٣٥

إذ قالت امرأة عمران في حيز النصب على المفعولية بفعل مقدر على طريقة الاستئناف لتقرير اصطفاء آل عمران وبيان كيفيته أي اذكر لهم وقت قولها و مر مرارا وجه توجيه التذكير الى الاوقات مع أن المقصود تذكير ما وقع فيها من الحوادث

وقيل هو منصوب على الظرفية لما قبله أي سميع لقولها المحكى عليم بضميرها المنوى

وقيل هو ظرف لمعنى الاصطفاء المدلول عليه باصطفى المذكور كأنه قيل واصطفى آل عمران إذ قالت الخ فكان من عطف الجمل على الجمل دون عطف المفردات على المفردات ليلزم كون اصطفاء الكل في ذلك الوقت وامرأة عمران هي حنة بنت فاقوذا جدة عيسى عليه الصلاة و السلام وكانت لعمران بن يصهر بنت اسهما مريم اكبر من موسى وهرون عليهما الصلاة والسلام فظن ان المراد زوجته وليس بذاك فإن قضية كفالة زكريا عليه الصلاة و السلام قاضية بأنها زوجة عمران بن ماثان لأنه عليه الصلاة و السلام كان معاصرا له وقد تزوج إيشاع أخت حنة أم يحيى علية الصلاة والسلام

وأما قوله عليه الصلاة و السلام في شأن يحيى وعيسى عليهما الصلاة والسلام هما ابنا خالة فقيل تأويله أن الأخت كثيرا ما تطلق على بنت الأخت وبهذا الاعتبار جعلهما عليهما الصلاة والسلام ابنى خالة

وقيل كانت إيشاع أخت حنة من الأم وأخت مريم من الأب على ان عمران نكح أولا أم حنة فولدت له أيشاع ثم نكح حنة بناء على حل نكاح الربائب في شريعتهم فولدت مريم فكانت أيشاع أخت مريم من الأب وخالتها من الأم لأنها أخت حنة من الأم روى أنها كانت عجوزا عاقرا فبينما هي ذات يوم في ظل شجرة أذ رأت طائرا يطعم فرخة خنت إلى الولد وتمنته وقالت اللّهم أن لك على نذر أن رزقتنى ولدا ان أتصدق به على بيت المقدس فيكون من سدنته وكان هذا النذر مشروعا عندهم في الغلمان ثم هلك عمران وهي حامل وحينئذ فقولها

رب إني نذرت لك ما في بطنى لا بد من حملة على التكرير لتأكيد نذرها وإخراجه عن صورة التعليق إلى هيئة التنجيز والتعرض لوصف الربوبية المنبئة عن إفاضة ما فيه صلاح المربوب مع الإضافة إلى ضميرها لتحريك سلسلة الإجابة ولذلك قيل إذا أراد العبد أن يستجاب له دعاؤه فليدع اللّه بما يناسبه من أسمائه وصفاته وتأكيدا الجملة لإبراز وفور الرغبة في مضمونها وتقديم الجار والمجرور لكمال الاعتناء به وإنما عبر عن الولد بما لإبهام أمره وقصوره عن درجة العقلاء

محررا أي معتقا لخدمة بيت المقدس لايشغله شأن آخر أو مخلصا للعبادة ونصبه على الحالية من الموصول فيه نذرت

وقيل من ضميره في الصلة والعامل معنى الاستقرار فإنها في قوة ما استقر في بطنى ولا يخفى أن المراد تقييد فعلها بالتحرير ليحصل به التقرب إليه تعالى لا تقييد مالا دخل لها فيه من الاستقرار في بطنها

فتقبل منى أي ما نذرته والتقبل أخذ الشئ على وجه الرضا وهذا في الحقيقة استدعاء للولد إذ لا يتصور القبول بدون تحقق المقبول بل للولد الذكر لعدم قبول الأنثى

أنك أنت السميع لجميع المسموعات التى من جملتها تضرعى ودعائي

العليم بكل المعلومات التي من زمرتها ما في ضميرى لاغير وهو تعليل لاستدعاء القبول لا من حيث أن كونه تعالى سميعا لدعائها عليما بما في ضميرها مصحح للتقبل في الجملة بل من حيث أن علمه تعالى بصحة نيتها وإخلاصها مستدع لذلك تفضلا وإحسانا وتأكيد الجملة لعرض قوة يقينها بمضمونها وقصر صفتى السمع والعلم عليه تعالى لعرض اختصاص دعائها به تعالى وانقطاع حبل رجائها عما عداه بالكلية مبالغة في الضراعة والابتهال

﴿ ٣٥