١٤٤ وما محمد إلا رسول مبتدأ وخبر ولا عمل لما بالاتفاق لانتقاض نفيه بالإ وقوله تعالى قد خلت من قبله الرسل صفة لرسول منبئة عن كونه في شرف الخلو فإن خلو مشاركيه في منصب الرسالة من شواهد خلوة عليه الصلاة و السلام لا محالة كأنه قيل قد خلت من قبله أمثاله فسيخلو كما خلوا والقصر قلبى فإنهم لما انقلبوا على أعقابهم فكأنهم اعتقدوا أنه عليه الصلاة و السلام رسول لا كسائر الرسل في أنه يخلو كما خلوا ويحب التمسك بدينه بعده كما يجب التمسك بدينهم بعدهم فرد عليهم بأنه ليس إلا رسولا كسائر الرسل فسيخلو كما خلوا ويجب التمسك بدينه كما يجب التمسك بدينهم وقيل هو قصر إفراد فإنهم لما استعظموا عدم بقائه عليه الصلاة و السلام لهم نزلوا منزلة المستبعدين لهلاكه كأنهم يعتقدون فيه عليه الصلاة و السلام وصفين الرسالة والبعد عن الهلاك فرد عليهم بأنه مقصور على الرسالة لايتجاوزها إلى البعد عن الهلاك فلا بد حينئذ من جعل قوله تعالى قد خلت الخ كلاما مبتدأ مسوقا لتقرير عدم براءته عليه الصلاة و السلام من الهلاك وبيان كونه أسوة لمن قبله من الرسل عليهم السلام وأيا ما كان فالكلام يخرج على خلاف مقتضى الظاهر أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم إنكار لارتدادهم وانقلابهم عن الدين بخلوة بموت أو قتل بعد علمهم بخلو الرسل قبله وبقاء دينهم متمسكا به وقيل الفاء للسببية والهمزة لإنكار أن يجعلوا خلو الرسل قبله سببا لانقلابهم بعد وفاته مع كونه سببا في الحقيقة لثباتهم على الدين وإيراد الموت بكلمة أن مع علمهم به البتة لتنزيل المخاطبين منزلة المترددين فيه لما ذكر من استعظامهم إياه وهكذا الحال في سائر الموارد فإن كلمة إن في كلام اللّه تعالى لا تجرى على ظاهرها قط ضرورة علمه تعالى بالوقوع أو اللاوقوع بل تحمل على اعتبار حال السامع أو أمر آخر يناسب المقام وتقديم تقدير الموت مع أن تقدير القتل هو الذي ثار منه الفتنة وعظم فيه المحنة لما أن الموت في شرف الوقوع فزجر الناس عن الانقلاب عنده وحملهم على التثبيت هناك أهم ولأن الوصف الجامع بينه وبين الرسل عليهم السلام هو الخلو بالموت دون القتل روى أنه لما التقى الفئتان حمل أبو دجانة في نفر من المسلمين على المشركين فقاتل قتالا شديدا وقاتل على بن أبي طالب رضي اللّه عنه قتالا عظيما حتى التوى سيفه وكذا سعد بن أبي وقاص فقتلوا جماعة من المشركين وهزموهم فلما نظر الرماة إليهم ورأوا أنهم قد انهزموا أقبلوا على النهب ولم يلتفتوا إلى نهى أميرهم عبد اللّه بن جبير فلم يبق منهم عنده إلا ثمانية نفر فلما رآهم خالد بن الوليد قد اشتغلوا بالغنيمة حمل عليهم في مائتين وخمسين فارسا من المشركين من قبل الشعب وقتلوا من بقى من الرماة ودخلوا خلف أقفية المسلمين ففرقوهم وهزموهم وحملوا على أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وقاتلوهم حتى أصيب هناك نحو ثلاثين رجلا كل منهم يجثوا بين يديه ويقول وجهى لوجهك وقاء ونفسي لنفسك فداء وعليك سلام اللّه غير مودع ورمى عبد اللّه بن قميئة الحارثي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بحجر فكسر رباعيته وشج وجهه الكريم فذب عنه مصعب بن عمير رضي اللّه عنه وكان صاحب الراية حتى قتله ابن قميئة وهو يزعم أنه قتل النبي فقال قتلت محمدا وصارخ قيل إنه إبليس ألا إن محمدا قد قتل فانكفأ الناس وجعل الرسول يدعو إلى عباد اللّه قال كعب بن مالك كنت أول من عرف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من المسلمين فناديت بأعلى صوتي يا معشر المسلمين هذا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فانحاز إليه ثلاثون من أصحابه وحموه حتى كشفوا عنه المشركين وتفرق الباقون وقال بعضهم ليت بن أبي يأخذ لنا أمانا من أبي سفيان وقال ناس من المنافقين لو كان نبيا لما قتل ارجعوا إلى إخوانكم وإلى دينكم فقال أنس بن النضر وهو عم أنس بن مالك يا قوم إن كان قتل محمد فإن رب محمد حى لا يموت وما تصنعون بالحياة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقاتلوا على ما قاتل عليه وموتوا كراما على ما مات عليه ثم قال اللّهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء ثم شد بسيفه وقاتل حتى قتل وتجويزهم لقتله عليه الصلاة و السلام مع قوله تعالى واللّه يعصمك من الناس لما أن كل آية ليس يسمعها كل أحد ولا كل من يسمعها يستحضرها في كل مقام لاسيما في مثل ذلك المقام الهائل وقد غفل عمر رضى اللّه عنه عن هذه الآية الكريمة عند وفاته عليه الصلاة و السلام وقام في الناس فقال إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم توفى وإن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما مات ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران فغاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع واللّه ليرجعن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ولأقطعن أيدى رجال وأرجلهم يزعمون أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مات ولم يزل يكرر ذلك إلى أن قام أبو بكر رضي اللّه عنه فحمد اللّه عز و جل وأثنى عليه ثم قال أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد اللّه فإن اللّه حى لايموت ثم تلا وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل الآية قال الراوى واللّه لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى تلاها أبو بكر وقال عمر رضي اللّه عنه واللّه ما هو إلا أن سمعت أبا بكر رضي اللّه عنه يتلو فعقرت حتى ماتحملنى رجلاى وعرفت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد مات ومن ينقلب على عقبيه بإدباره عما كان يقبل عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من أمر الجهاد وغيره وقيل بارتداده عن الإسلام وما أرتد يومئذ أحد من المسلمين إلا ما كان من المنافقين فلن يضر اللّه بما فعل من الانقلاب شيئا أي شيئا من الضرر وإنما يضر نفسه بتعريضها للسخط والعذاب وسيجزى اللّه الشاكرين أي الثابتين على دين الإسلام الذي هو أجل نعمة وأعز معروف سموا بذلك لأن الثبات عليه شكر له وعرفان لحقه وفيه إيماء إلى كفران المنقلبين وروى عن ابن عباس رضى اللّه عنهما أن المراد بهم الطائعون للّه تعالى من المهاجرين والأنصار وعن على رضي اللّه عنه أبو بكر وأصحابه رضي اللّه عنهم وعنه رضي اللّه عنه أنه قال أبو بكر من الشاكرين ومن أحباء اللّه تعالى وإظهار الاسم الجليل في موقع الإضمار لإبراز مزيد الاعتناء بشأن جزائهم |
﴿ ١٤٤ ﴾