٣٧

فتقبلها أي أخذ مريم ورضي بها في النذر مكان الذكر ربها مالكها ومبلغها الى كمالها اللائق وفيه من تشريفها مالا يخفى

بقبول حسن قيل الباء زائدة والقبول مصدر مؤكد للفعل السابق بحذف الزوائد أي تقبلها قبولا حسنا وانما عدل عن الظاهر للإيذان بمقارنة التقبل لكمال الرضا وموافقته للعناية الذاتية فإن صيغة التفعل مشعرة بحسب أصل الوضع بالتكلف وكون الفعل على خلاف طبع الفاعل وان كان المراد بها في حقه تعالى ما يترتب عليه من كمال قوة الفعل وكثرته

وقيل القبول ما يقبل به الشيء كالسعوط واللدود لما يسعط به ويلد وهو اختصاصه تعالى اياها بإقامتها مقام الذكر في النذر ولم تقبل قبلها انثى أو بأن تسلمها من أمها عقيب الولادة قبل أن تنشأ وتصلح للسدانة روى أن حنة حين ولدتها لفتها في خرقة وحملتها الى المسجد ووضعتها عند الأحبار ابناء هارون وهم في بيت المقدس كالحجبة في الكعبة وقالت لهم دونكم هذه النذيرة فتنافسوا فيها لأنها كانت بنت امامهم وصاحب قربانهم فإن بني ماثان كانت رءوس بني اسرائيل وملوكهم

وقيل لأنهم وجدوا أمرها وأمر عيسى عليه الصلاة و السلام في الكتب الالهية فقال زكريا عليه الصلاة و السلام انا احق بها عندى خالتها فأبو الا القرعة وكانوا سبعة وعشرين فانطلقوا الى نهر فألقوا فيه اقلامهم فطفا قلم زكريا ورسبت اقلامهم فتكفلها

وقيل هو مصدر وفيه مضاف مقدر أي فتقبلها بذي قبول أي بأمر ذي قبول حسن

وقيل تقبل بمعنى استقبل كتقصى بمعنى استقصى وتعجل بمعنى استعجل أي استقبلها في أول أمرها حين ولدت بقبول حسن

وانبتها مجاز عن

تربيتها بما يصلحها في جميع أحوالها

نباتا حسنا مصدر مؤكد للفعل المذكور بحذف الزوائد

وقيل بل لفعل مضمر موافق له تقديره فنبتت نباتا حسنا

وكفلها زكريا أي جعله عليه الصلاة و السلام كافلا لها وضامنا لمصالحها قائما بتدبير أمورها لا على طريقة الوحي بل على ما ذكر من التفصيل فإن رغبته عليه الصلاة و السلام في كفالتها وطفو قلمه ورسوب اقلامهم وغير ذلك من الامور الجارية بينهم كلها من آثار قدرته تعالى وقرئ اكفلها وقرئ زكرياء بالنصب والمد وقرئ بتخفيف الفاء وكسرها ورفع زكرياء ممدودا وقرئ وتقبلها ربها وانبتها وكفلها على صيغة الامر في الكل ونصب ربها على الدعاء اى فاقبلها يا ربها وربها تربية حسنة واجعل زكريا كافلا لها فهو تعيين لجهة التربية قيل بنى عليه الصلاة و السلام لها محرابا في المسجد أي غرفة يصعد اليها بسلم

وقيل المحراب اشرف المجالس ومقدمها كأنها وضعت في اشرف موضع من بيت المقدس

وقيل كانت مساجدهم تسمى المحاريب روى أنه كان لا يدخل عليها الا هو وحده واذا خرج غلق عليها سبعة ابواب

كلما دخل عليها زكريا المحراب تقديم الظرف على الفاعل لإظهار كمال العناية بأمرها ونصب المحراب على التوسع وكلمه كلما ظرف على أن ما مصدرية والزمان محذوف أو نكرة موصوفة معناها الوقت والعائد محذوف والعامل فيها جوابها أي كل زمان دخوله عليها أو كل وقت دخل عليها فيه

وجد عندها رزقا أي نوعا منه غير معتاد اذ كان ينزل ذلك من الجنة وكان يجد عندها في الصيف فاكهة الشتاء وفي الشتاء فاكهة الصيف ولم ترضع ثديا قط

قال استئناف مبني على السؤال كأنه قيل فماذا قال زكريا عليه الصلاة و السلام عند مشاهدة هذه الآية فقيل قال

يا مريم انى لك هذا أي من اين يجيء لك هذا الذي لا يشبه ارزاق الدنيا والابواب مغلقة دونك وهو دليل على جواز الكرامة للأولياء ومن انكرها جعل هذا ارهاصا وتأسيسا لرسالة عيسى عليه الصلاة و السلام

وأما جعله معجزة لزكريا عليه الصلاة و السلام فيأباه اشتباه الامر عليه عليه السلام وانما خاطبها عليه الصلاة و السلام بذلك مع كونها بمعزل من رتبة الخطاب لما علم بما شاهده انها مؤيدة من عند اللّه بالعلم والقدرة

قالت استئناف كما قبله كأنه قيل فماذا صنعت مريم وهي صغيرة لا قدرة لها على فهم السؤال ورد الجواب فقيل قالت

هو من عند اللّه فلا تعجب ولا تستبعد

ان اللّه يرزق من يشاء ان يرزقه

بغير حساب أي بغير تقدير لكثرته أو بغير استحقاق تفضلا منه تعالى وهو تعليل لكونه من عند اللّه اما من تمام كلامهما فيكون في محل النصب

وأما من كلامه عز و جل فهو مستأنف روى أن فاطمة الزهراء رضي اللّه عنها اهدت الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رغيفين وبضعة لحم فرجع بها اليها فقال هلمي يا بنية فكشفت عن الطبق فإذا هو مملوء خبزا ولحما فقال لها اني لك هذا قالت هو من عند اللّه ان اللّه يرزق من يشاء بغير حساب فقال عليه الصلاة و السلام الحمد للّه الذي جعلك شبيهة بسيدة بني اسرائيل ثم جمع عليا والحسن والحسين وجميع اهل بيته رضوان اللّه عليهم أجمعين فأكلوا وشبعوا وبقى الطعام كما هو فأوسعت على جيرانها

﴿ ٣٧