٩٥ لايستوى القاعدون بيان لتفاوت طبقات المؤمنين بحسب تفاوت درجات مساعيهم في الجهاد بعد ما مر من الأمر به وتحريض المؤمنين عليه ليأنف القاعد عنه ويترفع بنفسه عن انحطاط رتبته فيهتزله رغبة في ارتفاع طبقته والمراد بهم الذين إذن لهم في القعود عن الجهاد اكتفاء بغيرهم قال ابن عباس رضى اللّه تعالى عنهما هم القاعدون عن بدر والخارجون إليها وهو الظاهر الموافق لتاريخ النزول لا ما روى عن مقاتل من أنهم الخارجون إلى تبوك فإنه مما لا يوافقه التاريخ ولا يساعده الحال إذ لم يكن للمتخلفين يومئذ هذه الرخصة وقوله تعالى من المؤمنين متعلق بمحذوف وقع حالا من القاعدين أى كائنين من المؤمنين وفائدتها الإيذان من أول الأمر بعدم إخلال وصف القعود بإيمانهم والإشعار بعلة استحقاقهم لما سيأتى من الحسنى غير أولى الضرر صفة للقاعدون لجريانه مجرئ النكرة حيث لم يقصد به قوم باعيانهم أو بدل منه وقرئ بالنصب على أنه حال منه أو استثناء وبالجر على أنه صفة للمؤمنين أو بدل منه والضرر المرض أو العاهة من عمى أو عرج أو زمانه أو نحوها وفي معناه العجز عن الأهبة عن زيد بن ثابت رضى اللّه تعالى عنه أنه قال كنت إلى جنب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فغشيته السكينة فوقعت فخذه على فخذى حتى خشيت أن ترضها ثم سرى عنه فقال اكتب فكتبت لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون فقال ابن أم مكتوم وكان أعمى يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين فغشيته السكينة كذلك ثم سرى عنه فقال اكتب لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون إيرادهم بهذا العنوان دون الخروج المقابل لوصف المعطوف عليه كما وقع في عبارة ابن عباس رضى اللّه تعالى عنهما وكذا تقييد المجاهدة بكونها في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم لمدحهم بذلك والإشعار بعلة استحقاقهم لعلو المرتبة مع ما فيه من حسن موقع السبيل في مقابلة القعود وتقديم القاعدين في الذكر والإيذان من أول الأمر بان القصور الذى ينبئ عنه عدم الاستواء من جهتهم لا من جهة مقابليهم فإن مفهوم عدم الاستواء بين الشيئين المتفاوتين زيادة ونقصانا وإن جاز اعتباره بحسب زيادة الزائد لكن المتبادر اعتباره بحسب قصور القاصر وعليه قوله تعالى هل يستوى الأعمى والبصير أم هل تستوى الظلمات والنور إلى غير ذلك وأما قوله تعالى هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون فلعل تقديم الفاضل فيه لأن صلته ملكة لصلة المفضول وقوله عز و جل فضل اللّه المجاهدين باموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة استئناف مسوق لتفضيل ما بين الفريقين من التفاضل المفهوم من ذكر عدم استوائهما إجمالا ببيان كيفيته وكميته مبنى على سؤال ينساق إليه المقال كأنه قيل كيف وقع ذلك فقيل اللّه الخ وأما تقدير ما لهم لا يستووى فإنما يليق بجعل الاستئناف تعليلا لعدم الاستواء مسوقا لإثباته وفيه تعكيس ظاهر فإن الذي يحق أن يكون مقصودا بالذات إنما هو بيان تفاضل الفريقين على درجات متفاوته وأما عدم استوائهما فقصارى أمره أن يكون توطئه لذكره ولام المجاهدين والقاعدين للعهد فقيد كون الجهاد في سبيل اللّه معتبر في الأول كما أن قيد عدم الضرر معتبر في الثاني ودرجة نصب على المصدريه لوقوعها موقع المرة من التفضيل أي فضل اللّه تفضيله أو على نزع الخافض أي بدرجة وقيل على التمييز وقيل على الحالية من المجاهدين أي ذوي درجة وتنوينها للتفخيم وقوله تعالى وكلا مفعول اول لما يعقبه قدم عليه لإفادة القصر تأكيدا للوعد أي كل واحد من المجاهدين والقاعدين وعد اللّه الحسنى أي المثوبة الحسنى وهي الجنة لا احدهما فقط كما في قوله تعالى وارسلناك للناس رسولا على أن اللام متعلقة برسولا والجملة اعتراض جئ به تداركا لما عسى يوهمه تفضيل أحد الفريقين على الآخر من حرمان المفضول وقوله عز و جل وفضل اللّه المجاهدين على القاعدين عطف على قوله تعالى فضل اللّه الخ واللام في الفريقين مغنية لهما عن ذكر القيود التي تركت على سبيل التدريج وقوله تعالى أجرا عظيما مصدر مؤكد لفضل على انه بمعنى اجر وإيثار على ما هو مصدر من فعله للإشعار بكون ذلك التفضيل أجرا لأعمالهم أو مفعول ثان له بتضمينه معنى الإعطاء أي اعطاهم زيادة على القاعدين أجرا عظيما وقيل هو منصوب بنزع الخافض أي فضلهم بأجر عظيم وقوله تعالى |
﴿ ٩٥ ﴾