١٥٤

ثم أنزل عليكم عطف على قوله تعالى فأثابكم والخطاب للمؤمنين حقا

من بعد الغم أي الغم المذكور والتصريح بتأخر الإنزال عنه مع دلالة ثم عليه وعلى تراخيه عنه لزيادة البيان وتذكير عظم النعمة كما في قوله تعالى ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا الآية

أمنه أي أمنا نصب على المفعولية وقوله تعالى

نعاسا بدل منها أو عطف بيان

وقيل مفعول له أو هو المفعول وأمنه حال منه متقدمة عليه أو مفعول له أو حال من المخاطبين على تقدير مضاف أي ذوى أمنة أو على أنه جمع آمن كبار وبررة وقرئ بسكون الميم كأنها مرة من الأمن وتقديم الظرفين على المفعول الصريح لما مر

غير مرة من الاعتناء بشأن المقدم والتشويق إلى المؤخر وتخصيص الخوف من بين فنون الغم بالإزالة لأنه المهم عندهم حينئذ لما أن المشركين لما أنصرفوا كانوا يتوعدون المسلمين بالرجوع فلم يأمنوا اكرتهم وكانوا تحت الحجف متأهبين للقتال فانزل اللّه تعالى عليهم الأمنة فأخذهم النعاس قال ابن عباس رضي اللّه عنهما أمنهم يومئذ بنعاس تغشاهم بعد خوف وإنما ينعس من أمن والخائف لا ينام وقال الزبير رضي اللّه عنه كنت مع النبي حين اشتد الخوف فانزل اللّه علينا النوم واللّه لأسمع قول معتب بن قشير والنعاس يغشاني ما أسمعه الا كالحلم يقول لو كان لنا من ألمر شيء ما قلنا إنى ههنا وقال أبو طلحة رضى اللّه عنه رفعت رأسى يوم احد فجعلت لا أرى أحدا من القوم إلا وهو يميد تحت حجفته من النعاس قال وكنت ممن ألقى عليه النعاس يومئذ فكان السيف يسقط من يدى فآخذه ثم يسقط السوط من يدى فآخذه وفيه دلالة على أن من المؤمنين من لم يلق عليه النعاس كما ينبئ عنه قوله عز و جل

يغشى طائفة منكم قال ابن عباس هم المهاجرون وعامة الأنصار ولا يقدح ذلك في عموم الإنزال للكل والجملة في محل النصب على انها صفة لنعاسا وقرئ بالتاء على أنها صفة لأمنه وفيه أن الصفة حقها أن تتقدم على البدل وعطف البيان وأن لا يفصل بينها وبين الموصوف بالمفعول له وأن المعهود أن يحدث عن البدل دون المبدل منه

وطائفة قد أهمتهم أنفسهم أي أوقعتهم في الهموم والأحزان أو ما بهم إلا هم أنفسهم وقصد خلاصها من قولهم همنى الشئ أي كان من همتى وقصدى والقصر مستفاد بمعونة المقام وطائفة مبتدأ وما بعدها اما خبرها وإنما جاز ذلك مع كونها نكرة لاعتمادها على واو الحال كما في قوله

... سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا ... محياك أخفى ضوءه كل شارق ...

أو لوقوعها في موضع التفصيل كما في قوله

... إذا ما بكى من خلفها انصرفت له بشق ... وشق عندنا لم يحول ...

وأما صفتها والخبر محذوف أي ومعكم طائفة أو وهناك

وقيل تقديره ومنكم طائفة وفيه أنه يقتضى دخول المنافقين في الخطاب بإنزال الأمنة وأيا ما ما كان فالجملة إما حالية مبينة لفظاعة الهول مؤكدة لعظم النعمة في الخلاص عنه كما في قوله تعالى أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم

وأما مستأنفة مسوقة لبيان حال المنافقين وقوله عز و جل

يظنون باللّه حال من ضمير أهمتهم أو من طائفة لتخصصها بالصفة أو صفة أخرى لها أو خبر بعد خبر أو استئناف مبين لما قبله وقوله تعالى

غير الحق في حكم المصدر أي يظنون به تعالى غير الظن الحق الذي يجب أن يظن به سبحانه وقوله تعالى

ظن الجاهلية بدل منه وهو الظن المختص بالملة الجاهلية والإضافة كما في حاتم الجود ورجل صدق وقوله تعالى

يقولون بدل من يظنون لما ان مسئلتهم كانت صادرة عن الظن أي يقولون لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على صورة الاسترشاد

هل لنا من الأمر أي من أمراللّه تعالى ووعده من النصر والظفر

من شئ أي من نصيب قط أو هل لنا من التدبير من شئ وقوله تعالى

قل إن الأمر كله للّه أي الغلبة بالآخرة للّه تعالى ولأوليائه فإن حزب اللّه هم الغالبون أو ان التدبير كله للّه فإنه تعالى قد دبر الأمر كما جرى في سابق قضائه فلا مرد له وقرئ كله بالرفع على الابتداء وقوله تعالى

يخفون في أنفسهم أي يضمرون فيها أو يقولون فيما بينهم بطريق الخفية

مالا يبدون لك استئناف أو حال من ضمير يقولون وقوله تعالى إن الأمرالخ اعتراض بين الحال وصاحبها

أي يقولون ما يقولون مظهرين أنهم مسترشدون طالبون للنصر مبطنين الإنكار والتكذيب وقوله تعالى

يقولون استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ مما قبله كأنه قيل أي شئ يخفون فقيل يحدثون أنفسهم أو يقول بعضهم لبعض فيما بينهم خفية

لو كان لنا من الأمر شئ كما وعد محمد عليه الصلاة و السلام من ان الغلبة للّه تعالى ولأوليائه وأن الأمر كله للّه أو لو كان لنا من التدبير والراى شئ

ما قتلنا ههنا أي ما غلبنا أو ما قتل من قتل منا في هذه المعركة على أن النفى راجع إلى نفس القتل لا إلى وقوعه فيها فقط ولما برحنا من منازلنا كما رآه ابن أبي ويؤيده تعيين مكان القتل وكذا قوله تعالى

قل لو كنتم في بيوتكم أي لو لم تخرجوا إلى أحد وقعدتم بالمدينة كما يقولون

لبرز الذين كتب عليهم القتل أى في اللوح المحفوظ بسبب من الأسباب الداعية إلى البروز

إلى مضاجعهم إلى مصارعهم التى قدر اللّه تعالى قتلهم فيها وقتلوا هنالك البتة ولم تنفع العزيمة على الإقامة بالمدينة قطعا فإن قضاء اللّه تعالى لا يرد وحكمه لا يعقب وفيه مبالغة في رد مقالتهم الباطلة حيث لم يقتصر على تحقيق نفس القتل كما في قوله عز و جل أينما تكونوا يدرككم الموت بل عين مكانه أيضا ولا ريب في تعين زمانه أيضا لقوله تعالى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون روى أن ملك الموت حضر مجلس سليمان عليه الصلاة و السلام فنظر إلى رجل من أهل المجلس نظرة هائلة فلما قام قال الرجل من هذا فقال سليمان عليه السلام ملك الموت قال ارسلنى مع الريح إلى عالم آخر فإني رأيت منه مراى هائلا فأمرها عليه السلام فألقته في قطر سحيق من أقطار العالم فما لبث أن عاد ملك الموت إلى سليمان عليه السلام فقال كنت أمرت بقبض روح ذلك الرجل في هذه الساعة في أرض كذا فلما وجدته في مجلسك قلت متى يصل هذا إليها وقد أرسلته بالريح إلى ذلك المكان فوجدته هناك فقضى أمر اللّه عز و جل في زمانه ومكانه من غير إخلال بشئ من ذلك وقرئ كتب على البناء للفاعل ونصب القتل وقرئ كتب عليهم القتال وقرئ لبرز بالتشديد على البناء للمعفول

وليبتلى اللّه ما في صدوركم أي ليعاملكم معاملة من يبتلى ما في صدوركم من الإخلاص والنفاق ويظهر ما فيها من السرائر وهو علة لفعل مقدر قبلها معطوفة على علل لها أخرى مطوية للإيذان بكثرتها كأنه قيل فعل ما فعل لمصالح جمة وليبتلى الخ وجعلها عللا لبرز يا باه الذوق السليم فإن مقتضى المقام بيان حكمة ما وقع يومئذ من الشدة والهول لا بيان حكمة البروز المفروض أو لفعل مقدر بعدها أي وللابتلاء المذكور فعل ما فعل لا لعدم العناية بأمر المؤمنين ونحو ذلك وتقدير الفعل مقدما خال عن هذه المزية

وليمحص ما في قلوبكم من مخفيات الأمور ويكشفها أو يخلصها من الوساوس

واللّه عليم بذات الصدور أي السرائر والضمائر الخفية التى لا تكاد تفارق الصدور بل تلازمها وتصاحبها والجمة إما اعتراض للتنبيه على أن اللّه تعالى غنى إن الابتلاء وإنما يبرز صورة الابتلاء لتمرين المؤمنين وإظهار حال المنافقين أو حال من متعلق الفعلين اي فعل ما فعل للابتلاء والتمحيص والحال أنه تعالى غنى غنهما محيط بخفيات الأمور وفيه وعد ووعيد إن

﴿ ١٥٤