٤٨ إن اللّه لا يغفر أن يشرك به كلام مستأنف مسوق لتقرير ما قبله من الوعيد و تأكيد وجوب الامتثال بالأمر بالإيمان ببيان استحالة المغفرة بدونه فإنهم كانوا يفعلون ما يفعلون من التحريف و يطمعون في المغفرة كما في قوله تعالى فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى أي على التحريف و يقولون سيغفر لنا و المراد بالشرك مطلق الكفر المنتظم لكفر اليهود انتظاما أوليا فإن الشرع قد نص على إشراك أهل الكتاب قاطبة و قضى بخلود أصناف الكفرة في النار و نزوله في حق اليهود كما قال مقاتل و هو الأنسب بسياق النظم الكريم و سياقه لا يقتضي اختصاصه بكفرهم بل يكفي اندراجه فيه قطعا بل لا وجه له أصلا لاقتضائه جواز مغفرة ما دون كفرهم في الشدة من أنواع الكفر أي لا يغفر الكفر لمن اتصف به بلا توبة و إيمان لأن الحكمة التشريعية مقتضية لسد باب الكفر و جواز مغفرته بلا إيمان مما يؤدي إلى فتحه و لأن ظلمات الكفر و المعاصي إنما يسترها نور الإيمان فمن لم يكن له إيمان لم يغفر له شيء من الكفر و المعاصي ويغفر ما دون ذلك عطف على خبر إن و ذلك إشارة إلى الشرك وما فيه من معنى البعد مع قربه في الذكر للإيذان ببعد درجته و كونه في أقصى مراتب القبح أي ويغفر ما دونه في القبح من المعاصي صغيرة كانت أو كبيرة تفضلا من لدنه و إحسانا من غير توبة عنها لكن لا لكل أحد بل لمن يشاء أي لمن يشاء أن يغفر له ممن اتصف به فقط لا بما فوقه فإن مغفرتهما لمن اتصف بهما سواء في استحالة الدخول تحت المشيئة المبنية على الحكمة التشريعية فإن اختصاص مغفرة المعاصي من غير توبة بأهل الإيمان من الترغيب فيه و الزجر عن الكفر ومن علق المشيئة بكلا الفعلين و جعل الموصول الأول عبارة عمن لم يتب و الثاني عمن تاب فقد ضل سواء الصواب كيف لا و أن مساق النظم الكريم لإظهار كمال عظم جريمة الكفر و امتيازه عن سائر المعاصي ببيان استحالة مغفرته و جواز مغفرتها فلو كان الجواز على تقدير التوبة لم يظهر بينهما فرق للإجماع على مغفرتهما بالتوبة و لم يحصل ما هو المقصود من الزجر البليغ عن الكفر و الطغيان و الحمل على التوبة و الإيمان ومن يشرك باللّه إظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لزيادة تقبيح الإشراك و تفظيع حال من يتصف به فقد افترى إثما عظيما أي افترى و اختلق مرتكبا إثما لا يقادر قدره و يستحقر دونه جميع الآثام فلا تتعلق به المغفرة قطعا |
﴿ ٤٨ ﴾