٩٢

لن تنالوا البر من ناله نيلا إذا أصابه والخطاب للمؤمنين وهو كلام مستأنف سيق لبيان ما ينفع المؤمنين ويقبل منهم إثر بيان مالا ينفع الكفرة ولا يقبل منهم أي لن تبلغوا حقيقة البر الذي يتنافس فيه المتنافسون ولن تدركوا شأوه ولن تلحقوا بزمرة الأبرار أو لن تنالوا بر اللّه تعالى وهو ثوابه ورحمته ورضاه وجنته

حتى تنفقوا أي في سبيل اللّه عز و جل رغبة فيما عنده ومن في قوله تعالى

مما تحبون تبعيضية ويؤيده قراءة من قرأ بعض ما تحبون

وقيل بيانيه وما موصوله أو موصوفة أي مما تهوون ويعجبكم من كرائم أموالكم وأحبها إليكم كما في قوله تعالى أنفقوا من طيبات ما كسبتم أو مما يعمها وغيرها من الأعمال والمهجة على ان المراد بالإنفاق مطلق البذل وفيه من الإيذان بعزة منال البر مالا يخفى وكان السلف رضي اللّه عنهم إذا أحبوا شيئا جعلوه للّه عز و جل وروى أنها لما نزلت جاء أبو طلحة فقال يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أن أحب أموالى إلى بير حاء فضعها يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حيث أراك اللّه فقال عليه السلام بخ بخ ذاك مال رايح أو رابح وإنى أرى أن تجعلها في الأقربين فقسمها في أقاربه وجاء زيد بن حارثة بفرس له كان يحبها فقال هذه في سبيل اللّه فحمل على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أسامة بن زيد فكأن زيدا وجد في نفسه وقال إنما أردت أن أتصدق به فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أما إن اللّه تعالى قد قبلها منك قيل وفيه دلالة على أن انفاق أحب الأموال على أقرب الأقارب أفضل وكتب عمر رضي اللّه عنه الى أبي موسى الأشعري أن يشتري له جارية من سبي جلولاء يوم فتحت مدائن كسرى فلما جاءت اليه أعجبته

فقال إن اللّه تعالى يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون فأعتقها وروى أن عمر بن عبد العزيز كانت لزوجته جارية بارعة الجمال وكان عمر راغبا فيها وكان قد طلبها منها مرارا فلم تعطها إياه ثم لما ولى الخلافة زينتها وأرسلتها إليه فقالت قد وهبتكها يا أمير المؤمين فلتخدمك قال من أين ملكتها قالت جئت بها من بيت أبي عبد الملك ففتش عن كيفية تملكه اياها فقيل إنه كان على فلان العامل ديون فلما توفي أخذت من تركته ففتش عن حال العامل وأحضر ورثته وأرضاهم جميعا بإعطاء المال ثم توجه الى الجارية وكان يهواها هوى شديدا فقال أنت حرة لوجه اللّه تعالى فقالت لم يا أمير المؤمنين وقد أزحت عن أمرها كل شبهة قال لست إذن ممن نهى النفس عن الهوى

وما تنفقوا من شيء ما شرطية جازمة لتنفقوا منتصبة به على المفعوليه ومن تبعيضية متعلقة بمحذوف هو صفة لاسم الشرط أي أي شئ تنفقوا كائنا من الأشياء فإن المفرد في مثل هذا الموضع واقع موقع الجمع

وقيل محل الجار والمجرور النصب على التمييز أي أي شيء تنفقوا طيبا تحبونه أو خبيثا تكرهونه

فإن اللّه به عليم تعليل لجواب الشرط واقع موقعه أي فمجازيكم بحسبه جيدا كان أو رديئا فإنه تعالى عليم بكل شيء تنفقونه علما كاملا بحيث لا يخفى عليه شيء من ذاته وصفاته وتقديم الجار والمجرور لرعاية الفواصل وفيه من الترغيب في انفاق الجيد والتحذير عن انفاق الرديء مالا يخفى

﴿ ٩٢