١٦٩

ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللّه امواتا كلام مستأنف مسوق لبيان أن القتل الذي يحذرونه ويحذرون الناس منه ليس مما يحذر بل هو من أجل المطالب التي يتنافس فيها المتنافسون إثر بيان أن الحذر لا يجدى ولا يغني وقرئ ولا تحسبن بكسر السين والمراد بهم شهداء أحد وكانوا سبعين رجلا اربعة من المهاجرين حمزة بن عبد المطالب ومصعب بن عمير وعثمان بن شهاب وعبداللّه بن جحش وباقيهم من الانصار رضوان اللّه تعالى عليهم اجمعين والخطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أو لكل احد ممن له حظ من الخطاب وقرئ بالياء على الإسناد الى ضميره عليه السلام أو ضمير من يحسب

وقيل الى الذين قتلوا والمفعول الأول محذوف لأنه في الأصل مبتدأ جائز الحذف عندالقرينة والتقدير ولا يحسبنهم الذين قتلوا أمواتا أي لا يحسبن الذين قتلوا أنفسهم أمواتا على أن المراد من توجيه النهي اليهم تنبيه السامعين على أنهم احقاء بأن يسلوا بذلك ويبشروا بالحياة الأبدية والكرامة السنية والنعيم المقيم لكن لا في جميع أوقاتهم بل عند ابتداء القتل إذ بعد تبين حالهم لهم لا يبقى لأعتبار تسليتهم وتبشيرهم فائدة ولا لتنبيه السامعين وتذكيرهم وجه وقرئ قتلوا بالتشديد لكثرة المقتولين

بل أحياء أي بل هم احياء وقرئ منصوبا أي بل احسبهم احياء على أن الحسبان بمعنى اليقين كما في قوله

 ... حسبت التقى والمجد خير تجارة ... رباحا إذا ما المرء اصبح ثاقلا ...

أو على انه وارد على طريق المشاكلة

عند ربهم في محل الرفع على أنه خبر ثان للمبتدأ المقدر أو صفة لأحياء أو في محل النصب على انه حال من الضمير في أحياء

وقيل هو ظرف لأحياء أو للفعل بعده والمراد بالعندية التقرب والزلفى وفي التعرض لعنوان الربوبية المنبئة عن التربية والتبليغ الى الكمال مع الإضافة الى ضميرهم مزيد تكرمة لهم

يرزقون أي من الجنة وفيه تأكيد لكونهم احياء وتحقيق لمعنى حياتهم قال الإمام الواحدي الأصح في حياة الشهداء ما روى عن النبي صلى اللّه عليه و سلم من أن ارواحهم في اجواف طيور خضر وأنهم يرزقون ويأكلون ويتنعمون وروى عنه عليه السلام أنه قال لما اصيب إخوانكم بأحد جعل اللّه ارواحهم في اجواف طيور خضر تدور في أنهار الجنة وروى ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتسرح من الجنة حيث شاءت وتأوى الى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش وفيه دلالة على أن روح الإنسان جسم لطيف لا يفنى بخراب البدن ولا يتوقف عليه إدراكه وتألمه والتذاذه ومن قال بتجريد النفوس البشرية يقول المراد أن نفوس الشهداء تتمثل طيورا خضرا أو تتعلق بها فتلتذ بما ذكر

وقيل المراد انها تتعلق بالافلاك والكواكب فتلتذ بذلك وتكتسب زيادة كمال

﴿ ١٦٩