٥٢

فلما أحس عيسى منهم الكفر شروع في بيان مآل

أحواله عليه السلام إثر ما أشير إلى طرف منها بطريق النقل عن الملائكة والفاء فصيحة تفصح عن تحقق جميع ما قالته الملائكة وخروجه من القوة إلى الفعل حسبما شرحته كما في قوله تعالى فلما رآه مستقرا عنده بعد قوله تعالى أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك كأنه قيل فحملته فولدته فكان كيت وكيت وقال ذيت وذيت وإنما لم يذكر اكتفاء بحكاية الملائكة وإيذانا بعدم الخلف وثقة بما فصل في المواضع الأخر

وأما عدم نظم بقية احواله عليه الصلاة السلام في سلك النقل فإما للإعتناء بأمرها أو لعدم مناسبتها لمقام البشارة لما فيها من ذكر مقاساته عليه الصلاة و السلام للشدائد ومعاناته للمكايد والمراد بالإحساس الإدراك القوي الجاري مجرى المشاهدة وبالكفر اصرارهم عليه وعتوهم ومكابرتهم فيه مع العزيمة على قتله عليه الصلاة و السلام كما ينبئ عنه الإحساس فإنه انما يستعمل في أمثال هذه المواقع عند كون متعلقه أمرا محذورا مكروها كما في قوله عز و جل فلما أحسوا بأسنا إذا هم منا يركضون وكلمة من متعلقة بأحس والضمير المجرور لبني إسرائيل أي ابتدأ الإحساس من جهتهم وتقديم الجار والمجرور على المفعول الصريح لما مر غير مرة من الإعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر

وقيل متعلقة بمحذوف وقع حالا من الكفر

قال أي لخص لأصحابه لا لجميع بني إسرائيل لقوله تعالى كما قال عيسى ابن مريم للحواريين الآية وقوله تعالى فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة ليس بنص في توجيه الخطاب إلى الكل بل يكفى فيه بلوغ الدعوة إليهم

من أنصاري الأنصار جمع نصير كأشراف جمع شريف

إلى اللّه متعلق بمحذوف وقع حالا من الياء أي من أنصاري متوجها الى اللّه ملتجئا إليه أو بأنصاري متضمنا معنى الإضافة كأنه قيل من الذين يضيفون أنفسهم إلى اللّه عز و جل ينصرونني كما ينصرني

وقيل إلى بمعنى في أي في سبيل اللّه

وقيل بمعنى اللام

وقيل بمعنى مع

قال استئناف مبني على سؤال ينساق إليه الذهن كأنه قيل فماذا قالوا في جوابه عليه الصلاة و السلام فقيل قال

الحواريون جمع حواري يقال فلان حواري فلان أي صفوته وخالصته من الحور وهو البياض الخالص ومنه الحواريات للحضريات لخلوص ألوانهن ونقائهن سمي به أصحاب عيسى عليه الصلاة و السلام لخلوص نياتهم ونقاء سرائرهم

وقيل لما عليهم من آثار العبادة وأنوارها

وقيل كانوا ملوكا يلبسون البيض وذلك أن واحدا من الملوك صنع طعاما وجمع الناس عليه وكان عيسى عليه الصلاة و السلام على قصعة لا يزال يأكل منها ولا تنقص فذكروا ذلك للملك فاستدعاه عليه الصلاة و السلام فقال له من أنت قال عيسى ابن مريم فترك ملكه وتبعه مع أقاربه فأولئك هم الحواريون

وقيل كانوا صيادين يصطادون السمك يلبسون الثياب البيض فيهم شمعون ويعقوب ويوحنا فمر بهم عيسى عليه الصلاة و السلام فقال لهم أنتم تصيدون السمك فإن اتبعتموني صرتم بحيث تصيدون الناس بالحياة الأبدية قالوا من أنت قال عيسى ابن مريم عبد اللّه ورسوله فطلبوا منه المعجزة وكان شمعون قد رمى شبكته تلك الليلة فما اصطاد شيئا فأمره عيسى عليه الصلاة و السلام بإلقائها في الماء مرة أخرى ففعل فاجتمع في الشبكة من السمك ما كادت تتمزق واستعانوا بأهل سفينة أخرى وملئوا السفينتين فعند ذلك آمنوا بعيسى عليه السلام

وقيل كانوا اثنى عشر رجلا آمنوا به عليه الصلاة و السلام واتبعوه وكانوا إذا جاعوا قالوا جعنا يا روح اللّه فيضرب بيده الأرض فيخرج منها لكل واحد رغيفان وإذا عطشوا قالوا

عطشنا فيضرب بيده الأرض فيخرج منها الماء فيشربون فقالوا من أفضل منا قال عليه الصلاة و السلام أفضل منكم من يعمل بيده وياكل من كسبه فصاروا يغسلون الثياب بالأجرة فسموا حواريين

وقيل إن أمه سلمته الى صباغ فأراد الصباغ يوما أن يشتغل ببعض مهماته فقال له عليه الصلاة و السلام ههنا ثياب مختلفة قد جعلت لكل واحد منها علامة معينة فاصبغها بتلك الألوان فغاب فجعل عليه الصلاة و السلام كلها في جب واحد وقال كوني بإذن اللّه كما أريد فرجع الصباغ فسأله فأخبره بما صنع فقال أفسدت على الثياب قال قم فانظر فجعل يخرج ثوبا أحمر وثوبا أخضر وثوبا أصفر الى أن أخرج الجميع على أحسن ما يكون حسبما كان يريد فتعجب منه الحاضرون وآمنوا به عليه الصلاة و السلام وهم الحواريون قال القفال ويجوز أن يكون بعض هؤلاء الحواريين الاثنى عشر من الملوك وبعضهم من صيادي السمك وبعضهم من القصارين وبعضهم من الصباغين والكل سموا بالحواريين لأنهم كانوا أنصار عيسى عليه الصلاة و السلام وأعوانه والمخلصين في طاعته ومحبته

نحن أنصار اللّه أي انصار دينه ورسوله

آمنا باللّه استئناف جار مجرى العلة لما قبله فإن الإيمان به تعالى موجب لنصرة دينه والذب عن أوليائه والمحاربة مع أعدائه

واشهد بأنا مسلمون مخلصون في الايمان منقادون لما تريد منا من نصرتك طلبوا منه عليه الصلاة و السلام الشهادة بذلك يوم القيامة يوم يشهد الرسل عليهم الصلاة والسلام لأممهم وعليهم إيذانا بأن مرمى غرضهم السعادة الأخروية

﴿ ٥٢