٤٩

ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم تعجيب من حالهم المنافية لما هم عليه من الكفر و الطغيان و المراد بهم اليهود الذين يقولون نحن أبناء اللّه و أحباؤه و قيل ناس من اليهود جاءوا بأطفالهم إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالوا هل على هؤلاء ذنب فقال لا قالوا ما نحن إلا كهيئتهم ما عملنا بالنهار كفر عنا بالليل وما عملنا بالليل كفر عنا بالنهار أي انظر إليهم فتعجب من ادعائهم أنهم أزكياء عند اللّه تعالى مع ما هم عليه من الكفر و الإثم العظيم أو من ادعائهم التكفير مع استحالة أن يغفر للكافر شيء من كفره أو معاصيه و فيه تحذير من إعجاب المرء بنفسه و بعمله

بل اللّه يزكي من يشاء عطف على مقدر ينساق إليه الكلام كأنه قيل هم لا يزكونها في الحقيقة لكذبهم و بطلان اعتقادهم بل اللّه يزكي من يشاء تزكيته ممن يستأهلها من المرتضين من عباده المؤمنين إذ هو العليم الخبير بما ينطوي عليه البشر من المحاسن و المساوى و قد وصفهم اللّه بما هم متصفون به من القبائح و أصل التزكية نفى ما يستقبح بالفعل أو القول

ولا يظلمون عطف على جملة قد حذفت تعويلا على دلالة الحال عليها و إيذانا بأنها غنية عن الذكر أي يعاقبون بتلك الفعلة القبيحة و لا يظلمون في ذلك العقاب

فتيلا أي أدنى ظلم و أصغره و هو الخيط الذي فى شق النواة يضرب به المثل في القلة و الحقارة و قيل التقدير يثاب المزكون ولا ينقص من ثوابهم شيء أصلا و لا يساعده مقام الوعيد

﴿ ٤٩