثلاثة أمثالهم ليثبتوا ويطمئنوا بالنصر الموعود في قوله تعالى فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا ما ئتين والأول هو الأولى لأن رؤية المثلين غير المتعينة من جانب المؤمنين بل قد وقعت رؤية المثل بل أقل منه أيضا فإنه روى أن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال قد نظرنا الى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلا واحدا ثم قللّهم اللّه تعالى أيضا في أعينهم حتى رأتهم عددا يسيرا أقل من أنفسهم قال ابن مسعود رضي اللّه عنه لقد قللوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي تراهم سبعين قال أراهم مائة فأسرنا منهم رجلا فقلنا كم كنتم قال الفا فلو أريد رؤية المؤمنين المشركين أقل من عددهم في نفس الأمر كما في سورة الأنفال لكانت رؤيتهم إياهم أقل من أنفسهم أحق بالذكر في كونها آية من رؤيتهم مثليهم على أن إبانة آثار قدرة اللّه تعالى وحكمته للكفرة بإراءتهم القليل كثيرا والضعيف قويا وإلقاء الرعب في قلوبهم بسبب ذلك أدخل في كونها آية لهم وحجة عليهم وأقرب الى اعتراف المخاطبين بذلك لكثرة مخالطتهم الكفرة المشاهدين للحال وكذا تعلق الفعل بالفاعل أشد من تعلقه بالمفعول فجعل أقرب المذكورين السابقين فاعلا وابعدهما مفعولا سواء جعل الجملة صفة أو مستأنفة أولى من العكس هذا ما تقتضيه جزالة التنزيل على قراءة الجمهور ولا ينبغي جعل الخطاب لمشركي مكة كما قيل أما إن جعل الوعيد عبارة عن هزيمة بدر كما صرحوا به فظاهر لا سترة به وأما إن جعل عبارة عن هزيمة أخرى فلأن الفئة التي شاهدت تلك الآية الهائلة هم المخاطبون حينئذ فالتعبير عنهم بفئة مبهمة تارة وموصوفة أخرى ثم إسناد المشاهدة إليها مع كون إسنادها إلى المخاطبين أوقع في إلزام الحجة وأدخل في التبكيت مما لا داعي إليه وبهذا يتبين حال جعل الخطاب الثاني للمؤمنين وأما قراءة ترونهم بتاء الخطاب فظاهرها وإن اقتضى توجيه الخطاب الثاني الى المشركين لكنه ليس بنص في ذلك لأنه وإن اندفع به المحذور الأخير فالأول باق بحاله فلعل رؤية المشركين نزلت منزلة رؤية اليهود لما بينهم من الإتحاد في الكفر والأتفاق في الكلمة لاسيما بعد ما وقع بينهم بواسطة كعب بن الأشرف من العهد والميثاق فأسندت الرؤية إليهم مبالغة في البيان وتحقيقا لعروض مثل تلك الحالة لهم فتدبر وقيل المراد جميع الكفرة ولا ريب في صحته وسداده وقرئ يرونهم وترونهم على البناء للمفعول من الأرادة أي يريهم أو يريكم اللّه تعالى كذلك رأي العين مصدر مؤكد ليرونهم إن كانت الرؤية بصرية أو مصدر تشبيهى إن كانت قلبية أي رؤية ظاهرة مكشوفة جارية مجرى رؤية العين واللّه يؤيد أي يقوى بنصره من يشاء أن يؤيده من غير توسيط الأسباب العادية كما أيد الفئة المقاتلة في سبيله بما ذكر من النصر وهو من تمام القول المأمور به إن في ذلك إشارة إلى ما ذكر من رؤية القليل كثيرا المستتبعة لغلبة القليل العديم العدة على الكثير الشاكي السلاح وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلة المشار إليه في الفضل لعبرة العبرة فعلة من العبور كالركبة من الركوب والجلسة من الجلوس والمراد بها الاتعاظ فإنه نوع من العبور أي لعبرة عظيمة كائنة لأولى الأبصار لذوي العقول والبصائر وقيل لمن أبصرهم وهو إما من تمام الكلام الداخل تحت القول مقرر لما قبله بطريق التذييل وأما وارد من جهته تعالى تصديقا لمقالته عليه الصلاة و السلام |
﴿ ١٣ ﴾