١٤٠

إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله القرح بالفتح والضم لغتان كالضعف والضعف وقد قرئ بهما

وقيل هو بالفتح والجراح وبالضم ألمها وقرئ بفتحين

وقيل القرح والقرح كالطرد والطرد والمعنى إن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم منهم قبله يوم بدر ثم لم يضعف ذلك قلوبهم ولم يثبطهم عن معاودتكم بالقتال فأنتم أحق بأن لا تضعفوا فإنكم ترجون من اللّه مالا يرجون

وقيل كلا المسين كان يوم أحد فإن المسلمين نالوا منهم قبل أن يخالفوا أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قتلوا منهم نيفا وعشرين رجلا منهم صاحب لوائهم وجرحوا عددا كثيرا وعقروا عامة خيلهم بالنبل

وتلك الأيام إشارة إلى الأيام الجارية فيما بين الأمم الماضية والآتية كافة لا إلى الأيام المعهودة خاصة من يوم بدر ويوم أحد بل هي داخلة فيها دخولا أوليا والمراد بها أوقات الظفر والغلبة

نداولها بين الناس نصرفها بينهم نديل لهؤلاء تارة ولهؤلاء أخرى كقول من قال

 ... فيوما علينا ... ويوما لنا ويوما نساء ويوما نسر ...

والمداولة كالمعاورة يقال داولته بينهم فتداولوه أي عاورته فتعاوره واسم الإشارة مبتدأ والأيام إما صفة له أو بدل منه أو عطف بيان له فنداولها خبره أو خبر فنداولها حال من الأيام والعامل معنى اسم الإشارة أو خبر بعد خبر وصيغة المضارع الدالة على التجدد والإستمرار للإيذان بأن تلك المداولة سنة مسلوكة فيما بين الأمم قاطبة سابقتها ولاحقتها وفيه ضرب من التسلية وقوله عز و جل

وليعلم اللّه الذين آمنوا إما من باب التمثيل أي ليعاملكم معاملة من يريد أن يعلم المخلصين الثابتين على الإيمان من غيرهم أو العلم فيه مجاز عن التمييز يطريق إطلاق اسم السبب على المسبب أي ليميز الثابتين على الإيمان من غيرهم كما في قوله تعالى ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب أو هو على حقيقته معتبر من حيث تعلقه بالمعلوم من حيث إنه موجود بالفعل إذ هو الذي يدور عليه فلك الجزاء لا من حيث إنه موجود بالقوة وإطلاق الإيمان مع أن المراد هو الرسوخ والأخلاص فيه للإيذان بأن أسم الإيمان لا ينطلق على غيره والألتفات إلى الغيبة بإسناده إلى أسم الذات المستجمع للصفات لتربية المهابة و الإشعار بأن صدور كل واحد مما ذكر بصدد التعليل من أفعاله تعالى باعتبار منشأ معين من صفاته تعالى مغاير لمنشأ الآخر و الجملة عله لما هو فرد من أفراد مطلق المداولة التي نطق بها قوله تعالى نداولها بين الناس من المداولة المعهودة الجارية بين لفريقي المؤمنين والكافرين واللام متعلقة بما دل عليه المطلق من الفعل المقيد بالوقوع بين الفريقين المذكورين أو بنفس الفعل المطلق باعتبار وقوعه بينهما والجملة معطوفة على علة أخرى لها معتبرة إما على الخصوص والتعيين محذوفة لدلالة المذكورة عليها لكونها من مباديها كأنه قيل نداولها بينكم وبين عدوكم ليظهر امركم وليعلم الخ فإن ظهور أعمالهم وخروجها من القوة إلى الفعل من مبادى تمييزهم عن غيرهم ومواجب تعلق العلم الأزلى بها من تلك الحيثية وكذا الحال في باب التمثيل فتأمل

وأما على العموم والإبهام للتنبيه على أن العلل غير منحصرة فيها عدد من الأمور وأن العبد يسوءه ما يجرى عليه من النوائب ولا يشعر بأن اللّه تعالى جعل له في ذلك من الألطاف الخفية مالا يخطر بالبال كأنه قيل نداولها بينكم ليكون من المصالح كيت وكيت وليعلم الخ وفيه من تأكيد التسلية ومزيد التبصرة مالا يخفى وتخصيص البيان بعلة هذا الفرد من مطلق المداولة دون سائر أفرادها الجارية فيما بين بقية الأمم تعيينا أو إبهاما لعدم تعلق الغرض العلمى ببيانها ولك أن تجعل المحذوف المبهم عبارة عن علل سائر أفرادها للإشارة إجمالا إلى أن كل فرد من أفرادها له علة داعية إليه كأنه قيل نداولها بين الناس كافة ليكون كيت وكيت من الحكم الداعية إلى تلك الافراد وليعلم الخ فاللام الأولى متعلقة بالفعل المطلق باعتبار تقييده بتلك اللإفراد والثانية باعتبار تقييده بالفرد المعهود

وقيل هي متعلقة بمحذوف مؤخر تقديره وليعلم اللّه الذين آمنوا فعل ذلك

ويتخذ منكم شهداء جمع شهيد أي ويكرم ناسا منكم بالشهادة وهم شهداء أحد فمن ابتدائية أو تبعيضية متعلقة بيتخذ أو بمحذوف وقع حالا من شهداء أو جمع شاهد أى ويتخذ منكم شهودا معدلين بما ظهر منهم من الثبات على الحق والصبر على الشدائد وغير ذلك من شواهد الصدق ليشهدوا على الأمم يوم القيامة فمن بيانية لأن تلك الشهادة وظيفة الكل دون المستشهدين فقط وأيا ما كان ففي لفظ الاتخاذ المنبئ عن الاصطفاء والتقريب من تشريفهم وتفخيم شأنهم مالا يخفى وقوله تعالى

واللّه لا يحب الظالمين اعتراض مقرر لمضمون ما قبله ونفى المحبة كناية عن البغض وفي إيقاعه على الظالمين تعريض بمحبته تعالى لمقابليهم والمراد بهم إما غير الثابتين على الإيمان فالتقرير من حيث أن بغضه تعالى لهم من دواعى إخراج المخلصين المصطفين للشهادة من بينهم

وأما الكفرة الذين أديل لهم فالتقرير من حيث إن ذلك ليس بطريق النصرة لهم فإنها مختصة بأوليائه تعالى بل لما ذكر من الفوائد العائدة إلى المؤمنين وقوله تعالى

﴿ ١٤٠